دوافع وكواليس الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 17 نيسان 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

—————————-

سوريا وتركيا وكردهما/ بكر صدقي

تحديث 17 نيسان 2025

استخدم وزير الدفاع التركي يشار غولر، في تصريحات إعلامية قبل أيام، تعبير «قوات سوريا الديمقراطية» وذلك للمرة الأولى على لسان مسؤول تركي رفيع. فطوال السنوات السابقة، وإلى وقت قريب، كان المسؤولون الأتراك يستخدمون أسماء «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«قوات حماية الشعب» بوصفهما «كيانات إرهابية» تابعة لحزب العمال الكردستاني، إلى جانب «داعش» وجماعة فتح الله غولن، ويطالبون المجتمع الدولي بتبني هذا التوصيف. وكان الاختلاف حول هذا التوصيف مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية هو أحد أسباب الخلافات بين تركيا وتلك الدول.

لم يأت هذا التغيير من فراغ، بل سبقه ترحيب تركي رسمي بالاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، وتوقف العمليات العسكرية في منطقة سد تشرين بين فصائل «الجيش الوطني» وظهيرها التركي من جهة وقوات قسد من جهة أخرى «على الساكت» أي بلا إعلان رسمي.

يمكن القول إن الدولة التركية قد اعترفت «على الساكت» أيضاً بقوات سوريا الديمقراطية كطرف في المعادلات الداخلية في سوريا. وعبر مظلوم عبدي، في تصريحات إعلامية مؤخراً، عن ارتياحه من تراجع التوصيفات التركية لقسد بالإرهاب.

تأتي هذه المرونة التركية المستجدة تجاه قسد في إطار سياسة جديدة للدولة التركية العميقة تجاه الكرد بدأت ملامحها تتضح منذ شهر تشرين الأول الماضي مع المبادرة التي أطلقها زعيم الحزب القومي المتشدد دولت بهجلي الذي تحالف مع أردوغان في أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة في العام 2016. وينظر إلى بهجلي، في الرأي العام المحلي، بوصفه ناطقاً باسم الدولة العميقة التي لها مصالحها ورؤاها المستقلة عن التغيرات في السلطة السياسية. ومع مضي الأسابيع والأشهر التالية على إطلاق المبادرة المذكورة اتضح وجود نوع من التباين غير المعلن بين الحليفين أردوغان وبهجلي. ففي حين يشكل البقاء في السلطة الهاجس الأكبر الذي يحفز أردوغان في قراراته وتصريحاته، ينطلق بهجلي من هواجس تتعلق بما يعتبره الأمن القومي لتركيا. وفي حين حافظ على خط هو الأكثر تشدداً تجاه حزب العمال الكردستاني والحركة السياسية الكردية طوال مسيرته السياسية، انقلب فجأةً إلى أكثر زعيم سياسي تركي تمسكاً بمبادرته التي تهدف إلى «تركيا خالية من الإرهاب». وبلغ به الأمر أن وصف أوجلان بأنه «القائد المؤسس» لحزب العمال الكردستاني بعدما كان الوصف الوحيد الذي كان يستخدمه بحقه هو «رئيس العصابة الإرهابية»، كما ألمح إلى إمكان إطلاق سراحه مقابل حله لـ«العمال الكردستاني». وكان أوجلان قد استجاب لنداء بهجلي فوجه حزبه لإلقاء السلاح وحل نفسه. بالمقابل أعلن قادة الحزب المذكور وقفاً لإطلاق النار في الأول من شهر آذار وموافقتهم على توجيهات أوجلان. صحيح أنهم طرحوا بعض الاشتراطات على رأسها «تأمين بيئة مناسبة» لزعيمهم السجين ليتمكن من المشاركة الفاعلة في المؤتمر الذي من المفترض أن يعلن فيه إلقاء السلاح وحل الحزب.

في غضون ذلك كان وفد من حزب الديمقراطية والمساواة (الكردي) يقوم بزيارتين لأوجلان تليهما جولة من اللقاءات مع قادة الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان لاطلاعها على أجواء الزيارة وطلباً لدعمها للمبادرة السلمية. وقد التقى هذا الوفد أخيراً بالرئيس أردوغان، في الإطار نفسه، بعد قطيعة مديدة بين الجانبين منذ العام 2014 حين كان ثمة أفق لحل سلمي للمسألة الكردية سرعان ما فشل وتحولت العلاقة بين الجانبين من الحوار إلى العداء.

في هذه الأجواء من التفاؤل الحذر انفجرت قنبلة اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو في 19 آذار فبدا أن تركيا تنزلق نحو مواجهة مفتوحة بين السلطة وحزب الشعب الجمهوري، بموازاة تراجع الاهتمام بملف بهجلي ـ أوجلان، وكأن من فجر تلك القنبلة قد استهدف المبادرة. غير أن بهجلي الذي غاب عن المشهد السياسي بسبب صحي قاهر أثناء حادثة إمام أوغلو وتداعياتها، عاد بقوة ليحتل مركز الاهتمام مجدداً من خلال إلحاحه أكثر من السابق على المضي في مشروعه، فدعا حزب العمال الكردستاني لعقد مؤتمره داخل تركيا، في مدينة ملاذغرد ذات الحمولة الرمزية الكبيرة في التاريخ التركي من منظور التيار القومي باعتبار المعركة المعروفة باسم تلك المدينة فاتحةً للسيطرة التركية ـ الإسلامية على الأناضول منذ العام 1071. بل أنه حدد موعداً لعقد المؤتمر في الرابع من شهر أيار القادم!

وها هي صحيفة «تركيا» المقربة من السلطة تنشر خبراً أسندته إلى «مصادر أمنية» جاء فيه إن حزب العمال الكردستاني يستعد لعقد مؤتمره في أوائل شهر أيار ليعلن حل نفسه على أن ينجز تسليم السلاح الذي يملكه للدولة التركية في الفترة الممتدة حتى نهاية شهر حزيران. مع عدم التخلي عن الحذر في التعاطي مع هذه الصحيفة، يمكن القول إن قطار الحل قد انطلق مع توقع وصوله إلى هدفه خلال أسابيع، وذلك بالنظر إلى التفاؤل السائد في أجواء الحركة السياسية الكردية.

هذا التوازي بين ما يحدث في كل من تركيا وسوريا بشأن موضوع كرد البلدين قد ينعكس إيجاباً على المشهد السياسي العام في كل منهما. فعلى رغم تفاقم الميول السلطوية لدى السلطة في تركيا، وبخاصة بعد حادثة إمام أوغلو، قد تتغلب اعتبارات الدولة العميقة المهجوسة بما أعلنه نتنياهو بشأن «إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط» قبيل انطلاق عملية ردع العدوان، على اعتبارات أردوغان بشأن مستقبله السياسي. وعلى الجانب الآخر من الحدود، حيث تتمتع تركيا بنفوذ كبير على إدارة الشرع، من المحتمل أن يشكل اندماج قوات سوريا الديمقراطية في السلطة نوعاً من التوازن بين الميول الإسلامية المتشددة والميول العلمانية ـ الديمقراطية في المجتمع السوري، ويكون ذلك في الوقت نفسه استجابة لمطالب التشاركية، بدلاً من الاستئثار بالسلطة، التي يطالب بها المجتمع الدولي وقسم وازن من المجتمع السوري معاً.

هذه العمليات السياسية هي في طور الحدوث، وما قد يحدد نتائجها، إيجاباً أو سلباً، إنما يعتمد على النشاط السياسي لمختلف القوى الفاعلة على جانبي الحدود، سواء في ذلك القوى المحلية، وهي الأهم، أو تلك المعنية من الخارج.

كاتب سوري

القدس العربي

—————————-

الجزيرة السورية تنتظر تطبيق اتفاق العاشر من مارس/ بشير البكر

17 ابريل 2025

عداد الوقت في محافظات الجزيرة السورية الثلاث، الرقة ودير الزور والحسكة، يدور بسرعة. وتسود حالة من الترقب في الوسطين العربي والكردي لبدء خطوات ملموسة على طريق تنفيذ اتفاق العاشر من مارس/آذار الماضي، بين الرئيس أحمد الشرع، والقائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، والذي نصّ على نهاية العام الحالي بوصفه آخر مدى زمني لطيّ ملف الوضع الراهن، وانتقال المنطقة إلى سلطة الدولة السورية. الخطوات التي تمت حتى الآن في الجزيرة السورية غير كافية، في نظر المترقبين في الوسط العربي، رغم أنها حققت ثلاثة إنجازات مهمة. عُقدت جلستان من التفاوض في مدينة الحسكة، بين اللجنة الرسمية برئاسة حسين السلامة، والطرف الكردي بقيادة عبدي، وكانت الثانية قد تمت في 12 إبريل/نيسان الحالي، وذلك بعد حصول تقدّم كبير على طريق حل الاستعصاء القائم في حيي الأشرفية والشيخ مقصود بحلب. وأفرجت الدولة و”قسد” عن أعداد من المحتجزين لدى كل منهما، كما انسحبت قوات كردية من الحيين، وتسلمت مكانها قوات من الأمن العام التابع للدولة. ويتمثل الإنجاز الثالث بوقف القتال الذي يدور بين قوات رسمية وأخرى كردية حول سد تشرين القريب من حلب، ودخول قوات الحكومة لتسلم السد.

حذر في الجزيرة السورية

أشاعت هذه الخطوات أجواء إيجابية مشوبة بحذر شديد، وذلك يعود إلى عدة أسباب. الأول هو تعقيدات الاتفاق، والمسافة الشاسعة بين رؤيتي الدولة و”قسد”. الثاني عدم وجود ثقة بين الأطراف، بسبب تراكمات المرحلة الماضية، والشرخ السياسي بين العرب والأكراد في الجزيرة السورية والثالث استمرار بعض الممارسات السلبية المخلّة بالاتفاق من قِبل “قسد”، والتي يجري تفسير بعضها على أنه محاولة لعرقلة التنفيذ، يقوم بها طرف كردي متضرر من تطبيقه، وهذا يحيل إلى الاختلافات الكردية -الكردية، التي يجري الحديث عنها منذ عدة أشهر. الخلافات الكردية حسب ما هو متداول في وسائل الإعلام تدور بين أطراف متعددة.

الأول داخل تشكيل “قسد”، بين مجموعة من الطرف الكردي السوري، والآخر الكردي التركي التابع لحزب العمال الكردستاني. وفي حين تميل الجماعة الأولى إلى التوصل لحل مع الدولة، أحد شروطه خروج المقاتلين الأجانب، يعارض الطرف الثاني ذلك لأنه سيكون خاسراً لوجوده داخل سورية، الذي كلفه ثمناً كبيراً في القتال تحت راية التحالف الدولي ضد “داعش”، وتتركز حجة هؤلاء بأنهم من بين صانعي الاستقرار في هذا الجزء من سورية، والقضاء على مشروع “داعش” في سورية والعراق، وأنهم ليسوا بنادق للإيجار كي ينسحبوا من سورية، وبالتالي يتمسكون بشرط ألا تكون التسوية على حسابهم.

والخلاف الثاني هو بين “قسد” والمجلس الوطني الكردي، الذي كان أحد تشكيلات الائتلاف الوطني لقوى الثورة، وانسحب منه في فبراير/شباط الماضي، تحت مبرر انتهاء دوره. وتطالب هذه الأحزاب بأن تكون ممثلة على نحو عادل، وألا تستأثر “قسد” لوحدها، والتي يقف خلف تشكيلها حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني. وسط هذه التفاعلات المتسارعة جاء حوار عبدي إلى موقع “المونيتور” في 12 إبريل الحالي، والذي تضمن عدة نقاط خضعت لنقاش وخلافات من حولها، خصوصا أنها لم تلقَ أي رد من طرف مسؤولي الدولة، الذين يتبعون نهجاً يعتمد على التكتم، وعدم إطلاق التصريحات، ما يترك الصورة مشوشة لدى المكون العربي في محافظات الجزيرة السورية الثلاث.

النقطة الأولى التي أثارها عبدي، تتعلق بالنقاشات مع الحكومة حول مسألة الحكم المحلي في منطقة الجزيرة السورية وإفرازاته. وهذه مسألة ليست محل خلاف سوري، على أن يشمل سورية كلها، وليس منطقة الجزيرة السورية لوحدها، وهناك رأي يلقى تجاوباً كبيراً يقول، من الأفضل أن تبدأ العملية الانتخابية في سورية بعد نهاية المرحلة الانتقالية، من مجالس الحكم المحلي، الذي يشمل البلديات ذات الصلاحيات غير المركزية، ومن ثم تليها الانتخابات التشريعية والرئاسية، ولا تنتقص تجربة البلديات من صلاحيات الدولة، كما هو الحال في النموذجين الناجحين للمركزية المفرطة في فرنسا، واللامركزية في بريطانيا.

والنقطة الثانية هي أن بعض الأحزاب الكردية تُصر على خيار الفيدرالية. وهنا تكمن نقطة الخلاف الرئيسية، وحيال ذلك يمكن طرح أكثر من سؤال، هل تشمل الفيدرالية مناطق الأغلبية الكردية أم الجزيرة السورية كلها؟ وهل يحق لهذه الأحزاب فرض خيار الفيدرالية على سورية ككل، في حين أنها لا تمثل كل الشعب الكردي، وهل هذه العملية تقررها الحكومة والأحزاب الكردية، أم يجب أن تخضع لاستفتاء شعبي، يقول فيه عرب الجزيرة كلمتهم، قبل أن يتم تضمين الفيدرالية في الدستور؟ تتوجب الإشارة هنا إلى أن هناك معلومات إعلامية متداولة مفادها أن “قسد” بدأت حملة سياسية في الوسط العربي، للحصول على تأييد الزعامات القبلية العربية لخيار الفيدرالية، كي تعزز من موقفها الذي يتركز على أساس أن الإدارة الذاتية مشروع مشترك كردي عربي.

وحسب مصادر في الحسكة، يلقى هذا التوجه معارضة واسعة من المكون العربي، الذي يمثل الأكثرية المطلقة في المحافظات الثلاث، وهو لا يتلخص بموقف مجموعة من زعماء العشائر المستفيدين من الإدارة الذاتية. والنقطة الثالثة هي أن واشنطن تدعم الاتفاق لأن استقرار المنطقة يخدم مصالحها، ويحول دون تصعيد جديد مع تركيا أو الحكومة السورية. وعلى هذا الأساس بدأ التنفيذ في حلب، ومن بعد ذلك سد تشرين، وفي هذا المجرى ستصب بقية الخطوات اللاحقة، خصوصاً تسليم آبار النفط والغاز للدولة.

ضغط أميركي على “قسد”

وحسب المعلومات المتداولة فإن قائد القوات الأميركية في الجزيرة هو الذي أوصل عبدي بطائرة عسكرية أميركية إلى دمشق لتوقيع اتفاق مارس الماضي. وجاء ذلك بعد أيام معدودة من أحداث الساحل، والحملة الإعلامية ضد الحكومة، وعلى هذا لا يخلو توقيت توقيع الاتفاق من رسالة سياسية أميركية، وهذه نقطة فهم منها الطرف الكردي جدية موقف الإدارة الأميركية، التي تدفع للتفاهم مع سلطات دمشق، وقد ساهم في ذلك عدة عوامل منها التدخلات التركية لدى واشنطن من أجل تسهيل الحل السياسي. وبحسب معلومات حصل عليها موقع “تلفزيون سوريا”، فإن الولايات المتحدة ضغطت على “قسد” للمضيّ قدماً في الاتفاق، وأبلغتها أن دعمها المستقبلي سيركّز على تعزيز الحقوق الثقافية للأكراد في سورية، من دون تقديم دعم عسكري مباشر.

ووسط معطيات ترجّح إمكانية الانسحاب قريباً، بدأت القوات الأميركية منذ منتصف الشهر الماضي، تفكيك بعض قواعدها العسكرية المنتشرة في مناطق شمال شرقي سورية من دون إعلان رسمي عن هذه التحركات. وتفيد المعلومات بأن طائرات شحن أميركية نقلت خلال الأيام الماضية عتاداً عسكرياً متنوّعاً وضباطاً وجنوداً من قواعد في المنطقة، تزامناً مع إنزال المنطاد العسكري المخصص للمراقبة والاستطلاع من سماء قاعدة تل بيدر شمال مدينة الحسكة. النقطة الرابعة هي، أن الحكومة السورية لا تعارض التعليم والحديث والكتابة باللغة الكردية، وهذا حق طبيعي للأكراد، وأن تتم ترجمة الاتفاق بالنص على ذلك دستورياً، بما يحفظ الحقوق الثقافية للأكراد، وعليه يتم تشريع مدارس للغة الكردية، ووسائل إعلام، وجامعات، ضمن إطار الدولة السورية.

خطاب عبدي قدم جانباً من صورة ملف الجزيرة، وعلى الحكومة أن تقدّم الجانب الآخر منها، حتى تكتمل الرؤية لدى المكون العربي، الذي يترقب خطوات ملموسة باتجاه التهدئة وتطبيع الأوضاع وإعادة بناء الثقة، وأن يتم البدء بخطوات مطمئنة مثل البدء بتبييض السجون، التي تشرف عليها “قسد” أو تسليمها للدولة السورية، أو التوصل لصيغة إشراف مشترك خصوصاً تلك التي تحتوي على مقاتلي “داعش”، الذين احتجزتهم “قسد” بعد هزيمة التنظيم في معركتي الرقة والباغوز، وهنا يدور جدل حول أعدادهم وجنسياتهم والمصير الذي ينتظرهم، لاسيما الأجانب منهم الذين ترفض دولهم استعادتهم.

أوراق “قسد”

تمتلك “قسد” عدة أوراق مهمة في المفاوضات، الدعم الدولي، مشاركة المكوّن العربي في تشكيلها سياسياً وعسكرياً، ضعف المكوّن العربي في تنظيم نفسه، وميل أوساط منه للتعاطف مع “داعش”. كما أنها تريد ضمانات دولية فيما يخص المستقبل، تتعلق باحترام الدولة للاتفاق، وضمان علاقات تفاهم مع تركيا. وعلى الجانب الآخر، هناك اتهامات عن سوء إدارة “قسد” للوضع في الجزيرة والتصرف بثروات المنطقة وهذا يتطلب جردة حساب، وألا يتم اتباع منطق عفا الله عما سلف، من دون نسيان إيجابيات الاتفاق في حلب وسد تشرين. من المرتقب أن تعقد الأحزاب الكردية مؤتمراً، غداً الجمعة، في الحسكة، بحضور نحو 250 شخصاً من أجل إصدار تصورها النهائي حول وضع المكون الكردي في الدولة السورية. ومنذ أسبوع تدور في الكواليس معلومات عن وثيقة اتفق عليها بصورة أولية كل من حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي تحت مسمى “الرؤية السياسية الكردية”، وستقرها خلال الاجتماع، وهي مشكّلة من 30 بنداً، تنصّ على المطالبة بـ”سورية ذات نظام حكم لا مركزي يضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة بين المركز والأقاليم”. وتتضمن الوثيقة بنداً يدعو إلى “إعادة النظر في التقسيمات الإدارية للمحافظات والمناطق السورية، بما يراعي الكثافة السكانية والمساحة الجغرافية”. كما تدعو الرؤية إلى “توحيد المناطق الكردية سياسياً وإدارياً ضمن سورية بنظام فيدرالي”. وترى أن “الاسم الرسمي للجمهورية وعلمها ونشيدها الوطني يجب أن يعبر عن كل مكونات الشعب السوري”.

العربي الجديد

————————————–

إسرائيل تسابق الزمن في سورية بعد إبلاغها بقرب الانسحاب الأميركي/ نايف زيداني

16 ابريل 2025

أبلغت الولايات المتحدة الأميركية دولة الاحتلال الإسرائيلي بأنها ستبدأ قريباً بسحب قواتها من سورية، وفق ما أفاد موقع واينت العبري اليوم الأربعاء. وأوضح الموقع أن مسؤولين أمنيين أميركيين أبلغوا المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن الولايات المتحدة ستبدأ، خلال شهرين، انسحاباً تدريجياً لقواتها العسكرية من سورية، في وقت كانت فيه إسرائيل تحاول منع هذه الخطوة، لكنها تلقت أخيراً تأكيداً بفشل جهودها.

ومع ذلك، لا تزال المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تسعى للضغط على واشنطن لمنع تنفيذ القرار. وليس اعتزام الرئيس دونالد ترامب سحب القوات مفاجئاً، فقد أعلن منذ البداية عن رغبته في إخراج الجنود الأميركيين من المنطقة، معتبراً أن “هذه ليست حربنا”، فيما يعمل البنتاغون منذ فترة طويلة على الخطط. وتستعد واشنطن الآن للانتقال إلى المرحلة العملية، وفق الموقع العبري، مطلعة تل أبيب على خطواتها. وأعرب الإسرائيليون في المناقشات بين الجانبين عن قلقهم الشديد من تداعيات هذه الخطوة.

وأشار مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى إلى اعتقاده بأن الانسحاب، إذا حدث، سيكون جزئياً، وحتى هذا تحاول إسرائيل منعه، خشية زيادة التوتر مع تركيا، التي تعمل علناً على تعزيز سيطرتها في المنطقة بعد سقوط نظام بشار الأسد. وتنتشر القوات الأميركية في الوقت الراهن في عدة مناطق استراتيجية في شرق وشمال سورية، ما يشكل عامل استقرار. ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن انسحاب هذه القوات قد يزيد “شهية تركيا” للسيطرة على المزيد من الأصول العسكرية الاستراتيجية في المنطقة.

وسبق أن أوضحت تل أبيب، لكل من أنقرة وواشنطن، أن وجوداً تركياً دائماً في قواعد مثل تدمر وتيفور يُعتبر تجاوزاً للخط الأحمر، وهو ما قد يؤثر مباشرة على حرية عمل جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجبهة الشمالية. وفي اجتماع عُقد الأسبوع الماضي في أذربيجان، بين مسؤولين إسرائيليين وأتراك، تم التأكيد على أن إسرائيل تعتبر الحكومة السورية الجديدة مسؤولة عن كل ما يحدث في سورية، وأن أفعالها ستؤدي إلى عواقب، بما في ذلك عمل عسكري.

وأبدى الطرفان اهتماماً بخفض التوترات، وشرعا في محادثات لإنشاء آلية تنسيق مشابهة للنموذج الإسرائيلي-الروسي الذي نظم عمليات سلاح الجو الإسرائيلي في سورية. ومع ذلك، فإن الانسحاب الأميركي المخطط له، إلى جانب إطراء ترامب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال اجتماعه مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي، أدى إلى تعزيز الجهوزية في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وترى إسرائيل أن اقتراح ترامب أن يكون وسيطاً بين إسرائيل وتركيا لا يُعتبر بالضرورة مطمئناً لها، خاصة في حال انسحاب القوات الأميركية. وعليه، ليس من قبيل الصدفة، وفقاً للموقع العبري، أن تقول مصادر أمنية إسرائيلية إن الهجمات على قاعدة تيفور هي بمثابة “سباق مع الزمن قبل مغادرة الأميركيين”.

وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن بلاده تعارض التهديدات الموجهة لسورية وستواصل جهودها للتنسيق مع الأطراف المعنية، بما فيها إسرائيل والولايات المتحدة، لتجنب حصول تصادم في الأجواء السورية، وأضاف في مؤتمر صحافي عقده في منتدى أنطاليا الدبلوماسي الدولي، الأحد الماضي، أن المباحثات التركية مع إسرائيل في أذربيجان بحثت منع وقوع أي مواجهة بين الأطراف في سورية، سواء كانت إسرائيلية أم أميركية.

وأوضح فيدان قائلاً: “هدفنا منع الطائرات في المنطقة من التسبب في وقوع حادث”، كما أشار إلى نية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة سورية، على أن يتم ذلك وفق الظروف المناسبة. وأضاف أن تركيا تساهم في تلبية الاحتياجات الأمنية في سورية على الصعيدين الفني والعسكري، مع وجود محادثات لتجنب المواجهة مع إسرائيل ومنع وقوع حوادث. وكان نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز قد قال، السبت الماضي، إن اللقاء التقني بين وفدين تركي وإسرائيلي في أذربيجان لا يُعدّ اجتماعاً دبلوماسياً، بل آلية لتفادي الصدامات في الأجواء السورية، وقال إن الحديث عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل ممكن فقط بعد وقف الإبادة الجماعية في غزة وتحقيق وقف إطلاق النار.

وأكد يلماز أن إسرائيل تسعى إلى خلق الفوضى في سورية لتبرير وجودها العسكري عبر استهداف مراكز أمنية، محذراً من أنه قد يجري استخدام تنظيم داعش ذريعة لتثبيت هذا الوجود. وفي تصريحات لوكالة الأناضول، قال يلماز إن تركيا والعراق وسورية والأردن ولبنان ستعمل معاً على مكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي في المنطقة، وأشار إلى أن مكافحة الإرهاب “قضية استراتيجية بالنسبة لتركيا”، مشدداً على أن مشكلة الإرهاب في سورية مهمة بالنسبة لتركيا، ولكنها في المقام الأول مشكلة سيادية للإدارة السورية، وحث الإدارة على القضاء على مشكلة الإرهاب، لكي تتمكن من بسط نفوذها على كامل البلاد.

وشدد يلماز على أن تنظيم داعش يشكل تهديداً للمنطقة بأكملها، وأن مكافحة تركيا له ترتكز على مخاوف حقيقية وملموسة، وأضاف: “تكمن المشكلة الأساسية هنا في تدخل القوى الأجنبية في المنطقة من خلال تهديد داعش”. وأشار يلماز إلى أن “هذه القضية ليست قضية تركيا فقط، بل هي قضية دول المنطقة. ولهذا السبب اجتمعت تركيا والعراق وسورية والأردن ولبنان، وأنشأنا آلية مشتركة لمكافحة هذا التهديد”، موضحاً أنه في إطار هذه الآلية، سيتم إنشاء مركز عمليات، وقد تم اتخاذ القرار المتعلق بذلك، مشيراً إلى أنه سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة من خلال مركز العمليات، وهو ما “سيزيل ذريعة تدخل الدول الأجنبية في المنطقة”، وفق تعبيره.

——————————–

فيدان: لن يكون هناك أي كيان فيدرالي في سوريا

الخميس 2025/04/17

شدد وزير الخارجية التركية هاكان فيدان، اليوم الخميس، على أن أنقرة لن تدعم أي شكل من أشكال البنية الفيدرالية في سوريا، كما أكد أنه “لن يتم التسامح مع أي تشكيل خارج الجيش الوطني السوري”.

نزع سلاح “قسد”

وقال فيدان خلال اجتماع في مقر حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، إن أنقرة “تراقب بحساسية عالية الوضع” المتعلق بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مضيفاً أنهم “سيلقون سلاحهم وينضمون للجيش الوطني السوري”.

وشدد على أنه “لن يكون هناك أي كيان اتحادي في سوريا، ولن يتم التسامح مع أي تشكيل مسلح خارج الجيش الوطني السوري”، مؤكداً أن “إدراج الأكراد في الدستور السوري كأعضاء مؤسسين، أمر مهم بالنسبة لتركيا”. وأشار إلى أن أنقرة تتوقع من جميع العناصر المسلحة بما في ذلك “قسد”، نزع سلاحها والاندماج في الجيش الوطني السوري.

كيان فيدرالي

ويأتي تشديد الوزير التركي فيما يخص الكيانات الفيدرالية، بعد تقارير تحدثت عن أن الأكراد السوريين اتفقوا على المطالبة بنظام فيدرالي يسمح بالحكم الذاتي ووجود قوات أمن خاصة، من إدارة الرئيس السوري أحمد الشرع.

وقبل أسبوع، أفادت مصادر كردية لوكالة “رويترز”، بأن الجماعات الكردية المتنافسة بما في ذلك “قسد” اتفقت الشهر الماضي، على رؤية سياسية مشتركة تتضمن المطالبة بنظام الفيدرالي، لكنهم لم يكشفوا عن ذلك رسمياً حتى الآن.

وقال المسؤول البارز في الإدارة الذاتية بدران جيا للوكالة، إن القوى السياسية الكردية في سوريا، اتفقت فيما بينها على “رؤية سياسية مشتركة” تدعو إلى إقامة “نظام فدرالي، تعددي، ديمقراطي، برلماني” في سوريا ما بعد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وقال رئيس “المجلس الوطني الكردي” سليمان أوسو إنه من المتوقع الإعلان عن وثيقة الرؤية السياسية الكردية المشتركة في مؤتمر بحلول نهاية نيسان/إبريل، مضيفاً أن التطورات في سوريا منذ الإطاحة بالأسد، دفعت العديد من السوريين “للاقتناع بأن النظام الفيدرالي هو الحل الأمثل لمستقبل سوريا”.

إسرائيل و”داعش”

وفيما يتعلق بالغارات الإسرائيلية على سوريا، قال فيدان اليوم، إنها “تسهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي”، مضيفاً أن تركيا “تواصل العمل بتنسيق كامل، وتتخذ موقفاً حاسماً تجاه هجمات إسرائيل الأخيرة، وأفعالها المزعزعة للاستقرار في المنطقة”.

وعن جهود مكافحة الإرهاب، أكد أن أنقرة “تواصل العمل بتنسيق كامل مع سوريا ودول المنطقة” فيما يتعلق بذلك، مضيفاً أن تركيا ستقوم “بتنسيق العملية المتعلقة بتنظيم داعش مع الأردن ودول أخرى في المنطقة”.

وذكر أن ما يُهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سوريا، هو ألا يستعيد “داعش” موطئ قدم له” هناك، معتبراً أن الهجمات الإسرائيلية “تهيئ فعلياً مساحة لداعش”.

————————

الجيش الأميركي يبدأ بإخلاء قاعدة كونيكو شرقي سورية/ عبد الله البشير

15 ابريل 2025

بدأ الجيش الأميركي، قبل أيام، عملية إخلاء لقاعدة حقل كونيكو في ريف دير الزور شرق سورية، حيث غادر القاعدة خلال الفترة الماضية رتلان، في خطوة تهدف إلى الانسحاب الكامل منها. وأكدت مصادر مطلعة مقربة من “قسد”، اليوم الثلاثاء، لـ”العربي الجديد”، أن أول قافلة غادرت القاعدة قبل عشرة أيام، وضمت رتلاً مكوناً من أكثر من 70 آلية، بين معدات ثقيلة وناقلات لها.

وأضاف المصدر أنه في مساء أمس الأول، غادرت القاعدة أكثر من 200 آلية، موضحاً أن منطاد المراقبة الذي كان يُستخدم لرصد محيط القاعدة لم يحلق فوقها منذ أكثر من أسبوع، مشيراً إلى أن القوات المغادرة اتجهت إلى أربيل في إقليم كردستان العراق. ولفت المصدر إلى أن قاعدة حقل كونيكو تعد قاعدة خاصة بالجيش الأميركي في ريف دير الزور، ولا يوجد فيها أي تمركز لعناصر قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

ووفقاً لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، أبلغ مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) نظراءهم الإسرائيليين أن الولايات المتحدة تعتزم بدء الانسحاب التدريجي لقواتها من سورية خلال شهرين. ويقع حقل كونيكو شمال نهر الفرات، بمنطقة تُعرف محلياً بالجزيرة، إلى الشمال الشرقي من مدينة دير الزور مركز المحافظة التي تحمل ذات الاسم بنحو 35 كيلومتراً.

وفي الحقل أكبر معمل لمعالجة الغاز في سورية، كان يغذي عدة محطات لتوليد الكهرباء، ومنها محطة جندر في حمص التي تُعتبر من أكبر محطات الكهرباء في سورية. وكان هذا الحقل الاستراتيجي ينتج قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011 نحو 10 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً. وتضم القاعدة الأميركية في حقل كونيكو مركزاً للتدريب ومهبط مروحيات، وهي مزودة بمنظومة صواريخ “باتريوت” الحديثة، إضافة إلى عدد من مركبات “برادلي” الحديثة.

————————————

عرب الشرق الأوسط بين قوسَين/ عدي جوني

17 ابريل 2025

مخطئٌ من يظن أن الشرق الأوسط (العربي) سيحظى بنعمة الاستقرار والهدوء، وذلك بسبب تبعات انتقام الجغرافية، فهذا الشرق محاصر بين قوسيَن جغرافيَّين يمتدّان في فوالق انهدامية جيو- سياسية واقتصادية وثقافية، أكّدتها (ولمَّا تزل) وقائع التاريخ ماضياً وحاضراً، وسيبقى إلى أمد طويل ما دام الأمر يتعلّق بصراع المصالح بين القوى الكُبرى، وما يُقال كلّه عن الحرّية والديمقراطية والسلام، ليس سوى حقٍّ يُراد به باطل.

تحدّثت وسائل الإعلام التركية عن اتّصالات فنّية مع إسرائيل في أذربيجان (10/4/2025) لتجنب الصراع في سورية، وكان وزير وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أكّد في مقابلة معه قبل يوم من بدء تلك الاتّصالات وجوب إضافة إسرائيل إلى اتّفاقيات تجنّب الاشتباك، التي عقدتها أنقرة مع روسيا والولايات المتحدة وإيران في سورية، قبل سقوط النظام… هذه الاتصالات، وتصريحات فيدان، تعكسان بوضوح لا لبس فيه ما تحدّث عنه الصحافي الأميركي المخضرم روبرت كابلان في كتابه “انتقام الجغرافية” (نيويورك، راندُم هاوس، 2012)، عندما أشار إلى سلسلتَي جبال طوروس وزاغروس بصفتهما قوسَين يحصران المنطقة الممتدّة من بلاد الشام والرافدين شمالاً، إلى شبه الجزيرة العربية جنوباً، ويتكفّل البحر الأحمر ليغلق هذا القوس (جيولوجياً) من جهة الجنوب الغربي، حدّاً فاصلاً مع القارّة الأفريقية. لكن التأثير يمتدّ ليشمل مصر من المنظور الجيوسياسي.

تقع جبال طوروس جنوب تركيا في موازاة ساحل البحر الأبيض المتوسّط، وتمتدّ في مساحة تبلغ 560 كيلومتراً لتشكّل حاجزاً طبيعياً بين حوض الأناضول وبلاد الشام، كما تشكّل جداراً طبيعياً بين بلاد الرافدين وتركيا. تُعرف هذه السلسلة جيولوجياً باسم “الحزام الألبي”، وهو حزام زلزالي يتضمّن مجموعة من الجبال التي تمتدّ إلى أكثر من 15 ألف كيلومتراً في طول الحافَة الجنوبية لأوراسيا. أمّا سلسلة جبال زاغروس (غرب إيران) فيقارب طولها نحو 1500 كيلومتر من منطقة كردستان العراق شمالاً حتى مضيق هرمز جنوباً. وفي نظرة سريعة على النصّ الجغرافي المحصور بين قوسَين، في مقدور طالب في المرحلة الثانوية أن يتفطّن إلى أن المنطقة تضمّ دولاً غنيةً بموارد الطاقة، وتُشاطئ ممرّات ذات أهمية بالغة للتجارة العالمية؛ مضيق هرمز، ومضيق باب المندب، وقناة السويس.

تُعدُّ الهضبة الإيرانية، بحسب كابلان، الجغرافيا الأكثر أهميةً في الشرق الأوسط الكبير، تليها هضبة الأناضول بصفتها الأرض الجسر، لكنّهما يتشاركان في انضواء كلّ واحدة منهما في إطار بلد واحد. فتركيا وإيران يتماثلان في أنهما بلدان تحدّهما جبال وسهول واسعة تشرف على الصحراء العربية من الشمال، وتضمّان معاً تعداداً سكّانياً يقارب 150 مليون نسمة، أي أكثر بقليل من عدد سكّان الهلال الخصيب وشبه الجزيرة العربية. وعلاوة على أنهما جزءان أساسيَّان، سواء في نظرية العالم البريطاني هالفورد ماكيندر (1861-1947) بخصوص الحزام الصحراوي، أو في نظرية الأطراف لدى نظيره الأميركي نيكولاس جون سبيكمان (1839-1943)، تُعدُّ إيران وتركيا من أغنى الاقتصاديات الزراعية في الشرق الأوسط، إضافة إلى مستوى متطوّر من الصناعة والمعرفة التكنولوجية، بما فيها صناعة السلاح (تركيا) والطاقة النووية (إيران). يشار إلى أن سبيكمان أوضح في مقالته “الجغرافيا والسياسة الخارجية”، المنشورة عام 1938 في المجلة الأميركية للعلوم السياسية (العدد 32)، أن إطار الأرض، الشريط الساحلي الذي يحيط بأوراسيا، أكثر أهميةً من منطقة آسيا الوسطى (ما يسمّى قلب الأرض عند ماكيندر) للسيطرة على القارة الأوراسية. ويقتضي التنبيه هنا أن رؤية سبيكمان كانت أساسَ سياسة الاحتواء التي مارستها الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفييتي السابق بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى تاريخ انهياره.

بالعودة إلى التاريخ، لا يستطيع أحد نكران التأثيرات السياسية والاقتصادية التي لعبتها كلّ من إيران وتركيا في الشرق الأوسط العربي، ومنها الحروب العثمانية الصفوية (1532-1555). ولا يخفى على أحد أن الصراع الفارسي التركي لا يقتصر على مسألة النفوذ الجيوسياسي فحسب، بل يندرج تحت إطار فالقٍ انهداميٍ عميق بين “الخلافة الإسلامية السُّنية و”الإمامة الشيعية”، وكان واحداً من أشد عوامل تأجيج الصراع بينهما تأثيراً، لينسحب في الوقت ذاته على استقطابات داخلية في المنطقة برمّتها. ومع تبدّل الظروف السياسية وصولاً إلى الوقت الراهن، واكتساب المنطقة موقعاً استراتيجياً مهمّاً يتجاوز الحدود الإقليمية، برزت الدولتان بصفتهما قوّتَين إقليميتَين واحدة نفطية (إيران) والثانية مائية، تسعى اليوم لكي تكون محطّةً رئيسةً لأنابيب الغاز إلى أوروبا. مع سقوط الشاه في إيران عام 1979، وتسلّم زمامَ الحكم نظامٌ ثيوقراطي، يقوم أساساً على مبدأ “ولاية الفقيه”، تحرّكت الفوالق الانهدامية بين الطرفَين نحو صراع أيديولوجي شديد الوضوح، تعزّز أكثر وأكثر مع وصول حزب العدالة والتنمية (الذي ينضوي تحت عباءة الإخوان المسلمين) إلى سُدّة الحكم في تركيا في الانتخابات البرلمانية عام 2002، واستمراره فيها منذ ذلك الحين. وما بين سعي طهران الدؤوب لتغيير المعادلات الإقليمية واتهامها بتصدير الثورة وإقامة “هلال شيعي” من جهة، وبين العثمانية الجديدة الطامحة لاستعادة أمجادها من جهة أخرى، بدا الصراع بين القوسَين يتّخذ أشكالاً مختلفة.

بالعودة إلى تصريحات فيدان، ليس مستغرباً أن يجد المرء في خلفية كلماته ما يُعرف باسم “الميثاق الملّي”، وهو الدستور السياسي الرسمي لحرب الاستقلال التركية (1919-1923) التي خاضتها الحركة الوطنية ضدّ وكلاء الحلفاء؛ اليونان في الجبهة الغربية، وأرمينيا في الجبهة الشرقية، وفرنسا في الجبهة الجنوبية، ومناصري الخلافة في عدّة مدن، بالإضافة إلى المملكة المتحدة وإيطاليا في القسطنطينيّة (إسطنبول) بعد ما احتُلَّت أجزاءٌ من الدولة العثمانية، وقُسِّمت بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى. مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى سُدّة الحكم، تسيّدت فكرة العثمانية الجديدة الخطاب السياسي، فعمل المسؤولون الأتراك لإحياء الميثاق الملّي وأدلجة التاريخ العثماني بصفته الأساس التاريخي لكيانهم السياسي. عندما تسلّم منصب وزير الخارجية عام 2009، كان أحمد داود أوغلو واضحاً في قوله: “لنا إرث باقٍ من العهد العثماني؛ يقولون عثمانيةٌ جديدةٌ، نعم نحن العثمانيون الجُدد، نحن يتحتّم علينا الاهتمام بدول منطقتنا كما الاهتمام بدول شمال أفريقيا”. وفي العام 2016، صرّح رجب طيب أردوغان (الذي كان حينئذ رئيساً للوزراء) قائلاً: “إذا فهمنا الميثاق الملّي فإننا نفهم جيّداً مسؤوليتنا في سورية والعراق… يتحتّم علينا أن نكون من جديد أصحاب الميثاق الملّي”.

تتضح اليوم الصورة على نحو أكبر بعد إسقاط نظام بشّار الأسد وتضعضع محور المقاومة، وتسلّم الإدارة الجديدة الحكم في دمشق بفصائلها التي تنتمي إلى حركات جهادية إسلامية تعادي إيران مذهبياً، وتلقى دعماً من تركيا. هذا المنحنى في تغير اتجاه الفالق الانهدامي من مع إلى ضدّ، تبرز مسألة أخرى قد يظنّها بعضهم خارج القوسَين، لكنّها في الحقيقة هي المنطلق والهدف، والمقصود بذلك تصفية القضية الفلسطينية وجودياً. فتركيا التي احتاجت (بدعم غربي كبير) إلى أكثر من ثلاثين عاماً لإخراج إيران من سورية (وهي رغبة إسرائيلية بالتأكيد)، تجد نفسها في الموقع ذاته من حيث إنه لن يُسمح لها بالحلول محلّ إيران. صحيح أن تركيا لن تتخلّى عن براغماتيتها السياسية، ولن تشكّل محوراً صريحَ العداء لإسرائيل، لاعتبارات عديدة، أكثرها أهميةً أنها عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، لكنّها في الوقت ذاته تقع في الفالق الانهدامي القومي والمذهبي نفسه، كما هو الحال في ما يخص طهران، وهذا بدوره يُحيلُنا على أن عوامل تفكيك تركيا وتقسيمها تبقى قائمةً إن انحرفت أنقرة عن المطالب الأميركية الإسرائيلية. ولعلّ المديح الذي أسبغه الرئيس دونالد ترامب على أردوغان أمام ضيفه نتنياهو في البيت الأبيض، ليس سوى رسالة موجّهة إلى الاثنين معاً، لكن يبقى كيان الاحتلال الإسرائيلي بيضةَ القبّان في الميزان الأميركي. وفي مقالة له نُشرت نهاية مارس/ آذار الفائت، في صحيفة حرييت التركية، أشار الكاتب والمحلل السياسي المعروف مراد يتكين إلى أن ترامب يريد من صديقه أردوغان “التعاون الوثيق بين تركيا والولايات المتحدة لكيلا تشكّل سورية قاعدةً للإرهاب وممرّاً للنشاطات التخريبية لإيران، ونزع سلاح حماس”، وذلك بناء على تسريبات عن اللقاء الذي جمع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره الأميركي ماركو روبيو.

ألا تستدعي تصريحات فيدان حول ضرورة تجنّب الاشتباك مع “إسرائيل” في سورية (التي تتنازعها دعوات الفدرلة التي ازدادت حدّتها بعد مجازر الساحل) إلى التفكير في أن حدود سايكس بيكو لم تعد مقبولةً، وأن ثمّة توافقاً على تقسيم سورية إلى أربع مناطق نفوذ على الأقلّ، واحدة في الشمال لتركيا، وأخرى في الجنوب لإسرائيل، وثالثة لروسيا في الغرب، ورابعة لأميركا في الشرق؟

إنها الفوضى الخلاقة التي بشّرتنا بها كوندوليزا رايس، التي كانت وزيرة الخارجية الأميركية عام 2006. يا ترى ما هو السرّ وراء هذا كلّه؟… نجد الجواب واضحاً في كتاب سمير أمين “إمبراطورية الفوضى” (نقلته إلى العربية سناء أبو شقرا، دار الفارابي، بيروت،1991)، عندما يقول إن الرأسمالية نظام عولمي، بمعنى “إن عملية تراكم الرأسمال التي تفرض دينامية هذا النظام تتشكّل من طريق عالمية قانون القيمة في سوق عالمية مبتورة (أي سوق مقتصرة على السلع والرساميل ومستثنى منها قوة العمل)، هذه العملية تنتج بالضرورة الاستقطاب العالمي (التناقض بين المراكز والأطراف). الاستقطاب ملازمٌ للرأسمالية ولا يمكن تفسيره بعوامل مختلفة وعابرة داخلية أو خارجية تميّز التشكيلات الاجتماعية التي تكوّن النظام العالمي”. لعلّ من أفضل الأمثلة على هذا الاستقطاب هو تكتّلات الحرب الباردة بين المعسكرَين، الغرب الرأسمالي والشرق الاشتراكي، بل لم تكن حتى دول عدم الانحياز بمنأى من هذا الاستقطاب، كما أن “أزمات الشمال والجنوب”، كما يقول سمير أمين، “ظلّت بشكل ما تندرج في منطق الاستقطاب بين الشرق والغرب”. ويضيف موضحاً: “إن الأطراف التي يعيش عليها أربعة أخماس سكّان الكوكب والقسم الأكبر من احتياطي جيش العمل وثرواتٍ طبيعية ومنجمية لا غنىً عنها، يجب أن تظلّ في النظام وأن تخضع لمنطق توسّع الرأسمالية، حتى ولو كان توسّعاً استقطابياً”، وهنا نجد مصدراً أساسياً “للفوضى التي ستشهدها العقود المقبلة”.

العربي الجديد

——————————

 صحيفة: سوريا الموحدة في صلب المحادثات التركية الإسرائيلية السرية

2025.04.17

كشفت صحيفة تركية عن بعض مضامين المحادثات السرية بين تركيا وإسرائيل بشأن خفض التوتر ومنع الصدام في سوريا، وذلك خلال اجتماع وفدي البلدين الذي عُقد في مدينة باكو بأذربيجان، الأسبوع الفائت.

وقالت الكاتبة هاندي فرات -المقربة من الحكومة التركية- في مقال نشرته صحيفة “Hürriyet

“، إن أنقرة استعرضت خطوطها الحمراء بوضوح خلال المحادثات في أذربيجان وأصدرت تحذيراً بخصوصها.

وأكدت أن تركيا “أغلقت الباب أمام سيناريو تقسيم سوريا، وهو الذي كان مطروحاً على أجندة بعض المسؤولين الإسرائيليين. ولا تراجع عن فكرة الدولة السورية الواحدة”.

وأضافت: “أكدت أنقرة أن الهجمات الإسرائيلية في سوريا لا تضمن أمن إسرائيل، بل على العكس قد يصبح الأمن أكثر صعوبة وخاصة في حال انخرطت أي ميليشيات على خط المواجهة”.

وأردفت: “من غير المقبول رغبة إسرائيل في السيطرة على الأجواء السورية… إن عدم ثقة إسرائيل بالحكومة الجديدة التي تم تشكيلها في سوريا غير صحيح أيضاً. وتركيا لم ولن تقبل وجهة النظر هذه”.

 وضوح موقف أنقرة

وتتابع الكاتبة فرات قائلة إن “موقف أنقرة واضح، وهو باختصار: سوريا واحدة وموحدة كما أُعلنت للعالم أجمع. وبأن أمن واستقرار سوريا يؤثر بشكل مباشر على تركيا ودول الجوار السوري الأخرى، ولهذا السبب لن يتم تقديم أي تنازلات في الآلية التي وضعتها دول جوار سوريا”.

وأشارت إلى أن أنقرة تعمل على تنفيذ الآلية التي جرى إنشاؤها مع دول الجوار لمحاربة تنظيم “داعش” الذي ينشط في بعض المناطق السورية.

من ناحية أخرى، تضيف الكاتبة، بأن أنقرة أكدت على أنه “في إطار التعاون الثنائي بين الدول، فإن وجود الاتفاقيات العسكرية الثنائية، وتحديداً بين تركيا وسوريا، على جدول الأعمال، يمثّل حقيقة جيوسياسية في المنطقة”، وفق ما أورد المصدر.

————————–

 لمواجهة مشاريع “الفدرلة”.. قوى سياسية ومدنية تعلن تأسيس مجلس في الجزيرة السورية

2025.04.16

أعلنت سبعة كيانات سياسية ومدنية، أمس الثلاثاء 15 من نيسان 2025، تأسيس مجلس التعاون والتنسيق في الجزيرة السورية والفرات، بهدف توحيد الجهود السياسية والإعلامية والمدنية ورفض مشاريع “الفدرلة” والتقسيم.

وضم البيان التأسيسي الموقع من “تجمع أبناء الجزيرة – تاج”، و”تجمع الفرات المدني”، و”حركة 8 كانون”، و”اتحاد شباب الحسكة”، و”سور الرقة”، و”حركة شرق”، و”دحر”، دعوة واضحة إلى تمثيل سياسي بديل عن “قسد” التي اعتبرها البيان “سلطة مفروضة بقوة السلاح ولا تمثل عرب الجزيرة السورية والفرات”.

بيان تأسيسي لمجلس التعاون والتنسيق في الجزيرة السورية والفرات

وقال البيان إن مشاركة بعض العرب في صفوف “قسد” كموظفين أو مجندين، لا تمنحها شرعية تمثيل هذا المكون الذي يشكل غالبية سكان المنطقة، مشدداً على أن هذه الغالبية ترفض سياسات “قسد” وممارساتها الإقصائية.

وأكد المجلس رفضه لأي تمثيل لـ”قسد” في المفاوضات مع الحكومة السورية الجديدة أو في أي محفل سياسي داخلي أو خارجي باسم عرب المنطقة، معتبراً أن الهدف من تأسيسه هو دعم صمود السكان المحليين، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية، ونقل صوت المنطقة إلى دمشق والمؤسسات الدولية ووسائل الإعلام.

وشدد الموقعون على أن توحيد الصفوف والعمل المشترك هو الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق وحماية وحدة سوريا أرضاً وشعباً.

—————————–

=======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى