هل يجب أن تقلق دمشق من سياسات إدارة ترامب؟/ مروان قبلان

16 ابريل 2025
لاعتبارات مفهومة، ومبرّرة، تثير سياسات إدارة الرئيس ترامب تجاه السلطة الجديدة في دمشق اهتماماً كبيراً لدى السوريين على اختلاف انتماءاتهم ومواقفهم، فالولايات المتحدة، رغم قلة اهتمامها بالشأن السوري، تعدّ الطرف الدولي الأكثر أهمية فيه، لأسباب اقتصادية وعسكرية وسياسية. تتمحور الأولى حول العقوبات التي لا يبدو ممكنا من دون رفعها النهوض بالاقتصاد وإعادة الإعمار، أما الثانية فترتبط بالوجود العسكري الأميركي في شرق الفرات، ما يشكل عائقاً أمام توحيد البلاد واستعادة حقول النفط والغاز والقمح الحيوية للنهوض بها، ويتصل آخرها بارتباط مواقف دول كثيرة من التغيير في دمشق بالموقف الأميركي. بناء عليه، يتوقف الكثير على فهم السياسة الأميركية في سورية ومقاربتها.
لا تظهر سورية شأناً مستقلاً على رادار إدارة الرئيس ترامب، بل تبدو ملحقة بقضايا إقليمية أكثر أهمية لها (إضعاف إيران، التنافس الإسرائيلي- التركي، العلاقة مع روسيا… إلخ). وقد ذكرها ترامب مرّة واحدة (ربما اثنتين) منذ عودته إلى البيت الأبيض، أبرزها خلال لقائه نتنياهو الأسبوع الماضي، عندما كشف، في معرض حديثه عن استعداده للوساطة بين حليفيه في أنقرة وتل أبيب، أنه قال لأردوغان “أعرف أنك أنت من أخذ سورية”. وفي ضوء عدم تبلور سياسة واضحة تجاه سورية، حتى الآن، يتنازع إدارة ترامب تياران يتشاركان فقط الارتياح لسقوط نظام الأسد. تعبّر عن الأول وزارة الخارجية ويرى بضرورة منع انزلاق سورية إلى الفوضى، وعودة الأيام السوداء للصراع، وهو يميل إلى إعطاء إدارة دمشق الجديدة فرصة لإثبات أنها تغيرت، وقطعت مع ماضيها، وهذا ما حدا بالخارجية الأميركية إلى تقديم قائمة شروطها في مؤتمر المانحين في بروكسل في 18 الشهر الماضي (مارس/ آذار)، للبدء بتخفيف العقوبات عن سورية. يمثّل التيار الثاني البيت الأبيض، ويعبر عنه خصوصاً سبستيان غوركا، مسؤول ملف الإرهاب في مجلس الأمن القومي، وتولسي غابارد، مديرة المخابرات الوطنية، ويتخذ موقفا أكثر تشددا، ويعتقد أنه (هذا التيار) المسؤول عن تخفيض درجة رخص الإقامة الممنوحة لوفد سورية في الأمم المتحدة على اعتبار أنه بات “يمثل حكومة لا تعترف بها الولايات المتحدة”.
بعد طرد إيران من سورية (هدف السياسة الأميركية منذ أيام أوباما) يرجّح أن يتقلص اهتمام إدارة الرئيس ترامب أكثر بالشأن السوري، وهي تتجه، على ما يبدو، حتى إلى سحب قواتها من مناطق شرق الفرات، وتفويض إدارة الملف، بما في ذلك محاربة “داعش”، وضبط الحدود الجنوبية للأطلسي، إلى تركيا. هذا يعني ترك سورية معلقة في فك العقوبات الأميركية، من جهة، وساحة تنافس تركي- إسرائيلي مضبوط أميركيا، من جهة أخرى. إذا ذهبت الأمور بهذا الاتجاه، وهي على الأرجح كذلك، سوف تكون التداعيات خطيرة على سورية، ما يستدعي تحرّكاً من نوع مختلف من الإدارة الجديدة في دمشق، يتضمن: الكف عن التصرف وكأن مستقبل سورية ومصيرها وحل مشكلاتها موجود في واشنطن، لأن هذا قد يتطلب الكثير من الانتظار ريثما يحصل “الرضا” الأميركي. بدلاً من ذلك، علينا، نحن السوريين، القيام بما ينبغي القيام به وكأننا غير معنيين بكل ما يجري حولنا. أي التوجه نحو تفعيل مؤسّسات الدولة، وأجهزتها المختلفة، من دون تسييس، وهذا غير مرتبط بالعقوبات الأميركية. ويجب التوقف كذلك عن ادّعاء أن سورية لا دولة فيها ولا مؤسّسات، وأننا نبني كل شيء من الصفر، فهذا غير صحيح، مدمّر للذات، وينسف كل ما أنجزه آباؤنا وأجدادنا على مر السنين، فعمر الدولة السورية مائة عام وهي قائمة ومستمرّة، وإلا فما معنى بروتوكولات الاستلام والتسليم الذي تحرص الإدارة الجديدة على إجرائها في كل مرة تتشكّل فيها حكومة. ما تحتاجه مؤسّسات الدولة حتى تعود للعمل بطاقتها الكلية هو استدعاء الخبرات وإطلاق الطاقات التي همّشها النظام البائد بفساده واعتماده معيار الولاء. هذا يتطلب أيضاً إعادة النظر في النهج السياسي المتبع، مع اعتماد معياري الشفافية والمشاركة، ووضع تصوّر واضح متفق، ومجمع، عليه وطنيّاً للانتقال السياسي. إذا بدأنا بإصلاح أمورنا من الداخل، بإرادة ذاتية نابعة من احتياجاتنا، فسوف يصبح رفع العقوبات الأميركية تحصيل حاصل، وتعود سورية إلى الاندماج بالمنظومة الدولية من دون أن نبدو وكأننا نرضخ للشروط الخارجية. من هذا الباب، نبقى، وسنبقى، نؤكّد على أهمية الانطلاق من ترتيب أوضاعنا الداخلية، بروح وطنية مشتركة، لاستعادة سورية التي نطمح إليها جميعاً.
العربي الجديد