قراءة في آلية عمل الفريق الاقتصادي للحكومة السورية الانتقالية وضرورة الخطة/ د. عبد المنعم حلبي

2025.04.17
من الواضح تماماً أن عملية اختيار الفريق الاقتصادي في الحكومة السورية الانتقالية تمت بعناية كبيرة، وبما يتوافق ويلزم للوصول إلى الاقتصاد الهدف المحدد مسبقاً بقرار رئاسي، حيث تشير أفكار وتجارب وطروحات أعضاء هذا الفريق استعدادهم للتوجه المباشر نحو إنجاز عملية التحُّول إلى اقتصاد السوق.
ولكن الطريق إلى ذلك على ما يبدو ستكون صعبة، وتتطلب آليات عمل واضحة ومُنسقة للوصول الآمن، وفق خطة مُوسَّعة لا ضير من أن تغطي الفترة الانتقالية الخمسية وفق الإعلان الدستوري.
وإذا كان من الطبيعي أن تشكل موارد الطاقة من النفط ومشتقاته والكهرباء والموارد المائية المدخلات والمحرك الأساس لهذه المرحلة، إلى جانب المنتجات الزراعية كموارد مباشرة ووسيطة في تأمين مستلزمات النهوض وأسسه.
لتأتي إدارة عجلة الإنتاج في قطاعات الاقتصاد من الصناعة والتجارة والخدمات، في إطار مُحكّم من التنظيم والفعالية في استغلال الموارد لإعطاء القيمة المضافة.
بينما تقع مهمة التنسيق والانسجام على عاتق الإدارة المالية والنقدية للاقتصاد الوطني. كل ذلك ينبغي أن يتم بتشاركية فاعلة وكاملة وريادية من جميع أصحاب المصلحة في القطاع الخاص والمجتمع المدني والخارج أيضاً، وذلك للمساهمة في حماية التوسع والنمو في الاقتصاد الوطني من أي انحرافات وتشوهات بنيوية، قد تؤدي إلى استشراء الفساد والنزوع إلى الفوضى.
وزارة الطاقة، التي تسلَّم حقائبها الأستاذ محمد البشير، بعد دمج ثلاث وزارات فيها: الكهرباء، النفط والثروة المعدنية، والموارد المائية، هي التي ستوفر الموارد المالية الأساسية للخزينة العامة، وتشمل مخرجات مؤسساتها كافة الاحتياجات الإنتاجية.
وستكون أيضاً الوزارة الأكثر حساسية وارتباطاً بالمجتمع. فعلى الرغم من أن اسم الوزارة لا يتضمن كلمة الخدمات، إلا أنها ستكون المسؤولة حتماً عن واقع مختلف الخدمات العامة وأكثرها أهمية بعد الأمن. وبالتالي فإن نجاح وزارة الطاقة هذه، سيكون العامل الحاسم لتقييم عام ومباشر لعمل الفريق الاقتصادي ككل، وربما الحكومة برمتها.
الأساس أو المحرك الثاني في العمل الاقتصادي الانتقالي سيكون بالضرورة وزارة الزراعة، والتي سيديرها الدكتور أمجد بدر، الذي لديه خلفية اقتصادية أكاديمية بارزة أيضاً، إلى جانب خبراته العملية في العديد من الميادين الزراعية.
هذه الوزارة سيتوجب عليها العمل على الاستفادة من مخرجات وزارة الطاقة في استغلال الموارد المائية وغيرها في استعادة القدرات الزراعية الاستراتيجية: الحبوب والقطن والزيتون، لتكون الرافد الثاني المهم للخزينة العامة، وتأمين مدخلات الكثير من المنتجات الصناعية التحويلية للقطاعات الصناعية ذات الأولوية.
الرافعة الحقيقية للاقتصاد الوطني في المرحلة الانتقالية هي وزارة الاقتصاد والصناعة، والتي سيكون متوجباً عليها وضع السياسات الاقتصادية الصناعية والتجارية لاستغلال الموارد الإنتاجية لوزارتي الطاقة والزراعة، وزيادة القيمة المضافة الحقيقية في الثروة الوطنية ورأسمالها الثابت.
ومن الواضح مبدئياً أن عملية الدمج التي حصلت بالنسبة لوزارات الاقتصاد والتجارة الخارجية، وزارة الصناعة، ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، تهدف إلى وضع خطة عمل وقائمة أولويات واحدة أو موحدة، وآليات تنفيذ مشتركة، والتنسيق المباشر فيما بينها من خلال القرارات الصادرة عن وزير الاقتصاد والصناعة الدكتور نضال الشَّعار، والذي تشير تصريحاته إلى تقديم كافة التسهيلات الممكنة لإطلاق عجلة الإنتاج الوطني، وجذب الاستثمار، وحماية المنتج المحلي من فيض الاستيراد، ولاسيما في قطاعات الصناعات الغذائية والنسيجية والبلاستيكية والأدوية، ثم الكهربائية والالكترونية في مرحلة تالية.
الدكتور محمد يسر برنية، وزير المالية، القادم من المدرسة الاقتصادية الأمريكية أيضاً، كما هو الحال بالنسبة للدكتور الشًّعار، وعد بتقديم تسهيلات كانت متوقعة بالنسبة للسياسة الضريبية، بمعنى تخفيض الضرائب على المنتجين والدخول والمستهلكين، للمساهمة في تنشيط الطلب الفعال في الاقتصاد الوطني، وكذلك فيما يتعلق بالرسوم الجمركية وبحسب الأولويات التي تؤدي إلى تقديم الرافد المالي لدعم الصناعة والمنتجات الوطنية، قد تفضي بتخفيض، أو الإعفاء من، الرسوم الجمركية عن قائمة المدخلات الإنتاجية للصناعة الوطنية، والقيام بفرض رسوم جمركية عالية على بعض السلع والخدمات المستوردة، التي لها نظيرة وطنية من جهة، وتلك التي تُشبع احتياجات ثانوية من جهة ثانية، وربما ثالثاً تقييد استيراد قائمة من سلع الرفاهية، ذات الاستنزاف الكبير للعملة الصعبة، وبالتنسيق مع وزارة الاقتصاد والصناعة.
هذه التوجهات المتوقعة ستنعكس على الأغلب بانخفاض إيرادات الخزينة العامة من الضرائب والرسوم، في ظل عدم اليقين بكفاية إيرادات القطاع النفطي والغاز لمواجهة متطلبات المرحلة، وبالتالي سيتوجب على الحكومة ككل، بإشراف وزارة المالية، العمل على ابتكار أدوات جديدة لتأمين السيولة اللازمة لأداء الاعتمادات المتعلقة بالإنفاق الجاري، وهنا يُتوقَّع أن تكون الخصخصة، والتشاركية مع القطاع الخاص، وربما إصدار سندات الدين العام حلولاً يجب دراستها، ووضع الأسس القانونية والحوافز الاستثمارية لتنفيذها وفق خطة واضحة وشفافة، وذات مراحل، تتوافق مع طبيعة المرحلة الانتقالية دستورياً وقانونياً، وكذلك محددات المصلحة العامة متوسطة الأمد، التي تقتضي استمرار حضور الدولة الاقتصادي والاجتماعي خلال المرحلة الانتقالية على الأقل.
التوقعات السابقة بخصوص السياسات الاقتصادية والتجارية والمالية، ستجعل من السياسة النقدية التي سيقودها الدكتور عبد القادر حصرية حاكم مصرف سورية المركزي، في ذروة الأهمية والحساسية على المدى المنظور، المدى الذي يجب أن تشغله السياسة النقدية كاملاً في تأمين استقرار قيمة الليرة السورية، ومواجهة التضخم، وكذلك السعي في المدى المتوسط لتطبيق سياسة ائتمانية منضبطة. فالسياسة المالية التوسعية المتضمنة التخفيضات الضريبية وبدرجة أقل الجمركية، والتي يُتوقع أن يرافقها إنفاق عام متزايد من أجل الوفاء بالاحتياجات الكبرى المنتظرة على مستوى البنى التحتية وزيادة متوسط الأجور الحكومية، ستُلقي على المصرف المركزي مسؤولية ومهام أكبر لمواجهة التضخم. وبالتالي فسيكون من واجب الدكتور حصرية العمل على ضمان استقلالية المصرف المركزي في تفعيل أدوات السياسة النقدية لضمان استقرار قيمة الليرة السورية، وخفض معدل التضخم، ولاسيما فيما يتعلق بمعدل الفائدة، حيث يتوقع العمل على الوصول إلى معدل توازني مرتفع نسبياً على المدى المتوسط، إضافة إلى فرض ضوابط قانونية ومالية عالية في إطار السياسة الائتمانية وربطها بالتشغيل والإنتاج.
إن عمل الفريق الاقتصادي والتنسيق بين أطرافه سيكون على غاية من الصعوبة والحساسية، وأمام حجم كبير من التشعبات والآثار الانعكاسية، وبالتالي لا يمكن نظرياً وعملياً توقع أن يتم ذلك بدون خطة اقتصادية شاملة، لا ضير من أن تأخذ صفة الخطة الخمسية بما يتوافق فعلاً مع المدة الزمنية التي تم إقرارها في الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية، وهي خمس سنوات. هذه الخطة يمكن وضعها بالتضافر بين مسؤولي الحكومة ومؤسستي هيئة التخطيط والتعاون الدولي، والمكتب المركزي للإحصاء، وربما هيئة وطنية مستقلة لإعادة الإعمار، وبحضور مؤثر من ممثلي القطاع الخاص في الغرف التجارية والصناعية والجمعيات المهنية أيضاً، إلى جانب مجلس استشاري مختص من الأكاديميين والمهنيين من أصحاب الاختصاص والخبرة.
إن العمل على السياسات الاقتصادية القطاعية الصناعية والزراعية والتجارية والسياسات المالية والنقدية يتطلب توسيع دائرة المسؤولية في التخطيط والتنفيذ والرقابة بما يضمن تحقيق الأهداف التي تحدث عنها كل وزير في خطاب القسم، وتُسهِّل على القطاع الخاص وضع خططه التفاعلية معها وصولاً لتحمله مسؤولياته كاملة في الاقتصاد الوطني، وكذلك بما يتيح للمجتمع المدني والإعلام قراءتها ومتابعة أطوار تحقيقها، والمشاركة في تقييمها بصورة تزامنية فاعلة ومفيدة وفق المصالح العليا للبلاد.
تلفزيون سوريا