شبكة حسابات تهاجم تغطية التلفزيون العربي وتلفزيون سوريا لأحداث الساحل السوري


مسبار: شهدت مواقع التواصل موجة من المعلومات المضللة، تزامنًا مع اندلاع الاشتباكات الأخيرة في منطقة الساحل السوري
تلفزيون سوريا ـ إسطنبول
حجم الخط
شهدت مواقع التواصل موجة من المعلومات المضللة، تزامنًا مع اندلاع الاشتباكات الأخيرة في منطقة الساحل السوري، في السادس من مارس/آذار الجاري، إثر هجمات منسقة شنّتها جماعات مسلحة مرتبطة بالنظام السوري السابق على مدن وأرياف بانياس وجبلة وطرطوس، والتي استمرت لأيام عدة قبل أن تُعلن وزارة الدفاع السورية في العاشر من الشهر ذاته انتهاء العمليات العسكرية، والتي ارتكبت خلالها القوات الحكومية والفصائل الموالية لها انتهاكات راح ضحيتها مئات المدنيين في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة
.
|
مسبار يكشف شبكة حسابات ساهمت في إشعال حرب رقمية، وتأجيج خطاب الكراهية والعنف بين السوريين، بالتزامن مع الأحداث التي شهدها #الساحل السوري.. شاهد التفاصيل 🎬 pic.twitter.com/NPZKiueJTA — Misbar – مسبار (@misbarfc) March 27, 2025
استُخدمت هذه المعلومات بشكل ممنهج لتوجيه الرأي العام وتأجيج الانقسامات الطائفية والسياسية، ما أثار مخاوف من تداعياتها على استقرار المجتمع السوري. وقد فنّد “مسبار
” عشرات الادّعاءات المضللة، مسلطًا الضوء على محاولات تحريف الحقائق وإثارة الفتن. كما كشف تحقيق لمسبار عن وجود شبكة من الحسابات التي ساهمت في إشعال حرب رقمية، وتأجيج خطاب الكراهية والعنف بين السوريين.
في الوقت ذاته، شنّت مجموعة من الحسابات على موقع إكس، هجومًا ممنهجًا ضد التغطية الإعلامية التي قدمتها بعض القنوات الإعلامية لأحداث الساحل الأخيرة. إذ اتبعت هذه الحسابات أسلوبًا منسقًا لإعادة نشر المحتوى ذاته في أوقات متزامنة، ما أثار الشكوك حول وجود حملة منظمة تهدف إلى تشويه سمعة هذه المنصات الإعلامية وتقويض تغطيتها للأحداث. إذ تحاول هذه الحسابات إضعاف ثقة الجمهور في المنصات الإعلامية التي قدمت تغطية متوازنة للأحداث الأخيرة في الساحل السوري.
في هذا التقرير، يكشف مسبار عن شبكة حسابات تهاجم تغطية “تلفزيون سوريا” و”التلفزيون العربي” للأحداث الأخيرة في الساحل السوري، يتصدرها حساب “زهرانكو”، الذي كثّف نشر رواية تتهم القناتين بتضليل الجمهور وتشويه صورة الحكومة الجديدة. وشاركه هذا الخطاب كل من حساب “بن فارس”، وحساب “كولومبوس”، عبر إعادة نشر محتوى “زهرانكو” ومهاجمة تغطية القناتين للأحداث الأخيرة التي شهدها الساحل.
برز أيضًا حساب “دُسر”، متهمًا القناتين بشنّ حملة ضد الحكومة السورية الجديدة، من خلال مشاركته منشورات لحسابي “كولومبوس” و”زهرانكو”، تتّهم القناتين بنقل روايات تزعم ارتكاب قوات الأمن العام انتهاكات جسيمة بحق المدنيين في منطقة الساحل. كما شارك حساب “وفَاء” منشورات مشابهة، واتّهم القناتين بترويج روايات ترهيبية وشنّ حرب إعلامية على الدولة السورية.
كما رصد “مسبار” حسابات “abdr5555″، و”أبو نايف”، و”أمير العساف”، و”AbdulmhsnShwuaier”، التي أعادت بدورها نشر محتوى من “زهرانكو” و”كولومبوس” ضمن السياق ذاته.

مجموعة حسابات تهاجم التلفزيون العربي وتلفزيون سوريا
لم تكن الهجمات التي شنّتها مجموعة من الحسابات على إكس مجرد تعليقات عشوائية أو آراء فردية، بل حملت طابعًا منسقًا يُشير إلى وجود حملة منسقة. فقد رصد مسبار اعتماد هذه الحسابات على إعادة نشر محتوى متطابق أو شبه متطابق في أوقات متزامنة، ما يعزز فرضية وجود حملة منظمة تقودها هذه الحسابات. ويعكس هذا التنسيق الدقيق استراتيجية مدروسة تهدف إلى التأثير في الرأي العام وتشويه صورة القنوات الإعلامية المستهدفة.
في سياق الحملة، يبرز حساب يحمل اسم “زهرانكو”، الذي يُعرّف عن نفسه كمؤثر في وسائل التواصل الاجتماعي من العاصمة السعودية الرياض. يُشير في نبذته التعريفية إلى اهتمامه بمجالات الإعلام، والتحقيق، والتوعية. ووفقًا للمعلومات الظاهرة على ملفه، فقد أُنشئ الحساب في يناير/كانون الثاني 2012، ويتابعه قرابة 98.4 ألف مستخدم حتى لحظة كتابة هذا التقرير. ومع ذلك، يفتقر الحساب إلى أيّ معلومات شخصية حقيقية أو صورة لصاحبه، ما يثير الشكوك في هويته الحقيقية وطبيعة نشاطه.

عند تحليل نشاط “زهرانكو”، لُوحظ أنّ الحساب بدأ في الثامن من مارس/آذار الجاري الفائت، أي بعد يومين فقط من اندلاع الاشتباكات الأخيرة في الساحل السوري، بنشر سلسلة مكثفة من المنشورات التي تهاجم تغطية قنوات إعلامية مثل “تلفزيون سوريا”، و”التلفزيون العربي” لتلك الاشتباكات، واتسمت هذه المنشورات بنبرة هجومية، متهمة تلك القنوات بمحاولة تشويه صورة قوات الأمن العام.
برز حساب “زهرانكو” كعنصر محوري في الحملة التي هاجمت التغطية الإعلامية لتلك القنوات لأحداث الساحل، إذ أظهر تحليل نشاطه نمطًا مكثفًا في إعادة نشر المحتوى ذاته على فترات متقاربة خلال تلك الفترة، في محاولة لإبقاء روايته في صدارة المشهد الرقمي. وقد حظيت تلك المنشورات بانتشار واسع وتفاعل ملحوظ، مع مشاركة كبيرة عكست محاولات واضحة للتشكيك في صدقية تغطية تلك القنوات.
إلى جانب حساب “زهرانكو”، رصد مسبار حسابًا آخر يحمل اسم “كولومبوس”، يُعرّف عن نفسه في النبذة التعريفية بأنه مؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي من المملكة العربية السعودية، وقد أنشئ عام 2015 بحسب المعلومات الظاهرة على ملفه الشخصي. يقدّم الحساب نفسه كجهة تسعى إلى “تسليط المجهر على الإعلام المضاد واكتشاف الحقيقة المغيّبة عن الشعوب”، غير أنه يفتقر إلى أي صورة شخصية أو معلومات حقيقية عن هوية القائمين عليه.

ويبرز التفاعل الوثيق بين “كولومبوس” و”زهرانكو”، إذ يتابع كلٌّ منهما الآخر ويشاركان باستمرار منشورات بعضهما البعض، بما في ذلك المنشورات التي تهاجم تغطية قناتي “تلفزيون سوريا” و”التلفزيون العربي”، للأحداث الأخيرة في الساحل السوري.

في الثامن من مارس/آذار الفائت، نشر حساب “زهرانكو” مقطع فيديو مقتطعًا من استضافة تلفزيون سوريا لمدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، إذ ظهر في المقطع وهو يتحدث عن ارتكاب قوات الأمن العام السوري انتهاكات وعمليات قتل طاولت مدنيين خلال الاشتباكات الأخيرة. وأشار عبد الغني في الفيديو إلى وجود إحصائية أولية تُفيد بمقتل 125 مدنيًا على يد قوات الأمن خلال العملية العسكرية في الساحل.
وعلق “زهرانكو” على الفيديو، بأنّ “تلفزيون سوريا” يتهم الرئيس السوري، أحمد الشرع
، وقوات الأمن العام بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين في منطقة الساحل.

كما أرفق “زهرانكو” تعليقًا على المنشور ذاته مع لقطة شاشة من خبر نشره تلفزيون سوريا على إكس، نقل فيه عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان تحذيراتها من الانتهاكات الخطيرة التي رافقت العمليات العسكرية. وواصل الحساب التعبير عن استنكاره لما وصفه بـ”الاستمرار في اتهام قوات الأمن السوري”.

إلى جانب الحسابين المذكورين، رصد مسبار شبكة من الحسابات الأخرى التي تُظهر تفاعلًا متكررًا ومنسّقًا مع محتوى “زهرانكو” و”كولومبوس”، إذ تعمد هذه الحسابات إلى إعادة نشر منشوراتهما التي تتضمن هجومًا ممنهجًا على تغطية “تلفزيون سوريا” و”التلفزيون العربي” للأحداث الأخيرة في الساحل السوري
.
على سبيل المثال، شارك حساب “دُسُر”، منشور “زهرانكو” الذي ادّعى فيه أنّ “تلفزيون سوريا” يتّهم قوات الأمن العام بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين في منطقة الساحل.

وبحسب المعلومات الظاهرة على الحساب، فقد أُنشئ في عام 2024، ويحدد موقعه في المملكة العربية السعودية، لكنه لا يتضمن أي معلومات حقيقية عن هوية صاحبه.
كما رصد مسبار أيضًا حسابًا آخر يحمل اسم “أبو نايف”، يُظهر تفاعلًا مشابهًا مع منشورات “زهرانكو” و “كولومبوس”. وبمراجعة المحتوى المنشور تبيّن أنّ نشاطه الرقمي يُظهر تركيزًا على نشر محتوى يتعلق بالمملكة العربية السعودية. وقد شارك “أبو نايف” المنشور ذاته الذي نشره “زهرانكو”، والذي زعم فيه أنّ “تلفزيون سوريا” يتهم قوات الأمن العام بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين خلال العملية العسكرية في الساحل.

كما رُصد حساب آخر يشارك منشورات “زهرانكو” و”كولومبوس”، وهو حساب يحمل اسم “abdr5555″، ويُظهر في بياناته الشخصية أنه من السعودية. وقد أعاد نشر عدد من منشورات الحسابين، التي تهاجم تغطية “تلفزيون سوريا” و”التلفزيون العربي” لأحداث الساحل الأخيرة.

راجع مسبار تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الصادر في 11 مارس الفائت، ووجد أنّ التقرير أشار إلى أن العمليات الأمنية لم تقتصر على ملاحقة المتورطين في الهجمات، بل سرعان ما تحولت إلى مواجهات عنيفة اتّسمت بطابع انتقامي وطائفي، مع ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق. وأضاف التقرير أنّ “الفصائل المحلية والتنظيمات الإسلامية الأجنبية، التابعة شكليًا لوزارة الدفاع، كان لها الدور الأبرز في ارتكاب هذه الانتهاكات”.
كما وثّقت الشبكة في تقريرها مقتل ما لا يقل عن 420 شخصًا من المدنيين والمسلحين منزوعي السلاح، بينهم 39 طفلًا و49 سيدة و27 من الكوادر الطبية، على يد القوى المسلحة المشاركة في العمليات العسكرية، بما في ذلك الفصائل والتنظيمات غير المنضبطة التابعة شكليًا لوزارة الدفاع.


وعلى الرغم من التقارير الحقوقية والمنظمات الدولية التي أكّدت ارتكاب قوات الأمن العام انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، إضافة إلى توثيق المقاتلين أنفسهم
للمجازر، أقرّ الرئيس السوري، أحمد الشرع، بوقوع أعمال قتل انتقامية. وأوضح في مقابلة مع وكالة رويترز أنّ ردود الفعل العنيفة أسفرت عن العديد من الانتهاكات في الساحل السوري، معتبرًا أنها “أصبحت فرصة للانتقام” بعد سنوات من المظالم المكبوتة، رغم تأكيده على احتواء الوضع إلى حد كبير، إلا أنه رفض التعليق على تورط مقاتلين أجانب أو فصائل متحالفة أو قواته الأمنية.

ورغم إعلان وزارة الداخلية ملاحقة وتوقيف عدد من العناصر
المتورطين في “انتهاكات دامية وغير قانونية” في قرى الساحل، استمر “زهرانكو” في توجيه الاتهامات إلى تلك القناتين، متهمًا إياهما بقلب الموازين وتحويل الجناة إلى ضحايا. وادّعى أنّ هاتين القناتين تمنحان الجناة بُعدًا إنسانيًا، بينما تصوّران قوات الأمن كجهة إجرامية، متجاهلتين أسباب تدخل الأمن والخسائر التي لحقت بهم وبالممتلكات العامة، وفق زعمه.

لكن، مراجعة مسبار لتغطية كل من “تلفزيون سوريا” و”التلفزيون العربي” للأحداث، تُظهر أنهما لم تغفلا الخسائر التي لحقت بقوات الأمن العام، بل أوردتا أرقامًا دقيقة لضحايا الأمن، بالاستناد إلى بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ووفقًا لما نقله مراسلو القناتين من الداخل السوري، ما يُفنّد الادعاءات التي تتهمهما بالتحيّز أو تغييب جانب من الحقيقة.


في منشور آخر، أعاد حساب “زهرانكو” نشر خبر نقله “التلفزيون العربي” عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، يفيد بمقتل نحو 125 مدنيًا على يد قوات الأمن العام في أرياف اللاذقية وطرطوس وحماة خلال العملية العسكرية الأخيرة، مواصلًا هجومه على التلفزيون. كما شاركت حسابات أخرى المنشور نفسه، متهمة “التلفزيون العربي” بالتحريض ضد سوريا.

أعاد كل من حساب “أبو نايف” و”AbdulmhsnShwuaier” و”abdr5555″ مشاركة منشور “زهرانكو”، فيما قام حساب “أمير العساف” بإعادة مشاركته، وعلّق عليه بالقول إنّ “التلفزيون العربي يحرّض على سوريا بطريقة خبيثة”.





بدوره، أعاد حساب “كولومبوس” نشر منشور آخر من “التلفزيون العربي” يتضمّن خبرًا نقلته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، يفيد بارتفاع حصيلة القتلى المدنيين على يد قوات الأمن في اللاذقية وطرطوس إلى 164 قتيلًا، بينهم سبعة أطفال، موجّهًا اتهامات للتلفزيون بنشر معلومات “كاذبة وبثّ الفتنة”.

فيما شارك حساب “أبو نايف” وحساب “abdr5555” المنشور على حسابيهما، وأعاد “AbdulmhsnShwuaier” مشاركته من “كولومبوس”، ثم نشره مرة أخرى زاعمًا أنّ “التلفزيون العربي” يسعى لتضليل الجمهور من خلال وصف قتلى “فلول النظام” بالمدنيين.
بينما نشر حساب “دسر” الخبر ذاته، ثم أعاد مشاركته من حساب “كولومبوس”، مدّعيًا أنّ التلفزيون يشنّ حملة ضد الحكومة السورية الجديدة.




يعكس هذا النمط من المنشورات انتقائية واضحة في مهاجمة “تلفزيون سوريا” و”التلفزيون العربي”، رغم أنّ الخبر نُقل عن تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ونشرته أيضًا وكالات أنباء دولية ووسائل إعلامٍ محلية. ومع ذلك، تجاهلت هذه الحسابات جميع المصادر الأخرى التي نشرت الخبر، وركّزت فقط على مهاجمة القناتين، متهمةً إياهما بالكذب والتحريض. ويعزز هذا التوجه الانتقائي فرضية وجود حملة ممنهجة لا تستهدف مضمون التغطية، بقدر ما تستهدف الجهات الإعلامية نفسها، في محاولة لتقويض صدقيتها.



وفي السياق، أكّدت تقارير منظمات حقوقية دولية صحة ما ورد في تقرير التلفزيون الذي نقله عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إذ أفادت منظمة العفو الدولية بأن “ميليشيات تابعة للحكومة قتلت أكثر من 100 شخص
في مدينة بانياس الساحلية يومي الثامن والتاسع مارس/آذار 2025″، بناءً على معلومات موثوقة تلقتها المنظمة. وأكّدت أنها حققت في 32 عملية قتل، وخلصت إلى أنها كانت متعمّدة وموجّهة ضد “الأقلية العلوية”، وغير مشروعة.

في سياق متصل، قالت أنييس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية “يجب محاسبة مرتكبي هذه الموجة المروعة من عمليات القتل الجماعي الوحشية”، مشيرة إلى أنّ “الميليشيات التابعة للحكومة استهدفت عمدًا مدنيين من الأقلية العلوية في هجمات انتقامية، وأطلقت النار على الأفراد من مسافة قريبة بدم بارد”.
وأجرت المنظمة مقابلات مع تسعة أشخاص، بينهم خمسة من سكان بانياس، أكّدوا مقتل 32 من أقاربهم وجيرانهم، من بينهم 24 رجلًا، وست نساء، وطفلان. ووقع 30 من هذه الجرائم في حي القصور بالمدينة. وأفاد أربعة من سكان الحي بأنهم سمعوا إطلاق نار كثيف في السابع من مارس، تلته عمليات اقتحام وقتل من قِبل “ميليشيات حكومية استمرت طوال يومي الثامن والتاسع من الشهر ذاته”.
كما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن توثيق مقتل 162 مدنيًا
في محافظات الساحل السوري في خمس مجازر يوم السابع من مارس، بينهم نساء وأطفال. مضيفًا أنّ “الغالبية العظمى من الضحايا سقطت في إعدامات ميدانية نفّذتها عناصر تتبع لوزارة الدفاع والأمن الداخلي”.
من جهته، قال المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ثمين الخيطان، يوم 11 مارس الفائت، إنّ المفوضية وثّقت مقتل 111 مدنيًا في الساحل السوري، وأنّ عدد القتلى قد يكون أعلى بكثير. مشيرًا إلى أنّ بعض القتلى هم من عائلات بأكملها، بينهم أطفال ونساء، في المدن والقرى ذات الغالبية العلوية.
وأضاف أنّ العديد من الحالات التي وُثّقت هي “حالات إعدام بإجراءات موجزة”، ويبدو أنّها نُفّذت على أساس طائفي، في محافظات طرطوس واللاذقية وحماة، على يد أفراد مسلحين مجهولي الهوية، وعناصر من جماعات مسلحة يُزعم أنها تدعم قوات الأمن التابعة لسلطات تصريف الأعمال، وعناصر مرتبطة بالحكومة السابقة”.

في التاسع من مارس الفائت، نشر “زهرانكو” منشورًا تضمّن لقطات شاشة لمنشورات من “قناة العربية”، و”التلفزيون العربي”، و”تلفزيون سوريا”، متهمًا الأخيرتين بالانحياز الإعلامي.
وقد نشر “التلفزيون العربي”، حينها، منشورًا نقل فيه عن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل أكثر من 50 مدنيًا نتيجة إعدامات ميدانية دون محاكمة، بينما نقل “تلفزيون سوريا” بيانًا مشتركًا للمنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا، آدم عبد المولى، والمنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية، راماناتان بالاكريشنان، أشار إلى أنّ التصعيد العسكري في محافظات طرطوس واللاذقية وحمص وحماة أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين وحدوث حركة نزوح، مع دعوة جميع الأطراف إلى وقف الأعمال العدائية فورًا.

وقد أعاد حسابا “بن فارس” و”abdr5555″ مشاركة المنشور، في سياق الحملة التي تهاجم القناتين اللتين تناولتا تطورات الأحداث في الساحل السوري.


يُظهر تحليل مسبار أنّ المنشور الذي أثنى فيه “زهرانكو” على تغطية “قناة العربية”، وهاجم فيه “تلفزيون سوريا” و”التلفزيون العربي”، قد استُخدم لتسويق رواية انتقائية تتجاهل تشابه المحتوى المنشور بين القنوات الثلاث. إذ تبيّن من مراجعة مسبار أنّ “تلفزيون سوريا” و”التلفزيون العربي” نشرا خبرًا مماثلًا لما ورد في “قناة العربية”، حول ضبط الأمن العام كميات من المسروقات في الساحل السوري وإعادتها لأصحابها، واعتقال عدد من اللصوص. إذ غطّى “تلفزيون سوريا” في تقرير بتاريخ الثامن من مارس الفائت، إعلان إدارة الأمن العام في اللاذقية ضبط كميات من المسروقات نُهبت من منازل المدنيين خلال العملية العسكرية، وتسليمها لأصحابها، إلى جانب اعتقال عدد من اللصوص، ومصادرة أكثر من 200 آلية مسروقة في جبلة، وإغلاق الطرق المؤدية إلى الساحل لمنع التجاوزات.

أما “التلفزيون العربي”، فقد نشر تقريرًا مصوّرًا من مدينة اللاذقية، في التاسع من مارس الفائت، وثّق فيه عمليات مصادرة مسروقات نفّذها الأمن العام بعد مناشدات من الأهالي. وأوضح أحد القادة الأمنيين في تصريح للتلفزيون أنّ مجموعات مسلحة من “ضعاف النفوس” استغلّت الفوضى الأمنية في المدينة ونفّذت عمليات سطو وسرقة طاولت ممتلكات خاصة وعامة، قبل أنّ تتدخل قوات الأمن وتضبط كميات كبيرة من المسروقات عبر الحواجز المنتشرة، وتبدأ بتسليمها لأصحابها وفق الأصول القانونية، بعد التحقق منها.
وأشار التقرير إلى انتشار قوات الأمن في مدينتي اللاذقية وجبلة لضبط الوضع وملاحقة اللصوص، مؤكدًا اعتقال عدد من المتورطين وتحويلهم إلى القضاء.

اتهام بالتحريض على تأجيج الأوضاع في جنوب سوريا
يوم التاسع من مارس الفائت، وجّه “زهرانكو” اتهامًا إلى “التلفزيون العربي” بالتحريض على تأجيج الأوضاع وفتح جبهة جديدة في جنوب سوريا، مستندًا إلى خبر نقله التلفزيون عن مراسله، أشار فيه إلى حالة استنفار في مدينة طفس ودعوات للتعبئة العامة، عقب توغل جيش الاحتلال الإسرائيلي في بلدة جملة بريف درعا الغربي، وقد قام حساب “abdr5555” بإعادة مشاركته.
وفي الحادي عشر من الشهر ذاته، أعاد “زهرانكو” نشر المنشور نفسه، مواصلًا اتهامه لـ”التلفزيون العربي” بنشر الأخبار الكاذبة بهدف “إثارة الفوضى والخوف، وفتح جبهة جديدة في درعا”. وأعاد حساب “abdr5555” أيضًا مشاركة المنشور، في تكرار واضح لتعزيز الرواية ذاتها.




غير أنّ مراجعة مسبار للخبر الذي نشره التلفزيون، أظهرت أنّ عدة وسائل إعلام محلية وعربية، إلى جانب المرصد السوري لحقوق الإنسان، نشرت الخبر ذاته. وأفادت التقارير بأنّ قوات إسرائيلية مدعومة بآليات وجنود اقتحمت بلدة جملة في منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي مساء الثامن من مارس، إذ نفّذت عمليات مداهمة لعدد من المنازل وسط تحركات عسكرية مفاجئة في المنطقة.

وردًّا على تلك التطورات، شهدت مساجد مدينة طفس دعوات للتعبئة والاستنفار، مع تجمع واسع للمقاتلين في المدينة، استعدادًا لأي تصعيد محتمل، ما يعكس واقعًا ميدانيًا نقلته وسائل الإعلام المختلفة، وليس تحريضًا من “التلفزيون العربي” كما ادّعى الحساب. وقد نقل “التلفزيون العربي” الخبر دون إضافة أيّ تفاصيل خارجة عن السياق أو لغة تحريضية، مكتفيًا بسرد ما أورده مراسله، أسوة بوسائل إعلام أخرى.
ورغم الطابع الإخباري المحض للتغطية، أصرّ “زهرانكو” على اتهام القناة بالتحريض، وتبعه في ذلك حساب “abdr5555″، الذي أعاد مشاركة المنشور، في محاولة متكررة لتكريس رواية مضللة حول أداء “التلفزيون العربي” في تغطية الأوضاع التي شهدتها جنوب البلاد، آنذاك.
كما نشر “زهرانكو” منشورات يتهم فيها قناتي “تلفزيون سوريا” و”التلفزيون العربي” بـ”التعاون مع الأعداء في الترويج ضد الحكومة الجديدة”، مدعيًا أنّ تغطيتهما لأحداث الساحل السوري تعكس تنسيقًا مزعومًا مع الإيرانيين بهدف “تشويه صورة الحكومة”، وقد استند في اتهاماته إلى أخبار نقلتها هاتان القناتان عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان والمرصد السوري، التي أفادت بوقوع ضحايا جرّاء إعدامات ميدانية على يد عناصر من الإدارة السورية في الساحل.
يُظهر تحليل نشاط “زهرانكو” أنه ركّز على مهاجمة هاتين القناتين دون وسائل الإعلام الأخرى التي غطت نفس الأخبار التي تشير إلى مقتل مدنيين على يد عناصر الأمن خلال أحداث الساحل.

إلى جانب تلك الحسابات، رصد مسبار حسابًا آخر يحمل اسم “وفَاء”، يعرّف عن نفسه بأنه من دمشق. غير أنّ الحساب يفتقر إلى أي معلومات شخصية أو صور حقيقية، ما حال دون تمكن مسبار من التحقق من هوية صاحبه. منذ الثامن من مارس الفائت، كثّف الحساب هجومه على تغطية قناتي “تلفزيون سوريا” و”التلفزيون العربي” للأحداث في الساحل السوري.
وشارك الحساب منشورًا يتضمن خبرًا نشره “التلفزيون العربي”، يعرض تصريحًا للمدير الإداري لمستشفى بانياس قال فيه إن “عناصر موالية للنظام السابق نفذت إعدامات ميدانية داخل المستشفى”. وأرفق الحساب المنشور بتعليق اتهم الحساب فيه للتلفزيون العربي وتلفزيون سوريا بمحاولة تكرار ما وصفه بممارسات “قناة الجزيرة” في العراق، من نشر الشائعات وترويع المواطنين وترهيبهم، “مثل إعلان سقوط بغداد واعتقال صدام قبل حتى أن يكمل الأميركيين يومهم الأول في الغزو”.

بعد مراجعة مسبار لعدد من المصادر الإعلامية والشهادات الميدانية، تبيّن أنّ الخبر الذي نشره “التلفزيون العربي” ليس إشاعة ويهدف إلى ترويع المواطنين، وفق زعم الحساب. ووفقًا لتصريح المدير الإداري لمستشفى بانياس، عبد الله محمود، لوكالة الأنباء السورية (سانا) فإن المستشفى تعرض لهجوم من قبل عناصر موالية للنظام السابق، حيث تمّت محاصرته من ثلاث جهات، وأُطلق الرصاص بشكل كثيف، ما تسبب بحدوث أضرار جسيمة في بنية المستشفى، وانقطاع التيار الكهربائي عن المرضى، الأمر الذي أدى إلى توقف الخدمات في عدة أقسام ووفاة بعض المرضى.
وأضاف محمود أنّ “قوات إدارة الأمن العام تمكنت من تأمين المستشفى ومحيطه، بعد أنّ تصدت لهجوم شنّته عصابات الأسد، التي حاولت اقتحام المستشفى عدة مرات خلال الليل. وأسفر هذا الهجوم عن استشهاد عدد من عناصر الأمن العام وتصفيتهم ميدانيًا على باب مستشفى بانياس الوطني”.
وفي منشور آخر، اتهم الحساب “التلفزيون العربي” بشنّ حرب إعلامية ضد الدولة، بعد أنّ نقل تصريحًا لمدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، يتحدث فيه عن الانتهاكات التي وقعت في الساحل، حيث قال “إلى جانب عمليات القتل، رصدنا نهبًا واسعًا للمنازل والممتلكات”.

في تقرير أصدره يوم السابع من إبريل/نيسان الجاري، أكّد المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ الجرائم المرتكبة في الساحل السوري لم تقتصر على القتل والتصفية ذات الطابع الطائفي، بل تعدتها إلى تحقيق مكاسب شخصية لصالح عناصر تابعين لوزارتي الدفاع والداخلية السورية، بالإضافة إلى قوات رديفة. وأوضح المرصد أنّ الانتهاكات شملت عمليات نهب واسعة استهدفت المنازل والمحلات التجارية وحتى السيارات، في ظل غياب تام للمحاسبة القانونية.
واستمر الحساب في مهاجمة القناتين، متّهمًا إيّاهما بنشر روايات حول مجازر ارتكبها عناصر من النظام السابق، وتقديمها على أنها انتهاكات نفّذتها قوات الأمن السورية خلال أحداث الساحل، متجاهلًا في الوقت ذاته التقارير الحقوقية وشهادات منظمات موثوقة وثّقت وقوع انتهاكات بحق المدنيين في المنطقة.

ولوحظ أنّ طبيعة المنشورات التي ينشرها الحساب تتشابه إلى حدّ كبير مع المنشورات التي يهاجم بها “زهرانكو”. إذ أعاد الحساب مشاركة منشور من “التلفزيون العربي” يتحدّث عن تعرّض طاقم القناة لإطلاق نار من فلول النظام أثناء تغطيتهم للاشتباكات في اللاذقية، وهو ما يتشابه في نبرة الهجوم مع منشور آخر أعاد “زهرانكو” مشاركته من “التلفزيون العربي”، يروي فيه مراسله تفاصيل تعرّضهم لإطلاق نار خلال تغطيتهم في ريف اللاذقية، معلّقًا عليه بالقول “محاولة اصطناع بطولات وهمية”.


يُظهر تحليل مسبار أن الحملة الرقمية التي استهدفت قناتي “التلفزيون العربي” و”تلفزيون سوريا”، لم تكن مجرّد موجة عفوية من الانتقادات، بل حملت مؤشرات واضحة على التنسيق والتحشيد الرقمي الممنهج. وبينما تتزايد الحاجة إلى تغطية إعلامية مهنية ومتوازنة، تسلط هذه الحملة الضوء على التحديات المتزايدة التي تواجهها وسائل الإعلام المستقلة في بيئات سياسية متقلّبة. كما وتؤكد أهمية التدقيق في مصدر المعلومات ودوافع الحملات الرقمية، لا سيما عندما تتقاطع مع أحداث دامية وتغطيات صحفية حساسة. وفي ظل محاولات التشويه والتضليل، تبقى الحقيقة بحاجة إلى من يحميها ويكشف خيوط استهدافها.
المصدر: مسبار