التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 15 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

———————————-

السياسة التركية الجادّة لضبط إسرائيل/ فاطمة ياسين

13 ابريل 2025

أثير لغط بشأن جديد الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع عسكرية ومطارات في الداخل السوري، طاولت مناطق في حماة وحمص، وعلى إثرها خرجت تصريحات من تركيا وإسرائيل، فأكّد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أن بلاده لا تريد أن ترى أيّ مواجهة مع إسرائيل في سورية، لأن سورية ملك للسوريين. وكان نتنياهو قد قال أيضاً إن إسرائيل لا تسعى إلى مواجهة. أوضح الطرفان فور انقشاع دخان الغارات رغبتهما في تجنّب المواجهة.

السياق الذي تظهر فيه الضربات الإسرائيلية، والتصريحات التي أعقبتها، ينبئان بمحاولة جدّية لإيجاد مسافة كافية بين الطرفَين، مع تفهّم التضارب في المبادئ الذي يقود كليهما، فلتركيا الآن وجود فعلي في سورية، وهي من ساعد الإدارة الجديدة في الوصول إلى الحكم، وتتمتّع باحترام وتقدير منها، والجانب السوري يحاول بناء أفضل العلاقات مع تركيا خصوصاً في الشقّ العسكري، وهذا ما جعل إسرائيل تبدي توجّساً، وتتحرّك بمنطق ردّة الفعل الفوري، الذي عادة ما يأتي عنيفاً من حكومة نتنياهو، وهو ما حاولت تركيا امتصاصه ومحاولة بناء بروتوكول جديد ينظّم العلاقة بينهما، منعاً للتصعيد المتزايد.

تؤمن تركيا بأن الإدارة السورية الجديدة تحتاج بشدّة إلى الهدوء من أجل العمل المثمر، وقد تمادت إسرائيل في عملياتها العسكرية، وخاصّة التي تطاول مناطق الوسط السوري التي تبرّرها إسرائيل تحت عنوان “تدمير سلاح النظام البائد”، رغم أن هذا العنوان سقط بسقوط النظام نفسه. لذا، كان التدخّل التركي مطلوباً، فالحديث وجهاً لوجه مع إسرائيل أمر يتجاوز رغبة القيادة الحالية السورية، فرغم تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع بأن سورية ليس لديها نيات عسكرية ضدّ أحد، نظراً إلى التحدّيات الداخلية التي تواجهها في أكثر من صعيد، إلا أن إسرائيل تصرّ على عدم وجود أيّ من أنواع القدرات العسكرية في حدودها، وقد كانت تفاهماتها مع نظام الأسد تؤمّن حدودها، إذ التزم الأسد بخطوط تماسّه العسكرية باردةً إلى حدّ التجمّد، ما أحدث حالة من الطمأنينة، توحي إسرائيل اليوم بأنها حالة لم تعد مضمونةً بوجود مجموعة حاكمة جديدة ذات شكل إسلامي.

يدخل الرئيس الأميركي ترامب في خطّ التفاهم مع تركيا وإسرائيل، والأخيرة تدرك وجود علاقة حارّة تربط ترامب وأردوغان، وتريد أن تستثمر في العلاقة مُحاوِلةً كشف النيّات التركية حول سورية من النواحي العسكرية، وترغب بتطمينات يضمنها ترامب لتبقى حدودها مع سورية هادئةً لتتجنّب فتح جبهة جديدة، وكانت إسرائيل قد تصرّفت بشكل منفرد عقب سقوط الأسد باختراق الشريط الأمني العازل المحاذي للجولان والصعود إلى جبل الشيخ، فتشرف على المنطقة الحدودية، ولم يبالِ القادة الإسرائيليون بتحذيرات أممية عديدة في هذا الشأن. وبعد أن أمّنت حدودها المباشرة، ترغب إسرائيل في مزيد من الأمان يحميها من أيّ هجمات مباغتة بمسيّرات أو تسلّلات عسكرية، وتعتقد إسرائيل أن علاقة تركيا بالإدارة السورية الجديدة تؤهّلها لمنح ضمان من هذا النوع.

يدرك حكّامُ دمشق الجدد حاجةَ سورية العسكرية الملحّة إلى تركيا في هذه المرحلة، وكذلك يعرفها الأتراك، فالدولة بدأت من مرحلة ما قبل الصفر بلا أيّ بنية عسكرية، وقد تم استهلاكها أو تدميرها في مدى السنوات السابقة في أتون الحرب على الشعب السوري أو تحت ضربات القوات الإسرائيلية، وهي بحاجة إلى إعادة بناء كلّي، لضرورة الجانب العسكري في تحقيق الأمن والاستقرار في سورية، التي تقع في فالق سياسي خطير جدّاً، وخصوصاً في وجود دول إقليمية لا تُخفي موقفها المعادي لسورية، والدور التركي مطلوب لتحقيق التوازن، وإسرائيل تعرف ذلك وتدركه، وتؤمن بضرورة إبعاد إيران عن المشهد، أو تحييدها نهائياً، ومحادثات اليوم بين تلّ أبيب وأنقرة، التي وصفها فيدان بالفنّية، تصبّ في هذا الإطار، ومن المتوقّع أن نجد تعاوناً سورياً تركياً واسعاً تحت نظر وسمع إسرائيل، ومن دون اعتراض أميركي، أو حتى روسي.

العربي الجديد

————————

سوريا: تحدي التقسيم ومساعي الانفصال/ فايز سارة

15 نيسان 2025

يميل البعض إلى قول إن سوريا قيد التقسيم أو في الطريق إليه، ويستند القائلون في قولهم إلى ما يظهر في الواقع السوري الراهن من اختلافات وصراعات بين سلطة العهد الجديد المكرسة في دمشق، وسلطة الأمر الواقع في شمال شرقي سوريا التي تمثلها «الإدارة الذاتية»، وما يظهر من اختلافات وتباينات بين سلطة دمشق وبؤر الحراك المدني والعسكري بمحافظتَي الجنوب السوري في السويداء ودرعا. ولا ينسى المتحدثون عن التقسيم في سوريا الإشارة تصريحاً وتلميحاً إلى الساحل السوري الذي كان في الشهر الماضي مسرحاً لصراعات مأساوية، أطلقت بدايتها بعض فلول نظام الأسد، وصعّد بها متطرفون في الجانب المقابل، ذهب ضحيتها جنود من الأمن العام ومن الجيش السوري الجديد، وضحايا مدنيون عزل من الساحل السوري بينهم أطفال ونساء وشيوخ، وصعود في نزعة انفصال الساحل، وربطها أحياناً بطلب تدخل دولي.

وتعود الاختلافات والصراعات بين سلطة العهد الجديد في دمشق والأطراف السياسية/ العسكرية في المناطق الثلاث إلى أسباب سياسية محورها نزاع على الشرعية، إن لم يكن بصورة واضحة وعلنية، فإنه صراع قائم بالنتيجة، حيث يتم التشكيك بما تقوم بها سلطة دمشق من خطوات وإجراءات، يبنى عليها ويتعزز خلاف سياسي مثل الاختلاف حول حصة كل طرف في السلطة، ومطالبة كل طرف بمزايا تستند إلى ضرورة المشاركة، والتي هي حق مشروع، لكنها في التطبيق تذهب نحو خلق كيانات داخل كيان يفترض أن يكون موحداً، من طراز أن يتم انضمام «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) إلى الجيش السوري على أساس بقاء هياكلها وسماتها الحالية، مما سيخلق «جيشاً» من مؤسستين مختلفتين، وثمة أشياء مقاربة في المنطقتين الأخريين تكشف نزوع الأطراف نحو وحدة شكلية في الدولة السورية تقوم على تشارك أطراف وهياكل مختلفة ومتناقضة.

وإذا كانت السياسات والإجراءات السابقة التي تتابعها قوى سياسية/ عسكرية، تمثل سنداً محلياً يدعم نزعات التقسيم أو الانفصال في سوريا، فإن الأخيرة تجد لها مساندة خارجية تدعم وتساند فكرة التقسيم، ومساعي الانفصال عن سوريا، واتخذت المساندة الخارجية في الفترة الأخيرة أشكالاً عملية وليست سياسية فقط. وإن كان لا بد من إشارة إلى أطراف محددة، فإن الأهم إيران وإسرائيل، ثم روسيا التي لعبت دوراً خاصاً في الساحل وأحداثه الأخيرة يستحق وقفة تفصيلية.

وتكمن أهمية الدور الإيراني في تعزيز علاقاتها مع القبضة الحاكمة في «الإدارة الذاتية» المنتمية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وهي علاقة وثيقة نمت في فترة الوجود الإيراني في سوريا، حيث تشارك الطرفان العداء للمعارضة السورية السياسية والمسلحة، ومعه العداء لتركيا ووجودها في سوريا الذي يتناقض جوهرياً مع وجود وأهداف الحليفين، وسعت إيران إثر خروجها من سوريا بعد سقوط نظام الأسد إلى تواصل مع شخصيات في الجنوب السوري لتنشيط معارضتهم للنظام الجديد في دمشق، لكن الأهم في دور إيران بدا في الإعلان عن تشكيل جبهة المقاومة الإسلامية، وتأكيد دعمها الذي سبق أحداث الساحل التي فجّرها فلول النظام الشهر الماضي، ونالت دعماً متعدد الجوانب من إيران وميليشياتها في الجوار السوري ممثلة بـ«حزب الله» اللبناني والميليشيات العراقية.

وسار الدور الإسرائيلي بموازاة الدور الإيراني في تعزيز علاقات مع شخصيات وجماعات في المناطق الثلاث وسط تركيز خاص على السويداء، شاركت فيه الحكومة الإسرائيلية من جهة وزعماء من الطائفة الدرزية في إسرائيل ركزت على دعم بعض الحراك بالسويداء في المجالين السياسي والمادي وصولاً إلى فتح أبواب سوق العمل الإسرائيلي أمام البعض، وأضاف الإسرائيليون إلى ما سبق تصعيد عملياتهم العسكرية في الأراضي السورية لتقريع السوريين وسلطتهم الجديدة، وتصويرها قوة عاجزة وضعيفة، مما يسهل التمرد عليها ومواجهتها.

ولأن أثبتت الوقائع حتى الآن ضعف نزعات الانفصال ومساعي تقسيم سوريا ومحدودية قوة سندها الداخلي والداعمين لها في الخارج، فإنها تواجه معطيات وحقائق سياسية وعملية تمنع تحققها في المستويات الداخلية والخارجية. ففي الداخل هناك معارضة سياسية وشعبية واسعة لفكرة تقسيم سوريا أو انفصال أي جزء عنها، وثمة تداخلات في التركيبة السكانية في أغلب المناطق السورية، ولا تتوفر أسس مادية كافية لإقامة دولة في مناطق «التوترات». أما في المستويات الخارجية، فثمة أمران مهمان؛ أولهما أن تقسيم سوريا والانفصال عنها سيضع أغلب كيانات شرق المتوسط أمام ذات المصير، والأمر الثاني أن ثمة توافقاً دولياً مؤكداً على مساندة العهد السوري الجديد ومساعدته في مواجهة ما خلفه العهد الأسدي من خراب وكوارث في سوريا، ووضعها على سكة إعادة البناء والعودة إلى المجال الإقليمي والدولي.

الشرق الأوسط

————————–

هذا الإلحاح التركي على الدبلوماسية/ معن البياري

14 ابريل 2025

ظنّ زملاء صحافيون، عربٌ وأتراك، أنهم يُحرجون وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في مؤتمره الصحافي الذي اختُتم به، أمس الأحد، منتدى أنطاليا الدبلوماسي، عندما توجّهوا بعدّة أسئلةٍ إليه عمّ ستقوم به بلادُه، وهي ترى سورية تقصفها إسرائيل، مرّة تلو أخرى، وعن إجراءاتٍ ستتّخذها ضد دولة الاحتلال التي تتمادى في جرائم حرب الإبادة في غزّة. لقد بدا أن هذه الأسئلة تعكس رهاناً على تركيا وحدها، ما دام أن العرب لم يفلحوا في كفّ يد آلة العدوان الإسرائيلي المتوحشة عن أهل قطاع غزّة، منذ أزيد من 17 شهراً، وما دام أن أحداً في العالم لم يستطع هذا، رغم أرطالٍ من التصريحات والبيانات والخطب التي ندّدت بهذه اليد الآثمة. ولمّا كانت سورية تحظى في انعطافتها الراهنة بشيءٍ من الرعاية التركية، إن صحّ القول (أظنّه يصح؟)، فإن طرح الأسئلة التي تلقّاها الوزير فيدان عن هذا البلد العربي يصبح من الطبيعي المتوقّع، وقد نمّ بعضُها عن شعورٍ لدى من طرحوها بأن ثمّة نوعاً من المسؤولية التركية تجاه سورية، وهي تتعرّض لاعتداءات إسرائيلية متتالية…

لم يتلعثم الرجل أو يناور في كلام عائم، بل أجاب، وكله ثقةٌ وقناعةٌ بما يقول، وباسترسالٍ ووضوح، ولم ألحظ في تقاسيم وجهه، وكنتُ في الصف الأول من حضور المؤتمر الصحافي، أي تبرّمٍ مما يُسأل بصددِه، سيّما أن بعض أسئلةٍ تكرّرت في هذا الاتجاه، بل ظلّ على البشاشة التي يتصف بها، وهو الذي يتقن التباسط مع سامعيه ومن يتحدّث إليهم. قال إن بلاده تريد تحقيق الاستقرار في سورية، والابتعاد عن الاستفزازات، وتعمل على عدم الدخول في أي صراع مع أي دولة داخل الأراضي السورية. وأشار إلى اتصالاتٍ وجهودٍ تبذلها تركيا في اتجاه وقف التعدّيات الإسرائيلية التي لن تحقّق الاستقرار المنشود في هذا البلد. وأنها ستواصل جهودها للتنسيق مع الأطراف المعنية، بما فيها إسرائيل والولايات المتحدة لتجنّب حصول تصادم في سورية. وأفاد بأن المباحثات التركية مع إسرائيل في أذربيجان، بشأن سورية، هدفت إلى منع هذا. وبالتوازي، تساهم تركيا في تلبية الاحتياجات الأمنية في سورية، على الصعيدين الفني والعسكري. وتتّسق هذه الإجابة مع مرتكز ظاهر في السياسة التركية، صار ملحوظاً بكيفيّات تزداد وضوحاً، سيما بعد تصفيرها مشكلاتٍ كانت تؤزّم علاقاتها مع غير بلد، وهو توسّل الدبلوماسية في نشاط تركيا وفاعليّتها وحضورها في الإقليم وفي خارجه. وهذا ما تأخذ به في الشأن الإسرائيلي في سورية.

ومع توالي جرائم حرب الإبادة في غزّة، وقد سمعنا الرئيس أردوغان، في افتتاح منتدى أنطاليا يأتي على مقاطع منها، ويشير إلى جريمة استهداف صحافيين في خيمتهم أخيراً، وجاء على اسم الغزّي أحمد منصور منهم، ومع استهتار دولة العدوان بكل الاعتبارات، واستخفافِها بمناشداتٍ واسعةٍ بالتوقف عن استهداف المستشفيات والمدنيين والمسعفين والأطباء، لا تتورّع عن المضي في همجيّتها هذه. وفي هذه الغضون، عندما يُسأل الوزير فيدان عن إمكانية قطع علاقات بلاده مع إسرائيل، يُجيب أنها قطعت علاقاتٍ تجارية، وأنها تنشط في عقد اجتماعات مع عدّة دول في الإقليم وغيره، للتباحث في ما يمكن فعله دبلوماسياً من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء المأساة الحادثة في غزّة. ولا تبتعد هذه الإجابة، ومثيلاتٌ لها من كبار المسؤولين الأتراك، عن خيار الدبلوماسية والحركية السياسية نهجاً تعمل الإدارة التركية على هديه ومقتضياته في غير شأن، وهي التي كانت قد اختارت، على النقيض من هذا، خيار التدخّل العسكري في ليبيا، ونجحت به في إبعاد خليفة حفتر عن السيطرة على العاصمة طرابلس.

يتّسق العنوان الذي اختير للدورة الرابعة لمنتدى أنطاليا، “التمسّك بالدبلوماسية في عالمٍ منقسم”، مع الإلحاح الظاهر في أداء تركيا السياسي في غير ملفّ، وقد أوضح فيدان أن “المنتدى ناقش سبل تبنّي الدبلوماسية والتوافق بدلاً من الاستقطاب، مع تأكيد أن الدبلوماسية ليست مجرّد أداة تُستخدم في أوقات الأزمات”. ولن يجد واحدُنا نفسه يخالف هذا الممشى، فالمُشتهى أن تظلّ الدبلوماسية الخيار الأول لدى صنّاع القرار في كل الدول، غير أن دولةً اسمُها إسرائيل، قامت على طرد أهل الأرض التي أُنشئت عليها، لا تتوسّل غير العدوان وسيلةً لفرض وجودها في المنطقة، المستقوى بالتحالف الوثيق مع الولايات المتحدة، هل تُجدي معها الدبلوماسية… لم يُطرح سؤالٌ كهذا على الوزير البشوس هاكان فيدان.

العربي الجديد

——————————

لمن انحاز ترامب في سوريا؟/ سمير صالحة

2025.04.13

يعوّل البعض محليًّا وإقليميًّا على تسجيل اختراقات سياسية في التعامل مع ملفات المنطقة، وانتزاع دور أو فرصة من خلال اللعب على التوازنات الحساسة القائمة، واحتمال اشتعال جبهات تضارب المصالح بين تركيا وإيران وإسرائيل.

من الممكن أن تساعد الظروف والمعطيات المحلية على أخذ بعض ما يريده في مكانٍ ما، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه سينجح في تطبيق هذه الاستراتيجية في أماكن أخرى. إضعاف إيران في لبنان وإبعادها عن سوريا عبر الاستفادة من الورقة الإسرائيلية، لا يمكن البناء عليه وتكراره في سوريا من خلال الرهان على تفجير العلاقات الإسرائيلية – التركية، ودفعهما للمواجهة العسكرية المباشرة، معتمِدًا على واشنطن وموسكو لفتح الطريق أمامه هناك.

تذهب كثير من المؤشرات باتجاه أن التلويح بالقوة لن يصل إلى خط اللاعودة نتيجة للتصعيد الحاصل بين أنقرة وطهران وتل أبيب، وأنه من الصعب جني ثمار الانفجار الثلاثي من قبل البعض وبالمجّان. سبق أن اختلفت أنقرة وتل أبيب أكثر من مرة على تقاسم النفوذ والمصالح، وسبق لهما أن أنهيا هذا التوتر وأعادا العلاقات إلى ما كانت عليه وأفضل. إيران أيضًا قد تفاجئنا بخيارات بديلة إذا ما أعطت واشنطن ما تريده بعد أيام في الملف النووي. التعويل على تراجع نفوذ وتضارب مصالح الثلاثي التركي – الإيراني – الإسرائيلي في المنطقة، قابلٌ للتحوّل في كل لحظة إلى تفاهمات تخيب آمال المراهنين على الجلوس أمام طاولة انتزاع الأدوار من دون مقابل، وترامب هو ضابط الإيقاع هذه المرة.

يمنح الخبير العسكري والاستراتيجي التركي ورئيس مركز أبحاث “أسام”، إراي غوشلو آر، الجانبَ الإسرائيلي مدة نصف ساعة فقط قبل أن تفقد تل أبيب قوتها الجوية عندما تقرر القوات المسلحة التركية أن المواجهة حتمية. هو يذكّر تل أبيب أيضًا بأن تركيا هي من قطعت الطريق على مشروع تفتيت سوريا ومخطط اقتراب إسرائيل من حدودها الجنوبية بدلاً من إيران وميليشياتها.

هناك، بالمقابل، في الداخل الإسرائيلي، من يحاول أن يعيد إلى الأذهان ما فعلته إسرائيل في الأسابيع الأخيرة وعلى أربع جبهات إقليمية دفعة واحدة.

وإن “تل أبيب أوضحت بشكل لا لبس فيه أن أي تغيير في نشر القوات الأجنبية في سوريا، لا سيما إنشاء قواعد تركية في منطقة تدمر، هو خط أحمر وسيُعتبر خرقًا للقواعد”.

    شكّل ملف غزة في الثلث الأول من نيسان العام المنصرم أحد أهم أسباب التصعيد بين أنقرة وتل أبيب، وهو ما قاد إلى التراشق ثم سحب السفراء وتجميد العلاقات التجارية وقرار أنقرة الالتحاق بالداعمين لمقاضاة القيادات الإسرائيلية..

من منح تل أبيب تحديد قواعد اللعبة في سوريا ورسم خطوط تحرك البعض هناك؟ ربما هي غاراتها الجوية واستهداف العمق السوري دون رد تركي – عربي – إقليمي رادع. لكن ترامب هو الذي يدخل على خط التوتر والاحتقان، معلنًا رسم حدود التصعيد والمواجهة.

شكّل ملف غزة في الثلث الأول من نيسان العام المنصرم أحد أهم أسباب التصعيد بين أنقرة وتل أبيب، وهو ما قاد إلى التراشق ثم سحب السفراء وتجميد العلاقات التجارية وقرار أنقرة الالتحاق بالداعمين لمقاضاة القيادات الإسرائيلية أمام محكمة لاهاي. لم يكن الملف السوري حاضرًا بعد.

في الثلث الأول من شهر نيسان الحالي، شكر الجانبان التركي والإسرائيلي الرئيس الأذري إلهام علييف على جهود وساطته واستضافة محادثات الوفدين التركي والإسرائيلي لتفادي وقوع حوادث غير مرغوب فيها بينهما في سوريا. الحصيلة الأولى هي “قرار الاتفاق على مواصلة الحوار عبر قناة تواصل مباشرة للحفاظ على الاستقرار الأمني في المنطقة، بعد عرض كل طرف لمصالحه الأمنية”. تصريحات الرئيس الأميركي كانت مفتاح الحوار التركي – الإسرائيلي حول سوريا، حتى ولو قال إن أردوغان هو من يملك المفتاح في دمشق.

هناك ما يكفي من الأسباب التي تستدعي إبقاء العلاقات التركية – الإسرائيلية فوق صفيح ساخن. وهناك قناعة تركية – إسرائيلية أن تفعيل “آلية عمل مشتركة” بين البلدين لن تكفي لتحول دون وقوع الصدام المباشر بينهما في سوريا. لكن هناك من يردّد أيضًا أنها ليست وساطة باكو وقرار الدخول على خط التهدئة بين الشريكين التركي والإسرائيلي هي التي دفعت الأمور نحو التهدئة، بل هي رغبة ترامب، الذي استدعى بنيامين نتنياهو على عجل لإبلاغه بضرورة أن يكون منطقيًّا وواقعيًّا في طروحاته السورية حيال الجانب التركي، خلال لقاءات العاصمة الأذربيجانية.

احتمال أن تضحي واشنطن بحليفيها التركي والإسرائيلي في سوريا لصالح أي لاعب إقليمي ليس على جدول أعمال اليوم.

ترامب هو الذي دخل على الخط مجددًا لضبط الإيقاع، والحؤول دون انفلات الأمور، والتذكير بضرورة الأخذ بما يقوله الحليف الأكبر، وهو في طريقه لمفاوضة طهران على الملف النووي، وحيث لا يريدها أن تستقوي بالخلافات التركية – الإسرائيلية.

لمن انحاز ترامب في سوريا؟ المسألة لا تحتاج إلى كثير من الجهد للعثور على إجابة.

اشتعل التنافس التركي – الإسرائيلي في سوريا بعد الثامن من كانون الأول المنصرم مع سقوط نظام بشار الأسد. تل أبيب قلقة من تنامي النفوذ التركي، وترامب يراهن على “علاقته الرائعة بالرئيس رجب طيب أردوغان” لنزع فتيل التوتر بين البلدين. تصريحات ترامب حرّكت المبادرة الأذربيجانية، لكنها لم تفتح الطريق أمام حوار تركي – إسرائيلي بوساطة أميركية بعد.

سوريا على رأس أولويات ترامب في المنطقة لأن خيارات إسرائيل وتركيا متباعدة وتتطلب ذلك، وحيث يردّد الوزير هاكان فيدان بعد لقائه بنظيره الأميركي روبيو: “إن سلوك إسرائيل هذا لا يستهدف سوريا فحسب، بل يزعزع استقرار المنطقة بأسرها”.

لا يريد نتنياهو أن يستيقظ على كابوس انسحاب أميركي من سوريا لصالح أنقرة.

لكن الخيار العسكري بالنسبة لأنقرة وتل أبيب في سوريا يعني حتمًا فشلًا أميركيًّا سيكون له ارتداداته السلبية على مصالح واشنطن في الإقليم ككل.

سيقرأ الرئيس ترامب جيدًا نتائج اجتماعات منتدى أنطاليا للدبلوماسية، وما صدر عنه من مواقف علنية باتجاه تل أبيب وسياستها الفلسطينية، وتمسكها بحرب الإبادة ضد قطاع غزة. لكنه يعرف تمامًا أن ما قيل يعني واشنطن، الحليف والداعم الأول لنتنياهو، لمواصلة ما يقوم به ضد الشعب الفلسطيني.

رسائل أنطاليا كانت عربية وإسلامية وغربية، بدعم روسي وصيني أيضًا. هي اليوم تركز على الملف الفلسطيني، لكن لا شيء يمنع أن تنتقل الأمور إلى الملف السوري غدًا أو بعد غد، بسبب مواقف إسرائيل وتمسكها بإشعال المنطقة من هناك هذه المرة.

لا يملك الماعز الجبلي، الذي يتنقل في عالم من الصخور الحادة والمرتفعات الشاهقة، أجنحة. لكنه يملك ما هو أهم: الرشاقة، والمرونة، والقدرة على القفز بدقة، مستندًا إلى قوة ساقيه الخلفيتين، ومعتمدًا على فهمٍ عميق لطبيعة الأرض التي يتحرك فوقها. تغيير قواعد اللعبة والمعادلات لا يحتاج فقط إلى الطاقة والشجاعة، بل إلى معرفة مكان وضع القدم، وإدراك اللحظة المناسبة للتحرّك.

——————————–

أين وصلت العلاقات التركية الإسرائيلية بعد الاحتكاك في سوريا؟/ إبراهيم العلبي

رسائل قصف إسرائيل لمطار التيفور السوري

15/4/2025

تشهد العلاقات التركية الإسرائيلية مرحلة من التوتر والقطيعة على خلفية الحرب على غزة، في حين تصاعدت حدة التوترات في الأيام الأخيرة على خلفية الوضع الجديد في سوريا، والذي ترى فيه إسرائيل فرصة لتدمير القدرات العسكرية السورية، بينما تسعى تركيا لدعم السوريين في بناء جيش جديد مزود بالإمكانيات والمعدات التي يحتاجها.

ووصلت العلاقات بين تركيا وإسرائيل لأخطر وأسوأ منعطفاتها أمنيا وعسكريا بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، حيث شنت حملة من مئات الغارات الجوية عقب سيطرة إدارة العمليات العسكرية على دمشق.

وأدت الغارات الإسرائيلية لتدمير معدات وثكنات عسكرية للجيش السوري، كما قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي في الجولان السوري المحتل بالتوغل داخل المنطقة العازلة، وتوسعت التوغلات لاحقا لبعض البلدات خارج المنطقة العازلة، الأمر الذي لقي إدانة شديدة من الجانب التركي.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، دخلت أنقرة في محادثات معمقة مع دمشق حول إنشاء قواعد عسكرية تركية في مناطق مختلفة على الأراضي السورية، بهدف تعزيز التعاون الدفاعي وتدريب الجيش السوري الجديد بعد إعادة هيكلته، وتزويده بالمعدات والأسلحة التي يحتاجها.

وأعلنت إسرائيل رفضها لهذه التوجهات بدعوى أنها تشكل خطرا مستقبليا على أمنها، متهمة حكومة دمشق بأنها “إرهابية” وبأنها لا تثق بها، رغم التطمينات العديدة التي صدرت عنها وتمسكها باتفاقية فصل القوات لعام 1974.

احتمال الصدام في سوريا

وفي إطار حملة لاستهداف المواقع العسكرية السورية، أعلنت إسرائيل في 25 مارس/آذار الماضي قصف قاعدة تيفور قرب تدمر بمحافظة حمص التي سبق أن استهدفتها القوات الإسرائيلية في الأسبوع نفسه، ومطار حماة العسكري، وهما من بين قواعد عسكرية سبق أن تفقدها خبراء أتراك بهدف نشر قوات فيها بناء على اتفاق من المتوقع إبرامه قريبا بين دمشق وأنقرة.

وبحسب تقارير للصحافة العبرية، سبق هذا التصعيد نقاشات داخل الحكومة الأمنية الإسرائيلية بشأن سبل التصدي للنفوذ التركي المتزايد في سوريا، الذي تعتبره تل أبيب أنه يحل محل النفوذ الإيراني الذي ساد في عهد النظام السوري السابق، مع فارق يتمثل في أن إسرائيل قد لا تكون قادرة على استهداف القوات التركية، لكونها جزءا من حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وفي تعليقه على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة داخل الأراضي السورية، أكد وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس أنها “رسالة واضحة وتحذير للمستقبل”، محذرا الرئيس السوري أحمد الشرع من دفع ثمن باهظ “إذا سمحتَ للقوات المعادية بدخول سوريا وتهديد مصالح الأمن الإسرائيلي” في إشارة ضمنية إلى تركيا.

أما وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر، فكان أكثر صراحة في تعليقه على الموقف، فرغم تأكيده أن بلاده لا تسعى لمواجهة معها، فقد عبر عن “قلق إسرائيل من الدور السلبي” الذي تلعبه تركيا في سوريا ولبنان ومناطق أخرى. وأضاف أثناء مؤتمر صحفي في باريس “يبذلون قصارى جهدهم لجعل سوريا محمية تركية. من الواضح أن هذه هي نيتهم”.

ويرى المحلل العسكري الإسرائيلي، رون بن يشاي، في تحليل عسكري له بصحيفة يديعوت أحرونوت، أن تركيا تنشر قواتها في 8 دول بينها سوريا وشمال العراق في إطار طموحاتها للسيطرة على خطوط الطاقة والغاز شرق البحر المتوسط، ولعرقلة مشاريع إسرائيلية مصرية في هذا المجال.

وقال إن طموحات تركيا الاقتصادية للسيطرة لا تقف فقط عند حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، ولكنها تسعى أيضا لمنع دول البحر المتوسط من تجارة الغاز ونقله مع أوروبا، ولذلك فهي تسعى لمنع بناء خط أنابيب غاز تحت الماء يفترض أن ينقل الغاز من مصر وإسرائيل وقبرص إلى أوروبا، وهو ما يشكل عاملا رئيسيا في الاحتكاك بين إسرائيل وتركيا، حسب قوله.

نزع فتيل التوتر

برزت العلاقات التركية الأميركية، لا سيما العلاقة المميزة التي تجمع الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي دونالد ترامب، كعامل مساعد في تخفيف التوتر بين أنقرة وتل أبيب، وإمكانية التوصل إلى تسوية تمنع الصدام.

وقد عبر الجانب التركي بعد الهجمات الإسرائيلية عن عدم رغبته بحدوث مواجهة مع إسرائيل في سوريا، وفي الوقت ذاته هاجم السلوك العدواني الإسرائيلي في سوريا.

وقال بيان للخارجية التركية إن حكومة إسرائيل “العنصرية والأصولية” بطموحاتها التوسعية أصبحت أكبر تهديد للأمن الإقليمي، مضيفة أن الهجمات الإسرائيلية في سوريا -دون أي استفزاز من الأخيرة- تعد “غير معقولة”، وتشير إلى سياسة تقوم على إشعال الصراعات.

وبالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن في السابع من أبريل/نيسان الجاري، التقى خلالها ترامب، الذي طالبه بحل مشاكله مع أردوغان، كشفت تقارير عن البدء بمحادثات بين تركيا وإسرائيل في أذربيجان بهدف التوصل إلى آلية لمنع الصدام في سوريا، على غرار تلك التي كانت تربط إسرائيل وروسيا في عهد النظام السابق.

ودعا الرئيس الأميركي نتنياهو -خلال لقائهما في البيت الأبيض- إلى التحلي بـ”العقلانية” في التعامل مع أردوغان، مبرزا علاقته الجيدة مع الرئيس التركي، واستعداده للتوسط لحل المشاكل بينهما.

من جانبه، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه لا يريد أن تستخدم سوريا من أي جهة، بما في ذلك تركيا، لشن هجمات على إسرائيل، معتبرا أن علاقات أنقرة المميزة مع واشنطن قد تساعد في تجنب الأزمة، حسب تعبيره.

وأفادت صحيفة تايمز أوف إسرائيل، نقلا عن مسؤول إسرائيلي رفيع، بأنهم أبلغوا أنقرة بشكل لا لبس فيه بأن أي تغييرات في انتشار القوات الأجنبية في سوريا وخصوصا إقامة قواعد تركية في تدمر “يُعد خطا أحمر”.

من جهته، أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن بلاده تجري محادثات على المستوى الفني مع إسرائيل لخفض التوترات بشأن سوريا، وأضاف “ليس لدينا أي نية لمحاربة أي أحد في سوريا، بما في ذلك إسرائيل”.

وتضاف التوترات المرتبطة بسوريا إلى تلك المرتبطة بالحرب الإسرائيلية على غزة، حيث ربطت تركيا التراجع عن قطع علاقاتها التجارية وتخفيض علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بوقف الحرب المستمرة على غزة، وهو ما أكده وزير الخارجية التركي بالقول إن المحادثات الفنية بشأن منع الصدام في سوريا لن تؤدي إلى تطبيع العلاقات.

ما بعد الاحتكاك

رغم أن أجواء التهدئة بين تركيا وإسرائيل تجسدت بعقد محادثات بين الجانبين في أذربيجان، فإن الجولة الأولى التي عقدت قبل أيام لم تفض إلى أي تفاهم حول نقاط الخلاف، بحسب هيئة البث العبرية، وهو ما يشير إلى تعقيد الموقف بالإضافة إلى التعنت الإسرائيلي في وضع خطوط حمر -كتلك المتعلقة بنشر قوات تركيا في مطار تيفور قرب تدمر- يصعب فرضها على أنقرة دون صدام.

واتسمت جولة المحادثات بالتوتر حتى من حيث الشكل، فقد اضطرت الطائرة التي أقلت الوفد الإسرائيلي إلى أذربيجان إلى الاستدارة حول تركيا والامتناع عن العبور في أجوائها بعد رفض السلطات التركية منحها الإذن بذلك.

ورغم إبداء الطرفين رغبة بالتوصل إلى آلية تنسيق لمنع الصدام بينهما، فإن السياق العام للمحادثات ومطالب كل منهما تجعل هذا الأمر صعبا وإن كان مسنودا بوساطة من ترامب الذي يتمتع بعلاقة جيدة بكل من أردوغان ونتنياهو.

فبينما ينظر على نطاق واسع لتصريحات الرئيس الأميركي خلال استقباله نتنياهو على أنها تمهد الأجواء لتسوية بين أنقرة وتل أبيب، فإن درجة أهمية الملف السوري بالنسبة للإدارة الأميركية الحالية التي تقع في أدنى سلم اهتماماتها قد تجعل أي ضغوط باتجاه التسوية فاقدة للزخم.

ويقول الباحث المختص في الشؤون الأميركية، حسين الديك، إن إدارة ترامب أوكلت الملف السوري إلى حلفائها الدوليين والإقليميين، كالاتحاد الأوروبي إلى جانب تركيا العضو في حلف “الناتو”، والدول العربية وفي مقدمتها السعودية وقطر.

ولا يتوقف الخلاف التركي الإسرائيلي في سوريا عند تقاسم حدود النفوذ، بل يشمل مستقبل سوريا التي تريدها إسرائيل هشة وممزقة بين دويلات وكانتونات حكم ذاتي، بينما ترى تركيا أن ترسيخ الاستقرار في هذا البلد يمكن أن يكون مفتاحا للاستقرار في عموم المنطقة ويفتح فرصا وآفاقا جديدة للتعاون الإقليمي.

ويرى الخبير بالشأن الإسرائيلي، مهند مصطفى، أن إسرائيل تعتقد أنها السبب في إسقاط نظام بشار الأسد عبر ضرباتها ضد المحور الإيراني، لذا تسعى لفرض هيمنتها على مستقبل سوريا، كما تشمل الأهداف الحقيقية -وفق مصطفى- منع الوجود التركي في سوريا، إذ ترى أنقرة منافسا إقليميا.

من جهته، يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الدفاع الوطني التركية، محمد أوزكان، أن تركيا ترى في استقرار سوريا مصلحة أساسية لها، وأن الهجمات الإسرائيلية تعرقل جهود أنقرة لتحقيق هذا الاستقرار.

وينتظر الجانبان جولة أخرى أو أكثر من المحادثات في أذربيجان، وبينما تشير تصريحات فيدان إلى أن أنقرة تريدها أن تقتصر على التوصل لآلية لمنع الصدام، فإن المحادثات قد تصل قريبا إلى مفترق طرق، إما مناقشة تسوية أوسع بين الجانبين، أو فشلها في إقرار حد أدنى من التنسيق.

المصدر : الجزيرة

—————————–

تركيا في الشرق الأوسط الجديد: لاعب أم صانع قواعد؟/ فارس الخطّاب

14/4/2025

تولي تركيا أهمية مركزية لمنطقة الشرق الأوسط باعتبارها العمق الإستراتيجي لأمنها القومي العسكري والاقتصادي، وسعت أنقرة خلال عقود مضت عبر بوابات الطرق الدبلوماسية المرنة والأدوات الاقتصادية، ثم الخيارات العسكرية، لضمان مصالحها الحيوية الجيوسياسية في المنطقة، وخاصةً مع الدول المحاددة لها؛ حيث تعاملت مع هذه الدول كحقيقة جغرافية وتاريخية وعسكرية تربطها بها على امتداد قرون عديدة، وزاد من ظهور الدور التركي المؤثر وتصاعده خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تراجع قدرات دول عربية مهمة كالعراق، وسوريا.

علاقات تركيا مع دول الشرق الأوسط جمعت بين السعي لإحلال السلام من خلال مساهمتها في تخفيف حدة المشاكل بينها وبين هذه الدول بغض النظر عن قربها أو بعدها عن حدودها، وفي ذات الوقت طرح نفسها كشريك استثماري يمكن الوثوق بقدراته بما يجعل من بوابة مشاريع التنمية الاقتصادية في دول الشرق الأوسط وبخاصة الإقليمية منها، مفتاح النجاح في تمكينها من الولوج إلى دوله كقوة مركزية اقتصادية هائلة.

ومثلما نجحت في إيجاد دور مهم لها في تطوير التنمية الاقتصادية، نجحت أيضًا في مطاردة أعدائها أو مواجهتهم عسكريًا، كما هو الحال مع حزب العمال الكردستاني المحظور، وأيضًا خلال أزمتها مع اليونان التي وصلت إلى حدود المواجهة العسكرية؛ بسبب تنازُع البلدين حول جزر في بحر إيجه في العامين: 1987، و1996، بما أظهر قدراتها العسكرية وجرأة قيادتها على اتخاذ القرارات الضامنة لسيادتها ومصالحها.

اقتصاديًا وبحسابات منهجية دقيقة سعت أنقرة إلى تقليص حدّة التحسس الإستراتيجي بينها وبين دول الجوار العربي، التي رأت في التوجه التركي محاولة “لعَثْمنة” المنطقة عبر بوابات الاقتصاد، فنجحت في إنشاء مجالس تعاون اقتصادية إستراتيجية مع العراق، سوريا، الأردن ولبنان، كما حقّقت نجاحًا لافتًا في علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي شهدت تطورًا متسارعًا وصل إلى حدود إنشاء منتدى تركي- خليجي عربي، بات اليوم أحد مظاهر التوافق الإستراتيجي في مجالات الاستثمار متعدد التخصصات الصناعية، الزراعية، السياحية والعسكرية.

وسلطت المتغيرات الجذرية في الشأن السوري، الضوء على الدور التركي بشقَّيه؛ المعلن وغير المعلن، في التحضير لعوامل نجاح الفصائل المسلحة المعارضة في السيطرة وبشكل سريع ولافت على دمشق والمحافظات والمدن السورية، وأيضًا في تهيئة الأرضية السياسية لقبول هذه المتغيرات من قبل دول إقليمية وعالمية، باستثناء إيران التي تمثل -وفق رؤى هذه الفصائل ومن ورائها تركيا- الداعم الأساس لنظام الأسد طيلة أكثر من 13 سنة.

ما حدث في سوريا أبرز بشكل كبير وخطير الدور التركي المتوقّع في الشرق الأوسط الجديد، وهو أمرٌ حظي، وما زال، باهتمام كبير من قبل مراكز صنع القرار ومؤسسات الدراسات الإستراتيجية الأميركية والغربية، كما شكّل خارطة طريق جديدة لعلاقات أنقرة مع منظومة دول الخليج العربي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر، ولعدة أسباب أهمها المتغيرات الإيجابية الحاصلة في سوريا وبدعم تركي مثل تطورًا نوعيًا كبيرًا في تغيير الواقع الجيوسياسي في المنطقة والذي تمثّل بإنهاء الدور الإيراني في سوريا، بما يعنيه من انحسار مشروعها الإستراتيجي في المنطقة.

تركيا الناجحة في تعاملها مع القوى الدولية كالولايات المتحدة، وروسيا، ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، سعت لتعزيز نفوذها في المنطقة من خلال سياسة خارجية نشطة، تعتمد على مزيج من الدبلوماسية والقوّة العسكرية، والأخيرة كانت لمعالجة واحدة من معضلات الأمن القومي التركي التي تمثّل الجماعات الكردية في شمال العراق وسوريا مثل وحدات حماية الشعب (YPG)، وحزب العمال الكردستاني (PKK).

وتقف قضية الجماعات الكردية المسلحة المعارضة للدولة التركية والتي تصنفها كجماعات إرهابية، كأحد العوامل الرئيسية الدافعة للتحرك التركي بثقله المشهود في حسم الأمور لصالح الفصائل السورية المسلحة.

الجماعات الكردية المعارضة لتركيا التي حصلت خلال السنوات الأخيرة على دعم سياسي أميركي – إسرائيلي تمثل بالاعتراف والدعم اللوجيستي لقوات سوريا الديمقراطية (قسَد)، هذه القوات مثلت في فترة ما بعد الأسد (عقدة) الوفاق الوطني السوري.

لكن تركيا التي كانت ترفض أي صيغة تمنح الأكراد دورًا موسعًا في سوريا، باتت تدرك أن تجاهل القضية الكردية لم يعد خيارًا عمليًا، خصوصًا بعد نجاحها في إقناع زعيم حزب العمال، الكردي المسجون في تركيا عبدالله أوجلان بتوجيه رسالة حثّ فيها مقاتلي حزبه على التخلي عن السلاح وحظر نشاطه العسكري؛ لذلك شجّعت أنقرةُ دمشقَ على منح الأكراد حقوقًا متساوية مع بقية مكونات الشعب السوري، في خطوة تعكس توازنًا جديدًا في تعاملها مع هذا الملف، وكان ثمرة ذلك التوجّه التركي توقيع الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي اتفاقًا يقضي “بدمج” كافة المؤسّسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية والحقول النفطية والمنافذ الحدودية في إطار الدولة السورية، وتحت نظام المواطنة المتساوية.

لقد عززت مجريات الأمور من دور تركيا في الشرق الأوسط الجديد، فالقوتان الكبيرتان في سوريا الأسد إيران وروسيا، تعاملتا مع الدخول التركي المحكم لسوريا بشيء من الواقعية بغية الحفاظ على نفوذهما هناك بعد أن تستقرّ الأوضاع، وتتوضح صورة الموقف المضطرب في ذلك البلد.

ومع انحسار المشروع الإيراني وتصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والضفة، ولبنان، وسوريا، وربما إيران، تبقى تركيا الضامن الوحيد لدول المنطقة التي يمكن الركون إليها للتعامل مع واشنطن وتل أبيب لإيقاف هستيريا العدوان الإسرائيلي، والضغط باتجاه الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل خلال عملياتها الدموية والتدميرية ضد هذه الدول.

إسرائيل تراقب النفوذ التركي في سوريا بحذر شديد، حيث تقدر أهمية العلاقة مع تركيا وضرورة التعامل معها، بخصوصية لتجنب المشاكل الجدية معها؛ فآخر ما تخشاه تل أبيب أن تحادد تركيا عبر بوابة سوريا، كما تولي موضوع الشراكة الإستراتيجية بين دمشق وأنقرة والتي تشكّل قضية إنشاء قواعد دفاع جوي تركية عاجلة وسط البلاد لحماية الأجواء السورية جانبًا كبيرًا من المتابعة.

وهذا يفسّر قيام إسرائيل خلال الفترة التي أعقبت نجاح الثورة السورية بشنّ عمليات عسكرية عديدة داخل الأراضي السورية، كما قضمت مناطق أخرى تشكل مواقع إستراتيجية عسكرية مهمة داخل الأراضي السورية. إضافة إلى سعيها لإثارة ما يزعزع الاستقرار والأمن داخل سوريا لمشاغلة تركيا عبرها تحسبًا لأي تطورات جيوسياسية خلال السنوات المقبلة .

العراق الذي شهد أدوارًا متعددة للمليشيات الموالية لإيران، والتي تعتبر تركيا ندًا عقائديًا لها، تحرك رسميًا لكسب ودّ أنقرة لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بإطلاق الحصص المائية لنهرَي دجلة والفرات، وأخرى لكبح جماح المليشيات الكردية التركية في شمال العراق، وفسح المجال الجوي والأرضيّ والاستخباراتي لتركيا لملاحقتها، مع منحها التراخيص لإقامة معسكرات لقواتها في مناطق حيوية بمحافظات دهوك ونينوى كمنطلقات لأعمال عسكرية دائمة.

ومع كل ذلك فإنّ الحكومة العراقية تعلن إدانتها بعضَ العمليات العسكرية التركية داخل العمق العراقي في كردستان العراق. وأيضًا توسّع العمليات العسكرية في المنطقة، وزيادة الحضور العسكري والاستخباراتي في كل الشمال العراقي، لكن بذات الوقت لا تمتلك هذه الحكومة الكثير من أوراق الضغط على أنقرة لثنيها عن ذلك، خصوصًا مع تصاعد موازين التبادل التجاري بين البلدين والتي قدّرت بـ(20) مليار دولار، والمشروع الاقتصادي الإستراتيجي الكبير المتمثّل بـ(طريق التنمية) لربط ميناء الفاو العراقي بالحدود التركية بسكك حديد وطرق برية بقيمة 17 مليار دولار.

إيران، التي كانت حتى يوم سيطرة الفصائل المسلحة السورية على دمشق، تمثل القوة الرئيسية لنظام الأسد بما تعنيه (القوة) من معانٍ أمنية واستخباراتية واجتماعية وعقائدية، لكن، وخلال أيام معدودة وبشكل دراماتيكي انهارت هذه (القوة) لتحل محلها تركيا، وبشكل أكثر إحكامًا وتحكمًا بمجريات الأمور، وبات الدور التركي من حيث الوزن والتأثير في المشهد السوري والإقليمي، هو الأبرز والأكثر تنظيمًا.

 وتتميز أنقرة عن طهران بقدرتها على الحوار الإيجابي في الساحة الدولية والإقليمية والمحلية من خلال قدراتها الاقتصادية والعسكرية المؤثرة في المنطقة دون الولوج في مشاريع مذهبية طائفية ميزت الحراك الإيراني.

كما أن الولايات المتحدة ترحب- خصوصًا بوجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فترته الرئاسية الثانية- بسوريا المتوافقة مع تركيا، بما يعني تحجيم دور إيران في هذا البلد. سياسات ترامب المعلنة تجاه طهران والإستراتيجية التي ستتبعها إيران في مواجهة هذه السياسات ستعني الكثير في تمكين تركيا من الولوج بقوة إلى الشرق الأوسط الجديد، لأن أية عمليات عسكرية ستوجَّه نحو إيران ستعني تفرّد أنقرة بمشهد الشرق الأوسط المقبل.

لقد حرصت تركيا على طمأنة دول الخليج العربي بموضوع ملء الفراغ في سوريا بعد سقوط بشار الأسد لضمان مصالح جميع الدول، ووقفت المملكة العربية السعودية في مقدمة المؤيدين لهذا التغيير، وكذلك بقية دول مجلس التعاون الخليجي التي رأت ضرورة دعم السلطات الجديدة دوليًا، والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا، ومنع الجماعات المتطرفة من نشر الفوضى فيها وفي المنطقة.

 ونجحت تركيا إلى حد كبير في تحقيق التعاون مع الرياض لتنسيق رؤية مشتركة لمستقبل سوريا ومنع أي خلاف أو تنافس قد يؤدي إلى توترات بين البلدين، هذا التنسيق يعني فيما يعنيه كسب الاهتمام الدولي لرفع العقوبات المفروضة على سوريا الأسد والتعامل من النظام الجديد بإيجابية ودعم إعادة إعمار البلاد، وتقديم المساعدات الإنسانية والاقتصادية للشعب السوري، وهو موقف ما كان ليكون قبل أقل من عقد من الزمن، لكن نجاعة السياسة الخارجية التركية الفاعلة آتت تأثيرها في المشهد التركي- الخليجي بوضوح.

منذ أكثر من عقدين من الزمن والعالم يسمع ترديد دول كبرى ومؤسسات بحثية عديدة، مصطلح “الشرق الأوسط الجديد”، وقد كانت هذه التلميحات أو الإعلانات بصيغها المختلفة تأتي من قادة تحرّكوا فعلًا تجاه الشرق الأوسط؛ بهدف تغييره مثل الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش ووزراء خارجيته ودفاعه، بالإضافة إلى إفادات وتهديدات قادة إسرائيليين، ومحللين سياسيين، ومراكز دراسات المستقبلات.

وقد ظن الكثيرون عام 2003 أن إيران ستكون لاعبًا أساسيًا في مراكز قوى هذا الشرق الجديد بحسب القدرات التي منحتها لها ظروف سقوط نظام صدام حسين، واحتلال العراق، والتسهيلات الأميركية لانسياحها في هذا البلد، وسوريا، ولبنان وسواها.

لكن إيران لم تحسن التعامل مع هذا المتغير، وسعت إلى تأسيس مشروعها الشرق أوسطي المرتكز على مفهوم “تصدير الثورة”، بما تسبّب في زعزعة الأمن الإقليمي، وظهور التيارات الجهادية الإرهابية التي جعلت الشرق الأوسط منطقة غير آمنة ومصدرًا للإرهاب.

لهذا السبب، ومع تطلّعها النووي غير المرغوب به دوليًا وإقليميًا، فإن الدور التركي بإسلامه “العلماني”وتحالفاته الإستراتيجية مع حلف شمال الأطلسي، وعلاقاته الوثيقة مع المنظومة الغربية والشرقية، وأيضًا محيطه العربي، وتميزه اقتصاديًا كأحد أهم الاقتصادات الفاعلة عالميًا وإقليميًا، يبقى هو الخيار الأمثل لشرق أوسط جديد تعاد به موازنات المنطقة، وتتحدد فيه آمال وتطلعات دوله بما يسمح بظهور مناطق اقتصادية هائلة تجعل طريق السلام والاستقرار والأمن غاية جميع دوله.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

كاتب سياسي

الجزيرة

——————————-

5 تحديات صعبة أمام حكومة الشرع في سوريا/ عبد الرحمن الحاج

14/4/2025

أدّى وزراء الحكومة الانتقالية السورية القسَم في قصر الشعب بدمشق في 29 مارس/ آذار الفائت، بعد مضي نحو أربعة أشهر من إسقاط نظام الأسد، وأظهرت السير الذاتية تمتّع معظم الوزراء بخبرات وكفاءات مناسبة للحقائب التي كلّفوا بها، ويحمل إعلان الحكومة الانتقالية التكنوقراطية دلالات سياسية مهمة، فهي تعكس من جهة استقرار السلطة المركزية في دمشق، ومن جهة أخرى، تعكس التنوع السوري الديني والقومي والسياسي إلى حد كبير، وإن لم يكن مثاليًا.

والأهم أنها تعكس التوجهات العامة للرئيس أحمد الشرع في الاستجابة لمتطلبات المرحلة القادمة والتحديات التي تواجهها البلاد، والرئيس نفسه على وجه الخصوص.

وفي 7 أبريل/ نيسان الجاري عقدت الحكومة أوّل اجتماع لها، الذي حدد فيه الرئيس الخطوط العامة لعمل الحكومة، متمثلة في: التعافي الاقتصادي، وإصلاح مؤسسات الدولة، وإعادة الإعمار والسلم الأهلي، وهي ملفات تشير بوضوح إلى أن سوريا على مفترق طرق وعرة، وسيكون للمسار الذي تسلكه الحكومة من خلالها أثر بالغ على استقرار سوريا، وشكل نظام الحكم في المرحلة الدائمة بعد خمس سنوات، أي ما ستكون عليه سوريا الجديدة.

الصياغة المجملة للملفات في اجتماع الحكومة هي تحديات داخلية، إلا أن ثمة تحديات إستراتيجية خارجية للدولة السورية، لم يتم الإفصاح عنها في التقرير الرسمي عن الاجتماع، لكن يمكن إدراكها بيسر.

ويمكن القول إن الحكومة الانتقالية أمام مجموعة من التحديات، يمكن تلخيصها في خمسة تحديات رئيسية:

التهديد الإسرائيلي

في اليوم التالي لسقوط نظام الأسد، ودخول المعارضة دمشق، أي 9 ديسمبر/ كانون الأول، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أمرًا بعمليات عسكرية شاملة في سوريا تستهدف ضمان ألا يشكل انتصار المعارضة تهديدًا لأمنها، وأن يتم إضعاف القدرات العسكرية للدولة السورية إلى أقصى الحدود، بحيث تعجز عن بناء جيش جديد، يمكن أن يشكل تهديدًا مستقبليًا وإستراتيجيًا، واستغلال الفرصة التي قد لا تتكرر لفرض وقائع جديدة والتمدد في الأراضي السورية؛ بهدف السيطرة على المنطقة العازلة، والسيطرة على المناطق الإستراتيجية مثل قمة جبل الشيخ.

كما قصفت إسرائيل منظومات الأسلحة الثقيلة الإستراتيجية في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك شبكات الدفاع الجوي وأنظمة الصواريخ، ومنشآت الدفاع الساحلية، وبدأت عمليات برية في عمق الأراضي السورية على الفور.

مع الوقت تبلورت أهداف سياسية إستراتيجية إسرائيلية، أيضًا متمثلة في إضعاف الحكومة المركزية، وجعلها غير قادرة على بناء دولة موحدة وقوية قدر الإمكان، دون أن يؤدي إلى انهيارها، عبر دعم الأقليات، وإقامة اتصال مع مجتمعاتها وقادتها لإقامة حكم ذاتي، وأيضًا في الضغط على تركيا وإعاقة نفوذها في سوريا وتموضعها العسكري الذي يشكل التهديد الأكبر للأهداف الإسرائيلية.

رغم الاستفزازات المتعددة والمتعمدة عمل الشرع على ضبط النفس حتى في التصريحات، ولجأ إلى القنوات الرسمية عبر الدول العربية للجم الاندفاعة الإسرائيلية، وخلال الأشهر الأربعة التي سبقت تشكيل الحكومة الانتقالية لم تنجح إسرائيل في تحقيق تفدم كبير في أهدافها السياسية، لكنها لعبت دورًا مؤثرًا في الحيلولة دون استقرار الجنوب، وتعزيز الخلاف بين السويداء، والسلطة المركزية بدمشق.

تسعى تركيا لإقامة قواعد عسكرية كبيرة في سوريا تحقق من خلالها عدة أهداف: منع عودة تنظيم الدولة، وضمان منع أي عودة للمليشيات الإيرانية، وضمان تنفيذ اتفاق قوات سوريا الديمقراطية مع السلطة المركزية في دمشق، وإنهاء الإدارة الذاتية، والحد من التهديد الإسرائيلي.

ويعتبر مطار ألتياس العسكري في نقطة T4 الإستراتيجي في وسط سوريا مثاليًا – والذي يبعد نحو 220 كيلومترًا عن مرتفعات الجولان، و250 كيلومترًا عن الحدود التركية، و175 كيلومترًا عن الحدود العراقية جنوب سوريا، ويمثل زاوية المثلث الذي كان ينشط فيه تنظيم الدولة- لوجود قاعدة جوية للجيش التركي هناك، أو نشر بطاريات صواريخ أرض- جو، ما سيضطر إسرائيل إلى إنشاء آلية لمنع التصادم مع القوات التركية في سوريا، وهو أمر يحد من حريتها في التصرف في سوريا، وهو ما لا يريده نتنياهو.

ولأن سياسات نتنياهو تجاه النفوذ التركي في سوريا لم تحظَ بدعم أميركي، فقد اضطر إلى التفاوض مع تركيا بوساطة أميركية لمنع التصادم على الأراضي السورية، ما يعني أن الوجود التركي العسكري في سوريا سيزداد، وسيضعف الاندفاعة الإسرائيلية العسكرية ويحد من قدرتها على فرض وقائع مستدامة على الأرض، وتركيا تشكل ضامنًا إقليميًا لاستقرار سوريا، ومنع عودة الخطر الإيراني، وعودة الإرهاب وتنظيم الدولة، وهي مصالح إستراتيجية للأمن القومي التركي والإقليمي، وفي الوقت نفسه للأمن القومي الأميركي فضلًًا عن الأوروبي.

تتمتّع دمشق بقدر كبير من الاستقلالية، خلافًا للتقديرات الشائعة، وهذا ما يمنحها قدرة على تحديد خياراتها، وعلى الرغم من الدور التركي الأساسي في مواجهة التهديدات الإسرائيلية في سوريا، فإن السلطات في دمشق يتعين عليها التصرّف عبر القنوات الدبلوماسية، والاستناد إلى حلفائها العرب والغربيين في لجم الاندفاعة الإسرائيلية والتصعيد من جهة، وإيجاد آليات محلية تضعف التدخلات الإسرائيلية الميدانية.

ففي الوقت الذي تتجنب فيه القوات الحكومية التي لا تزال في طور التشكل الانجرار إلى صدام مباشر مع القوات الإسرائيلية؛ لحرمان إسرائيل من استخدام فائض القوة، وفرض وقائع جديدة، فإن هذا التحدي يتطلب إستراتيجية طويلة الأمد تعتمد على تعزيز قدرة السكان في الجنوب على المقاومة المسلحة.

وقد ظهرت بوادر هذه المقاومة الشعبية في 3 أبريل/ نيسان الجاري في بلدة كويا جنوب درعا ضد التوغل الإسرائيلي، واستثمار تصاعد الغضب الشعبي، ومع الوقت ستصبح المقاومة منظمة من تلقاء نفسها، وهو أمر لا ترغب به إسرائيل على الأرجح، التي لا تريد تكرار تجربتها في لبنان.

قد يكون الهدف الإسرائيلي من العمليات العسكرية والوقائع التي فرضتها هو تقوية شروطها في اتفاقية سلام مع سوريا قد تكون في المستقبل، للحفاظ على الجولان، وعلى قواعد عسكرية متقدمة، وفي مقدمتها التلال الإستراتيجية وقمة جبل الشيخ.

في حين كانت مفاوضات السلام في الماضي جميعها تدور حول حدود الانسحاب الإسرائيلي من الجولان إلى بحيرة طبريا، لكنّ اتفاقًا محتملًا مثل هذا في المستقبل ليس من مشاغل دمشق في الوقت الراهن، الأولوية هي لوضع حد للتهديد الإسرائيلي.

نزع السلاح وبناء الجيش

بسقوط النظام انهار جيش الأسد، واختفى تمامًا، ترك المجندون أسلحتهم وهرب الضباط الذين قادوا العمليات، إما إلى قراهم في الساحل، أو خارج الحدود. وقوات عمليات ردع العدوان شُكلت من أكثر من 80 فصيلًا من قوات المعارضة المختلفة، والتي تختلف أيديولوجيًا مع هيئة تحرير الشام، ولكن معركة ردع العدوان وحدتها.

شكلت هذه الفصائل بطبيعة الحال ضمانًا لعدم وجود فراغ بعد انهيار الجيش، وسهلت مشاركتها في العمليات التفاهم لإدماجها في الجيش الجديد الذي يسعى الشرع أن يكون جيشًا احترافيًا يلغي التجنيد الإجباري، ويمنع تكرار الماضي، ويمكنه من تشكيل حماية حقيقية للدولة، وهو توجّه يلقى تأييدًا شعبيًا كبيرًا.

لكن المشكلة أن إعادة بناء جيش احترافي تتطلب وقتًا، وحيث إنه يجب عدم تكرار الماضي، فإن إعادة إدماج الضباط السابقين في الجيش أضحت مستبعدة تمامًا، ولكن ثمة حاجة إلى كفاءات وخبرات جديدة لبناء الجيش، ليست متوفرة في الخبرات السورية، لذلك تمَّ تأخير إدماج المنشقين الذين لعبوا دورًا في فترات سابقة في الجيش الجديد.

وإضافة إلى ذلك يتطلب بناء الجيش وقتًا طويلًا نسبيًا، وأظهرت أحداث مارس/ آذار المؤسفة في الساحل عقب حركة التمرد التي قام بها فلول من النظام السابق مدى حاجة الجيش إلى التسريع في إدماج عناصر الفصائل في الجيش، وتدريبها وفق أسس جديدة تضمن انضباطها وتحركها وفق قواعد محددة، وأيضًا مدى الحاجة إلى نزع السلاح من السكان والسيطرة على السلاح المتبقي في أيدي الفلول، فقد أدّت سنوات الحرب الطويلة إلى انتشار السلاح بين السكان على نطاق واسع.

لإنجاز ذلك على نحو يضمن مستقبلًا مستقرًا في سوريا، تحتاج الحكومة الانتقالية للاستعانة بخبرات من الدول الحليفة، وبشكل خاص الدول الأوروبية، وتركيا، ودول الخليج، وكندا، سواء في التدريب أو في بناء الجيش وقدراته العسكرية، وفي كل الأحوال ستلعب تركيا الدور الرئيس في كل ذلك.

بناء جيش وطني يتطلب وجود قانون ينظّم عمله، وهو ما لم يصدر حتى الآن نظرًا لعدم تشكيل مجلس تشريعي مخوّل بذلك. ويُفترض أن يعكس هذا الجيش التنوّع السكاني في البلاد بشكل عادل، مع سنّ مواد قانونية تضمن حياديته واستقلاله عن التجاذبات السياسية الداخلية، ومنع تكرار التجارب السابقة التي تسببت في عسكرة السياسة أو تسييس المؤسسة العسكرية. وتدور في الأوساط السياسية والمدنية نقاشات حول طبيعة العقيدة العسكرية التي يفترض أن يحملها الجيش الجديد، ومدى توافقها مع مفاهيم الدولة الوطنية الحديثة وأدوار الجيوش المحترفة.

إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي

خزينة فارغة وبلد مدمّر، نصف مدنه الكبرى تمت تسويتها بالأرض، والبنية التحتية متهالكة أو مدمرة تمامًا، الكهرباء والطاقة في وضع سيئ للغاية، نحو 90% من السكان تحت خط الفقر، وأكثر من مليون ونصف المليون في المخيمات بدون مأوى، وفوق كل ذلك عقوبات اقتصادية شديدة ومرهقة على البنك المركزي، وعلى قطاعات مختلفة تمنع وصول الأموال والمساعدات إلى الحكومة في دمشق.

وعلى الرغم من وجود رغبة كبيرة عربية وأوروبية لتقديم المساعدات، فإن العقوبات الأميركية، وبشكل خاص قانون قيصر، تعيق كل ذلك، وفشلت جميع المساعي حتى الآن في دفع الإدارة الأميركية في رفع العقوبات وفك الحظر عن “السويفت كود” للبنك المركزي.

وبالرغم من أن المحاولات مستمرة، فإنه لا تلوح في الأفق مؤشرات على رفع هذه العقوبات، فإدارة ترامب تتبنى على ما يبدو تطلعات إسرائيل في إبقاء الدولة السورية الجديدة ضعيفة، وغير قادرة على إعادة بناء قدراتها، وبشكل خاص العسكرية، لكنها في الوقت نفسها لا تريد أن يؤدي ذلك إلى عدم استقرار الدولة، لأن ذلك يشكل خطرًا على الشرق الأوسط برمته والأمن العالمي.

ومع ذلك، فإن استمرار العقوبات على المدى الطويل قد يُفضي إلى تداعيات غير مقصودة، من بينها دفع دمشق إلى تبني سياسات لا تنسجم مع التوجهات الأميركية في المنطقة. وقد يسهم هذا المسار في تعزيز حالة عدم الاستقرار الإقليمي، وخلق مناخ قد تستغله بعض القوى أو التنظيمات المتطرفة للظهور مجددًا.

تعي الحكومة الانتقالية في دمشق مخاطر أن تبقى العقوبات مستمرة، ومع يبدو أن لا خيار لها سوى بناء إستراتيجية تكيف مع العقوبات وبناء الدولة على أساس أنها مستمرة، خصوصًا أنها في محيط إقليمي متحمس لها ومستعد لاحتضانها، ويسعى لنجاحها لمصلحة أمن واستقرار المنطقة، ويعزز ذلك حرص الإدارة المتكرر والحقيقي بالإعلان عن أن سوريا بلد يريد السلام، ولا يريد أن يكون مصدر إزعاج وتصدير للأزمات في المنطقة والعالم.

الأمن والاستقرار

رافق انهيار الجيش، انهيار واختفاء أجهزة الأمن، وبالنظر للدور الذي لعبته الأجهزة الأمنية في المجازر الوحشية، وعمليات القمع والإخفاء القسري للسكان فقد كان ثمة إجماع بضرورة إعادة بناء الأجهزة الأمنية، وتشكيل جهاز أمن يضمن الأمن ويمنع تكرار الماضي.

وعلى هذا الأساس تم حل جهاز الأمن الداخلي (الشرطة) أيضًا، وتم الاعتماد على جهاز الأمن العام الذي شُكل في إدلب كنواة لإعادة بناء جهاز الأمن الوطني وملء الفراغ الأمني الذي شكله انهيار النظام.

بيدَ أنه وبالنظر إلى أن تعداد جهاز الأمن العام لا يكفي للانتشار على مساحات شاسعة، فهو لم يكن مهيأً للعمل خارج محافظتي إدلب وحلب، فقد فتح باب الانتساب بشروط تضمن عدم عودة النظام من جديد، وقام بتخريج دفعات كبيرة من المنتسبين لقوات الأمن العام عبر دورات إعداد وتدريب سريعة، ظهرت عيوبها سريعًا في ضعف سيطرتها وفرض النظام بشكل حاسم، وفشلها في بعض الأحيان، ثمة توجه بتعزيز دور المجتمعات المحلية في الأمن بتعيين عناصر الأمن والشرطة من أبناء كل منطقة في منطقتهم، وهذا التوجه قد يخفف من ضغوط الإدارة الحكومية إلا أنه قد يقلل من قدرة عناصر الأمن على فرضه.

وعلى الرغم أيضًا من عدم وجود قانون حتى الآن لتشكيل قوات الأمن التي تم حلها في بيان النصر في 30 ديسمبر/ كانون الأول مع الجيش السابق، فإن الفراغ الأمني لا يتيح مجالًا لانتظار صدور قانون.

ويحظى الأمن العام بقبول شعبي واسع ما يمكّن المشرعين في المرحلة المقبلة من إقرار بنية هيكلية قريبة ومنسجمة مع ما تم إنجازه حتى الآن، ولكن قد يثير أي قانون يتعلق ببناء الأمن العام نقاشًا عامًا فيما يتعلق بدور المجتمعات المحلية في هيكليته.

ولأن الأمن مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاقتصاد فإن بسط الأمن واستعادته في عموم البلاد، يساعد على التعافي وتقليل الخدمات الأساسية، ويشجع على الاستثمار، وتقليل التحديات أمامه، وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتحقيق الاستقرار، وتخفيف نزعات التمرد والمطالب في الحكم الذاتي في الساحل والسويداء، ومحاولات إضعاف الحكم المركزي، وذلك كله يجعل موضوع فرض النظام العام أولوية.

يرتبط تحقيق الأمن بالعدالة الانتقالية بشكل جوهري، وتجاهلها لتحقيق الانتقال السياسي سيؤدي على المدى الطويل إلى منع الاستقرار، وسيكون مصدرًا لتوليد موجات عنف محتملة، ولا يمكن التنبؤ بها، فثمة أكثر من مليون قتيل ضحايا للمجازر، وعمليات القتل الجماعي خلال 14 عامًا في الصراع مع الأسد، بالإضافة إلى مئات الآلاف من المغيبين قسريًا، ونحو ثلاثة ملايين معوق، إن تركة بهذا الحجم تستوجب تشكيل هيئة متخصصة بالعدالة الانتقالية على النحو الذي نص عليه الإعلان الدستوري، غير أن تنفيذ محاكمات يتطلب تحقيق الأمن أولًا، وهذا قد يستغرق بعض الوقت، لكن ذلك يجب ألا يجعل الموضوع محل نزاع.

بناء مؤسسات الحكم

الهدف النهائي للحكومة الانتقالية هو تحقيق الانتقال السياسي، ما يعني أنّ عليها أن تعيد بناء مؤسسات الحكم، وكتابة دستور جديد دائم، وتهيئة الظروف، وتحضير البنية التحتية لإجراء انتخابات عامة في نهاية المرحلة الانتقالية التي تمتدّ لخمس سنوات.

ويتطلب ذلك منها، نظريًا، تشجيعًا على المشاركة الواسعة في الحياة السياسية، وسنّ قانون للأحزاب، لكن من الناحية العملية، فإن ظروف عدم الاستقرار قد تدفع الحكومة للحذر من النشاط الحزبي لفترة تبعد الحكومة عن التجاذبات السياسية، لكنها تحافظ على الحريات العامة والأنشطة السياسية. والموازنة بين إبقاء الحريات السياسية محمية وبين الحد من الأنشطة الحزبية دقيقة للغاية.

استعان الشرع بإدارة سياسية كانت شكلت في إدلب قبل سنوات، وتولت الخطاب السياسي أثناء عملية ردع العدوان، وتم توسيعها خلال الأشهر الأخيرة، ومدها إلى معظم المحافظات تقريبًا.

وفي 27 مارس/ آذار أصدر وزير الخارجية قرارًا مثيرًا للجدل يحمل رقم (53) ينص على تشكيل “أمانة عامة للشؤون السياسية”، مهمتها “الإشراف على إدارة الأنشطة والفعاليات السياسية” داخل سوريا، “وتنظيمها”، و”توظيف أصول” حزب البعث والجبهة الوطنية التقدمية وما يتبع لهما من لجان لصالحها.

مصدر الجدل يكمن في السيطرة على المجال العام، وفهم الأمر على أنه تشكيل لحزب السلطة وتكرار دور حزب البعث، ولا توجد آلية يحتكم إليها لإبطال القرار الذي يفترض أنه ليس من صلاحيات الوزير المختص بالسياسات الخارجية، وهذا ما يوضّح تحديًا جديدًا في بناء مؤسسات الدولة، فالدولة السورية لديها بيروقراطية قديمة، وأنظمة وتشريعات يجب تجاوزها حتى لا يعاد إنتاج النظام، وإنشاء أنظمة بيروقراطية حديثة تجبر مثل هذا الخلل، وتعزز النزاهة والشفافية.

بيدَ أن المشكلة الرئيسية التي تواجهها الحكومة، هي أنه على الرغم من أن معظم الوزراء يمتلكون خبرات قوية في مجالهم، فإنهم لا يمتلكون خبرات في العمل الحكومي.

تحديات أخرى

لا تنحصر تحديات الحكومة الانتقالية الجديدة في التحديات المذكورة أعلاه، فثمّة الكثير من التحديات الأخرى التي تواجهها، لكنّها أقلّ أهمية، ويمكنها التغلّب عليها، مثل العلاقات مع روسيا، والتمثيل الدبلوماسي، والحفاظ على علاقة متوازنة مع المجتمع الدولي، وترسيخ صورة سوريا كعامل استقرار في المنطقة، وجذب السوريين في المهجر للمساهمة في بناء الدولة، والشراكة مع المجتمع المدني الذي سيلعب دور الوسيط مع التمويل الدولي لإعادة الإعمار، وخلق بيئة استثمارية جاذبة، وتطوير أنظمة التعليم بما يلائم تطلعات البلاد للتنمية، وغيرها.

تعتمد قدرة الحكومة على تجاوز هذه التحديات، على أمرَين:

    الأول: بقاء رصيد الشرع الشعبي مرتفعًا بما يجبر عثرات الحكومة ويساعد على مواجهة التحديات الأمنية، ومحاولات التمرّد، وتقسيم البلاد.

    والثاني: الاستفادة من الشعور العام باستعادة الدولة ورغبة الجميع في المساهمة في بنائها، ويتطلب ذلك العمل على إشراك المجتمع بمختلف مكوناته في بناء الدولة، ومنع حدوث أي قطيعة بين مؤسسات الدولة والمجتمع.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

أكاديمي وباحث متخصص في الحركات الإسلامية

الجزيرة

——————————-

شروط “غير مجحفة” وطمأنة إسرائيل أولوية/ حسن إبراهيم | هاني كرزي | عمر علاء الدين

 واشنطن- دمشق.. انفتاح محتمل

تحديث 15 نيسان 2025

لم تعد الشروط الأمريكية المطلوب تنفيذها من الإدارة السورية الجديدة حبيسة القنوات الدبلوماسية، فالمعلَنة منها والمسربة تدور في فلك أربعة مطالب، يصفها محللون سياسيون بأنها “غير مجحفة”، وهي تدمير أي مخازن متبقية من الأسلحة الكيماوية، والتعاون في مكافحة الإرهاب، وإبعاد المقاتلين الأجانب من مناصب حكومية عليا، وتعيين ضابط اتصال للمساعدة في الجهود الأمريكية للعثور على الصحفي الأمريكي المفقود في سوريا أوستن تايس.

هذه الشروط مقابل تخفيف واشنطن بعض العقوبات المفروضة على سوريا، لكنها تمهد لانفتاح العلاقات بين واشنطن ودمشق، وتؤسس لطي صفحة سوداء وشائكة بدأت منذ فرضت الولايات المتحدة أولى عقوباتها على سوريا، في كانون الأول 1979، عندما أدرجتها على قائمة الدول الراعية للإرهاب.

في المقابل، تبدو ملامح التزام ببعض الشروط من قبل الحكومة السورية الجديدة وعلى رأسها أحمد الشرع، منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 من كانون الأول 2024، مع إبداء المرونة والاستعداد للعمل على بعضها الآخر، بينما تبقى التحديات أمام شرط المقاتلين الأجانب وتكثيف جهود البحث عن الصحفي تايس، مع حذر بتبادل الخطوات مع واشنطن التي لا تزال مترددة ومتحفظة في التعامل مع دمشق.

الأمر ليس بهذه السهولة، وفق دبلوماسيين وسياسيين وخبراء، فالمشهد السوري معقد ومتشابك خاصة مع وجود قوات إقليمية ودولية تتقاطع وتتعارض مصالحها في البلد، لا سيما ملف إسرائيل ذات العلاقة المتينة مع أمريكا، والتي توغلت قواتها في الجنوب السوري، وخلقت ملامح مواجهة مع تركيا على الأراضي السورية.

في هذا الملف، تسلط عنب بلدي الضوء على الموقف الأمريكي تجاه سوريا ما بعد الأسد، والشروط والمطالب التي وضعتها، وتناقش مع دبلوماسيين وخبراء إمكانية تنفيذها، ومدى تأسيسها لمسار انفتاح بين الطرفين، وتأثير إسرائيل في هذا الموقف ومآلات العلاقة معها، ومستقبل العلاقة بين دمشق وواشنطن.

خطوات أمريكية بطيئة نحو دمشق

بدت الخطوات الأمريكية بطيئة تجاه سوريا، فمن حيث التوقيت تزامن سقوط النظام السوري مع تولي دونالد ترامب سدة الحكم في واشنطن، كما أبدى الأخير عدم الاهتمام بما يحصل في سوريا، إذ قال في أول تعليق له قبل هروب الأسد بيوم، إن الولايات المتحدة يجب ألا تتدخل في الصراع في سوريا، مضيفًا، “يبدو أن المعارضة السورية تتحرك بشكل كبير للإطاحة بالأسد”.

وذكر ترامب أن سوريا في حالة من الفوضى، “لكنها ليست صديقتنا ويجب ألا يكون للولايات المتحدة أي علاقة بها. هذه ليست معركتنا.. دعها تستمر.. لا تتدخلوا!”.

عقب ساعات على إعلان هروب الأسد من سوريا، أكدت الولايات المتحدة الأمريكية دعمها الكامل لعملية انتقال سياسي بقيادة وملكية سورية، ونشرت وزارة خارجيتها عدة بنود على عملية الانتقال والحكومة السورية الجديدة أن تلتزم بها وهي:

    حكم موثوق وشامل وغير طائفي يفي بالمعايير الدولية للشفافية والمساءلة، ويتفق مع مبادئ قرار “2254”، واحترام حقوق الأقليات بشكل كامل.

    تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى كل المحتاجين.

    منع استخدام سوريا كـ”قاعدة للإرهاب أو تشكيل تهديد لجيرانها”.

    ضمان تأمين أي مخزونات من الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية وتدميرها بشكل آمن.

في 20 من كانون الأول 2024، كانت أول محادثات رسمية أمريكا وأحمد الشرع، وأول زيارة لدبلوماسيين أمريكيين إلى دمشق منذ عام 2012، وبعد اللقاء بساعات، أوقفت الولايات الأمريكية رصد مكافأة مالية قيمتها 10 ملايين دولار أمريكي لمن يدلي بمعلومات حول أحمد الشرع.

في 6 من كانون الثاني الماضي، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية الترخيص رقم “24” الذي يشمل إعفاءات تهدف لتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وضمان عدم إعاقة العقوبات للخدمات الأساسية، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي، لمدة ستة أشهر، مع مراقبة ما يحصل على الأراضي السورية.

وفي 15 من كانون الثاني، اتخذت الولايات المتحدة إجراءات إضافية لتخفيف العقوبات، فيما يتعلق بالأمر التنفيذي “رقم 13894” الصادر في 14 من تشرين الأول 2019، حول “حظر الممتلكات وتعليق دخول بعض الأشخاص الذين يساهمون بالوضع في سوريا”.

    أبرز الخطوات بعد سقوط الأسد

        بسطت فصائل سورية سيطرتها على دمشق بعد السيطرة على مدن أخرى، وأنهت 53 عامًا من حكم عائلة الأسد.

        أعلنت الإدارة السورية أحمد الشرع رئيسًا للبلاد بالمرحلة الانتقالية، وإلغاء العمل بالدستور، وحل الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية ومجلس الشعب وحزب “البعث”.

        تشكيل لجنة تقصي الحقائق ولجنة لتعزيز السلم الأهلي بعد مواجهات دامية في الساحل السوري.

        توقيع اتفاق بين أحمد الشرع، وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، نص على دمج “قسد” في مؤسسات الدولة السورية، وضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية.

        توقيع إعلان دستوري يحدد المرحلة الانتقالية في البلاد بمدة خمس سنوات.

        تشكيل حكومة جديدة حلت مكان حكومة تصريف الأعمال، وضمت 23 وزيرًا.

    اعتبرت واشنطن تشكيل الحكومة السورية الجديدة “خطوة إيجابية” وشاملة من أجل سوريا شاملة وممثلة، مع التشديد على عدم تخفيف العقوبات قبل تحقيق تقدم في مجموعة أولويات، وهي نفس الشروط المطروحة يضاف إليها منع إيران ووكلائها من استغلال الأراضي السورية، وضمان أمن وحريات الأقليات الدينية والعرقية في سوريا.

جدل تأشيرات أعضاء البعثة السورية

في نيسان الحالي، خفّضت السلطات الأمريكية تأشيرات أعضاء البعثة السورية من “جي 1” المخصصة للدبلوماسيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة إلى “جي 3” الممنوحة لمواطنين أجانب يمثلون في الأمم المتحدة حكومة لا تعترف بها الولايات المتحدة، في خطوة فتحت الباب أمام الجدل حول الهدف منها، ومدى ارتباطها بموقف أمريكا من سوريا، أو حملها لرسائل سياسية.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة قدمت توجيهات إلى البعثة السورية لدى الأمم المتحدة بشأن تعديل وضع تأشيرات أعضاء بعثتها في نيويورك، مضيفًا أن الإجراء اتخذ بقرار إداري بناء على سياسة الاعتراف الأمريكية الحالية، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة لا تعترف في الوقت الحالي بأي كيان كحكومة لسوريا.

وأوضح المتحدث أنه لم يطرأ أي تغيير على امتيازات أو حصانات الأعضاء المعتمدين في البعثة السورية الدائمة لدى الأمم المتحدة.

مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية، أوضح أن الإجراء هو تقني وإداري بحت، يرتبط بالبعثة السابقة، ولا يعكس أي تغيير في الموقف من الحكومة السورية الجديدة، وقال إن وزارة الخارجية على تواصل مستمر مع الجهات المعنية لمعالجة هذه المسألة وتوضيح السياق الكامل لها، بما يضمن عدم حدوث أي التباس في المواقف السياسية أو القانونية ذات الصلة.

وفي هذا السياق، أكد المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن وضع سوريا في الأمم المتحدة لم يتغير جراء قرار تغيير تأشيرات أعضاء البعثة السورية، وأن سوريا لا تزال عضوًا بالمنظمة.

وذكر دوجاريك أن مسألة العضوية تخضع لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، لافتًا إلى أن قرار الدولة المضيفة بتغيير تأشيرات أعضاء البعثة لا يؤثر على وضع سوريا في المنظمة، كما لا يؤثر على مشاركة أعضاء البعثة الدائمين في أعمال الأمم المتحدة.

السياسي السوري المقيم في واشنطن محمد علاء غانم، قال لعنب بلدي، إن الحكومة الأمريكية لا تعترف بالإدارة السورية الجديدة منذ سقوط نظام الأسد، في 8 من كانون الأول 2024، مضيفًا أن تخفيض التأشيرات جاء تماشيًا مع اللوائح الناظمة لإصدارها.

ويرى غانم أن الأمر ليس “عقابًا” على أي شيء وغير مرتبط بأي حدث سياسي جرى مؤخرًا، مشيرًا إلى محاولات اصطياد بالماء العكر، لكن التوضيحات الرسمية حاضرة سواء من الخارجية الأمريكية أو السورية أو الأمم المتحدة.

لا ينفي غانم إمكانية وجود رسائل سياسية من هذه الخطوة، لكنه يؤكد أن ما حدث هو إجراء إداري نابع عن موقف سياسي ليس بجديد.

الإعلامي والسياسي السوري- الأمريكي أيمن عبد النور، قال لعنب بلدي، إن عدم اعتراف أمريكا بالحكومة السورية الحالية، ناجم عن طابع قانوني وليس سياسيًا، فالقانون يقول إن هذه الحكومة امتداد لـ”هيئة تحرير الشام” المصنفة “إرهابية”، وبالتالي لا يمكن الاعتراف بأي جسم تابع لها.

شروط ليست مجحفة.. لكنها قاسية

تعددت الرسائل التي تلقتها الإدارة السورية الجديدة بهذه الشروط، بدءًا بما قاله رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، جيم ريش، مرورًا بما نقلته وكالة “رويترز” عن تسليم مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، ناتاشا فرانشيسكي، قائمة شروط لتخفيف العقوبات، لوزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، على هامش مؤتمر “بروكسل”، وصولًا إلى ما قالته المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، تامي بروس، في 1 من نيسان الحالي.

بما يتعلق بشرط تدمير مخازن الأسلحة الكيماوية، قال وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في 5 من آذار الماضي، إن بلاده ملتزمة بالتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لتدمير بقايا برنامج الأسلحة الكيماوية لنظام الأسد.

وشدد الشيباني على أن التزامات سوريا في هذه المرحلة التاريخية هي تدمير بقايا برنامج الأسلحة الكيماوية الذي تم تطويره في عهد نظام الأسد، ووضع حد لهذا الإرث المؤلم، وتحقيق العدالة للضحايا، وضمان الامتثال للقانون الدولي بشكل قوي، كما شاركت سوريا، في آذار، للمرة الأولى في تاريخها، باجتماع المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية في لاهاي.

بالنسبة لشرط مكافحة “الإرهاب”، فهناك خصومة وعداء وقتال تاريخي بين تنظيم “الدولة الإسلامية” والفصائل وأبرزها “هيئة تحرير الشام”، كما كشف مسؤولون أمريكيون أن الولايات المتحدة شاركت معلومات استخباراتية مع الإدارة السورية الجديدة، أدت إلى إحباط مخطط لتنظيم “الدولة” لتفجير مقام السيدة زينب.

وفي 9 من آذار الماضي، اتفقت سوريا مع الأردن والعراق وتركيا ولبنان على إدانة الإرهاب بكل أشكاله، والتعاون في مكافحته عسكريًا وأمنيًا وفكريًا، وإطلاق مركز عمليات مشترك للتنسيق والتعاون في مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”، ودعم الجهود ومنابر العمل الإقليمية والدولية القائمة، للقضاء على التنظيم وما يمثله من خطر على أمن سوريا والمنطقة والعالم، والتعامل مع سجون عناصره.

الباحث ومدير وحدة المعلومات في مركز “جسور للدراسات”، وائل علوان، يرى أن الشروط الأمريكية في هذا التوقيت التي تحتاج فيها سوريا لرفع العقوبات بشكل أسرع، هي شروط قاسية لكنها ليست مجحفة، وأن ما تطلبه الولايات المتحدة هو جزء من أهداف الشعب السوري وما تسعى الحكومة السورية لتحقيقه.

وتتسم السياسة الأمريكية الحالية تجاه سوريا بالحذر والتجريبية، وفق الدبلوماسي السوري السابق بشار الحاج علي، إذ لم تعترف الولايات المتحدة بعد بشكل كامل بالحكومة السورية الجديدة، رغم تغيّر المعطيات على الأرض.

وقال الحاج علي لعنب بلدي، إن الأشهر الماضية شهدت تحركات سورية في ملفات حساسة مثل الأسلحة الكيماوية، وتقليص النفوذ الإيراني، والانخراط في جهود مكافحة الإرهاب، غير أن الولايات المتحدة، ورغم ترحيبها الحذر ببعض هذه الخطوات، ربطت الانفتاح السياسي بالمعالجة الجدية لملفي الصحفي الأمريكي أوستن تايس، والمقاتلين الأجانب.

ويرى الدبلوماسي السوري أن هذين الملفين في الظاهر لا يبدوان بنفس الثقل الاستراتيجي للملفات الإقليمية الكبرى، إلا أنهما يحملان رمزية سياسية وأخلاقية عالية في الوعي الأمريكي الرسمي والعام، فأوستن تايس، الضابط السابق في سلاح البحرية والمفقود منذ عام 2012، تحوّل إلى رمز لمعركة طويلة تخوضها واشنطن من أجل مواطنيها المفقودين، وترتبط قضيته بحسابات داخلية يصعب تجاهلها في أي مفاوضات.

المقاتلون الأجانب.. ملف قابل للاحتواء

يعد ملف المقاتلين الأجانب من القضايا التي لا تزال شائكة في سوريا، إذ تحدث أحمد الشرع أن منح الجنسية للمقاتلين الأجانب ليس مستحيلًا، ويمكن دمجهم في المجتمع السوري، إذا كانوا يحملون نفس أيديولوجيا وقيم السوريين، وجرى منح بعضهم رتبًا عسكرية، وذهبت ست وظائف عسكرية على الأقل في وزارة الدفاع السورية لأجانب، من أصل 50 أُعلن عنها.

الدبلوماسي بشار الحاج علي يرى أن ملف المقاتلين الأجانب متجذّر في الذاكرة الأمنية الأمريكية، التي لا تزال تتعامل بحذر مع أي مؤشر على إعادة إنتاج ظواهر العبور الجهادي عبر الحدود السورية.

ورجّح الباحث وجود احتمالية كبيرة بأن تتجاوب الإدارة السورية الجديدة مع هذا الملف، خاصة مع تزايد الضغوط الدولية عليه، مع التأكيد أن التعاطي مع ملف المقاتلين الأجانب في إطار شراكة معلوماتية، يعكس التزام دمشق بمحاربة التهديدات العابرة للحدود، لا سيما في المناطق التي لا تزال تشهد نشاطًا لعناصر متطرفة غير سورية.

الباحث وائل علوان، فرّق بين “النص” و”روح النص”، فالأول هو “المقاتلون الأجانب”، أما الثاني فهو “الجهاديون الأجانب”، لافتًا إلى أن الحكومة الجديدة بناء على تجربتها السابقة في إدلب لديها خبرة كافية لإدارة ملف الجهاديين الأجانب عبر من جزءًا من الاستقرار بدل جعلهم جزءًا من المخاطر والتحديات.

وقسم الباحث المقاتلين الأجانب إلى قسمين، الأول مجموعة من الجهاديين الذين يلتحقون بالتنظيمات الجهادية والتنظيمات المتطرفة، وهؤلاء الذين يشكلون قلقًا، يمكن أن يعادوا إلى بلادهم أو ينقلوا إلى مكان آخر، أو العمل على ضبط سلوكهم.

القسم الثاني هم الأجانب خارج معادلة التنظيمات الجهادية والفكر الراديكالي، وهم ليسوا مشكلة، فجميع الدول تعتمد على نخب وأجانب فيها طيف واسع ومتنوع من الجنسيات، وفق علوان.

ماذا عن أوستن تايس؟

بالنسبة لقضية الصحفي الأمريكي المفقود أوستن تايس، التقى أحمد الشرع مع والدة الصحفي، في 19 من كانون الثاني الماضي، وقالت إن “الإدارة السورية الجديدة تعرف ما نمر به وهي تحاول تصحيح الأمور بالنسبة لأشخاص مثلنا”.

يرى الباحث وائل علوان أن قضية تايس فرصة أمام الحكومة وليست تحديًا، معتبرًا أن الحكومة لديها قدرة وفرص للبحث عن معلومات مؤكدة حول الصحفي الأمريكي وغيره، عبر التحقيقات مع فلول النظام وتتبع المعلومات التي يمكن أن تفضي إلى تعاون أمني كبير بين الحكومة السورية والأمريكية.

الدبلوماسي بشار الحاج علي، يقترح على الإدارة السورية فتح تحقيق مستقل وشفاف مع إشراك طرف ثالث دولي حول مصير أوستن تايس، يفضي إلى تقديم رواية دقيقة، سواء أثبت وجوده على قيد الحياة أو لا، مع الاحترام الكامل للمعايير القانونية والإنسانية.

ولفت الحاج علي إلى ضرورة صدور إعلان رسمي بأن دمشق لا تحتجز حاليًا أي مواطن أمريكي، مع فتح قناة تواصل أمنية سواء مباشرة أو غير مباشرة عبر وسيط لتأكيد الجدية في التعامل مع واشنطن على قاعدة المصالح المتبادلة.

إسرائيل عامل مؤثر.. ضوء أخضر أمريكي للتصعيد

برزت إسرائيل كطرف مؤثر في مسار العلاقات بين أمريكا وسوريا، خاصة مع شن إسرائيل حملة قصف مكثفة ضد مواقع عسكرية سورية وتدميرها منذ الإطاحة بالأسد، وتوغلت في الجنوب السوري، وبرز توتر تركي- إسرائيلي إثر الحديث عن انتشار تركي متوقع في قواعد عسكرية داخل سوريا.

إسرائيل التي تواصل إطلاق تصريحات عدائية تجاه السلطات الجديدة في سوريا، تمارس ضغوطًا على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا “ضعيفة ولامركزية”، إذ أبلغ مسؤولون إسرائيليون واشنطن أن “الحكام الإسلاميين الجدد” في سوريا الذين تدعمهم أنقرة يشكلون تهديدًا لحدود إسرائيل، وفق ما نقلته وكالة “رويترز” عن مصادر مطلعة.

الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن عامر السبايلة، قال لعنب بلدي، لا شك أن إسرائيل حصلت على ضوء أخضر أمريكي للتصعيد في سوريا، منذ زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للبيت الأبيض وتزويده بالسلاح الأمريكي، لافتًا إلى ملاحظة أن الولايات المتحدة هي التي تبادر لتهديد إيران، وبدأت باستهداف أدواتها المتمثلة بالحوثي في اليمن، وضرب أي تهديد ضد حليفتها إسرائيل.

وقالت الخبيرة السياسية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط إيفا كولوريوتيس، لعنب بلدي، إن تحركات إسرائيل في سوريا تخضع لتوافق أمريكي- إسرائيلي تجاه سوريا.

وأضافت كولوريوتيس أنه رغم الدعم الأمريكي لإسرائيل في سوريا من حيث “حماية أمنها”، تبقى السياسة الأمريكية منفصلة عن السياسة الإسرائيلية في سوريا، وتجلى ذلك في دعم واشنطن للاتفاق بين “قسد” والإدارة السورية الجديدة، وهو أمر لم ترغب فيه إسرائيل.

بدوره، قال الإعلامي والسياسي السوري- الأمريكي أيمن عبد النور، لعنب بلدي، إن سوريا ليس لها وزن كبير ضمن أولويات الإدارة الأمريكية، لذلك فإن واشنطن لن تعمل من أجل وقف طموحات أي من الدول المجاورة لسوريا سواء إسرائيل أو تركيا أو الدول العربية، طالما أن ذلك لا يؤثر على الأمن القومي الأمريكي.

في السياق ذاته، قال الناشط السياسي السوري في أمريكا محمد علاء غانم، لعنب بلدي، إنه لا يبدو أن هناك أي حركة جدية أمريكية لكبح جماح تنامي النفوذ الإسرائيلي في سوريا، بل على العكس، قال سيباستيان غوركا، رئيس قسم مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض مؤخرًا، إن أمريكا ممتنة لإسرائيل لدورها في إنهاء النفوذ الإيراني في سوريا.

هل تدفع أمريكا نحو سلام بين دمشق وتل أبيب؟

في 25 من شباط الماضي، قال مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إن سوريا يمكن أن تلحق بقطار التطبيع مع إسرائيل خلال الفترة المقبلة، معتقدًا وجود إمكانية لانضمام سوريا ولبنان إلى اتفاقيات “أبراهام” للسلام والتطبيع مع إسرائيل.

اتفاقيات “أبراهام” سلسلة من اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية التي توسط فيها ترامب خلال ولايته الأولى، والتي أسفرت عن تطبيع كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب مع إسرائيل برعاية أمريكية.

وفي 16 من كانون الثاني الماضي، قالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، إن من المتوقع التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وسوريا خلال السنوات المقبلة.

الإدارة الجديدة في سوريا لم تبدِ موقفها بشأن التطبيع مع إسرائيل، لكنها أكدت رغبتها في ألا تمثل سوريا تهديدًا لدول الجوار، كما قال الشرع، إنه لا ينوي خوض صراع مسلح مع إسرائيل، معتبرًا أنها ليست المعركة التي سيخوضها.

ويرى محمد علاء غانم، أن سوريا ليست مهمة بالنسبة لواشنطن، ولكن بما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هو مهندس “الاتفاقات الإبراهيمية”، فبالتالي لو رشحت دوائر السلطة في أمريكا سوريا لتكون هدفًا جديدًا للانضمام لقطار التطبيع مع إسرائيل، فإن ذلك سيستدعي الاهتمام من ترامب بالقضية السورية.

وأضاف غانم أن المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، تحدث بشكل إيجابي عن الرئيس أحمد الشرع، وقال إن شخصيته وأفكاره ربما تغيرت عن الماضي، وبنفس الوقت قام ويتكوف بترشيح سوريا ولبنان كدولتين قد تنضمان أو تعقدان اتفاقيات سلام مع إسرائيل، ولكن هذا لا يعني أن ترامب كشخص مكترث بإنجاز اتفاق السلام الآن، ولكن ربما لاحقًا يضغط في سبيل إنجازه.

من جهته، قال أيمن عبد النور، إن أمريكا تضع عبر مبعوثها للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ونائبته مورغان أورتاغوس، خطة لإنجاز عملية التطبيع بين دمشق وتل أبيب، حيث تعتقد واشنطن أن توقيع مثل هذا الاتفاق سيزيد بشكل كبير عدد الدول العربية التي ستنضم لاتفاقيات “أبراهام”.

وأضاف عبد النور أن توقيع إسرائيل اتفاق سلام مع الحكومة السورية الحالية التي تعبّر عن المسلمين السنة المحافظين، يجعل الاتفاق أقوى مما لو تم توقيعه مع النظام السابق الذي هو علوي أقلوي، لكن إسرائيل لا تريد التوقيع مع الحكومة الحالية، لأنها ترى أن حكومة الشرع لا تمثل السوريين.

مساعٍ لحل التوتر التركي- الإسرائيلي في سوريا

بعد بروز ملامح تصعيد إسرائيلي- تركي في سوريا، تتجه الأمور نحو “الحلحلة” والاتفاق، عقب تصريحات من الطرفين، وتعهد من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بحل التوتر بينهما في سوريا، وذلك خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض.

يرى أيمن عبد النور أن الرئيس ترامب اخترع مدرسة تقوم على مبدأ الحديث عن نقاط معينة تثير زوبعة، من أجل أن تكون هناك اقتراحات مبتكرة جديدة تفتح أفاقًا جديدة للعمل، وبالتالي ليس كل ما يقوله ترامب يكون مقتنعًا به أو أنه سيقوم بتنفيذه، بل يقوله من أجل إثارة المياه الراكدة السابقة لطرح حلول جديدة، وهذا ما فعله عند حديثه عن حل التوتر التركي- الإسرائيلي.

وأضاف عبد النور أن ترامب لديه مصلحة في تخفيف العداء التركي- الإسرائيلي، ويمكن أن يسهم بحل الخلاف عن طريق لقاءات مع مسؤولي أنقرة وتل أبيب، وتقريب وجهات النظر بينهما، لكنه لن يبذل جهدًا كبيرًا بشأن إنجاز ذلك.

محمد علاء غانم، قال لعنب بلدي، إن الرئيس ترامب لديه علاقة جيدة جدًا مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وهذا الأمر أيضًا أكده مبعوثه الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي قال إن ترامب وأردوغان أجريا محادثة “رائعة”، وإن “أشياء إيجابية قادمة”، فلذلك الرئيس ترامب عرض أن يلعب دور الوسيط ما بين إسرائيل وتركيا في سوريا من أجل منع الاصطدام وحل الخلاف بينهما.

وقالت نائبة المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إن الولايات المتحدة “اتخذت بعض الخطوات البطيئة، وتقيم الوضع بصبر في صياغة سياستها تجاه سوريا”.

وأوضحت أورتاغوس أن الولايات المتحدة “كانت واضحة حيال توقعاتها من إدارة أحمد الشرع”، مضيفة أن “للولايات المتحدة مصلحة واضحة في ضمان عدم عودة إيران إلى سوريا، وفي ضمان عدم قدرة تنظيم (الدولة) على إعادة تشكيل نفسه وتهديد أمريكا أو أوروبا أو أي جهة أخرى في الشرق الأوسط”.

وذكرت المسؤولة الأمريكية أن “لدينا مصلحة هناك، لدينا صديقان عزيزان، لدينا حليفتنا في (الناتو) تركيا، ولدينا حليفتنا الأخرى، إسرائيل، وبالطبع، لدينا شراكتنا الوثيقة مع المملكة العربية السعودية، جميع هذه الدول، بما في ذلك لبنان، لديها مصلحة كبيرة لرؤية نتيجة في سوريا”.

هل يتغير الموقف الأمريكي من سوريا؟

يرى أيمن عبد النور أن الحل الوحيد للاعتراف الأمريكي بالحكومة الحالية مستقبلًا، أن يكون هذا الجسم مستقلًا وقويًا وشريكًا في السلطة وليس تابعًا لـ”هيئة تحرير الشام”، عندها ستعترف به الولايات المتحدة، لذا يجب أن يتم تغيير التقييم والوضع القانوني قبل أن يتم تغيير التقييم السياسي من قبل واشنطن.

وأضاف عبد النور أنه في حال أصبح هناك حوار وطني أوسع تنتج عنه صلاحيات أكبر للوزراء، أو اختيار وزراء لا يكون بينهم أشخاص مصنفون على قائمة “الإرهاب” أو قائمة العقوبات الأمريكية للوزراء أو لهم ممارسات سلبية سابقة، حينها تتغير الطبيعة القانونية للحكومة الجديدة، وبالتالي يتم تغيير الواقع والقرار السياسي والاعتراف بها من قبل أمريكا.

ويرى مدير قسم تحليل الدراسات في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، سمير العبد الله، أن واشنطن تراقب سلوك الإدارة السورية الجديدة، وتهدف من خلال سياستها تجاه دمشق لضمان عدم تحول سوريا إلى تهديد لإسرائيل، ومعالجة ملف “قسد” عبر حلول سلمية وتفاوضية، بالإضافة إلى ضمان حماية الأقليات.

وفي حال التزمت الإدارة السورية بهذه الشروط، فمن المرجح أن تُبادر واشنطن إلى تخفيف العقوبات تدريجيًا، وفتح قنوات تواصل جديدة، بما يفضي إلى إعادة تشكيل العلاقات بين الطرفين، لكن ذلك يظل مرهونًا بقدرة الإدارة السورية على التحول من عقلية الجماعات الجهادية إلى عقلية إدارة دولة.

ويعتقد الباحث وائل علوان بإمكانية حدوث تعاون أمريكي- سوري يكون إطاره المبدئي أمنيًا ثم قد يتطور في وقت لاحق إلى أطر أخرى، أما العقوبات والعلاقة السياسية فستبقى ورقة ضغط بيد الإدارة الأمريكية لفترة ليست قليلة لضمان الاستجابة الكاملة من الحكومة السورية الجديدة.

ويرى الدبلوماسي السابق بشار الحاج علي، أنه في حال أرادت الإدارة السورية الجديدة تحويل مقاربتها إلى مسار حوار حقيقي فعلًا، لا بد لها من التعامل مع ملفي “المقاتلين الأجانب وأوستن تايس” كاختبار حتمي لحسن النيات، لا كعبء يمكن تأجيله أو المناورة به.

وقال الحاج علي، إن الإفصاح عن حسن النيات في الشروط، وخاصة في هذين الملفين، لم يعد خيارًا سياسيًا، بل صار شرطًا ضروريًا لأي نقاش مستقبلي مع واشنطن، وربما يجد صانع القرار في دمشق، في هذه اللحظة الدقيقة، فرصة نادرة لتحويل ملف شائك إلى ورقة اعتماد، ومقدمة لتثبيت موقع جديد على الخريطة الدولية.

ويبقى مستقبل العلاقة شائكًا ورهن مسار طويل قائم على الاستجابة والمرونة، فالولايات الأمريكية كانت وما زالت لاعبًا مهمًا ومؤثرًا في سوريا، خاصة خلال الـ14 عامًا الماضية، حيث أسهمت بتغيير معالم السيطرة، سواء عبر دعمها فصائل بالأسلحة وتخليها عنها لاحقًا، أو عبر وجود عسكري، أو توافق مصالحها مع قوى ثانية، أو منح الضوء الأخضر لعمليات وضربات لجهات أخرى، أو امتلاك عصا العقوبات.

عنب بلدي

——————————

لقاء رفيع المستوى حول سوريا: التوسع الإسرائيلي أكبر تهديد لدمشق/ عبد الحميد صيام

من بين الفعاليات التي جذبت كثيراً من الحضور في منتدى أنطاليا الرابع للدبلوماسية ندوة جمعت كلاً من نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز، ومبعوث الأمين العام الخاص لسوريا، غير بيدرسون، وأستاذ دراسات التنمية المستدامة بجامعة كولومبيا ومستشار الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، جيفري ساكس، ونائب المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، كارل سكاو. وأدار الندوة الصحافي وضاح خنفر، الرئيس السابق لقناة “الجزيرة” الإخبارية ورئيس منتدى الشرق بإسطنبول.

وقال خنفر في افتتاحية مقتضبة للندوة: “من الناحية الإستراتيجية، تعدّ سوريا مركزاً جيوسياسياً. إنها جزء من كل صراع شهدته المنطقة، وجزء من كل حل أيضاً”، مؤكداً أن استقرار سوريا يُمكن أن يُنعش الأمل في الشرق الأوسط الأوسع. وذكر أنه زار دمشق مؤخراً وأحس بشعور من التفاؤل لدى المواطنين السوريين قائلاً: “لقد رأيتُ الأمل الجديد الذي انبثق بين أبناء الشعب السوري”.

وقد طرح خنفر السؤال الأول على نائب وزير الخارجية التركي يلماز حول رؤيته لكيفية إعادة الاستقرار لسوريا، وخاصة أن هناك دوراً لدولة أذربيجان بدأ يوم الأربعاء لاستكشاف الموقف الإسرائيلي حول الوضع في سوريا.

وبدأ نائب الوزير التركي حديثه حول خلوّ مجموعة المتحدثين من أي تمثيل سوري قائلاً إن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، كان يجب أن يكون من بين المتحدثين، إلا أنه اعتذر بسبب اضطرار الوفد السوري العودة إلى دمشق.

وأشار السيد يلماز في بداية حديثه إلى استطلاع الرأي الذي نشرته مجلة الإيكونومست، والتي وصلت إلى نتائج تشير إلى أن 70 في المئة من الشعب السوري متفائلون، و80 في المئة يشعرون بأن لديهم الآن حرية أوسع مما كان عليه الوضع أيام بشار الأسد، وأن 80 في المئة لديهم ثقة بأحمد الشرع، وثلثي الذين شملهم الاستطلاع قالوا إن الظروف الاقتصادية تحسنت رغم الصعوبات.

تناول يلماز التقارير الأخيرة عن “محادثات تفادي الاحتكاكات” التركية الإسرائيلية في أذربيجان بشأن المجال الجوي السوري، موضحاً أنها كانت تقنية بحتة، وليست دبلوماسية. وأوضح قائلاً: “الأمر يتعلق بآلية تفادي الاحتكاك، فعندما تستخدم مجالاً جوياً، عليك التواصل مع الجهات الفاعلة الأخرى التي تستخدمه بنشاط”. ومع ذلك، شكك خنفر في التداعيات السياسية لاستمرار الضربات الإسرائيلية في سوريا. وقال: “بمواصلتها، يعني ذلك نزع الشرعية عن الواقع الحالي ووضع سوريا تحت ضغط شديد”.

وأقر يلماز بهذه المسألة، واصفاً العمليات الإسرائيلية بأنها “أحد أكبر المخاطر التي تقوض الشرعية السياسية” للحكومة السورية الجديدة. وحذر قائلاً: “يُمثل التوسع الإسرائيلي أكبر تهديد في الوقت الحالي”، مشيراً إلى إمكانية استغلال الفوضى على الأرض لتبرير استمرار وجود إسرائيل في سوريا”.

بيدرسون: نريد لسوريا أن تنجح

تحول الحوار بعد ذلك مع المبعوث الخاص للأمين العام لسوريا غير بيدرسون، الذي حث الحكومة الانتقالية على الصبر والمساءلة في ظلّ سعي سوريا إلى انتقال هشّ في ظلّ الرئيس الشرع. وقال إن التطورات في سوريا جاءت مفاجئة للجميع، لكن على الفور اجتمع المجتمع الدولي في مدينة العقبة بالأردن، بمشاركة دول غربية وعربية، لكن غاب عن المؤتمر كل من روسيا والصين وإيران.

وشدد بيدرسون على أهمية الحوكمة الشاملة. وقال: “إذا أوفى الشرع بوعوده؛ هيكل حوكمة شامل، والحفاظ على مؤسسات الدولة، فإن المجتمع الدولي سيفي بالوعود”، مستشهداً ببعض التحسينات التي حدثت مثل الإعلان الدستوري الجديد، وإنشاء هيكل حكومي شامل. وقال إن معضلة العقوبات تؤدي إلى تحطيم الأمل والانتعاش الاقتصادي. وأضاف: “أتفق مع جميع المتحدثين على أن العقوبات الدولية لا تزال تُشكّل عائقاً حاسماً أمام إعادة إعمار سوريا. وعلق خنفر قائلاً: “بصراحة العقوبات تقتل الناس”، مذكراً كيف أن السوريين العاديين، الذين كانوا يعتمدون سابقاً على التجارة غير الرسمية، أصبحوا الآن غير قادرين على الحصول على الإمدادات الأساسية.

وأكد بيدرسون هذا القلق قائلاً: “بدون رفع العقوبات، تتجه البلاد نحو كارثة. الوضع الاقتصادي والإنساني يزداد سوءاً، وواشنطن مترددة… لم تتخذ قرارها بعد”. وأشار بيدرسون إلى أن المساعدات الإنسانية يُفترض أن تكون معفاة من العقوبات، وحث تركيا والاتحاد الأوروبي والدول العربية على الضغط على الولايات المتحدة للسماح. وقال: “لا يمكننا تحمّل فشل هذا. نحن بحاجة إلى نجاح سوريا”.

ساكس: اللوم كلّه على الولايات المتحدة

أما الباحث والأستاذ بجامعة كولومبيا جيفري ساكس، فقد وجّه نقداً لاذعاً للسياسات الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط، مؤكداً أن كلا البلدين يواصلان استغلال الحرب في سوريا. وقال: “لن ننعم بالسلام في هذه المنطقة إلا إذا كانت لدينا دبلوماسية عامة قائمة على دبلوماسية حقيقية، لا على عمليات وكالة المخابرات المركزية”. وأكد أن المخابرات الأمريكية اتخذت قراراً بإسقاط بشار الأسد بناءً على تعليمات من الموساد الإسرائيلي.

وأكد ساكس أن الولايات المتحدة وإسرائيل انتهجتا إستراتيجية طويلة الأمد لإعادة تشكيل الشرق الأوسط من خلال التدخلات العسكرية وحروب تغيير الأنظمة. وشدد على أن “الحرب السورية ليست سوى واحدة من ست حروب روّجت لها إسرائيل، بما في ذلك في لبنان والعراق وسوريا وليبيا والصومال والسودان”.

وأكد أن هذه الحروب “حروب اختيارية”، وليست حروب ضرورة، وأدان دور القوى الإمبريالية في تحديد مصير المنطقة.

وقال ساكس: “لقد قُسّم هذا الإقليم على مدى مئة عام، أولاً على يد الإمبراطورية البريطانية، ثم على يد الإمبراطورية الأمريكية”، مضيفاً أن “إسرائيل لا تستطيع أبداً خوض هذه الحروب بمفردها. إنها حروب أمريكية… لا تستطيع إسرائيل القتال ولو ليوم واحد دون دعم الولايات المتحدة”.

وقدّم ساكس حلاً بسيطاً لوقف الحروب في الشرق الأوسط. وقال: “كل ما هو مطلوب، في رأيي، هو أن تُغيّر الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضدّ انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة كدولة العضو رقم 194… وستتوقف الحروب في جميع أنحاء المنطقة. وإلى أن يتوقف ذلك، لن ننعم بالسلام”.

وفي فترة السؤال والجواب القصيرة، وجهت “القدس العربي” سؤالاً للباحث جيفري ساكس حول ما قال إن كل ما جرى في سوريا من صنع الولايات المتحدة وإسرائيل: “فهل الملايين التي خرجت إلى الشوارع في أيام الثورة الأولى ينادون بالتغيير السلمي ويغنون “سلمية سلمية”، لا قيمة لهم؟ وهل ما جرى من قمع وقتل للمتظاهرين السلميين كان بإيعاز من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية؟ ألا ترى يا سيد ساكس أن المؤامرة لم تكن الربيع العربي، بل كانت على الربيع العربي كي يأتي طاقمٌ من الحكام أكثر شراسة وقمعاً وانسجاماً مع الغرب فيترحم الناس على أيام القذافي ومبارك وغيرهم؟”، فقال: “أنا لا أبحث عن دور الشعب السوري، بل أبحث عن دور الولايات المتحدة وإسرائيل. لا تقل لي إن 600 ألف قتلوا بسبب الاحتجاجات. هذه حرب. والحرب مكلفة تحتاج إلى الأموال والسلاح. أنا أتحدث عن المؤامرة، وأعرف أن هناك عملية قادتها المخابرات الأمريكية، فهذه منطقة منذ 100 سنة تخضع للتدخلات البريطانية، والفرنسية، ثم الأمريكية منذ اتفاقية فرساي. ولن تتوقف هذه التدخلات إلا بخروج الولايات المتحدة من المنطقة. فلا يظنن أحد أن هذه التدخلات ستتوقف”. وقال متابعاً: “أنا أعرف ما تقوم به بلادي في هذه المنطقة. لا يوجد في هذا العالم ما يسمى بالمجتمع الدولي. وهناك مصالح. والولايات المتحدة هي التي أفشلت خطة كوفي عنان للسلام في سوريا عام 2012. وقد سمعت ذلك من كوفي عنان نفسه”.

القدس العربي

—————————–

====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى