عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 17 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة
—————————-
هل تتصادم تركيا مع إسرائيل؟/ توران قشلاقجي
تحديث 17 نيسان 2025
في الأسابيع القليلة الماضية، تناولت وسائل الإعلام التركية والإسرائيلية احتمالية اندلاع مواجهة مباشرة بين تركيا وإسرائيل، بينما تناقش التقارير والتعليقات في وسائل الإعلام احتمالات الصدام، اجتمع مسؤولون أتراك وإسرائيليون الأسبوع الماضي في باكو للتوصل إلى تفاهم عبر وساطة أذربيجان، هذه السلسلة من الأحداث تُظهر بوضوح وجود العديد من المشاكل بين البلدين، خاصة في سوريا، فضلا عن غزة. بعد أن صرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في 10 أبريل/نيسان بأن تركيا ليس لديها نية للتصادم مع إسرائيل، أو أي دولة أخرى في سوريا، رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقوله: «لا نريد توترا مع تركيا، ولكن إذا تطلب الأمر الدفاع عن أنفسنا، فسنفعل ما يلزم». كما أعرب كبار المسؤولين العسكريين الأتراك عن ردود فعل قوية على تصريحات نتنياهو خلال ظهورهم على شاشات التلفزيون.
من جهته، استخدم زعيم حزب الحركة القومية (MHP) دولت بهجلي، أحد الأسماء البارزة في السياسة التركية، تعابير حادة في تصريحاته حول الموضوع، قائلا: «يجب تنفيذ تدخلات عسكرية وسياسية واقتصادية ضد إسرائيل! لم يعد هناك مجال للانتظار». وأضاف بهجلي في بيان: «يجب وضع برنامج للعمل وفرض العقوبات ضد إسرائيل، وتنفيذه بشكل منسق عبر تدخلات عسكرية وسياسية واقتصادية. إن تحرك دولة الإرهاب إسرائيل بين أقدامنا في سوريا، وقصفها أهدافا محددة بين الحين والآخر، ينسج يوما بعد يوم شباك مصيرها المحتوم».
بعد هذه الإشارات التي أطلقها بهجلي نهاية الأسبوع الماضي، وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تحذيرات خلال منتدى أنطاليا الدبلوماسي قائلا: «إسرائيل ترتكب إبادة جماعية صارخة ضد الشعب الفلسطيني. رفع صوتنا ضد هذا الوضع، والاعتراض على هذا الظلم، وإبداء أقوى رد فعل، ليس فقط واجبنا الأخوي، بل هو أيضا واجبنا الإنساني، الصمت على جرائم إسرائيل يعني المشاركة في ارتكاب هذه الجريمة». وأضاف في كلمته: «السلام في الشرق الأوسط ممكن فقط على أساس حل الدولتين للقضية الفلسطينية الإسرائيلية»، مؤكدا أن «الأمة التركية، كما كانت طوال التاريخ، تقف اليوم أيضا في تضامن مع إخوانها الفلسطينيين». لا شك أننا ندخل مرحلة جديدة في الجغرافيا السياسية العالمية، حيث تتجاوز الأهمية الحيوية التي تمثلها روسيا وتركيا للولايات المتحدة بالنفوذ التقليدي لبريطانيا وإسرائيل. ففي قضية أوكرانيا، استبعد ترامب بريطانيا، ويتبع نهجا مماثلا ضد إسرائيل، التي تصر على سياسات معادية لتركيا في الشرق الأوسط وشرق المتوسط، خاصة في سوريا. وهو مضطر لذلك، لأن الولايات المتحدة لم تعد تمتلك رفاهية مواجهة تركيا بسبب إسرائيل. كما أن استراتيجية المحافظين الجدد الأمريكيين الموالين لإسرائيل، والتي تهدف إلى تجاوز تركيا في سياسة الشرق الأوسط منذ حرب لبنان 2006، قد باءت بالفشل. كان ثمن سياسة المحافظين الجدد التي تركز على إسرائيل بدلا من تركيا في الشرق الأوسط باهظا. لم تخسر الولايات المتحدة فقط الحرب على الإرهاب، بل تعرضت أيضا لهزائم استراتيجية أمام روسيا والصين في الصراع العالمي. حاولت إدارة جو بايدن إحياء استراتيجية الشرق الأوسط المنهارة للولايات المتحدة عبر إسرائيل، من خلال إبادة غزة، لكن ذلك أيضا انتهى بالفشل. تركيا، التي صنعت التاريخ في سوريا بعد قطر وقره باغ والصومال وليبيا والعراق، أثبتت مرة أخرى للعالم أن ورقة إسرائيل أصبحت عديمة الفائدة. وبالتالي، فإن أهمية تركيا في النظام العالمي تتزايد يوما بعد يوم، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل أيضا بصفتها فاعلا يمتلك الجيش الوحيد في الناتو القادر على الصمود، ولدورها كوسيط وصانع لألعاب استراتيجية في مناطق حاسمة، مثل وسط آسيا والمحيط الهندي الهادئ وشرق المتوسط وشمال افريقيا خارج نظام الأمن الأطلسي.
خلاصة القول؛ في عالم متعدد الأقطاب، سيكون وزن روسيا وتركيا في السياسة الخارجية الأمريكية أكبر بكثير من إسرائيل، على الرغم من قوة اللوبي اليهودي. وترامب يقوم بالفعل بتكييف سياسته الخارجية وفقا لهذه المعايير والفاعلين الجدد. السطور التي تشير إلى إسرائيل في الوثائق التي رُفعت عنها السرية حول اغتيال كينيدي، بالإضافة إلى حملة ترامب الأخيرة ضد المحافظين الجدد داخل الدولة العميقة، هي مؤشرات على هذا التوجه الجديد، ولذلك، يجب قراءة الهستيريا المعادية لسوريا وتركيا من جانب إسرائيل، التي لم تحصل على الدعم الذي تريده من الولايات المتحدة خارج نطاق فلسطين، في هذا السياق.
كاتب تركي
القدس العربي
—————————-
حرييت: “خطوط حمراء” تركية لإسرائيل في سورية/ جابر عمر
17 ابريل 2025
قالت صحيفة حرييت التركية، اليوم الخميس، إن تركيا وضعت “خطوطا حمراء” بشأن سورية خلال لقاء جمع وفدا تقنيا تركيا مع وفد إسرائيلي في أذربيجان، أهمها رفض التقسيم والسيطرة على الأجواء السورية. وأوضحت الصحيفة أن اللقاء في أذربيجان جاء عقب التوتر بين أنقرة وتل أبيب، والتصريحات التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن تركيا.
وبحسب الصحيفة، فإن الموضوع الأساسي للاجتماع كان “تفعيل آليات لعدم التصادم ووقف الانتهاكات”. وأشارت إلى أنه لم يحدث أي توترات في الاجتماع، حيث “سادت لغة دبلوماسية هادئة”، وسبب ذلك عدم الوصول للمواجهة المباشرة بين البلدين بعد. وأفادت بأن تركيا “وضعت بشكل واضح خطوطها الحمراء، وأهمها إغلاق الطريق أمام تقسيم سورية، وفق التصريحات الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين، والتأكيد التركي على عدم التراجع بشأن الدولة السورية الموحدة”.
وأردفت “حرييت”، أن أنقرة أوضحت في الاجتماع أن الهجمات التي تشنها إسرائيل على سورية “ستؤدي لضغوط على الإدارة السورية الجديدة، وفي حال احتمال الرد، فإن ذلك قد يؤدي لدخول مجموعات على خط المواجهة، وهو ما سيعرض أمن إسرائيل لمزيد من الصعوبات، على عكس ما تريده”. وذكرت أيضا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وجه عقب اللقاء رسائل واضحة في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، عندما تحدث عن “صبر تركيا وهدوء أعصابها وضرورة عدم فهم ذلك بشكل خاطئ”.
من جانب آخر، أفادت الصحيفة بأن “مسألة السيطرة الإسرائيلية على الساحة السورية أمر غير مقبول”. وقالت إن “على إسرائيل التخلي عن تهديداتها وسلك طريق معقول، والتخلي عن مشروع “ممر داوود””، وإن أردوغان تحدث عن ذلك في اجتماع الحكومة قبل أيام، عندما قال: “من يمنع سورية من تحقيق السلام والاستقرار الدائمين فسيجد نفسه في مواجهتنا، وفي مواجهة الحكومة السورية. وكما لم نسمح بتقسيم سورية عبر ممر إرهابي، فلن نسمح أيضاً بتقسيم هذا البلد عبر ممرات أخرى”.
وأردفت الصحيفة أن “هناك وجهات نظر مختلفة لدى الحكومة الإسرائيلية، بعضها ينسى أنه يعيش بالقرن الحادي والعشرين ويعمل وفق مزاعم على أنها مأخوذة من التوراة، ومجموعات أخرى ترغب في تقسيم سورية، وهناك من يرغب بالعودة للاتفاقيات الموقعة زمن الرئيس الراحل حافظ الأسد”.
وأمام هذه المواقف الإسرائيلية، قالت الصحيفة إن “موقف أنقرة واضح من وحدة سورية واستقرارها وأمنها، لأن ذلك ينعكس على دول الجوار، ولهذا لن تترك أبدا مسألة آلية التنسيق بين دول الجوار، وسيتم تأسيس آلية مكافحة تنظيم داعش الإرهابي”. وسبق أن أوضحت تل أبيب، لكل من أنقرة وواشنطن، أن وجوداً تركياً دائماً في قواعد مثل تدمر وتي فور يُعتبر “تجاوزاً للخط الأحمر”، على حد تعبيرها، وهو ما قد يؤثر مباشرة على حرية عمل جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجبهة الشمالية. وفي اجتماع عُقد الأسبوع الماضي في أذربيجان، بين مسؤولين إسرائيليين وأتراك، جرى التأكيد على أن إسرائيل تعتبر الحكومة السورية الجديدة “مسؤولة عن كل ما يحدث في سورية، وأن أفعالها ستؤدي إلى عواقب، بما في ذلك العمل العسكري”.
العربي الجديد،
————————–
إسرائيل تسابق الزمن في سورية بعد إبلاغها بقرب الانسحاب الأميركي/ نايف زيداني
16 ابريل 2025
أبلغت الولايات المتحدة الأميركية دولة الاحتلال الإسرائيلي بأنها ستبدأ قريباً بسحب قواتها من سورية، وفق ما أفاد موقع واينت العبري اليوم الأربعاء. وأوضح الموقع أن مسؤولين أمنيين أميركيين أبلغوا المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن الولايات المتحدة ستبدأ، خلال شهرين، انسحاباً تدريجياً لقواتها العسكرية من سورية، في وقت كانت فيه إسرائيل تحاول منع هذه الخطوة، لكنها تلقت أخيراً تأكيداً بفشل جهودها.
ومع ذلك، لا تزال المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تسعى للضغط على واشنطن لمنع تنفيذ القرار. وليس اعتزام الرئيس دونالد ترامب سحب القوات مفاجئاً، فقد أعلن منذ البداية عن رغبته في إخراج الجنود الأميركيين من المنطقة، معتبراً أن “هذه ليست حربنا”، فيما يعمل البنتاغون منذ فترة طويلة على الخطط. وتستعد واشنطن الآن للانتقال إلى المرحلة العملية، وفق الموقع العبري، مطلعة تل أبيب على خطواتها. وأعرب الإسرائيليون في المناقشات بين الجانبين عن قلقهم الشديد من تداعيات هذه الخطوة.
وأشار مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى إلى اعتقاده بأن الانسحاب، إذا حدث، سيكون جزئياً، وحتى هذا تحاول إسرائيل منعه، خشية زيادة التوتر مع تركيا، التي تعمل علناً على تعزيز سيطرتها في المنطقة بعد سقوط نظام بشار الأسد. وتنتشر القوات الأميركية في الوقت الراهن في عدة مناطق استراتيجية في شرق وشمال سورية، ما يشكل عامل استقرار. ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن انسحاب هذه القوات قد يزيد “شهية تركيا” للسيطرة على المزيد من الأصول العسكرية الاستراتيجية في المنطقة.
وسبق أن أوضحت تل أبيب، لكل من أنقرة وواشنطن، أن وجوداً تركياً دائماً في قواعد مثل تدمر وتيفور يُعتبر تجاوزاً للخط الأحمر، وهو ما قد يؤثر مباشرة على حرية عمل جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجبهة الشمالية. وفي اجتماع عُقد الأسبوع الماضي في أذربيجان، بين مسؤولين إسرائيليين وأتراك، تم التأكيد على أن إسرائيل تعتبر الحكومة السورية الجديدة مسؤولة عن كل ما يحدث في سورية، وأن أفعالها ستؤدي إلى عواقب، بما في ذلك عمل عسكري.
وأبدى الطرفان اهتماماً بخفض التوترات، وشرعا في محادثات لإنشاء آلية تنسيق مشابهة للنموذج الإسرائيلي-الروسي الذي نظم عمليات سلاح الجو الإسرائيلي في سورية. ومع ذلك، فإن الانسحاب الأميركي المخطط له، إلى جانب إطراء ترامب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال اجتماعه مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي، أدى إلى تعزيز الجهوزية في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وترى إسرائيل أن اقتراح ترامب أن يكون وسيطاً بين إسرائيل وتركيا لا يُعتبر بالضرورة مطمئناً لها، خاصة في حال انسحاب القوات الأميركية. وعليه، ليس من قبيل الصدفة، وفقاً للموقع العبري، أن تقول مصادر أمنية إسرائيلية إن الهجمات على قاعدة تيفور هي بمثابة “سباق مع الزمن قبل مغادرة الأميركيين”.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن بلاده تعارض التهديدات الموجهة لسورية وستواصل جهودها للتنسيق مع الأطراف المعنية، بما فيها إسرائيل والولايات المتحدة، لتجنب حصول تصادم في الأجواء السورية، وأضاف في مؤتمر صحافي عقده في منتدى أنطاليا الدبلوماسي الدولي، الأحد الماضي، أن المباحثات التركية مع إسرائيل في أذربيجان بحثت منع وقوع أي مواجهة بين الأطراف في سورية، سواء كانت إسرائيلية أم أميركية.
وأوضح فيدان قائلاً: “هدفنا منع الطائرات في المنطقة من التسبب في وقوع حادث”، كما أشار إلى نية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة سورية، على أن يتم ذلك وفق الظروف المناسبة. وأضاف أن تركيا تساهم في تلبية الاحتياجات الأمنية في سورية على الصعيدين الفني والعسكري، مع وجود محادثات لتجنب المواجهة مع إسرائيل ومنع وقوع حوادث. وكان نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز قد قال، السبت الماضي، إن اللقاء التقني بين وفدين تركي وإسرائيلي في أذربيجان لا يُعدّ اجتماعاً دبلوماسياً، بل آلية لتفادي الصدامات في الأجواء السورية، وقال إن الحديث عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل ممكن فقط بعد وقف الإبادة الجماعية في غزة وتحقيق وقف إطلاق النار.
وأكد يلماز أن إسرائيل تسعى إلى خلق الفوضى في سورية لتبرير وجودها العسكري عبر استهداف مراكز أمنية، محذراً من أنه قد يجري استخدام تنظيم داعش ذريعة لتثبيت هذا الوجود. وفي تصريحات لوكالة الأناضول، قال يلماز إن تركيا والعراق وسورية والأردن ولبنان ستعمل معاً على مكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي في المنطقة، وأشار إلى أن مكافحة الإرهاب “قضية استراتيجية بالنسبة لتركيا”، مشدداً على أن مشكلة الإرهاب في سورية مهمة بالنسبة لتركيا، ولكنها في المقام الأول مشكلة سيادية للإدارة السورية، وحث الإدارة على القضاء على مشكلة الإرهاب، لكي تتمكن من بسط نفوذها على كامل البلاد.
وشدد يلماز على أن تنظيم داعش يشكل تهديداً للمنطقة بأكملها، وأن مكافحة تركيا له ترتكز على مخاوف حقيقية وملموسة، وأضاف: “تكمن المشكلة الأساسية هنا في تدخل القوى الأجنبية في المنطقة من خلال تهديد داعش”. وأشار يلماز إلى أن “هذه القضية ليست قضية تركيا فقط، بل هي قضية دول المنطقة. ولهذا السبب اجتمعت تركيا والعراق وسورية والأردن ولبنان، وأنشأنا آلية مشتركة لمكافحة هذا التهديد”، موضحاً أنه في إطار هذه الآلية، سيتم إنشاء مركز عمليات، وقد تم اتخاذ القرار المتعلق بذلك، مشيراً إلى أنه سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة من خلال مركز العمليات، وهو ما “سيزيل ذريعة تدخل الدول الأجنبية في المنطقة”، وفق تعبيره.
العربي الجديد،
——————————————
الآلية الخماسية.. تحالف لحماية السلطة الجديدة في سوريا؟/ منصور حسين
الأربعاء 2025/04/16
رغم ظهور بوادره منذ أسابيع، يأتي الحديث التركي عن تشكيل نظام إقليمي لدعم استقرار سوريا، ليكشف عن جانب من أسباب التصعيد الإسرائيلي الأخير على الأراضي السورية، ما أشعل النقاش حول مستقبل سوريا المنهكة، في ظل تصاعد تهديدات تحولها إلى ساحة حرب جديدة بين دول المنطقة.
وعلى هامش منتدى أنطاليا، أعلن نائب وزير الخارجية التركية نوح يلماز، مساء السبت الماضي، تشكيل آلية إقليمية مشتركة تضم سوريا والعراق والأردن ولبنان وتركيا، بهدف التصدي لـ”الدور الإسرائيلي المزعزع للاستقرار الاستراتيجي في المنطقة”.
وأكد يلماز أن هذه الآلية تأتي كخطوة عملية لتوفير أدوات الدعم والتنسيق ومساعدة دمشق في بناء نوع المقدرات، مشيراً إلى أن “العمل بالآلية سيبدأ قريباً، من خلال مركز التنسيق الذي سيكون في سوريا، والطلبات المتعلقة بمهامها تصدر عن الجانب السوري”.
وسبق وأن عقدت دول جوار سوريا اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية والدفاع والمخابرات، في العاصمة الأردنية عما، في آذار/مارس الماضي، لبحث آليات التعاون لمنع عودة تنظيم داعش، وإيقاف عمليات تهريب المخدرات والسلاح عبر الأراضي السورية.
تحالف لحماية الشرع!
ويبدو أن هذه الدول قد تلقت رسائل تل أبيب، باستهدافها المنشآت العسكرية التي أبدت أنقرة اهتماماً بإشغالها وسط سوريا، وتهديدها المصادر المائية المغذية للمنطقة والأراضي الأردنية، بفرضها واقع عسكري جديد جنوب وغرب درعا عبر قواتها البرية، ودعمها حركات الانفصال في محافظة السويداء، ما عجّل الإعلان عن هذا التحالف.
ويعتبر الباحث في العلاقات الدولية طه عودة أوغلو، أن جديد هذا التحالف الخماسي، هو الإعلان الواضح عن رفض الاعتداءات الإسرائيلية، وتشكيل معزز لدعم السلطات السورية الجديدة، بموافقة الدول الغربية الراغبة باستقرار سوريا.
ويقول أوغلو لـ”المدن”، إن “الآلية تعدّ التحالف الإسلامي الأول لمحاربة تنظيم داعش، وأيضاً إيقاف الهجمات الإسرائيلية، حيث تأتي بعد تأكيدات وزير الخارجية التركي بعدم نية بلاده مواجهة إسرائيل، ومطالبة الإدارة الأميركية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بإيقاف عملياته العسكرية جنوب سوريا، ما دفع تركيا لاستغلال الموقف لرفع مستوى التنسيق بين دول المنطقة وحماية إدارة الرئيس أحمد الشرع”.
ويضيف أن “أنقرة تراعي حساسية موقف الإدارة السورية الجديدة، حيث تلاحظ الخطوات الهادئة والمنسقة مع دول المنطقة، وبشكل خاص الدول العربية، وعليه فإن تعامل الحكومة التركية يأتي من منطلق تبادل المصالح وحقيقة أن استقرار سوريا يعني استقرار المنطقة”.
تزايد النفوذ التركي
ويتفق الضابط والخبير العسكري السوري عماد شحود، مع الحديث حول حماية الإدارة السورية الجديدة، والحفاظ على ساحة البلاد الداخلية من خلال منع الفوضى التي تريدها الدول الرافضة لسلطة الشرع، عبر أذرعها الداخلية.
لكن شحود يعتبر في المقابل، أن اللافت هو توقيت الإعلان، الذي يأتي بعد تزايد الخلافات بين أنقرة وتل أبيب، ما يظهر سوريا كجزء من محور تركي.
ويقول لـ”المدن”، إن “الآلية تعزز من شعور تحول سوريا إلى ورقة ضغط بيد الأتراك، رغم وجود الأردن، ما يجعلها ساحة صراع دائمة، بسبب نزاعات أنقرة وإسرائيل، التي سلمت مؤخراً أسلحة هجومية متطورة لليونان كجزء من مشروع درع شرق المتوسط الهجومي، ما دفع تركيا للرد من خلال الساحة السورية”.
ويضيف “تتشارك دول المنطقة، خصوصاً الأردن المتضرر من خطوط تهريب المخدرات، مع الدول الغربية، الرؤيا الداعمة للاستقرار في سوريا، لتشجيع اللاجئين على العودة، وهو الهامش الذي تتحرك من خلاله هذه الدول، وتحاول الضغط على تل أبيب للإيقاف عدوانها وخططها في سوريا”.
شروط إسرائيلية
لكن عوامل الضغط لا تزال ضعيفة، بحسب شحود، الذي يرى أن “إسرائيل تمتلك أدوات فرض القرار في سوريا، عبر قدراتها العسكرية، وبالتالي فهي قادرة على تطبيق شروطها على سلطات دمشق”.
وتتركز الشروط الإسرائيلية على الجانب العسكري بشكل رئيس، من خلال مطالبتها بنزع السلاح الثقيل وإبعاده مسافة 60 كيلومتراً عن حدودها، بزيادة عن المسافة المتفق عليها سابقاً مع نظام الأسد والمحددة بنحو 20 كيلومتراً.
إضافة إلى مطالب توفير فضاء حر ضمن المجال الجوي السوري، عبر منع امتلاك أو تعطيل أنظمة الرصد والدفاعات الجوية السورية، ما يجعل من وجود أسلحة الدفاع الجوي مثل منظومة “إس-400” الروسية، أو تنصيب قواعد للمضاد الجوي التركي “الهوك”، يتعارض مع مشروع إسرائيل توسعة مجالها الجوي ليضم سوريا ولبنان.
ويشير شحود إلى أن إسرائيل تريد استمرار سيطرتها على قمة حرمون (قمة 1814)، لدعم أهدافها، مقابل انسحابها من بقية مناطق الجنوب المعروفة بمناطق منزوعة السلاح في القنيطرة ودرعا، وهو ما يخفف التوتر مع الأردن.
—————————
إسرائيل تقول إن الانسحاب الأميركي من سوريا «سيضطرها للقيام بحراك ملائم»
القيادات السياسية والعسكرية في تل أبيب تسعى لمنع هذا الانسحاب
16 أبريل 2025 م
منذ أن أبلغت جهات أمنية أميركية نظيرتها الإسرائيلية بأن الولايات المتحدة تعتزم الشروع في تنفيذ انسحاب تدريجي لقواتها من سوريا في غضون الشهرين المقبلين، والقيادات السياسية والعسكرية في تل أبيب تسعى لمنع هذا الانسحاب، وتقول إنه «في الوقت الحاضر يعدّ خطأ فادحاً يساعد قوى الإرهاب». وتهدد بأنه في حال الانسحاب الأميركي «ستضطر إسرائيل للقيام بحراك ملائم».
وقد فهم الحديث عن «حراك ملائم» كتهديد باتخاذ إجراءات احتلالية في سوريا. ويربط المراقبون بين هذا التهديد ومنشورات سابقة في تل أبيب تحدثت عن مخطط لاحتلال منطقة التنف، التي تتخذها الولايات المتحدة قاعدة لقواتها. وادعت إسرائيل أنها تحتاج هذه إلى المنطقة كي تمنع إيران من تجديد ممر تهريب الأسلحة إلى «حزب الله» في لبنان وغيره.
وكان مسؤولان أميركيان قد صرحا لـ«رويترز»، الثلاثاء، بأن الجيش الأميركي يستعد لدمج قواته في سوريا خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، في خطوة قد تُقلص عددها إلى النصف. وللجيش الأميركي نحو ألفي جندي في سوريا، موزعين على عدد من القواعد، معظمها في الشمال الشرقي.
وتعمل القوات الأميركية مع القوات المحلية لمنع عودة ظهور تنظيم «داعش»، الذي استولى في عام 2014 على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، قبل دحره لاحقاً. وقال أحد المسؤولين، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن هذا الدمج قد يقلل عدد القوات في سوريا إلى ألف تقريباً. وأكد مسؤول أميركي آخر خطة التخفيض، لكنه قال إنه لا يوجد يقين بشأن الأعداد، وكان متشككاً إزاء تخفيض بهذا الحجم في وقت تتفاوض فيه إدارة الرئيس دونالد ترمب مع إيران وتحشد قواتها في المنطقة.
ووفقاً لما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الثلاثاء، فإن الحكومة الإسرائيلية حاولت حتى الآن ثني واشنطن عن هذه الخطوة، إلا أنها «تلقت إخطاراً بفشل جهودها»، فيما لا تزال المؤسسة الأمنية في تل أبيب تضغط على الإدارة الأميركية لثنيها عن القرار.
ويأتي هذا الإخطار في ظل التوجه الذي يتبناه الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بشأن إنهاء الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، استناداً إلى مقاربة يؤيدها كبار المسؤولين في إدارته، وفي مقدمتهم نائب الرئيس، جي دي فانس.
وذكرت الصحيفة أن واشنطن عملت على إطلاع تل أبيب على تطورات الملف بشكل دوري، فيما عبّر مسؤولون إسرائيليون خلال محادثات مع نظرائهم في واشنطن، عن «قلق بالغ» من تبعات الانسحاب الأميركي من الأراضي السورية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمني إسرائيلي رفيع أن التقديرات في تل أبيب تشير إلى أن الانسحاب الأميركي قد يكون جزئياً، مضيفاً أن إسرائيل تسعى لتقليص نطاقه قدر الإمكان، خشية أن تملأ تركيا الفراغ في المناطق الاستراتيجية شمال شرقي سوريا.
ويرى المسؤولون الإسرائيليون أن الوجود الأميركي الحالي في تلك المناطق يُعد عامل استقرار، وأن الانسحاب العسكري الأميركي من المنطقة قد «يفتح شهية تركيا» للسيطرة على مواقع ذات أهمية عسكرية في العمق السوري.
وأفادت الصحيفة بأن إسرائيل أبلغت أنقرة وواشنطن على حد سواء، بأن أي تمركز تركي في قواعد عسكرية كقاعدة T4 وسط سورية أو قرب مدينة تدمر يُعدّ «تجاوزاً للخطوط الحمراء»، وقد «يمسّ مباشرة بحرية عمل الجيش الإسرائيلي في الجبهة الشمالية».
وأفاد التقرير بأن الانسحاب الأميركي المرتقب، إلى جانب «العلاقة الودية» التي عبّر عنها الرئيس الأميركي مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، خلال لقائه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في واشنطن مؤخراً، دفع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى رفع مستوى الجهوزية والتأهب. وبحسب الصحيفة، فإن «عرض ترمب للقيام بدور الوسيط بين إسرائيل وتركيا لا يبعث على الاطمئنان، خصوصاً في ظل الاستعدادات الجارية ميدانياً للانسحاب من سوريا»، مضيفة أن الهجمات التي شنتها إسرائيل مؤخراً على T4، تأتي في إطار «سباق مع الزمن» قبل الانسحاب الأميركي.
وخلال اجتماع جرى، الأسبوع الماضي، في أذربيجان بين وفدين إسرائيلي وتركي، شدد الجانب الإسرائيلي على أن تل أبيب تعتبر الحكومة السورية الجديدة مسؤولة عن كل ما يجري على أراضيها، وأن أي تموضع عسكري غير مأذون به «قد يقابَل برد عسكري».
وأشار التقرير إلى أن التحركات الإسرائيلية في وسط سوريا، وتحديداً في محيط قاعدة T4، جاءت بعد زيارات من وفود تركية تمهيداً لإمكانية نشر قوات تركية فيها. وشنت إسرائيل هجمات استباقية عنيفة على تلك القواعد، خوفاً من تموضع تركي دائم يحد من «حرية العمليات الجوية الإسرائيلية».
——————————-
عرب الشرق الأوسط بين قوسَين/ عدي جوني
17 ابريل 2025
مخطئٌ من يظن أن الشرق الأوسط (العربي) سيحظى بنعمة الاستقرار والهدوء، وذلك بسبب تبعات انتقام الجغرافية، فهذا الشرق محاصر بين قوسيَن جغرافيَّين يمتدّان في فوالق انهدامية جيو- سياسية واقتصادية وثقافية، أكّدتها (ولمَّا تزل) وقائع التاريخ ماضياً وحاضراً، وسيبقى إلى أمد طويل ما دام الأمر يتعلّق بصراع المصالح بين القوى الكُبرى، وما يُقال كلّه عن الحرّية والديمقراطية والسلام، ليس سوى حقٍّ يُراد به باطل.
تحدّثت وسائل الإعلام التركية عن اتّصالات فنّية مع إسرائيل في أذربيجان (10/4/2025) لتجنب الصراع في سورية، وكان وزير وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أكّد في مقابلة معه قبل يوم من بدء تلك الاتّصالات وجوب إضافة إسرائيل إلى اتّفاقيات تجنّب الاشتباك، التي عقدتها أنقرة مع روسيا والولايات المتحدة وإيران في سورية، قبل سقوط النظام… هذه الاتصالات، وتصريحات فيدان، تعكسان بوضوح لا لبس فيه ما تحدّث عنه الصحافي الأميركي المخضرم روبرت كابلان في كتابه “انتقام الجغرافية” (نيويورك، راندُم هاوس، 2012)، عندما أشار إلى سلسلتَي جبال طوروس وزاغروس بصفتهما قوسَين يحصران المنطقة الممتدّة من بلاد الشام والرافدين شمالاً، إلى شبه الجزيرة العربية جنوباً، ويتكفّل البحر الأحمر ليغلق هذا القوس (جيولوجياً) من جهة الجنوب الغربي، حدّاً فاصلاً مع القارّة الأفريقية. لكن التأثير يمتدّ ليشمل مصر من المنظور الجيوسياسي.
تقع جبال طوروس جنوب تركيا في موازاة ساحل البحر الأبيض المتوسّط، وتمتدّ في مساحة تبلغ 560 كيلومتراً لتشكّل حاجزاً طبيعياً بين حوض الأناضول وبلاد الشام، كما تشكّل جداراً طبيعياً بين بلاد الرافدين وتركيا. تُعرف هذه السلسلة جيولوجياً باسم “الحزام الألبي”، وهو حزام زلزالي يتضمّن مجموعة من الجبال التي تمتدّ إلى أكثر من 15 ألف كيلومتراً في طول الحافَة الجنوبية لأوراسيا. أمّا سلسلة جبال زاغروس (غرب إيران) فيقارب طولها نحو 1500 كيلومتر من منطقة كردستان العراق شمالاً حتى مضيق هرمز جنوباً. وفي نظرة سريعة على النصّ الجغرافي المحصور بين قوسَين، في مقدور طالب في المرحلة الثانوية أن يتفطّن إلى أن المنطقة تضمّ دولاً غنيةً بموارد الطاقة، وتُشاطئ ممرّات ذات أهمية بالغة للتجارة العالمية؛ مضيق هرمز، ومضيق باب المندب، وقناة السويس.
تُعدُّ الهضبة الإيرانية، بحسب كابلان، الجغرافيا الأكثر أهميةً في الشرق الأوسط الكبير، تليها هضبة الأناضول بصفتها الأرض الجسر، لكنّهما يتشاركان في انضواء كلّ واحدة منهما في إطار بلد واحد. فتركيا وإيران يتماثلان في أنهما بلدان تحدّهما جبال وسهول واسعة تشرف على الصحراء العربية من الشمال، وتضمّان معاً تعداداً سكّانياً يقارب 150 مليون نسمة، أي أكثر بقليل من عدد سكّان الهلال الخصيب وشبه الجزيرة العربية. وعلاوة على أنهما جزءان أساسيَّان، سواء في نظرية العالم البريطاني هالفورد ماكيندر (1861-1947) بخصوص الحزام الصحراوي، أو في نظرية الأطراف لدى نظيره الأميركي نيكولاس جون سبيكمان (1839-1943)، تُعدُّ إيران وتركيا من أغنى الاقتصاديات الزراعية في الشرق الأوسط، إضافة إلى مستوى متطوّر من الصناعة والمعرفة التكنولوجية، بما فيها صناعة السلاح (تركيا) والطاقة النووية (إيران). يشار إلى أن سبيكمان أوضح في مقالته “الجغرافيا والسياسة الخارجية”، المنشورة عام 1938 في المجلة الأميركية للعلوم السياسية (العدد 32)، أن إطار الأرض، الشريط الساحلي الذي يحيط بأوراسيا، أكثر أهميةً من منطقة آسيا الوسطى (ما يسمّى قلب الأرض عند ماكيندر) للسيطرة على القارة الأوراسية. ويقتضي التنبيه هنا أن رؤية سبيكمان كانت أساسَ سياسة الاحتواء التي مارستها الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفييتي السابق بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى تاريخ انهياره.
بالعودة إلى التاريخ، لا يستطيع أحد نكران التأثيرات السياسية والاقتصادية التي لعبتها كلّ من إيران وتركيا في الشرق الأوسط العربي، ومنها الحروب العثمانية الصفوية (1532-1555). ولا يخفى على أحد أن الصراع الفارسي التركي لا يقتصر على مسألة النفوذ الجيوسياسي فحسب، بل يندرج تحت إطار فالقٍ انهداميٍ عميق بين “الخلافة الإسلامية السُّنية و”الإمامة الشيعية”، وكان واحداً من أشد عوامل تأجيج الصراع بينهما تأثيراً، لينسحب في الوقت ذاته على استقطابات داخلية في المنطقة برمّتها. ومع تبدّل الظروف السياسية وصولاً إلى الوقت الراهن، واكتساب المنطقة موقعاً استراتيجياً مهمّاً يتجاوز الحدود الإقليمية، برزت الدولتان بصفتهما قوّتَين إقليميتَين واحدة نفطية (إيران) والثانية مائية، تسعى اليوم لكي تكون محطّةً رئيسةً لأنابيب الغاز إلى أوروبا. مع سقوط الشاه في إيران عام 1979، وتسلّم زمامَ الحكم نظامٌ ثيوقراطي، يقوم أساساً على مبدأ “ولاية الفقيه”، تحرّكت الفوالق الانهدامية بين الطرفَين نحو صراع أيديولوجي شديد الوضوح، تعزّز أكثر وأكثر مع وصول حزب العدالة والتنمية (الذي ينضوي تحت عباءة الإخوان المسلمين) إلى سُدّة الحكم في تركيا في الانتخابات البرلمانية عام 2002، واستمراره فيها منذ ذلك الحين. وما بين سعي طهران الدؤوب لتغيير المعادلات الإقليمية واتهامها بتصدير الثورة وإقامة “هلال شيعي” من جهة، وبين العثمانية الجديدة الطامحة لاستعادة أمجادها من جهة أخرى، بدا الصراع بين القوسَين يتّخذ أشكالاً مختلفة.
بالعودة إلى تصريحات فيدان، ليس مستغرباً أن يجد المرء في خلفية كلماته ما يُعرف باسم “الميثاق الملّي”، وهو الدستور السياسي الرسمي لحرب الاستقلال التركية (1919-1923) التي خاضتها الحركة الوطنية ضدّ وكلاء الحلفاء؛ اليونان في الجبهة الغربية، وأرمينيا في الجبهة الشرقية، وفرنسا في الجبهة الجنوبية، ومناصري الخلافة في عدّة مدن، بالإضافة إلى المملكة المتحدة وإيطاليا في القسطنطينيّة (إسطنبول) بعد ما احتُلَّت أجزاءٌ من الدولة العثمانية، وقُسِّمت بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى. مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى سُدّة الحكم، تسيّدت فكرة العثمانية الجديدة الخطاب السياسي، فعمل المسؤولون الأتراك لإحياء الميثاق الملّي وأدلجة التاريخ العثماني بصفته الأساس التاريخي لكيانهم السياسي. عندما تسلّم منصب وزير الخارجية عام 2009، كان أحمد داود أوغلو واضحاً في قوله: “لنا إرث باقٍ من العهد العثماني؛ يقولون عثمانيةٌ جديدةٌ، نعم نحن العثمانيون الجُدد، نحن يتحتّم علينا الاهتمام بدول منطقتنا كما الاهتمام بدول شمال أفريقيا”. وفي العام 2016، صرّح رجب طيب أردوغان (الذي كان حينئذ رئيساً للوزراء) قائلاً: “إذا فهمنا الميثاق الملّي فإننا نفهم جيّداً مسؤوليتنا في سورية والعراق… يتحتّم علينا أن نكون من جديد أصحاب الميثاق الملّي”.
تتضح اليوم الصورة على نحو أكبر بعد إسقاط نظام بشّار الأسد وتضعضع محور المقاومة، وتسلّم الإدارة الجديدة الحكم في دمشق بفصائلها التي تنتمي إلى حركات جهادية إسلامية تعادي إيران مذهبياً، وتلقى دعماً من تركيا. هذا المنحنى في تغير اتجاه الفالق الانهدامي من مع إلى ضدّ، تبرز مسألة أخرى قد يظنّها بعضهم خارج القوسَين، لكنّها في الحقيقة هي المنطلق والهدف، والمقصود بذلك تصفية القضية الفلسطينية وجودياً. فتركيا التي احتاجت (بدعم غربي كبير) إلى أكثر من ثلاثين عاماً لإخراج إيران من سورية (وهي رغبة إسرائيلية بالتأكيد)، تجد نفسها في الموقع ذاته من حيث إنه لن يُسمح لها بالحلول محلّ إيران. صحيح أن تركيا لن تتخلّى عن براغماتيتها السياسية، ولن تشكّل محوراً صريحَ العداء لإسرائيل، لاعتبارات عديدة، أكثرها أهميةً أنها عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، لكنّها في الوقت ذاته تقع في الفالق الانهدامي القومي والمذهبي نفسه، كما هو الحال في ما يخص طهران، وهذا بدوره يُحيلُنا على أن عوامل تفكيك تركيا وتقسيمها تبقى قائمةً إن انحرفت أنقرة عن المطالب الأميركية الإسرائيلية. ولعلّ المديح الذي أسبغه الرئيس دونالد ترامب على أردوغان أمام ضيفه نتنياهو في البيت الأبيض، ليس سوى رسالة موجّهة إلى الاثنين معاً، لكن يبقى كيان الاحتلال الإسرائيلي بيضةَ القبّان في الميزان الأميركي. وفي مقالة له نُشرت نهاية مارس/ آذار الفائت، في صحيفة حرييت التركية، أشار الكاتب والمحلل السياسي المعروف مراد يتكين إلى أن ترامب يريد من صديقه أردوغان “التعاون الوثيق بين تركيا والولايات المتحدة لكيلا تشكّل سورية قاعدةً للإرهاب وممرّاً للنشاطات التخريبية لإيران، ونزع سلاح حماس”، وذلك بناء على تسريبات عن اللقاء الذي جمع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره الأميركي ماركو روبيو.
ألا تستدعي تصريحات فيدان حول ضرورة تجنّب الاشتباك مع “إسرائيل” في سورية (التي تتنازعها دعوات الفدرلة التي ازدادت حدّتها بعد مجازر الساحل) إلى التفكير في أن حدود سايكس بيكو لم تعد مقبولةً، وأن ثمّة توافقاً على تقسيم سورية إلى أربع مناطق نفوذ على الأقلّ، واحدة في الشمال لتركيا، وأخرى في الجنوب لإسرائيل، وثالثة لروسيا في الغرب، ورابعة لأميركا في الشرق؟
إنها الفوضى الخلاقة التي بشّرتنا بها كوندوليزا رايس، التي كانت وزيرة الخارجية الأميركية عام 2006. يا ترى ما هو السرّ وراء هذا كلّه؟… نجد الجواب واضحاً في كتاب سمير أمين “إمبراطورية الفوضى” (نقلته إلى العربية سناء أبو شقرا، دار الفارابي، بيروت،1991)، عندما يقول إن الرأسمالية نظام عولمي، بمعنى “إن عملية تراكم الرأسمال التي تفرض دينامية هذا النظام تتشكّل من طريق عالمية قانون القيمة في سوق عالمية مبتورة (أي سوق مقتصرة على السلع والرساميل ومستثنى منها قوة العمل)، هذه العملية تنتج بالضرورة الاستقطاب العالمي (التناقض بين المراكز والأطراف). الاستقطاب ملازمٌ للرأسمالية ولا يمكن تفسيره بعوامل مختلفة وعابرة داخلية أو خارجية تميّز التشكيلات الاجتماعية التي تكوّن النظام العالمي”. لعلّ من أفضل الأمثلة على هذا الاستقطاب هو تكتّلات الحرب الباردة بين المعسكرَين، الغرب الرأسمالي والشرق الاشتراكي، بل لم تكن حتى دول عدم الانحياز بمنأى من هذا الاستقطاب، كما أن “أزمات الشمال والجنوب”، كما يقول سمير أمين، “ظلّت بشكل ما تندرج في منطق الاستقطاب بين الشرق والغرب”. ويضيف موضحاً: “إن الأطراف التي يعيش عليها أربعة أخماس سكّان الكوكب والقسم الأكبر من احتياطي جيش العمل وثرواتٍ طبيعية ومنجمية لا غنىً عنها، يجب أن تظلّ في النظام وأن تخضع لمنطق توسّع الرأسمالية، حتى ولو كان توسّعاً استقطابياً”، وهنا نجد مصدراً أساسياً “للفوضى التي ستشهدها العقود المقبلة”.
العربي الجديد
——————————
صحيفة: سوريا الموحدة في صلب المحادثات التركية الإسرائيلية السرية
2025.04.17
كشفت صحيفة تركية عن بعض مضامين المحادثات السرية بين تركيا وإسرائيل بشأن خفض التوتر ومنع الصدام في سوريا، وذلك خلال اجتماع وفدي البلدين الذي عُقد في مدينة باكو بأذربيجان، الأسبوع الفائت.
وقالت الكاتبة هاندي فرات -المقربة من الحكومة التركية- في مقال نشرته صحيفة “Hürriyet
“، إن أنقرة استعرضت خطوطها الحمراء بوضوح خلال المحادثات في أذربيجان وأصدرت تحذيراً بخصوصها.
وأكدت أن تركيا “أغلقت الباب أمام سيناريو تقسيم سوريا، وهو الذي كان مطروحاً على أجندة بعض المسؤولين الإسرائيليين. ولا تراجع عن فكرة الدولة السورية الواحدة”.
وأضافت: “أكدت أنقرة أن الهجمات الإسرائيلية في سوريا لا تضمن أمن إسرائيل، بل على العكس قد يصبح الأمن أكثر صعوبة وخاصة في حال انخرطت أي ميليشيات على خط المواجهة”.
وأردفت: “من غير المقبول رغبة إسرائيل في السيطرة على الأجواء السورية… إن عدم ثقة إسرائيل بالحكومة الجديدة التي تم تشكيلها في سوريا غير صحيح أيضاً. وتركيا لم ولن تقبل وجهة النظر هذه”.
وضوح موقف أنقرة
وتتابع الكاتبة فرات قائلة إن “موقف أنقرة واضح، وهو باختصار: سوريا واحدة وموحدة كما أُعلنت للعالم أجمع. وبأن أمن واستقرار سوريا يؤثر بشكل مباشر على تركيا ودول الجوار السوري الأخرى، ولهذا السبب لن يتم تقديم أي تنازلات في الآلية التي وضعتها دول جوار سوريا”.
وأشارت إلى أن أنقرة تعمل على تنفيذ الآلية التي جرى إنشاؤها مع دول الجوار لمحاربة تنظيم “داعش” الذي ينشط في بعض المناطق السورية.
من ناحية أخرى، تضيف الكاتبة، بأن أنقرة أكدت على أنه “في إطار التعاون الثنائي بين الدول، فإن وجود الاتفاقيات العسكرية الثنائية، وتحديداً بين تركيا وسوريا، على جدول الأعمال، يمثّل حقيقة جيوسياسية في المنطقة”، وفق ما أورد المصدر.
————————–
العلاقة التركية – الإسرائيلية… برعاية أميركيّة!/ خيرالله خيرالله
تخفيف حدة التشنج بين تركيا وإسرائيل يأتي في وقت لا يزال الوضع اللبناني مثيرا للاهتمام والقلق خصوصا أنّ إيران لم تقتنع بعد بأنّ لا مستقبل لـ”حزب الله” في ضوء فقدانها سوريا.
الأربعاء 2025/04/16
لا يمكن المرور مرور الكرام على تشكيل “لجان فنية” بين تركيا وإسرائيل من أجل تخفيف حدّة التوتر بينهما في سوريا. اعتمدت إسرائيل في الفترة الأخيرة لحظة تصعيدية في التعاطي مع الوجد التركي في سوريا، خصوصا بعدما باشرت أنقرة تحركات يفهم منها أنّها تنوي إقامة قواعد عسكريّة في هذا البلد العربي ذي الأكثريّة السنية والتركيبة المتنوعة.
من الواضح أنّ التفاهمات التي يمكن أن تحصل بين تركيا وإسرائيل مرتبطة بالكلام الإيجابي الذي صدر عن الرئيس دونالد ترامب تجاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. حصل ذلك في أثناء استقبال ترامب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يبدو أنّه فهم الرسالة الرئاسية الأميركية التي فحواها أنّه مطلوب ترطيب الأجواء مع تركيا.
لم يبخل ترامب بالإشادات ذات الطابع الشخصي بأردوغان. ذهب إلى حد تهنئته على إحداث التغيير الذي شهدته سوريا، وهو تغيير متمثل في زوال الحكم العلوي للمرّة الأولى منذ العام 1966 عندما استولى الضابطان صلاح جديد وحافظ الأسد على السلطة. كلما مرّ يوم يتبيّن كم أن هذا التغيير مهمّ على صعيد المنطقة كلّها، خصوصا أنّه وجه ضربة قويّة للمشروع التوسعي الإيراني الذي اعتمد على “الهلال الشيعي” الذي يربط طهران ببيروت مرورا ببغداد ودمشق.
ستساعد التهدئة بين سوريا وتركيا في المزيد من العزل لإيران التي دخلت في مفاوضات مع الولايات المتحدة عن طريق سلطنة عُمان دفاعا عن نظامها. أكثر من ذلك، يأتي تخفيف حدة التشنج بين تركيا وإسرائيل في وقت لا يزال الوضع اللبناني مثيرا للاهتمام والقلق إلى حد كبير وبشكل متزايد، خصوصا أنّ إيران لم تقتنع بعد بأنّ لا مستقبل لـ”حزب الله” وسلاحه في ضوء فقدانها سوريا. يثير الوضع اللبناني الاهتمام والقلق من زاوية احتلال إسرائيل لأراض لبنانية وما ينطوي عليه ذلك من احتمالات حصول تصعيد عسكري من جهة والوضع غير المستقر على طول الحدود اللبنانية – السورية من جهة أخرى.
لا يزال هناك، بكلّ أسف، رهان إيراني على بقاء سوريا معبرا إلى لبنان، علما أنّ هذا الموضوع صار محسوما. صار محسوما بعدما خرجت سوريا من “الهلال الشيعي” نهائيا، وهذا ما ترفض “الجمهورية الإسلاميّة” أخذ العلم به وبالنتائج المترتبة عليه. هل يقنعها التطور الذي طرأ على العلاقات التركيّة – الإسرائيلية بأن لا خيار أمام “الجمهوريّة الإسلاميّة” غير التخلي عن أوهامها اللبنانية والسوريّة في آن؟
عاجلا أم آجلا، ستكتشف إيران أنّ التغيير الذي حصل في سوريا من النوع الذي لا عودة عنه وذلك بغض النظر عن بقاء أحمد الشرع وفريقه في السلطة أو عدم بقائه.
في خريف العام 1970، استولى حافظ الأسد على السلطة وتفرّد بها. كان هدفه الدائم وضع اليد على لبنان تحت شعار “شعب واحد في بلدين.” في الواقع، لعب الأسد دورا كبيرا في تفجير لبنان منذ ما قبل ذلك اليوم المشؤوم، في 13 نيسان – أبريل 1975. أشعل حافظ الأسد الوضع في لبنان عن طريق إغراقه بالسلاح. قبل العام 1975، سلّح الفلسطينيين وسلح ميليشيات مسيحية معادية للمنظمات الفلسطينية التي لم يكن لديها من هدف سوى نشر الفوضى في كلّ لبنان. عمل كلّ ما يستطيع من أجل تبرير الحاجة إلى سيطرة الجيش السوري على الأراضي اللبنانية بحجة حماية المسيحيين أحيانا وضبط المنظمات الفلسطينية المسلحة في أحيان أخرى. نجح في ذلك عبر وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر الذي حصل على ضوء إسرائيلي سمح بدخول الجيش السوري إلى لبنان في العام 1976.
من يقنع إيران التي أرسلت الدفعة الأولى من “الحرس الثوري” إلى لبنان بواسطة حافظ الأسد في أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف العام 1982 بأن سوريا تغيّرت، بل تغيّرت جذريا؟
تغيّرت سوريا إلى درجة صارت ساحة لصراع تركي – إسرائيلي تريد الولايات المتحدة الحؤول دون تفاقمه. دخلت سوريا ومعها لبنان مرحلة جديدة مختلفة عن الماضي. تطرح هذه المرحلة أسئلة عدّة ثابت فيها أمر واحد وحيد هو أن لا عودة إلى للهيمنة الإيرانية على لبنان وسوريا. هذا ما أثبتته الأحداث الأخيرة التي شهدها الساحل السوري في السابع والثامن من آذار – مارس الماضي. إذا كان من درس يمكن استخلاصه من هذه الأحداث، التي شهدت تمردا علويا قمع بقسوة، فهو درس على إيران التعلّم منه. فحوى الدرس أن لا عودة لـ”الحرس الثوري” إلى سوريا من جهة وأن مستقبل سوريا رهن بإيجاد صيغة تعايش بين تركيا وإسرائيل… وإن برعاية أميركيّة. لن تقبل إسرائيل بأيّ شكل حلول تركيا مكان إيران في سوريا. لا بد من الآن طرح أسئلة تتعلّق بمستقبل العلاقة التركية – الإسرائيلية وما إذا كان في الإمكان تفادي صدام بين الجانبين في سوريا نفسها، وهو صدام ستكون له من دون شكّ انعكاسات سلبية على لبنان. يبدو أن إدارة ترامب باتت تعي أبعاد أيّ صدام تركي – إسرائيلي في سوريا وانعكاساته على المنطقة كلّها، بما في ذلك لبنان، البلد المغلوب على أمره.
من المفيد مراقبة المسؤولين اللبنانيين، على كلّ المستويات، لما يدور في سوريا. من المفيد أكثر العمل على جعل كل من يعنيه الأمر، خصوصا ما بقي من “حزب الله” وبعض الرموز الشيعية التي تعاونت مع الحزب، استيعاب أنّ لا عودة لإيران لا إلى سوريا ولا إلى لبنان. إضافة إلى ذلك كلّه، من المفيد مراقبة تطور العلاقة التركيّة – الإسرائيلية في وقت ليس فيه أمام إسرائيل سوى التعاطي مع الاعتراف بوجود علاقة في العمق بين الحكم السوري الجديد وتركيا. كيف ستنظم إدارة ترامب العلاقة بين الجانبين. هذا السؤال بين أسئلة كثيرة تطرحها مرحلة ما بعد خروج إيران من سوريا… ومن لبنان أيضا.
إعلامي لبناني
العرب
—————————–
=======================