الصراع على سوريا.. وخفايا الانضمام إلى التحالف الدولي/ نزار بعريني

2025.04.17
أفاد تقرير في صحيفة “النهار” “اللبنانية” عن فشل انضمام الإدارة السورية الجديدة إلى ما يُسمّى “التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب”، بعد رفض الولايات المتحدة، من دون أن يُقدّم معد التقرير أيّ دليل على تقديم طلب الانضمام، أو بيان الرفض.
وليس هذا بغريب على الجريدة العريقة التي أصبحت بعد اغتيال صاحبها التاريخي، “الشهيد جبران تويني”، أحد أبرز وسائل التضليل التابعة لـ”محور المقاومة”!
يُسوّقون لدعايات أنّ الهدف من سعي واشنطن وباريس لضم السلطة الجديدة إلى “التحالف الدولي” هو الحرص على بناء مؤسسة عسكرية وطنية، خالية من الغرباء غير المؤهلين لمحاربة “داعش”، لأنّ “التحالف الدولي ضد داعش، بقيادة الولايات المتحدة، ليس مجرد تكتل عسكري، بل هو معيار دولي لقياس التماهي مع منظومة القيم التي تتبناها القوى الغربية الكبرى، وعلى رأسها شرط الاحتراف المؤسساتي العسكري، والقطيعة مع منطق “الميليشيا العابر للحدود” (وفق ما قال لـ”النهار” مالك الحافظ، وهو باحث سوري في القضايا الدولية).
والحكومة السورية تقول إنّها ترفض الانضمام إلى التحالف الدولي لأنّها ستكون بجانب “قسد”، وهي تعتبر نفسها الممثل الوحيد للدولة السورية، ولأنّ نجاح العملية السياسية الوطنية الجارية يُوجِب ويتطلّب توحيد الجغرافيا، وحصر السلاح بيد الدولة!!
على أيّة حال، لماذا تحرص واشنطن وباريس على انضمام الحكومة السورية إلى “التحالف الدولي”، وتمارسان كلّ الضغوط على السلطة الجديدة لجرّها، خاصة “شرط رفع العقوبات” القاتلة؟ لماذا يحرصون على وجود الإدارة السورية في تحالفهم؟
هل هو حرص على أن تُلبّي السلطة الجديدة “المعيار الدولي” لقياس التماهي مع منظومة القيم التي تتبناها القوى الغربية الكبرى، كما يدّعي “الباحث الحيادي” مالك الحافظ؟
هل هو خشية من وجود “الأجانب” داخل الجيش السوري الجديد، الذين يريدون له أن يكون “مؤسسة وطنية” وفقًا لمعايير مصالحهم؟
ألا يدرك السادة الأفاضل في قيادة التحالف، والسيد الباحث الدولي “مالك الحافظ”، أنّ مَن يقود جيش “قسد”، حليفهم السوري، ويشكّل عموده الفقري، العسكري والأمني، هم جزء لا يتجزأ من قيادة حزب العمال الكردستاني التركي العسكرية (الإرهابية، وفقًا للمعايير الأميركية ذاتها!)، الذين يتخذون من قنديل ملاذًا تحت مظلّة حماية “الحرس الثوري الإيراني” (الإرهابي، وفقًا للمعايير ذاتها!!)، وقد رفضت تلك القيادة الإيرانية في “قسد”، وشركاؤها في تحالف “المعيار الدولي”، حتى وجود “البيشمركة الكردية” التي ينتمي أفرادها إلى الأكراد السوريين؟
الحقيقة التي يكذبون من أجل طمسها هي أنّ مشكلتهم ليست مع “الأجانب”، طالما يكون هؤلاء تحت سيطرتهم، وينفّذون تعليماتهم، بل ما يسعون إليه هو هدف آخر، يُغطّون عليه، بتواطؤ مع “النهار” والباحث “الحافظ”، ويرتبط مباشرة بالحرص على تثبيت مرتكزات التقسيم التي عمل عليها “التحالف الدولي لمحاربة داعش” نفسه وشريكه “قسد”، بعد تدخّل جيوشه المباشر خلال صيف 2014، وكان كانتون “قسد” (الديمقراطي)، الذي تقوده “عناصر أجنبية – إيرانية وتركية”، أبرز إنجازاته!
أن تكون السلطة في التحالف الدولي الذي يضمّ “قسد” يعني أن تصبح السلطة الطرف السوري الثاني في التحالف… بما يشرعن وجود سلطتين، ويثبّت عوامل تقسيم سوريا، وهو الهدف المركزي الذي تسعى إليه واشنطن، وطابورها في التحالف الدولي، منذ ربيع 2011!
ليس خارج السياق، يقول تقرير السفيرة “دوروثي شيا” في إيجاز لمجلس الأمن بشأن الوضع في الشرق الأوسط: “إنّ استقرار سوريا وسيادتها أمران حاسمان لأمننا الجماعي”.
إذا كان من حق الولايات المتّحدة أن تسعى لتحقيق ما يضمن أمنها وأمن شركائها في مآلات العملية السياسية السورية الجارية، أليس أولى بالسوريين، أصحاب المصلحة، أن يعرفوا أين تكمن عوامل بناء “استقرار سوريا وسيادتها” من منظور مصالحهم الوطنية المشتركة؟
من نافل القول إنّ في مصلحة سوريا، الدولة السورية الوطنية الموحّدة، وفي مصلحة السوريين، الذين يتوقون إلى توفير شروط استقرار دائمة، بناء مؤسسات دولة القانون والعدالة، على جميع المستويات، خاصة على مستوى المؤسسات السيادية، العسكرية والأمنية، وما يُوجبه في ممارسات السلطة الجديدة من ضرورة استبعاد الأجانب، والاعتماد على العنصر الوطني السوري غير المؤدلج، الذي يؤمن بموجّبات قيام سوريا الجديدة، دولة المواطنة المتساوية، وهذه حقيقة لا تستطيع، ولا يجب، على السلطة الجديدة تجاهلها إذا كانت تسعى فعلًا لأن تكون سلطة وطنية، وتُعبّر عن مصالح السوريين الوطنية المشتركة.
لكن، ماذا عن “المقلب الآخر”؟!
إذا كانت ترى واشنطن، وشركاؤها في “التحالف الدولي”، أنّ ما يضمن “استقرار سوريا وسيادتها” هو تثبيت الوقائع القائمة التي تعزز شروط بقاء “سلطتين” و”جيشين” وتقسيم سوريا، فكيف يمكن التوفيق بين مصلحة سوريا، والسوريين، وبين رؤية واشنطن التي ترى، كما ترى “قسد”، أنّ ضمان شروط استقرار سوريا ووحدتها هو في الحفاظ على وجود سلطتين؟
لماذا تتجاهل ما تسمّى “القوى الديمقراطية” هذه الحقائق، وترفض سياسات السلطة الإقصائية، وهو واجب وحق، لكنها تفعل ذلك على أرضية المواقف الداعمة لـ”قسد”، ورؤية تحالفها الدولي اللاوطنية.
سوريا غير قابلة للتقسيم، وكلّ مَن يسعى إلى ذلك، أو يعمل على توفير شروطه، سواء داخل الحكومة أو في “المعارضات الديمقراطية”، يقف – من منظور مصالح السوريين المشتركة، وموجّبات الأمن القومي السوري – في الخندق اللاوطني، وعلى جميع الوطنيين السوريين إدراك مخاطر مشروع التقسيم، وهويّة القوى التي تعمل عليه، والعمل على مواجهتها بجميع السبل الوطنية المشروعة.
لم تكن لتصل سلطة حافظ الأسد إلى مرتبة الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن (وتل أبيب) إلا “بفضل” المجازر التي ارتكبتها ضد الشعب السوري منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، خاصة مجازر حماة وحلب وجسر الشغور، والأزبكية، وقد حصل (الأهبل الفار) وسلطته اللاوطنية على درجة شراكة واشنطن في مشروع تقسيم سوريا ومحاربة الإرهاب، عندما وافق في ربيع 2011 على الذهاب في مسارات الخيار الأمني العسكري الميليشياوي في مواجهة السوريين، ومطالبهم المشروعة، وقد حصل المخلوع على حصّته، وكانت تعمل خطوات وإجراءات إعادة تأهيله الأميركية على تثبيت سلطته، وكانت ستؤدي إلى “توريث جديد” لولا تعارض شبكة السيطرة الأميركية مع مصالح وسياسات “إسرائيل” و”تركيا”، التي شكّلت العامل الرئيسي في إسقاطه، وفتح صيرورة أميركية جديدة، بنفس الأدوات الأميركية المتجددة.
وبالتالي، فإنّ “دماء السوريين” لا تدخل أبدًا في حسابات السيطرة الأميركية إلا بقدر ما تشكّله من أوراق ضغط لتحقيق أهداف واشنطن، وليست “عقوبات قيصر” إلا دليلًا واضحًا على موضوعية هذا الاستنتاج.
تلفزيون سوريا