الأحداث التي جرت في الساحل السوريالإعلان الدستوري لسوريا 2025التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةالعقوبات الأميركية على سوريا الجديدة وسبل إلغائهاتشكيل الحكومة السورية الجديدةدوافع وكواليس الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 19 نيسان 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:

سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

—————————–

يا للهول الجميع صار يريد الديمقراطية للسوريين!/ د. فيصل القاسم

تحديث 19 نيسان 2025

في البداية وكي لا يظن أحد أننا نسخر من الدعوات لتطبيق الديمقراطية في سوريا، أو لا نريد سماعها، لا بد من التذكير أنني أمضيت عشرات السنين من حياتي وأنا أصرخ بأعلى صوتي مطالباً بنشر الديمقراطية في كل أنحاء العالم العربي، وليس في سوريا فقط، وقد قدمت مئات الحلقات من البرامج في مقارعة الطغيان والديكتاتوريات والطغاة والجنرالات والطواغيت، وبالتالي أرجو ألا يصطاد أحد في الماء العكر ليتهمني بأنني لا أريد الديمقراطية في سوريا. لا أبداً، بل نريدها البارحة قبل اليوم في عموم الدول العربية، لكن أكثر ما يجعلني أقلب على ظهري من الضحك هذه الأيام أنه لم يبق أحد إلا وطالب بتطبيق الديمقراطية بسوريا في أقرب وقت، ناهيك عن توجيه مئات الاتهامات للسلطة الجديدة بأنها ذات لون واحد وأنها لا تمت للديمقراطية بصلة، مع العلم أن ملايين السوريين يعتقدون أنها تمثل السواد الأعظم من السوريين على الأقل عقدياً، مع هذا صار القاصي والداني اليوم يريد لنا الديمقراطية ولا شيء غيرها، لا بل إن البعض من شدة غيرته «الديموخراطية» علينا يريد أن يفرضها علينا فرضاً، لهذا بات ينتقد غياب الديمقراطية في دمشق ليل نهار، ولا شك أنكم قرأتم مئات الانتقادات للإعلان الدستوري لأنه لم يأت على ذكر الديمقراطية. ومرة أخرى، وكي لا يفهمنا أحد بالمقلوب، ليس لدينا أي مشكلة مع كل الذين ينهالون على السوريين بوابل يومي من النصائح الديمقراطية، فمرحباً بالداعين إلى تطبيق النظام الديمقراطي في ربوع سوريا، لكن الغريب العجيب: لماذا لم نسمع أصوات هؤلاء المطالبين بتطبيق الديمقراطية في سوريا اليوم إلا بعد أن سقط النظام الفاشي الذي كان يحظى بمباركة القاصي والداني رغم أنه كان لا يمثل سوى عصابة طائفية همجية بربرية، مع ذلك لم يقل عنه أحد إنه غير ديمقراطي. وللعلم فإن كل أدبياته الحزبية والسياسية كانت ستالينية داعشية طائفية متطرفة لم تأت يوماً مرة واحدة على ذكر الديمقراطية، وكان النظام من لون فاقع واحد لا شريك له يعرفه كل السوريين، وقد كان حرف «القاف» رمزه الإرهابي البشع الذي أرعب أجيالاً من السوريين على مدى عقود. مع ذلك لم نسمع يوماً أن أحداً طالب تلك العصابة الطائفية أو حثها بألا تكون ذات لون واحد وحرف واحد، بينما اليوم فقد صار الكل حنوناً ورؤوفاً بالسوريين ولا يريد لهم أي نوع من الأنظمة سوى النظام الديمقراطي. ونحن بلا شك نريد الديمقراطية بشغف منقطع النظير ونطالب بها ونشكرهم على غيرتهم الديمقراطية فائقة الرأفة والحنان، ونضرب لهم ألف تعظيم سلام على نصائحهم «الديموخراطية» المتدفقة على سوريا والسوريين كشلالات نياغرا، لكن هل بات هؤلاء متحمسين لتطبيق الديمقراطية في سوريا فعلاً؟

لماذا أصبحوا فجأة يضغطون على السوريين قيادة وشعباً كي يعتمدوا المسار الديمقراطي ولا شيء غيره؟ لماذا صاروا فجأة يرأفون بحال الأقليات وضرورة إنصافها واحتضانها، متناسين أن أقلية لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة أو خمسة في المائة على أبعد تقدير قد تسلطت على سوريا والسوريين لأكثر من ستين عاماً وأذاقتهم شتى أنواع القهر والتنكيل والعذاب. ولا أحد في العالم يستطيع أن ينكر أن تلك الأقلية التي كانت تسيطر على الجيش والأمن فعلت بالسوريين الأفاعيل، فقتلت منهم أكثر من مليون واعتقلت مئات الألوف وذبحت عشرات الألوف في السجون، وشردت أكثر من نصف الشعب السوري من الأكثرية المسلمة حصراً، فلا يوجد لاجئ أو نازح واحد داخل سوريا وخارجها من تلك الأقلية أو غيرها، ناهيك عن تدمير مئات الألوف من بيوت وأرزاق الأكثرية، واستخدام السلاح الكيماوي ضد أطفال الأكثرية. وأرجو ألا يخرج لنا البعض لينفي أن سوريا كانت محكومة من قبل أقلية فاشية كانت تتحكم بكل مفاصل السلطة لصالح عائلة وطغمة طائفية يعرفها كل السوريين بالاسم. لكن فجأة يا سبحان الله صار العالم أجمع عطوفاً على الأقلية التي خسرت السلطة في سوريا، كما لو أنها هي المضطهدة والمقموعة والمسحوقة وليس ضحاياها من الأكثرية وعددها أكثر من ثمانين بالمائة من الشعب السوري.

لم نسمع من قبل أصوات المتباكين على تلك الأقلية عندما كانت تذبح وتهجر السوريين بالملايين وتدمر مدنهم وقراهم بالبراميل المتفجرة.

أرجو أيضاً ألا يقول لي أحد إن الجيش الساقط لم يكن طائفياً في سوريا، فكلنا يعلم أن أصغر ضابط من الأقلية الحاكمة كان أقوى من رئيس الوزراء في سوريا، وأن ضابطاً طائفياً صغيراً برتبة مساعد في أي فرقة عسكرية سورية كان أقوى من أعلى رتبة عسكرية من الأكثرية. ولا ننسى أن عدد الضباط الطائفيين الأمراء الذين يعطون الأوامر العسكرية في سوريا كانوا يشكلون أكثر من خمسة وتسعين بالمائة من مجموع الضباط الأمراء في الجيش السوري كله. قد يرد علينا البعض بالقول إن السوريين لا يريدون تكرار الماضي الأليم ولا يحبذون استنساخ النظام الساقط بشكل جديد، وبالتالي لا بد من التأكيد على تطبيق الديمقراطية في سوريا والترحم على كل قطرة دم سورية ذُرفت في سوريا في الأشهر الماضية وخاصة في الساحل، وهذا طبعاً من حقهم، ونحن نشد على أيديهم في ذلك ونرفض استهداف الأبرياء في أي مكان في سوريا، فلا أحد بكامل عقله في البلد يريد استنساخ الماضي الفاشي البربري، لكن مشكلتي مع هؤلاء المطالبين بتطبيق الديمقراطية في سوريا ليس أبداً في الفكرة، فأنا معهم وأناصرهم في طلبهم وإلحاحهم، لكن مشكلتي مع البعض منهم في النوايا فقط.

لماذا معظم المتشدقين بضرورة تطبيق الديمقراطية في سوريا داخلياً وخارجياً ليسوا من الأكثرية؟ هل يا ترى يغارون على مصالح الأكثرية من الأكثرية نفسها؟ هل هم فعلاً يريدون الخير والديمقراطية والكرامة والحرية للسوريين، أم إنهم يريدون فقط رفض الواقع الجديد ووضع العصي في عجلات سوريا الجديدة لغاية في نفس يعقوب؟ باختصار، هل هم صادقون فعلاً في طلب الديمقراطية للشعب السوري، أم هي ليست رمانة بل قلوب مليانة؟

كاتب واعلامي سوري

القدس العربي،

————————

التقارب بين سوريا ودول الخليج: انتعاش مؤقت أم تحوّل محسوب؟

لقاءات متسارعة تعيد العلاقات إلى الواجهة بعد سنوات القطيعة

بي. بي. سي.

تحديث 19 نيسان 2025

فتحت سوريا بعد تسلّم أحمد الشرع رئاسة البلاد لمرحلة انتقالية، فصلاً جديداً في سجل علاقاتها الخارجية، أبرز ما فيه حتى الآن هو العلاقة مع دول الخليج، وهو فصلٌ يمكن توصيفه بألبومٍ من الصور النادرة التي لطالما غابت لعقود، تجمع رئيس الجمهورية مع قادة دول خليجية، ما يؤشر إلى أن “الصفحة الجديدة” مع الخليج تُرسم بخطى متسارعة على محاور السياسة والاقتصاد والتقارب العربي، عنوانها: المصالح تتجاوز الخلافات، والذاكرة تُعاد صياغتها بلقاءات كانت حتى الأمس القريب خارج الحسابات، وفق ما يقول محللون لبي بي سي.

هذه الانتعاشة في العلاقة تضع سوريا في مسار غير المعتاد، عندما كانت تحت حكم عائلة الأسد، فعلى الرغم من بعض الزيارات والاتصالات بين الرئيس السابق بشار الأسد وقادة في دول الخليج، إلا أن العلاقة بشكلها العام لطالما وُصفت بالمتأزمة بين الجمهورية والخليج، حتى سقوط الحكم في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 بعد هجوم واسع شنّته قوات المعارضة.

في الصفحة الأولى مّما يمكن أن نسميه “ألبوم عودة العلاقات” حتماً ستظهر صورة من دمشق، حيث كان اللقاء القطري–السوري في 30 يناير/كانون الثاني، فاتحة لمشهد جديد طال انتظاره من قبل بعض المراقبين.

تتبعها لقطة من الرياض في 2 فبراير/شباط، أول زيارة للشرع خارج البلاد، يلتقط فيها المشهد السياسي زاوية أكثر وضوحاً وجرأة.

ثم ننتقل إلى صور منتصف أبريل/نيسان، حيث توزعت الكاميرا بين الإمارات وقطر، توثق لحظات المصافحة، والابتسامات، والحوارات التي لم تكن سائدة في كادر العلاقات في سنوات الأزمة السورية، في أربعة مشاهد متتالية، كل واحدة منها تضع إطاراً جديداً لعلاقة كانت خارج نطاق التصوير لعقود.

لم يقتصر هذا الحراك السياسي بين الطرفين على القادة، بل امتد ليشمل زيارات متبادلة لوفود من المسؤولين والشخصيات الرسمية بين سوريا ومعظم دول الخليج، وفي مقدّمتها السعودية، البحرين، الإمارات، وقطر.

شملت الزيارات مناقشة التطورات الإقليمية وأمن المنطقة، في إطار مساعٍ من الشرع لتعزيز الثقة وبناء شراكة مع دول الخليج، وفق ما تذكره صحف رسمية.

ومن تابع الصور ومقاطع الفيديو التي جمعت الشرع بقادة دول الخليج، “لا بد أن لاحظ حرارة في لغة الجسد، تعكس تغيراً في المزاج السياسي بين الطرفين.

وهنا سألنا الدكتور هشام الغنام، الباحث السعودي والزميل في مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي والمشرف العام على برنامج الأمن الوطني بجامعة نايف للشرق الأوسط، عن السرّ وراء هذا “الدفء السياسي”، لا سيّما أن الشرع لا يزال حديث العهد على هذا المستوى من الانفتاح الدبلوماسي.

“تقاطع المصالح يصوغ العلاقة بين الخليج وسوريا”

يقول غنام إن دول الخليج تنظر إلى استقرار سوريا كضرورة لأمن الإقليم.

يرى الغنّام أن العلاقة الراهنة بين دول الخليج والحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، تقوم على “تقاطع مصالح استراتيجية” أكثر من كونها علاقة قائمة على الألفة الشخصية.

وفي حديثه لبي بي سي يوضح الغنام أن دول الخليج تنظر إلى استقرار سوريا كضرورة لأمن الإقليم، مضيفاً: “إن وُجدت ألفة، فهي أقرب ما تكون إلى تعاطف تاريخي مع الشعب السوري، لكن حين تتقاطع الضرورات الأمنية مع الانفتاح السياسي، يصبح التعاون أداة عقلانية لتعزيز الاستقرار.”

وحول ما إذا كان ما نشهده من تقارب يمثل انتعاشة حقيقية أم مجاملة سياسية مؤقتة، يشير الغنام إلى أن الحكومة السورية الجديدة أظهرت براغماتية وانفتاحاً غير مسبوق تجاه محيطها، مشيراً إلى أن تشكيلها يعكس “تنوعاً واضحاً في الخلفيات السياسية واعتماداً على الكفاءة لا الانتماءات الضيقة”، وفق ما يرى الغنام.

ويعتبر أن هذه المعطيات “تعزز ثقة الدول المجاورة وتدفع نحو تعاون فعّال ومستدام”، ما يجعل المرحلة الراهنة أقرب إلى بداية انتعاشة استراتيجية حقيقية تتجاوز المجاملات الدبلوماسية.

ويكشف الغنام أن الدعم الخليجي لسوريا سياسياً وميدانياً بدأ مبكراً، وتحديداً بعد سقوط النظام السابق، وكانت السعودية في طليعة الدول التي بادرت بتقديم دعم دبلوماسي وإنساني، بما في ذلك تدشين جسر جوي وبري للمساعدات الإغاثية العاجلة.

لكنه يستدرك قائلاً إن دعم إعادة الإعمار لا يزال مرهوناً بظروف إقليمية غير مستقرة، مشيراً إلى أن “استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة، والتصعيد في سوريا ولبنان، والغموض حول الملف النووي الإيراني، كلها عوامل تدفع دول الخليج نحو التريث” في إطلاق استثمارات كبيرة في الداخل السوري.

وفيما يتعلق بالارتباط بين هذا التقارب والتحولات الإقليمية الكبرى، يؤكد الباحث السعودي أن التقارب الخليجي مع إدارة الشرع لا يمكن فصله عن الاستراتيجية السعودية الجديدة القائمة على خفض التوتر وبناء التوازن.

ويقول: “التقارب السعودي-الإيراني شكّل تحولًا جوهرياً، ويمثل دعم حكومة الشرع خطوة عملية لتحييد سوريا عن محور الصراع الإقليمي، وإعادتها إلى دائرة التأثير العربي.” وفق قوله.

كما يرى أن هذا التوجه يتقاطع مع ملفات إقليمية أخرى، مثل اليمن ولبنان، حيث يمكن أن يكون لسوريا “المعتدلة” دور في “كسر الاحتكار الإيراني للقرار اللبناني”، على حد وصفه، والمساهمة في “تسهيل تسويات محتملة في اليمن من خلال تهدئة مع طهران”.

“الشرع أعلن بوضوح أنه لا يسعى لتصدير أي أجندة خارج سوريا، ودعمه من قبل الخليج هو استثمار سياسي في استقرار إقليمي طويل الأمد وإعادة الدور العربي لسوريا”، وفق ما يرى غنام.

الخليج وحكم “الأسد”: تاريخ من التوتر

في رصدٍ لتاريخ العلاقات بين الرئيس السوري السابق بشار الأسد مع دول الخليج، نجد أن “الأزمة السورية” عام 2011 كانت العامل المشترك في توتر العلاقات بينهما.

في رصدٍ لتاريخ العلاقات بين الرئيس السوري السابق بشار الأسد مع دول الخليج، نجد أن “الأزمة السورية” عام 2011 كانت العامل المشترك في توتر العلاقات بينهما.

فوفق ما نشرت صحيفة فاينانشال تايمز في مايو/أيار 2013، أرسلت السعودية، في بداية الأزمة السورية أسلحة للمعارضة، كما أدانت الرياض حكومة الأسد في آب/أغسطس 2011 “بسبب طريقة التعامل مع المظاهرات المناهضة للحكومة”، بحسب تصريح للملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز.

كما سحبت المملكة وفدها من بعثة حفظ السلام التابعة للجامعة العربية في سوريا في 22 يناير/كانون الثاني 2012، وأغلقت سفارتها في دمشق في فبراير/شباط، ورفضت إعادة فتحها عام 2019.

فَتَر التوتر بين الطرفين بعد عام 2017، عندما اعتبر الأمير محمد بن سلمان أن “بقاء الأسد ضرورة”، ويرتيط بالتخلص من مصالح إيران في المنطقة.

ثم تحولت لغة المملكة تجاه سوريا عام 2018، عندما عرضت أن تعمل مع روسيا في التوصل إلى حل سياسي للحرب السورية، بحسب ما ذكر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وهو ما لاقى قبولاً من سوريا.

وفي 10 مايو/أيار 2023 قرر البلدان إعادة فتح السفارات بينهما، وبعد تسعة أيام زار الأسد السعودية للمشاركة في القمة العربية 2023.

أما قطر، فاعترفت بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ومنحته مبنى السفارة السورية في الدوحة آنذاك، وشكلت مع تركيا كتلة واحدة تدعم ما كان يسمى حينها بـ”الجماعات المتمردة”.

في حين شهدت العلاقة مع الإمارات تحولاً تدريجياً منذ 2011، بداية من القطيعة مع النظام والدعم الحذر للمعارضة، إلى إعادة فتح سفارتها في دمشق عام 2018، ثم تطبيع كامل، تُوّج بزيارة الأسد لأبوظبي عام 2022، مع تنامي التعاون الاقتصادي ودور إماراتي متزايد في إعادة الإعمار واستقرار المنطقة.

فيما قالت البحرين على لسان وزير خارجيتها خالد بن أحمد آل خليفة عام 2019 لصحفية “الشرق الأسط” السعودية، إن علاقات بلاده مع نظام الأسد “لم تنقطع طوال السنوات الماضية”.

أما الكويت واليمن ، رفضتا عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بحسب تقرير سابق نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، فمعارضة اليمن للتطبيع مع الأسد كانت “بسبب موقفه من الحرب في اليمن، والدعم الذي يقدمه (الأسد) لجماعة الحوثي، المرتبطة بإيران”.

واتهم اليمن النظام السوري “بتسليم سفارة اليمن في دمشق لميليشيا الحوثي الإرهابية، في مخالفة لكل المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة”، بحسب تصريحات لوزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني، أحمد عوض بن مبارك، عام 2023.

ورفضت الكويت السياسة المتبعة في سوريا، وسحبت سفيرها عام 2012، كما طلبت من السفير السوري مغادرة البلاد تنفيذاً لقرار مجلس التعاون الخليجي، باستثناء سلطنة عمان.

وفي أبريل/نيسان عام 2014، أغلقت السفارة السورية أبوابها في الكويت، بعد قرار الحكومة السورية إغلاق سفاراتها في عدد من الدول، قبل أن تعاود الافتتاح في نهاية العام 2014.

“الخليج شريك في التحول السوري”

يقول الدكتور برهان غليون، المفكر والأكاديمي السوري، إن التحول في موقف دمشق تجاه دول الخليج يمثل “خياراً استراتيجياً وضرورة في آنٍ معاً” لخروج سوريا من المحنة التي تمرّ بها، مشيراً إلى أن الدول الخليجية، إلى جانب بقية الدول العربية، تُعدّ “حليفاً طبيعياً لسوريا” في ضوء المصلحة المشتركة والمتمثلة، بحسب تعبيره، في “إبعاد إيران عن المنطقة، ووقف تهريب الكبتاغون، وبناء تفاهمات مع الغرب”.

وفي حوار مع بي بي سي يؤكد غليون أن هذا الانفتاح لا يعني تقديم تنازلات سياسية من قبل النظام الجديد في سوريا. ويرى أن دول الخليج كانت فاعلة في مراحل سابقة من الملف السوري، مضيفاً: “حتى الإمارات، التي اتخذت سابقاً مواقف أكثر حذراً تجاه التطورات السورية، فتحت أبوابها للشرع كغيرها من دول الخليج”.

ويشير غليون، وهو الرئيس الأسبق للمجلس الوطني السوري المعارض، إلى أن هناك “قوى إقليمية ودولية” تدفع بهذا التقارب الإقليمي، موضحاً أن “العالم كله، من الأوروبيين والخليجيين إلى الروس والأتراك والأمريكيين، متفقون على أن سوريا يجب أن تتحرر من كونها أداة بيد إيران، وألّا تكون معبراً للنفوذ الإيراني أو لتجارة الكبتاغون أو ولادة الميليشيات”.

وفي تعليقه على الألفة السياسية اللافتة بين الشرع وقادة الخليج، يقول غليون إن الترحيب الذي حظي به الشرع “فاق ما ناله أي رئيس انتقالي سابق”، لافتاً إلى أن الشرع “يعكس التغير الحاصل لصالح الدول العربية ودول الغرب في مواجهة التغوّل الإيراني”.

وفق ما يرى غليون فإن دول الخليج ليست الوحيدة من “تراهن” على الشرع،”بل السوريون والعالم أجمع يراهنون أن تحّطّم السلطة الجديدة التوازن الإقليمي السابق، وتخلق نظاماً مركزياً جديداً يكون للعرب فيه كلمة حاضرة”.

وسبب هذا الرهان والتقارب مع الشرع، هو أنه “وفّر على العالم حرباً طويلة الأمد مع الميليشيات” وفق تعبير غليون، ونجح في انتزاع سوريا من “يد الميليشيات والفصائل المتنازعة .. بصرف النظر عن أفكاره واعتقاداته ومستقبل مشروع السياسي”.

ما الذي يخشاه الطرف السوري من هذا التقارب؟ يجيب غليون على سؤال بي بي سي بأن “السوريين يرحبون بالدعم الخليجي ولا خيار أمامهم سوى التحالف مع دول الخليج، كما أن الأخيرة لن تستطيع مواجهة التحديات الاستراتيجية في المنطقة دون ضمان وقوف سوريا على قدميها”.

ومع توالي اللقاءات وتراكم الصور التي توثّق هذا التقارب، يتشكّل مشهد جديد في علاقات سوريا مع الخليج، مشهد قد لا يكون نهائياً بعد، لكنه بالتأكيد لم يعد يشبه ما قبله.

وفي هذا الألبوم السياسي المتجدّد، تحل صور المصافحة مكان مشاهد القطيعة، وتُسجَّل لحظات “حذرة” لكن لافتة في مسار إقليمي يختبر توازناته من جديد.

——————————–

إلزامية الجغرافيا السورية وقَدَرها/ بيار عقيقي

19 ابريل 2025

من الصعب فهم جوهر الجغرافيا السياسية في المشرق العربي، شمالي شبه الجزيرة العربية، بمعزل عن فهم دور سورية فيه، وذلك وفق الحدود المعترف بها دولياً، لها ولمحيطها الإقليمي. يُفسّر ذلك التسارع في علاقة الخارج مع سورية وعلاقة سورية مع الخارج، بما يشير إلى وجود فهمٍ متبادلٍ للمصالح المتبادلة. منذ إسقاط نظام بشّار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2025، تبدو سورية وكأنّها في رحلة مستعجلة للتصالح مع المجتمعين العربي والدولي، وفق مفاهيم متّصلة حُكماً بتأمين التمويل للمرحلة السياسية الحالية، بما يسمح بنشوء استقرار يُفضي إلى ترسيخ طبيعة النظام الجديد ومرونته مع العالم.

ومع أن الوقائع السياسية فيما يتّصل بشرق الفرات تتطور بوتيرة سريعة، لكن ذلك لا يُعدّ كافياً بمعزل عن التفاهمات في الجنوب، من السويداء إلى الجولان، أو في الساحل. لا تسمح الطبيعة الجغرافية السورية بانعدام التوازن بين الجغرافيات، التي صودف أن أقلّيات تتمركز فيها، ولا في تغليب منطقة جغرافية على أخرى في الداخل السوري. يعني ذلك أن وحدة الأراضي السورية وتوازن نموّها، الذي لا يعني تغييب المحاسبة، بل إن محاسبة أركان النظام السابق أساس لبناء دولة جديدة، تسمح في إرساء النموّ الاقتصادي المطلوب إقليمياً قبل أن يكون سورياً.

إذا وُضعت النوازع الطائفية جانباً، فإن الجغرافيا السورية ترابط خطوط مواصلات إلزامية للمشرق العربي كلّه. واستطراداً، بين شبه الجزيرة العربية وأوروبا. يعني ذلك، في مكان آخر، الحاجة المتبادلة لهذا المشرق إلى علاقة اقتصادية تصاعدية مع تركيا. لكنّ ذلك موضوع آخر. إزاء هذه الطبيعة السورية، يُصبح أيُّ شعار سياسي، وحتى طائفي، معرّض للموت التاريخي. وكلّما كان الشعار متشدّداً أصبح سقوط الحاكم أسرع. لكنْ في المقابل، مثلُ هذه الطبيعة مُعرّضة للاهتزاز في حالة غياب التوازن بين ما تحتاج إليه سورية دولةً، ودورها خطَّ ترانزيت، وقدرتها محطّةَ تصنيع. في تلك المواضع كلّها يُصبح لزاماً على السوريين الانتقال إلى مرحلة تقرير خطوات الفترة المقبلة، ذلك لأن سورية قادرة على أداء دور المحرّك الاقتصادي للمحيط، من دون السعي إلى صياغة دور تسلّطي على دول الجوار. فعلها الأسد مع لبنان خصوصاً، وأدّى ذلك إلى نشوء علاقات مضطربة بين شعبَين في بلدَين، لا تشبه غيرها في العالم.

وهنا، لا يبدو الأوروبيون بعيدين من إدراك جوهر سورية الجغرافي، وإن كانوا مدفوعين بسلبيات الرسوم الجمركية التي أقرّتها الولايات المتحدة، لكنّهم في الوقت نفسه لا يرغبون في فتح الخزنات أو الاستثمار في سورية، ما لم يكن السوريون يعلمون أن إسقاط أيّ نظام مهما تجبّر، يبقى أسهل من إسقاط ذهنيته، مهما كانت بسيطة. ذهنية نظام الأسد مبنية على ثلاث ركائز. الركيزة الأولى، السير على حافَة الهاوية من دون السقوط فيها. والركيزة الثانية، قمع الشعب بعناوين طائفية ومناطقية ومذهبية واستيلاد الخلافات بين السوريين. والركيزة الثالثة، التذلّل للدول الأقوى وإخضاع الدول الأضعف.

ومع أن النظام السوري الحالي لا يزال يتلمّس طريقه في طريقة حكم الجغرافيا السورية برمّتها، بعناوين مختلفة عن التي حكمتْ بها محافظة إدلب سابقاً، لكن الانتباه إلى مفهوم الإسراع في التصالح مع دول الجوار، يتطلّب أيضاً التحرّر من ذهنية نظام الأسد، لأن في ذلك عوداً على بدء، وفي وقت أقرب ممّا يمكن تخيّله. لا يحتاج الأمر إلى تصريحات أو تشكيل لجان، بقدر ما تستوجب مثل هذه الأوضاع ترتيب مصالحات شاملة مع المحيط الإقليمي، وإنهاء الخلافات، بدءاً من نقاط متنازع عليها في الحدود، وصولاً إلى ضرورة تشكيل أسواق مشتركة، والضرورة هنا حاجة أساسية لشعوب المشرق العربي، وإلا فإنه من السهل أن تستولد البطالة فِرقاً مسلّحةً وإرهابيين وعصابات. قد يكون ذلك كثيراً، لكن تاريخ سورية وجغرافيتها، يفرضان الاستعجال في عالم يُولد من حرب الاقتصادات.

العربي الجديد

——————————–

سوريا بين الجغرافيا الكاسرة والدولة الممكنة.. من مصيدة الموقع إلى منصة السيادة/ إياد أحمد شمسي

2025.04.18

ليست الجغرافيا، في الحالة السورية، مجرد تضاريس على الخريطة أو مناخ يؤثر على الزراعة والطقس، بل هي بنية حاكمة للعلاقات السياسية، وأداة صلبة في إنتاج الهوية، وشريك فعلي في رسم مسار الدولة والمجتمع.

فمنذ فجر التاريخ، كانت سوريا أكثر من مجرد مساحة؛ كانت معبرًا للجيوش، ومخزنًا للرموز، ومسرحًا لصدام المشاريع الكبرى. وبينما تُساق الجغرافيا عادة كعامل حتمي في قوة الدول أو ضعفها، فإن المأساة السورية تكشف عن مأساة مضاعفة: ليست فقط في الموقع، بل في غياب الرؤية السياسية القادرة على تحويل هذا الموقع إلى مكسب سيادي.

لقد تعاملت النخب الحاكمة، لا سيما بعد سيطرة البعث، مع الجغرافيا كأداة للابتزاز الإقليمي، لا كدعامة لبناء دولة. وتحوّل الموقع الاستراتيجي لسوريا من نقطة ارتكاز اقتصادي وسياسي إلى مصيدة استنزاف داخلي وخارجي، تُستخدم فيها الجغرافيا لتبرير القمع، أو لتسهيل التحالفات التبعية، أو لفتح البلاد أمام مشاريع الآخرين.

ومع اندلاع الثورة عام 2011، بدأ هذا الموقع، الذي لطالما استُخدم في سياق احتكاري، يتفتت بين اللاعبين. وصارت الجغرافيا ذاتها، التي كان يُفترض أن تكون قاعدة الوحدة والسيادة، تتشظى تحت وقع السلاح والتدخلات والصراعات الطائفية.

لكن الجغرافيا – رغم كل ما فُرض عليها – لم تفقد قيمتها، بل ازدادت أهميتها، لا سيما بعد لحظة سقوط النظام عام 2024، تلك اللحظة التي لم تكن مجرد انهيار سياسي، بل تحوّل بنيوي يُعيد صياغة العلاقة بين الأرض والسلطة، بين الخارطة والمشروع، بين سوريا كميدان وسوريا كدولة.

إننا اليوم أمام مفترق تاريخي:

إما أن نعيد الجغرافيا إلى موقعها كأداة لبناء الدولة السورية الجديدة –تكون سيادية، متصالحة مع محيطها أو نتركها ساحة مفتوحة للآخرين، حيث يُعاد إنتاج سوريا كجبهة دفاع بالوكالة، أو كسوق للمصالح المتقاطعة.

أولاً: سوريا قبل الثورة – سلطة تستثمر الخارج وتخنق الداخل

منذ استلام البعث للسلطة، ومع ترسيخ حكم الأسد الأب، بُنيت استراتيجية النظام على استخدام الجغرافيا كأداة للمقايضة السياسية، لا للتنمية أو الاستقلال.

• داخليًا: تم تهميش الأطراف جغرافيًا، عبر تحييد الحسكة، دير الزور، درعا، وغيرها من مناطق الهوامش. لم تكن هذه المناطق جزءًا من مشروع وطني موحِّد، بل مجرد مساحات هامشية تُدار أمنيًا وتُقصى اقتصاديًا، في مقابل تركّز السلطة والموارد في دمشق والساحل.

• اقتصاديًا: رغم الموقع السوري الحيوي الرابط بين آسيا وأوروبا والخليج، تم تفريغ هذه القيمة الجغرافية من محتواها. فبدلًا من بناء ممرات تجارية أو بنى تحتية إقليمية، جرى تحويل البلاد إلى سوق مغلقة، تعتمد على الدعم الخارجي، وتتجاهل إمكانياتها الذاتية.

• سياسيًا: تحوّلت الجغرافيا السورية إلى ورقة تفاوض في ملفات الخارج:

• لبنان: مُدار كمزرعة أمنية، ومجال حيوي لتصدير النفوذ الاستخباراتي.

• العراق: منفذ للتهريب والعبور السياسي، وخاصة خلال مرحلة الاحتلال الأميركي.

• العلاقة مع إيران: لم تُبنَ على مصالح متبادلة، بل على تحالف وظيفي تحت عنوان “المقاومة”، يُبقي دمشق بوابة لمشروع طهران الإقليمي.

لقد استُخدمت الجغرافيا كوسيلة ضغط بيد النظام، دون أن تُحوَّل يومًا إلى رافعة لبناء دولة متوازنة أو اقتصاد منتج.

ثانيًا: الثورة والانفجار الجغرافي (2011 – 2024)

مع اندلاع الثورة، لم تنقسم سوريا سياسيًا فقط، بل جغرافيًا أيضًا. إذ بدأ تفكك الدولة يتجلى ميدانيًا، في تآكل الحدود الداخلية، وتعدد السلطات، وتشظي الخريطة إلى مناطق نفوذ متنازعة.

1. تركيا: فاعل اضطراري، لا مشروع توسعي

دخلت تركيا شمالي سوريا كفاعل إجباري لا طموحي:

• تمتد الحدود المشتركة لنحو 900 كلم، وهي الأطول في الشرق الأوسط.

• تصاعدت التهديدات الأمنية من وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الغرب.

• تدفق نحو 3.5 ملايين لاجئ سوري، مع مخاوف ديموغرافية وسياسية.

• فراغ أمني قرب الحدود الجنوبية لأنقرة، كان لا بد من ضبطه.

تدخّل تركيا لم يكن مشروعًا إمبراطوريًا لإعادة إحياء العثمانية، بل محاولة لحماية الأمن القومي، واحتواء الفوضى، ودعم ممر آمن في شمال سوريا.

2. إيران: أخطر المشاريع – هندسة جغرافيا طائفية

أخطر ما جرى في الجغرافيا السورية خلال الحرب هو التدخل الإيراني، الذي لم يكتفِ بالدعم العسكري والسياسي، بل حاول إعادة صياغة الجغرافيا نفسها:

• ممر بري عقائدي يمتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية.

• تغيير ديموغرافي قسري في القصير، الغوطة، الزبداني، والضواحي.

• إنشاء ميليشيات محلية مرتبطة بالحرس الثوري.

• فرض مفهوم “عقيدة الخندق”، حيث تصبح سوريا مجرد خندق متقدم للدفاع عن المشروع الإيراني في وجه الغرب وإسرائيل، لا دولة ذات هوية وطنية جامعة.

تحوّلت الجغرافيا إلى أدوات طائفية، تفصل سوريا عن عمقها العربي، وتُجهِز على إمكان قيام مشروع وطني مستقل.

3. القوى الدولية: خطوط النار ورقعة الشطرنج

• روسيا: رسّخت نفوذها في الساحل، وتحكمت في الأجواء السورية، وحوّلت قاعدتي حميميم وطرطوس إلى نقاط ارتكاز دائمة في البحر المتوسط.

• الولايات المتحدة: تركّز وجودها في الشرق السوري، حيث النفط والمعابر الحدودية مع العراق، وأدارت علاقة مع قسد بمعزل عن السياق الوطني السوري.

• إسرائيل: مارست سياسات “الردع الذكي”، عبر ضربات دقيقة ومدروسة تستند إلى قراءة دقيقة للجغرافيا السورية – الإيرانية.

كل طرف خارجي أعاد تشكيل جزء من الجغرافيا وفق مصالحه، بينما بقي الشعب السوري رهينة، لا فاعلًا.

ثالثًا: سوريا الجديدة – جغرافيا الفرصة بعد سقوط الأسد (2024 – المستقبل)

سقوط النظام عام 2024 كان لحظة تحول مفصلي، ليس فقط في بنية السلطة، بل في علاقة السوريين بجغرافيتهم.

لأول مرة منذ عقود، يعود سؤال: “لمن تنتمي هذه الأرض؟” إلى طاولة البحث، لا من منظور ملكية السلطة، بل من منظور بناء الدولة.

1. منظومة حكم وطنية لإعادة توحيد الأرض

• تبني نظام سياسي يعيد توزيع السلطة على أساس إداري لا طائفي.

• تمثيل المناطق المهمشة بشكل عادل في مؤسسات الدولة.

• إزالة آثار التهجير والتغيير الديموغرافي الذي فرضه الاحتلال الإيراني.

2. استعادة العمق العربي كجدار توازن

• إعادة التموضع ضمن فضاء عربي طبيعي.

• علاقات اقتصادية متينة مع الخليج والعراق والأردن.

• سياسة خارجية مرنة، عقلانية، لا تنتمي إلى المحاور، بل إلى المصالح.

3. إعادة تشغيل الجغرافيا كأصل إنتاج

• تطوير موانئ طرطوس واللاذقية لتكون مراكز لوجستية إقليمية.

• إنشاء مناطق تجارة حرة على المعابر مع العراق وتركيا والأردن.

• ربط سككي وبري مع الخليج والعراق.

• استثمار البادية السورية كممر للطاقة والربط الإقليمي، لا كفراغ أمني.

4. إنهاء المشروع الإيراني وتفكيك امتداداته

• تفكيك الميليشيات.

• إنهاء التسلح خارج الدولة.

• إعادة المهجرين إلى مناطقهم الأصلية.

• استعادة السيادة على المعابر والحدود.

خاتمة: من يملك الجغرافيا… يملك القرار

الجغرافيا ليست قدَرًا ثابتًا، بل أداة بيد من يُحسن استخدامها. لقد كانت الجغرافيا السورية لعنة لأن النظام حوّلها إلى أداة قمع، ولأن القوى الخارجية استغلت غياب القرار الوطني.

لكن اليوم، في يد السوريين، يمكن للجغرافيا أن تتحول إلى أعظم أداة لبناء مشروع وطني، سيادي، عادل، متصالح مع محيطه.

والمطلوب:

• مشروع سياسي سيادي.

• نخبة وطنية تفهم الجغرافيا كعامل قوة لا كخطر.

• استقلال في القرار.

• عقل استراتيجي لا يرى في الأرض عبئًا، بل فرصة.

سوريا الجديدة ليست حلمًا. إنها مشروع ينتظر من يملك الخريطة… والعقل.

تلفزيون سوريا

———————————-

حسابات الشرع بين حقل ترامب وبيدر أردوغان/ رغيد عقلة

18 ابريل 2025

نشرت الروائية الأيرلندية، ماري هنغرفورد، روايتها “ماري بون” عام 1878، من دون أن يدور بخلدها أن مقولتها فيها “الجمال بعين ناظره” ستغدو مثلاً سائراً تتناقله الشعوب، على أنه لو قُيّض لها أن تعيش الحدث السوري لأضافتِ الفهم إلى الجمال، ففهم غالب السوريين اليوم لتصريحات إدارة الرئيس دونالد ترامب عن سورية هو غالباً تبعاً لرغباتهم، في مجافاةٍ مقصودة لقاعدة “لا اجتهاد مع النصّ”، خصوصاً عندما يكون بلغة إنكليزية واضحة وصريحة لا تحتمل كثيراً من تنميقات المعاني والبيان والبديع، التي تُميّز لسان الضاد، فالأميركيون غالباً يقولون ما يعنون، ويعنون ما يقولون، إلا أن هذا لا يمنع أن تحمل التصريحات والقرارات الواضحة الصادرة من واشنطن رسائلَ سياسيةً تحتمل في تفسيرها بعض الاجتهاد، وهنا يمكن القياس بمقولة هنغرفورد، فكما “الجمال بعين ناظره”، يكون غالباً فهم أغلب السوريين تصريحات واشنطن برغباتهم، وربّما بأمنياتهم، وأحياناً كثيرةً بمخيّلاتهم.

لا يدّعي كاتب هذه السطور مقدرةً فذّةً على قراءة الرئيس ترامب، أو توقّع ما يدور في ذهنه، فتلك مهمّة مستحيلة، حتى لأغلب من عملوا معه من قرب، ولعلّ الوصف الأكثر دقّةً له بإجماعهم أنه عصيٌّ على القراءة (very unpredictable)، وهو إن كان قد حافظ في سلوكه العام على بعض الخطوط الثابتة، التي طبعت سيرته رجلَ أعمال جريئاً ومقاولاً عنيداً لا يقبل كلمة “لا” جواباً، فإنّ هذا سيظهر في سلوكه رئيساً، سواء مع سياسيّي بلاده أو زعماء العالم، لا يُستثنى منهم الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، ولا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ورغم الانطباعات المتضاربة التي خلَّفها وصفه الإيجابي والدافئ لعلاقته بأردوغان في حضرة نتنياهو، عقب لقائه معه في البيت الأبيض قبل أكثر من أسبوع، يعلم من يعرف واشنطن جيّداً أن لا عشاءَ مجّانياً فيها، وإن وُجد، فقطعاً ليس عند الرئيس ترامب، فإطراءات الرجل (على ندرتها) لم تكن يوماً بلا مقابل، وتستدعي تساؤلاً مستحقّاً عمّا وراءها، وإذا كانت قد أتت في معرض الإشادة بإنجاز الرئيس أردوغان بسورية (بحسب كلام ترامب) فسيكون منطقياً جدّاً النظر فيها تحديداً لمحاولة استنباط ما قد يريده ترامب هناك، ويعوّل على علاقته القوية بأردوغان لتحقيقه، أمّا أن يكون هذا الاستعراض الحميمي لعلاقة الرجلَين بوجود نتنياهو خصوصاً، فإن ذلك سيحصر مهمّة التخمين ليكون ضمن القضايا التي تهم الأطراف الثلاثة معاً في سورية، التي قد يكون في مقدّمتها نيّات تركيا المُعلَنة في إنشاء قواعدَ عسكريةٍ لها في سورية، والموقف الإسرائيلي المُعلَن أيضاً، والرافض للأمر طبعاً، وكما العادة بحجّة “تعريض أمن إسرائيل للخطر”، ما يُحتّم أن آخر ما يتمنّى نتنياهو سماعه وصف ترامب الجالس على بعد خطوتَين منه في المكتب البيضاوي، وأمام الصحافيين لإنجاز أردوغان في سورية: “عليك التسليم بانتصاره، إذا كان لدى إسرائيل مشكلة مع تركيا فأنا قادر على حلّها”.

التفسير المبدئي لكلام ترامب قد يوحي بانحياز واضح إلى موقف الرئيس أردوغان، وما ينوي فعله في سورية التي أقرَّ الأوّل للثاني بانتصاره فيها، على حساب علاقته بنتنياهو الرافض للأمر شكلاً ومضموناً، ولا يخفى ذلك، ولكنّ قراءةً أكثر عمقاً للأمر تأخذ في حسابها طبيعة العلاقة بين واشنطن وتلّ أبيب، من جهة، وواشنطن وأنقرة من الجهة الأخرى، قد ترى أن انحياز ترامب الظاهري إلى موقف أردوغان في سورية هو “… بابٌ باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبَلِه العذابُ” (سورة الحديد: 13)، وأنه ربّما يحمل في طيَّاته مشروعاً في سورية يؤلم أردوغان ويُرضي نتنياهو لأبعد الحدود، وهل من أمر يهمّ نتنياهو أكثر من إخراجه من ورطته في غزّة التي لم يستطع انتصاره العسكري الماحق فيها تحقيق أيّ هدف سياسي حتى الآن، لا بل إغلاق ملفّها مرةً وإلى الأبد بتهجير أهلها منها؟ الأمر الذي تقوم عليه مخطّطات الرئيس ترامب، التي لا يخفيها لإعادة رسم المنطقة. ولكن، إلى أين، وقد أبدت كلٌّ من مصر والأردن تحفّظاتها الشديدة على الأمر؟ وهل يغامر الرئيس ترامب باستقرار بلدَين حليفَين وبمنتهى الأهمية له ولنتنياهو؟ أم أن هناك بلداً آخر رُشّح لهذا الترانسفير المخيف؟ وهل يكون سورية؟ وهل يكون تشديد الحصار الاقتصادي عليها، رغم سقوط أسبابه بسقوط نظام بشّار الأسد، هو جزء من مخطّط تهجير ما أمكن من فلسطينيّي غزّة إليها؟ وأن قبول سلطة الأمر الواقع فيها دولياً وأممياً ودعمها اقتصادياً سيكون من أثمان هذا القبول؟

قد يبدو الأمر جذّاباً ومفيداً لرئيس الفترة الانتقالية، أحمد الشرع، خصوصاً بعدما صارت الإشارة إليه تكتفي بوصفه بـ”الرئيس السوري” في تجاهل متعمّد (شعبي ورسمي) لكلّ ما يمتّ إلى الفترة الانتقالية بصلة، وفي الوقت الذي قد يرى فيه الفلسطينيون فيما خطّطه ترامب لمستقبلهم “قسمةً ضيزى”. إلا أن الشرع ومن حوله قد يرون أن الأمر لايخرج عن “الضوابط الشرعية”، فالرسول العربي وأتباعه هُجّروا من مكّة إلى المدينة، وكانت هذه الهجرة فاتحةَ خير لهم وللدولة التي أرسوها فيما بعد، وإذا كانت سورية عانت منذ 2011 نزيفاً مريعاً بتهجير طاول المكوّن السُّني فيها تحديداً، فإن تعويضه بمهجّري غزّة السُنَّه لن يكون أمراً سيئاً بالضرورة، ومن هنا فهل كانت زيارة الشرع للإمارات تصبّ في هذا الاتجاه، على حساب علاقته بأنقرة والدوحة اللتين قد يكون لهما موقف مختلف تماماً من الموضوع برمَّته؟

كما فعلت هنغرفورد تفعل درعا المستعصية على الدخول في بيت طاعة الشرع، وتذكّرنا بمثل حوراني يصف الحال بين حسابات السرايا وحسابات القرايا، وما يسري على أبناء حوران يسري على أبناء الجولان (والشرع منهم)، وقد يجد نفسه في موقف يحتاج فيه إلى موازنةٍ دقيقةٍ بين التماهي مع ما تحمله رؤية الرئيس ترامب إلى المنطقة وما يعتقد أنه سيجنيه منها، وموقف “صديق ترامب”، الرئيس أردوغان، من هذه الرؤية، بل فرص نجاحها بالأصل في ظلّ موقف شعبي فلسطيني متمسّك بأرضه بمنتهى العناد.

العربي الجديد

——————————

حل اللواء الثامن.. ما انعكاسات ذلك على الأرض؟/ فايز الأسمر

2025.04.18

انتصرت الثورة، بل انتصر الشعب السوري العظيم الذي ضحى وعانى ما عاناه قبل إسقاطه زمرة الإجرام المتمثلة بنظام الأسد الطائفي الفاسد الذي جثم بسطوته وطغيانه وإرهابه وإجرامه على صدور وأنفاس السوريين لما يزيد على خمسة عقود.

نعم، وبعد 14 عامًا دامية، انتصر الشعب على فرعون العصر وزمرته وجلاديه. ولكن في المقابل، فلا شك أن الحكومة السورية الجديدة قد ورثت ثقل جغرافيا جمهورية مدمرة بغالبية بناها التحتية ومدنها ومفاصلها الحيوية، ناهيك عن ثقل وعظم التحديات الأمنية والاقتصادية والمعيشية والخدمية، التي وجدت الحكومة نفسها فجأة بلا حول منها ولا قوة في مواجهتها والتصدي لما هو مطلوب منها، من خلال السعي المتواصل لتذليل الصعوبات وإزالة العقبات، والعمل الجاد والحثيث للوصول الهادف إلى الحلول الناجعة والسريعة نسبيًا لبناء الجمهورية السورية الجديدة، رغم عظم وصعوبة المهام.

والتي، برأيي، ورأي كثير من المهتمين بالملف السوري، تحتاج فيها الدولة إلى العديد من السنوات من العمل الدؤوب والمتواصل لإعادة الإعمار وتأهيل وتأمين البلاد على جميع الأصعدة.

الدولة السورية الوليدة والتحديات الأمنية

في الواقع، فإن إدارة العمليات والأمن العام ومنذ اليوم الأول لسقوط النظام والتحرير قد وضعت على رأس أولوياتها واهتماماتها المباشرة مسألة حساسة وفي غاية الأهمية، وهي فرض الأمن وتحقيق الأمان على كل الأراضي السورية. وذلك من خلال اتخاذ إجراءات عملية وميدانية كالإسراع في دمج الفصائل بجميع مسمياتها في بوتقة جيش وطني محترف واحد موحد، والعمل بموازاة ذلك على بناء وتشكيل جهاز أمني قوي متخصص بمطاردة مجرمي فلول النظام البائد، والقضاء على ظاهرة انتشار السلاح المنفلت وغير الشرعي بكل أنواعه، والعمل الهادف على حصر هذا السلاح بيد الجهات المعنية والمختصة فقط.

ولا شك أن السلطة السورية الجديدة، وعلى رأسها الرئيس أحمد الشرع، سعت وما تزال وبكل الإمكانيات المتوفرة إلى فرض هيبة الدولة، وبسط سيادتها الكاملة وغير المنقوصة على كامل التراب الوطني، مختارة الأسلوب اللين، واللجوء إلى خيار المفاوضات والمحادثات للتوصل بشكل أو آخر إلى اتفاقات تسوية مع الأكراد والدروز وبقية الفصائل المسلحة التي استنكفت عن الاندماج في مؤسسة الجيش الواحد، مثل اللواء الثامن في درعا الذي تم حله أخيرًا بمطلب شعبي وجماهيري وتم تسليم مقدراته لمؤسسة الجيش الوليد.

ماذا يعني حل اللواء الثامن لنفسه؟ انعكاسات ذلك على الداخل السوري

من المعروف أن اللواء الثامن تم تأسيسه في أعقاب اتفاق التسوية الإذعاني الذي رعته روسيا بين قوات النظام السوري والفصائل المسلحة في شهر آب 2018، حيث تم انضمام التشكيل حينها إلى الفيلق الخامس المدعوم والمأمور من موسكو. وفي عام 2022، تغيرت تبعيته رسميًا إلى شعبة المخابرات العسكرية، وهو ما اعتُبر حينها مؤشرًا على تحول في ميزان النفوذ داخل محافظة درعا، في ظل تراجع الدور الروسي نسبيًا لصالح السلطات الأمنية السورية وحليفتهم إيران، إلى أن جاء القرار قبل أيام بحل اللواء وتسليم سلاحه للجيش السوري. وعليه، فإن الإعلان النهائي عن حل (لواء التسويات) اللواء الثامن المقاد من المدعو أحمد العودة، الذي كان يعد من أهم وأبرز الفصائل المسلحة في الجنوب السوري، ووضع مقدراته البشرية والتسليحية تحت تصرف وزارة الدفاع، سيعزز كثيرًا من هيبة الدولة السورية، وسيزيد من فرص وإمكانيات سيطرتها السلمية الكاملة على كامل ترابها في الجنوب السوري (السويداء) وفي شرقي الفرات (ميليشيات قسد).

وخاصة بعد أن وقع الرئيس الشرع في آذار الماضي اتفاقًا مهمًا ولافتًا مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، يقضي في مرحلته الأولى بخروج وانسحاب المسلحين الأكراد بكل أسلحتهم وعتادهم من سد تشرين ومن حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب إلى شرقي الفرات، وتسليم الحيين للدولة، والعمل لاحقًا على دمج مؤسسات ما يسمى الإدارة الذاتية الكردية في مؤسسات الدولة السورية. يأتي هذا الأمر مترافقًا مع المفاوضات المستمرة وحتى هذا التاريخ مع ممثلين عن طائفة الموحدين الدروز في السويداء لدمج مجموعاتهم المسلحة ضمن الجيش السوري، في خطوة تهدف إلى توحيد الهياكل الفصائلية العسكرية ضمن جيش الدولة. إذ أن القيادة السورية لن تقبل مطلقًا ببقاء أي جماعة مسلحة ومهما كانت تبعيتها وأعدادها وإمكانياتها خارج سيطرة الدولة، وسيكون هذا الأمر من الأولويات الأمنية التي تسعى الدولة للوصول إليها وتحقيقها، وبحسب المسؤولين، سلمًا أو (حربًا)، وهو آخر الخيارات المؤجلة والصعبة.

الأمل والإرادة والتحديات

في الواقع، ومع سقوط نظام الأسد المجرم، برزت وبشكل واضح لدى القيادة الجديدة الإرادات والنوايا والعزائم الحقيقية التي تهدف إلى تأمين واستغلال الفرص المناسبة لإعادة بناء الدولة السورية الجديدة، التي عاث بها نظام الإجرام الأسدي فسادًا وتخريبًا طوال ما يزيد على خمسة عقود. لكن المعطيات على الأرض والتحديات الأمنية المحلية والدولية المتنوعة والكثيرة المصاحبة لهذا التحول التاريخي ليست سهلة أو قليلة، وهذا من دون أدنى شك أمر طبيعي مقارنةً مع دولة مدمرة سُلبت كل مقدراتها وإمكانياتها طوال نصف قرن لصالح عائلة المخلوع الهارب ونظامه المجرم البائد. ولا شك أن القضايا المتعلقة بهيكلة وزارة الدفاع والمؤسسات الأمنية المتعددة تعد أحد أبرز وأهم التحديات الموجودة على طريق الوصول إلى نهاية المرحلة الانتقالية، التي يقع على عاتق مسؤوليها العمل على إرساء أسس وقواعد نظام حكم جديد، يستند إلى مبادئ الحكم الرشيد والمشاركة الشعبية الفعالة والواعية في صنع قرارات الدولة، والاحترام الحقيقي لحقوق المواطن السوري وحرياته وأمنه، والتعددية السياسية والثقافية والدينية والمذهبية للمجتمع السوري. وهذا كله في الحقيقة سيكون كما يتمناه السوريون تدشينًا لنظام سياسي جديد، في ظل انفتاح عربي وإقليمي ودولي على دمشق، وهذا عمليًا ما ظهر جليًا من خلال الزيارات الكثيرة لقادة ووزراء ومسؤولين من دول عربية وإقليمية أكدوا فيها دعمهم الكامل للسلطات السورية الجديدة لتحقيق كل أهدافها في إعادة وتأهيل البلاد.

ختامًا

إن مسألة دمج الفصائل العسكرية في إطار جيش وطني جديد هي خطوة مفصلية في مسار إعادة بناء الدولة السورية، لكن هذا الدمج والانصهار في الواقع يتطلب تضافر كل الجهود المحلية بشكل رئيسي، والإصرار على التجاوز الصادق والواعي للانقسامات المناطقية والإثنية والطائفية والولاءات الخارجية والداخلية المتعددة، والابتعاد عن عقبة الخشية من فقدان السيطرة والنفوذ. وهذا يمكن التغلب عليه بسهولة إذا تم تغليب مصلحة السوريين على مصلحة الأشخاص والجماعات من خلال صياغة عقيدة وطنية واضحة، تضمن استقلالية الجيش عن أية توجهات إيديولوجية أو ولاءات خارجية. كما يجب وضع استراتيجيات عسكرية تمكن القيادة العسكرية ووزارة الدفاع من إعادة تأهيل المقاتلين كلهم وإشراكهم في مهام مدنية وعسكرية جديدة، بما يمنحهم أدوارًا منتجة بعيدًا عن التجاذبات الميدانية. وعليه، فسيبقى شرط تعزيز الثقة بين المكونات السورية بمختلف أطيافها السياسية والاجتماعية هو الركيزة الأساسية لأي نجاح يعمل عليه، فالتجارب تقول إنه من دون حوار وطني صريح وشامل وشفاف يشارك فيه الجميع، وتفاهمات عادلة حول المستقبل السوري، فقد تبقى فكرة الجيش الوطني الموحد بعيدة وصعبة المنال، مما يهدد بتكرار نماذج عربية دخلت في صراعات وفوضى بعد نجاح ثوراتها.

تلفزيون سوريا

اللواء الثامن.. فصيل سوري شكلته روسيا وحل نفسه بعد سقوط الأسد

أحد أكبر التشكيلات العسكرية في درعا، ضم نحو 1200 عنصر، قاده أحمد العودة، ويعد امتدادا للواء “شباب السنة” الذي تأسس عام 2012، وحارب قوات النظام السوري المخلوع ومليشياته التي سيطرت على درعا، وبعد اتفاق التسوية عام 2018 الذي رعته روسيا، ألحِق اللواء بالفيلق الخامس التابع للجيش السوري، ومع ذلك كان شبه مستقل، وبقي فاعلا إلى أن أعلن حل نفسه في أبريل/نيسان 2025 عقب أشهر من إسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

النشأة والتأسيس

تأسس اللواء نتيجة اتفاق تسوية بين المعارضة السورية في درعا وبين روسيا في يوليو/تموز 2018، على خلفية حملة عسكرية خاضها جيش النظام المخلوع على المنطقة بدعم من موسكو، وهزمت فيها المعارضة.

وكان منتسبو اللواء يتبعون الكتيبة العسكرية المحلية في درعا المعروفة بـ”شباب السنة”، وكانت تتبع بدورها جيش اليرموك التابع للجبهة الجنوبية.

وخاضت الكتيبة معارك عدة ضد محاولات اقتحام نفذها جيش نظام الأسد والأجهزة الأمنية والمليشيات التابعة له في مدينة بصرى الشام والمناطق المحيطة بها.

وفي عام 2016 نجحت -بالتعاون مع فصائل محلية أخرى بينها مجموعات إسلامية- في السيطرة على المدينة وعلى جميع المقرات العسكرية والأمنية والحواجز المنتشرة فيها.

شهدت الكتيبة بعدها توسعا متسارعا، فتحولت أولا إلى لواء ثم إلى ألوية عدة، مع الإبقاء على اسمها الأصلي “شباب السنة”.

وارتبط هذا الفصيل لاحقا بـ”الجبهة الجنوبية” التي كانت مدعومة من غرفة العمليات المشتركة المعروفة بـ”الموك” والتي زودته بأسلحة ثقيلة متنوعة، إلى جانب ما حصل عليه من غنائم.

أحمد العودة

القائد العسكري لكتيبة “شباب السنة” ثم لواء “شباب السنة” الذي تحول بدوره إلى فرقة بالاسم نفسه، ثم إلى قوات “شباب السنة”.

حصل العودة على إجازة في الأدب الإنجليزي من جامعة دمشق، وبرز مع انطلاق الثورة السورية عنصرا في الجيش السوري الحر، وشارك إلى جانب فصيله في معارك عدة في محافظة درعا، والتحق بالجبهة الجنوبية عام 2014.

انخرط في معركة السيطرة على بصرى الشام التي أخرجت جبهة النصرة و”كتيبة المثنّى” وغيرها من المنطقة في مارس/آذار 2015، قبل أن يُنقلب عليه عام 2016 لكنه استطاع استعادة السيطرة على المنطقة وقيادة الفصيل من جديد.

وأصبح فصيله من أبرز الفصائل المسلحة في محافظة درعا من حيث التمويل والتأثير، بدعم مباشر من غرفة العمليات الدولية المعروفة “الموك”.

وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2017، اختير العودة عضوا في وفد الهيئة العليا للمفاوضات السورية في مؤتمر الرياض 2.

محطات

تميزت مدينة بصرى الشام المعقل الرئيسي لفصيل “شباب السنة” بقيادة العودة، بدرجة من الاستقرار النسبي -أيام نظام الأسد- مقارنة ببلدات وقرى ريف درعا الشرقي، التي شهدت انفلاتا أمنيا وعمليات اغتيال ونهب، لا سيما في المناطق التي وجدت فيها مجموعات غير منضبطة تابعة للفصيل ذاته.

وحتى عام 2018 حافظ “شباب السنة” على موقف عدائي واضح تجاه النظام السوري، وواصل العودة خطابه التصعيدي، مؤكدا في تسجيلات متتالية أن “المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد”.

تغيّر الوضع جذريا مع بدء الحملة العسكرية على الجنوب السوري التي انتهت بتوقيع اتفاق تسوية برعاية روسية، سلّم فيها العودة السلاح الثقيل، وسوّى أوضاع المقاتلين، وتولّى إدارة مفاوضات تسليم باقي المناطق من قلعة بصرى الشام.

انخرط العودة، بدعم من شخصيات مقربة من موسكو، في مفاوضات سرية متكررة مع ضباط روس، ما أفضى إلى ولادة “اللواء الثامن” التابع للفيلق الخامس المدعوم روسيًا وترأسه العودة، وأصبح الذراع العسكرية لروسيا في الجنوب السوري، لكنه حافظ على استقلالية نسبية رغم تبعيته التنظيمية للنظام.

وبدأ اللواء في أواخر 2018، بإرسال عناصره إلى جبهات الساحل السوري، خاصة في معسكري سلمى والدويركة، على أساس “مناوبات عسكرية” لا مشاركة فعلية في المعارك، وانضم إلى اللواء مئات من مقاتلي الفصائل السابقة، سعيا لتجنب الاعتقال أو التجنيد الإجباري.

لواء شبه مستقل

وفي 20 يونيو/حزيران 2020، استُهدفت حافلة تابعة للواء في بلدة كحيل أثناء عودتها من مناوبة في اللاذقية، مما أدى إلى مقتل 9 عناصر وإصابة 25 آخرين، وتحوّل تشييعهم إلى مظاهرة ضد إيران وحزب الله وطالبوا بإسقاط النظام.

بين عامي 2018 و2021، توسع نفوذ اللواء الثامن، خاصة في ريف درعا الشرقي، وشهدت تلك المرحلة توترات واشتباكات متكررة مع قوات النظام والأمن العسكري، إلى جانب اتهامات للفصيل بالضلوع في عمليات خطف وتعذيب وتصفيات، إضافة إلى مشاركته في مهام قتالية خارج المحافظة، كما شاركت عناصره في مظاهرات مناوئة للنظام.

ورغم انضمام اللواء رسميا للفيلق الخامس، فإنه حافظ على استقلالية شبه كاملة في إدارة مناطقه، مما أثار حساسية لدى النظام المخلوع. وفي عام 2021، صدر قرار بتحويل تبعيته من الفيلق الخامس إلى جهاز الأمن العسكري (الفرع 265)، ضمن مسعى روسي لإنهاء وجود التشكيلات المسلحة خارج سيطرة الدولة.

بقيت مناوبات اللواء محدودة بعد هذا القرار، لكن استمرار عمله بصفته مظلة حماية لمئات من المقاتلين السابقين في فصائل المعارضة، جعله في موقع تنازع مع أجهزة الأمن ومليشيات محلية. وشهدت هذه الفترة سلسلة اشتباكات واتهامات للفصيل بالضلوع في عمليات خطف وتصفيات ضد خصومه، إلى جانب مشاركته في احتجاجات مناهضة للنظام.

في الأعوام 2022–2023، شارك اللواء في عمليات أمنية ضد خلايا تنظيم الدولة الإسلامية في درعا، أبرزها قتل فيها قائد التنظيم في مدينة جاسم، وأيضا مواجهات مع مجموعتي “هفو” و”الحرفوش” في درعا البلد.

سقوط الأسد

لكن المنعطف الأهم جاء بعد 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مع انطلاق معركة ردع العدوان، التي انتهت بسقوط النظام السوري، إذ أعلنت الفصائل في درعا تشكيل “غرفة عمليات الجنوب” بقيادة أحمد العودة في  السادس من ديسمبر/كانون الأول، وتمكنت في 48 ساعة من السيطرة على كامل المحافظة.

وكان “اللواء الثامن” أول لواء دخل العاصمة دمشق في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وانتشر في بعض المرافق الحيوية ثم انسحب في اليوم نفسه.

وعقب سقوط النظام، التقى العودة بالرئيس السوري أحمد الشرع قبل تنصيبه، معلنا استعداده لحل اللواء ودمج عناصره ضمن جيش الدولة الجديدة. لكن حتى ذلك الوقت، لم يكن قد أبدى تجاوبا مع قرارات حل الفصائل، وتمسك بسيطرته على مناطق ريف درعا الشرقي.

في 11 أبريل/نيسان 2025 اغتال عنصران من اللواء الثامن القائد العسكري بلال الدروبي المقداد في بصرى الشام، فتدخل جهاز الأمن العام سريعا وأرسل تعزيزات عسكرية، مدعومة من مجموعات معارضة للعودة فرضت السيطرة على بلدات الجيزة والسهوة وصيدا والمسيفرة، وسُحب السلاح من عناصر اللواء فيها.

وفي 12 أبريل/نيسان دخلت قوات الأمن العام إلى بصرى الشام، وعُقد اجتماع أمني مع قيادات اللواء ومسؤولين من وزارتي الداخلية والدفاع، انتهى بالاتفاق على تسليم المتورطين في الحادثة، وحل اللواء رسميا وضم منتسبيه إلى مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية.

وفي 13 أبريل/نيسان 2025، أعلن العقيد أكرم الحوراني، المتحدث باسم اللواء الثامن، قرار حل الفصيل، ووضع كل إمكانياته البشرية والعسكرية تحت تصرف وزارة الدفاع السورية، منهيا بذلك مرحلة من النفوذ والتقلبات العسكرية والسياسية امتدت سنوات في جنوب سوريا.

المصدر : مواقع إلكترونية

————————-

 تجاهل روسيا وإبعاد الفصائل الفلسطينية.. ما شروط واشنطن لرفع العقوبات عن سوريا؟

2025.04.18

كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن الإدارة الأميركية تهدد باتخاذ موقف صارم مع الحكومة السورية الجديدة، حيث أصدرت خطة جديدة تضمنت شروطاً جديدة لإعادة بناء العلاقات الدبلوماسية ورفع العقوبات.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الولايات المتحدة تطالب دمشق باتخاذ سلسلة من الخطوات الأمنية والسياسية الصارمة، كشرط أساسي قبل النظر في تخفيف محدود للعقوبات أو إعادة العلاقات الدبلوماسية، بما في ذلك “إجراءات صارمة ضد المتطرفين، وطرد المسلحين الفلسطينيين”.

وذكرت الصحيفة أن البيت الأبيض أصدر، في الأسابيع الأخيرة، توجيهات تدعو الحكومة السورية إلى اتخاذ خطوات تشمل تأمين مخزون البلاد من الأسلحة الكيميائية، في حين تنظر واشنطن في المقابل بتجديد إعفاء محدود من العقوبات، أصدرته إدارة بايدن، بهدف تسريع تدفق المساعدات إلى البلاد.

ما الشروط الأميركية وما الجديد فيها؟

ووفق مصادر “وول ستريت جورنال”، تتضمنت التوجيهات السياسية الجديدة للإدارة الأميركية بعض الطلبات المشابهة لتلك التي قُدمت في عهد إدارة بايدن، بما في ذلك التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتأمين اليورانيوم عالي التخصيب.

كما تتضمن المطالب الأميركية تعيين مسؤول اتصال للعمل على تحديد مكان 14 مواطناً أميركياً مفقوداً في سوريا، واتخاذ خطوات جادة ضد “الجماعات المتطرفة” وإعلان عام برفضها.

وفي شرط جديد، تُطالب الإدارة الأميركية الحكومة السورية بمنع الفصائل الفلسطينية المسلحة من العمل في البلاد، بما في ذلك جمع الأموال هناك، وطرد أعضاء تلك الجماعات من البلاد، وهذه خطوة وصفتها الصحيفة بأنها “قد تفجر مواجهة محتملة” مع الجماعات الفلسطينية، التي استقرت في سوريا منذ عقود.

تخفيف محدود للعقوبات مقابل إصلاحات سياسية وأمنية

وقالت “وول ستريت جورنال” إنه في حال التزام الحكومة السورية المؤقتة بجميع الشروط، تَعِد الإدارة الأميركية بمراجعة العقوبات، وتمديد بعض الإعفاءات لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، خاصة تلك المتعلقة بإمدادات الكهرباء، والنفط، والغاز.

إلا أن مسؤولين أميركيين شددوا على أن أي رفع واسع للعقوبات غير مطروح في الوقت الراهن، رغم ضغوط من بعض القوى الإقليمية مثل تركيا وأطراف أوروبية تحذر من أن غياب الدعم الاقتصادي قد يعيد سوريا مجدداً لحالة عدم الاستقرار، أو يعزز ارتماءها في أحضان روسيا والصين.

وأكد المسؤولون الأميركيون أنه إذا اتخذت سوريا كل الخطوات الموضحة في السياسة، فإن الولايات المتحدة “ستلتزم علناً بسلامة أراضي سوريا، وستنظر في تجديد العلاقات الدبلوماسية، وإزالة التصنيفات الإرهابية عن أعضاء الحكومة الجديدة”.

كما ستنظر الولايات المتحدة أيضاً في تمديد الإعفاءات الحالية من العقوبات، التي أصدرتها إدارة بايدن في كانون الثاني الماضي، بهدف تسريع إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا.

تجاهل روسيا ووجودها في سوريا

وأشارت “وول ستريت جورنال” إلى أن اللافت في الخطة الأميركية الجديدة غياب أي إشارة لمطالب تتعلق بإخراج القوات الروسية من سوريا، في تحوّل واضح عن نهج إدارة بايدن السابق، الذي كان يربط أي تقدم دبلوماسي مع دمشق بملف الوجود العسكري الروسي.

وقال مسؤولان سابقان في إدارة بايدن إن أحد أهداف الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الإدارة السابقة مع دمشق هو إنهاء الوجود العسكري الروسي في سوريا، بما في ذلك قاعدتان بحريتان وجويتان بالقرب من البحر الأبيض المتوسط، وهما ضروريتان لجهود روسيا العالمية لإظهار القوة.

واعتبر محللون ومراقبون أن هذا التغيير في الإدارة الأميركية الجديدة يأتي “انعكاساً للمفاوضات الجارية بين واشنطن وموسكو حول أوكرانيا، ما يدفع الولايات المتحدة لتجميد ضغوطها بهذا الملف مؤقتاً”.

تحذيرات من تعقيد المشهد السوري

ولا يرقى العرض الأميركي الجديد لمستوى رفع العقوبات الذي دعا إليه بعض المسؤولين الأوروبيين والقوى الإقليمية مثل تركيا، في حين يعرب محللو الأمن عن القلق من أن سوريا قد تنزلق مرة أخرى إلى العنف، أو تنجرف مرة أخرى تحت تأثير روسيا وغيرها من المعارضين التقليديين للولايات المتحدة.

وقال محللون ومراقبون للصحيفة إن الخطة الأميركية الجديدة قد تدفع الحكومة السورية إلى خيارات أكثر تقارباً مع روسيا والصين.

ونقلت الصحيفة عن بنيامين فيف، كبير محللي الأبحاث في شركة “كرم شعار” الاستشارية، قوله إن “السياسة الأميركية بهذه الصيغة المعقدة لن تترك لسوريا سوى خيار الارتماء أكثر في حضن الروس أو حتى الصينيين”.

وتعليقاً على السياسة الأميركية الجديدة في سوريا، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية إنه “ينبغي على السلطات السورية المؤقتة نبذ الإرهاب وقمعه تماماً”، مشيرة إلى أن “أي خطوات مستقبلية ستعتمد على مدى التزام دمشق بالشروط الموضوعة”.

————————————

ما دلالات لقاء السوداني والشرع بالنسبة للعراق وسوريا؟/ حيدر أحمد

18 أبريل/ نيسان 2025

أظهرت صورة نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي جانباً من الاجتماع، الذي جمع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني برئيس المرحلة الانتقالية السوري أحمد الشرع، بحضور أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في العاصمة القطرية الدوحة.

وتُشير المعلومات إلى أن الزيارة كان يفترض أن تبقى غير معلنة في هذه المرحلة، في ظل وجود أطراف سياسية، وفصائل مسلحة داخل العراق، تعارض تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة، بسبب اتهامات سابقة للشرع بالتورط في استهداف عراقيين، عقب سقوط النظام العراقي عام 2003.

الزيارة وبحسب مصدر مطلع تحدث لبي بي سي، “جرت يوم الثلاثاء الماضي، وكانت زيارة سريعة لم يتم الإعلان عنها، وتمت خلال وجود الشرع في الدوحة”.

وقال مصدر سياسي مطّلع ومقرّب من الحكومة العراقية لبي بي سي إن السبب وراء إبقاء زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى الدوحة طي الكتمان، هو أن الحكومة لم تُصارح بعض حلفائها بهذه الخطوة، وأن الزيارة جاءت كمحاولة “لجسّ نبض” رئيس الحكومة السورية الانتقالية الجديدة، أحمد الشرع.

وأضاف المصدر أن بعض حلفاء رئيس الوزراء ما زالوا يعارضون فتح قنوات تواصل مباشرة مع الشرع، في ظل وجود شريحة واسعة من العراقيين، تعتبره شخصية مثيرة للجدل، وتحمّله مسؤولية المشاركة في أعمال قتل ضد العراقيين، بعد عام 2003. لذلك، حاول السوداني تهيئة الأجواء السياسية، قبل الإعلان عن أي تطور في العلاقة بين البلدين.

وأشار المصدر إلى أن تسريب صورة اللقاء، والتي انتشرت على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وضع الحكومة العراقية في موقف محرج، لا سيما وأنها حتى اللحظة لم تصدر أي بيان رسمي بشأن الزيارة، على عكس ما قامت به كل من قطر وسوريا، اللتين أعلنتا بشكل رسمي عن تفاصيل اللقاء.

ولكن ماهي دلالات الزيارة وتوقيتها الذي يسبق موعد انعقاد القمة العربية في العراق شهر مايو / أيار القادم.

قال حسين علاوي مستشار رئيس الوزراء العراقي لبي بي سي، إن هذا اللقاء جاء بعد مناشدات متعددة من دولة قطر لحدوث تطبيع في العلاقات بين سوريا والعراق، ورغبة جامحة من قبل سوريا نحو ذلك التطبيع، مبينا أن العراق استجاب لهذه الدعوات وهذا ما كان واضحا في الصورة التي نشرت.

وأضاف علاوي أن المسار السياسي للعراق يأتي في إطار دعوته للقمة العربية وتحركات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لإعطاء العلاقات العربية – العربية زخما كبيرا واستقرارا ينعكس إيجابا على العراق وعلى الأمن الإقليمي والاقتصاد والتنمية.

علاوي لفت إلى أن هناك حاجة سورية ملحة للتطبيع مع العراق من حيث الأمن والطاقة، وأن رئيس الحكومة العراقية عمل على إعادة العراق إلى لعب الدور الأكبر في المنطقة في تجاوز أي خلافات ومناكفات سياسية والابتعاد عن تقليب صفحات الماضي، والمضي قدما بتوجهات دبلوماسية جديدة ابتكرت سياق ترتيب العلاقة مع الجيران، خصوصا وأن القمة العربية التي ستعقد في العاصمة بغداد تحتاج إلى مبادرات، للاستقرار الإقليمي والتنمية والحوار الإقليمي.

اللقاء الذي جمع الشرع بالسوداني في الدوحة جاء، بعد يوم من إعلان الأخير، خلال استضافته في جلسة حوارية على هامش انعقاد ملتقى السليمانية، أن “الرئيس السوري مرحب به بحضور القمة العربية في بغداد، وأن الدعوة وجهت له رسميا بهذا الصدد”.

وكانت العلاقات بين العراق وسوريا قد شهدت توتراً سياسياً حاداً خلال حكم حزب البعث في كلا البلدين، رغم تشابه النظامين الأيديولوجي، بسبب الانقسام داخل الحزب بين جناحَي بغداد ودمشق. وتصاعدت الخلافات خلال ثمانينات القرن الماضي، خصوصاً في ظل دعم سوريا لإيران خلال حرب الخليج الأولى (1980–1988)، ما أدى إلى قطيعة دبلوماسية استمرت لسنوات.

وبعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، اتهمت حكومات عراقية متعاقبة دمشق بإيواء قيادات بعثية متورطة بتمويل ودعم التمرد المسلح داخل العراق، ما زاد من تعقيد العلاقة بين البلدين، ومع ذلك، شهدت العلاقات نوعاً من التحسن في فترات لاحقة، لا سيما في ظل مواجهة مشتركة لتنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية، وقيام عدد من الفصائل المسلحة العراقية بعد الثورة السورية عام 2011 بالقتال إلى جانب نظام الأسد في سوريا.

وفي ظل التطورات الإقليمية المتسارعة والحصار المفروض على سوريا، تبرز مساعٍ عربية لتعزيز الحوار وتضييق الهوة بين العراق وسوريا.

العلاقة بين العراق وسوريا، محطات مختلفة بين الوحدة والتوترات

وفي هذا الجانب يقول حسين علاوي إن قطر وسوريا تدركان أهمية أن يكون العراق متصالحا مع جيرانه وخاصة سوريا وهذا يعكس حجم التأثير العراقي وهذه القيادة في المنطقة في إيصال رسالة أن استقرار سوريا التام لا يتم إلا بمباركة عراقية له، وهو مؤشر على تنامي دور العراق كدولة فاعلة، إضافة لذلك هنالك خطوات عديدة قامت بها الحكومة السورية من أجل إعادة العلاقات العراقية -السورية، لما تراه من أهمية استراتيجية لها من جهة ومن جهة أخرى لكبر حجم المصالح المتبادلة بين الشعبيين من جهة أخرى.

وأكد مستشار رئيس الوزراء أن السوداني ملتزم بالمصالح الوطنية العليا للبلاد وفقا لاستراتيجية العراق أولا، وهو ينظر الآن إلى ضرورة متابعة جهود العراق في النظر إلى آمال الشعب السوري، والحفاظ على مستوى استراتيجي من الاتصال بالقيادة السورية، بما يحقق الغاية في ذلك من أن تكون هنالك عملية سياسية جامعة، لكل مكونات الشعب السوري.

مصالح مشتركة تجمع البلدين

قال علاوي إن العراق يمتلك مصالح استراتيجية مشتركة مع سوريا، لاشتراك البلدين بحدود طويلة، ووجودهما ضمن الحملة الدولية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، إضافة إلى اهتمامهما بالعتبات المقدسة وحمايتها والمنافذ التجارية وجالية البلدين، كما أن نهر الفرات يمر في أراضي سوريا والعراق. هذا علاوة على التجارة البينية والشراكة مع القطاع الخاص، والشركات العراقية، ومكافحة عبور المخدرات، والاتجار بالبشر، والتعاون، وتبادل المعلومات الأمنية إلى غير ذلك من القواسم المشتركة.

رئيس وزراء العراق: هناك مبالغة في تصوير نفوذ إيران داخل العراق، وإدارة سوريا الجديدة يجب ألا تكون أداة في يد أي جهة خارجية

ويتابع علاوي أن كل ذلك يعد من الدوافع المهمة للزيارة، واللقاء الثلاثي، بحضور أمير قطر في اللقاء، والعمل على تشجيع القيادة السورية على تمثيل كل المكونات الاجتماعية داخل سوريا، ورعاية المصالح المشتركة بين العراق وسوريا.

ويلفت علاوي إلى أن اللقاء أظهر شخصية رئيس الوزراء العراقي التصالحية، وأن العراق يمارس من خلال ذلك دور الأخ الأكبر والداعم للاستقرار الإقليمي، وهذا جزء أساسي من دور العراق الإقليمي في المنطقة.

ولم يخف مستشار رئيس الوزراء أن جهات قد تقف أمام هذا المسار، لكنه أوضح أن هذا النهج الاستراتيجي الذي ينهجه العراق مبني على رؤية دبلوماسية وطنية عراقية مدروسة، وتفكير وتتطلع نحو المستقبل.

وأثار اللقاء بين السوداني والشرع في الدوحة جدلًا بين العراقيين، حيث تباينت الآراء بين مؤيد ومنتقد، ويرى مراقبون تحدثوا لبي لبي سي أن هناك ضغوطا داخلية وإقليمية، كانت تعيق إعادة علاقات حقيقية مع الحكومة الجديدة في دمشق، الأمر الذي تجاوزته الحكومة العراقية لغاية الآن، وقد تشهد الأيام المقبلة انتقادات من شركاء الحكومة، موجهة إلى رئيس الوزراء العراقي.

بي بي سي

—————————————

بعد لقاء الدوحة.. العلاقة “المحرّمة” بين العراق وسوريا/ رامي الأمين

18 أبريل 2025

لا تزال العلاقة الرسمية بين العراق وسوريا موضع حذر منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي. ويبدو الملف السوري محاطا بالإرباك، خصوصا على الجانب العراقي، ويدل على هذا الإرباك التعاطي الإعلامي مع أي تواصل رسمي بين البلدين، وكأن الطرفين في علاقة “محرّمة”، يحاول الإعلام الرسمي العراقي دائما مداراتها وإخفائها عن العيون ووسائل الإعلام.

حدث ذلك حينما زار حميد الشطري، رئيس جهاز الاستخبارات العراقية، سوريا في نهاية العام الماضي والتقى الشرع، ولم يُعلن عن الخبر في وسائل الإعلام العراقية الرسمية، ولم يكشف عن اللقاء إلا بعد ان تناولته وسائل الإعلام السورية.

ومثل هذا الأمر حدث قبل أيام في لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني برعاية قطرية في الدوحة، واُخفي الخبر عن الإعلام ليومين قبل ان تظهر صور الرجلين في حضور أمير قطر.

ردّة الفعل في الشارع العراقي على اللقاء تفسّر إخفاء الخبر قبل الإفصاح عنه. فقد انقسم العراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي حول المسألة، وهاجم كثيرون السوداني على قبوله الجلوس مع من يعتبرونه “متورطاً في الدم العراقي”، و”مطلوبا للقضاء العراقي”.

الباحث القانوني العراقي علي التميمي يشرح الإطار القانوني الدولي المتعلق برؤساء الجمهوريات، في حال صحّت الأخبار عن أحكام قضائية ضد الشرع في العراق.

ويرى التميمي أن رؤساء الدول يتمتعون بـ”حصانة مطلقة تجاه القوانين الجنائية للدول الأخرى”. ويشرح لموقع “الحرة” أن هذه الحصانة “ليست شخصية للرؤساء، بل هي امتياز للدول التي يمثلونها”، وهي تمنع إلقاء القبض عليهم عند دخولهم أراضي الدول الأخرى”.

ويشير التميمي إلى أن هناك استثناء واحداً لهذه القواعد، يكون في حال “كان الرئيس مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية وكانت الدولة المضيفة موقعة على اتفاقية روما ١٩٩٨ الخاصة بهذه المحكمة”، هنا، يتابع التميمي، تكون الدولة “ملزمة بتسليم هذا الرئيس الى المحكمة وفقاً لنظام روما الأساسي”.

لكن هل حقا أحمد الشرع مطلوب للقضاء العراقي؟

ويشير الباحث العراقي عقيل عباس إلى “عدم وجود أي ملف قضائي ضد الشرع في المحاكم العراقية”.

ويستغرب كيف أن العراق الرسمي “لم يصدر بعد أي بيان رسمي يشرح ملابسات قضية الشرع وما يحكى عنه في وسائل التواصل الاجتماعي، والجهات الرسمية لديها السجلات والحقائق، لكنها تركت الأمر للفصائل المسلحة وجمهورها وللتهويل والتجييش وصناعة بعبع (وحش مخيف) طائفي جديد، وكأن العراق لم يعان ما عاناه من الطائفية والتحريض الطائفي”.

وكانت انتشرت وثيقة على وسائل التواصل الاجتماعي، تداولها عراقيون، عبارة عن مذكرة قبض بحق أحمد الشرع. وقد سارع مجلس القضاء الأعلى في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية في 26 من فبراير الماضي، إلى نفي صحة الوثيقة ووصفها بأنها “مزورة وغير صحيحة”.

عباس مقتنع أن الغضب الشعبي من لقاء السوداني والشرع “وراءه أسباب سياسية مبرمجة، وليس تلقائياً، وجرى تحشيد الجمهور الشيعي لأسباب كثيرة، تصب كلها في مصالح إيران، غير السعيدة بسقوط بشار الأسد وحلول الشرع مكانه”.

وبحسب عباس، منذ سقوط الأسد، “بدأت حملة في العراق لصناعة “بعبع” من الجولاني (أحمد الشرع)”. يشرح: “يريد هؤلاء أن يقولوا ان تنظيم القاعدة يحكم سوريا، وهذا غير صحيح”.

ويقول عباس لموقع “الحرة”، إن لدى الناس اسباباً موضوعية كثيرة للقلق من الشرع، خصوصاً خلفيته الجهادية المتطرفة ووضعه على لوائح الإرهاب، والشرع يقول إنه تجاوز هذا الأمر، “لكننا نحتاج ان ننتظر ونرى”، بحسب تعبيره.

ما قام به السوداني “خطوة ذكية وحكيمة سياسياً وتشير إلى اختلاف جدي بينه وبين بقية الفرقاء الشيعة في الإطار التنسيقي”، يقول عباس.

ويضيف: “هناك اعتبارات براغماتية واقعية تحكم سلوك السوداني، فهو كرئيس وزراء عليه أن يتعاطى مع سوريا كجار لا يجب استعداءه”.

ويضيء الباحث القانوني علي التميمي على صلاحيات رئيس الحكومة في الدستور العراقي، فهو “ممثل الشعب داخلياً وخارجياً في السياسة العامة وإدارة شؤون البلاد بالطول والعرض”، وفق تعبيره، ورئيس الوزراء في العراق هو “بمثابة رئيس الجمهورية في الدول التي تأخذ بالنظام الرئاسي”.

أما من الجانب السياسي، فإن السوداني، برأي عباس، “يخشى -وعن حق- ان تختطف حكومته المقبلة أو رئاسته للوزراء باسم حرب وهمية تديرها إيران والفصائل المسلحة وتشنّ في داخل سوريا تحت عنوان التحرير الذي نادى به المرشد الإيراني علي خامنئي قائلا إن شباب سوريا سيحررون بلدهم”. وهذا يعني، بحسب عباس، ابتعاد السوداني عن التأثير الإيراني، و”أنا أتصور أن إيران غير سعيدة بهذا”، كما يقول.

رامي الأمين

الحرة

———————————–

ماذا تريد بيروت وماذا تريد دمشق؟/ توفيق شومان

19 ابريل 2025

ذهب الوفد الوزاري اللبناني برئاسة نوّاف سلام، مثقلاً بالأوزان والأحمال إلى دمشق في 14 إبريل/ نيسان الجاري، واستناخت جعبته تحت أحجام الملفّات والتعقيدات التي تُبهِظ العلاقات بين لبنان وسورية منذ استقلالهما في الأربعينيّات.

طرق اللبنانيون في دمشق أبواب الحدود وأمنها وترسيمها، وأمالوا أنظارهم نحو البحر حيث حدود الماء غير مرسّمة كحدود البرّ، وسلّطوا الأبصار على وزر النازحين السوريين في لبنان، وتطلّعوا إلى المجلس السوري اللبناني الأعلى، المشكّل باتفاق بين بيروت ودمشق عام 1991، راغبين في إلغائه وإبطال معاهدة الأخوّة والتنسيق والتعاون، و40 اتفاقية بموجبه تبدأ من التنسيق الأمني ولا تنتهي بالتعاون السياحي، وهي اتفاقيات امتدّ توقيعها واحدة بعد أخرى من 1991 إلى 2010، أي إلى ما قبل شعرة زمنية من الانفجار السوري الداخلي.

في المجال الأمني، وكما بات متداولاً في أحاديث بيروت، طرح اللبنانيون موضوعات عتيقة عنوانها معرفة مصيرالمسجونين اللبنانيين في سجون النظام السابق، وكذلك الاطّلاع على ملفّات سورية مرتبطة بتفجيرات واغتيالات وقعت في لبنان منذ 2004، وما تلاها. وفي مقابل هذا وذاك، كانت الإجابة السورية على السؤال اللبناني: ماذا عن رموز النظام السابق وأقطابه في لبنان؟

أغلب الظنّ أن الإجابات القاطعة عن تلك الأسئلة الأمنية ستبقى حائرةً وتائهةً في فضاء المجهول، فلا بيروت على جاهزية للاستجابة للمطلب الدمشقيّ لألف سبب وسبب، منها عدم إقرارها بوجود أقطاب (وأركان) سورية خطيرة في لبنان، ولا دمشق لديها القابلية لتلبية المُبتغى البيروتيّ من دون مغانم وأثمان، هذا إذا كان لدى الإدارة السورية الجديدة محفوظات موروثة من عهد مضى وانقضى. وما يصحّ على وعورة ذاك المسلك الأمني يصحّ على غيره من المسالك، فإشكالية الحدود، على سبيل المثال، لا تتصدّر أوّلية الحُكم الجديد في سورية إلا من باب الأمن، فضبط الحدود وما يوازيه من رقابة مشدّدة، يختصر الإلحاح السوري، وتقابله لجاجة لبنانية في هذا الجانب، فيلتقي الساكنان عند هذا الحدّ، ثمّ يفترقان حين تُطرح مسألة الترسيم على مائدة البحث. وحيال ذلك، اللبنانيون يستعجلون والسوريون يستأخرون، وبصورة يقف الطرفان عندها، فلا يُدرك الأوائل الاستئخار السوري ولا يفطن الأواخر للاستعجال اللبناني، ما يرجّح أن تبقى هذه المسألة عالقة إلى أمد غير منظور، إلّا إذا تدخّل المحسنون، ومن يسير في دربهم ويتبعهم بإحسان.

في جدول الأعمال اللبناني ما يشير إلى الاستعانة بفرنسا وخرائطها الانتدابية بشأن الحدود اللبنانية ـ السورية، وفي زيارة الرئيس جوزاف عون باريس أخيراً (28/3/2025) قيل إنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعهّد أمام نظيره الزائر بتزويده بالخرائط الفرنسية التي تُعين لبنان وسورية على ترسيم حدودهما، بما فيها مزارع شبعا المحتلّة، إذ يؤكّد اللبنانيون تابعيتها لهم، فيما الالتباس والغموض التقليديان يحيطان بالموقف السوري. وعلى ما نُقل عن ماكرون فالمَزارعُ لبنانية الهُويَّة، وعند باريس الخبر اليقين في خرائط مرسومة منذ عام 1861، وحتى إعلان دولة لبنان الكبير في سبتمبر/ أيلول 1920.

وإلى إشكالية حدود البرّ، تأتي إشكالية حدود البحر، وتلك أيضاً من التعقيدات التي تأمل بيروت حلّاً لها وجلاءً سريعاً، بينما تستمهل دمشقُ الانخراط في منعرجاتها ومنعطفاتها إلى حين تظهير حدودها البحرية مع تركيا، وإلى أوان تفكيك الإشكالية البحرية ذاتها بين تركيا وقبرص. وقد كانت المعضلة الأخيرة مجال نقاش على بساط البحث بين السوريين والقبارصة، حين زار وزير الخارجية القبرصية كوستانتينوس كومبوس دمشق في فبراير/ شباط 2025.

إضافةً إلى ما تقدّم، يطرح اللبنانيون مصير المجلس السوري اللبناني الأعلى، ومنتجاته المتراوحة بين معاهدة الأخوة، والأربعين اتفاقية، كما سلف القول، ولم يعد مستوراً ولا مخفياً أن العهد الجديد في لبنان طلب من الحُكم الجديد في سورية إلغاء المجلس والمعاهدة، فاللبنانيون الجدد لا يحبّذونهما، والسوريون الجدد لا يعطون جواباً، وعلى الأرجح أن تبقى هذه القضية عالقةً حتى يتدخّل مصلحو ذات البين من أعيان العرب والتُرك، ولا أحد يدري إذا كان للأعيان منفعة في تدخّل كذاك، أو أن تجنح بيروت ودمشق نحو تعديل البنود الواردة فيهما أو تطويرها، أو أن كلّ واحدة منهما تمضي في سبيلها. وفي بيروت من يردّد أنّ الانسحاب من “المجلس” وملحقاته يقتضي تصويتاً في مجلس النواب، ويجب أن يكون هذا التصويت من العواجل، وإزاء هذه الدعوة ثمّة من يردّ على التسرّع بالقول إنّ القضايا المتنازَع عليها بين الجيران والأشقاء تفترض حلولُها الابتعادَ عن العجلة وإثارة البلبلة.

وإذا كانت القضايا سابقة الذكر، فيها ما يمكن تقديمه أو تأخيره وتأجيله، على رأي القابضين على صوغ السياسات في لبنان، فأعباء النزوح السوري باتت منهكةً للواقع اللبناني، وإذ تجتمع الأضداد اللبنانية على خطّ واحد حيال مشقّة النزوح ووطأته الثقيلة، فإثارة هذه الشجون والشؤون في دمشق لم تجد ما يرطّب قلوب اللبنانيين ويبرّدها، ما يفضي إلى استنتاج أنّ هذه القضية ستستمرّ سؤالاً مفتوحاً في كتاب العلاقات بين دمشق وبيروت، ومثلها الودائع المالية السورية في المصارف اللبنانية. وعلى ذلك، يطغى سؤال واحد ووحيد: من أين يمكن البدء في إيجاد حلول للتراكمات الفاصلة بين أقرب شعبَين عربيَين؟ وما العقدة الأولى القابلة للتفكيك قبل غيرها؟

في خاتمة القول، قد يكون مهمّاً (إلى درجة التفاؤل المفرط) استدعاء خلاصة بحثية قدّمتْها مؤسّسة ألكسندر جيب للدولة اللبنانية، وأصدرتها وزارة الاقتصاد الوطني كتاباً ضخماً بعنوان “التطوّر الاقتصادي في لبنان” عام 1948، وانتهت إلى أن خبراء المؤسّسة الاستشارية الإنكليزية، وفي معرض دراستهم للاقتصاد اللبناني اضطرّوا إلى دراسة الاقتصاد السوري، واستقرّوا على قناعة فحواها أنّه لا يمكن النهوض بالاقتصاد اللبناني إذا لم يترافق مع نهوض الاقتصاد السوري، ولا يمكن للأخير أن ينهض إذا لم يتواكب مع الاقتصاد اللبناني.. وفي ذلك فلينظر الناظرون.

العربي الجديد

——————————-

ميلاد سورية الجديدة يبدأ من التعليم/ غيث مكتبي

18 ابريل 2025

لطالما كان التعليم في قلب مشاريع إعادة الإعمار بعد الحروب والكوارث الجماعية. فهو لا يقتصر على نقل المعرفة، بل يتحوّل في مراحل ما بعد الأزمات إلى أداة وطنية شاملة لإعادة بناء الإنسان، وترميم المجتمع، واستعادة دور الدولة ومشروعها المدني. ويُعدّ التعليم، في هذه السياقات، رافعة استراتيجية لإعادة إنتاج الدولة على أسس أكثر عدالة واستقرارًا، وأداة لإصلاح ما نتج عن سنوات الفساد والنزاع من قيم مشتركة وتوازنات مجتمعية.

التعليم بعد الأزمات: دروس من العالم

أظهرت تجارب عالمية رائدة كيف أنّ إصلاح التعليم شكّل نقطة تحوّل نحو النهوض والتنمية. بعد الحرب العالمية الثانية، أعادت ألمانيا الغربية بناء نظامها التعليمي بتوجيه من قوات الاحتلال الغربية، حيث أُلغيت المناهج النازية، واستُبدلت بمحتوى يُعلي من قيم الديمقراطية والتفكير النقدي، ما ساهم في تأسيس مجتمع مدني قوي أعاد الثقة بين الدولة والمواطن. كذلك فعلت اليابان، حين ألغت التلقين العسكري وأعادت الاعتبار للعلوم والرياضيات، فمهّدت بذلك طريقها إلى نهضتها التكنولوجية والصناعية المذهلة.

كوريا الجنوبية، التي خرجت من الحرب (1950–1953) بنسبة أميّة مرتفعة، أطلقت مشاريع تعليمية وطنية لربط التعليم بالتصنيع، مع تشجيع البحث العلمي والابتكار، فأصبحت بحلول التسعينيات من أكثر دول العالم تقدّمًا في التعليم الجامعي والتكنولوجيا. أما رواندا، التي كانت شاهدة على واحدة من أسوأ الإبادات الجماعية في التاريخ المعاصر، فقد اختارت أن تجعل من التعليم أداة للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. أعادت صياغة المناهج بما يعزّز الهوية الجامعة، ويقوّي منطق التعايش، ويمنح الفئات المهمّشة موقعًا حقيقيًا داخل المجتمع.

هذه النماذج توضّح أنّ التعليم ما بعد الأزمات لا ينبغي أن يعيد إنتاج ما كان، بل أن يُعاد تصميمه من جديد ليعالج جذور الصراع، ويؤسّس لمجتمع أكثر تماسكًا وانفتاحًا، ويمنح المواطنين أدوات للتفكير المستقل، والمشاركة، والمساءلة.

سورية.. تحديات التعليم وأفق إعادة البناء

مرّت سورية خلال العقد الماضي بواحدة من أعقد الأزمات في التاريخ الحديث، أدّت إلى تدمير أجزاء واسعة من البنية التحتية، بما في ذلك المؤسّسات التعليمية. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة ويونيسف، جرى تدمير أو إلحاق الضرر بأكثر من 7 آلاف مدرسة، وتسرّب ما يزيد عن مليوني طفل من مقاعد الدراسة، وفقد النظام التربوي آلاف المعلمين المؤهلين بسبب النزوح أو الأوضاع الأمنية أو الاقتصادية. هذا الانهيار في قطاع التعليم لا يعني فقط خسارة جيل، بل تهديدًا مباشرًا لقدرة الدولة على النهوض مستقبلًا.

ومع ذلك، يبقى التعليم في سورية أحد المجالات القليلة التي يمكن أن تشكّل قاعدة جامعة ورافعة للعبور نحو المستقبل. فبينما تبقى السياسة ساحة للصراع والدبلوماسية، يظلّ التعليم مساحة لبناء التوافق وإعادة الاعتبار للمصلحة العامة. ومن هنا، يصبح إصلاح التعليم مشروعًا وطنيًا لا غنى عنه لإعادة بناء الدولة والمجتمع. ولتحقيق ذلك، لا بد من تفعيل جملة من السياسات العملية؛ إصلاح المناهج التعليمية لتكريس قيم الحوار، والمواطنة، والتفكير النقدي، مع إزالة أيّ محتوى يعزّز الانقسام أو العنف.

أما آليات تحقيق ذلك، فتكمن في تشكيل لجنة وطنية متعدّدة التخصّصات لمراجعة وتحديث المناهج وفق معايير تربوية معاصرة، ودمج التربية المدنية، وثقافة حقوق الإنسان، والتسامح، في كافة المستويات الدراسية، ومراجعة السرديات التاريخية والدينية لتكون شاملة وعادلة وموحّدة الرؤية الوطنية، وإدخال استراتيجيات تعليمية تعزّز التفكير النقدي والتحليل بدلًا من الحفظ والتلقين، وصبغ المنهج التعليمي بجوانب التراث الثقافي السوري المتعددة بآلية أكاديمية.

وأما في ما يخصّ تأهيل المعلمين نفسيًا ومهنيًا لأداء دورهم التربوي والوطني في بيئات ما بعد النزاع، فآلياته تكمن في إطلاق برامج دعم نفسي جماعية للمعلمين، خاصة في المناطق المتضررة، وتنفيذ تدريبات دورية في أساليب التعليم الحديث، وإدارة الصفوف في حالات الطوارئ، ووضع خطط لإعادة دمج المعلمين النازحين في المؤسّسات التربوية، وتوفير حوافز مادية ومعنوية للمعلمين لضمان الاستقرار الوظيفي والتحفيز المهني.

وأما في ما يخصّ دعم التعليم الفني والمهني لربط النظام التعليمي بسوق العمل واستعادة ثقة الشباب بمستقبلهم، فآلياته تتم من خلال إعادة هيكلة المعاهد التقنية وربطها بحاجات الاقتصاد المحلي والإقليمي، ودعم التعاون بين وزارة التربية ومؤسّسات القطاع الخاص لتوفير تدريب عملي، وإطلاق حملات توعية حول أهمية التعليم المهني مصدرًا للاستقلالية الاقتصادية، وتقديم قروض صغيرة أو حوافز للخريجين لتأسيس مشاريع صغيرة مدرّة للدخل.

وأما مسألة تعزيز البيئات التعليمية الآمنة وتكافؤ الفرص لضمان حقّ كلّ طفل سوري بالتعليم، سواء داخل البلاد أو في دول اللجوء، فتتم من خلال ترميم المدارس المتضرّرة وإعادة فتحها تدريجيًا بالتنسيق مع المجتمع المحلي، وتوفير وسائل نقل وأدوات مدرسية مجانية في المناطق الفقيرة والمهمّشة، ودعم التعليم غير النظامي والتعليم المسرّع للأطفال الذين انقطعوا طويلًا عن الدراسة، وتنسيق الجهود مع الدول المضيفة ومنظمات المجتمع المدني لضمان إدماج الأطفال اللاجئين في الأنظمة التعليمية المضيفة.

التعليم مشروعاً وطنياً لبناء الدولة السورية

في مرحلة ما بعد الحرب، لا بدّ أن يُعاد التفكير بالتعليم في سورية بوصفه مشروعًا وطنيًا يعكس هُويّة الدولة السورية المنشودة، مشروعًا لا يكتفي بإعادة الأطفال إلى المدارس، بل يصوغ تصوّرًا جديدًا للمواطنة، والعدالة، والعيش المشترك. فالتعليم هو الحقل الذي تُزرع فيه قيم المستقبل، ومنه تنبثق البنية الأخلاقية والمؤسّساتية للدولة الحديثة، بالإضافة إلى أنه الاستثمار الوطني الحقيقي الذي يضمن واقعًا مستقبليًا مختلفًا على كافة جوانب الحياة المؤسساتية والاجتماعية السورية.

توجيه الإرادة السياسية نحو هذا المسار يتطلّب رؤية استراتيجية واضحة، وتنسيقًا بين مختلف الفاعلين، الدولة والمجتمع المدني والشركاء الدوليين. كما يستلزم استثمارًا طويل الأمد في رأس المال البشري باعتباره المورد الأهم في أيّ عملية إعادة بناء. ويتحقّق هذا الأمر بفريق عمل بتنسيق مباشر مع الوزارات.

من خلال التعليم تُصاغ القيم المشتركة، وتُبنى مؤسسات أكثر كفاءة وعدالة، ويُرسّخ الانتماء، وتُستعاد الثقة بالدولة والمستقبل. التعليم هو الأرض الصلبة التي تُبنى عليها سورية القادمة؛ دولة تعدّدية، آمنة، ومنفتحة على العالم، تنتمي إلى العصر، وتؤمن بأبنائها.

العربي الجديد

——————————

كأنّ “الجلاء” عيد وطني للسويداء وحدها /عمر قدور

السبت 2025/04/19

قبل سنة نشرت صحيفة كبرى خبر تهنئة أرسلتها قيادة خليجية لبشار الأسد لمناسبة عيد الجلاء. الطريف في الأمر ما جاء في نص البرقية من تمنيات لـ”حكومة الجمهورية العربية السورية وشعبها المزيد من التقدم والازدهار”. وكما هو معلوم، لا تزال آثار “التقدم والازدهار” صارخة في كل أنحاء سوريا، والذي تغيّر بعد مرور سنة هو أن المتسبب الأكبر بكل هذا الخراب قد سقط بعدما أوحت تلك البرقية وأمثالها بأنه باقٍ برضا إقليمي ودولي.

من المعلوم طبعاً أن ديباجة البرقية السالفة الذكر هي على الأرجح نفسها التي تُرسل إلى كافة البلدان، فلا تراعي خصوصية كلّ منها. ومن المعلوم أيضاً أن الحكومات لا تتوقف عند أشخاص، لذا فإن أصحاب البرقية استقبلوا التغيير في سوريا بترحاب من المرجَّح ألا يكون معظمه على سبيل المجاملة فقط. أما الصحيفة الكبرى، التي نشرت البرقية على نحو بارز، فلم تنشر برقية مماثلة للرئاسة السورية في هذا العام، مع أن الأجواء مواتية أكثر من قبل.

وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” خلت أيضاً من أي خبر عن برقية من هذا القبيل، بل خلت تماماً من أية تغطية للبرقيات التي تتلقاها الرئاسة لمناسبة عيد الاستقلال! فإما أن تكون الرئاسة لم تتلقَّ برقيات التهنئة الروتينية، وهذا مستغرَب، أو أنها تلقّتها ولم ترسلها إلى الإعلام الرسمي، وهذا مستغرب أيضاً، لأن الإعلام نفسه واكب في يوم الجلاء استقبال وزير الخارجية الأردني، والبيان الذي صدر بعد زيارته، ثم نشر بعده البيان الصادر عن الرئاسة حول اجتماع الدوحة مع رئيس الوزراء العراقي.

على صعيد متصل، نشرت سانا خبر زيارة وزير الثقافة السيدة زينب في ريف دمشق، بغرض زيارة ضريح السيد محسن الأمين لمناسبة عيد الجلاء. والسيد الأمين هو من رجالات عهد النضال ضد الفرنسيين، وترجع أصوله إلى جبل عامل، وقد دُفن في المقام في أوائل الخمسينات. إلا أن سانا أغفلت مشاركة محافظ السويداء مصطفى بكور في احتفال أقامه الأهالي هناك أمام صرح شهداء الثورة السورية الكبرى، حيث كرّس المحافظ معظم حديثه للثناء على وطنية أهل السويداء، وللتأكيد على وحدة سوريا، في ردّ شبه صريح على ما يُشاع عن مشاريع تقسيمية لا تكون فيها السويداء تابعة لدمشق. في كل الأحوال، بدا ما فعله الوزير والمحافظ تصرفاً فردياً غير نابع من حفاوة رسمية بالمناسبة.

احتفال السويداء لم يخرج عن التقليد المعهود، فالسويداء واظبت على ذلك كل عام، وأهلها يرون أنفسهم ممثّلين للوطنية السورية التي تُوِّجت بزعامة سلطان باشا الأطرش للثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين. وقد تعزز هذا الإحساس مع إهمال حكم البعث ذكرى الاستقلال، ليزداد الإهمال ويتعزز مع حكم الأسد. وقد كانت فاقعةً الاحتفالاتُ بذكرى انقلاب البعث في الثامن من آذار، أو ذكرى انقلاب الأسد في 16 تشرين الثاني، والتعاطي ببرود وقلة اكتراث بما يُفترض أنه اليوم الوطني لسوريا.

التعاطي الرسمي جعل العيد يبدو كأنه عيد خاص بالسويداء وحدها! يُضاف إليها نشطاء كانوا يذهبون من مختلف أنحاء سوريا للاحتفال في الجولان، حيث درجت العادة على خروج الأهالي من الطرف المقابل تحت الاحتلال الإسرائيلي، ليحتفل الطرفان معاً ويتبادلا الكلمات والأغاني عبر مكبرات الصوت. وفي العديد من المرات عمدت أجهزة المخابرات إلى إعاقة الذاهبين إلى الاحتفال من الطرف السوري، أو إلى التضييق عليهم، حتى اكتسب الاحتفال بالعيد الوطني سمعة معارِضة.

منذ تسعينات القرن الماضي تعرّضت فكرة مناهضة الاستعمار للكثير من النقد، وقد تسرّب منه بعض الخلاصات الشعبوية بعد الثورة السورية، كتلك المقارنات المبسَّطة جداً بين الاستعمار والاستبداد. هذا لا أهمية له في السياق الذي نحن فيه عن أعياد الاستقلال، فهي تكتسب قيمتها كإرث وطني بصرف النظر عن التمحيص في فحوى الاستعمار نفسه، والاحتفال بالعيد الوطني له مكانته المعنوية في معظم البلدان.

في سوريا، هذا أول عيد وطني بعد سقوط الأسد، والبعض يصف سقوطه بالاستقلال الثاني، بينما لا يزال ماثلاً ذلك الجدل حول العلم الذي اعتُمد علماً للثورة لأنه في الأصل علم الاستقلال، وقد عاد بعد سقوط الأسد ليكون العلم الرسمي لسوريا. هذه المعاني المتعلّقة بالاستقلال كان يُفترض بها أن تتسرب إلى ذكرى عيد الجلاء في 17 نيسان، وكان من المتوقع أن تشهد الذكرى في هذا العام تحديداً احتفالاً يليق باستعادة العلم ورمزيته.

على الضد من التوقعات، يمكن القول أن هذا العام سجّلت فيه ذكرى الاستقلال أدنى حضور لها، حتى في السوشيال ميديا. وقد صار من المعتاد بعد الثورة أن تُستعاد الذكرى سنوياً، ولو على سبيل المقارنة التي أشرنا إليها بين الاستعمار والاستبداد، أو كي يذكّر البعض بالماضي المشين لعائلة الأسد لأن جد بشار الأسد وقع على وثيقة تطالب فرنسا بالبقاء في سوريا. صحيح أن بعضاً من تلك الاستعادة كان يحدث على سبيل تزجية الوقت، إلا أن هذا وحده لا يفسّر غياب الذكرى شبه التام، والانشغال المفرط بفصل ممثلة من نقابة الفنانين في سوريا، وبحضور وزير وليمة في مضافة موالٍ سابق لعائلة الأسد.

الحق أننا لا نرى تفسيراً للتجاهل المعمم سوى تجاهل الرئاسة للحدث. إذ اقتصر ما صدر عن القصر على قرار روتيني يؤكد العطلة الرسمية المعمول بها أصلاً في يوم الجلاء، فلم يصدر بيان خاص بذكرى الاستقلال، ولم يظهر السيد الشرع ولو لدقائق ليتحدث عن الذكرى، ويهنّئ السوريين بها. ويُذكر في السياق أن البعض من الأكراد أظهر عتباً عليه لأنه لم يتوجّه إليهم بالتهنئة بعيد النوروز، في إشارة منه إلى فتح صفحة جديدة في التعاطي مع الموضوع الكردي، إلا أن عتبهم لم يلحظ أنه لم يظهر قبل ذلك في ذكرى الثورة واحتفالاتها.

خلال هذه المناسبات الوطنية، ظهر السيد الشرع مرة واحدة للتحدث والتهنئة بعيد الفطر، ولا ندري ما إذا كان سيهنّئ الطوائف المسيحية بأعياد الفصح، فالتهنئة كما هو معلوم مثار خلاف فقهي بين مَن يحرّمها ومَن يحلّلها، وكانت أعياد الميلاد قد مرّت من دون هذا التساؤل لأنه لم يكن قد تسلّم منصب الرئاسة رسمياً. لكن، سواء حدثت التهنئة بأعياد الفصح أو لا، تبقى للأعياد الوطنية رمزية مستقلة عن أيديولوجيا الرئيس وعن شخصه. العيد الوطني هو واحد من التقاليد الأساسية إلى جانب الرموز الوطنية مثل العلَم والنشيد، وهو العيد الوحيد الجامع إذا استُعيدت روحيته ومساهمة السوريين فيه؛ بلا تحيّز أو تبخيس.

المدن

———————-

صيد طائر البوم في سوريا: خرافة “الفأل السيّئ” والتفاخر يهدّدان المحاصيل الزراعية/ مودة بحاح وأحمد حاج حمدو

19.04.2025

يكشف هذا التحقيق عن خسائر فادحة مُني بها فلّاحون في معظم المناطق السورية، حتى بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، بسبب استفحال الآفات والقوارض الزراعية، بسبب غياب صيّادها الماهر المتمثّل بطائر البوم، ما جعل المزارعين يخسرون جزءاً كبيراً من محاصيلهم، بل وأقلع بعضهم عن زراعة محاصيل استراتيجية مثل الحنطة والحمّص، كونها أصبحت ضحيّة للقوارض بشكل كامل.

يتفقّد إبراهيم زينو الأشجار في حقله في مدينة القدموس السورية في محافظة طرطوس الساحلية، باحثاً عن الثمار التالفة التي قضمتها الجرذان والفئران، إذ باتت هذه الحيوانات شريكة له في الرزق، بعدما زادت أعدادها بشكل كبير، منذ خمس سنوات.

هذه الزيادة فاقمت بدورها تضرّر المحاصيل الزراعية في أراضي كثير من الفلّاحين، في معظم أنحاء سوريا، ويعود ذلك لأسباب عدّة، لكن يأتي على رأسها تراجع أعداد طائر البوم الذي يلعب دوراً أساسياً في صيد القوارض الزراعية، كالفئران والجرذان، وحتى الأفاعي التي تُهاجم قطعان الماشية والدجاج في الحقول والمزارع.

نتيجة ذلك، تضرّر القطاع الزراعي الذي يعاني أصلاً بفعل النزاع المتواصل منذ سنوات في سوريا، مفاقماً بالتالي تفشّي الجوع في البلد الذي بات يحتلّ المرتبة السادسة عالمياً في انعدام الأمن الغذائي الحادّ، بحسب تقرير برنامج الأغذية العالمي العام 2024، مع وجود نحو 12 مليون سوري (نصف عدد السكّان) يعانون انعدام الأمن الغذائي.

وبعد سقوط نظام الأسد، وتصريحات الحكومة الجديدة عن تحسين واقع الزراعة ودعم الفلّاحين، تظهر إبادة طائر البوم كواحدة من العوائق التي تقف أمام تطوّر الزراعة السورية، التي عانت لسنوات من الحرب.

يُعرف طائر البوم في الثقافة العربية بأنه “فأل سيّئ ومصدر شؤم”، لكنه تحوّل إلى طائر زينة محبّب، تُدفع مقابله أموال ضخمة، إذ يبلغ سعر البومة غير المدرّبة أو الفرخ الصغير منها 200 ألف ليرة سورية، ويزداد السعر كلما زادت تدريبها ليبلغ نحو مليوني ليرة أو أكثر. هذه الأسعار شجّعت على صيده، لا سيّما في ظلّ ازدياد البطالة في البلاد نتيجة تآكل فرص العمل، وانعدام القوّة الشرائية.

ويتغذّى البوم بشكلٍ رئيسي على القوارض الزراعية، كالفئران والجرذان وغيرها، فهو صيّاد محترف لديه حواسّ تجعله قادراً على الفتك بهذه الآفات الزراعية، ما يجعله مهماً في التوازن البيولوجي وصديقاً للفلّاح.

صديق الفلّاح المهدّد

تستوطن في سوريا عدّة أنواع من طائر البوم، وفيما تختلف في ما بينها في الشكل إلى حدّ كبير، فإنها تشترك جميعها بكونها صديقة للفلّاح ومكافحة صامتة للقوارض.

وبحسب عامر كيخيا رئيس لجنة مربي طيور الزينة في غرفة زراعة اللاذقية، فإن “أكثر الأنواع المنتشرة في سوريا هي البومة البيضاء قلبية الوجه، وتُعرف أيضاً باسم بومة الحظائر، وتعيش قرب التجمّعات السكنية والأراضي الزراعية حيث تنتشر القوارض”.

“البوم من الطيور التي لها دور مهمّ في الطبيعة”، كما يؤكّد الدكتور وائل صالح متيني المتخصّص في المكافحة الحيوية والحشرات، فهي “تخلّصنا من القوارض التي تضرّ بالمزروعات مثل فئران الحقل والجرذان، وكذلك الأرانب”، موضحاً أنه “يتغذّى البوم في البادية على الأرانب البرّية والسحالي والضبّ والقنفذ والطيور والقوارض الصحراوية، وغياب هذا الطائر يعني بالضرورة ازدياد أعداد فرائسه”.

ويشرح متيني عن بقيّة أنواع البوم بأن “هناك البومة البيضاء قلبية الوجه، وهي الأكثر شعبية بسبب جمال شكلها، ولهذا تتعرّض للصيد الشديد وحتى سرقة الأعشاش، ولا تتوقّف تجارتها عند السوق المحلّية، بل يتمّ تهريبها إلى لبنان أيضاً”.

خسائر فادحة للمزارعين

باتت الأشجار في حقل ابراهيم زينو في القدموس ملأى بالثمار التالفة التي أبادتها القوارض، ويسير زينو كل يوم في حقله ويقتطع ثمار الرمان غير الصالحة، فيما يراقب مثيلاتها المتساقطة على الأرض من أشجار الجوز واللوز.

ومع التراجع الحادّ في حضور العدو الطبيعي لتلك القوارض، والمتمثّل بطائر البوم، يُضطرّ زينو وغيره من فلّاحي المنطقة إلى استخدام المواد الكيميائية لمكافحة القوارض، لكنها تبدو غير ذات نتيجة، لأن أعداد القوارض في ازدياد، ما يدلّ على أن تلك الموادّ مغشوشة، بحسب اعتقاد الفلّاحين الذي قابلناهم.

لم يكن زينو الوحيد الذي كانت أرضه الزراعية ضحيّة للقوارض. فخلال ثلاثة أشهر (بين آب/ أغسطس وتشرين الثاني/ نوفمبر 2024) أكّد لنا عشرة فلّاحين في مناطق سورية مختلفة، مثل ريفيْ حماة وطرطوس وفي السويداء والقنيطرة وريف دمشق، تعرّض أراضيهم للمشكلة نفسها، وجميعهم أرجعوا ازدياد القوارض الزراعية خلال السنوات الأخيرة إلى صيد طائر البوم، الذي يمتلك نظرات ثاقبة، ويُعتبر صيّاداً ماهراً للقوارض الزراعية.

ويقول وائل جمول، وهو مزارع أيضاً في القدموس: “المنطقة تعتمد على الحنطة في الزراعة، لكن في هذا العامّ اشترينا الحنطة من السوق، بعد خسارة غالبية الموسم، فبمجرّد أن تظهر السبلة (السنبلة) يأكلها الجربوع (الجرذ)”، مضيفاً: “نحن نضع مبيدات ولكن دون فائدة، والوضع يمضي من سيّئ إلى أسوأ، والسنة المقبلة ستكون أسوأ بالتأكيد”.

الصيّاد المحترف فريسة للصيد

يُوصف طائر البوم، بحسب الخبراء، بكونه صياداً ماهراً لا يشق له غبار، إذ من النادر أن تُفلت منه فريسة يستهدفها، يرجع ذلك إلى قدرته على الرؤية في الليل، كما أن عينيه الكبيرتين تركّزان على الفريسة، وكي يتأقلم مع هذا الوضع، فإنه يدور برأسه كي يرى حوله. ويوضّح منير أبي سعيد، وهو بروفسور في التنوّع البيولوجي في الجامعة اللبنانية، ورئيس “مركز التعرّف على الحياة البرّية” في منطقة عالية، أن “من صفات البوم الاستثنائية، طيرانه في الليل من دون إصدار أي صوت. إذ يمتلك جناحين يمتصّان الصوت، ما يمنع الفريسة من سماع حركته قبل الانقضاض عليها”.

ويمكن للبوم إمساك فأر من دون أن يراه، كما يشرح الخبير اللبناني “إذ يمتلك هذا الطائر أذناً عالية وأخرى منخفضة، وبمجرد سماعه الصوت، يُقدّر الوقت الذي يحتاجه الصوت ليصل من الأذن الأولى إلى الثانية”.

وعن كميّات الطعام التي يستهلكها البوم، يوضح البروفيسور أبي سعيد، أن “البوم عندما يأكل الفئران يرمي الفرو والعظام على شكل لقية، وهي عبارة عن كرة يُخرجها من فمه، وتحتوي على بقايا الفرائس التي أكلها، من وبر وعظام. وهي مختلفة عن البراز، وبخاصّة لقيات البومة البيضاء. وهو يرمي يومياً ما بين 2 و3 لقية. وفي تجربة نفّذها مركز التعرف على الحياة البرّية لتحديد مكوّنات اللقية، تبيّن أن الواحدة تضمّ ما معدّله ثلاثة فئران. وبالتالي، يأكل البوم 9-10 فئران يومياً”.

وأشارت نتائج دراسة سورية إلى أن لقيات البوم كشفت أن القوارض الصغيرة تشكّل الغذاء الرئيسي لهذه المفترسات، إضافة إلى تغذيتها على بعض آكلات الحشرات الصغيرة مثل ذبابات (Shrews) وعلى الخفاشيات بحالات استثنائية، كما الطيور والزواحف الصغيرة.

وبيّنت نتائج الدراسة، التي أُجريت على 283 لقية كاملة من لقيات البوم، أن عدد الفرائس التي تفترسه البومة البيضاء من الثدييات الصغيرة يتراوح بين 1 و7 في اللقية الواحدة. وأوضح معدّو الدراسة أن اللقيات التي احتوت أكثر من 5 جماجم، ضمّت جماجم فرائس صغيرة، مثل الفأر المنزلي والخفاشيات والذبابات. أما اللقيات التي احتوت ما يتراوح بين 1 و4 جماجم، فأظهرت أن البوم تغذّى على أفراد أنواع متوسّطة الحجم، مثل فأر الحقل الاجتماعي، أو أفراد صغيرة الحجم من الذبابات أو الفأر المنزلي.

وفي الحالات التي احتوت فيها اللقيات على جمجمتين، فإن البوم كان يتغذّى على الهامستر السوري الذهبي وفأر الحقل الاجتماعي. في حين دلّت اللقيات التي احتوت على جمجمة واحدة على أنها تغذّت على فرد كبير مثل جرذ الرمل.

ويلفت الباحث البيئي ورئيس جمعية “الجنوبيون الخضر” في لبنان هشام يونس، إلى أن “دراسات عدّة تناولت النظام الغذائي لبوم المخازن، من بينها دراسة أعدّتها جمعية الثدييات (Mammals Society) البريطانية، أظهرت أن طائر البوم البالغ، يتناول بين 3 و4 فئران يومياً (45% فأر الحقل، و15% فأر الخشب، و20% قارض الزبابة Sorex) أو ما يعادل ألفي فأر وقارض في العامّ للطائر الواحد. وهو ما يجعل بوم الحظائر يتصدّر، إلى جانب الكواسر والأفاعي والثعلب الأحمر والنمس من الحيوانات والطيور البرّية، قائمة مفترسات الفئران والقوارض. وهي بذلك تُعدّ مكافحاً بيولوجياً حيوياً”.

الصيد وأخطار أخرى

لطالما ارتبط البوم في المجتمعات الشرقية بالتشاؤم والرعب، فهو مبعث شؤم ونذير بالحظ السيّئ على المنازل. وهو ما يفسّره الدكتور متيني بكونه ناتجاً عن أقاويل قديمة مستمدّة من سلوك البوم، لأنه يعيش في المناطق المهجورة والمهملة، حيث يبني أعشاشه فيها ويُصدر أصواتاً حزينة بنغمة رعب، كما أن أعشاشه ملأى بعظام الفئران. وهو يطير ليلاً بطريقة غريبة من دون إحداث أي صوت، ما جعل الناس يشعرون أنه آت من عالم الأشباح وأنه يجلب الخراب، لكنّ الحقيقة غير ذلك.

وأوضح أن البوم “طائر خجول نادر الظهور وهادئ وغير مؤذ”، مردفاً: “يكفي أن نراقب طائراً واحداً في الطبيعة أو في الأسر، لنعرف كم هو هادئ وخجول”.

تلك السمعة السيّئة غير الصحيحة تسبّبت في الماضي بقتل البوم بشكل تعسفي، هرباً من الفأل السيّئ، أما اليوم، فربما تغيّرت السمعة، لكن الواقع السيّئ بقي نفسه.

ويلفت البروفيسور أبي سعيد إلى ازدياد صيد الطائر حياً، لأن الناس أحبّوا تربيته، خاصّة بعدما بدأ يظهر في الدراما.

وأماكن بيع البوم قد تكون الأماكن ذاتها المخصّصة لبيع الطيور الأخرى والحيوانات البرّية، بحسب الخبير البيئي سمير الصفدي، في كلّ المدن الكبرى في سورية مثل حلب ودمشق وحمص واللاذقية. وأحياناً لدى بعض مربّي طيور الزينة الذين يحاولون بيع البوم لأن شكله غريب ومختلف عن بقّية الطيور، وبعض الناس فضوليون يحبّون شراء هذا الصنف كونه مختلفاً، فيما قد يستخدمه البعض، أسوة بالزواحف والهدهد، في طقوس “السحر”.

في الوقت نفسه، نشطت أسواق ألكترونية عدّة تروّج لبيع البوم في سوريا، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي أشبه بـ”بازار كبير” لبيع الطائر.

ومن أساليب الصيد المتّبعة، كما يوضح كيخيا، استخدام الشباك الهوائية. فلأنه طائر ليلي، يكون نظر البوم في النهار ضعيفاً، و”من يعثر عليه ينصب له شباكاً ثم يقوم بإخافته لمغادرة العشّ، وبمجرّد الطيران يعلق في الشباك”.

كذلك، هناك سرقة الأعشاش، إذ يقوم الصيّادون، بحسب كيخيا، بسرقة فراخ البوم وتربيتها لبعض الوقت، ثم عرضها على أنها مروّضة وأليفة.

ويتّسم الصيد الحاصل حالياً بأنه عشوائي لا يخضع لقواعد الصيد ويقوم به هواة، على ما يشرح الصفدي. علماً أن “البوم لا يُؤكل لحمه شرعاً كونه يأكل قوارض ولحوماً، وكمّية اللحم قليلة في جسمه لأن وزنه خفيف كي يساعده على الطيران والصيد”.

وحتى البوم المستخدم للزينة يكون مصيره الموت بعد فترة غير طويلة، كما يلفت البروفيسور أبي سعيد، لأنه غير معتاد على العيش في القفص، معرباً في الوقت ذاته عن استغرابه من الهواة الراغبين في تربية هذا الطائر كونه لا يحقّق الغاية المعروفة من اقتناء طيور الزينة، قائلًا: “البوم لا يتحرّك ولا يُصدر صوتاً جميلاً، ويعيش بين 7 و12 سنة حسب النوع”.

وإضافة إلى الصيد العشوائي الذي ساهم في تناقص أعداده، يواجه البوم في سوريا، مشكلة غياب الموائل وأماكن التعشيش، كما يُوضح الناشط البيئي علي إبراهيم، مبيّناً أن “معظم الأماكن التي يمكن للطائر التعشيش فيها قد وصلها البشر، بما في ذلك المغاور والأشجار”،كما أثّر على تعداد البوم في سوريا “استخدام المبيدات والمواد الكيميائية لمكافحة الحشرات والقوارض، إذ تنقل الموت للطائر عندما يأكلها”، وفق إبراهيم.

جهود إنقاذ فردية

مع استمرار الاستهداف الجائر لطائر البوم، يحاول ناشطون إنقاذ ما بقي بجهود فردية غالباً، سواء بمكافحة صيده، أو من خلال تصويب الأخطاء الشائعة عن كونه نذير شؤم، أو من حيث إعادة إطلاقه في الطبيعة.

وخلال زيارتنا منطقة القدموس استعنا بالناشط البيئي عرفان حيدر الذي اكتسب شهرة بين هواة البيئة بأنه أحد منقذي البوم في سورية، إذ حتى اليوم، أنقذ ثلاثة طيور من نوع بومة المخازن، وبومتين من نوع طويلة الأذن أو النسرية القزمية، كما أنقذ بومة نسرية ضخمة، وبومة أم قويق وثلاثة من البوم الهري، بالإضافة إلى بومتين من نوع السبج الأوروبي، كذلك، أشرف على أشخاص يربّون البوم لحين إطلاقه، ويفتخر بأنه تمكّن من إقناع عدّة أشخاص بإطلاق طيور البوم في البرّية بدلاً من تربيتها أسيرة.

ويحصل عرفان على طيور البوم، كما يذكر، من متطوعين يشترونها من الأسواق بهدف إطلاقها، فيعتني بها ويعالجها في حال كانت مصابة، وفي إحدى المرّات وصله طائر بوم من نوع أم قويق، كان بوضع مزر للغاية؛ إذ أمضى 10 أيام من دون أكل، فأطعمه بالإبرة لعدّة أيام حتى استعاد طاقته، ثم أطلقه في البرّية.

أيضاً “أحيانا يأتيني فرخ لا يعرف أصحابه التعامل معه بعد شرائه للزينة”، كما يقول، ويضيف “يصلني أحياناً بوم عالق على الدبق (لاصق لصيد الطيور) فقد جناحيه، وعندها انتظر عدّة أشهر كي يستعيدهما ثم أُطلقه”.

ومن تجاربه أيضاً، إنقاذه طائرا من نوع بوم الهري كان مصاباً في وجهه، إذ بقي عنده نحو شهر، كان يُطعمه خلاله من البرّية، فيصطاد له الطرائد. تالياً علمه الصيد، بوضع منصّة له لهذه الغاية، ثم أطلقه في الطبيعة.

ويروي الناشط البيئي حسن حسن أنه في العام 2018 خلال وجوده في القنيطرة في منطقة تل الشحم، كانت تُسمع أصوات مفزعة ليلاً، أثارت الذعر لدى بعض السكّان، وخلال بحثه عن مصدر الصوت وجد عشاً يضمّ ثمانية طيور بوم في خزان ماء قديم، وبدأ يعتني بها فترة من الزمن ويطعمها من مخلّفات المداجن ومحلّات الدجاج، وعندما اشتد عودها أطلقها في الطبيعة.

درج

——————————-

تجربة انتخابية سورية افتراضية: أيمن الأصفري رئيساً/ وائل السواح

سوريا

19.04.2025

رغبتُ في تبيان أن الشرع ليس المرشّح المفضّل لدى جميع السوريين في عموم مناطقهم واتّجاهاتهم السياسية، وفقط من أجل تمرين عقلي، طلبتُ من أصدقائي على حسابي على “فيسبوك” المشاركة في محاكاة انتخابية، لاستقصاء الاتّجاه الذي يسير فيه أصدقائي، مفترضاً طبعاً أن معظمهم يدور في دائرة فكرية متقاربة، وإن تكُ غير متطابقة.

يبدو لمن يُلقي نظرة سريعة على الساحة السياسية في سوريا أن السيّد أحمد الشرع، رئيس الأمر الواقع في سوريا، يمكن أن يفوز في انتخابات تجري في البلاد، إذا تمّت في الظروف الراهنة والمدى المنظور. ولست أجادل في صحّة هذه الرؤية، وإن كنت أختلف مع بعض المحلّلين في النسبة التي يمكن أن يحقّقها السيّد الشرع، لو جرت الانتخابات بشكل حرّ عادل ونزيه وبإشراف دولي، إذا أُعطي السوريون داخل البلاد وخارجها الفرصة للإدلاء برأيهم في الانتخابات.

يبدو مجرّد الحديث في هذا الأمر ترفاً فكرياً ومضيعة للوقت، فنحن نعرف أن لا انتخابات قريبة ستجري في سوريا، فالرئيس الشرع منح نفسه؛ في حدود معلوماتي، أطول فترة انتقالية منحها أي رئيس سابق لنفسه، وهو سيبقى رئيس سوريا لخمس سنوات على الأقلّ، والمنطق أنه سيستخدم هذه السنوات لترسيخ حكمه وكتابة دستور سيخيطه خيّاطو الدساتير على قياسه، ليبقى في الحكم إلى ما شاء الله.

ومع ذلك، رغبتُ في تبيان أن الشرع ليس المرشّح المفضّل لدى جميع السوريين في عموم مناطقهم واتّجاهاتهم السياسية، وفقط من أجل تمرين عقلي، طلبتُ من أصدقائي على حسابي على “فيسبوك” المشاركة في محاكاة انتخابية، لاستقصاء الاتّجاه الذي يسير فيه  أصدقائي، مفترضاً طبعاً أن معظمهم يدور في دائرة فكرية متقاربة، وإن تكُ غير متطابقة.

العيّنة

لبّى نحو مائتي صديق طلبي وشاركوا في التمرين العقلي الذي قمت به، وبينما يستحيل عليّ تقسيم العيّنة بأكملها ديموغرافياً، ببساطة لأنني لا أعرف الانتماء القومي أو الديني- الطائفي لعدد كبير منهم، فقد اعتمدت على من أعرفهم شخصياً، وبلغ عددهم نحو مائة وأربعين مصوّتاً، وقد انقسموا وفق النسب التالية:

70%    السنة

12%    المسيحيون

10%    العلويون

7%     الكرد

2%     الدروز

وكما هو واضح لا تعكس هذه النسب التركيبة الديمغرافية لسوريا بدقّة (بخاصّة في ما يتعلّق بنسبة المسيحيين فهي أكبر من نسبتهم في الواقع، بينما تقلّ نسبة الكرد المشاركين عن نسبتهم في الواقع) ومع ذلك يمكن استخدامها كمؤشّر على شمول العيّنة معظم المكونات العرقية والدينية.

المرشّحون

واقترحتُ على الأصدقاء قائمة من المرشّحين تشمل سبعة أسماء بارزة على الساحة السياسية، وقد حاولت أن تضمّ القائمة أشخاصاً جدّيين لهم تاريخهم السياسي، ومعروفين من الشارع السوري عموماً، لا سيما الشارع المسيّس، وحاولت أن تعكس القائمة التنوّع السياسي والطائفي والعرقي في سوريا، وفي ما يلي الأسماء السبعة:

1. أحمد الشرع: المعروف سابقاً باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، شقّ طريقه من قلب التشدّد الجهادي ليعتلي سُدّة الحكم في سوريا عقب سقوط بشار الأسد. لا نعرف الكثير عن سيرته الذاتية وتعليمه قبل الالتحاق بتنظيم “داعش” ثم “القاعدة”، منذ تولّيه الرئاسة عبر التعيين، سعى الشرع إلى إحكام قبضته على الدولة، مركّزاً السلطة بيد نخبة ضيّقة من الموالين، ومعيداً إنتاج نمط الحكم السري الذي كان قد طبّقه سابقاً في إدلب. وعلى الرغم من أنه لم ينشأ في كنف السلطة؛ كما هو حال بعض الزعماء الآخرين، إلا أن الشرع يُسارع إلى ترسيخ حكمه الشخصي، مستبدلاً النخبة القديمة من دون إحداث قطيعة فعلية مع النظام السابق، وبذلك، يبدو أن سوريا تحت قيادته تسير على نهج استبدادي متجدّد، ما يُثير تساؤلات جدّية حول فرص التحوّل الديمقراطي والاستقرار في البلاد.

2. رياض حجاب: (مواليد 1966، دير الزور) هو سياسي سوري من الطائفة السنّية، شغل منصب رئيس وزراء سوريا قبل أن ينشقّ عن نظام بشار الأسد في المراحل الأولى من الحرب الأهلية السورية، يحمل شهادة دكتوراه في الهندسة الزراعية، وقد تدرّج في صفوف حزب “البعث” الحاكم، حيث تولّى مناصب عدّة أبرزها محافظ القنيطرة واللاذقية، ثم وزير الزراعة، إلى أن عُيّن رئيساً للوزراء في حزيران/ يونيو 2012. في آب/ أغسطس من العام ذاته، أعلن حجاب انشقاقه عن النظام بدعم من “الجيش السوري الحرّ”، واصفاً حكومة الأسد بـ”النظام الإرهابي”، وداعياً إلى إسقاطه، وقد شكّل انشقاقه في حينه صفعة قوّية للنظام السوري، واعتُبر من أبرز الانشقاقات على مستوى الدولة. تولّى حجاب رئاسة الهيئة العليا للمفاوضات، في عام 2015، وقاد وفد المعارضة إلى محادثات جنيف، قبل أن يستقيل من منصبه في عام 2017 نتيجة ضغوط سياسية إقليمية، ولا يزال رياض حجاب، المعروف برفضه مبدأ الفيدرالية في سوريا، شخصية محورية في المنفى، يجسّد لدى كثيرين رمزاً للمعارضة السورية، التي رغم انقساماتها، لم تتلاشَ.

3. أيمن الأصفري: رجل أعمال سوري– بريطاني بارز، وفاعل خير، وشخصية محورية في تجميع وتنظيم منظّمات المجتمع المدني، يشغل منصب رئيس منظّمة مدنية، كما أنه المؤسّس الشريك ورئيس مجلس أمناء “مؤسّسة الأصفري” التي تدعم منظّمات المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في سوريا، منذ العام 2006. وقد أسّست المؤسّسة في عام 2012 معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الأميركية في بيروت. وبالإضافة إلى نشاطه المهني والخيري، يشغل الأصفري عضوية مجلس أمناء الجامعة الأميركية في بيروت، ومجلس إدارة مؤسّسة “كارنيغي” للسلام الدولي، كما يُشارك في لجنة كبار المستشارين في “تشاتام هاوس”، ويحمل درجة الماجستير في الهندسة المدنية والحضرية من جامعة بنسلفانيا الأميركية.

4. جمال سليمان: هو ممثّل ومخرج سوري مرموق، وواحد من أبرز الوجوه الفنّية والثقافية في العالم العربي، كما يشغل دوراً فاعلاً في الشأن السياسي السوري المعارض. وُلد في دمشق في عام 1959 لأب علوي وأمّ سنّية، ودرس التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية، قبل أن يُكمل دراسته العليا في الإخراج المسرحي في بريطانيا. تميّز سليمان بمسيرة فنّية غنية امتدّت لعقود، قدّم خلالها أدواراً بارزة في الدراما السورية والعربية، وارتبط اسمه بأعمال تاريخية واجتماعية لاقت نجاحاً جماهيرياً ونقدياً. بعيداً عن الفن، عُرف سليمان بمواقفه السياسية الواضحة منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، حيث انحاز إلى مطالب التغيير السياسي السلمي، وشارك في جهود المعارضة المدنية. يُعرف جمال سليمان بخطابه المعتدل ودعوته إلى الانتقال السياسي السلمي في سوريا، مع الحفاظ على وحدة الدولة ومؤسّساتها، يجمع بين الحضور الفنّي الوازن والدور السياسي الهادئ، ما يجعله شخصية نادرة في المشهد السوري المعاصر.

5. فداء الحوراني: هي طبيبة وسياسية سورية من مدينة حماة، تُعدّ من أبرز الشخصيات النسائية المعارضة في سوريا، عُرفت بمواقفها الجريئة ودورها الريادي في الحراك المدني والسياسي المناهض لحكم نظام بشار الأسد. تنتمي الحوراني إلى عائلة سياسية معروفة؛ فهي ابنة أكرم الحوراني، أحد القادة القوميين البارزين في حزب “البعث” قبل أن يتحوّل إلى معارض شرس للنظام بعد انقلاب حافظ الأسد في عام 1970. درست فداء الطب، لكنها سرعان ما انخرطت في العمل العامّ، مدفوعة بإرث والدها وتاريخها الشخصي، برزت كصوت معارض في بدايات الألفية، خاصّة خلال فترة “ربيع دمشق”، حيث شاركت في المنتديات السياسية والفكرية التي طالبت بالإصلاح والحرّيات. في عام 2007، انتُخبت رئيسة للمجلس الوطني لإعلان دمشق، لتكون أول امرأة تتولّى هذا المنصب في تاريخ المعارضة السورية الحديثة.

إلهام أحمد: قيادية سياسية بارزة من كرد سوريا، وتُعدّ من الشخصيات الأكثر نفوذاً في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، عُرفت بدفاعها المستمرّ عن حقوق الكرد، والمساواة بين الجنسين، والحكم اللامركزي في سوريا التي أنهكتها الحرب، وبرزت كأحد أبرز الوجوه في “مجلس سوريا الديمقراطية”، الذراع السياسية لـ”قوّات سوريا الديمقراطية”. وُلدت إلهام أحمد في مدينة عفرين، وبدأت نشاطها السياسي في سنّ مبكرة، حيث انخرطت بعمق في الحركات السياسية الكردية. ومع اندلاع النزاع السوري في عام 2011، لمع اسمها كصوت بارز يدعو إلى نموذج حكم تشاركي قاعدي وشامل، تأسّس في المناطق ذات الغالبية الكردية. عُرفت ببلاغتها، وهدوئها، ومهاراتها الدبلوماسية، ومثّلت القضية الكردية السورية في العديد من المحافل الدولية واللقاءات رفيعة المستوى، بما في ذلك في واشنطن وبروكسل وموسكو. وبفضل إتقانها عدّة لغات، ومكانتها الرفيعة في الأوساط السياسية الكردية والإقليمية والدولية، تُعدّ إلهام أحمد رمزاً قوياً للقيادة النسائية والصمود السياسي في واحد من أكثر النزاعات تعقيداً وتشابكاً في العالم.

جهاد مقدسي: دبلوماسي سوري وناطق رسمي سابق باسم وزارة الخارجية، برز اسمه خلال السنوات الأولى من الانتفاضة السورية، عُرف بإجادته اللغة الإنجليزية وبقدرته على التعامل الإعلامي، حيث مثّل وجه النظام السوري في المؤتمرات الصحافية بين العامين 2011 و2012، محاولاً تقديم صورة هادئة وإصلاحية عن النظام، في ظلّ تصاعد الاضطرابات. وُلد مقدسي في دمشق لعائلة مسيحية، ودرس الإعلام والاتّصال في المملكة المتحدة، حيث بنى مسيرته الدبلوماسية قبل أن ينفصل عن النظام في أواخر العام 2012. ومنذ ذلك الحين، اتّخذ موقفاً سياسياً مستقلاً، داعياً إلى انتقال سياسي تفاوضي قائم على الحوار والسيادة الوطنية والشمولية، ولا يزال جهاد مقدسي يُعدّ صوتاً محترماً لدى التيار الإصلاحي المعتدل الساعي إلى مستقبل سلمي لسوريا.

تحليل موجز

تعكس قائمة المرشّحين السبعة المقترحين لقيادة سوريا بعد الأسد، تنوّعاً رمزياً يعكس التنوع السوري بمكوّناته الطائفية والعرقية والمناطقية، فضلاً عن تنوّع خلفياتهم الفكرية والسياسية. فبينما تضمّ شخصيات مخضرمة في العمل العامّ مثل رياض حجاب وفداء الحوراني، تشمل أيضاً وجوهاً جديدة على الساحة السياسية الرسمية، مثل أيمن أصفري وجمال سليمان، القادميْن من مجالي الاقتصاد والفنّ.

ويبرز أحمد الشرع كحالة مُثيرة للجدل، إذ يمثّل انتقالاً من الجهادية إلى الحكم، مع نزعة سلطوية واضحة. أما إلهام أحمد، فهي قيادية كردية بارزة تمثّل الصوت الكردي والنسائي معاً، وتدافع عن نموذج فيدرالي قائم على التعدّدية والشراكة في الحكم، ويقدّم جهاد مقدسي صورة مختلفة، كدبلوماسي مسيحي معتدل يحمل رؤية إصلاحية وطرحاً وسطياً.

بوجه عامّ، تعكس هذه التشكيلة محاولة أولى لجمع مكوّنات المجتمع السوري – العرب، الكرد، السنّة، المسيحيين، العلويين؛ رجالاً ونساء؛ من الداخل والخارج؛ ومن خلفيات إسلامية، علمانية، وليبرالية— في مشهد سياسي متنوّع قد يرسم ملامح سوريا التعدّدية بعد الاستبداد.

التصويت الفوري التفضيلي

وظنّاً مني أن أياً من المرشّحين قد لا يحقّق الأغلبية المطلقة (50 في المائة + واحد) اقترحت نظاماً انتخابياً معروفاً في بعض الولايات الأميركية والديمقراطيات الغربية، معروفاً باسم “التصويت الفوري التفضيلي”، أو “نظام الجولة الحاسمة الفورية”.

يُعدّ نظام التصويت الفوري التفضيلي، المعروف أيضا باسم “التصويت بالاختيار المُرتَّب” من الأنظمة الانتخابية الحديثة التي تسمح للناخبين بترتيب المرشّحين بحسب الأفضلية، بدلاً من الاكتفاء باختيار مرشح واحد فقط، ويقوم هذا النظام على آلية واضحة تهدف إلى الحدّ من الاستقطاب، وتحقيق تمثيل أوسع وأكثر توافقاً.

يعمل هذا النظام عبر سلسلة من الخطوات كما يلي:

ترتيب المرشحين: يُطلب من الناخبين ترتيب مرشّحيهم المفضّلين على بطاقة الاقتراع، بدءاً من الخيار الأول ثم الثاني فالثالث، وهكذا. ولا يُلزم الناخب بترتيب جميع المرشّحين، بل يمكنه الاكتفاء بمن يشاء.

فرز الأصوات وفق الخيار الأول: تُحسب الأصوات بدايةً بناءً على الخيارات الأولى فقط، فإذا حصل أحد المرشّحين على أكثر من 50% من هذه الأصوات، يُعلن فوزه مباشرة.

الإعادة الفورية (Instant Runoff): إذا لم ينل أي مرشّح الأغلبية المطلوبة، يُستبعد المرشّح الحاصل على أقلّ عدد من الأصوات، ويُعاد فرز أوراق الاقتراع التي اختارته كخيار أول، ليُحسب الخيار الثاني فيها بدلاً عنه. تتكرّر هذه العملية تباعاً — استبعاداً وإعادة توزيع — حتى يفوز مرشح بأغلبية الأصوات.

لهذه الطريقة في الانتخاب جملة من المحاسن، أهمّها تأثير المرشّحين المُفسِدين (أي الذين يدخلون فقط لتغيير مسار الانتخابات، ما قد يؤدّي ترشّح مرشّحين متقاربين إلى تفتيت الأصوات، مما يمنح فرصة الفوز لمرشّح غير مؤهّل تمثيلياً) أما في نظام التصويت الفوري التفضيلي، فإن أصوات الناخبين تنتقل تلقائياً إلى خياراتهم التالية، إذا تم استبعاد مرشّحهم الأول، ما يمنع ضياع الصوت.

ميزة أخرى هي تعزيز صدقية التصويت، إذ يمكن للناخب أن يصوّت لمرشّحه المفضّل من دون خوف من “هدر” صوته، حتى إن لم يفز هذا المرشّح، فإن التصويت لمرشّحين آخرين بالترتيب، لا يهدر صوت الناخب، بل يظلّ صوته مؤثراً في تحديد النتيجة النهائية.

أيضاً، يشجّع هذا النهج على التوافق ويقلّل من الاستقطاب، حيث يفرض هذا النظام على المرشّحين سعياً للفوز بأصوات أوسع من قاعدة انتخابية واحدة، مما يدفعهم إلى بناء تحالفات أوسع وخطاب أكثر شمولاً، ويُقلّل من الانقسامات الحادّة.

أخيراً، لا يوجد أي ضرر في ترتيب المزيد من الخيارات، لأن صوتك يبقى مع خيارك الأول ما دام في المنافسة، وترتيب اختيارات إضافية لا يُضعف دعمك له، بل يضمن أن يبقى لصوتك وزن حتى النهاية.

وباختصار، يمنحك نظام التصويت بالاختيار المُرتَّب فرصة للتعبير الحقيقي عن قناعاتك، من دون حسابات انتخابية معقّدة أو تنازلات استراتيجية. إنه نظام أكثر نزاهة وعدالة، يُعزّز مشاركة الناخبين، ويُسهم في اختيار ممثلين يحظون برضا أوسع ضمن المجتمع.

تفسير النتائج وتحليلها

شارك في لعبة التصويت 188 مشاركاً، وكانت النتيجة مفاجئة لي على أكثر من صعيد.

 بحصوله على 118 صوتاً من أصل 188 صوتاً، برز الأصفري كمرشّح مفضّل بأغلبية ساحقة، حيث حصل على أكثر من 62 % من الأصوات، ولذلك لم يكن هنالك حاجة لتطبيق نظام التصويت الفوري التفضيلي. تُلقي النتيجة الضوء على جاذبية الأصفري كرجل سنّي ذي توجّه علماني معتدل، وتُشير إلى دعم قوّي لدى المشاركين للمرشّحين الذين يجمعون بين الهوّية الدينية السائدة، والتوجّه المدني أو العلماني المعتدل، والموقع السياسي البراغماتي. قد تعكس هذه النتيجة رغبة شعبية في قيادة تربط بين القاعدة الاجتماعية التقليدية لسوريا، ونماذج حكم أكثر وسطية أو تكنوقراطية.

تنوّع التمثيل:

توزّعت الأصوات المتبقّية بالتساوي نسبياً بين مجموعة متنوّعة من المرشحين:

تعادلت السيّدة إلهام أحمد السياسية الكردية المحنّكة والقيادية قوّية الشكيمة، في المركز الثاني، مع السيّد أحمد الشرع الرئيس الحالي المعيّن لسوريا، وهو زعيم إسلامي سنّي له تاريخ من التطرّف. ويُشير عدد الأصوات المتطابق لكلّ منهما (16 صوتاً لكلّ منهما) إلى تمثيل دوائر انتخابية متمايزة – كلّ من ناخبي الأقليات العرقية وأولئك الذين يتماشون مع الإرث الأيديولوجي للصراع.

وجاءت السيّدة فداء الحوراني وهي مرشّحة علمانية، قريبة منهما بحصولها على 15 صوتاً، مما يُشير إلى جاذبية معتدلة للأصوات غير العرقية والمحايدة أيديولوجياً، خاصّة بين الناخبين الأكثر تقدّمية، أو ذوي الميول المدنية.

حصل حجاب، وهو القائد السياسي المعروف الذي شغل منصب رئيس وزراء الأسد، قبل أن ينشقّ ويصبح زعيماً للمعارضة، وهو شخصية سنّية معتدلة، على 12 صوتاً، بينما حصل سليمان، وهو مرشّح علوي علماني، على 8 أصوات، ولم يحصل السيّد جهاد مقدسي على أي صوت في التصويت الأول، رغم أن نسبة المشاركين من المسيحيين كانت عالية، نسبياً، وهذا يدل على أن أصدقائي المسيحيين مدفوعون برؤيتهم السياسية أكثر من انتمائهم الطائفي.

أسماء غير مرشّحة:

وكانت المفاجأة في اختيار المشاركين لأسماء لم تكن أساساً مطروحة في قائمة المرشّحين، وحصل كلّ منهم على صوت واحد، وهما قائدان سابقان في حزب “العمل الشيوعي”: أصلان عبد الكريم، الذي انتقل من مواقع الماركسية إلى مواقع الليبرالية، وعبد العزيز الخير القائد السابق للحزب، الذي خطفته قوّات الأسد وأخفته، ولا يزال مصيره مجهولاً، وهو شخصية علوية مرموقة، وأخيراً الكاتب والسياسي العلماني المعارض لحكومتي الأسد والشرع خطيب بدلة.

الجولة الثانية: ملاحظات رئيسية

لم تكن الجولة الثانية ضرورية، ومع ذلك من المفيد الإشارة إلى نتائجها.

الأصفري يحافظ على الصدارة – ولكن من دون أغلبية: حافظ أيمن الأصفري على موقعه كمرشّح متصدّر، حيث حصل على 45 صوتاً من أصل 131 صوتاً، أو نحو 34% من إجمالي الأصوات.

الحوراني تبرز كمنافسة قوّية: بما يشبه المفاجأة، كان خيار المصوّتين الثاني يحبّذ امرأة علمانية لقيادة البلاد، فبحصولها على 37 صوتاً، قلّصت الحوراني الفجوة مع الأصفري. بصفتها مرشّحة علمانية، يُشير أداؤها إلى جاذبية متزايدة بين الدوائر الانتخابية التي تسعى إلى حكم شامل، والعلمانية، وربما قطيعة مع القيادة التقليدية التي يهيمن عليها الذكور، يبدو أن زخمها من الجولة الأولى قد استمرّ.

حجاب وسليمان في الوسط: لا يزال رياض حجاب (23 صوتاً) وجمال سليمان (22 صوتاً) من المرشّحين متوسّطي المستوى، حيث يحصلان على دعم ثابت من السنّة المعتدلين والعلويين العلمانيين. وفيما يعكس انخفاض نسبة التصويت لهما ارتباط اسم كلّ منهما بالمعارضة السابقة، التي لم تحقّق نتائج حقيقية في مقارعتها نظام الأسد، ومع ذلك، يعكس أداؤهما الثابت الرغبة في الاستمرارية والبراغماتية، خاصّة بين الناخبين الذين لا يشعرون بالارتياح تجاه التطرّف الأيديولوجي.

وحافظت إلهام أحمد على نسبة تزيد نسبة الكرد السوريين، فحصلت على قرابة 13 في المائة من المصوّتين. ويُشير دعمها إلى التضامن القائم على الهوّية، بالإضافة إلى جاذبية الناخبين التقدّميين أو اليساريين.

مرشّحون مهمّشون وأسماء جديدة: حصل المقدسي (مسيحي، كان مرتبطاً بنظام الأسد) على 4 أصوات فقط، مما يعكس على الأرجح شكوكاً عميقة تجاه الشخصيات التي خرجت من رحم النظام، بغضّ النظر عن وضع الأقلّية. أما رئيس الأمر الواقع في دمشق، السيّد أحمد الشرع، فقد يكون تاريخه الراديكالي سبباً في انخفاض نتيجته إلى صوتين اثنين فقط، مما يُشير إلى رفض واضح للتطرّف الأيديولوجي.

ومن جديد وردت أسماء جديدة لم تكن موجودة أساساً بين أسماء المرشحين، فظهر الكاتب خطيب بدلة مرّة ثانية كمرشّح لأحد المشاركين، وظهر معه أربعة أسماء أخرى، بينها معاذ الخطيب وهو إمام مسجد، ترأّس سابقاً المعارضة السورية لزمن قصير، ورائد الصالح رئيس فريق الدفاع المدني المعروف باسم “الخوذ البيضاء”، والسيّدة فدوى المحمود المناضلة السياسية اليسارية وزوجة المناضل المغيّب عبد العزيز الخير، وأخيراً، رجل قانون معتدل ومستقلّ، ساهم في صياغة عدد من القوانين السورية، هو الدكتور إبراهيم الدرّاجي.

 أظهرت الجولة الثانية من التصويت ميداناً أكثر تنافسية وتعدّدية من الجولة الأولى، بينما يظلّ الأصفري في الصدارة، لم يعد مهيمناً، يشير صعود الحوراني كمنافسة علمانية إلى شهيّة متزايدة للبدائل الشاملة والإصلاحية. في الوقت نفسه، يُشير الدعم الثابت لمرشّحين مثل حجاب وسليمان إلى أن العديد من الناخبين لا يزالون ينجذبون إلى الشخصيات الوسطية والمألوفة، التي تقدّم الاستقرار على التحوّل. ترسم هذه الجولة صورة لمشهد سياسي أكثر دقّة، حيث تتقاطع الهوّية والأيديولوجية والجنس في تشكيل تفضيلات القيادة في مرحلة ما بعد الصراع.

دلالات التمرين

استناداً إلى نتائج التمرين الذهني، يمكن استخلاص عدد من النتائج والدلالات ذات الأهمّية السياسية والاجتماعية، سواء من حيث اختيارات المشاركين، أو ما تعكسه هذه الاختيارات من توجّهات وميول كامنة.

1. ميل واضح نحو شخصية وسطية معتدلة تجمع بين الهوّية الدينية والانفتاح المدني.

أظهر الفوز الساحق لأيمن الأصفري في الجولة الأولى (بحصوله على أكثر من 60٪ من الأصوات) ميلاً قوّياً لدى المشاركين، نحو شخصية سنّية ذات خلفية مهنية واقتصادية ناجحة، تتبنّى خطاباً علمانياً معتدلاً، ويعكس هذا التوجّه؛ على ما يبدو، رغبة في قيادة براغماتية تجمع بين الانتماء الديني الأكثري ونموذج الحكم المدني المتوازن، بعيداً عن الاستقطاب الأيديولوجي أو الطائفي.

2. حضور متقدّم للتنوّع السياسي والعرقي والطائفي، وإن بقي محدود الأثر

حصول كلّ من إلهام أحمد (القيادية الكردية) وفداء الحوراني (الناشطة العلمانية) على مراكز متقدّمة في الجولة الأولى، يُشير إلى وجود مساحة معتبرة من التأييد لمرشّحين يمثّلون أطيافاً مجتمعية مهمّشة أو مهمّشة جزئياً، ويبرز ذلك خصوصاً في الأوساط الأكثر وعياً بمفاهيم التعدّدية والشراكة السياسية. في المقابل، فإن الأداء المحدود لكلّ من جمال سليمان (العلوي العلماني) وجهاد المقدسي (المسيحي) يشي بأن الهوّية الطائفية، رغم أهمّيتها الرمزية، لم تكن كافية لحشد دعم انتخابي حقيقي.

3. تراجع الثقة بالشخصيات المرتبطة بالماضي القريب

الأداء المتواضع لكلّ من رياض حجاب رئيس الوزراء المنشقّ، وأحمد الشرع رئيس الأمر الواقع، يعكس بوضوح تحفظاً لدى المشاركين تجاه شخصيات ارتبطت بالنظام القديم، أو مارست دوراً مثيراً للجدل خلال سنوات الحرب. وفي حين أن الشرع يعاني من إرث أيديولوجي متطرّف، فإن حجاب يمثّل نموذجاً لمعارضة تقليدية لم تُفلح في تحقيق اختراق سياسي ملموس، وهو ما انعكس سلباً على رصيده الشعبي المفترض.

4. حضور نسائي لافت في القيادة السياسية

يشير الأداء التصاعدي لفداء الحوراني، ولا سيّما في الجولة الثانية التي حلّت فيها في المركز الثاني، إلى تزايد القبول – في هذه الشريحة من الناخبين الافتراضيين – لفكرة قيادة نسائية علمانية. ويبدو أن هذا التوجه يجد صداه في شرائح تسعى إلى كسر احتكار الذكورة للسلطة السياسية في سوريا، وتؤمن بأهمّية إشراك النساء في إعادة بناء الدولة والمجتمع.

5. أصوات احتجاجية

رغم تسجيل بعض الأصوات لصالح أسماء غير مدرجة أصلاً في قائمة المرشحين (مثل عبد العزيز الخير، وخطيب بدلة، ومعاذ الخطيب، وآخرين) فإن تأثير هذه الخيارات بقي هامشياً، وهو ما ينسجم مع إحدى مزايا نظام التصويت التفضيلي، الذي يُقلّل من فرص تفتيت الأصوات، ويمنع تأثير المرشّحين الذين يفتقدون إلى قاعدة دعم حقيقية.

6. تغيّرات لافتة في التفضيلات بين الجولتين: من الهيمنة إلى التنافس

أظهرت نتائج الجولة الثانية مشهداً أكثر تنافسية، حيث تراجع الأصفري إلى أقلّ من 35٪ من الأصوات، بينما اقتربت منه فداء الحوراني بشكل ملحوظ. وهذا يدل على أن الخيارات الثانية للمشاركين أكثر تنوعاً، وقد تُتيح إعادة تشكيل المشهد السياسي لو طُبّق نظام انتخابي ديمقراطي فعلي. من جهة أخرى، حافظ مرشّحون مثل حجاب وسليمان على نسبة ثابتة من الأصوات، ما يعكس وجود قاعدة ناخبين تفضّل الاستقرار والبراغماتية على الوعود التغييرية الكبرى.

خاتمة

تكشف هذه التجربة، رغم طابعها الذهني وخصوصية جمهورها، عن مجموعة من المؤشّرات اللافتة التي تستحقّ الوقوف عندها. فهي تُظهر ميلاً واضحاً نحو قيادة مدنية وسطية، غير مؤدلجة، قادرة على الجمع بين الانتماء الديني الأكثري والرؤية البراغماتية المنفتحة، في مقابل فتور أو رفض صريح للشخصيات المرتبطة بالماضي القريب، سواء أكانت من صلب النظام، أم من معارضته التقليدية. كما تعكس التجربة تقبّلاً متزايداً لفكرة القيادة النسائية، وتقديراً لقيم التعدّدية، ولو بصورة رمزية. ولعلّ من أبرز ما كشفت عنه هذه المحاكاة استعداد شريحة من السوريين، على اختلاف انتماءاتهم، لتبنّي نظم انتخابية أكثر عدالة وتمثيلاً، كالتصويت التفضيلي، والانخراط في نقاش سياسي قائم على البرامج والرؤى، لا على الهوّيات الجامدة.

أخيراً، أودّ أن أُعيد التأكيد أن هذا التمرين الذهني ليس عملية انتخابية، ولا استطلاعاً دقيقاً لآراء السوريين، لاقتصاره على مجموعة لا بدّ أن تكون متقاربة في الآراء، ومع ذلك، ورغم أن النتائج لا تمثّل خارطة دقيقة للرأي العامّ السوري، فإنها تمنحنا نافذة مهمّة على مزاج سياسي جديد آخذ في التشكّل، قد يساهم في رسم ملامح سوريا ما بعد الاستبداد.

درج

—————————–

ثلاثة مسارات تغيير في الشرق الأوسط/د. ناصيف حتي

19 أبريل 2025 م

ثلاثة مسارات تغيير أساسية، عناوينها باختصار «فلسطين، وسوريا، وإيران» تطبع بشكل أساسي تطور الأوضاع في الشرق الأوسط، وبالتالي طبيعة النظام الإقليمي الذي سيتبلور مستقبلاً. مسارات تحمل سيناريوهات مختلفة، ما زال من المبكر الحكم أو التنبؤ حول أي سيناريو في كل من هذه المسارات سيصبح هو الواقع الجديد. ومن نافل القول إن هذه المسارات تؤثر وتتأثر ببعضها بعضاً بأشكال مختلفة في تطورها؛ بسبب التأثير المتبادل في الجغرافيا السياسية في الإقليم. تزيد من ذلك خصوصية الإقليم الشرق أوسطي؛ بسبب الترابط المجتمعي، الذي يعزز ويتعزز بهويات عقائدية وسياسية عابرة للدول.

أول هذه المسارات التغييرية الحرب الإسرائيلية التي بدأت في غزة ولم تنتهِ بعد، وتوسَّعت إلى لبنان. ولم يمنع الاتفاق الذي تم التوصل إليه من استمرار الأعمال العسكرية الإسرائيلية تحت عنوان «الدفاع الاستباقي». بينما تعمل السلطات اللبنانية على بسط سيطرتها الكاملة على منطقة جنوب الليطاني. يندرج ذلك في إطار استراتيجية شاملة تهدف إلى الإمساك كلياً بقرار الحرب والسلم «ووحدانية السلاح» في يد الدولة اللبنانية عبر مؤسساتها المعنية. عنصر تفجير آخر في هذا الإطار يتمثل في استمرار وتصعيد السياسة الإسرائيلية في اتخاذ إجراءات استكمال ضم الضفة الغربية، في حين ما زالت دبلوماسية الهدن هي التي تحكم المسار التفاوضي حول غزة. فهل نبقى ضمن منطق احتواء وخفض الحرب الدائرة مع هدن مؤقتة مهما طال عمرها للعودة إلى انفجار جديد في مستقبل قريب أو أبعد. هل سنرى تبلور حراك عربي – دولي عشية القمة العربية في منتصف الشهر المقبل تحضيراً لإعادة إحياء عملية السلام عبر مسار، ليس بالسهل طبعاً، ينطلق من المؤتمر الدولي الذي سيُعقد في يونيو (حزيران) المقبل في نيويورك برعاية مشتركة سعودية – فرنسية تحت عنوان «حل الدولتين»، أم سنعود إلى الحروب المتقطعة والهدن المؤقتة؟

المسار الثاني يتعلق بمستقبل سوريا التي، بحكم موقعها، تؤثر بشكل كبير في الاستقرار الإقليمي في المشرق بشكل خاص وفي الشرق الأوسط عموماً. ما تطمئن هي المواكبة العربية الواسعة ويد المساعدة التي امتدت إلى سوريا في مرحلة دقيقة وصعبة في تاريخها. لكن تبقى المخاوف قائمة من السقوط في حالة من الفوضى أياً كانت درجة قوتها وامتدادها الجغرافي، وتفشي النزاعات والخلافات المتعددة التي تمنع أو تعرقل إعادة بناء الاستقرار على أسس جديدة: الاستقرار الذي يبقى الشرط الضروري لبناء سوريا جديدة يقوم على مشاركة فاعلة وفعلية لجميع مكوناتها السياسية والاجتماعية في النظام الجديد، وهذا أمر أكثر من ضروري، ليس فقط لسوريا بل للاستقرار الإقليمي أيضاً.

المسار الثالث يتعلق بمستقبل المفاوضات النووية الأميركية – الإيرانية، التي تتعدى النووي إلى مجالات أخرى تتعلق بسياسات إيران في المنطقة وأدوارها. أسئلة عديدة تطرح في هذا السياق: هل ترضى إيران باتفاق فيما يتعلق بنسبة تخصيب اليورانيوم أقل من الاتفاق الذي تم التوصل إليه عام 2015 وخرج منه ترمب؟ هل سترضى بالتخلي كلياً عن أي قدرة نووية (نموذج ليبيا 2003)، أم سيتم التوصل إلى ضمانات مختلفة تعطى لواشنطن قد تتخطى النووي إلى السياسي والاقتصادي والأمني في مقابل موافقتها على تملك إيران «بعض النووي»، أم في حال الفشل هل ستعطي واشنطن الضوء الأخضر لإسرائيل لضرب المنشآت النووية الإيرانية مع التداعيات المختلفة لهذا السيناريو؟ كلها أسئلة مطروحة أيضاً في المسار التغييري الثالث حسب ما أشرنا إليه في البداية.

أي سيناريوهات ستنتج عن هذه المسارات ستحدد بشكل كبير مستقبل التطورات في المنطقة وطبيعة النظام الإقليمي الذي سيتبلور.

الشرق الأوسط

——————————–

الضابط السوري سهيل الحسن “عميد البراميل المتفجرة”/ علي حافظ

17/4/2025

في رسالة حملت علامات الذعر من قرب انهيار نظام الرئيس بشار الأسد، وجه رامي مخلوف (قريبه وأكبر المنتفعين من نظام آل الأسد) رسالة مسجلة في 5 ديسمبر/كانون الأول 2024  -على صفحته على فيسبوك- إلى السوريين، حثهم فيها على “تنحية خلافاتهم” والتعاون مع “أخي وصديقي وحامل سري العميد سهيل الحسن.. هذا الشخص المغوار الذي كان له العديد من الانتصارات للجيش والقوات المسلحة بقيادته للقوات الرديفة” واختتم ابن خال بشار مناشدته بإعلان تخصيصه 50 مليار ليرة سورية (33 مليون دولار) للقوات العسكرية الموجودة في الأماكن التي تواجه المسلحين بمناطق ريف حماة، لتوزع بمعرفة “الضابط المتميز العميد سهيل الحسن”.

لم يتح تسارع الأحداث فرصة لاختبار قدرة الضابط المتمتع بثقة مخلوف على الوفاء بأماني الأخير. فنظام الأسدين انهار بسرعة قياسية، وفرّ بشار إلى موسكو فجر 8 ديسمبر/كانون الأول، مفسحا المجال لوصول هيئة تحرير الشام وحلفائها إلى دمشق بدون قتال.

وأضاعت جلبة الانتصار المدوي أصداء شهادة الوجه الاقتصادي والمالي الأقوى في سوريا (قبل تنحيته لصالح أسماء زوجة بشار) بالعميد الذي اقترن اسمه في ذاكرة السوريين، باجتراحه أكثر أدوات الحرب تدميرا وفتكا: البراميل المتفجرة.

غير أن الأحداث التي استجدت بعد 3 أشهر في الساحل السوري أعادت إلى الواجهة اسم هذا الضابط، مع أسماء ثلة من أشباهه. فمن مسقط رأسه في قرية بيت عانا بريف اللاذقية انطلقت شرارة المواجهات بين فلول النظام المنهار، وبين إدارة الأمن العام في 6 مارس/آذار. فبعد أن أوقع الكمين الذي نصبته الفلول 15 قتيلا من الجهة الأخيرة، اتسعت دائرة المواجهات، وشملت قتلا عشوائيا طال مدنيين، وتجري دمشق حاليا تحقيقا في ملابساته وحصيلته.

في مقابلة بثتها قناة المشهد في 9 أبريل/نيسان أقر رجل الأعمال السوري المقيم في موسكو محمد جابر بتمويل الإضرابات على مدى الأيام الثلاثة التالية. وبرر جابر وقوفه وراء العملية التي استهدفت قوى الأمن العام في الساحل السوري بارتكابها انتهاكات بحق المدنيين من أبناء الطائفة العلوية، التي ينحدر منها. علما بأن جابر نفسه كان زمن بشار يقود مليشيا محلية (شبيحة) تدعى “صقور الصحراء” وقاد شقيقه كذلك مليشيا حملت اسم “مغاوير البحر”. وعقب خلافات مع الأسد الابن عام 2016 لم تتضح ملابساتها، غادر محمد جابر سوريا، واستقر في موسكو، وتم حل مليشيا الصقور، وهو ما حصل أيضا لشبيحة “مغاوير البحر”.

وبديهي أن المساهمات في أحداث الساحل، قتالية كانت أو لوجستية، لم تقتصر على جابر. فقد أشير أيضا إلى دور جماعة مسلحة تدعى المجلس برئاسة ضابط سابق بالجيش السوري يدعى غياث دلة، وإلى دور بسام حسان الدين الضابط السابق الناشط في المليشيات التي قادها سابقا سهيل الحسن نفسه. أما دور الأخير فلم تتحد مفاصله بدقة، وإن كانت في الواقع امتدادا للملف الميداني والحقوقي الذي بناه الحسن على مدى أحداث الثورة السورية الـ14.

فالإشارة التي طاولته وردت في اليوم الثالث لأحداث الساحل حيث نقلت وكالة الأنباء السورية “سانا” عن مدير أمن محافظة اللاذقية مصطفى كنيفاني قوله إن “المجموعات المسلحة التي تشتبك معها قواتنا الأمنية في ريف اللاذقية تتبع لمجرم الحرب سهيل الحسن”. وسبقتها إشارة مماثلة مصدرها المرصد السوري لحقوق الإنسان في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2024 قيل فيها “فارق الحياة 14 عنصرا من قوى الأمن العام، نتيجة اشتباكات مع مسلحين من أتباع سهيل الحسن، واللواء محمد كنجو حسن أحد سفاحي سجن “صيدنايا”، في قرية خربة المعزة بريف طرطوس الجنوبي”.

في معايير الغرب، ينظر إلى العميد الحسن المولود عام 1970 كمجرم حرب، وهو الوصف الذي وصفته به صراحة مجلة “دير شبيغل” الألمانية في أحد تقاريرها. ووصف الصحفي والكاتب البريطاني روبرت فيسك الحسن -الذي التقاه في يونيو/حزيران 2014- بأنه من أكثر الرجال إثارة للخوف ممن التقاهم على مدى حياته. وأضاف الكاتب أن “النمر” -الذي استقبله في مقره شمالي حلب- يعتبر جنديا قاسيا جدا وعديم الرحمة، وذلك بالرغم من أنه يقرض الشعر.

وأما حقوقيا، فهو مصنف في الخانة رقم 100 من قائمة الاتحاد الأوروبي الصادرة في 30 مايو/أيار 2017 للشخصيات والكيانات السورية المستهدفة بالعقوبات وفي مقدمها الرئيس بشار. وإلى جانب اسمه الوارد بالقائمة التي تضم 233 شخصية وكيانا، ورد توصيف “قائد الفرقة الخامسة” وإلى جانبه سجلت قرينة “إعطائه أمرا لقواته بإطلاق النار على المحتجين في درعا يوم 23 يناير/كانون الثاني 2012”.

أما منظمة هيومن رايتس ووتش فنقل تقريرها الصادر في 15 ديسمبر/كانون الأول 2012 تحت عنوان “بأي طريقة.. مسؤولية الأفراد والقيادة عن الجرائم ضد الإنسانية في سوريا” -عن أحد المقاتلين المنشقين من فرع العمليات الخاصة بالمخابرات الجوية- قوله إن العقيد سهيل حسن أعطى أوامر بإطلاق النار مباشرة على المتظاهرين في 15 أبريل/نيسان 2011 أثناء مظاهرة في حي المعضمية بدمشق.

في المعيار الروسي، ينظر إلى الحسن كبطل. ففي 19 أغسطس/آب 2017، استقبله رئيس هيئة الأركان الروسي فاليري غيراسيموف في قاعدة حميميم، وسلمه رسالة تقدير من وزير الدفاع سيرغي شويغو، ثم أهداه سيفا بعد الإعراب عن “شكره للعسكريين السوريين على بطولاتهم وشجاعتهم التي يبدونها خلال العمليات المشتركة المستمرة بالتعاون مع القوات الجوية الفضائية الروسية في مكافحة تنظيم داعش (الدولة الإسلامية) الإرهابي”. وشكر غيراسيموف الحسن كذلك على “العمليات الناجحة التي يقودها، ودوره في تحرير بلدة السخنة الإستراتيجية، وإشرافه على الإنزال التكتيكي الذي نظمه، وانتهى بتحرير عدد من القرى والبلدات في حوض الفرات”.

وفي 12 ديسمبر/كانون الأول 2017 وخلال أول زيارة يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى قاعدة حميميم، كان الحسن الضباط الوحيد الذي اصطحبه معه الرئيس بشار إلى القاعدة الروسية.  وفي حديث بثَّته “روسيا اليوم” وجه بوتين كلامه للحسن قائلا “زملاؤك الروس قالوا لي إنك ورجالك تحاربون بحزم وبشجاعة، وبطريقة موجهة نحو النتائج. أرجو أن يسمح لنا هذا التعاون بتحقيق المزيد من النجاح للمضي قدماً”. ووضع الحسن -الذي كان جالساً على الجانب الآخر من بوتين- يده على قلبه، وأومأ برأسه ممتناً.

ويرتبط موقف السوريين من الحسن بموقفهم من النظام ورموزه. فبينما ينظر له أمثال مخلوف بالبطل ويلقبونه بـ”النمر” يعتبره السوريون الآخرون رمزا للوحشية. ويشير موقع “مع العدالة” إلى سجله بالقول إنه “لم يتورع عن ارتكاب المجازر المروعة ضد المدنيين في أحياء: الإخلاص، الشيخ سعد، المزة، الميدان، الزاهرة، مخيم اليرموك. وكذلك في: دوما، حرستا، جديدة الفضل، قطنا، الزبداني، مضايا، معضمية الشام، داريا بمحافظة ريف دمشق. كما أمعن في تنفيذ عمليات الاعتقال والتوقيف العشوائي، والتعذيب وتكسير الأطراف في الشوارع العامة بحق المتظاهرين”.

واعتبر موقع “مع العدالة” الحسنَ “أبرز المسؤولين عن الانتهاكات التي وقعت بحلب الشرقية والتي راح ضحيتها نحو 1370 قتيلا في صفوف المدنيين. يضاف إلى ذلك سجله الدموي في إلقاء البراميل المتفجرة، والتي أودت بحياة الآلاف من المدنيين”. ويورد الموقع -في ختام سجل توثيقي للعميد الحسن- قائمة بـ10 مجازر ارتكبتها قواته أولها في حماة يوم 24 أبريل/نيسان 2012 وآخرها في الغوطة الشرقية بريف دمشق بين مارس/آذار وأبريل/نيسان 2018، واستخدمت فيها “جميع الأسلحة المحرمة بما فيها السلاح الكيميائي”.

وخلال ممارساته لأبشع فظائع عرفها السوريون خلال أعوام الثورة، كان الحسن مقتصدا في الكلام والتصريح وتسجيل المواقف. وإذا ظهر أي منها فإنه كان مقتصرا على إسداء المواعظ أو تبجيل الرئيس كقوله “اتبعوا أركان الإيمان وهي أربعة أولها الصدق وآخرها الجهاد في سبيل الله”!. ثم قوله في تسجيل يعود للعام 2015 “كنت أرى صورة قائدي وسيدي المجاهد الأول بشار حافظ الأسد ترتسم على جبين الشمس، أما الآن فأنا أراه كالقمر الساطع”.

الجزيرة

———————————

مواقف “ضبابية” وحذر شديد.. كل ما نعرفه عن خطط إدارة ترامب في سوريا ما بعد الأسد

عربي بوست

2025/04/18

اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مواقف عدة متباينة في سوريا منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي وتولي فصائل المعارضة زمام الحكم في البلاد بقيادة أحمد الشرع، القائد السابق لهيئة تحرير الشام والرئيس الانتقالي الحالي للبلاد.

وشملت المواقف والخطط الأمريكية تجاه سوريا التوسط في اتفاق بين القيادة السورية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، وسحب عدد من القوات من القواعد العسكرية في البلاد، فضلاً عن وضع شروط صارمة أمام الحكومة الجديدة مقابل تخفيف لبعض العقوبات المفروضة على دمشق.

وأشارت تقارير لوسائل إعلام أمريكية إلى أنه وفي ظل المخاوف من عودة ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وعودة النفوذ الإيراني والروسي، لا تزال إدارة ترامب تحافظ على مسافة بينها وبين القيادة السورية.

وقال تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست إن إدارة ترامب، التي لا تزال تفرض عقوبات على دمشق منذ عهد الأسد، تتخذ موقفاً محايداً من البلاد. وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية “إننا نواصل التعامل مع سوريا بحذر شديد” حتى يثبت الشرع أنه تخلص من المتشددين الإسلاميين الأجانب وبقايا تنظيم القاعدة ويثبت أنه قادر على توحيد الأقليات المختلفة في سوريا.

في هذا التقرير نستعرض أبرز المواقف والخطط التي تبنتها الإدارة الأمريكية تجاه سوريا منذ بدء ولاية ترامب الثانية في 20 يناير/كانون الثاني الماضي.

أولاً: التوسط في اتفاق قسد والحكومة السورية

في مارس/آذار الماضي، أعلنت الحكومة السورية وقوات قسد التي تسيطر على مساحات واسعة في شمال شرق سوريا عن توصل الطرفين إلى اتفاق يهدف إلى تعزيز وحدة البلاد ودمج مؤسساتها المدنية والعسكرية.

ونقلت تقارير عن ضباط أمريكيين أن الجيش الأمريكي لعب دوراً دبلوماسياً مهماً خلف الكواليس في سوريا، وساعد في التوسط في الاتفاق الذي تم بين الحكومة السورية والقوات الكردية.

وقال مسؤول عسكري أمريكي رفيع المستوى: “كان هناك الكثير من النقاش، وكنا بمثابة وسيط لمساعدتهم على إجراء هذا النقاش. تبادلنا الآراء حتى توصلنا أخيراً إلى اتفاق يرضي الجميع، وكررنا ذلك عدة مرات، وأوصلناهم أخيراً إلى هذه النقطة”.

وشمل الاتفاق بنوداً عدة أبرزها:

    وحدة الأراضي السورية ورفض أي محاولات للتقسيم أو الانفصال.

    دمج قوات قسد ضمن المؤسسات العسكرية السورية تحت إشراف وزارة الدفاع، لضمان تكاملها في المنظومة الدفاعية.

    إدماج المؤسسات المدنية للإدارة الذاتية ضمن هيكل الدولة السورية مع الحفاظ على بعض الخصوصيات لمناطق شمال وشرق سوريا وفقاً للقانون السوري.

وقال تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن الضباط الأمريكيين شجعوا فصيلاً آخر يعمل مع الولايات المتحدة في جنوب شرق سوريا بالقرب من قاعدتها العسكرية في التنف، وهو الجيش السوري الحر، على تحقيق السلام مع الحكومة السورية الجديدة.

وأضاف التقرير نقلاً عن الضباط الأمريكيين أن جهود الوساطة الأمريكية كانت تهدف إلى تحقيق الاستقرار في البلاد ومنع عودة الصراع الأهلي الذي قد يُعقّد جهود كبح جماح تنظيم داعش، الذي ينشط بشكل رئيسي في المناطق الصحراوية قليلة السكان في سوريا. كما تهدف إلى منح الولايات المتحدة دوراً فاعلاً في رسم مستقبل سوريا.

ولاقى الاتفاق آنذاك ترحيباً من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الذي قال إن الولايات المتحدة “تؤكد دعمها للانتقال السياسي الذي يثبت أن الحكم الموثوق وغير الطائفي هو أفضل طريق لتجنب المزيد من الصراع”.

ثانياً: سحب القوات العسكرية الأمريكية من سوريا

بدأ الجيش الأمريكي في سحب مئات من قواته من شمال شرق سوريا، ويستعد لإغلاق 3 من قواعده التشغيلية الصغيرة الثماني في شمال شرق البلاد، مما سيخفض عدد قواته من ألفين إلى حوالي 1400 جندي، وفق ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أمريكيين، الخميس 17 أبريل/نيسان 2025.

وأفاد المسؤولون أن القواعد الثلاث هي:

    القرية الخضراء

    الفرات

     بالإضافة إلى قاعدة ثالثة أصغر بكثير

وقال المسؤولون إنه بعد 60 يوماً، سيُقيّم القادة الأمريكيون إمكانية إجراء تخفيضات إضافية. وأوصى القادة بإبقاء 500 جندي أمريكي على الأقل في سوريا.

ومع ذلك، أعرب الرئيس ترامب عن شكوكه العميقة بشأن إبقاء أي قوات أمريكية في البلاد. وقال المسؤولون، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة الشؤون العملياتية، إن التخفيضات التي بدأت يوم الخميس، حتى الآن على الأقل، تستند إلى توصيات القادة الميدانيين بإغلاق القواعد ودمجها، وقد وافقت عليها وزارة الدفاع (البنتاغون) وقيادتها المركزية.

ومع أن تنظيم داعش لا يزال يُشكل خطراً داهماً في سوريا، وخاصةً في الشمال الشرقي حيث تتمركز القوات الأمريكية، إلا أن نيويورك تايمز أشارت إلى أن سقوط نظام الأسد قلص بشكل كبير، على الأقل في الوقت الحالي، مجموعةً من التهديدات الأخرى، بما في ذلك الميليشيات المدعومة من إيران والقوات الروسية التي تدعم الحكومة السورية.

وحدثت نقطة تحول رئيسية أخرى الشهر الماضي بعدما توصلت قوات قسد إلى اتفاق مع الحكومة السورية، وهو ما كان بمثابة اختراق لدمشق في جهودها لتوحيد بلد لا يزال يعاني من اضطرابات عنيفة، حسبما وصفت الصحيفة الأمريكية.

وقال المسؤولون الأمريكيون إن القوات الأمريكية، التي تشمل جنوداً تقليديين وقوات خاصة، ستواصل، بأعدادها المخفضة، تقديم المساعدة في مكافحة الإرهاب لقوات قسد والمساعدة في إدارة العديد من معسكرات الاحتجاز.

وأعلنت الولايات المتحدة في أواخر العام الماضي أن جيشها ضاعف عدد قواته على الأرض في سوريا إلى نحو 2000 جندي، للمساعدة في التعامل مع التهديد المتزايد من تنظيم داعش والميليشيات المدعومة من إيران التي هاجمت القواعد الأمريكية.

أمريكا في سوريا

وتأمل الولايات المتحدة أن تصبح الحكومة السورية الجديدة شريكاً في مواجهة داعش. وكانت المؤشرات الأولية إيجابية، إذ قادت الحكومة، بناءً على معلومات استخباراتية أمريكية، جهوداً لإفشال ثماني عمليات لداعش في دمشق، وفقاً لمسؤولين أمريكيين.

لكن بعض المحللين يقولون إن تخفيضات أعمق في القوات الأمريكية ربما تكون في الطريق، مما يهدد استقرار هذه العملية الانتقالية.

ومن المتوقع أن تجري إدارة ترامب مراجعة واسعة النطاق لسياساتها تجاه سوريا، ويقول بعض المسؤولين إن القوات الأمريكية قد يتم تقليصها إلى أقل من النصف أو سحبها بالكامل، كما ذكرت شبكة إن بي سي نيوز، من بين وسائل إعلام أخرى، في وقت سابق.

وقال مسؤولون ومحللون مستقلون إن العديد من المناصب المهمة المتعلقة بسياسة الشرق الأوسط لا تزال شاغرة في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، وكذلك في وزارة الخارجية والبنتاغون، الأمر الذي يبطئ أي مراجعة شاملة للسياسة تجاه سوريا.

ثالثاً: وضع شروط صارمة مقابل تخفيف العقوبات

وبالتوازي مع سحب عدد من القوات الأمريكية من سوريا، كشف مسؤولون أمريكيون أن إدارة ترامب تهدد باتخاذ موقف متشدد مع الحكومة السورية الجديدة، مطالبة إياها بتنفيذ عدة مطالب مقابل تخفيف محدود للعقوبات.

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أمريكيين أن البيت الأبيض أصدر توجيهات سياسية في الأسابيع الأخيرة تدعو الحكومة السورية إلى اتخاذ خطوات تشمل:

    التعاون مع المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية لحماية الأسلحة الكيميائية المتبقية في البلاد، وتأمين اليورانيوم عالي التخصيب.

    تعيين مسؤول اتصال للعمل على تحديد مكان 14 أمريكياً مفقوداً في سوريا.

    اتخاذ إجراءات صارمة ضد من وصفتهم بالمتطرفين.

    منع الجماعات الفلسطينية المسلحة من العمل في البلاد، بما في ذلك جمع الأموال هناك، وطرد أعضاء تلك الجماعات من البلاد. وتتخذ الجماعات الفلسطينية من سوريا، التي تستضيف عدداً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948، مقراً لها منذ عقود.

وقال مسؤولون إن الولايات المتحدة ستنظر في المقابل في تجديد إعفاء محدود للعقوبات أصدرته إدارة بايدن بهدف تسريع تدفق المساعدات إلى البلاد. وكانت وزارة الخزانة قد منحت في يناير/كانون الثاني إعفاءات لمنظمات إغاثة وشركات تُقدم إمدادات أساسية، بما في ذلك الكهرباء والنفط والغاز الطبيعي.

وتعكس هذه التوجيهات الشكوك بين مسؤولي الإدارة في الحكومة السورية الجديدة، حسبما أشارت وول ستريت جورنال. ولوحظ أيضاً عدم وجود أي مطالبة تتعلق بروسيا، مما يدل على أن إدارة ترامب خففت من الضغط الذي مارسته في عهد الرئيس السابق بايدن لحث دمشق على التخلص من القواعد العسكرية للكرملين في سوريا، على الأقل في الوقت الحالي، بينما يتفاوض المسؤولون الأمريكيون مع موسكو بشأن إنهاء الصراع في أوكرانيا.

وبينما أرسلت إدارة بايدن مسؤولين كباراً للقاء الشرع في ديسمبر/كانون الأول، تبدو إدارة ترامب غير راغبة في المضي قدماً دون خطوات إضافية من القيادة السورية الجديدة.

ولم يتضح بعد موقف ترامب بشأن بقية عناصر السياسة الأمريكية تجاه سوريا.

وقال المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، وهو شخصية نافذة في الإدارة الأمريكية، الشهر الماضي إن الشرع “شخص مختلف عما كان عليه سابقاً. والناس يتغيرون”.

ويشعر قادة الحزب الجمهوري الرئيسيون بالقلق من تراجع النفوذ الأمريكي في سوريا بطريقة قد تتيح فرصة لروسيا والصين.

وقال مسؤولون إنه إذا اتخذت سوريا كل الخطوات الموضحة في السياسة، فإن الولايات المتحدة ستلتزم علناً بسلامة أراضي سوريا وستنظر في تجديد العلاقات الدبلوماسية وإزالة التصنيفات الإرهابية عن أعضاء الحكومة الجديدة.

ولكن العرض لا يرقى إلى مستوى رفع العقوبات الذي دعا إليه بعض المسؤولين الأوروبيين والقوى الإقليمية مثل تركيا ومحللي الأمن الذين يشعرون بالقلق من أن سوريا قد تنزلق مرة أخرى إلى العنف أو تنجرف مرة أخرى تحت تأثير روسيا وغيرها من المعارضين التقليديين للولايات المتحدة.

وقال بنيامين فيف، كبير محللي الأبحاث في شركة كرم شعار الاستشارية التي تعمل على الاقتصاد السوري: “هذا من شأنه أن يجعل الوضع معقداً للغاية، وفي واقع الأمر لن يؤدي إلا إلى دفع سوريا والسلطات الجديدة إلى أيدي الروس أو حتى الصينيين”.

عربي بوست

—————————-

غوركا وغابارد.. ثنائي في إدارة ترمب دعم الأسد ويعرقل رفع العقوبات

2025.04.17

تتجاذب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب رؤيتان متضادتان في التعامل مع سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول، وسط تردد في رسم سياسة واضحة تجاه السلطة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع.

وبات واضحا أن وزارة الخارجية تمثل التيار الأول ويعكس رغبة حذرة في استكشاف فرص التحول، خاصة مع تراجع النفوذ الإيراني والروسي في سوريا و أرسلت الخارجية بداية نيسان الجاري رسالة للسيناتورة إليزابيث وارن والنائب جو ويلسون، أكدت فيها أن “نهاية الحكم القمعي لبشار الأسد تمثل فرصة تاريخية لسوريا وشعبها لإعادة البناء بعيدا عن نفوذ طهران وموسكو”.

وأشار بول غواليانوني، المسؤول في الخارجية في رسالته إلى أن واشنطن أصدرت ترخيصا  في كانون الثاني/يناير يسمح بتوفير خدمات أساسية في سوريا كخطوة أولى، مع احتمال إصدار تراخيص جديدة قريبًا. وأضاف: “نحن ندرس خيارات إضافية لدعم أهداف السياسة الأميركية، بما في ذلك الإعفاءات والتراخيص والمساعدات من الشركاء والحلفاء”.

وتأتي التحركات الأميركية الجديدة استجابةً لمطالب السيناتورة إليزابيث وارن، وعضو الكونغرس الجمهوري، جو ويلسون، اللذان أثارا في رسائل سابقة تساؤلات حول آليات دعم الاستقرار في سوريا من دون مكافأة مبكرة للقيادة الجديدة التي ما تزال في مرحلة الاختبار، وفق صحيفة”بولتيكو”.

وذكرت الصحيفة أنه رغم التفاؤل الحذر، أبدت الرسالة قلقاً واضحاً بشأن الزعيم السوري الجديد، أحمد الشرع، الذي لديه شبهات ارتباطات سابقة مع جماعات متطرفة، بما في ذلك تنظيم “القاعدة”.

وهذا ما يستخدمه التيار الثاني في الإدارة والذي يقوده سبستيان غوركا، مسؤول مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي، والذي يعارض تخفيف للعقوبات، ويصف السلطة الجديدة بأنها “مجرد قشرة ديمقراطية تحكمها الشريعة”. وينضم إليها  تولسي غابارد مديرة الاستخبارات الوطنية التي عرفت بدعمها  لبشار الأسد،ومحاربة تنظيم الدولة والقاعدة بالتحالف معه.

وتنعكس هذه الانقسامات على مواقف ترمب، وأثار غموض واشنطن استياء بعض الحلفاء الأوروبيين الذين يضغطون من أجل انخراط أميركي أكثر فاعلية في دعم السلطة الجديدة. وقال دبلوماسي أوروبي لصحيفة واشنطن بوست: “الأميركيون أوضحوا لنا أنهم للأسف لا يملكون سياسة بعد”.

كيف ينظر كل من سيباستيان غوركا وتولسي غابارد إلى سوريا، خاصة بعد سقوط نظام الأسد؟

سوريا الجديدة في مرمى التشكيك: غوركا يعيد تدوير خطاب “الحرب على الإرهاب”

عاد سيباستيان غوركا، الصوت اليميني المتشدد في قضايا الأمن القومي ومكافحة “الإرهاب”، بقوة إلى دائرة صنع القرار الأميركي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. وتولى غوركا منصب مدير أول لمكافحة “الإرهاب” في مجلس الأمن القومي ونائبا لمستشار الأمن القومي، ليجد نفسه في قلب تحديد سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا.

لطالما نظر غوركا إلى القضية السورية  من منظور “مكافحة الإرهاب أولاً”. منذ انضمامه إلى إدارة ترمب الأولى في عام 2017، كان تركيزه الأساسي على حرب تنظيم الدولة، بدلاً من السعي لتغيير النظام. وقد أشاد مرارا بنهج ترمب “الأكثر عدوانية” ضد داعش والقاعدة، منتقدا إدارة أوباما ومتهما إياها بـ “عدم وجود الرغبة في الانتصار” على التنظيم.

على الرغم من ذلك، عارض غوركا أي تدخل أميركي لإسقاط نظام الأسد. وقد أيد قرار ترمب سحب القوات الأميركية من سوريا بعد هزيمة داعش في 2019، معتبرا ذلك “تحقيقا منطقيا لوعود حملة ترمب” وإنهاء لـ “17 عاما قُتل فيها، وجُرح، وشُوّه، وهُدرت تريليونات” في المنطقة.

 كان غوركا يرى أن الأولوية يجب أن تكون محاربة “الإرهابيين” وعقد صفقات مع قوى إقليمية مثل روسيا لـ”تحقيق الاستقرار”، طالما تتماشى مع أهداف الولايات المتحدة في “مكافحة الإرهاب”.

إلا أن سقوط نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024، وضع غوركا أمام واقع جديد فرض “تحديات وفرصا” مختلفة بحسب تعبيره. وفي أول تعليق له على هذا التطور الكبير، ذكر  غوركا في أبريل 2025 أنه “لا أحد يذرف دمعة على سقوط نظام الأسد الوحشي”.

بيد أن غوركا حذر من “الابتهاج المبكر”، وفي مقابلة مكتوبة مع موقع Breitbart News وهو منصة إخبارية أميركية يمينية متطرفة تولى ستيف بانون قيادتها، مما عزز توجهه القومي والشعبوي، قال غوركا  “ما لدينا الآن في دمشق ليس ديمقراطيا من طراز جيفرسون. الرجل الذي يتصدر المشهد (أحمد الشرع)، كان من مؤسسي جبهة النصرة، وهي جماعة خرجت من رحم تنظيم القاعدة”. وأضاف: “لقد تمّت الإطاحة بقائد علوي علماني لصالح من؟ لا نعلم. كل ما نعرفه أن الرئيس المؤقت المزعوم أعلن الأسبوع الماضي أن الشريعة الإسلامية ستكون مصدر التشريع في سوريا”.

وتابع غوركا حديثه: “سوريا تضم أكرادا ومسيحيين وعلويين ودروزا، وليست بلدا سنيا خالصا بأي حال”. واستعرض نظرته “لدينا الأكراد في الشمال، وقوات سوريا الديمقراطية، وإسرائيل في الجنوب، وتركيا المنخرطة بقوة في المنطقة. من يزعم أنه يعرف مستقبل سوريا فهو كاذب. كل شيء متغير ومائع”.

ووصف غوركا سياسة إسرائيل المتطرفة بـ”الدور الإيجابي”، زاعما أن لها الفضل بإسقاط النظام: “يجب أن نكون ممتنين جدا لحكومة بنيامين نتنياهو، وللجيش الإسرائيلي، ولشعب إسرائيل. بعد الخسائر البشرية الفادحة التي وقعت في 7 أكتوبر اتخذت إسرائيل إجراءات عسكرية قوية، وأعتقد أن ذلك ساهم في سقوط نظام الأسد”.

غابارد.. لقاء مع بشار الأسد يكفي لرسم الصورة

برزت تولسي غابارد، النائبة الديمقراطية السابقة والتي تحولت إلى الجمهورية في أواخر عام 2024، كصوت مثير للجدل ومستمر في نقاش السياسة الأميركية تجاه سوريا على مدى أكثر من عقد من الزمان.

عُرفت غابارد بمعارضتها الشديدة للتدخل العسكري الأميركي في الشرق الأوسط و”حروب تغيير النظام”، وهو موقف وضعها في كثير من الأحيان على خلاف مع قيادة حزبها الديمقراطي ومع الإجماع السائد في واشنطن.

ومع سقوط نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024 وصعود حكومة جديدة بقيادة هيئة تحرير الشام وجدت غابارد نفسها في قلب النقاش من جديد، ولكن هذه المرة بصفتها مديرة الاستخبارات الوطنية (DNI) في إدارة ترمب.

منذ دخولها الكونغرس في عام 2013، كانت غابارد منتقدة صريحة للتدخل الأميركي في سوريا، وعارضت بشدة خطط إدارة أوباما لشن ضربات عقابية ضد نظام الأسد في عام 2013 بعدمجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية، بحجة أن ذلك “سيؤدي إلى تفاقم الوضع”.

وبدلا من التركيز على إسقاط الأسد، دعت غابارد إلى إعطاء الأولوية لهزيمة “الجماعات الإسلامية المتطرفة” مثل داعش والقاعدة، معتبرة أن دعم واشنطن للمعارضة السورية قد يقوي هذه الجماعات. ووصل بها الأمر إلى القول بأنه “لا يوجد فرق بين الثوار “المعتدلين” وتنظيم القاعدة أو داعش – كلهم سواء”.

وتجسد موقفها هذا برعايتها “قانون وقف تسليح الإرهابيين” في أوائل عام 2017، الذي سعى إلى منع وصول أي أموال أو أسلحة أميركية إلى فصائل المعارضة في سوريا. على الرغم من أن القانون الأميركي يحظر بالفعل مساعدة المنظمات “الإرهابية”، إلا أن مشروع قانون غابارد كان تحديا رمزيا لسياسة عهد أوباما، فقد زعمت أن الولايات المتحدة كانت “تدعم بهدوء… المجموعات التي تعمل بشكل مباشر مع القاعدة وداعش… في قتالها للإطاحة بالحكومة السورية”.

بلغ موقف غابارد من سوريا ذروته في كانون الأول 2017 عندما قامت برحلة  إلى دمشق والتقت بشار الأسد شخصيا ودافعت غابارد عن هذا اللقاء بالقول إنها سعت إلى “إيجاد مخرج سلمي” للحرب وضرورة “التحدث مع الخصوم”. ومع ذلك، واجهت انتقادات واسعة النطاق في واشنطن.

واستمر منتقدو غابارد في التعبير عن قلقهم بشأن ميلها لتبني سرديات خصوم أميركا والتشكيك في فظائع نظام الأسد. وقد أشار معاذ مصطفى، وهو ناشط سوري-أميركي رافق غابارد في زيارة إلى الحدود السورية التركية إلى “افتقارها للغضب تجاه فظائع نظام الأسد” وتشكيكها في روايات ضحايا النظام.

كما كشفت صحيفة واشنطن بوست عن معلومات تشير إلى أن غابارد حاولت إنكار علمها المسبق بتصريحات لمفتي نظام الأسد أحمد حسون هدد فيها أوروبا والذي التقته خلال زيارة سوريا.

بعد اتهام قوات الأسد بشن هجوم كيميائي آخر في خان شيخون في أبريل 2017، أبدت غابارد شكوكا في مسؤولية نظام الأسد المخلوع وطالبت بتحقيق “مستقل”. وعلى الرغم من نتائج التحقيقات الدولية التي أكدت مسؤولية النظام، استمرت غابارد في التعبير عن “شكوكها”.

وخلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ قبل تعينها على رأس المخابرات الوطنية أعادت سرد قناعاتها بأن “سقوط نظام الأسد سيؤدي إلى سيطرة إرهابيين مرتبطين بالقاعدة على سوريا”. وبعد أحداث الساحل اعتبر معلقون على قناة فوكس نيوز  اليمينية التي يتابعها ترمب دائما أن ما حصل”إثباتا لصواب رؤية غابارد الحذرة”.

تلفزيون سوريا

——————————-

وهم التحيّز ضدّ الخسارة/ حسان الأسود

2025.04.19

قدّم علم النفس لبقيّة العلوم مصطلحات ومفاهيم كثيرة استفادت منها الأخيرة، وكان مصطلح “تحيّز تجنّب الخسارة” أحد هذه المصطلحات التي قدمها لعلم الاقتصاد السلوكي. يرتبط هذا التحيّز بعلم الاحتمالات بشكل وثيق، وهو يبحث في ميل الأفراد إلى تجنّب الخسارة أكثر من ميلهم لتحقيق الربح، والخوف من خسارة المال أكثر من الرغبة في كسبه. يقوم المبدأ السلوكي على حدس البشر أو إدراكهم الباطني للمحسوسات المادية المتحققة بين أيديهم، مقابل الاحتمالات غير المتحققة والتي يمكن الوصول إليها مستقبلًا من خلال الربح الوارد حصوله من جرّاء المغامرة. يمكن سوق مثال احتفاظ المستثمرين بأسهمهم التي تتعرض لانخفاض القيمة فترةً أطول من المتوقع في مثل هذه الحالات منطقيًا. السبب في ذلك أنّهم لا يشعرون بالخسارة الفعلية ما دامت الأسهم لاتزال بملكيتهم في حين الخسارة لا تزال اسمية غير متحققة فعلًا، ويبقى لديهم أمل عودة الأسهم للتحسّن في المستقبل لتعويض خسارتهم. تشير الإحصائيات أيضًا إلى أنّ المستثمرين كانوا يسارعون إلى بيع أسهمهم التي مازالت تحقق أرباحًا بسيطة مقابل تمسكهم بتلك التي ما فتئت قيمها السوقية تنخفض إلى الحضيض. هذا جوهر المبدأ المسمى “تحيّز تجنّب الخسارة”، والذي ينطبق على كثير من مجالات الحياة ولا ينحصر في فسحة الاقتصاد فقط.

هكذا يمكن تفسير مواقف فئات عديدة من الشعوب عند اندلاع الثورات، فالقيمة الفعلية للاستقرار واضحة ملموسة حتى ولو كانت مبنية على قاعدة هشّة وبأدوات القمع الرهيبة حتى. يفضّل كثيرون الواقع المستقر ويخشون المستقبل الغامض. لكنّ الحياة لا تسير على الدوام بعجلات الأمنيات، حتى لو كانت هذه تصدر عن جماهير واسعة، فضرورات التغيير تنبع أحيانًا من جوهر الأشاء السائدة ذاتها. هكذا يمكن قراءة تردد كثير من المصريين والليبيين والتونسيين واليمنين والسوريين في الالتحاق بركب ثورات بلادهم التي بدأت من تونس قبل خمسة عشر عامًا. ويمكن أيضًا من هذا المنطلق قياس إحجام الحكّام الديكتاتوريين عن إجراء الإصلاحات التي قد يكون من شأنها حفظ حكمهم في النهاية لو تجرّأوا وقاموا بها. إضافة إلى فائض القوّة التي يظنّ المستبدون أنهم يملكونها، نجد في الخلفية الذهنية لديهم الخوف من خسارة ما بين أيديهم رغم التدني المستمر في قيمة أسهم العنف الذي يحتكرونه في عيون الجماهير الثائرة بوجههم، فتراهم يتمسكون بالحلول العنيفة علّها تحفظ لهم ما يظنونه ملكًا خالصًا وجب ألا ينازعهم به أحد.

كذلك يمكن قراءة المشهد الذي يتولّد فيه مناصرون للنظام الجديد مباشرة فور انتصاره، وهؤلاء يأخذون غالبًا دور المدافعين عن النظام البائد فور قيام الثورة ضدّه. يتبادل الطرفان الأدوار لتغيّر المواقع التي يدافعون عنها. كان الثائرون في سوريا بدايات ثورتهم عام 2011 محطّ نبذ فئات من الشعب تحت مسمياتٍ مختلفة منها “كنّا عايشين” أو “أنتم من خرّب البلد” أو “يا درعا شو كان بدنا بهالصرعه”.. إلخ، في حين تراهم الآن في موقع الدفاع عن الإدارة الجديدة التي استلمت زمام الأمور بعد الثامن من كانون الثاني 2024. يمكن الحديث عن فئة وازنة من السوريين تدافع باستماتة الآن عن الإدارة الجديدة. إضافة للدوافع الوطنية البحتة، ينطلق أفراد هذه الفئة أيضًا من مبدأ “وهم التحيّز ضدّ الخسارة”، فترى كثيرًا منهم يتهم كل من ينتقد العهد الجديد بالفلول أو يرميه بحجارة التبعية لأجندات معادية أو حتى الخيانة. هذا السلوك اللاواعي يأتي عفويًا مع الخوف من خسارة النصر الذي تحقق بعد مخاض عسير دفعت هذه الفئات ثمنه وثمن الولادة بعده باهظًا جدًا. هنا يتحكم اللاشعور أو اللاوعي بضرورات الدفاع عن المكتسبات، رغم أنّ المنطق يقول إنّ هؤلاء هم الأولى بانتقاد العهد الجديد كلّما حاد عن مبادئ ثورتهم التي دفعوا ثمنها كلّ نفيس من أرواح وممتلكات. طبعًا لا تعدم هذه الفئة أصواتًا ناقدة وفكرًا متحررًا من قيود هذا التحيّز ضد الخسارة، لكنّ هؤلاء يبقون قلّة ضئيلة تحاصرها الشكوك والاتهامات من كل حدب وصوب. سيكون التفكير النقدي العقلاني البارد محل اتهام من متطرفي هذه الفئة على الدوام. هنا تكمن مأساة القادة السياسيين الذين عليهم الموازنة بين ضرورات القيادة والفعل الإيجابي والتأثير بالأحداث، وبين المدّ الشعبي الهائل الذي يجرف في طريقه كلّ من يعترضه أو يحاول توجيهه نحو الاتجاه الصحيح.

لنقرأ المشهد الآن بطريقة عكسية، فماذا لو لم يثر المصريون ضد التوريث الذي كان يسعى إليه الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك رحمه الله؟ هل يمكن القول إنّ وضعهم الحالي كان من الممكن أن يتحسّن ويصبح أفضل اقتصاديًا مما هو عليه الآن، ولربما كان يمكن القول أيضًا إنّ وضع العرب جميعًا كان سيبقى أفضل بما لا يقاس مما هو راهنٌ حاليًا، فلربما ما كان للحرب الهمجية الإسرائيلية أن تقوم على أهل غزّة لو كان حسني مبارك أو المشير عبد الحليم أبو غزالة رئيسًا لمصر! لا أحد يدري كيف يمكن أن تسير عجلة الأيام، لأنّ هذا مما لا يمكن معرفته بيقين أو حتى بظنٍّ أيضًا. بالمقارنة مع سوريا، هل كان وضع السوريين سيذهب إلى التحسّن مع نظام الحكم البائد لو صبروا ولم يثوروا عليه، هل كان يحوي نظام الأسد المدحور في ثناياه بذور القابلية للإصلاح أساسًا؟ من يصدّق أن نظامًا أعدّ سجونه بأحواض الأسيد ومكابس الجثث وهيّأ مساحاتٍ شاسعةً للمقابر الجماعية وحوّل المشافي والمدارس والملاعب الرياضية لأماكن يمارس فيها الاعتقال والتعذيب والقتل، يمكن أن يتحوّل إلى نظام أقلّ وحشية إن لم نقل إلى نظامٍ ديمقراطي؟  هنا يجب ألا تخوننا الفطنة، فالمكتوب معروفٌ من عنوانه، ولا يمكن ترك الاحتمالات تأخذنا بعيدًا في التفكير. هذا الذي سقط نظامٌ ما كان له أن يستمر إلا بالقوّة المفرطة والعنف الوحشي، وما كان ليسقط إلا بمثلهما أو بمفاعيل النخر الذاتي الذي أكل أسسه وأركانه حتى بات عبئًا على التاريخ وليس فقط على المستفيدين منه داخليًا وعلى حلفائه إقليميًا ودوليًا. هذا الذي رأيناه وعشناه في سوريا طوال عقود من حكم البعث وعائلة الأسد، هو بالذات ما يمكنه أن يشرح من دون تبرير، حجم “وهم التحيّز ضد الخسارة” الذي تعيشه فئة واسعة من السوريين والسوريات وتأثيره المديد خلال سنواتٍ قادمةٍ، نرجو الله ألا تطول.

تلفزيون سوريا

——————————–

 أحلام السوريين بين التصور والواقع/ أحمد عيشة

2025.04.19

بعد أربعة عشر عاماً من حرب النظام الإبادية ضد السوريين، نالوا أخيراً حريتهم، وبدأ التحول السياسي الذي ناضلوا طويلاً من أجله، والذي جاء نتيجة عاملين أساسيين، الأول تخلي داعمي النظام – حزب الله وإيران وروسيا- عن حمايته وبسبب جيش الأسد المحبط بشدة انهار بشكل أساسي، والأهم أن الناس الذين دعموا النظام خلال تلك الفترة، قد أرهقوا من الفساد والقسوة العارية في عهد حكم الأسد اللصوصي، وأدركوا أن الروايات البالية عن أحقية النظام كاذبة بشكل فاضح، والثاني بسبب انضباط وتدريب قوات هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها،

بعد أربعة عشر عاماً من حرب النظام الإبادية ضد السوريين، نالوا أخيراً حريتهم، وبدأ التحول السياسي الذي ناضلوا طويلاً من أجله، والذي جاء نتيجة لعاملين أساسيين، الأول تخلي داعمي النظام – حزب الله وإيران وروسيا- عن حمايته وبسبب جيش الأسد المحبط بشدة انهار بشكل أساسي، والأهم أن الناس الذين دعموا النظام خلال تلك الفترة، قد أرهقوا من الفساد والقسوة العارية في عهد حكم الأسد اللصوصي، وأدركوا أن الروايات البالية عن أحقية النظام كاذبة بشكل فاضح، والثاني بسبب انضباط وتدريب قوات هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها، إضافة إلى الدعم الإقليمي لقوات الهيئة التي استفادت بشكل جيد من التغيرات الميدانية في سوريا، وخاصة من حيث توقيت المعركة، الذي شكّل ضربة قوية لقوات نظام الأسد التي نخرتها الخلافات على المصالح وتوزع الولاءات.

لم تغب الصراعات الدولية على سوريا بعد زوال نظام الأسد، وكذلك لم ترفَع العقوبات المفروضة على سوريا بسببه أيضاً، وهي ما تعيق تشكل الدولة الجديدة وربما تشلها بالكامل. فتركة نظام الأسد مرهقة جداً من حيث الدمار المادي واللامادي، والأهم تفتيت النسيج الاجتماعي السوري وفق عوامل طائفية وإثنية، حيث تشكل جميعها تحديات كبرى في مواجهة السلطة الجديدة تجعل من الوضع السوري ذي توازن هش، وخاصة عندما تتضافر العوامل الدولية مع الركائز المحلية، التي برزت إلى السطح بمطالب تناقض تشكيل الدولة وبسط سيطرتها على كامل الأرض السورية تحت مظلة قديمة -جديدة، وهي مسألة الأقليات و”حقوق الإنسان” التي بررت ذات يوم ولا تزال تدخل الدول الغربية في تشكيل المنطقة وضرب طموحاتها في تشكيل كيانها الخاص.

يضاف إلى هذا التصارع الدولي والإقليمي، تباعد السوريين وخلافاتهم حول مستقبل بلدهم من حيث تشكيل الدولة وطبيعة النظام السياسي وغيره، هذا التباعد الذي يعيد بصورة جديدة أزمة السياسة السورية بتياراتها ونخبها المعروفة، التي لم تنتج ما يفيد في تقدم البلد رغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها هذه التيارات في عهود الأسدين، وإنما تكرس من جديد حالة من الافتراق عن المزاج الشعبي العام، الأمر الذي يطرح من جديد ضرورة تعريف السياسة ودورها، بكونها الوسيلة لإدارة سلمية لشؤون الحياة أكثر من كونها أيديولوجية تعمل على تعمية الناس أو تبرير سلوك وإدانة آخر وفق مصالح تلك النخب السياسية المشبعة بالأيديولوجيا والتي لم تخرج من قوقعتها النظرية رغم ادعاءاتها، باختصار كشفت تجربة التحول في سورية أن تلك النخب لا تزال مخلصة لجذورها الأيديولوجية في التعامل مع هذا التحول وانحيازاتها بما يعطيها دورها المتميز، وبالتالي افتراقها عن الناس وهمومهم.

ثمة مفارقة كبرى بين مطالب السياسيين والناشطين والمهتمين في الشأن العام، وخاصة الذين يعيشون خارج سورية ضمن ظروف حياتية مريحة نسبياً، على الأقل من ناحية الخدمات وضرورات الحياة والأمان، وبين الذين يعيشون في سوريا سواء في المخيمات أو القرى أو المدن، فغالباً ما يغلب على حديث السياسيين هؤلاء المطالب التي تعكس التجربة في البلدان التي يعيشون فيها من ناحية النظام والخدمات المتوفرة ومستوى الانضباط والالتزام بالقوانين عموماً، ناهيك عن رسوخ الدولة ومؤسساتها وحياديتها وحتى علمانيتها، من دون تفهم بأن تلك المؤسسات والإنجازات قد استغرقت عقوداً وربما قرون حتى وصلت إلى شكلها الحالي، ومن دون تفهم لسياق تشكلها التاريخي، حيث لعب خطابها عن حقوق الإنسان والأقليات عقب التمرد الطائفي في الساحل ورّد السلطة الطائفي في جزء منه أيضاً دوراً في التغطية على الجناة وتحويلهم إلى ضحايا.

وعلى الطرف المقابل، أي في سوريا المنكوبة والمدمرة بالمعنى الحرفي للكلام، فما يهيمن على ذهن وحياة الناس عمومهم، هو الحياة اليومية ومستلزمات العيش التي غدت مرهقة جداً، حيث لا تعنيهم أحاديث السياسيين -رغم أهميتها وضرورتها- فهم لا يهمهم اليوم شكل الدولة ولا حياديتها ولا قوانين تنظيم الأحزاب ولا غيرها ولا الدستور، فما يعنيهم هو العيش بكرامة وحرية، العيش بكرامة يستلزم تأمين ضرورات العيش من شغل وإنتاج وبالتالي دخل، وحرية، بمعنى التخلص من الخوف المزمن من “رجالات” ورموز السلطة، والأمر الآخر توفر حالة الأمن كشرط ضروري للاستقرار والشغل، بمعنى أن تبسط الدولة سلطتها على كامل أراضي البلاد، وهو الأمر الذي لا يزال يتعثر حتى اليوم نتيجة لتحديات عدة، أهمها الصراعات الدولية على سورية، وحالة الدمار الهائل في البلاد ونهب كل مقدراتها، ناهيك عن الصدوع العميقة القائمة في المجتمع السوري، تلك الصدوع التي عمدتها الدماء طوال عقود حكم الأسدية.

أمام هذه الحالة من الافتراق بين خطاب النخبة السياسية ومطالب الناس وأحلامهم، يصبح من الضروري المحاولة على حل تلك المشكلة التي تسهم بحال استمرارها في نمو التسلطية والانفراد لأي سلطة. والسؤال المطروح هنا، كيف يمكن تفعيل السياسة في المجتمع بمعنى تنظيمه وبناء هياكل سياسية يمكن أن تحد من تغول السلطات وتشارك في بناء الدولة الجديدة؟  بالطبع، لا يمكن لأحد أن يقدم الإجابات الشافية، ولكن علينا المحاولة، وأول ما يقتضيه الأمر العمل على ترتيب الأولويات وعدم التعالي على ما يعيشه الناس من آلام وكيفية التعبير عنها، وبالتالي ضرورة الانخراط في الممارسة وبناء الهياكل السياسية التي يمكن أن تشكل عوامل رفد للسلطات وضغط عليها.

تتلخص أكثر المشكلات والتحديات التي تواجه سوريا اليوم في مشكلة العقوبات المفروضة سابقاً، التي تشكل العائق الأساسي أمام أي محاولة إعادة بناء الدولة ومؤسساتها، ويفتح الطريق أمام تفعيل دور الناس من خلال خلق فرص العمل ورفع سوية الدخل بما يضمن الحدود الدنيا لحياة كريمة، وثانيها في ضرورة دعم السلطات على بسط سيطرتها على كامل سوريا بما يستلزم من احتكار السلاح والعنف بيدها فقط، وحل كافة الفصائل المسلحة ودمجها ضمن إطار الجيش الجديد وفق أسس وطنية، وبالتالي يضعها أمام مسؤوليتها في توفير الأمن لعموم الناس، والأمر الثالث العمل على تحقيق السلم الأهلي من خلال المكاشفة والتناول الصريح للانقسامات القائمة بين السوريين وهي انقسامات عميقة يمكن أن تهدد البلاد برمتها،وهذا يتطلب محاسبة المسؤولين عن عمليات القتل وفق نظام قانوني منصف.   

لا يزال الوضع في سوريا حتى اليوم (أربعة شهور) هش، ولا يمكن التنبؤ بما سيحدث الآن بعد الخلاص من استبداد الأسد، فصحيح أن الناس استعادوا بشكل ما تواجدهم في المجال العام وامتلكوا الحرية لأول مرة بعد عقود من الاستبداد، وهي شرط ضروري كما أنها إنجاز هائل ينبغي بكل الوسائل عدم التفريط به، وعموم الناس مصممة على ذلك، لكن البلاد تعيش في حالة مغلفة بالسواد والترقب، فلا المكان كما كان ولا الناس أيضاً، وليس مبالغة القول أنه عندما تمشي في مدينة كحلب، تجد صعوبة في التعرف عليها، فهي مدينة مغلفة بالسواد، تشعر أنك في وطن لم يعد فيه أحد، فالناس تعيش في ظل ظروف طاحنة، ظروف تخيم عليها حالة الفقر العام من جهة وصدمة المفقودين وأوجاعها، وحتى حالة عدم التصديق بأن الكابوس الأسدي قد ولى، وهي أمور تشكل اليوم وجدان السوريين من جديد، لكنهم يحلمون بغد أفضل.

حتى يتحول الحلم إلى واقع لا بد من تضافر كل الأطراف للعمل على تجاوز الماضي بما يحمله من آلام، والانطلاق نحو التشارك ببناء بلد ودولة للجميع وهذا يستلزم من السلطة الانتقال فعلاً لا قولاً إلى بناء الدولة العمومية، دولة الجميع بدلاً من خصخصتها، ومن النخب السياسية المشاركة الفعلية بما تعنيه من دعم ونقد، وهو ما توفره حالة الحرية المتاحة بدلاً من الندب وتوجيه التعليمات!

تلفزيون سوريا

—————————–

 من كابوس العسكرية إلى أحلام قيد التحقيق.. هكذا بدّل سقوط الأسد مصير شباب سوريا/  مصطفى عبد الحق

2025.04.19

“خسرتُ سنوات من عمري بسبب العسكرية”، بهذه العبارة يستذكر خليل درباس بحسرة سنوات دراسته في كلية الإعلام بجامعة دمشق، التي تعمّد إطالتها إلى ثماني سنوات بدلاً من أربع، على أمل الحصول على تأجيل من الخدمة العسكرية، تماماً كما فعل كثير من الطلاب الذين اختاروا تأخير تخرجهم هرباً من الالتحاق بجيش النظام المخلوع.

لطالما شكّلت الخدمة العسكرية في سوريا كابوساً ثقيلاً يلاحق الشباب، إذ كان واضحاً أن الالتحاق بجيش نظام الأسد يعني خيارين لا ثالث لهما: إمّا الموت أو الإصابة بعاهة دائمة على الجبهات، أو إهدار ما يقارب عشر سنوات من العمر في الخدمة، بسبب سياسة النظام التي أبقت الجنود والضباط في الخدمة القسرية ومنعت تسريحهم.

ومع سقوط نظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد، أعلنت القيادة الجديدة حل الجيش والمؤسسات الأمنية، وإلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية، إلى جانب تفكيك جميع الفصائل العسكرية، والأطر “الثورية”، والسياسية، والمدنية، ودمجها ضمن مؤسسات الدولة.

“الدورة 102”: عمر مفقود

في أيار 2018، أصدر النظام المخلوع أمراً إدارياً يقضي بتسريح “الدورة 102″، وهي الأقدم بين دورات الجيش، وشمل القرار كل من المجندين الإلزاميين والاحتياطيين.

كانت “الدورة 102” قد استُدعيت إلى الخدمة الإلزامية في أيار 2010، واحتُفظ بجميع أفرادها قسراً لثماني سنوات كاملة، لتصبح في منتصف عام 2018 أول دفعة يتم تسريحها منذ اندلاع الثورة السورية.

مختار قجي كان واحداً من هؤلاء الشبان، التحق بالجيش عام 2010 بعد أن أنهى دراسته في كلية التربية بجامعة حلب. حينها، بادر أهله إلى خطبته، على أمل أن يتم زواجه فور إنهاء خدمته العسكرية، التي كان من المفترض ألا تتجاوز سنة ونصف.

لم يكن يدري أن تلك الخدمة ستمتد لثماني سنوات من العذاب والمعاناة. خدم مختار في دير الزور، وهناك عاش حصاراً قاسياً فرضه تنظيم “داعش” داخل مطار المدينة، حيث قضى مع زملائه أياماً بلا طعام ولا ماء، بعدما تخلى عنهم النظام، مكتفياً بإلقاء فتات المؤن عبر الطائرات المروحية كل بضعة أيام.

حاول مختار مراراً الهروب من جيش نظام الأسد، لكن تشديد المراقبة ومنعه حتى من الحصول على إجازة، خاصة كونه ينحدر من مدينة إدلب، جعلا محاولاته تنتهي بالفشل.

يروي مختار قجي لموقع “تلفزيون سوريا” أن خطيبته فسخت الخطبة بعد ثلاث سنوات من التحاقه بالخدمة، بعدما فقدت الأمل في أن يعود، في ظل تصاعد المعارك عام 2013 واستنفار النظام لكامل قواته ومنع الإجازات.

وفي منتصف 2018، حين صدر قرار تسريح “الدورة 102″، لم يشعر مختار بأي فرح. علّق بمرارة “أي حياة سأعيشها بعدما بُترت قدمي. خسرت خطيبتي، وثماني سنوات من عمري، وفوق كل ذلك.. فقدت قدمي”.

خدمة مؤجلة وحياة بالانتظار

خلال سنوات الثورة السورية، كانت كثير من العائلات ترفض تزويج بناتها لأي شاب مُؤجل للخدمة العسكرية أو ملتحق بها، إدراكاً منها أن مصير معظم هؤلاء الشبان إما القتل على جبهات المعارك، أو الإصابة بعاهات دائمة، أو قضاء سنوات طويلة في صفوف جيش نظام الأسد، بعيداً عن الزوجة والأبناء.

ومع تحسن الأوضاع الأمنية وإلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية عقب سقوط النظام المخلوع، تبدّلت أولويات الشباب من الهجرة والبحث عن ملاذ آمن، إلى العمل داخل البلاد، والزواج، وبناء حياة أسرية مستقرة.

في السابق، كانت الخدمة العسكرية عائقاً أساسياً أمام إتمام عقود الزواج؛ إذ كان أي شاب في سن الخدمة مطالباً بالحصول على وثيقة من شعبة التجنيد لتثبيت زواجه. أما من انتهت تأجيلته، فكان يعجز عن استخراج هذه الورقة خوفاً من الملاحقة الأمنية.

ولم يكن الوضع أسهل بالنسبة للعسكريين الملتحقين بالخدمة، حيث كانوا مجبرين على استصدار “رخصة زواج” من قياداتهم العسكرية كوثيقة أساسية لتثبيت العقد رسمياً.

وفي شباط 2019، أصدر رئيس النظام المخلوع مرسوماً عدّل بموجبه بعض مواد قانون الأحوال الشخصية، حيث نصت المادة 40 منه على أن العسكريين الملتحقين بالخدمة الإلزامية يمكنهم تثبيت زواجهم دون الحاجة إلى موافقة شعبة التجنيد، بينما بقي العسكريون المتطوعون مطالبين بالحصول على رخصة زواج من قياداتهم.

معتز البزرة، شاب من سكان منطقة اللوان في كفرسوسة بدمشق، بلغ الثلاثين من عمره دون أن يتمكن من الزواج، إذ كان يتعمد إطالة سنوات دراسته للحصول على تأجيل من الخدمة العسكرية، وبعد تخرجه من الجامعة في سن الخامسة والعشرين، بدأ يفكر بالزواج، لكن كل عائلة كان يتقدم لخطبة ابنتها ترفض طلبه فور علمها بأنه لم يؤدِ خدمته العسكرية بعد.

اضطر معتز للتسجيل في برنامج ماجستير إدارة الأعمال بغرض تأجيل الخدمة، وبقي في الدراسات العليا أربع سنوات كاملة، وكان يخطط لاحقاً للتسجيل في مرحلة الدكتوراه، إلا أن معدله لم يؤهله للقبول، ليجد نفسه مهدداً بالالتحاق بالجيش بعدما استنفد جميع فرص التأجيل.

أمام هذا الواقع، بدأ معتز يخطط للهروب خارج سوريا، بهدف تأمين فرصة عمل والزواج دون قيد أو تهديد، لكن سقوط النظام بدّل كل حساباته.

يقول معتز لموقع “تلفزيون سوريا” إن “الفرج جاء مع سقوط الأسد، حيث كنت على وشك دفع 5 آلاف دولار للمهرب كي أصل إلى تركيا، بينما الآن يمكنني أخيراً أن أضع خطة لحياة مستقرة والزواج دون أي عوائق أو خوف من الخدمة العسكرية”.

التأجيل الدراسي: ملجأ الهاربين من التجنيد

عادةً ما تستمر سنوات الدراسة الجامعية في سوريا لأربع سنوات في معظم الكليات، وترتفع إلى خمس سنوات في كليات الهندسة والصيدلة، وتصل إلى ست سنوات في كليات الطب البشري.

ومع ذلك، عمد كثير من الطلاب إلى إطالة هذه الفترة عمداً، عبر الرسوب المتعمد، طمعاً في تأجيل الخدمة العسكرية والهروب من شبح الالتحاق بجيش النظام.

خليل درباس، 38 عاماً، من حي الصاخور في حلب، كان واحداً من هؤلاء الطلاب، التحق بكلية الإعلام في جامعة دمشق، وعندما وصل إلى سنته الجامعية الثالثة، كانت الثورة السورية قد اندلعت، ما دفع النظام إلى استنفار قواته وإطلاق حملات تفتيش واسعة لملاحقة المتخلفين عن الخدمة العسكرية.

وفي حديثه مع موقع “تلفزيون سوريا”، يقول درباس إنه “رغم تفوقي في أول سنتين، قررت الرسوب عمداً في السنة الثالثة، ثم أجّلت مشروع تخرجي في السنة الرابعة، لتطول سنوات دراستي إلى ثماني سنوات، بعدما كنت أخطط للتخرج خلال أربع سنوات والدخول إلى سوق العمل الإعلامي”.

إلا أن هذا القرار كان له ثمن آخر؛ فبعد تعمد الرسوب، انخفض معدله النهائي إلى 65%، وهو ما حال دون قبوله في برنامج الماجستير بشكل نظامي. لذلك اضطر للتسجيل عبر نظام التعليم الموازي.

يضيف درباس “كان والدي موظفاً بسيطاً لا يتجاوز راتبه 15 ألف ليرة سورية عام 2013، ومع ذلك استدان من صديقه ليؤمّن لي رسوم التسجيل في الماجستير، التي بلغت آنذاك 110 آلاف ليرة، فقط ليجنيبني خطر السوق للخدمة الإلزامية”.

لكن الأعباء المالية لم تترك للعائلة خياراً طويلاً؛ فبعد عامين من دراسة الماجستير، قرر درباس ترك الجامعة والسفر إلى تركيا بطريقة غير شرعية، بعدما عجز والده عن دفع المزيد من رسوم الدراسة.

في عام 2015، دفع مبلغ 30 ألف ليرة سورية لمهرّب مقابل تأمين عبوره إلى تركيا، ليبدأ هناك حياة اللجوء، بعدما خسر عشر سنوات من عمره في دراسة كان يمكنه إتمامها خلال أربع سنوات، لولا الهروب المستمر من شبح العسكرية.

ومع سقوط النظام المخلوع، لم يعد طلاب الجامعات مضطرين لإطالة سنوات دراستهم من أجل تأجيل الخدمة العسكرية. ويشير درباس إلى أن شقيقه الأصغر، الطالب في السنة الثانية بكلية الحقوق في جامعة حلب، غيّر خططه الدراسية بعد سقوط النظام، وبدلاً من التعمد في الرسوب كما كان يفكر سابقاً، قرر التركيز على دراسته وتجاوز السنوات الأربع بتفوق، بعدما زال الخطر الذي كان يدفعه للبحث عن تأجيل الخدمة بأي وسيلة.

لطالما كان الهروب من الخدمة العسكرية هدفاً رئيسياً لكثير من الشبان السوريين فور بلوغهم السن القانونية (18 عاماً)، خاصة لمن لم يكن يملك قدرة على تأجيل الخدمة أو دفع البدل النقدي. وكانت وجهة الغالبية البحث عن حياة أكثر أماناً خارج حدود البلاد.

لكن مع سقوط النظام، تبدّلت تلك الخطط وتغيرت الحسابات، كما حصل مع موسى طحان، الشاب البالغ من العمر 17 عاماً، والذي كان يستعد للسفر إلى ألمانيا هرباً من الخدمة العسكرية، قبل أن يتخذ قراراً بالبقاء في سوريا وبدء مشروع صغير كان يحلم به منذ سنوات.

عمل موسى لسنوات على بسطة لبيع “تماري الكعك” في حي القنوات بدمشق، معيلاً لأسرته بعد وفاة والده قبل أربع سنوات. يقول لموقع “تلفزيون سوريا” إنه “كنت أحلم بفتح مشروع صغير يؤمن لي مصدر دخل أفضل من العمل على البسطة، لكن فكرة الخدمة العسكرية كانت تقتل هذا الطموح، وكنت أسأل نفسي دوماً ما الفائدة من مشروع سأتركه قريباً للهروب من الجيش؟”.

إلا أن سقوط النظام قلب الموازين، حيث لم يعد موسى مضطراً للمغادرة، فقرر تحقيق حلمه وافتتاح ورشة صغيرة لإنتاج الطحينة، بدلاً من الاكتفاء بشرائها كما كان يفعل خلال عمله على البسطة.

وبمبلغ بسيط لم يتجاوز 1300 دولار، اشترى موسى آلة طحن السمسم مقابل ألف دولار، واستأجر محلاً بـ200 دولار، وخصّص 100 دولار لشراء عبوات التعبئة، وبدأ الإنتاج، حيث تنتج آلته في اليوم 50 كيلوغراماً من الطحينة خلال ساعة واحدة، مستخدماً السمسم والقليل من الزيت النباتي فقط.

خلال شهرين، تمكن موسى من تسويق كميات من الطحينة لعدد من المحلات الصغيرة والبسطات، وقدمها بأسعار أقل من السوق لتشجيع الزبائن على التعامل معه.

يؤكد موسى بثقة “أعتقد أن معظم السوريين اليوم، بعد سقوط النظام، بدأوا يفكرون مثلي بإنشاء مشاريعهم الصغيرة داخل البلد، بعدما تلاشى كابوس الخدمة العسكرية”.

لكن شبح الخدمة العسكرية لم يكن يطارد فقط الشباب الذين لم يلتحقوا بالجيش، بل لاحق حتى أولئك الذين أنهوا خدمتهم منذ سنوات، بعد أن بدأ النظام المخلوع زجّ المجندين السابقين في الخدمة الاحتياطية مع تصاعد المعارك.

أنس لقموش، 40 عاماً، كان قد أنهى خدمته العسكرية في 2009، وبدأ عمله في مجال صيانة الأدوات الكهربائية، قبل أن يتفاجأ عام 2017 بأنه مطلوب للخدمة الاحتياطية، ما أجبره على حصر عمله داخل منطقة جرمانا، خوفاً من الحواجز الأمنية التي كانت تلاحق المطلوبين.

في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، يقول أنس “لم أكن أجرؤ على مغادرة جرمانا خشية المرور عبر الحواجز، الأمر الذي حصر عملي وأثر على دخلي، لأن أغلب زبائني كانوا في أحياء دمشق. لكن مع زوال الأسد، تبدل كل شيء، وأصبحت أتنقل بحرية، بل وأخطط أخيراً لافتتاح ورشة صيانة في شارع الثورة كما حلمت طويلاً”.

—————————

من الإنكار إلى الارتباك.. “عقدة سوريا” تكشف مأزق إيران وتخبّط سياساتها/ ضياء قدور

2025.04.19

رغم التحديات المصيرية التي تواجهها طهران داخلياً وخارجياً، من احتجاجات شعبية كامنة تحت رماد السخط المجتمعي، إلى مفاوضات نووية هشة تتأرجح تحت وقع تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتجددة؛ إلا أن إيران ما تزال عاجزة عن التحرر من عقدة سوريا.

ففي حين تشهد الساحة السورية تحولات لافتة، تُظهر قدرة نسبية على إدارة التحديات الداخلية والخارجية والتوفيق بينها، مدفوعة بجولات دبلوماسية مكّوكية غير مسبوقة تقودها وزارة الخارجية السورية، تستمر طهران في التخبط بين التصريحات المتناقضة والمواقف المرتبكة، بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على سقوط نظام الأسد وخروج القوات الإيرانية من المشهد السوري.

لذلك، لا يمكن قراءة التحوّل اللافت في خطاب طهران تجاه سوريا، والذي بات يتبنى مفردات كـ”الحكومة الشاملة” و”حماية الأقليات”، إلا في سياق الخسارة الاستراتيجية التي منيت بها، وخروجها الفعلي من المعادلة الميدانية والسياسية في سوريا. فبعيداً عن نبرة التصعيد والتحدي التي كانت سمة الخطاب الإيراني لعقد من الزمن، تتجه طهران اليوم نحو خطاب ناعم يحاكي أدبيات المجتمع الدولي ودول الغرب التي طالما نعتها بـ”العدائية” و”التآمرية”، في محاولة مكشوفة للحفاظ على هامش حضور سياسي، ولو من موقع المراقب العاجز، بعدما أصبحت خارج اللعبة.

تبدّل الخطاب الإيراني: من التهديد إلى خطاب “الحكومة الشاملة”

في كلمة له خلال منتدى السليمانية في إقليم كردستان العراق، أعاد نائب وزير الخارجية الإيراني، سعيد خطيب زاده، تكرار السردية القديمة التي طالما استخدمتها طهران لتبرير تدخلها في سوريا، والمبنية على “الخوف من ما بعد الأسد”. وأكد في معرض رده على الانتقادات الموجهة لدور بلاده في سوريا، أن المخاوف التي دفعت إيران إلى دعم النظام في بداية الثورة ما تزال قائمة.

وأضاف: “في عام 2013 أجرينا حواراً في برلين مع عدد من ممثلي المعارضة السورية، وسألني أحدهم بإلحاح: لماذا تصرون على دعم الأسد؟ فأجبته: نحن قلقون مما قد يحدث بعد سقوطه، نخشى على سوريا من الاحتلال، ومن سيطرة داعش والسلفيين، ومن أن تتولى جماعات متطرفة الحكم وتقصي الآخرين، نحن قلقون على الأقليات، وعلى الشعب السوري ككل”.

إصرار خطيب زاده على صلاحية هذه “القائمة من المخاوف” حتى اليوم، يهدف إلى تلميع صورة التدخل الإيراني ورفع المسؤولية عن تبعاته. لكن المفارقة أن كثيراً من الظواهر التي حذر منها المسؤول الإيراني – من انهيار الدولة، إلى الطائفية، إلى تفكك المؤسسات – كانت نتيجة مباشرة للدور الإيراني نفسه، لا لغياب بشار الأسد.

خطاب الحذر يخفي تحركات مشبوهة من خلف الستار

ورغم أن خطيب زاده حاول تقديم إيران كطرف يراقب المشهد السوري من بعيد “بحذر واحتياط”، إلا أن هذا الخطاب لا يمكن اعتباره صادقاً أو بريئاً. فالوقائع على الأرض تُكذّب هذا الادعاء، إذ تشير معطيات ميدانية إلى أن طهران كانت تقف خلف إشعال سلسلة من العمليات الدموية التي استهدفت مواقع لقوات الأمن العام في الساحل السوري خلال شهر آذار الماضي.

كما تتقاطع تقارير استخباراتية عدة عند تحميل إيران مسؤولية تشكيل ودعم حركة “أولي البأس”، وهي جماعة مسلحة جديدة تُعرّف عن نفسها كجزء من “المقاومة الإسلامية في سوريا”، وتتوعد بعمليات ضد القوات السورية، والوجود التركي، والإسرائيلي على حد سواء.

ويكشف هذا التناقض الصارخ بين الادعاء بـ”الغياب الحذر” من جهة، والعمل في الخفاء عبر ميليشيات وتنظيمات غير رسمية من جهة أخرى، عم أن إيران تسعى إلى إعادة تموضعها داخل سوريا عبر أدوات هجينة، تمكّنها من الحفاظ على نفوذها من دون تحمل كلفة سياسية مباشرة.

اقرأ أيضاً

جنديان من قوات الجيش السوري يقفان في قرية حوش السيد علي في سوريا خلال اليوم الأول من وقف إطلاق النار مع حزب الله – تاريخ الصورة: 19 آذار 2025

واشنطن بوست: انهيار “جسر إيران البري” في سوريا يضعف حزب الله ويخلخل نفوذ طهران

سجل دموي يتعارض مع دعوات الإصلاح

وتثير تصريحات خطيب زاده حول استعداد طهران للمساعدة في تشكيل “حكومة شاملة” في سوريا تساؤلات حول مدى توافقها مع السياسات الداخلية لنظام إيران، الذي يُعرف بقمعه للمعارضة السياسية ورفضه للتعددية.

وكانت طهران قد أقدمت في صيف عام 1988 على تنفيذ مجزرة بحق آلاف السجناء السياسيين من منظمة “مجاهدي خلق” المعارضة، فقد أُعدم هؤلاء المعتقلون من دون محاكمات علنية أو قانونية. ومنذ ذلك الوقت، لم تكشف طهران بعد عن مصير العديد من ضحايا هذه المجزرة، مما يثير تساؤلات حول حقيقة التزام النظام بالشمولية وحقوق الإنسان.

وكشف تسجيل جديد لرجل الدين الشيعي حسين منتظري، خليفة خامنئي في ذاك الوقت عن أدلة إضافية حول مجزرة عام 1988، إذ يثبت أن أفعال طهران، بفتوى من الخميني شخصياً، لم تكن مجرد تصرفات فردية أو ميدانية، بل سياسة مبرمجة من أعلى مستويات النظام.

ويشير منتظري في حديثه إلى أن الخميني أمر بتصفية آلاف الأشخاص فقط بسبب انتمائهم الفكري أو قراءتهم لمنشورات المعارضة، خصوصاً مجاهدي خلق.

وفي وقت لاحق، في عام 2022، خرجت الاحتجاجات الشعبية في إيران عقب وفاة مهسا أميني في حجز “شرطة الأخلاق”، وقد قوبلت هذه الاحتجاجات بعنف من قبل القوات الأمنية، مما أسفر عن مقتل العديد من المتظاهرين.

وفي حين تتبنى طهران خطاباً يدعو إلى “حكومة شاملة” في سوريا، يظل الواقع الداخلي في إيران يعكس سياسة مناقضة لهذا الطرح، إذ تواصل الحكومة قمع الحريات السياسية وتحجيم المعارضة.

وتكمن المفارقة اللافتة في الموقف الإيراني الجديد من سوريا في تقاطع خطابه مع الخطاب الغربي الذي طالما نددت به طهران واعتبرته أداة “أعداء الثورة الإسلامية” للنيل من حلفائها. فدعوة نائب وزير الخارجية الإيراني لتشكيل “حكومة شاملة” في سوريا، وتحذيره من إقصاء الأقليات، تأتي اليوم منسجمة – ولو من حيث الشكل – مع الخطاب الغربي الذي يربط بين التعددية السياسية ورفع العقوبات عن دمشق. وهو الخطاب الذي اعتبرته طهران، لعقود، غطاءً للتدخل الغربي ومحاولة لإضعاف ما تسميه “محور المقاومة”.

“ما زال هناك وقت للتعويض في سوريا”

في مشهد يعكس تحوّلاً لافتاً في الخطاب الإيراني غير الرسمي حيال الملف السوري، أدلى مهدي خانعي زاده، الذي يقدّم نفسه بصفته أستاذاً جامعياً ومحللاً في الشؤون الاستراتيجية، بتصريحات لافتة اعتبر فيها أن إبقاء سوريا في حالة من عدم الاستقرار يُعدّ “أحد أبرز إنجازات إيران في الظروف الحالية”. وهاجم خانعي زاده بشكل غير مباشر المواقف الرسمية لطهران، التي دعت مؤخراً إلى احترام آراء السوريين والتشاور مع حكومة دمشق، واصفاً هذه المواقف بـ”السخرية” و”ألعاب الأطفال”.

ووصف خانعي النظام الحاكم في دمشق ب “النظام الإرهابي”، مؤكداً على أنه لا ينبغي السماح باستقرار سوريا تحت حكمه. كما حمّل بعض الجهات العسكرية الإيرانية مسؤولية ما وصفه بـ”التقصير” في الحفاظ على نفوذ إيران في سوريا، مشيداً بالدور الذي أداه قاسم سليماني في هذا السياق، عبر دعم نظام الأسد البائد سياسياً وعسكرياً واستشارياً، وصولاً إلى إرسال وحدات قتالية إيرانية لحماية ما اعتبره “عمقاً استراتيجياً” لإيران.

وأضاف خانعي زاده أن “الهزيمة في سوريا شكّلت الضرر الأكبر للأمن القومي الإيراني”، لكنه ختم برسالة حملت طابعاً تهديدياً مبطناً، قائلاً إن “ما جرى ليس النهاية، ويمكن التعويض”، وهي لهجة تتقاطع مع التصعيد الذي بدأ يطفو في تصريحات بعض قيادات الحرس الثوري ومرشد الثورة علي خامنئي مؤخراً، ما يعكس أن طهران، رغم خسارتها الاستراتيجية الواضحة في سوريا، ما تزال تلوّح بأوراق تدخل جديدة، وترفض الإقرار بانتهاء دورها هناك.

“أولي البأس”.. رموز طائفية تفضح محاولات التنصل من الدعم الإيراني

في تصريحاتٍ له لصحيفة “النهار”، أكد مسؤول إعلامي في “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا” (أولي البأس) أن الجبهة لا تتلقى دعماً من أي طرف خارجي، سواء كان من إيران أو “حزب الله” أو حتى روسيا، وهو تصريح يتناقض مع المعلومات السابقة حول الدعم الإيراني المستمر لهذه المجموعة في سوريا.

وأضاف المسؤول أن علاقتهم مع “لواء درع الساحل” قد انتهت بعد أحداث الساحل في 6 آذار، مؤكداً أن أحد الأسباب الرئيسية لهذه القطيعة هو الاتهام الذي وجه لـ”الجبهة” بالمسؤولية عن تلك الأحداث.

لكن هذه التصريحات تتناقض بشكل كبير مع بيان سابق صادر عن “أولي البأس” في 7 آذار، أي بعد يوم واحد فقط من أحداث الساحل، حيث أكدت “الجبهة” في بيانها مشاركتها في التصدي لما وصفته “عصابات الإرهاب التكفيري” على عدة محاور في سوريا، كما ادعت أنها حققت انتصاراً على القوات السورية، مما يثير تساؤلات حول مصداقية تبرؤ “الجبهة” من “لواء درع الساحل”، ويعكس تضارباً واضحاً في المواقف.

وتثير التصريحات الأخيرة لمسؤول إعلامي في “أولي البأس” العديد من التساؤلات حول حقيقة تحركات هذه الجبهة وعلاقاتها الخارجية، خصوصاً مع القوى الإقليمية والدولية.

من المؤكد أن هذه التصريحات تكشف عن محاولة واضحة من “أولي البأس” لتنأى بنفسها عن طهران، ما قد يكون محاولة للتخفيف من الاتهامات التي تتزايد حول تبعيتها لإيران، خاصة في ظل الانتقادات التي تتعرض لها وفشل تحركاتها الأخيرة في الساحل السوري.

وأكثر ما يثير الجدل في الفترة الأخيرة هو التوجه الطائفي الذي يتبناه محمود موالدي، والذي ظهر مؤخراً كمسؤول الدائرة السياسية لجبهة “أولي البأس”. فقد ظهر على حسابه في “فيس بوك” وهو يحمل صورة خليفة مكتوب عليها “يا زهرا” ورقم 313.

ويرتبط هذا الرقم مباشرة بـ”كتيبة 313″ التي أسسها الحرس الثوري الإيراني في عام 2017، والتي تعمل على تجنيد السوريين من الطائفة الشيعية وتقديم الدعم المالي والعسكري لهم.

وتؤكد هذه الرمزية الطائفية الشكوك حول علاقة “أولي البأس” بإيران، في الوقت الذي تسعى الجبهة إلى التبرؤ من أي دعم إيراني، مما يثير تساؤلات حول مصداقية محاولاتها التنصل من طهران.

وفي حين تسعى الجبهة لتقديم نفسها كقوة مستقلة، فإن الرمزية المرتبطة بالرقم 313 وبالصورة الدينية الطائفية تؤكد ارتباطها الوثيق بالميليشيات المدعومة من طهران، مما يثير تساؤلات حول مصداقية محاولاتها التنصل من إيران.

تلفزيون سوريا

————————————–

 ليس عتباً على البرجوازية السورية… بل دفاعٌ عنها!/ سمير التقي

في لحظة وجودية حاسمة، يقف مشروع الدولة السورية مجدداً على شفير الهاوية، لحظة تنذر بزوال الكيان السوري، لا قدّر الله، لتتحول البلاد إلى جغرافيا للفشل والتفكك، على غرار ما جرى في الصومال وأفغانستان والسودان والبوسنة وألبانيا.

البرجوازية السورية: أوجٌ لم يُستثمر

في خمسينيات القرن الماضي، بلغت البرجوازية السورية ذروة حضورها الاقتصادي والاجتماعي. لكنها، رغم ذلك، كانت برجوازية هشّة، هجينة، مترددة، والأهم من ذلك أنها لم تُدرك ذاتها كطبقة، ولا مصالحها كقوة منتجة. لقد عجزت عن تشكيل أحزاب سياسية تعبّر عنها، أو صياغة مشروع وطني تقدمي جامع، يتجاوز قوى الماضي، ويوحّد البلاد، ويؤسس لمسار تنموي حقيقي، وسياسة خارجية وطنية تحفظ استقرار البلاد وتنميتها.

صعود العقائد وانحسار الوطنية

تزامن حضور البرجوازية مع تصاعد الأحزاب العقائدية في الريف والمدينة، التي هيمنت عليها شرائح أغنياء الريف وفقراء المدن، فيما انغمست هذه الأحزاب في مشاريع “ما فوق وطنية”، تراوحت بين وهم الخلافة الإسلامية، والقومية العربية، والقومية السورية الكبرى، والأممية الشيوعية.

وفي لحظة فرار من الخوف من الشيوعية، وبعدما اجتاح العقائديون شوارع دمشق وحلب، تخلّت البرجوازية السورية عن مسؤوليتها، وسلّمت السلطة للناصريين والبعثيين، الذين نادوا بالوحدة مع مصر. وبعد فشل الوحدة عام 1961، أعادت تسليم البلاد لمن تبقى منهم، فانتقلوا إلى شعارات الاشتراكية وتأميم الصناعات، ورفعوا راية “تحرير فلسطين”.

كان ثمة طريقان للتنمية… كلاهما في مأزق

كانت الدول المستقلة حديثاً أمام خيارين للتنمية:

1. الرأسمالية الطبيعية والعفوية.

2. أو ما سُمّي بـ”الطريق اللا-رأسمالي” الذي دعا إليه الاتحاد السوفياتي كبديل تنموي “سريع”.

لكن النموذج السوفياتي نفسه لم يكن شيوعياً حقيقياً، ولا رأسمالياً تقليدياً، بل كان نظام رأسمالية دولة احتكارية، فاسدة، لا تعيش دون ريعٍ سهل. وعلى شاكلته، غطّى النظام السوري عجزه بمزيد من “البلطجة” الإقليمية: من نكسة 1967، إلى حرب 1973، إلى اجتياح لبنان، ثم التحالف مع صدام حسين بعد غزو الكويت، مدعوماً ببعض النفط السوري لاحقاً.

ومع تسليم بشار الأسد للدور الإقليمي السوري إلى المشروع الإيراني، وقطع روابطه العربية، لم يتبقَ أمامه سوى الارتماء في أحضان روسيا ثم إيران.

“عودٌ على بدء”… بل أسوأ

بسقوط الأسد، سقطت معه دولة البعث وجيشه، وعادت الشام إلى نقطة البداية، بل إلى ما هو أسوأ بأضعاف. لقد خسرت سوريا ثمانين عاماً من تاريخها، وبعدما نُخرت البنى الإنتاجية والاجتماعية في الريف والمدينة، تفشى الفساد، وتحللت علاقات العمل، وانهارت القاعدة المادية والمجتمعية للإنتاج، وساد الجوع والفقر المدقع.

وفي غياب قوة إنتاجية حقيقية، صعدت الزعران والرعاع وحراس المعابر، يفرضون تعسفهم وقوانينهم وأعرافهم وقيمهم، لتعود البلاد إلى ما يشبه حالتها بعد سقوط الدولة العثمانية.

عنفٌ باسم الدين… وحقد طائفي

فبعد أن كانت شرعية الانقلاب على المدينة عام 1963 قائمة على الاشتراكية وتحرير فلسطين، باتت بعض المنابر الدينية اليوم تسعى لفرض شرعية دموية طائفية، تُحرض على تقاليد الإسلام الحضري السوري المنفتح، وتهاجم التصوف والأشعرية، وتسعى لفرض رؤيتها السلفية المتشددة، من تحريم التراويح والمولد النبوي الشريف، إلى حجب المرأة عن الحياة العامة.

لكن سوريا، الدولة والمجتمع، ترفض أن تختزل إلى مشايخ ومطارنة وزعامات أحياء. إنها وطن مدني يقوم على الأحزاب والنقابات والتضامنيات المدنية، ولا هي لا تُدار بمنطق “المجالس المليّة”.

من المصالحة إلى الاستسلام

في موازاة ذلك، تجري مصالحات مع رجال الأسد الغارقين في دماء السوريين، علّهم يستعيدون أدوارهم السابقة في نهب البلاد. ديون هؤلاء للدولة تفوق أضعاف ممتلكاتهم، وها هم اليوم يدخنون السيجار في أروقة “الفورسيزونز”، محاطين بحراسهم ودبلوماسييهم.

وكما تزيح العملة الرديئة العملة الجيدة، يشتكي رجال الأعمال المنتجون من إغراق السوق بالبضائع الرخيصة، ويهددون بإغلاق معاملهم والرحيل، بعدما صمدوا طوال سنوات البعث.

هكذا، تُغتال آخر فرص استعادة البرجوازية الوطنية المنتجة من الخارج.

سوريا على مفترق مصيري

أمام هذه التحديات، تقف سوريا دولةً وسلطةً ومجتمعاً، وتواجه البرجوازية الوطنية المنتجة خاصة، استحقاقات مصيرية، سيكون الفشل في مواجهتها، مأساة وجودية لسوريا.

الطريق الأول: إعادة إنتاج الفساد

طريق الميليشيات والبلطجية، المتحالفين مع الرأسمالية الطفيلية والأوليغارشية الدولية، يعيد إنتاج النظام السابق ذاته وبلغة جديدة. إنه اقتصاد ريعي غير منتج، قائم على المعونات والاقتصاد الأسود واقتصاد الظل. لكن هذا الطريق لا مستقبل له، خاصة مع انهيار المشروع العقائدي للإسلام الراديكالي وفقدانه للموارد. ذلك انه في الداخل، لم يتبقَ ما يُنهب، وفي الخارج يتقدم قطار السلام الإقليمي بلا توقف، ولن تجد في هذا السيناريو أية سلطة في سوريا مجالاً للبلطجة الإقليمية، لن تجد الا الاستسلام للتبعية المطلقة لقوى إقليمية لا ترى فيها سوى منصة انكشارية للنفوذ الاقليمي.

الطريق الثاني: دولة البرجوازية الوطنية

الخيار الأصعب والأبقى هو قيام دولة مدنية تقودها البرجوازية الوطنية المنتجة، نقيض دولة الفساد والميليشيات. دولة تستند شرعيتها إلى توافق وطني حر، وتستثمر في المستقبل لا في الحقد الطائفي ومآسي الماضي، وتؤسس لنظام لا مركزي تعددي، يُعلي من قيمة الإنتاج والاستثمار، ويواجه الطفيليين.

يفتح هذا الطريق أمام سوريا أبواب الاندماج في المشروع الحضاري المتكامل لدول الخليج العربي.

الكلمة الفصل للبرجوازية

سيكون على السيد أحمد الشرع أن يحسم خياره قريباً: إما الانحياز للمشروع الوطني الجامع، وإما البقاء في صف الميليشيات واللصوص.

وبغض النظر عن خيارات السلطة الحالية، يترقب السوريون أن تنتصر البرجوازية الوطنية العريقة المنتجة على مخاوفها الفطرية، وأن تتقدم إلى صدارة المشهد الوطني، لتقود البلاد نحو مستقبلها. عندها فقط، يُبعث الأمل السوري من آخر النفق.

النهار العربي

——————————

سوريا الجديدة واليسار الغربي: عَوْد على بدء اعوجاج/ صبحي حديدي

17 – أبريل – 2025

لم يكن طيباً حظّ الانتفاضة الشعبية السورية، 18 آذار (مارس) 2011، مع تيارات وشرائح مختلفة تمثّل اليسار الأوروبي والأمريكي عموماً، وليس اختيار مفردة «حظّ» هنا سوى مسعى لغوي مقصود، يتيح ترحيل الأسباب إلى اعتبارات فوق ــ منطقية، إذا جاز القول؛ بالنظر إلى أنّ انتفاضة أيّ شعب، ضدّ الاستبداد ومن أجل الحرية والكرامة والحقوق، يتوجب أن تحظى بتأييد قوى تزعم الانتماء إلى حقّ الشعوب في الثورة والتحرر وتقرير المصير. وكان محزناً على نحو خاصّ، ويجافي صواب المنطق الأبسط، أنّ تخلّف تلك التيارات عن تأييد الانتفاضة الشعبية السورية، ونزوعها على العكس إلى أخذها بجريرة «الإمبريالية العالمية» و«الرجعية العربية»، أفضيا تلقائياً إلى الاصطفاف خلف الاحتلالَين الإيراني والروسي، ثمّ في صفّ نظام بشار الأسد ذاته في نهاية المطاف.

أحد الأمثلة الساطعة/ الفاقعة كانت، وتظلّ اليوم أيضاً، تحوّلات الكاتب اليساري الباكستاني ــ البريطاني طارق علي، بما يحمله من متاع تروتسكي وتمرّد فوضوي على الطريقة البلانكية؛ هكذا:

ــ اتهام المعارضة السورية المسلحة (في حديث من شاشة الفضائية الروسية!) بمجزرة الحولة، أيار/ مايو 2012، التي ذهب ضحيتها 108 أشخاص، بينهم 34 امرأة و49 طفلاً؛

ــ العودة عن هذا الرأي إلى تقدير آخر يعترف بأنّ النظام هو المذنب في الضربة، وأنّ علي تسرّع أوّلاً بسبب من مقابلة متلفزة قصيرة لم تتجاوز 6 دقائق؛

ــ الرجوع عن التقديرَين معاً، ولكن بعد مرور 13 سنة، في عام 2025 حين كان نظام «الحركة التصحيحية» قد انهار، حيث ركن علي إلى هذه الخلاصة: «لا نعرف إذا كان النظام قد استخدم الأسلحة الكيميائية».

وفي مقالة أولى أعقبت سقوط النظام السوري مباشرة، حملت عنوان «طُرُق دمشق»، نشرتها «مجلة اليسار الجديد» NLR البريطانية، التي ارتبط بها علي طويلاً وهو عضو في هيئة التحرير الاستشارية؛ يبدأ علي السطور الأولى بالتشديد التالي: «لا أحد، ما عدا قلّة من المحاسيب الفاسدين، سوف يذرف الدموع على رحيل طاغية. ولكن لا يتوجب أن يكون هناك شكّ في أنّ ما نشهده في سوريا اليوم هو هزيمة هائلة، 1967 مصغّرة للعالم العربي (…) الأسد لاجئ في موسكو. جهازه البعثي عقد صفقة مع القائد الشرقي للحلف الأطلسي رجب طيب أردوغان (أعماله الوحشية في إدلب عديدة) وقدّموا البلد على طبق».

وبمعزل عن نبرة الجزم القاطعة المانعة، «لا يتوجب أن يكون هناك شكّ»، المضحكة المبتذلة إذْ تأتي من ذهن يزعم دائماً الانتماء إلى الماركسية، وبالتالي إلى علوّ الجدل المادّي التاريخي على التعميم والإطلاق؛ في وسع مواطن سوري من غير «المحاسيب»، بالغ الابتهاج بانتهاء الأسد هارباً لائذاً في موسكو، أن يردّ على علي هكذا: أليست هذه بمثابة دموع على الأسد مبطنة مموّهة، يا متعلمين يا بتوع المدارس، مع حفظ الاقتباس للفنان المصري الراحل سعيد صالح؟ أهي «هزيمة هائلة» أنّ سوريا طوت 54 صفحة من نظام المجازر والاستبداد والفساد والنهب وانتهاك الحريات والتبعية والتمييز الطائفي والمناطقي؟ ومَن يُهزم فيها، حسب علي، ليس الشعب السوري وحده، بل العالم العربي بأسره؟ وإذا كان يوم 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024 صنيعة الإمبريالية الأمريكية، كما يزعم علي، فكيف يحدث أنّ واشنطن، دونالد ترامب بعد جو بايدن، ما تزال تمانع في رفع العقوبات عن سوريا؟

وانخراط الإمبريالية الأمريكية في «إسقاط الأسد»، كما يفضّل علي القول، رافضاً بالتالي سقوط إرث «الحركة التصحيحية» في الشكل والمحتوى؛ يسعى إلى إحداث «فراغ» من نوع جديد، مفاده تجريد سوريا من السلاح، بما يتيح لتركيا ولأمريكا ملء الفراغ، مستعينة في هذا بـ«هيئة تحرير الشام». والذي كان يحفظ لهذا الرجل بعض كرامة عقلية، اكتسبها خلال ستينيات القرن المنصرم عبر الانخراط في تظاهرات الطلاب وتعرية أكداس العفن في بريطانيا؛ ألا يحقّ له أن يشفق على عقل يتبنى هذه المعادلة البائسة العرجاء الكليلة؟ أيّ سلاح ذاك الذي استخدمه آل الأسد ضدّ الإمبريالية العالمية، ودولة الاحتلال، ليس على مدى 14 سنة من توريث الأسد الابن، بل 30 سنة من حكم الأسد الأب؟ وفي المقابل، كم من الأسلحة، الفتاكة والكيميائية والبدائية الهمجية البراميلية، استخدم آل الأسد على سبيل كسر الإرادة الشعبية في سوريا؟ وأيّ ماركسي هذا الذي يفضّل نظرية مؤامرة تبسيطية خرقاء، على الأخذ بعين الاعتبار تضحيات الشعب السوري وعشرات آلاف الضحايا وملايين المهجرين والتدمير المنهجي المعمم وتسليم البلد إلى خمسة احتلالات؟

طريف إلى هذا أنّ ذاكرة علي لا تبدو يقظة بما يكفي للتمييز بين بعثي سوري مثل يوسف زعيّن، التقاه التروتسكي الباكستاني ــ البريطاني قبل 57 سنة؛ وبين الأسد الأب، رأس انقلاب 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970 الذي أطاح بزعيّن نفسه، صحبة آخرين أمثال نور الدين الأتاسي وصلاح جديد؛ بحيث خلط بين هؤلاء جميعاً ليزعم أنّ البعث السوري «مستنير» و«راديكالي» يعتزم تحويل سوريا إلى «كوبا الشرق الأوسط»، في مواجهة «النزعة القومية المحافظة» في المنطقة! والمقارنات على هذا الطراز الفاضح تقود علي إلى عقد مشابهة بين الأقلية السنّية التي ساندت صدّام حسين في العراق، والأقلية العلوية التي ساندت آل الأسد في سوريا؛ على خلفية مشتركة هي ضمان «شبكة أمان قاعدية» للأقليات. وهنا أيضاً، لم يكن هذا اليساري المخضرم في حاجة إلى مراجعة أدبيات كارل ماركس في اقتصاد النهب، كي يقف على شبكات الولاء والنهب والفساد والإجرام والكبتاغون، التي ترعرعت في قلب ما يشير إليه من شبكات قاعدية في سوريا.

وفي مقالة ثانية، مسهبة هذه المرّة، حملت عنوان «أراضٍ تحت الاجتياح»، نشرتها المجلة ذاتها مؤخراً؛ استعرض علي مآلات التقاسم الجيو ــ سياسي للمنطقة من جانب الاستعمارَين البريطاني والفرنسي عند تفكيك الإمبراطورية العثمانية؛ وكما تتجلى اليوم في السعودية ومصر وليبيا وسوريا وإيران، و«فلسطين ــ إسرائيل» حسب صيغته.

حصّة سوريا من هذه المآلات يذهب بها علي سريعاً نحو أطوار ما بعد «إسقاط» النظام السوري، حيث البلد تشهد اليوم «تحالفاً غير رسمي» بين ثلاث قوى: «هيئة تحرير الشام»، بقايا منظمة «القاعدة» مدعومة من تركيا، والكرد السوريون (بالتحالف مع دولة الاحتلال الإسرائيلية، بالنسبة إلى هذه القوّة الثالثة). نعم، صدّقوا أنّ هذا الماركسي المخضرم ينتهي إلى هذه الخلاصة الكسيحة، التي لا تغمض البصر والبصيرة عن حقائق دامغة على الأرض، لعلّ أطفال سوريا باتوا على دراية بها، فحسب؛ بل تضع في سلّة واحدة ابتهاجَ الشعب السوري بانطواء صفحة النظام، وابتهاج «الكارتل الأمريكي ــ الإسرائيلي» للسبب ذاته. مدعاة إشفاق على الرجل، هنا أيضاً؟ الأرجح أنّ مآلاً كهذا، خاطئاً تماماً وبليداً وغبياً، يستدعي ما هو أبعد من مجرّد الشفقة.

وهذا التحالف، في ناظر علي، هو «زواج عُقد في الجحيم»، لأنّ «سوريا لم تعد دولة ذات سيادة»؛ و«المرحلة ما بعد الكولونيالية بلغت نهايتها»؛ والولايات المتحدة تريد فرض «نموذج الخليج على هذه الأراضي الواقعة تحت الاجتياح»؛ والأساس أنّ «حرباً أهلية اندلعت، وتضمنت ارتكاب الفظائع على الجانبين. ولا نعرف إذا كان النظام قد استخدم الأسلحة الكيميائية».

وهكذا… لا عجب، استطراداً، أن تنتهي خلاصات طارق علي إلى هذا المستوى من الهبوط والهزال والخطل؛ فهي إجمالاً ليست أكثر من عَوْد على بدء اعوجاج، قديم/ مقيم.

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

————————————

====================

عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 19 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

الأحداث التي جرت في الساحل السوري

—————————–

محمد جابر:  “أمير الحرب” ورجل بشّار الأسد وضيف طوني خليفة!/ نوار جبّور

18.04.2025

كانت لمحمد جابر هوّية تقمّصية طوال سنوات، لكنها بقيت غائرة، كان يمارس دور السلطة من دون أن يشبع منها؛ المواكب الأمنية والتسلّط، ظلّت مكتومة. الرمز الأسدي الأكبر كانوا يخشونه، لكنهم أدّوا أدوارهم باتّفاق ضمني: الإجرام ما دون الدولة أسهل، وأكثر انسيابية.

لم يكن ظهور محمد جابر مفاجئاً لنا فقط، بل كان مدهشاً، أن نشاهد “أميراً”من أمراء الحرب في سوريا في موسكو، يحاول أن يشرح لمنصّة  “المشهد ” دوره في حركة التمرّد الأخيرة التي جرت في الساحل السوري. الإدهاش لم يكن في الاستماع إليه، بل في أننا بتنا نشاهد أحد قادة ميليشيات النظام السوري المخلوع يكشف عن هوّيته بوضوح، أمام رامي عبد الرحمن، الذي اتّهمه بالمسؤولية عن العمليّة التي استهدفت قوى الأمن العامّ.

المقابلة هي من المرّات النادرة التي  نستمع فيها إلى أحد رجالات النظام الذي طالما أخفى أدواته، وحاول إظهار وجهه الأداتي الرسمي، بدلاً من ميليشياته الطائفية، التي لطالما حاول السوريون تحديد هوّية قادتها وأدوارهم وارتباطاتهم، ومحاولة توثيق الجرائم التي ارتكبوها، والتي في حالة جابر، يكفي كتابة اسمه حتى تظهر صورته حاملاً رأساً مقطوعاً، صورة مناقضة لصورته الأشهر جالساً، ممتلئاً، على كنبة بزيّه العسكري، محاكياً الصورة النمطية لرجال العصابات الروس.

أمير حرب بلا بيعة!

 نحن أمام  رجل من آل جابر، الذين تربطهم علاقة عائلية ببيت الأسد. أيمن وجابر، الأخوان، كانا سبّاقين في السيطرة على الساحل، حلم قديم عاشوه بتدرّج وانتظار، حتى تسلّما زمام تشكيلات ما دون الدولة في سوريا. ومنذ العام 2011، أسّسا مجموعات أمنية كبيرة، كانت تبرز كشكل أوّلي لما يمكن تسميته بميليشيات ما دون الدولة.

 هذه الميليشيات استولت على الحواجز، واحتلّت مواقع داخل اللاذقية، وأشرفت على شبكات التهريب؛ في منافسة صريحة مع عائلة الأسد. وكانت بنيتها العسكرية قائمة على شُبان وعلى وبعض المتقاعدين من الضبّاط والعمداء، هؤلاء جرّوا المجتمع العلوي في أتون معركة لم  تتوقف، ما إن تجاوزنا منتصف العام 2012.

ما زال اسم محمد جابر في الساحل وفي كثير من المناطق السورية يُثير الذعر. “صقور الصحراء”، وميليشيا “الأخ الأقدم” و”مغاوير الساحل”، وأسماء أخرى وُلدت في اللحظة التي بدأ فيها النظام بتفكيك عنفه المركزي، وراح يمارس عنفاً متشظّياً يعطّل المجال العامّ، ويفكّك الدولة ليُعاد تشكيلها عبر وكلاء يمارسون السلطة باسمه، لا من خلاله.

بدأت كلّ ميليشيا تنسّق مع دولة خارجية مؤثّرة في سوريا، فكان محمد وأيمن أقرب إلى روسيا، من قربهم من إيران، وعملوا خلال تأسيس الميليشيا على أبعاد أمنية مُرخصّة، ثم انتقلوا إلى حماية المنشآت النفطية والقيام بعمليّات عسكرية.

تحدّث محمد جابر بثقة عن نفسه، وبطريقة تجسّدت فيها السلطة عبر الأداء والسطوة  المزعومة، فالسلطة لا تُمارَس فقط من خلال القانون أو المؤسّسة، بل من خلال نبرة الحديث، الثقة، طريقة الجلوس، ولغة الجسد. بدا حازماً، يوزّع الاستحقاقات بلغة مشبعة بالقوة، فكافأ طوني خليفة، وامتدح المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يملك آلاف التقارير ضدّ ميليشياته نفسها.

قدّم محمد جابر نفسه كمتحدّث باسم الطائفة والنظام البائد، كمن يملك الحقّ في الدفاع عن العلويين وتفسير عنفهم. تحدّث عن آلامهم محاولاً الاستحواذ على الخطاب، إذ نسب إلى نفسه سلطة الحديث باسم جماعة لم تُفوّضه، وكان هدفه غسل يده من دم السوريين، وغسلها من دم العلويين أيضاً،  وكأنّه فعل ما فعل من أجلهم!  وبهذا أصبح خطابه، أسلوباً أدائياً وأيديولوجيا لغوية، تهدف إلى صناعة الهيمنة وإعادة إنتاج المعنى والفعل السياسي خارج شروط المحاسبة، داخل لغة مملوكة مسبقاً، موجّهة ضدّ الذاكرة نفسها،أو على الأقلّ، إعادة تقديم الانتهاكات والجرائم المتّهم بها.

كانت لمحمد جابر هوّية تقمّصية طوال سنوات، لكنها بقيت غائرة، كان يمارس دور السلطة من دون أن يشبع منها؛ المواكب الأمنية والتسلّط، ظلّت مكتومة. الرمز الأسدي الأكبر كانوا يخشونه، لكنهم أدّوا أدوارهم باتّفاق ضمني: الإجرام ما دون الدولة أسهل، وأكثر انسيابية.

وتجلّت هذه الهوّية التقمّصية بصيغة هجينة، فقد كان يقلّد سلطة الأسد، ويتمثّل رمزيته القمعية، لكنه في الوقت ذاته يمارس سلطة مستقلّة، ويجني أرباحاً تُبعد عن النظام وتُخزَّن لحسابه الخاصّ. هذه الهوّية جعلته يبدو داخل السلطة وخارجها في آن واحد، مخلصاً للولاء الأسدي بالظاهر، لكنه متفلّت منه في العمق، يلعب على حدود الطاعة والتمرّد، في هامش سمح له بأن يكون ظلاً للسلطة، لا شريكاً فيها.

كان بشّار الأسد يشترط عليهم أن يظلّوا مختفين، يُديرهم بقلق، موزعاً الميليشيات ومغذّياً بينها الشكّ، كي لا تملك أي واحدة منها السيادة على الأخرى، أو على الوطن بأسره. كانت أدواته، مثل المطرقة، لا تُرى إلا حين تنكسر.

لكن متى تحدّث محمد جابر؟ تحدّث حين سقط النظام سياسياً، وخرج ليدافع عن شيء واحد فقط: العلويين. لم يتحدّث عن سوريا، ولا عن أي تجلٍّ ممكن لوطنية. ما أثار غضبه كان أن السلطة الجديدة استولت على أمواله. ففي سوريا “الملكية الخاصّة”، كحقّ أبدي، غير خاضعة للمساءلة. لم يمتلك طوني خليفة الجرأة ليسأله: من أين لك هذا المال؟ أو: بأي حقّ قاتلت وادّعيت التمثيل؟

تحدّث كمن يملك “كلّ شيء”، ادّعى أدواراً خرافية، مثل تحرير حلب من أيدي “النصرة”، لكنه كان يتحدّث من موسكو، بينما العلويون يحاولون بناء سردية وطنية تسمح لهم بالانتماء إلى ما يتجاوز الطائفة، وهو يدّعي “التمثيل” والحماية من دون أن يطلب منه أحد!

الميليشيا ليست الطائفة

هذا الإصرار على أن تاريخ العلويين هو تاريخ شخصيات فاسدة ودموية، يُعيد إنتاج الوصمة. رجل مثل محمد جابر، يقود ميليشيا ارتكبت انتهاكات لا تُحصى بحقّ السوريين، يُصادر حقّ التمثيل، ويعمل (واعياً أو غير واعٍ) على إعادة تعريف الطائفة من خلال رجل ميليشياوي، لتأكيد السردية الشائعة لدى السوريين: أننا في حرب أهلية، وسنبقى فيها، وأن لا مخرج من هذا القيد الطائفي إلا بإعادة التمثيل القسري.

هكذا وُضِع العلويون داخل “ذاكرة مجبورة”، يُرغمون على تذكّر أنفسهم من خلاله: من خلال قصوره، وقلّة وطنيته، وشجاعته المنحرفة، وإجرامه. فُرضت عليهم هوّية تراجيدية، لا تنتهي إلا به، ودونه، ومن دون قدرة على التمرّد الكامل أو الانفكاك عن صورته. إنه يسرق ماضيهم، ويمنع مستقبلهم، يتكلّم باسمهم، وهم يُجبرون على الصمت أو المرافقة الخجولة لما يُقال عنهم، لا منهم.

الجانب الأكثر وضوحاً في ظهوره، هو أنه أكّد عملياً ما كان يقوله المثقّفون السوريون طيلة سنوات: انفصال المبدأ المؤسّس للنظام عن كلّ المفاهيم التي ادّعى تمثيلها. لم تكن الدولة تعيش لحظة ما قبل حداثة فقط، بل كانت سلطة شخصية متقطّعة، موزّعة على أفراد يرفعهم النظام ويُسقطهم حسب الحاجة. حتى الدعم الروسي لم يكن استراتيجياً، بل وظيفي مؤقت. لم تستغرق عملية إذابة سلطة محمد وأيمن جابر أكثر من أشهر، حتى نُزعت أملاكهم، وتفكّكت سطوتهم، وأُغلق دكّانهم الميليشياوي الذي فتحوه على حساب المجتمع.

لكن المأساة لا تنتهي، فالنظام اليوم يظهر أكثر من أي وقت مضى من خلال عقلية الميليشيا الطائفية، لا بوصفه دولة. محمد جابر لم يتحدّث عن دولة ولا عن سيادة، بل بلغة ميليشيوية خالصة، قال: “لو لم أخرج من سوريا، لما حصل هذا”، أي أن وجوده الشخصي هو ما كان يحول دون الانهيار، لم يعد النظام يواجه الميليشيات، بل يتكلّم باسمها، وبواسطتها.

محمد جابر لم يكن يملك تصوّراً عن السلطة، إلا بوصفها أداءً لوظيفة القتال والدفاع عن العلويين. لا وطن، لا سيادة، لا قانون، مجرّد صراع ميليشيات ضدّ ميليشيات، لا أكثر.

درح

——————————

====================

====================

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 19 نيسان 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

—————————–

سوريا… إلى أين تتجه مهمة مكافحة “داعش”؟/ كارولين روز

تساؤلات حول نظرة إدارة ترمب إلى اتفاق “قسد” ودمشق

18 أبريل 2025

في العاشر من مارس/آذار الماضي، توصلت “قسد” ودمشق، إلى اتفاق مفاجئ مثّل نهاية رمزية لسوريا المجزأة، التي شهدت انقساما على أسس عرقية وطائفية، طوال قرابة أربعة عشر عاما من الصراع الأهلي. نص الاتفاق على دمج شمال شرقي سوريا، الذي يخضع لسيطرة الأكراد، في المشهدين السياسي والأمني السوريين، حيث تُدمج “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) رسميا ضمن القوات المسلحة السورية.

ورغم أن هذا الاتفاق يُعد إنجازا تاريخيا، وخطوة أساسية نحو توحيد سوريا، عقب السقوط السريع لنظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فإن ما يطرحه من تساؤلات، يفوق ما يقدمه من إجابات. فمن المفترض أن يُطلق هذا الاتفاق، عملية تتضمن إنشاء عدد من اللجان، التي تتولى مهمة التنسيق بين “قسد” ودمشق، لوضع تفاصيل دمج قوات الأمن والنظم السياسية، بالإضافة إلى تقاسم السيطرة على مواقع حيوية كحقول النفط، ومراكز احتجاز مقاتلي تنظيم “داعش”. ويُعد تنفيذ هذه الخطط خلال المهلة المحددة بعام واحد تحديا ضخما، لا سيما في ظل التباين الواضح في الرؤى بين الطرفين، إذ تسعى دمشق إلى استيعاب “قسد” وحلّها، فيما تسعى روج آفا، إلى الحفاظ على قدر من الحكم الذاتي ضمن الهيكل الفيدرالي الجديد.

وبينما يرى البعض في الاتفاق، خطوة محتملة نحو تحقيق الاستقرار الإقليمي، فإن تداعياته على مهمة “العزم الصلب” التي تقودها الولايات المتحدة تبقى معقدة، وقد تنذر بتهديد بيئة الأمن الهشة في شمال شرقي سوريا، بل وربما بإضعاف جهود محاربة تنظيم “داعش” على نطاق أوسع. ومن المرجح بشكل متزايد أن تنظر إدارة ترمب، التي تسعى بشدة إلى فك ارتباطها بالنزاعات في الشرق الأوسط، إلى هذا الاتفاق باعتباره ضوءا أخضر للشروع في انسحاب سريع من شمال شرقي سوريا، في ظل وجود خطط قائمة بالفعل لخفض عدد العناصر الأميركيين في البلاد إلى النصف. وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” ذكرت أمس الخميس، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أن الجيش الأميركي بدأ، اليوم (الخميس)، سحب مئات الجنود من شمال شرقي سوريا، ويعمل على إغلاق ثلاث من قواعده العسكرية الثماني هناك.

الاتفاق مع دمشق.. تحوّل في الولاءات؟

تُعدّ “قوات سوريا الديمقراطية”، وهي ميليشيا ذات أغلبية كردية، أحد الشركاء الرئيسين للولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا، وقد لعبت دورا محوريا في كبح نشاط تنظيم “داعش” في المنطقة. وبدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، ساهمت “قسد” في دحر “الخلافة” الإقليمية للتنظيم، وأسهمت في تحرير مدن استراتيجية مثل الرقة ودير الزور. كما أدّت قوى الشرطة التابعة لـ”مجلس سوريا الديمقراطية- الأسايش”، دورا وصائيا على مراكز احتجاز عناصر “داعش”، بدعم أميركي مباشر.

غير أن هذا التحالف، لم يكن يوما خاليا من التعقيدات، خاصة أن تركيا، العضو في “حلف شمال الأطلسي”، تعتبر القوى الكردية المنضوية تحت لواء “قسد” على ارتباط بـ”حزب العمال الكردستاني” (بي كي كي)، المصنّف كمنظمة إرهابية.

ورغم هذه التوترات، حافظت الولايات المتحدة على تعاونها مع “قسد” نظرا لأهميتها في الحرب ضد تنظيم “داعش”. وبينما امتنعت إدارة ترمب إلى حد كبير عن تحديد سياسة جديدة لسوريا ما بعد الأسد، أدت وكالات دفاعية أميركية رئيسة، مثل القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، دورا مهما في دفع المشهد الأمني الجديد نحو الأمام. فقد انخرط قائد (سنتكوم)، الجنرال باتريك رايدر، في جولة دبلوماسية مكوكية قبل اتفاق (قسد- دمشق) في 10 مارس، حيث التقى بشخصيات بارزة، بينها قائد “قسد”، الجنرال مظلوم عبدي، في مسعى لتشجيع الحوار مع دمشق، واستكشاف إمكانية التوصل إلى اتفاق. ويعكس هذا الدور الهادئ الذي أدته (سنتكوم) ومهمة “العزم الصلب” التي تقودها أميركا مدى تأثير الولايات المتحدة في سوريا ما بعد الأسد، خصوصا فيما يتعلق بإصلاح القطاع الأمني.

ومع انتقال الطرفين من نشوة توقيع الاتفاق إلى واقع تطبيقه، بدأت تظهر مخاوف من الغموض المحيط بنطاق الاتفاق وتفاصيله. ورغم تأكيد عبدي على وحدة الرؤية بين الجانبين في مسألة التوحيد العسكري، بقوله: “لا ينبغي أن يكون هناك جيشان منفصلان، بل قوة عسكرية موحدة”، فإن الشيطان يكمن في التفاصيل. فقد وافق كل من “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) ودمشق، على إطلاق مفاوضات بين النظراء، تمتد لعام كامل تتناول مسائل الحوكمة، والأمن، والتعاون الاقتصادي، إلى جانب الجوانب اللوجستية والجداول الزمنية للتنفيذ. وتشمل بنود الاتفاق الأساسية، دمج مناطق سيطرة “قسد” بشكل أكبر ضمن الإطار السياسي والاقتصادي السوري العام، ما من شأنه أن يوفر لهذه المناطق الموارد والدعم اللازمين من الحكومة المركزية في دمشق.

ولا يمثل هذا الاتفاق خطوة برغماتية لـ”قسد” فحسب، بل أيضا خطوة إيجابية نحو توحيد المشهد الأمني السوري. فإن دمج الفصائل المسلحة، التي تتمتع بقدرات كبيرة وخبرة ميدانية يمكن الاستفادة منها في القوات المسلحة الجديدة، يُعد عنصرا أساسيا في بناء منظومة دولة موحدة وصحية. ومع ذلك، فإن الغموض القائم، إلى جانب احتمال انهيار المفاوضات إن لم تُحسم التفاصيل سريعا، قد يخلق ديناميكية خطرة من شأنها تعقيد مهمة “العزم الصلب” التي تقودها الولايات المتحدة في الشمال الشرقي، وتقويض جهود مكافحة تنظيم “داعش” في المنطقة.

نقاط الضعف

رغم أن تقارب “قسد” مع دمشق جاء بشكل حذر ومدروس، فإنه يعكس تحولا واضحا في موقفها من الولايات المتحدة كشريك أساسي في المنطقة، ويشكل خطوة رئيسة نحو تنويع علاقاتها الأمنية. وتبرز مسألة مستقبل التعاون الأمني بين “قسد” وواشنطن في شمال شرقي سوريا كأحد العوامل المحورية في النقاشات الجارية بين “قسد” ودمشق، إلى جانب كيفية الاستمرار في مهمة مكافحة تنظيم “داعش”. وبينما تسعى دمشق بوضوح إلى انسحاب أميركي نهائي من المنطقة، لتعزيز استقلالية البلاد، وقدراتها الذاتية في المجال الأمني، فإن العام المقبل سيكون حاسما للاستقرار، إذ ستُناقش التفاصيل الدقيقة، لدمج “قسد” ضمن القوات المسلحة السورية. ولذلك، فإن مهمة مكافحة “داعش” التي تقودها الولايات المتحدة، والشراكة المستمرة مع “قسد”، لا تزال قائمة في الوقت الراهن.

في المقابل، تتبنى إدارة الرئيس دونالد ترمب توجها مختلفا، إذ لطالما شكك ترمب في جدوى الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، وخصوصا في سوريا والعراق. ففي ولايته الأولى عام 2019، أصدر قرارا مثيرا للجدل بسحب معظم القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا، ما فتح الباب أمام هجوم تركي ضد “قسد”، وأثار موجة من الاستقالات في صفوف مسؤولي الأمن القومي الأميركي. وقد دفع الغضب من هذا القرار، بسبب تعريض الشريك الكردي للخطر، ترمب إلى التراجع جزئيا عن الانسحاب، زاعما أن بقاء القوات الأميركية يهدف إلى حماية حقول النفط المحلية وأصول أخرى.

وخلال ربيع وصيف عام 2020، وبعد سلسلة ضربات متبادلة مع ميليشيات مدعومة من إيران، وافق ترمب على سحب جزئي كبير للقوات والأصول الأميركية، ودمج للقواعد في البلاد. شمل ذلك تقليص عدد القوات الأميركية من 5000 إلى 2500، وتسليم أكثر من ثماني قواعد عسكرية، وسحب المعدات الأميركية من مواقع دفاعية رئيسة. أما في ولايته الثانية، فقد أحاط نفسه بمستشارين مثل تولسي غابارد وجيه دي فانس، اللذين يتبنيان موقفا انعزاليا، مؤكدين أن الحرب ضد تنظيم “داعش” قد انتهت منذ وقت طويل. وقد أعاد ترمب تأكيد هذا الموقف بعد الانهيار المفاجئ لنظام الأسد في أوائل ديسمبر/كانون الأول قبل تنصيبه، بقوله: “لا علاقة لنا بسوريا. سوريا غارقة في مشاكلها، ولا حاجة لنا هناك”.

وفي خضم هذه المرحلة الانتقالية الحرجة والمفاوضات بين “قسد” ودمشق، هناك احتمال كبير أن ترى إدارة ترمب في هذا الاتفاق ضوءا أخضر لتنفيذ انسحاب أميركي سريع من سوريا. إذ لم يعد هناك وجود لـ”العائق” الذي حال دون تنفيذ قرار الانسحاب في عام 2019، والمتمثل بعزلة “قسد”، بعد التوصل إلى اتفاق مع حكومة الشرع المؤقتة، ما يوفر ذريعة لمغادرة أميركية محتملة. وتفيد تقارير من مسؤولين إسرائيليين بأن وزارة الدفاع الأميركية أخطرت تل أبيب بنيّتها تقليص عدد القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا إلى النصف، أي من 2000 إلى 1000 عنصر. ومع تصاعد الضغوط على الجيش الأميركي خلال السنوات الأخيرة لتقليص تدخله في سوريا، فإن أي تنسيق بين “قسد” والنظام قد يعزز من مبررات واشنطن لخفض عملياتها في إطار مهمة مكافحة “داعش”.

مستقبل هش لعمليات مكافحة “داعش”

يُعدّ اتفاق “قسد” مع الحكومة السورية نقطة تحوّل في الجغرافيا السياسية المعقدة لشمال شرقي سوريا، ويثير مخاوف كبيرة بشأن مستقبل الجهود الأميركية في مكافحة تنظيم “داعش”. فرغم أن الاتفاق قد يوفر مكاسب قصيرة المدى لـ”قسد” على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فإنه ينطوي على مخاطر جسيمة تهدد أمن المنطقة على المدى الطويل. فالتخلي عن الشراكة مع الولايات المتحدة، وزيادة التنسيق مع حكومة الشرع، واحتمال عودة تنظيم “داعش”، قد تقوّض المكاسب التي تحققت خلال السنوات الماضية في الحرب على الإرهاب.

وعلى صانعي السياسات الأميركيين أن يُقيّموا خطواتهم المقبلة بعناية، مع أخذ تداعيات هذا الاتفاق بعين الاعتبار، لما له من أثر محتمل في زعزعة استقرار منطقة هشة أساسا. فمستقبل مهمة مكافحة “داعش” بقيادة الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا يعتمد على القدرة على موازنة الديناميكيات السياسية المحلية، وتدخل القوى الإقليمية، والتهديد المستمر للإرهاب.

المجلة

——————————-

حكومة دمشق و”قسد” مجددًا.. ماذا لو قلصت أميركا وجودها العسكري في سوريا؟/ أحمد العكلة

17 أبريل 2025

مع تسارع التحولات الإقليمية والدولية في المشهد السوري، باتت مسألة العلاقة بين الحكومة السورية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” محورًا أساسيًا في صياغة مستقبل شرق الفرات.

وفي ظل تقارير إسرائيلية تتحدث عن نية الولايات المتحدة تقليص قواتها في سوريا خلال الشهرين المقبلين، يتوقع مراقبون أن تعيد هذه الخطوة، إن تمت، خلط الأوراق وتعزز الحاجة إلى تسوية سريعة تحمي مصالح الطرفين وتمنع فراغًا أمنيًا قد تستفيد منه قوى إقليمية كإيران وتركيا.

ونقلت وسائل إعلام عبرية، عن مصادر أمنية إسرائيلية، أن واشنطن أبلغت شركاءها في المنطقة بخطة تقضي بإجلاء نصف قواتها من شمال شرق سوريا خلال فترة شهرين، وذلك في إطار إعادة تموضع استراتيجية تشمل العراق أيضًا.

وقال مصدر عسكري في قوات “قسد”، في حديث خاص لـ “ألترا سوريا”، إن واشنطن لم تخبرهم برغبتها بالانسحاب ضمن جدول زمني، وخصوصًا أن مهمة التحالف في ملاحقة عناصر داعش بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية ما زالت متواصلة، وهناك كذلك قضية السجون التي يتواجد فيها عشرات الآلاف من عوائل عناصر تابعين لداعش، معظمهم أجانب.

وأضاف أن “انسحاب القوات الأميركية، في حال تم، لن يدفع قوات سوريا الديمقراطية للتنازل، لأن هناك اتفاقًا بينها وبين الحكومة السورية ببنود محددة يتم العمل عليها وفق خطة زمنية”، مشيرًا إلى أن موضوع اللامركزية أو الفيدرالية يُطرح ضمن حوار كردي ــ كردي مع الحكومة السورية.

ووفقًا لمصادر إعلامية، تخشى إسرائيل من أن يؤدي هذا الانسحاب إلى تعزيز النفوذ الإيراني في دير الزور، أو تسليم مناطق واسعة للجيش السوري، أو حتى تصعيد تركي في مناطق سيطرة “قسد”.

وتؤكد مصادر دبلوماسية غربية أن محادثات غير معلنة تجري منذ أسابيع بين حكومة الشرع وممثلين عن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (المرتبطة بقسد)، برعاية روسية، وبتشجيع من أطراف أوروبية تعتبر الحل التوافقي بين دمشق والأكراد خطوة أساسية لضمان الاستقرار ومنع تفكك البلاد.

وأكد مدير مجموعة المصدر الإعلامية، نورس العرفي، أن قوات سوريا الديمقراطية “قسد” لا يمكنها الصمود في مناطق سيطرتها من دون الدعم الأميركي، مرجحًا أن “انهيارها سيكون خلال أيام في مناطق مثل الرقة ودير الزور والحسكة”. وبيّن أن “بعض المناطق مثل عين العرب والقامشلي قد تشهد صمودًا أطول نظرًا لوجود حاضنة شعبية، إلا أن الغطاء الأميركي يظل عنصرًا حاسمًا في بقاء قسد”.

وأشار العرفي إلى أن اندماج “قسد” في الجيش السوري “يبقى خيارًا ممكنًا على مستوى الأفراد، وهو ما تؤكده وزارة الدفاع السورية. غير أن العقبة الأساسية أمام هذا الاندماج تتمثل في استمرار الدعم الأميركي، إلى جانب محاولات “قسد” استقطاب دعم من أطراف أخرى”.

وبحسب العرفي، فإن رفع الدعم الخارجي، وخصوصًا الأميركي، سيجبر “قسد” على الاندماج في مؤسسات الدولة السورية دون شروط.

واعتبر العرفي أن الانسحاب الأميركي، وإن كان جزئيًا، لا يعني نهاية المشروع “القسدي” المدعوم من حزب العمال الكردستاني (PKK)، لكنه يشكّل ضربة قوية له.

ولفت إلى أن واشنطن لم تعلن انسحابًا كاملًا، بل تقليصًا في عديد قواتها، وهو ما لا ينهي تأثيرها على الأرض. “ومع ذلك، فإن رفع الغطاء السياسي والدعم اللوجستي عن “قسد” يبقى العامل الحاسم في مستقبلها، أكثر من مجرد تقليص عدد الجنود الأميركيين”.

في سياق متصل، شدد العرفي على أن “الحكومة السورية الحالية، وبعد موجة الانفتاح الدولي والزيارات الرسمية إلى عدة دول من بينها تركيا والإمارات، لا ترى نفسها مضطرة لتقديم أي تنازلات، لا سيما أنها لم تقدمها سابقًا حين كانت بأمسّ الحاجة إليها”. واعتبر أن هذه الديناميكية الجديدة تعبّر عن تفاهم دولي لدعم الدولة السورية ورفض مشاريع التقسيم والفيدرالية.

وفي ما يتعلق بالطرح الفيدرالي، نفى العرفي وجود أي فيدرالية معلنة أو غير معلنة في سوريا، مؤكدًا أن الموقف الرسمي والشعبي موحّد برفض أي مشروع يؤدي إلى تقسيم البلاد. وقلّل من أهمية الأصوات المنادية بذلك في بعض مناطق الساحل أو السويداء، واصفًا إياها بـ”الأصوات النشاز” التي ستتلاشى مع الوقت.

واختتم العرفي حديثه بالتأكيد على أن “سوريا الجديدة، بعد انتهاء مرحلة الحكم السابق المعتمد على التوازنات الدولية والدعم الخارجي، تسعى اليوم إلى استعادة سيادتها كاملة، وترفض أي وجود أجنبي على أراضيها”، مشيرًا إلى أن انسحاب أي قوة خارجية، بما فيها القوات الأميركية، سيُنظر إليه بشكل إيجابي ولا يشكل تهديدًا لاستقرار البلاد.

في حال تأكد الانسحاب الأميركي المرتقب، فإن الاتفاق بين دمشق و”قسد” سيصبح، وفق مراقبين، ضرورة استراتيجية وليس خيارًا سياسيًا. وهو اتفاق قد يعيد رسم توازن القوى في سوريا، ويجعل من ملف شرق الفرات بوابة لتسويات أوسع تشمل تركيا وإيران وحتى إسرائيل التي تراقب من كثب التطورات وتتخوف من تحول الفراغ الأميركي إلى تهديد أمني جديد على حدودها الشمالية.

وتشير التسريبات إلى أن الاتفاق الجاري التفاوض حوله قد يشمل إدماجًا جزئيًا لقوات “قسد” في هيكلية الجيش السوري الجديد ضمن “قوات الحماية الإقليمية”.

انتهاء مشروع الإدارة الذاتية

أكد الناشط السياسي عبد الكريم العمر، في حديث لـ “ألترا سوريا”، أن قوات سوريا الديمقراطية “لا يمكنها الصمود أو العمل دون الدعم والغطاء الأميركي”، مشيرًا إلى أن التجربة الماضية أثبتت أن هذه القوات تأسست أساسًا بقرار أميركي في سياق الحرب على تنظيم “داعش”.

وأوضح العمر أن “الولايات المتحدة جمعت مكونات من حزب العمال الكردستاني (PKK) ووحدات حماية الشعب تحت مظلة “قسد”، وقدمت لها دعمًا عسكريًا وسياسيًا واسعًا، وسلّمتها مناطق واسعة من شرق الفرات”. وأضاف أن “غالبية القيادات الفعلية داخل قسد ليست سورية، بل تنتمي لجبال قنديل، بينما لا يملك القادة السوريون تأثيرًا حقيقيًا في بنية هذه القوات”.

وفي ظل مؤشرات الانسحاب الأميركي من شمال شرق سوريا، يرى العمر أن “قسد” باتت أمام خيار شبه وحيد يتمثل بالاندماج في الجيش السوري الجديد. ولفت إلى أن “الاتفاق الذي جرى بين رئيس الجمهورية أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي تم بوساطة أميركية، وشمل نقل عبدي إلى دمشق بطائرة أميركية، ما يدل على ضغوط واشنطن لدفع قسد إلى الانخراط في الدولة السورية الجديدة”.

وأضاف العمر أن “قسد تمثل كتلة عسكرية لا يمكن إنكارها في الشرق السوري، ولكن الحفاظ على هذه الكتلة ككيان مستقل غير ممكن في ظل الانسحاب الأميركي، وبالتالي لا بد من إدماجها ضمن مؤسسات الدولة السورية، ولو بشكل مؤقت، إلى أن تذوب في بنية الجيش السوري”.

الحكومة السورية الجديدة مستعدة للحوار

يرى العمر أن توقيع الاتفاق بين مظلوم عبدي ورئيس الجمهورية أدى إلى تلاشي مشروع “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سوريا، بما في ذلك مفاهيم مثل “روج آفا” أو “غرب كردستان”، والتي اعتبرها شعارات انفصالية أطلقتها بعض القوى الكردية.

وأشار إلى أن هناك موقفًا واضحًا من القيادة السورية بعدم السماح بوجود أي سلاح خارج إطار الدولة، أو أي منطقة خارجة عن سيطرتها، مضيفًا أن الانسحاب الأميركي المرتقب سيسهم في إنهاء هذا المشروع بالكامل.

وحول موقف الحكومة السورية الجديدة، أكد العمر أنها “لا تسعى لتقديم تنازلات سياسية لقسد، بل تسعى للحفاظ على وحدة سوريا أرضًا وشعبًا”. وأشار إلى أن الحكومة مستعدة لاتخاذ إجراءات تضمن عدم اندلاع صراعات داخلية، والدخول في حوارات طويلة، كما حدث مع “اللواء الثامن” في درعا بقيادة أحمد العودة.

وشدد العمر على أن “قرار الانسحاب الأميركي من سوريا ليس مجرد احتمال، بل توجه حتمي اتخذته الإدارة الأميركية منذ الولاية السابقة للرئيس دونالد ترامب، في إطار إعادة تموضعها عالميًا ومواجهة التمدد الصيني”.

وختم العمر بالقول إن “قسد” بعد الانسحاب الأميركي “لن تجد خيارًا سوى الانخراط الكامل في مؤسسات الدولة السورية، لتبقى الحكومة والجيش الجديد هما المرجعية الوحيدة على كامل التراب السوري”.

بدوره، قال العميد المهندس المنشق، محمد رسلان، إن العناصر غير السورية، وخصوصًا الجماعات القادمة من جبل قنديل، ترفض الاندماج مع السكان المحليين، مما يهدد مستقبل مشروع الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا.

وأوضح رسلان، لـ “ألترا سوريا”، أن “المشروع مهدد بالزوال، لأن عداءه مع تركيا، وهي دولة إقليمية كبرى، يسبق حتى خلافه مع الدولة السورية”. لكنه في الوقت نفسه يرى أن بالإمكان تحويل “قسد” إلى حزب سياسي مدني، بشرط التخلي الكامل عن السلاح.

واستبعد رسلان أن تقدم دمشق تنازلات سياسية كبرى، مرجحًا أن تكتفي بمنح بعض الصلاحيات الإدارية. وقال: “من الممكن أن يحصلوا على مناصب مثل رئيس بلدية أو مدير منطقة، بالإضافة إلى إدارات مدنية ومالية تدير عائدات النفط والغاز لإعادة إعمار المدن”.

وحول الحديث المتصاعد عن انسحاب أميركي محتمل من سوريا، أشار رسلان إلى أن الضغوط السياسية الداخلية في الولايات المتحدة هي الدافع الرئيسي وراء هذا التوجه. وأردف قائلًا: “الانسحابات الأميركية من أفغانستان، والصومال، والعراق في وقت سابق، تؤكد أن ما يهم إدارة ترامب – كما غيرها – هو تأمين المصالح الأمنية والاقتصادية الأميركية أولًا”.

في ظل التسارع الإقليمي والدولي وتبدّل التحالفات، تبدو الساحة السورية على أعتاب مرحلة جديدة يعاد فيها رسم خارطة النفوذ. الانسحاب الأميركي، سواء كان كليًا أو جزئيًا، يشكّل لحظة فارقة ستُجبر اللاعبين المحليين على إعادة التموضع.

وبين تقاطع الحسابات الدولية، ومساعي الأطراف المحلية لتثبيت موطئ قدم في مستقبل سوريا، يبدو أن شرق الفرات مقبل على مرحلة تفاوض “قسري” تُمليها الضرورات لا الرغبات، في مشهد تتقاطع فيه الواقعية السياسية مع حسابات البقاء.

الترا سوريا

——————————

الانسحاب الأميركي وسوريا الموحدة.. هل فشل المشروع الإسرائيلي؟/ سامر القطريب

2025.04.18

بدأت الولايات المتحدة في سحب مئات الجنود من شمال شرقي سوريا، في خطوة تعكس تغيّر البيئة الأمنية بعد سقوط بشار الأسد، وتعيد طرح الأسئلة حول مستقبل النفوذ الأميركي والمشروع الإسرائيلي في سوريا. حيث تزامن هذا الانسحاب مع دعوات إسرائيلية صريحة لفدرلة سوريا متذرعة بحماية الأقليات الطائفية والإثنية جنوبي وشمال شرقي سوريا، وتصريحات تركية حاسمة ضد أي مشاريع تقسيم أو كيانات مسلحة موازية، ما يعكس تصاعد التباين الإقليمي والدولي حول شكل سوريا الجديدة.

توازيا مع ذلك، قدمت واشنطن بطلباتها إلى دمشق، والتي تشمل سلسلة من الخطوات الأمنية والسياسية الصارمة، كشرط أساسي قبل النظر في تخفيف محدود للعقوبات أو إعادة العلاقات الدبلوماسية، بما في ذلك “إجراءات صارمة ضد المتطرفين، وطرد المسلحين الفلسطينيين”.

مشروع فدرلة سوريا في الخطاب الإسرائيلي

في 25 شباط الماضي، طالب وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، جدعون ساعر، بتحويل سوريا إلى “دولة فيدرالية تضم مناطق حكم ذاتي”، وذلك خلال اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في بروكسل. وزعم ساعر أن الفدرلة تضمن الاستقرار وتحمي “طرق الحياة المختلفة”، معتبراً أن سوريا الموحدة لم تعد ممكنة إلا بصيغة اتحادية.

قبل ذلك، عبّر بنيامين نتنياهو عن خيبة أمل بلاده من الإطاحة ببشار الأسد في 8 كانون الأول، واعتبر أن التغيير في دمشق لا يصب في مصلحة إسرائيل. وطالب بإخلاء الجنوب السوري من القوات العسكرية التابعة للحكومة الجديدة، مشيراً إلى التزام إسرائيل بحماية الدروز جنوبي البلاد، ومنع تقدم الجيش السوري نحو جنوبي دمشق.

بين التهدئة الكردية والموقف التركي

في مواجهة هذه الرؤية، أكدت تركيا عبر رئيسها رجب طيب أردوغان ووزير خارجيتها هاكان فيدان، رفضها لأي شكل من أشكال الفدرالية أو الكيانات المسلحة خارج الجيش الوطني السوري. وشدد فيدان على ضرورة نزع سلاح “قوات سوريا الديمقراطية” ودمج عناصرها في المؤسسات الرسمية.

وصرّح أردوغان بأن بلاده دخلت مرحلة جديدة في مكافحة “الإرهاب”، بالتنسيق مع حليفها القومي دولت بهتشلي، مشيراً إلى أن السلام في سوريا لن يتحقق إلا بإنهاء المشاريع الانفصالية.

سبقت هذه التطورات تصريحات لافتة من زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، الذي دعا إلى حل الحزب ونزع السلاح، معتبرًا أن الحزب استكمل دوره التاريخي. وقال أوجلان إن التطورات الإقليمية والداخلية تُحتم حلولاً جديدة بعيداً عن العنف.

من جهته، قال جميل بايك، أحد أبرز قيادات الحزب، إن القيادة مستعدة للعودة إلى تركيا في حال رفع العزلة عن أوجلان والسماح له بالعمل بحرية. واعتبر بايك أن دعوة أوجلان “ليست مجرد رسالة، بل بداية مسار جديد”، في وقت أبدت فيه أنقرة استعدادًا للتعامل مع هذا المسار ضمن شروطها.

ورغم أن إلهام أحمد أشارت أمس إلى أن أن رفض اللامركزية سيؤدي إلى صراعات جديدة، إلا أنها نفت في الوقت نفسه الاتهامات الموجهة لـ “الإدارة الذاتية” بالسعي إلى الانفصال.

وعن الاتفاقيات بين الحكومة السورية في دمشق و”الإدارة الذاتية”، قالت إلهام إن الإدارة الذاتية تسعى إلى “اتفاقيات أعمق” فيما يتعلق بالعملية الدستورية والسياسية وإعادة إعمار سوريا، مؤكدة على أهمية الاتفاق بين القائد العام لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، والرئيس السوري، أحمد الشرع، لمختلف مكونات سوريا.

وفي السياق كشف مصدر مطّلع لموقع تلفزيون سوريا، الخميس، عن تأجيل المجلس الوطني الكردي (ENKS) وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الإعلان رسمياً عن “الرؤية السياسة الكردية المشتركة” التي كان من المقرر إعلانها اليوم الجمعة بمدينة القامشلي بعد بروز خلافات بين الطرفين “بسبب تدخلات حزب العمال الكردستاني – PKK”.

وكان مصدر مطلع على سير المفاوضات الكردية في شهر آذار الفائت كشف لموقع “تلفزيون سوريا” عن اتفاق الطرفين على المطالبة بإقامة نظام لا مركزي فدرالي في سوريا. تزامنا مع تنفيذ الاتفاق بين دمشق وقسد ويأتي الانسحاب الأميركي لصالح تعزيز الحوار والتفاهم بين الطرفين وهو أيضا من نتائج لقاء ترمب ـ نتنياهو الأخير.

وكان من المزمع عقد كونفراس خاص بالإعلان وتصديق “الرؤية السياسية الكردية” يوم 18 نيسان الجاري بحضور أكثر من 300 شخص، من بينهم أحزاب كردية سورية وشخصيات سياسية واجتماعية وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، والنقابات والمنظمات النسائية.

وأشار المصدر إلى أن “قرار التأجيل جاء بعد بروز خلافات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي حول آلية عقد الكونفراس والإعلام والصور التي سترفع فيه”.

لقاء ترمب ونتنياهو.. الخيوط بيد أنقرة؟

في تطور سابق، دعا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى “التفاهم مع تركيا” بشأن سوريا، وهو ما فُسّر إسرائيليًا على أنه محاولة لتقليص دور تل أبيب في شمال شرقي سوريا. وقال ترمب لنتنياهو: “أي مشكلة لديك مع تركيا، أعتقد أنني أستطيع حلها… طالما أنك معقول”.

وكانت تل أبيب قد أعلنت رفضها لوجود قواعد عسكرية تركية في سوريا، وهو ما عبرت عنه من خلال شن غارات على قاعدتي تدمر و”تي 4″.

هذا الطرح يشير إلى إدراك أميركي مبكر بأن مفاتيح التوازن في سوريا لا تكمن فقط في تل أبيب أو واشنطن، بل في أنقرة التي أثبتت قدرتها على التأثير في المسار العسكري والسياسي، وباتت تملك نفوذاً في الملف السوري لا يمكن تجاوزه.

يتراجع النفوذ الأميركي في شمال شرقي سوريا، في حين تتقدم خطوات توحيد البلاد تدريجياً على وقع الانفتاح التركي والحوار الكردي، وتلاشي مشاريع الفدرلة والتقسيم التي روّجت لها تل أبيب. ومع تصاعد الرفض الإقليمي والانفتاح العربي، وتثبيت الحكومة السورية الجديدة أركانها في الجنوب والشمال الشرقي، يبدو أن المشروع الإسرائيلي الرامي إلى تفتيت سوريا يفقد زخمه، ما يفتح الباب أمام مشهد جديد قد يعيد تشكيل الخريطة السورية بالكامل.

الجنوب السوري بين التصعيد والمبادرات المحلية

في الجنوب، أثارت مؤخرا تصريحات الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز، جدلاً واسعاً بعد تأكيده في مقابلة مع إذاعة NPR الأميركية، أن القوى المحلية في السويداء لا تنسق مع دمشق. لكن مصادر محلية أشارت إلى أن التصريحات تعود لشهر آذار، ولا تعكس بالضرورة الموقف الحالي.

في المقابل، أكد محافظ السويداء مصطفى البكور وجود تفاهم وتنسيق دائمين مع الهجري، مشيراً إلى أنه يؤيد أن يكون الأمن في المحافظة بيد أبنائها. كما زار البكور دارة الشيخ الهجري في عيد الفطر، في محاولة لإظهار وحدة الصف المحلي.

وسبق ذلك، رسالة وقعها مشايخ الطائفة إلى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، طالبوا فيها بتعديلات على الإعلان الدستوري وتفعيل مؤسسات الدولة والضابطة العدلية، وشمل ذلك مقترحات لتشكيل لجان اقتصادية وتعليمية تمثل مختلف شرائح المجتمع.

مايجري شمال شرقي سوريا من انسحاب وتفاهمات ينعكس تدريجيا على الجنوب وتحديدا السويداء، فبعد حل الفيلق الخامس وإخراج أحمد العودة من المشهد يبدو أن الشيخ حكمت الهجري أصبح وحيدا وعليه فتح باب حوار جاد مع الإدارة السورية الجديدة.

من الجنوب إلى الشمال الشرقي.. ملامح توحيد سوريا تتشكل

حل “الفيلق الخامس” في درعا شكّل خطوة رمزية ضمن مسار إعادة هيكلة وزارة الدفاع، التي تواجه تحديات كبيرة في ضم التشكيلات العسكرية المحلية ضمن منظومة وطنية موحدة. ويُنظر إلى هذا التوجه كجزء من محاولات توحيد البلاد تدريجياً، من الجنوب إلى الشمال الشرقي.

وفي هذا السياق، تلعب تركيا دوراً مباشراً في فرض واقع ميداني جديد يقطع الطريق على مشروع الفدرلة، مستفيدة من تقاطع مصالحها مع واشنطن، التي بدأت بالانسحاب، وتباينها مع تل أبيب، التي ما زالت تراهن على إبقاء مناطق النفوذ الحالية كأمر واقع دائم.

تلفزيون سوريا

———————————

 إلهام أحمد: نسعى إلى اتفاق أعمق مع دمشق بشأن العملية السياسية وإعادة إعمار سوريا

2025.04.18

أكدت ممثلة دائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية”، إلهام أحمد، على سعي الإدارة إلى اتفاق أعمق مع الحكومة السورية بشأن العملية الدستورية والسياسية وإعادة إعمار سوريا، مشيرة إلى أن رفض اللامركزية سيؤدي إلى صراعات جديدة.

وفي تصريحات خلال مشاركتها في منتدى السليمانية بإقليم كردستان العراق، قالت إلهام إن “العودة إلى ما قبل عام 2011 غير واردة، فالأنظمة المركزية تُعمّق الأزمات بدلاً من حلها”، مشددة على “أهمية الاعتراف بتنوع سوريا وضمان حقوق الأكراد وجميع المكونات في الدستور”.

واعتبرت إلهام أن “رفض اللامركزية سيؤدي إلى صراعات جديدة”، مشيرة إلى أن “معظم السوريين لا يريدون نظاماً مركزياً”، ونفت في الوقت نفسه الاتهامات الموجهة لـ “الإدارة الذاتية” بالسعي إلى الانفصال.

وأوضحت أن “الشعب السوري طالب سابقاً باللامركزية، ورفضها يعني خلق مشاكل جديدة”، مضيفة أن “اللامركزية هي الحل للأزمة الحالية، ورفضها خطوة إلى الوراء. سوريا بحاجة إلى حلول جديدة للمضي قدماً”.

وأكدت على “أهمية إشراك جميع الأطراف في صياغة الدستور والحكم من أجل بناء سوريا ديمقراطية”، مشددة على أنه “نريد المشاركة في صياغة الدستور والحكم، والشعب السوري عازم على النضال من أجل حريته وكرامته، ولن يتخلى عن أهدافه”.

وعن الاتفاقيات بين الحكومة السورية في دمشق و”الإدارة الذاتية”، قالت إلهام إن الإدارة الذاتية تسعى إلى “اتفاقيات أعمق” فيما يتعلق بالعملية الدستورية والسياسية وإعادة إعمار سوريا، مؤكدة على أهمية الاتفاق بين القائد العام لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، والرئيس السوري، أحمد الشرع، لمختلف مكونات سوريا.

انتقادات حادة للحكومة السورية

وفي تصريحات سابقة خلال استقبالها وفداً برلمانياً مشتركاً من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، في مدينة القامشلي، وجهت إلهام انتقادات حادة للحكومة السورية، ووصفتها بأنها “تفشل في تمثيل التنوع السكاني في سوريا وتعتمد كلياً على أيديولوجيا إسلامية سلفية”.

وأشارت إلى أن “النظام يحاول أن يقدم نفسه للمجتمع الدولي كمدافع عن حقوق الإنسان، بينما تناقض ممارساته هذا الادعاء”.

وأكدت إلهام على ضرورة صياغة دستور سوري شامل وشفاف يشكل قاعدة لإجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية، معتبرة أنه “لا يمكن إجراء انتخابات نزيهة دون معرفة طبيعة النظام الانتخابي مسبقاً، وهذا ما يجعل وجود دستور واضح خطوة لا بد منها”.

وأشارت ممثلة دائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية” إلى أن الإدارة تحظى بإعفاء جزئي من العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، مضيفة “قدمنا للولايات المتحدة قائمة تحدد الاستثمارات المسموح بها وتلك غير المطبقة”.

—————————–

عشائر الجزيرة السورية تحسم موقفها.. مع الحكومة ضد “قسد”/ أحمد مراد

السبت 2025/04/19

تزامناً مع خلافات داخلية تعصف بقوات سوريا الديموقراطية (قسد)، على خلفية توقيع قائدها مظلوم عبدي اتفاقاً مع الحكومة السورية، وسعي “قسد” لعقد مؤتمر يجمع الأطراف الكردية السورية في نيسان/أبريل الجاري، أعلنت نخب من أبناء الجزيرة السورية تأسيس “مجلس التعاون والتنسيق في الجزيرة السورية والفرات”، بهدف الدفاع عن مصالح أبناء الجزيرة. ويأتي هذا الإعلان مع إصدار العشائر العربية بيانات ترفض وصاية قسد على منطقة الجزيرة السورية، بصفتها “قوة احتلال”.

أهداف المجلس

ووسط ظروف سياسية متسارعة، باتت تشكل ضغطاً على “قسد” لتسريع تنفيذ الاتفاق في مناطق الجزيرة السورية، جاء تأسيس “مجلس التعاون والتنسيق في الجزيرة السورية والفرات”. وبحسب بيان التأسيس، يهدف المجلس لتوحيد الصوت السياسي والإعلامي والمدني في مواجهة “سلطات الأمر الواقع المتمثلة بقسد”، ورفض مشاريع التقسيم التي تهدد وحدة سوريا. مؤكداً أن وجود موظفين ومجندين عرب في صفوف “قسد”، لا يضفي عليها أية شرعية، ولا يجعلها ممثلاً للمكون العربي، الذي يشكل غالبية ترفض السياسات والممارسات الإقصائية التي اتبعها التنظيم بحقه. ورفض المجلس بشكل قاطع ادعاء تمثيل “قسد” لعرب الجزيرة والفرات في أية مفاوضات مع الحكومة السورية، أو في أي محفل سياسي داخلي وخارجي.

ومع محاولات قسد “تمرير رسائل هدفها زرع الشك بين أبناء منطقة الجزيرة والحكومة الانتقالية، والإيحاء أنهم أبرموا اتفاقات يحافظون بموجبها على شكل إدارتهم الذاتية، بحسب رئيس الهيئة التنفيذية لتجمع أبناء الجزيرة والفرات (تاج) مهند القاطع، يعمل المجلس على منع احتكار صوت أبناء الجزيرة، وادعاء تمثيل المنطقة أمام الدولة، وكسب المترددين إلى صفوفها لدعم موقفها.

ويقول القاطع لـ”المدن”: “من واجبنا الدفاع عن مصالح أبناء الجزيرة، ودعم موقف الحكومة الانتقالية التفاوضي، والذي يهدف لاستعادة سيادة الدولة على كافة الأراضي السورية، ورفض المحاصصات وأية مشاريع تقسيمية، أو فيدرالية، أو سلطات أمر واقع خارج إطار وزارة الدفاع السورية”.

ويرى القاطع أن الواقع فرض تنسيق المواقف بين أبناء دير الزور والرقة والحسكة، وأثمرت هذه الجهود عن تشكيل مجلس تعاون وتنسيق أبناء الجزيرة والفرات، بتاريخ 15 نيسان/أبريل، وضم 7 تجمعات وتيارات مرشحة للزيادة.

دور العشائر الوطني

وفي الوقت ذاته، أعلنت عشائر وقبائل شمر، والشيوخ، والجيسات، والزبيد، والعفادلة، وأبو خميس، والجبور، والنعيم، والحليبات، وعدوان، وحرب، والسخاني، والعنزة، رفضها “مشروع قسد الانفصالي”، وعدم وجود ممثلين عنها في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

وجاء إصدار تلك البيانات بعد تنصيب “قسد” شيوخاً موالين لها، واستبعاد الشيوخ الأصلاء، بحسب المنسق العام للمجلس الأعلى للعشائر السورية الشيخ مضر الحماد، وممارسة “قسد” لمخططاتها عبر هؤلاء الشيوخ، وهو ما رفضته القبائل العربية رغم الإغراءات المادية التي قدمتها “قسد” لهم، من أجل إعلان الفيدرالية والتقسيم.

ويقول حماد لـ”المدن”، إن “قسد عملت على تنمية الخلافات بين القبائل لتتمكن من التحكم بقرار تلك العشائر، علماً أن العشائر العربية تشكل أغلبية أبناء الجزيرة والفرات، ما نراه اليوم ليس حالة عابرة، بل نتيجة طبيعية لتراكمات من السياسات الخاطئة والممارسات القمعية من قسد بحق الأهالي طوال السنوات الماضية”. وأضاف أن “هذا الرفض الشعبي ليس فقط تعبيراً عن غضب، بل هو موقف استراتيجي، يستند الى إرادة حقيقية بالتغيير، واستعادة السيادة الوطنية الكاملة”.

ويرى الحماد أن العشائر العربية تؤدي دورها الوطني ضد “احتلال قسد”، معتبراً أن الضغوط تتزايد على التنظيم الكردي. ويقول إن “إعلان الانسحاب الأميركي من شرق الفرات، والرأي العام العربي والدولي المؤيد للحكومة ووحدة الأرض السورية، والانشقاقات اليومية لأبناء العشائر العربية من صفوف قسد، والضغط العسكري التركي، تشكل عوامل دفعت قسد لتوقيع الاتفاق (مع الحكومة)، مع محاولات منها للتنصل من تطبيقه، لكن ثورة العشائر وتنظيم الفاعلين السياسيين والمدنيين، ستمنع قسد من اللعب بالوقت الضائع”.

——————————-

طموح اتحادي أم حذر سياسي.. ما مدى صلابة اتفاق الشرع – عبدي؟/ مالك الحافظ

2025.04.19

في تطور سياسي جديد يُعيد تسليط الضوء على تعقيدات المرحلة الانتقالية في سوريا، أدلى مسؤولون في “الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا” بتصريحات لوكالة “رويترز” في العاشر من نيسان 2025، أكدوا فيها على ضرورة اعتماد نظام اتحادي في البلاد. تأتي هذه التصريحات بعد نحو شهر من توقيع اتفاق بين الرئيس السوري أحمد الشرع والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي في العاشر من آذار 2025، والذي نصّ على دمج مؤسسات “قسد” المدنية والعسكرية ضمن مؤسسات الدولة السورية، وضمان حقوق المكونات المختلفة، بما في ذلك الكُرد، في المشاركة السياسية والتمثيل العادل في مؤسسات الدولة.

هذا التوقيت يثير تساؤلات حول مدى التزام الطرفين ببنود الاتفاق، خاصةً في ظل تصاعد المطالب الكردية بتطبيق نظام اتحادي، وهو ما قد يُفسر كمحاولة لإعادة التفاوض على شكل الدولة السورية المستقبلية، أو كإشارة إلى تباينات في فهم وتطبيق الاتفاق الموقع بين الطرفين. اللافت في هذا السياق أن تأكيد مطلب “النظام الاتحادي” في وقت لم تنضج فيه بعد ملامح التسوية النهائية، ما دفع مراقبين إلى التساؤل عمّا إذا كان هذا الطرح يمثل خرقاً فعلياً لبنود الاتفاق، أو أنه مجرّد تذكير بمواقف قديمة يجري إعادة تفعيلها في لحظة تفاوضية دقيقة.

مشروع اتحادي في الشمال السوري.. بين شرعية المشاركة وخطاب الرفض

ضمن المواقف التي تزامنت مع تجدد النقاش حول شكل الدولة السورية المقبلة، شددت إلهام أحمد، الرئيسة المشاركة لدائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا”، خلال تصريحات أدلت بها خلال اليوم الثاني من منتدى السليمانية التاسع، يوم الخميس 17 نيسان الجاري، على أن الإصرار على الدولة المركزية هو ما أدى إلى الصراعات المتتالية، مؤكدة أن النظام الاتحادي هو المدخل لتسوية سياسية دائمة، يُنهي مركزية القرار، ويمنح المجتمعات المحلية أدوات حقيقية في إدارة شؤونها.

وأضافت أن “ما يجري حالياً هو أن حكومة دمشق تقرر وتعيّن وتدير”، في إشارة إلى استمرار الهيمنة المركزية على القرار السياسي، رغم التغيرات التي طرأت بعد سقوط نظام الأسد وبروز سلطة انتقالية في دمشق. وشددت أحمد على أن “الإدارة الذاتية” تسعى إلى تحديد النظام السياسي الجديد بالتفاهم مع دمشق، مؤكدة أن الطرح الاتحادي لا يعني الانفصال، بل يُعبّر عن رؤية “تشاركية” للحكم في دولة موحدة.

الباحث السوري، شورش درويش، قال خلال حديث خاص لموقع “تلفزيون سوريا” بأنه وعبر عقود طويلة جرى تشويه مفردات مثل “النظام الاتحادي” و”تطوير النظم الإدارية” بالشكل الذي يقلّص السلطة المركزية خاصة في زمن حكم “البعث” المديد والمركزية الشديدة التي اتبعها.

وبالتالي فإن مفهوم اللامركزية أو النظام الفيدرالي بات يوصم بأنه مؤامرة تستهدف اقتطاع أجزاء من سوريا وأنها مقدّمة لحركات انفصالية، وفق درويش؛ الذي أضاف متابعاً بأن “مثل هذا التشويه لمعاني النظام اللامركزي المتولّد من الحداثة السياسية والإدارية للدول، خضع أيضاً للهوى الإقليمي الرافض لتحوّل سوريا إلى كيان لامركزي توزّع فيه الصلاحيات والمسؤوليات، ويصار من خلاله إلى تنمية المجتمعات المحلّية بعيداً عن تدخّل المركز”.

أما الكاتب السوري، حسن النيفي، فاعتبر خلال حديثه لموقع “تلفزيون سوريا” أن مسألة الفيدرالية في سوريا ليست أمراً محصوراً بتفاهمات سورية – سورية، وإنما لها تداعيات إقليمية ودولية لا يمكن تجاهلها، وتابع بالإشارة إلى أن “تركيا لا يمكن أن توافق على إنشاء أي كيان كردي على حدودها الجنوبية، وهذه حقيقة واقعة يجب أخذها بعين الاعتبار، أضف إلى ذلك أن جميع الدول النافذة في الشأن السوري لا تميل إلى تجزئة سوريا، بل تدعو إلى وحدة الأراضي السورية، بما في ذلك الدول المتعاطفة مع الإدارة الذاتية (فرنسا – أميركا)، وعلينا أن نتذكر دوماً أن (اتفاق الشرع-عبدي) وكذلك التفاهمات حول حيي الشيخ مقصود والأشرفية (في مدينة حلب)، إضافة إلى التفاهم حول انسحاب قسد من سد تشرين، جميع هذه التفاهمات كانت بدفع أميركي فرنسي والغاية منها دمج قسد ضمن مؤسسات الدولة السورية. وأعتقد أن تمسّك الكورد بالطرح الفيدرالي في الوقت الراهن ربما ينتهي إلى ما انتهى إليه التصويت الذي جرى في كردستان العراق من أجل الانفصال النهائي عن الدولة العراقية”.

بالعودة إلى تصريحات إلهام أحمد، فإنها لم تخرج عن الأدبيات السياسية التي تبنتها الإدارة الذاتية في سنواتها الأخيرة، إلا أنها هذه المرة أتت في لحظة سياسية انتقالية دقيقة، ما يجعلها محمّلة برسائل تفاوضية موجهة إلى دمشق، و حتى إلى الأطراف الإقليمية والدولية التي تراقب باهتمام شكل النظام الذي سيُبنى على أنقاض المركزية الأسدية.

وفي مقابل هذا الخطاب، أُعلن في 15 نيسان 2025 عن تأسيس “مجلس التعاون والتنسيق في الجزيرة والفرات”، الذي يضم سبعة كيانات سياسية ومدنية، أبرزها “تجمع أبناء الجزيرة – تاج”، و”اتحاد شباب الحسكة”، و”حركة 8 كانون”، كحراك عربي مضاد يرفض ما وصفه بـ”مشاريع الفدرلة والتقسيم”. البيان التأسيسي للمجلس شدد على أن “قسد” لا تمثل عرب المنطقة، وأن وجود بعض العناصر العربية في صفوفها لا يمنحها شرعية التحدث باسمهم، داعياً إلى تمثيل سياسي بديل ينقل صوت المنطقة إلى العاصمة دمشق وإلى المؤسسات الدولية، مع التأكيد على وحدة سوريا أرضاً وشعباً.

هل تصلح الفيدرالية لسوريا؟

يأتي هذا الاستقطاب في وقت لم تتبلور فيه بعد الصيغة النهائية لشكل الحكم في سوريا الانتقالية، ما يعيد طرح سؤال جوهري؛ ما الذي يعنيه فعلاً النظام الاتحادي؟ وهل يمكن تطبيقه في سوريا؟

الفيدرالية، بحسب التعريف السياسي والدستوري، تقوم على نقل جزء من السلطة السيادية إلى وحدات مكوّنة للدولة، بحيث تكون لهذه الوحدات صلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية واضحة ومحميّة في الدستور، لا يمكن تعديلها إلا بإجماع وطني. وهي تختلف عن اللامركزية الإدارية التي تمنح السلطات المركزية صلاحيات محلية محدودة قابلة للتعديل أو الإلغاء.

وتُعد الفيدرالية إطاراً ناجحاً لإدارة التنوع في دول مثل ألمانيا وسويسرا والهند، لكنها في الحالة السورية لا تزال محل جدل واسع، يعود جزء منه إلى التباين الحاد في البنية الديمغرافية وتوزيع الموارد. ففي حين تتمتع مناطق شمال شرقي سوريا بثروات طبيعية كبيرة من النفط والزراعة، فإن مناطق أخرى تعاني من هشاشة اقتصادية وافتقار للبنية التحتية، ما يجعل الحديث عن توزيع عادل للسلطة والثروة أمراً بالغ الحساسية، كما أن هناك مخاوف لدى بعض الأطراف في سوريا من أن تُستخدم الفيدرالية كغطاء لانفصال تدريجي، رغم تأكيد الإدارة الذاتية مراراً أنها ملتزمة بوحدة البلاد.

في ضوء هذا الجدل، تبقى الفيدرالية بين من يراها ضماناً للتعدد والمشاركة السياسية، ومن يخشى أن تكون قفزة على اللحظة الوطنية الجامعة. ويبدو أن الحسم لن يكون سياسياً فقط، بل دستورياً أيضاً، إذ إن أي نظام اتحادي لا يمكن ترسيخه إلا من خلال وثيقة دستورية توافقية، تُعرض على الاستفتاء الشعبي وتُكتب بيد جميع السوريين، لا من خلال تفاهمات ثنائية أو موازنات أمر واقع.

الباحث شورش درويش، بيّن خلال حديثه بأن المجتمعات المحلية، ومن ضمنها الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا، تبحث في الأصل عن ضمانات من المركز بأن لا يعاد نموذج الدولة المركزية المتسلّطة، وفي حال طلبت الضمانات من “الأطراف” فإن ذلك ممكن بالنظر إلى تجارب جميع الدول التي حدّت من سلطة المركز، وزاد بالقول “المركز سيحتفظ بالسلطات السيادية (الدفاع والاقتصاد والخارجية والداخلية)، وبالتالي فإن إفساح المجال للمجتمعات المحلية للتعبير عن نفسها ثقافياً وإدارياً ورسم خططها للتنمية لا يتعارض مع السياسة العامة للبلاد، ويستحيل من خلال إعادة التعاقد بين السوريين أن تهدد اللامركزية الوحدة الترابية للبلاد، ولأجل ذلك ينبغي أن تجترح سوريا نموذجاً أكثر عدلاً تجاه المجتمعات المحلية والثقافات الوطنية، واتباع سياسات جهوية رشيدة معبّراً عنها في دستور يقطع مع الدساتير السابقة التي كرّست المركزية التي دخلت في خدمة الدكتاتورية”.

من جانبه أفاد الكاتب، حسن النيفي، خلال تصريحاته لموقع “تلفزيون سوريا”  بأن إعادة النظر في الإعلان الدستوري بات أمراً واجباً لاستدراك بعض الأمور، “أهمها التأكيد على حق الكرد بحقوقهم الثقافية والإشارة إلى حقهم في التعلم والحديث باللغة الكوردية، وإذا ما تزامن هذا مع اعتماد نظام اللامركزية الإدارية، فأعتقد سيكون مخرجاً سليماً ومناسباً للجميع”، وفق تعبيره.

واستدرك بالقول “غياب الفيدرالية لم يكن في أي يوم من الأيام أصلاً للمشكلة السورية، كذلك فإن الدعوة إلى اعتماد نظام فيدرالي اليوم لن يكون أصلاً في حل المشكلة أو مخرجاً للأزمة، بل ربما يكون مقدمة لتشظي الجغرافيا السورية وكذلك عاملاً ممهداً لمزيد من النزعات الانفصالية”.

من ناحيته اعتبر درويش في ختام تصريحاته لموقع “تلفزيون سوريا”، أن النموذج الذي تطرحه الإدارة الحالية قابل للتطوير ولن يكون نموذجاً جامداً. “تتوقف إمكانية تطوير التجربة على السياسات التي ستتبعها دمشق إزاء فكرة اللامركزية في عموم سوريا، وعلى قدرتها تخطي سياسات الإنكار والاضطهاد القومي تجاه الكرد التي اتبعها نظام البعث، وبطبيعة الحال فإن الوصول إلى صيغة حكم محدّثة وإلى تعاقد دستوري يتطلّب تطوير التفاهمات على الأرض بين دمشق والإدارة الذاتية، ولعل تجربة الأحياء الكردية بحلب مطلع الشهر الجاري تبدو واعدة لجهة إدماج القوى الأمنية في هيكلية الدولة والتي قد تنعكس على مجمل شمال شرقي سوريا، شريطة أن يتم تنحية الظرف الإقليمي الضاغط على الطرفين (الإدارة ودمشق) من مجريات عملية التفاهم والاتفاق، بالشكل الذي يجعل من أي إتفاق إطاري اتفاقاً وطنياً يعزز فرص الحل السياسي في مجمل البلاد”.

طرح تفاوضي أم مشروع ثابت؟

بدران جياكرد وهو قيادي بارز في “الإدارة الذاتية” كان قد قال في وقت سابق من هذا الشهر لوكالة “رويترز”، إن “جميع القوى السياسية الكردية في سوريا اتفقت في ما بينها على رؤية سياسية مشتركة حول شكل الحكم السياسي وهوية الدولة السورية وماهية حقوق الكرد وكيفية تضمينه دستورياً، وأكدوا ضرورة تحقيق نظام اتحادي برلماني تعددي ديمقراطي”.

وقال جياكرد “الأمر الأساس بالنسبة إلى المجتمع السوري وجغرافيته والواقع المعاش تؤكد ضرورة الحفاظ على خصوصية كل منطقة إدارياً وسياسياً وثقافياً، وهذا ما يلزم وجود مجالس محلية تشريعية في إطار الإقليم وهيئات تنفيذية لإدارة شأن الإقليم وقوات أمنية داخلية تابعة لها”، وأضاف أنه ينبغي تحديد ذلك في الإطار الدستوري لسوريا”.

في حين كان الرئيس السوري أحمد الشرع أعلن معارضته للنظام الاتحادي، خلال مقابلة مع صحيفة “الإيكونوميست” في كانون الثاني الماضي، معتبراً أنه لا يحظى بقبول شعبي ولا يصب في مصلحة سوريا، بحسب تعبيره.

تلفزيون سوريا

———————–

====================

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 19 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

—————————–

خيارات سوريا في مواجهة العدوانية الإسرائيلية/ ماجد كيالي

آخر تحديث 18 أبريل 2025

تحاول إسرائيل في هذا الظرف- وبعد تقويضها قوة ومكانة حركة “حماس” و”حزب الله” وانهيار النظام السوري، وإنهاء أو تحجيم نفوذ إيران في بلدان المشرق العربي- فرض واقع استراتيجي جديد في تلك المنطقة، سياسيا وأمنيا، بل وحتى التدخل لفرض نوع من أنظمة هشّة فيها، مستغلة تداعيات ما بعد “طوفان الأقصى”، بما في ذلك الدعم الأميركي اللامحدود لها.

على الصعيد السياسي تتوخّى إسرائيل فرض ذاتها كدولة إقليمية أقوى، أو مهيمنة في الإقليم، ليس إزاء النظام العربي الضعيف والمفكّك فقط، وإنما إزاء الدولتين الإقليميتين الأخريين، أي تركيا وإيران، أيضا. وإذا كانت مشكلة إسرائيل مع تركيا تتعلق بتقليص الثقل السياسي والاقتصادي والعسكري لتركيا في سوريا الجديدة، فإن مشكلتها مع إيران تنبثق من إصرارها على تقويض برنامجها النووي والصاروخي، وتحجيمها خلف حدودها. أما في ما يتعلق بالفلسطينيين فإن إسرائيل تحاول شطبهم من المعادلات السياسية، وإجهاض أي كيانية فلسطينية مستقلة، وتعزيز الهيمنة عليهم من النهر إلى البحر.

ومن الناحية الأمنية، تسعى إسرائيل ليس، فقط، إلى إعادة الاعتبار لجيشها، أو شن حرب استباقية للحؤول دون تبلور أي قوة عسكرية في محيطها، ولكنها تحاول، أيضا، خلق مجال حيوي لها في سوريا لبنان، بعمق 60 كيلومترا، بما يشمل محافظات درعا والقنيطرة والسويداء في سوريا، وإلى حدود نهر الأولي، شمالي نهر الليطاني، في لبنان، مع إيجاد مناطق عازلة في غزة والضفة أيضا. وهذا ما يفسر الضربات العسكرية التي تشنها بين فترة وأخرى في البلدين المذكورين، كأنها في ذلك تؤسس لانتهاء الخيار العسكري في الصراع معها، على الصعيدين الدولتي والميليشياوي.

لكن إسرائيل على ما يظهر من إصرار حكومتها المتطرفة على استمرار الحرب، وطلبها نزع أو خفض التسلح في سوريا ولبنان وفي غزة والضفة، تتوخى أيضا استغلال الظرف الراهن، عربيا وإقليميا ودوليا، لإحداث تغييرات في مبنى الأنظمة المجاورة، بالاستثمار في التصدعات الطائفية في سوريا ولبنان، عبر تعميم خاصيتها، كدولة طائفية/يهودية، بحيث تغدو بلدان المشرق العربي على شاكلتها، الأمر الذي ينهي استثنائيتها كدولة يهودية في منطقة عربية، ولعل هذا هو المغزى من تبجّحها بـ”حماية الأقليات”.

ومعلوم أن وجهة النظر هذه كانت دائما ضمن الترسانة الأيديولوجية لليمين القومي والديني المتطرف في إسرائيل، التي تفضي إلى تقسيم سوريا، ليس على الصعيد الجغرافي، فحسب، كما يعتقد البعض، وإنما على الصعيد الاجتماعي، أيضا، وهذا هو الأهم.

من الواضح أن إسرائيل تركز على سوريا أكثر من غيرها، في هذه المرحلة، بالنظر لأهميتها الجيوسياسية على مر التاريخ، ولأنها تمر بمرحلة انتقالية صعبة، وترزح تحت التركة الثقيلة التي تركها نظام الأسد، على كل الأصعدة والمستويات. بمعنى أن تلك الفترة هي أنسب ظرف لإسرائيل لإضعاف سوريا، كدولة وكشعب، والحد من قدرتها على اكتساب عوامل القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية مستقبلا.

لنلاحظ أن إسرائيل تغطي تدخلاتها واعتداءاتها في سوريا، أولا، بالتخوف من صعود نفوذ الإرهاب والجهاديين. وثانيا، الحؤول دون صعود نفوذ تركيا، باعتبارها تضمر العداء لإسرائيل، كأنها تتحسّب لإمكان أن تحل محل إيران في ذلك. وثالثا، أن النظام السوري الجديد لا يظهر ما يفيد بالقطع مع العداء لإسرائيل، إلى الدرجة المطمئنة لها. ورابعا، استدراج سوريا إلى موجة التطبيع مع إسرائيل، وفقا للمعادلات والتطورات الجديدة في المنطقة.

مشكلة سوريا إزاء تلك التربّصات والتدخلات الإسرائيلية أنها منهكة وضعيفة، وثمة عوامل تفكّك فيها، وأن القوى الإقليمية التي كانت تنازع إسرائيل على الهيمنة غابت أو ضعفت، إذ إن إيران باتت معنية بالنجاة بنفسها، بعد كل ما حصل لكل أذرعها الميليشياوية، وهي تتعرض لضغط سياسي واقتصادي، كما لتهديد واضح بإمكان توجيه ضربة لها، تقصم ظهر برنامجها النووي والصاروخي.

أما تركيا، فرغم احتضانها أو دعمها القيادة السورية، فإنها لا يمكن أن تذهب بعيدا في تحدي السياسة الإسرائيلية، المدعومة أميركياً، فهي عضو رئيس في حلف “الناتو”، ثم إن اهتمامها بسوريا ينحصر، على الأغلب، في عدم السماح بتبلور كيان كردي مستقل إلى جوارها، وبحصر دورها في سوريا بالقوة الناعمة، وبالوسائل الاقتصادية، والبني التحتية، وحتى تدريب أجهزة الأمن وليس أكثر، بغض النظر عن الخطابات.

إزاء هذا الوضع تبدو الخيارات السورية محدودة، ومقيدة، إذ من التهور طرح الخيار العسكري، في واقع سوريا المتعبة والمنهكة والممزقة، والتي هي أحوج لاستعادة عافيتها، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فضلا عن عدم توفر إمكانياته بعد تدمير مقدرات الجيش السوري وبناه التحتية، وبعد انكشاف كل الشرق الأوسط، وصولا إلى إيران، إزاء يد إسرائيل الطويلة.

على ذلك فإن الخيار الممكن والأسلم بالنسبة لسوريا، إنما يكمن في تحصينها من جهتين، أولا، بناء الدولة، كدولة مؤسسات وقانون، وبناء المجتمع، على أساس المواطنة، بحيث يغدو السوريون شعبا بكل معنى الكلمة. والقصد هنا أنه لا يمكن، أو لا يكفي، الحديث عن رفض التقسيم الجغرافي في سوريا، والاتجاه نحو دولة مركزية، لأن هكذا دولة ليست دلالة قوة، ولا دلالة على الوحدة، بمعنى أن المهم هو توحيد الشعب، وهذا لا يمكن أن يأتي إلا بتكريس دولة المواطنين الأحرار والمتساوين، بمعزل عن أي تقسيمات إثنية أو طائفية أو سياسية، وهو السلاح الأمضى في مواجهة إسرائيل، الذي جرى تغييبه، أو وأده، منذ إقامة تلك الدولة.

الجهة الثانية، تتطلب تعزيز علاقات سوريا، دوليا وإقليميا وعربيا، بما في ذلك الاستجابة للتكيف مع العالم والواقع، لأن مثل هذا التكيف هو الذي ينزع من إسرائيل الحجج التي تتزرع بها.

القصد أن سوريا اليوم في مرحلة انتقالية، وبناء على عبور تلك المرحلة، على أسس صحيحة وسليمة، سيتحدد مستقبل سوريا وشعبها.

المجلة

————————-

تداعيات الانسحاب الأميركي من سوريا: نفوذ تركي وقلق إسرائيلي ومحاولة إيرانية!/ جاد ح. فياض

سؤال يطرح حول احتمال تسلّل إيران من نافذة الانسحاب الأميركي للعودة إلى سوريا، كون مشروع التوسّع لم يغب عن سلطة المرشد رغم التغيّرات الاستراتيجية التي استجدت.

حالة من الاستنفار سادت داخل أروقة تركيا وإسرائيل، مع تسريب معلومات عن انسحاب أميركي محتمل من سوريا، وهو مستجد من شأنه تغيير الخرائط وتبديل المعادلات، كونه سيترك فراغاً سيدفع الأطراف الإقليمية الفاعلة لملئه، وقد يفتح الباب على توسيع النفوذ التركي أكثر، وتهديد أمن إسرائيل، وسيعزّز من حالة التشرذم والفوضى التي تختبرها المنطقة.

وأبدى مسؤولون إسرائيليون قلقاً من الخطوة الأميركية، وحاولوا الضغط على الولايات المتحدة للعدول عن رأيها دون نجاح، وفق ما نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، التي أشارت إلى أن المخاوف الإسرائيلية تنطلق من احتمال تشجيع الانسحاب الأميركي تركيا على توسيع نفوذها والتموضع في مواقع عسكرية استراتيجية في سوريا.

ويسعى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى استغلال الديناميكيات الإقليمية المتغيّرة وتوظيفها في سياق مصالح أنقرة الداخلية والخارجية، وقد تكثّفت هذه المساعي بعد سقوط نظام بشار الأسد وتسلّم أحمد الشرع المقرّب من تركيا قيادة سوريا، ويندرج التوسّع التركي المحتمل بعد الانسحاب الأميركي في سياق عملية ترسيخ تركيا كقوّة إقليمية وازنة ترث التركة الإيرانية والفراغ الأميركي.

وفق وجهة نظر عبرية، فإن التوسّع التركي في سوريا وما قد ينتج عنه من جنوح السلطة نحو اتجاهات أكثر إسلامية يثير المخاوف الإسرائيلية، ووجود مواقع عسكرية تركية في سوريا “قد يحد من حرية إسرائيل العملياتية”، وخصوصاً أنها عضو في تحالف شمال الأطلسي “الناتو”، ما من شأنه أن يخلق واقعاً جديداً في سوريا خارجاً عن الأطر الإسرائيلية المرغوبة.

الكاتب والإعلامي السوري إبراهيم الجبين يكشف لـ”النهار” معلومات عن بدء عملية تغيير التشكيلات العسكرية الأميركية في سوريا، وإذ يرى أن تركيا “ستسعى لملء الفراغ الأميركي ومعها الدول الخليجية”، لكنه وبعكس الرواية الإسرائيلية، لا يرى “صداماً” بين تل أبيب وأنقرة، لأن “علاقة تحالف” تحكم الطرفين في الكثير من الساحات على الكثير من المستويات، رغم الصدى الصدامي في سوريا.

ويتفق الخبراء على أن الانسحاب الأميركي من سوريا في حال تم بشكل كامل وملء تركيا الفراغ سيخلف انعكاسات كبيرة على المنطقة، وهذا ما يشير إليه الجبين، الذي يذكّر بأن تركيا عضو فاعل في “الناتو”، ما يعني أن شمال الأطلسي بات في “عمق الشرق الأوسط”، ما من شأنه أن يبدّل معادلات، منها “فقدان إسرائيل لجزء من دورها كحليف وطيد” للغرب في المنطقة.

إلى ذلك، فإن سؤالاً يطرح بشأن احتمال تسلّل إيران من نافذة الانسحاب الأميركي للعودة إلى سوريا، كون مشروع التوسّع لم يغب عن سلطة المرشد الأعلى علي خامنئي رغم التغيّرات الاستراتيجية التي استجدت، وهي قضية تثير قلق إسرائيل، لكن سوء العلاقة بين تركيا والإدارة السورية الجديدة من جهة، وإيران من جهة أخرى، سيكون حاجزاً مانعاً ومعرقلاً لعودة الإيرانيين.

في المحصلة، فإن الانسحاب الأميركي من سوريا سيترك فراغاً تتسابق عليه القوى الإقليمية لملئه، وقد تكون تركيا الأوفر حظاً في ظل علاقتها الإيجابية والمتقدمة مع السلطات السورية الجديدة، لكن الأنظار ستتجه إلى إسرائيل وكيفية تعاطيها مع هذا التحدي السياسي والأمني الجيواستراتيجي، بالإضافة إلى المحاولات الإيرانية المحتملة لتعويض جزء من هذا الفراغ.

——————————

حسابات الشرع بين حقل ترامب وبيدر أردوغان/ رغيد عقلة

18 ابريل 2025

نشرت الروائية الأيرلندية، ماري هنغرفورد، روايتها “ماري بون” عام 1878، من دون أن يدور بخلدها أن مقولتها فيها “الجمال بعين ناظره” ستغدو مثلاً سائراً تتناقله الشعوب، على أنه لو قُيّض لها أن تعيش الحدث السوري لأضافتِ الفهم إلى الجمال، ففهم غالب السوريين اليوم لتصريحات إدارة الرئيس دونالد ترامب عن سورية هو غالباً تبعاً لرغباتهم، في مجافاةٍ مقصودة لقاعدة “لا اجتهاد مع النصّ”، خصوصاً عندما يكون بلغة إنكليزية واضحة وصريحة لا تحتمل كثيراً من تنميقات المعاني والبيان والبديع، التي تُميّز لسان الضاد، فالأميركيون غالباً يقولون ما يعنون، ويعنون ما يقولون، إلا أن هذا لا يمنع أن تحمل التصريحات والقرارات الواضحة الصادرة من واشنطن رسائلَ سياسيةً تحتمل في تفسيرها بعض الاجتهاد، وهنا يمكن القياس بمقولة هنغرفورد، فكما “الجمال بعين ناظره”، يكون غالباً فهم أغلب السوريين تصريحات واشنطن برغباتهم، وربّما بأمنياتهم، وأحياناً كثيرةً بمخيّلاتهم.

لا يدّعي كاتب هذه السطور مقدرةً فذّةً على قراءة الرئيس ترامب، أو توقّع ما يدور في ذهنه، فتلك مهمّة مستحيلة، حتى لأغلب من عملوا معه من قرب، ولعلّ الوصف الأكثر دقّةً له بإجماعهم أنه عصيٌّ على القراءة (very unpredictable)، وهو إن كان قد حافظ في سلوكه العام على بعض الخطوط الثابتة، التي طبعت سيرته رجلَ أعمال جريئاً ومقاولاً عنيداً لا يقبل كلمة “لا” جواباً، فإنّ هذا سيظهر في سلوكه رئيساً، سواء مع سياسيّي بلاده أو زعماء العالم، لا يُستثنى منهم الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، ولا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ورغم الانطباعات المتضاربة التي خلَّفها وصفه الإيجابي والدافئ لعلاقته بأردوغان في حضرة نتنياهو، عقب لقائه معه في البيت الأبيض قبل أكثر من أسبوع، يعلم من يعرف واشنطن جيّداً أن لا عشاءَ مجّانياً فيها، وإن وُجد، فقطعاً ليس عند الرئيس ترامب، فإطراءات الرجل (على ندرتها) لم تكن يوماً بلا مقابل، وتستدعي تساؤلاً مستحقّاً عمّا وراءها، وإذا كانت قد أتت في معرض الإشادة بإنجاز الرئيس أردوغان بسورية (بحسب كلام ترامب) فسيكون منطقياً جدّاً النظر فيها تحديداً لمحاولة استنباط ما قد يريده ترامب هناك، ويعوّل على علاقته القوية بأردوغان لتحقيقه، أمّا أن يكون هذا الاستعراض الحميمي لعلاقة الرجلَين بوجود نتنياهو خصوصاً، فإن ذلك سيحصر مهمّة التخمين ليكون ضمن القضايا التي تهم الأطراف الثلاثة معاً في سورية، التي قد يكون في مقدّمتها نيّات تركيا المُعلَنة في إنشاء قواعدَ عسكريةٍ لها في سورية، والموقف الإسرائيلي المُعلَن أيضاً، والرافض للأمر طبعاً، وكما العادة بحجّة “تعريض أمن إسرائيل للخطر”، ما يُحتّم أن آخر ما يتمنّى نتنياهو سماعه وصف ترامب الجالس على بعد خطوتَين منه في المكتب البيضاوي، وأمام الصحافيين لإنجاز أردوغان في سورية: “عليك التسليم بانتصاره، إذا كان لدى إسرائيل مشكلة مع تركيا فأنا قادر على حلّها”.

التفسير المبدئي لكلام ترامب قد يوحي بانحياز واضح إلى موقف الرئيس أردوغان، وما ينوي فعله في سورية التي أقرَّ الأوّل للثاني بانتصاره فيها، على حساب علاقته بنتنياهو الرافض للأمر شكلاً ومضموناً، ولا يخفى ذلك، ولكنّ قراءةً أكثر عمقاً للأمر تأخذ في حسابها طبيعة العلاقة بين واشنطن وتلّ أبيب، من جهة، وواشنطن وأنقرة من الجهة الأخرى، قد ترى أن انحياز ترامب الظاهري إلى موقف أردوغان في سورية هو “… بابٌ باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبَلِه العذابُ” (سورة الحديد: 13)، وأنه ربّما يحمل في طيَّاته مشروعاً في سورية يؤلم أردوغان ويُرضي نتنياهو لأبعد الحدود، وهل من أمر يهمّ نتنياهو أكثر من إخراجه من ورطته في غزّة التي لم يستطع انتصاره العسكري الماحق فيها تحقيق أيّ هدف سياسي حتى الآن، لا بل إغلاق ملفّها مرةً وإلى الأبد بتهجير أهلها منها؟ الأمر الذي تقوم عليه مخطّطات الرئيس ترامب، التي لا يخفيها لإعادة رسم المنطقة. ولكن، إلى أين، وقد أبدت كلٌّ من مصر والأردن تحفّظاتها الشديدة على الأمر؟ وهل يغامر الرئيس ترامب باستقرار بلدَين حليفَين وبمنتهى الأهمية له ولنتنياهو؟ أم أن هناك بلداً آخر رُشّح لهذا الترانسفير المخيف؟ وهل يكون سورية؟ وهل يكون تشديد الحصار الاقتصادي عليها، رغم سقوط أسبابه بسقوط نظام بشّار الأسد، هو جزء من مخطّط تهجير ما أمكن من فلسطينيّي غزّة إليها؟ وأن قبول سلطة الأمر الواقع فيها دولياً وأممياً ودعمها اقتصادياً سيكون من أثمان هذا القبول؟

قد يبدو الأمر جذّاباً ومفيداً لرئيس الفترة الانتقالية، أحمد الشرع، خصوصاً بعدما صارت الإشارة إليه تكتفي بوصفه بـ”الرئيس السوري” في تجاهل متعمّد (شعبي ورسمي) لكلّ ما يمتّ إلى الفترة الانتقالية بصلة، وفي الوقت الذي قد يرى فيه الفلسطينيون فيما خطّطه ترامب لمستقبلهم “قسمةً ضيزى”. إلا أن الشرع ومن حوله قد يرون أن الأمر لايخرج عن “الضوابط الشرعية”، فالرسول العربي وأتباعه هُجّروا من مكّة إلى المدينة، وكانت هذه الهجرة فاتحةَ خير لهم وللدولة التي أرسوها فيما بعد، وإذا كانت سورية عانت منذ 2011 نزيفاً مريعاً بتهجير طاول المكوّن السُّني فيها تحديداً، فإن تعويضه بمهجّري غزّة السُنَّه لن يكون أمراً سيئاً بالضرورة، ومن هنا فهل كانت زيارة الشرع للإمارات تصبّ في هذا الاتجاه، على حساب علاقته بأنقرة والدوحة اللتين قد يكون لهما موقف مختلف تماماً من الموضوع برمَّته؟

كما فعلت هنغرفورد تفعل درعا المستعصية على الدخول في بيت طاعة الشرع، وتذكّرنا بمثل حوراني يصف الحال بين حسابات السرايا وحسابات القرايا، وما يسري على أبناء حوران يسري على أبناء الجولان (والشرع منهم)، وقد يجد نفسه في موقف يحتاج فيه إلى موازنةٍ دقيقةٍ بين التماهي مع ما تحمله رؤية الرئيس ترامب إلى المنطقة وما يعتقد أنه سيجنيه منها، وموقف “صديق ترامب”، الرئيس أردوغان، من هذه الرؤية، بل فرص نجاحها بالأصل في ظلّ موقف شعبي فلسطيني متمسّك بأرضه بمنتهى العناد.

العربي الجديد

——————————–

الانسحاب الأميركي وسوريا الموحدة.. هل فشل المشروع الإسرائيلي؟/ سامر القطريب

2025.04.18

بدأت الولايات المتحدة في سحب مئات الجنود من شمال شرقي سوريا، في خطوة تعكس تغيّر البيئة الأمنية بعد سقوط بشار الأسد، وتعيد طرح الأسئلة حول مستقبل النفوذ الأميركي والمشروع الإسرائيلي في سوريا. حيث تزامن هذا الانسحاب مع دعوات إسرائيلية صريحة لفدرلة سوريا متذرعة بحماية الأقليات الطائفية والإثنية جنوبي وشمال شرقي سوريا، وتصريحات تركية حاسمة ضد أي مشاريع تقسيم أو كيانات مسلحة موازية، ما يعكس تصاعد التباين الإقليمي والدولي حول شكل سوريا الجديدة.

توازيا مع ذلك، قدمت واشنطن بطلباتها إلى دمشق، والتي تشمل سلسلة من الخطوات الأمنية والسياسية الصارمة، كشرط أساسي قبل النظر في تخفيف محدود للعقوبات أو إعادة العلاقات الدبلوماسية، بما في ذلك “إجراءات صارمة ضد المتطرفين، وطرد المسلحين الفلسطينيين”.

مشروع فدرلة سوريا في الخطاب الإسرائيلي

في 25 شباط الماضي، طالب وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، جدعون ساعر، بتحويل سوريا إلى “دولة فيدرالية تضم مناطق حكم ذاتي”، وذلك خلال اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في بروكسل. وزعم ساعر أن الفدرلة تضمن الاستقرار وتحمي “طرق الحياة المختلفة”، معتبراً أن سوريا الموحدة لم تعد ممكنة إلا بصيغة اتحادية.

قبل ذلك، عبّر بنيامين نتنياهو عن خيبة أمل بلاده من الإطاحة ببشار الأسد في 8 كانون الأول، واعتبر أن التغيير في دمشق لا يصب في مصلحة إسرائيل. وطالب بإخلاء الجنوب السوري من القوات العسكرية التابعة للحكومة الجديدة، مشيراً إلى التزام إسرائيل بحماية الدروز جنوبي البلاد، ومنع تقدم الجيش السوري نحو جنوبي دمشق.

بين التهدئة الكردية والموقف التركي

في مواجهة هذه الرؤية، أكدت تركيا عبر رئيسها رجب طيب أردوغان ووزير خارجيتها هاكان فيدان، رفضها لأي شكل من أشكال الفدرالية أو الكيانات المسلحة خارج الجيش الوطني السوري. وشدد فيدان على ضرورة نزع سلاح “قوات سوريا الديمقراطية” ودمج عناصرها في المؤسسات الرسمية.

وصرّح أردوغان بأن بلاده دخلت مرحلة جديدة في مكافحة “الإرهاب”، بالتنسيق مع حليفها القومي دولت بهتشلي، مشيراً إلى أن السلام في سوريا لن يتحقق إلا بإنهاء المشاريع الانفصالية.

سبقت هذه التطورات تصريحات لافتة من زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، الذي دعا إلى حل الحزب ونزع السلاح، معتبرًا أن الحزب استكمل دوره التاريخي. وقال أوجلان إن التطورات الإقليمية والداخلية تُحتم حلولاً جديدة بعيداً عن العنف.

من جهته، قال جميل بايك، أحد أبرز قيادات الحزب، إن القيادة مستعدة للعودة إلى تركيا في حال رفع العزلة عن أوجلان والسماح له بالعمل بحرية. واعتبر بايك أن دعوة أوجلان “ليست مجرد رسالة، بل بداية مسار جديد”، في وقت أبدت فيه أنقرة استعدادًا للتعامل مع هذا المسار ضمن شروطها.

ورغم أن إلهام أحمد أشارت أمس إلى أن أن رفض اللامركزية سيؤدي إلى صراعات جديدة، إلا أنها نفت في الوقت نفسه الاتهامات الموجهة لـ “الإدارة الذاتية” بالسعي إلى الانفصال.

وعن الاتفاقيات بين الحكومة السورية في دمشق و”الإدارة الذاتية”، قالت إلهام إن الإدارة الذاتية تسعى إلى “اتفاقيات أعمق” فيما يتعلق بالعملية الدستورية والسياسية وإعادة إعمار سوريا، مؤكدة على أهمية الاتفاق بين القائد العام لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، والرئيس السوري، أحمد الشرع، لمختلف مكونات سوريا.

وفي السياق كشف مصدر مطّلع لموقع تلفزيون سوريا، الخميس، عن تأجيل المجلس الوطني الكردي (ENKS) وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الإعلان رسمياً عن “الرؤية السياسة الكردية المشتركة” التي كان من المقرر إعلانها اليوم الجمعة بمدينة القامشلي بعد بروز خلافات بين الطرفين “بسبب تدخلات حزب العمال الكردستاني – PKK”.

وكان مصدر مطلع على سير المفاوضات الكردية في شهر آذار الفائت كشف لموقع “تلفزيون سوريا” عن اتفاق الطرفين على المطالبة بإقامة نظام لا مركزي فدرالي في سوريا. تزامنا مع تنفيذ الاتفاق بين دمشق وقسد ويأتي الانسحاب الأميركي لصالح تعزيز الحوار والتفاهم بين الطرفين وهو أيضا من نتائج لقاء ترمب ـ نتنياهو الأخير.

وكان من المزمع عقد كونفراس خاص بالإعلان وتصديق “الرؤية السياسية الكردية” يوم 18 نيسان الجاري بحضور أكثر من 300 شخص، من بينهم أحزاب كردية سورية وشخصيات سياسية واجتماعية وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، والنقابات والمنظمات النسائية.

وأشار المصدر إلى أن “قرار التأجيل جاء بعد بروز خلافات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي حول آلية عقد الكونفراس والإعلام والصور التي سترفع فيه”.

لقاء ترمب ونتنياهو.. الخيوط بيد أنقرة؟

في تطور سابق، دعا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى “التفاهم مع تركيا” بشأن سوريا، وهو ما فُسّر إسرائيليًا على أنه محاولة لتقليص دور تل أبيب في شمال شرقي سوريا. وقال ترمب لنتنياهو: “أي مشكلة لديك مع تركيا، أعتقد أنني أستطيع حلها… طالما أنك معقول”.

وكانت تل أبيب قد أعلنت رفضها لوجود قواعد عسكرية تركية في سوريا، وهو ما عبرت عنه من خلال شن غارات على قاعدتي تدمر و”تي 4″.

هذا الطرح يشير إلى إدراك أميركي مبكر بأن مفاتيح التوازن في سوريا لا تكمن فقط في تل أبيب أو واشنطن، بل في أنقرة التي أثبتت قدرتها على التأثير في المسار العسكري والسياسي، وباتت تملك نفوذاً في الملف السوري لا يمكن تجاوزه.

يتراجع النفوذ الأميركي في شمال شرقي سوريا، في حين تتقدم خطوات توحيد البلاد تدريجياً على وقع الانفتاح التركي والحوار الكردي، وتلاشي مشاريع الفدرلة والتقسيم التي روّجت لها تل أبيب. ومع تصاعد الرفض الإقليمي والانفتاح العربي، وتثبيت الحكومة السورية الجديدة أركانها في الجنوب والشمال الشرقي، يبدو أن المشروع الإسرائيلي الرامي إلى تفتيت سوريا يفقد زخمه، ما يفتح الباب أمام مشهد جديد قد يعيد تشكيل الخريطة السورية بالكامل.

الجنوب السوري بين التصعيد والمبادرات المحلية

في الجنوب، أثارت مؤخرا تصريحات الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز، جدلاً واسعاً بعد تأكيده في مقابلة مع إذاعة NPR الأميركية، أن القوى المحلية في السويداء لا تنسق مع دمشق. لكن مصادر محلية أشارت إلى أن التصريحات تعود لشهر آذار، ولا تعكس بالضرورة الموقف الحالي.

في المقابل، أكد محافظ السويداء مصطفى البكور وجود تفاهم وتنسيق دائمين مع الهجري، مشيراً إلى أنه يؤيد أن يكون الأمن في المحافظة بيد أبنائها. كما زار البكور دارة الشيخ الهجري في عيد الفطر، في محاولة لإظهار وحدة الصف المحلي.

وسبق ذلك، رسالة وقعها مشايخ الطائفة إلى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، طالبوا فيها بتعديلات على الإعلان الدستوري وتفعيل مؤسسات الدولة والضابطة العدلية، وشمل ذلك مقترحات لتشكيل لجان اقتصادية وتعليمية تمثل مختلف شرائح المجتمع.

مايجري شمال شرقي سوريا من انسحاب وتفاهمات ينعكس تدريجيا على الجنوب وتحديدا السويداء، فبعد حل الفيلق الخامس وإخراج أحمد العودة من المشهد يبدو أن الشيخ حكمت الهجري أصبح وحيدا وعليه فتح باب حوار جاد مع الإدارة السورية الجديدة.

من الجنوب إلى الشمال الشرقي.. ملامح توحيد سوريا تتشكل

حل “الفيلق الخامس” في درعا شكّل خطوة رمزية ضمن مسار إعادة هيكلة وزارة الدفاع، التي تواجه تحديات كبيرة في ضم التشكيلات العسكرية المحلية ضمن منظومة وطنية موحدة. ويُنظر إلى هذا التوجه كجزء من محاولات توحيد البلاد تدريجياً، من الجنوب إلى الشمال الشرقي.

وفي هذا السياق، تلعب تركيا دوراً مباشراً في فرض واقع ميداني جديد يقطع الطريق على مشروع الفدرلة، مستفيدة من تقاطع مصالحها مع واشنطن، التي بدأت بالانسحاب، وتباينها مع تل أبيب، التي ما زالت تراهن على إبقاء مناطق النفوذ الحالية كأمر واقع دائم.

تلفزيون سوريا

———————————

80 منظمة دولية تطالب إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية داخل سوريا وحماية المدنيين

2025.04.18

أصدرت 80 منظمة إنسانية دولية بياناً طالبت فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي بوقف عملياتها العسكرية داخل سوريا، ودعت المجتمع الدولي إلى حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية.

وفي بيانها، قالت المنظمات إن تصعيد الهجمات الإسرائيلية ضد سوريا “يلحق الضرر بالمدنيين، ويفاقم المعاناة، ويعيق جهود التعافي”، مضيفة أن توغل إسرائيل البري في الأراضي السوري “خرق واضح لاتفاقية فض الاشتباك، وانتهاك للمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة”.

وأوضح البيان أن الضربات الإسرائيلية “رغم أنها وقعت بشكل متقطع لأكثر من عقد من الزمان، فإن وتيرة الضربات ونطاقها ازدادا بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك من خلال استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان”.

وأشارت إلى أن هجمات إسرائيل على المناطق المكتظة بالسكان في سوريا أدت إلى مقتل وإصابة مدنيين، معتبرة أنها “قد ترقى إلى انتهاكات للقانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان”.

تزعزع استقرار سوريا والمنطقة

وأكدت المنظمات الدولية أن “أفعال إسرائيل في سوريا تُقوّض بشكل مباشر الأنشطة الإنسانية وجهود التعافي وإعادة الإعمار والاستقرار في مرحلة حرجة يمرّ بها السوريون”.

وقالت المنظمات إن سوريا “واجهت سنوات من الصراع والنزوح الجماعي والدمار الاقتصادي والمعاناة الإنسانية الهائلة، ولا يزال شعبها يتحمل العبء الأكبر”، مضيفة أن “هذه الموجة من الهجمات تُشكل جزءاً من نمط أوسع من التوغل والاحتلال الذي لا يزال يُزعزع استقرار سوريا والمنطقة ككل”.

ودعت المنظمات جميع الأطراف على “الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك مبادئ التمييز والتناسب والضرورة”، مؤكدة على أهمية حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية في جميع الأوقات.

وطالبت المنظمات الإنسانية الدولية المجتمع الدولي بـ “اتخاذ إجراءات فورية ومنسقة لمنع المزيد من التصعيد، وضمان المساءلة عن الانتهاكات، وضمان وقف دائم للعنف”، مشددة على أن “أي مسار نحو السلام يجب أن يرتكز على القانون الدولي، وأن يحركه الالتزام بحماية المدنيين”.

—————————

====================

الموقف الأميركي اتجاه سوريا، مسالة رفع العقوبات، الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة الاميركية على الحكومة السورية تحديث 19 نيسان 2025

لمتابعة هذا الملف التبع الرابط التالي

العقوبات الأميركية على سوريا الجديدة وسبل إلغائها

——————————-

مواقف “ضبابية” وحذر شديد.. كل ما نعرفه عن خطط إدارة ترامب في سوريا ما بعد الأسد

عربي بوست

2025/04/18

اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مواقف عدة متباينة في سوريا منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي وتولي فصائل المعارضة زمام الحكم في البلاد بقيادة أحمد الشرع، القائد السابق لهيئة تحرير الشام والرئيس الانتقالي الحالي للبلاد.

وشملت المواقف والخطط الأمريكية تجاه سوريا التوسط في اتفاق بين القيادة السورية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، وسحب عدد من القوات من القواعد العسكرية في البلاد، فضلاً عن وضع شروط صارمة أمام الحكومة الجديدة مقابل تخفيف لبعض العقوبات المفروضة على دمشق.

وأشارت تقارير لوسائل إعلام أمريكية إلى أنه وفي ظل المخاوف من عودة ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وعودة النفوذ الإيراني والروسي، لا تزال إدارة ترامب تحافظ على مسافة بينها وبين القيادة السورية.

وقال تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست إن إدارة ترامب، التي لا تزال تفرض عقوبات على دمشق منذ عهد الأسد، تتخذ موقفاً محايداً من البلاد. وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية “إننا نواصل التعامل مع سوريا بحذر شديد” حتى يثبت الشرع أنه تخلص من المتشددين الإسلاميين الأجانب وبقايا تنظيم القاعدة ويثبت أنه قادر على توحيد الأقليات المختلفة في سوريا.

في هذا التقرير نستعرض أبرز المواقف والخطط التي تبنتها الإدارة الأمريكية تجاه سوريا منذ بدء ولاية ترامب الثانية في 20 يناير/كانون الثاني الماضي.

أولاً: التوسط في اتفاق قسد والحكومة السورية

في مارس/آذار الماضي، أعلنت الحكومة السورية وقوات قسد التي تسيطر على مساحات واسعة في شمال شرق سوريا عن توصل الطرفين إلى اتفاق يهدف إلى تعزيز وحدة البلاد ودمج مؤسساتها المدنية والعسكرية.

ونقلت تقارير عن ضباط أمريكيين أن الجيش الأمريكي لعب دوراً دبلوماسياً مهماً خلف الكواليس في سوريا، وساعد في التوسط في الاتفاق الذي تم بين الحكومة السورية والقوات الكردية.

وقال مسؤول عسكري أمريكي رفيع المستوى: “كان هناك الكثير من النقاش، وكنا بمثابة وسيط لمساعدتهم على إجراء هذا النقاش. تبادلنا الآراء حتى توصلنا أخيراً إلى اتفاق يرضي الجميع، وكررنا ذلك عدة مرات، وأوصلناهم أخيراً إلى هذه النقطة”.

وشمل الاتفاق بنوداً عدة أبرزها:

    وحدة الأراضي السورية ورفض أي محاولات للتقسيم أو الانفصال.

    دمج قوات قسد ضمن المؤسسات العسكرية السورية تحت إشراف وزارة الدفاع، لضمان تكاملها في المنظومة الدفاعية.

    إدماج المؤسسات المدنية للإدارة الذاتية ضمن هيكل الدولة السورية مع الحفاظ على بعض الخصوصيات لمناطق شمال وشرق سوريا وفقاً للقانون السوري.

وقال تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن الضباط الأمريكيين شجعوا فصيلاً آخر يعمل مع الولايات المتحدة في جنوب شرق سوريا بالقرب من قاعدتها العسكرية في التنف، وهو الجيش السوري الحر، على تحقيق السلام مع الحكومة السورية الجديدة.

وأضاف التقرير نقلاً عن الضباط الأمريكيين أن جهود الوساطة الأمريكية كانت تهدف إلى تحقيق الاستقرار في البلاد ومنع عودة الصراع الأهلي الذي قد يُعقّد جهود كبح جماح تنظيم داعش، الذي ينشط بشكل رئيسي في المناطق الصحراوية قليلة السكان في سوريا. كما تهدف إلى منح الولايات المتحدة دوراً فاعلاً في رسم مستقبل سوريا.

ولاقى الاتفاق آنذاك ترحيباً من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الذي قال إن الولايات المتحدة “تؤكد دعمها للانتقال السياسي الذي يثبت أن الحكم الموثوق وغير الطائفي هو أفضل طريق لتجنب المزيد من الصراع”.

ثانياً: سحب القوات العسكرية الأمريكية من سوريا

بدأ الجيش الأمريكي في سحب مئات من قواته من شمال شرق سوريا، ويستعد لإغلاق 3 من قواعده التشغيلية الصغيرة الثماني في شمال شرق البلاد، مما سيخفض عدد قواته من ألفين إلى حوالي 1400 جندي، وفق ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أمريكيين، الخميس 17 أبريل/نيسان 2025.

وأفاد المسؤولون أن القواعد الثلاث هي:

    القرية الخضراء

    الفرات

     بالإضافة إلى قاعدة ثالثة أصغر بكثير

وقال المسؤولون إنه بعد 60 يوماً، سيُقيّم القادة الأمريكيون إمكانية إجراء تخفيضات إضافية. وأوصى القادة بإبقاء 500 جندي أمريكي على الأقل في سوريا.

ومع ذلك، أعرب الرئيس ترامب عن شكوكه العميقة بشأن إبقاء أي قوات أمريكية في البلاد. وقال المسؤولون، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة الشؤون العملياتية، إن التخفيضات التي بدأت يوم الخميس، حتى الآن على الأقل، تستند إلى توصيات القادة الميدانيين بإغلاق القواعد ودمجها، وقد وافقت عليها وزارة الدفاع (البنتاغون) وقيادتها المركزية.

ومع أن تنظيم داعش لا يزال يُشكل خطراً داهماً في سوريا، وخاصةً في الشمال الشرقي حيث تتمركز القوات الأمريكية، إلا أن نيويورك تايمز أشارت إلى أن سقوط نظام الأسد قلص بشكل كبير، على الأقل في الوقت الحالي، مجموعةً من التهديدات الأخرى، بما في ذلك الميليشيات المدعومة من إيران والقوات الروسية التي تدعم الحكومة السورية.

وحدثت نقطة تحول رئيسية أخرى الشهر الماضي بعدما توصلت قوات قسد إلى اتفاق مع الحكومة السورية، وهو ما كان بمثابة اختراق لدمشق في جهودها لتوحيد بلد لا يزال يعاني من اضطرابات عنيفة، حسبما وصفت الصحيفة الأمريكية.

وقال المسؤولون الأمريكيون إن القوات الأمريكية، التي تشمل جنوداً تقليديين وقوات خاصة، ستواصل، بأعدادها المخفضة، تقديم المساعدة في مكافحة الإرهاب لقوات قسد والمساعدة في إدارة العديد من معسكرات الاحتجاز.

وأعلنت الولايات المتحدة في أواخر العام الماضي أن جيشها ضاعف عدد قواته على الأرض في سوريا إلى نحو 2000 جندي، للمساعدة في التعامل مع التهديد المتزايد من تنظيم داعش والميليشيات المدعومة من إيران التي هاجمت القواعد الأمريكية.

أمريكا في سوريا

وتأمل الولايات المتحدة أن تصبح الحكومة السورية الجديدة شريكاً في مواجهة داعش. وكانت المؤشرات الأولية إيجابية، إذ قادت الحكومة، بناءً على معلومات استخباراتية أمريكية، جهوداً لإفشال ثماني عمليات لداعش في دمشق، وفقاً لمسؤولين أمريكيين.

لكن بعض المحللين يقولون إن تخفيضات أعمق في القوات الأمريكية ربما تكون في الطريق، مما يهدد استقرار هذه العملية الانتقالية.

ومن المتوقع أن تجري إدارة ترامب مراجعة واسعة النطاق لسياساتها تجاه سوريا، ويقول بعض المسؤولين إن القوات الأمريكية قد يتم تقليصها إلى أقل من النصف أو سحبها بالكامل، كما ذكرت شبكة إن بي سي نيوز، من بين وسائل إعلام أخرى، في وقت سابق.

وقال مسؤولون ومحللون مستقلون إن العديد من المناصب المهمة المتعلقة بسياسة الشرق الأوسط لا تزال شاغرة في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، وكذلك في وزارة الخارجية والبنتاغون، الأمر الذي يبطئ أي مراجعة شاملة للسياسة تجاه سوريا.

ثالثاً: وضع شروط صارمة مقابل تخفيف العقوبات

وبالتوازي مع سحب عدد من القوات الأمريكية من سوريا، كشف مسؤولون أمريكيون أن إدارة ترامب تهدد باتخاذ موقف متشدد مع الحكومة السورية الجديدة، مطالبة إياها بتنفيذ عدة مطالب مقابل تخفيف محدود للعقوبات.

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أمريكيين أن البيت الأبيض أصدر توجيهات سياسية في الأسابيع الأخيرة تدعو الحكومة السورية إلى اتخاذ خطوات تشمل:

    التعاون مع المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية لحماية الأسلحة الكيميائية المتبقية في البلاد، وتأمين اليورانيوم عالي التخصيب.

    تعيين مسؤول اتصال للعمل على تحديد مكان 14 أمريكياً مفقوداً في سوريا.

    اتخاذ إجراءات صارمة ضد من وصفتهم بالمتطرفين.

    منع الجماعات الفلسطينية المسلحة من العمل في البلاد، بما في ذلك جمع الأموال هناك، وطرد أعضاء تلك الجماعات من البلاد. وتتخذ الجماعات الفلسطينية من سوريا، التي تستضيف عدداً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948، مقراً لها منذ عقود.

وقال مسؤولون إن الولايات المتحدة ستنظر في المقابل في تجديد إعفاء محدود للعقوبات أصدرته إدارة بايدن بهدف تسريع تدفق المساعدات إلى البلاد. وكانت وزارة الخزانة قد منحت في يناير/كانون الثاني إعفاءات لمنظمات إغاثة وشركات تُقدم إمدادات أساسية، بما في ذلك الكهرباء والنفط والغاز الطبيعي.

وتعكس هذه التوجيهات الشكوك بين مسؤولي الإدارة في الحكومة السورية الجديدة، حسبما أشارت وول ستريت جورنال. ولوحظ أيضاً عدم وجود أي مطالبة تتعلق بروسيا، مما يدل على أن إدارة ترامب خففت من الضغط الذي مارسته في عهد الرئيس السابق بايدن لحث دمشق على التخلص من القواعد العسكرية للكرملين في سوريا، على الأقل في الوقت الحالي، بينما يتفاوض المسؤولون الأمريكيون مع موسكو بشأن إنهاء الصراع في أوكرانيا.

وبينما أرسلت إدارة بايدن مسؤولين كباراً للقاء الشرع في ديسمبر/كانون الأول، تبدو إدارة ترامب غير راغبة في المضي قدماً دون خطوات إضافية من القيادة السورية الجديدة.

ولم يتضح بعد موقف ترامب بشأن بقية عناصر السياسة الأمريكية تجاه سوريا.

وقال المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، وهو شخصية نافذة في الإدارة الأمريكية، الشهر الماضي إن الشرع “شخص مختلف عما كان عليه سابقاً. والناس يتغيرون”.

ويشعر قادة الحزب الجمهوري الرئيسيون بالقلق من تراجع النفوذ الأمريكي في سوريا بطريقة قد تتيح فرصة لروسيا والصين.

وقال مسؤولون إنه إذا اتخذت سوريا كل الخطوات الموضحة في السياسة، فإن الولايات المتحدة ستلتزم علناً بسلامة أراضي سوريا وستنظر في تجديد العلاقات الدبلوماسية وإزالة التصنيفات الإرهابية عن أعضاء الحكومة الجديدة.

ولكن العرض لا يرقى إلى مستوى رفع العقوبات الذي دعا إليه بعض المسؤولين الأوروبيين والقوى الإقليمية مثل تركيا ومحللي الأمن الذين يشعرون بالقلق من أن سوريا قد تنزلق مرة أخرى إلى العنف أو تنجرف مرة أخرى تحت تأثير روسيا وغيرها من المعارضين التقليديين للولايات المتحدة.

وقال بنيامين فيف، كبير محللي الأبحاث في شركة كرم شعار الاستشارية التي تعمل على الاقتصاد السوري: “هذا من شأنه أن يجعل الوضع معقداً للغاية، وفي واقع الأمر لن يؤدي إلا إلى دفع سوريا والسلطات الجديدة إلى أيدي الروس أو حتى الصينيين”.

عربي بوست

——————————–

الانسحاب الأميركي وسوريا الموحدة.. هل فشل المشروع الإسرائيلي؟/ سامر القطريب

2025.04.18

بدأت الولايات المتحدة في سحب مئات الجنود من شمال شرقي سوريا، في خطوة تعكس تغيّر البيئة الأمنية بعد سقوط بشار الأسد، وتعيد طرح الأسئلة حول مستقبل النفوذ الأميركي والمشروع الإسرائيلي في سوريا. حيث تزامن هذا الانسحاب مع دعوات إسرائيلية صريحة لفدرلة سوريا متذرعة بحماية الأقليات الطائفية والإثنية جنوبي وشمال شرقي سوريا، وتصريحات تركية حاسمة ضد أي مشاريع تقسيم أو كيانات مسلحة موازية، ما يعكس تصاعد التباين الإقليمي والدولي حول شكل سوريا الجديدة.

توازيا مع ذلك، قدمت واشنطن بطلباتها إلى دمشق، والتي تشمل سلسلة من الخطوات الأمنية والسياسية الصارمة، كشرط أساسي قبل النظر في تخفيف محدود للعقوبات أو إعادة العلاقات الدبلوماسية، بما في ذلك “إجراءات صارمة ضد المتطرفين، وطرد المسلحين الفلسطينيين”.

مشروع فدرلة سوريا في الخطاب الإسرائيلي

في 25 شباط الماضي، طالب وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، جدعون ساعر، بتحويل سوريا إلى “دولة فيدرالية تضم مناطق حكم ذاتي”، وذلك خلال اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في بروكسل. وزعم ساعر أن الفدرلة تضمن الاستقرار وتحمي “طرق الحياة المختلفة”، معتبراً أن سوريا الموحدة لم تعد ممكنة إلا بصيغة اتحادية.

قبل ذلك، عبّر بنيامين نتنياهو عن خيبة أمل بلاده من الإطاحة ببشار الأسد في 8 كانون الأول، واعتبر أن التغيير في دمشق لا يصب في مصلحة إسرائيل. وطالب بإخلاء الجنوب السوري من القوات العسكرية التابعة للحكومة الجديدة، مشيراً إلى التزام إسرائيل بحماية الدروز جنوبي البلاد، ومنع تقدم الجيش السوري نحو جنوبي دمشق.

بين التهدئة الكردية والموقف التركي

في مواجهة هذه الرؤية، أكدت تركيا عبر رئيسها رجب طيب أردوغان ووزير خارجيتها هاكان فيدان، رفضها لأي شكل من أشكال الفدرالية أو الكيانات المسلحة خارج الجيش الوطني السوري. وشدد فيدان على ضرورة نزع سلاح “قوات سوريا الديمقراطية” ودمج عناصرها في المؤسسات الرسمية.

وصرّح أردوغان بأن بلاده دخلت مرحلة جديدة في مكافحة “الإرهاب”، بالتنسيق مع حليفها القومي دولت بهتشلي، مشيراً إلى أن السلام في سوريا لن يتحقق إلا بإنهاء المشاريع الانفصالية.

سبقت هذه التطورات تصريحات لافتة من زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، الذي دعا إلى حل الحزب ونزع السلاح، معتبرًا أن الحزب استكمل دوره التاريخي. وقال أوجلان إن التطورات الإقليمية والداخلية تُحتم حلولاً جديدة بعيداً عن العنف.

من جهته، قال جميل بايك، أحد أبرز قيادات الحزب، إن القيادة مستعدة للعودة إلى تركيا في حال رفع العزلة عن أوجلان والسماح له بالعمل بحرية. واعتبر بايك أن دعوة أوجلان “ليست مجرد رسالة، بل بداية مسار جديد”، في وقت أبدت فيه أنقرة استعدادًا للتعامل مع هذا المسار ضمن شروطها.

ورغم أن إلهام أحمد أشارت أمس إلى أن أن رفض اللامركزية سيؤدي إلى صراعات جديدة، إلا أنها نفت في الوقت نفسه الاتهامات الموجهة لـ “الإدارة الذاتية” بالسعي إلى الانفصال.

وعن الاتفاقيات بين الحكومة السورية في دمشق و”الإدارة الذاتية”، قالت إلهام إن الإدارة الذاتية تسعى إلى “اتفاقيات أعمق” فيما يتعلق بالعملية الدستورية والسياسية وإعادة إعمار سوريا، مؤكدة على أهمية الاتفاق بين القائد العام لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، والرئيس السوري، أحمد الشرع، لمختلف مكونات سوريا.

وفي السياق كشف مصدر مطّلع لموقع تلفزيون سوريا، الخميس، عن تأجيل المجلس الوطني الكردي (ENKS) وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الإعلان رسمياً عن “الرؤية السياسة الكردية المشتركة” التي كان من المقرر إعلانها اليوم الجمعة بمدينة القامشلي بعد بروز خلافات بين الطرفين “بسبب تدخلات حزب العمال الكردستاني – PKK”.

وكان مصدر مطلع على سير المفاوضات الكردية في شهر آذار الفائت كشف لموقع “تلفزيون سوريا” عن اتفاق الطرفين على المطالبة بإقامة نظام لا مركزي فدرالي في سوريا. تزامنا مع تنفيذ الاتفاق بين دمشق وقسد ويأتي الانسحاب الأميركي لصالح تعزيز الحوار والتفاهم بين الطرفين وهو أيضا من نتائج لقاء ترمب ـ نتنياهو الأخير.

وكان من المزمع عقد كونفراس خاص بالإعلان وتصديق “الرؤية السياسية الكردية” يوم 18 نيسان الجاري بحضور أكثر من 300 شخص، من بينهم أحزاب كردية سورية وشخصيات سياسية واجتماعية وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، والنقابات والمنظمات النسائية.

وأشار المصدر إلى أن “قرار التأجيل جاء بعد بروز خلافات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي حول آلية عقد الكونفراس والإعلام والصور التي سترفع فيه”.

لقاء ترمب ونتنياهو.. الخيوط بيد أنقرة؟

في تطور سابق، دعا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى “التفاهم مع تركيا” بشأن سوريا، وهو ما فُسّر إسرائيليًا على أنه محاولة لتقليص دور تل أبيب في شمال شرقي سوريا. وقال ترمب لنتنياهو: “أي مشكلة لديك مع تركيا، أعتقد أنني أستطيع حلها… طالما أنك معقول”.

وكانت تل أبيب قد أعلنت رفضها لوجود قواعد عسكرية تركية في سوريا، وهو ما عبرت عنه من خلال شن غارات على قاعدتي تدمر و”تي 4″.

هذا الطرح يشير إلى إدراك أميركي مبكر بأن مفاتيح التوازن في سوريا لا تكمن فقط في تل أبيب أو واشنطن، بل في أنقرة التي أثبتت قدرتها على التأثير في المسار العسكري والسياسي، وباتت تملك نفوذاً في الملف السوري لا يمكن تجاوزه.

يتراجع النفوذ الأميركي في شمال شرقي سوريا، في حين تتقدم خطوات توحيد البلاد تدريجياً على وقع الانفتاح التركي والحوار الكردي، وتلاشي مشاريع الفدرلة والتقسيم التي روّجت لها تل أبيب. ومع تصاعد الرفض الإقليمي والانفتاح العربي، وتثبيت الحكومة السورية الجديدة أركانها في الجنوب والشمال الشرقي، يبدو أن المشروع الإسرائيلي الرامي إلى تفتيت سوريا يفقد زخمه، ما يفتح الباب أمام مشهد جديد قد يعيد تشكيل الخريطة السورية بالكامل.

الجنوب السوري بين التصعيد والمبادرات المحلية

في الجنوب، أثارت مؤخرا تصريحات الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز، جدلاً واسعاً بعد تأكيده في مقابلة مع إذاعة NPR الأميركية، أن القوى المحلية في السويداء لا تنسق مع دمشق. لكن مصادر محلية أشارت إلى أن التصريحات تعود لشهر آذار، ولا تعكس بالضرورة الموقف الحالي.

في المقابل، أكد محافظ السويداء مصطفى البكور وجود تفاهم وتنسيق دائمين مع الهجري، مشيراً إلى أنه يؤيد أن يكون الأمن في المحافظة بيد أبنائها. كما زار البكور دارة الشيخ الهجري في عيد الفطر، في محاولة لإظهار وحدة الصف المحلي.

وسبق ذلك، رسالة وقعها مشايخ الطائفة إلى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، طالبوا فيها بتعديلات على الإعلان الدستوري وتفعيل مؤسسات الدولة والضابطة العدلية، وشمل ذلك مقترحات لتشكيل لجان اقتصادية وتعليمية تمثل مختلف شرائح المجتمع.

مايجري شمال شرقي سوريا من انسحاب وتفاهمات ينعكس تدريجيا على الجنوب وتحديدا السويداء، فبعد حل الفيلق الخامس وإخراج أحمد العودة من المشهد يبدو أن الشيخ حكمت الهجري أصبح وحيدا وعليه فتح باب حوار جاد مع الإدارة السورية الجديدة.

من الجنوب إلى الشمال الشرقي.. ملامح توحيد سوريا تتشكل

حل “الفيلق الخامس” في درعا شكّل خطوة رمزية ضمن مسار إعادة هيكلة وزارة الدفاع، التي تواجه تحديات كبيرة في ضم التشكيلات العسكرية المحلية ضمن منظومة وطنية موحدة. ويُنظر إلى هذا التوجه كجزء من محاولات توحيد البلاد تدريجياً، من الجنوب إلى الشمال الشرقي.

وفي هذا السياق، تلعب تركيا دوراً مباشراً في فرض واقع ميداني جديد يقطع الطريق على مشروع الفدرلة، مستفيدة من تقاطع مصالحها مع واشنطن، التي بدأت بالانسحاب، وتباينها مع تل أبيب، التي ما زالت تراهن على إبقاء مناطق النفوذ الحالية كأمر واقع دائم.

تلفزيون سوريا

———————————

حسابات الشرع بين حقل ترامب وبيدر أردوغان/ رغيد عقلة

18 ابريل 2025

نشرت الروائية الأيرلندية، ماري هنغرفورد، روايتها “ماري بون” عام 1878، من دون أن يدور بخلدها أن مقولتها فيها “الجمال بعين ناظره” ستغدو مثلاً سائراً تتناقله الشعوب، على أنه لو قُيّض لها أن تعيش الحدث السوري لأضافتِ الفهم إلى الجمال، ففهم غالب السوريين اليوم لتصريحات إدارة الرئيس دونالد ترامب عن سورية هو غالباً تبعاً لرغباتهم، في مجافاةٍ مقصودة لقاعدة “لا اجتهاد مع النصّ”، خصوصاً عندما يكون بلغة إنكليزية واضحة وصريحة لا تحتمل كثيراً من تنميقات المعاني والبيان والبديع، التي تُميّز لسان الضاد، فالأميركيون غالباً يقولون ما يعنون، ويعنون ما يقولون، إلا أن هذا لا يمنع أن تحمل التصريحات والقرارات الواضحة الصادرة من واشنطن رسائلَ سياسيةً تحتمل في تفسيرها بعض الاجتهاد، وهنا يمكن القياس بمقولة هنغرفورد، فكما “الجمال بعين ناظره”، يكون غالباً فهم أغلب السوريين تصريحات واشنطن برغباتهم، وربّما بأمنياتهم، وأحياناً كثيرةً بمخيّلاتهم.

لا يدّعي كاتب هذه السطور مقدرةً فذّةً على قراءة الرئيس ترامب، أو توقّع ما يدور في ذهنه، فتلك مهمّة مستحيلة، حتى لأغلب من عملوا معه من قرب، ولعلّ الوصف الأكثر دقّةً له بإجماعهم أنه عصيٌّ على القراءة (very unpredictable)، وهو إن كان قد حافظ في سلوكه العام على بعض الخطوط الثابتة، التي طبعت سيرته رجلَ أعمال جريئاً ومقاولاً عنيداً لا يقبل كلمة “لا” جواباً، فإنّ هذا سيظهر في سلوكه رئيساً، سواء مع سياسيّي بلاده أو زعماء العالم، لا يُستثنى منهم الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، ولا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ورغم الانطباعات المتضاربة التي خلَّفها وصفه الإيجابي والدافئ لعلاقته بأردوغان في حضرة نتنياهو، عقب لقائه معه في البيت الأبيض قبل أكثر من أسبوع، يعلم من يعرف واشنطن جيّداً أن لا عشاءَ مجّانياً فيها، وإن وُجد، فقطعاً ليس عند الرئيس ترامب، فإطراءات الرجل (على ندرتها) لم تكن يوماً بلا مقابل، وتستدعي تساؤلاً مستحقّاً عمّا وراءها، وإذا كانت قد أتت في معرض الإشادة بإنجاز الرئيس أردوغان بسورية (بحسب كلام ترامب) فسيكون منطقياً جدّاً النظر فيها تحديداً لمحاولة استنباط ما قد يريده ترامب هناك، ويعوّل على علاقته القوية بأردوغان لتحقيقه، أمّا أن يكون هذا الاستعراض الحميمي لعلاقة الرجلَين بوجود نتنياهو خصوصاً، فإن ذلك سيحصر مهمّة التخمين ليكون ضمن القضايا التي تهم الأطراف الثلاثة معاً في سورية، التي قد يكون في مقدّمتها نيّات تركيا المُعلَنة في إنشاء قواعدَ عسكريةٍ لها في سورية، والموقف الإسرائيلي المُعلَن أيضاً، والرافض للأمر طبعاً، وكما العادة بحجّة “تعريض أمن إسرائيل للخطر”، ما يُحتّم أن آخر ما يتمنّى نتنياهو سماعه وصف ترامب الجالس على بعد خطوتَين منه في المكتب البيضاوي، وأمام الصحافيين لإنجاز أردوغان في سورية: “عليك التسليم بانتصاره، إذا كان لدى إسرائيل مشكلة مع تركيا فأنا قادر على حلّها”.

التفسير المبدئي لكلام ترامب قد يوحي بانحياز واضح إلى موقف الرئيس أردوغان، وما ينوي فعله في سورية التي أقرَّ الأوّل للثاني بانتصاره فيها، على حساب علاقته بنتنياهو الرافض للأمر شكلاً ومضموناً، ولا يخفى ذلك، ولكنّ قراءةً أكثر عمقاً للأمر تأخذ في حسابها طبيعة العلاقة بين واشنطن وتلّ أبيب، من جهة، وواشنطن وأنقرة من الجهة الأخرى، قد ترى أن انحياز ترامب الظاهري إلى موقف أردوغان في سورية هو “… بابٌ باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبَلِه العذابُ” (سورة الحديد: 13)، وأنه ربّما يحمل في طيَّاته مشروعاً في سورية يؤلم أردوغان ويُرضي نتنياهو لأبعد الحدود، وهل من أمر يهمّ نتنياهو أكثر من إخراجه من ورطته في غزّة التي لم يستطع انتصاره العسكري الماحق فيها تحقيق أيّ هدف سياسي حتى الآن، لا بل إغلاق ملفّها مرةً وإلى الأبد بتهجير أهلها منها؟ الأمر الذي تقوم عليه مخطّطات الرئيس ترامب، التي لا يخفيها لإعادة رسم المنطقة. ولكن، إلى أين، وقد أبدت كلٌّ من مصر والأردن تحفّظاتها الشديدة على الأمر؟ وهل يغامر الرئيس ترامب باستقرار بلدَين حليفَين وبمنتهى الأهمية له ولنتنياهو؟ أم أن هناك بلداً آخر رُشّح لهذا الترانسفير المخيف؟ وهل يكون سورية؟ وهل يكون تشديد الحصار الاقتصادي عليها، رغم سقوط أسبابه بسقوط نظام بشّار الأسد، هو جزء من مخطّط تهجير ما أمكن من فلسطينيّي غزّة إليها؟ وأن قبول سلطة الأمر الواقع فيها دولياً وأممياً ودعمها اقتصادياً سيكون من أثمان هذا القبول؟

قد يبدو الأمر جذّاباً ومفيداً لرئيس الفترة الانتقالية، أحمد الشرع، خصوصاً بعدما صارت الإشارة إليه تكتفي بوصفه بـ”الرئيس السوري” في تجاهل متعمّد (شعبي ورسمي) لكلّ ما يمتّ إلى الفترة الانتقالية بصلة، وفي الوقت الذي قد يرى فيه الفلسطينيون فيما خطّطه ترامب لمستقبلهم “قسمةً ضيزى”. إلا أن الشرع ومن حوله قد يرون أن الأمر لايخرج عن “الضوابط الشرعية”، فالرسول العربي وأتباعه هُجّروا من مكّة إلى المدينة، وكانت هذه الهجرة فاتحةَ خير لهم وللدولة التي أرسوها فيما بعد، وإذا كانت سورية عانت منذ 2011 نزيفاً مريعاً بتهجير طاول المكوّن السُّني فيها تحديداً، فإن تعويضه بمهجّري غزّة السُنَّه لن يكون أمراً سيئاً بالضرورة، ومن هنا فهل كانت زيارة الشرع للإمارات تصبّ في هذا الاتجاه، على حساب علاقته بأنقرة والدوحة اللتين قد يكون لهما موقف مختلف تماماً من الموضوع برمَّته؟

كما فعلت هنغرفورد تفعل درعا المستعصية على الدخول في بيت طاعة الشرع، وتذكّرنا بمثل حوراني يصف الحال بين حسابات السرايا وحسابات القرايا، وما يسري على أبناء حوران يسري على أبناء الجولان (والشرع منهم)، وقد يجد نفسه في موقف يحتاج فيه إلى موازنةٍ دقيقةٍ بين التماهي مع ما تحمله رؤية الرئيس ترامب إلى المنطقة وما يعتقد أنه سيجنيه منها، وموقف “صديق ترامب”، الرئيس أردوغان، من هذه الرؤية، بل فرص نجاحها بالأصل في ظلّ موقف شعبي فلسطيني متمسّك بأرضه بمنتهى العناد.

العربي الجديد

——————————–

الانسحاب الأميركي وسوريا الموحدة.. هل فشل المشروع الإسرائيلي؟/ سامر القطريب

2025.04.18

بدأت الولايات المتحدة في سحب مئات الجنود من شمال شرقي سوريا، في خطوة تعكس تغيّر البيئة الأمنية بعد سقوط بشار الأسد، وتعيد طرح الأسئلة حول مستقبل النفوذ الأميركي والمشروع الإسرائيلي في سوريا. حيث تزامن هذا الانسحاب مع دعوات إسرائيلية صريحة لفدرلة سوريا متذرعة بحماية الأقليات الطائفية والإثنية جنوبي وشمال شرقي سوريا، وتصريحات تركية حاسمة ضد أي مشاريع تقسيم أو كيانات مسلحة موازية، ما يعكس تصاعد التباين الإقليمي والدولي حول شكل سوريا الجديدة.

توازيا مع ذلك، قدمت واشنطن بطلباتها إلى دمشق، والتي تشمل سلسلة من الخطوات الأمنية والسياسية الصارمة، كشرط أساسي قبل النظر في تخفيف محدود للعقوبات أو إعادة العلاقات الدبلوماسية، بما في ذلك “إجراءات صارمة ضد المتطرفين، وطرد المسلحين الفلسطينيين”.

مشروع فدرلة سوريا في الخطاب الإسرائيلي

في 25 شباط الماضي، طالب وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، جدعون ساعر، بتحويل سوريا إلى “دولة فيدرالية تضم مناطق حكم ذاتي”، وذلك خلال اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في بروكسل. وزعم ساعر أن الفدرلة تضمن الاستقرار وتحمي “طرق الحياة المختلفة”، معتبراً أن سوريا الموحدة لم تعد ممكنة إلا بصيغة اتحادية.

قبل ذلك، عبّر بنيامين نتنياهو عن خيبة أمل بلاده من الإطاحة ببشار الأسد في 8 كانون الأول، واعتبر أن التغيير في دمشق لا يصب في مصلحة إسرائيل. وطالب بإخلاء الجنوب السوري من القوات العسكرية التابعة للحكومة الجديدة، مشيراً إلى التزام إسرائيل بحماية الدروز جنوبي البلاد، ومنع تقدم الجيش السوري نحو جنوبي دمشق.

بين التهدئة الكردية والموقف التركي

في مواجهة هذه الرؤية، أكدت تركيا عبر رئيسها رجب طيب أردوغان ووزير خارجيتها هاكان فيدان، رفضها لأي شكل من أشكال الفدرالية أو الكيانات المسلحة خارج الجيش الوطني السوري. وشدد فيدان على ضرورة نزع سلاح “قوات سوريا الديمقراطية” ودمج عناصرها في المؤسسات الرسمية.

وصرّح أردوغان بأن بلاده دخلت مرحلة جديدة في مكافحة “الإرهاب”، بالتنسيق مع حليفها القومي دولت بهتشلي، مشيراً إلى أن السلام في سوريا لن يتحقق إلا بإنهاء المشاريع الانفصالية.

سبقت هذه التطورات تصريحات لافتة من زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، الذي دعا إلى حل الحزب ونزع السلاح، معتبرًا أن الحزب استكمل دوره التاريخي. وقال أوجلان إن التطورات الإقليمية والداخلية تُحتم حلولاً جديدة بعيداً عن العنف.

من جهته، قال جميل بايك، أحد أبرز قيادات الحزب، إن القيادة مستعدة للعودة إلى تركيا في حال رفع العزلة عن أوجلان والسماح له بالعمل بحرية. واعتبر بايك أن دعوة أوجلان “ليست مجرد رسالة، بل بداية مسار جديد”، في وقت أبدت فيه أنقرة استعدادًا للتعامل مع هذا المسار ضمن شروطها.

ورغم أن إلهام أحمد أشارت أمس إلى أن أن رفض اللامركزية سيؤدي إلى صراعات جديدة، إلا أنها نفت في الوقت نفسه الاتهامات الموجهة لـ “الإدارة الذاتية” بالسعي إلى الانفصال.

وعن الاتفاقيات بين الحكومة السورية في دمشق و”الإدارة الذاتية”، قالت إلهام إن الإدارة الذاتية تسعى إلى “اتفاقيات أعمق” فيما يتعلق بالعملية الدستورية والسياسية وإعادة إعمار سوريا، مؤكدة على أهمية الاتفاق بين القائد العام لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، والرئيس السوري، أحمد الشرع، لمختلف مكونات سوريا.

وفي السياق كشف مصدر مطّلع لموقع تلفزيون سوريا، الخميس، عن تأجيل المجلس الوطني الكردي (ENKS) وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الإعلان رسمياً عن “الرؤية السياسة الكردية المشتركة” التي كان من المقرر إعلانها اليوم الجمعة بمدينة القامشلي بعد بروز خلافات بين الطرفين “بسبب تدخلات حزب العمال الكردستاني – PKK”.

وكان مصدر مطلع على سير المفاوضات الكردية في شهر آذار الفائت كشف لموقع “تلفزيون سوريا” عن اتفاق الطرفين على المطالبة بإقامة نظام لا مركزي فدرالي في سوريا. تزامنا مع تنفيذ الاتفاق بين دمشق وقسد ويأتي الانسحاب الأميركي لصالح تعزيز الحوار والتفاهم بين الطرفين وهو أيضا من نتائج لقاء ترمب ـ نتنياهو الأخير.

وكان من المزمع عقد كونفراس خاص بالإعلان وتصديق “الرؤية السياسية الكردية” يوم 18 نيسان الجاري بحضور أكثر من 300 شخص، من بينهم أحزاب كردية سورية وشخصيات سياسية واجتماعية وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، والنقابات والمنظمات النسائية.

وأشار المصدر إلى أن “قرار التأجيل جاء بعد بروز خلافات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي حول آلية عقد الكونفراس والإعلام والصور التي سترفع فيه”.

لقاء ترمب ونتنياهو.. الخيوط بيد أنقرة؟

في تطور سابق، دعا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى “التفاهم مع تركيا” بشأن سوريا، وهو ما فُسّر إسرائيليًا على أنه محاولة لتقليص دور تل أبيب في شمال شرقي سوريا. وقال ترمب لنتنياهو: “أي مشكلة لديك مع تركيا، أعتقد أنني أستطيع حلها… طالما أنك معقول”.

وكانت تل أبيب قد أعلنت رفضها لوجود قواعد عسكرية تركية في سوريا، وهو ما عبرت عنه من خلال شن غارات على قاعدتي تدمر و”تي 4″.

هذا الطرح يشير إلى إدراك أميركي مبكر بأن مفاتيح التوازن في سوريا لا تكمن فقط في تل أبيب أو واشنطن، بل في أنقرة التي أثبتت قدرتها على التأثير في المسار العسكري والسياسي، وباتت تملك نفوذاً في الملف السوري لا يمكن تجاوزه.

يتراجع النفوذ الأميركي في شمال شرقي سوريا، في حين تتقدم خطوات توحيد البلاد تدريجياً على وقع الانفتاح التركي والحوار الكردي، وتلاشي مشاريع الفدرلة والتقسيم التي روّجت لها تل أبيب. ومع تصاعد الرفض الإقليمي والانفتاح العربي، وتثبيت الحكومة السورية الجديدة أركانها في الجنوب والشمال الشرقي، يبدو أن المشروع الإسرائيلي الرامي إلى تفتيت سوريا يفقد زخمه، ما يفتح الباب أمام مشهد جديد قد يعيد تشكيل الخريطة السورية بالكامل.

الجنوب السوري بين التصعيد والمبادرات المحلية

في الجنوب، أثارت مؤخرا تصريحات الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز، جدلاً واسعاً بعد تأكيده في مقابلة مع إذاعة NPR الأميركية، أن القوى المحلية في السويداء لا تنسق مع دمشق. لكن مصادر محلية أشارت إلى أن التصريحات تعود لشهر آذار، ولا تعكس بالضرورة الموقف الحالي.

في المقابل، أكد محافظ السويداء مصطفى البكور وجود تفاهم وتنسيق دائمين مع الهجري، مشيراً إلى أنه يؤيد أن يكون الأمن في المحافظة بيد أبنائها. كما زار البكور دارة الشيخ الهجري في عيد الفطر، في محاولة لإظهار وحدة الصف المحلي.

وسبق ذلك، رسالة وقعها مشايخ الطائفة إلى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، طالبوا فيها بتعديلات على الإعلان الدستوري وتفعيل مؤسسات الدولة والضابطة العدلية، وشمل ذلك مقترحات لتشكيل لجان اقتصادية وتعليمية تمثل مختلف شرائح المجتمع.

مايجري شمال شرقي سوريا من انسحاب وتفاهمات ينعكس تدريجيا على الجنوب وتحديدا السويداء، فبعد حل الفيلق الخامس وإخراج أحمد العودة من المشهد يبدو أن الشيخ حكمت الهجري أصبح وحيدا وعليه فتح باب حوار جاد مع الإدارة السورية الجديدة.

من الجنوب إلى الشمال الشرقي.. ملامح توحيد سوريا تتشكل

حل “الفيلق الخامس” في درعا شكّل خطوة رمزية ضمن مسار إعادة هيكلة وزارة الدفاع، التي تواجه تحديات كبيرة في ضم التشكيلات العسكرية المحلية ضمن منظومة وطنية موحدة. ويُنظر إلى هذا التوجه كجزء من محاولات توحيد البلاد تدريجياً، من الجنوب إلى الشمال الشرقي.

وفي هذا السياق، تلعب تركيا دوراً مباشراً في فرض واقع ميداني جديد يقطع الطريق على مشروع الفدرلة، مستفيدة من تقاطع مصالحها مع واشنطن، التي بدأت بالانسحاب، وتباينها مع تل أبيب، التي ما زالت تراهن على إبقاء مناطق النفوذ الحالية كأمر واقع دائم.

تلفزيون سوريا

———————————

سوريا… إلى أين تتجه مهمة مكافحة “داعش”؟/ كارولين روز

تساؤلات حول نظرة إدارة ترمب إلى اتفاق “قسد” ودمشق

18 أبريل 2025

في العاشر من مارس/آذار الماضي، توصلت “قسد” ودمشق، إلى اتفاق مفاجئ مثّل نهاية رمزية لسوريا المجزأة، التي شهدت انقساما على أسس عرقية وطائفية، طوال قرابة أربعة عشر عاما من الصراع الأهلي. نص الاتفاق على دمج شمال شرقي سوريا، الذي يخضع لسيطرة الأكراد، في المشهدين السياسي والأمني السوريين، حيث تُدمج “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) رسميا ضمن القوات المسلحة السورية.

ورغم أن هذا الاتفاق يُعد إنجازا تاريخيا، وخطوة أساسية نحو توحيد سوريا، عقب السقوط السريع لنظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فإن ما يطرحه من تساؤلات، يفوق ما يقدمه من إجابات. فمن المفترض أن يُطلق هذا الاتفاق، عملية تتضمن إنشاء عدد من اللجان، التي تتولى مهمة التنسيق بين “قسد” ودمشق، لوضع تفاصيل دمج قوات الأمن والنظم السياسية، بالإضافة إلى تقاسم السيطرة على مواقع حيوية كحقول النفط، ومراكز احتجاز مقاتلي تنظيم “داعش”. ويُعد تنفيذ هذه الخطط خلال المهلة المحددة بعام واحد تحديا ضخما، لا سيما في ظل التباين الواضح في الرؤى بين الطرفين، إذ تسعى دمشق إلى استيعاب “قسد” وحلّها، فيما تسعى روج آفا، إلى الحفاظ على قدر من الحكم الذاتي ضمن الهيكل الفيدرالي الجديد.

وبينما يرى البعض في الاتفاق، خطوة محتملة نحو تحقيق الاستقرار الإقليمي، فإن تداعياته على مهمة “العزم الصلب” التي تقودها الولايات المتحدة تبقى معقدة، وقد تنذر بتهديد بيئة الأمن الهشة في شمال شرقي سوريا، بل وربما بإضعاف جهود محاربة تنظيم “داعش” على نطاق أوسع. ومن المرجح بشكل متزايد أن تنظر إدارة ترمب، التي تسعى بشدة إلى فك ارتباطها بالنزاعات في الشرق الأوسط، إلى هذا الاتفاق باعتباره ضوءا أخضر للشروع في انسحاب سريع من شمال شرقي سوريا، في ظل وجود خطط قائمة بالفعل لخفض عدد العناصر الأميركيين في البلاد إلى النصف. وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” ذكرت أمس الخميس، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أن الجيش الأميركي بدأ، اليوم (الخميس)، سحب مئات الجنود من شمال شرقي سوريا، ويعمل على إغلاق ثلاث من قواعده العسكرية الثماني هناك.

الاتفاق مع دمشق.. تحوّل في الولاءات؟

تُعدّ “قوات سوريا الديمقراطية”، وهي ميليشيا ذات أغلبية كردية، أحد الشركاء الرئيسين للولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا، وقد لعبت دورا محوريا في كبح نشاط تنظيم “داعش” في المنطقة. وبدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، ساهمت “قسد” في دحر “الخلافة” الإقليمية للتنظيم، وأسهمت في تحرير مدن استراتيجية مثل الرقة ودير الزور. كما أدّت قوى الشرطة التابعة لـ”مجلس سوريا الديمقراطية- الأسايش”، دورا وصائيا على مراكز احتجاز عناصر “داعش”، بدعم أميركي مباشر.

غير أن هذا التحالف، لم يكن يوما خاليا من التعقيدات، خاصة أن تركيا، العضو في “حلف شمال الأطلسي”، تعتبر القوى الكردية المنضوية تحت لواء “قسد” على ارتباط بـ”حزب العمال الكردستاني” (بي كي كي)، المصنّف كمنظمة إرهابية.

ورغم هذه التوترات، حافظت الولايات المتحدة على تعاونها مع “قسد” نظرا لأهميتها في الحرب ضد تنظيم “داعش”. وبينما امتنعت إدارة ترمب إلى حد كبير عن تحديد سياسة جديدة لسوريا ما بعد الأسد، أدت وكالات دفاعية أميركية رئيسة، مثل القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، دورا مهما في دفع المشهد الأمني الجديد نحو الأمام. فقد انخرط قائد (سنتكوم)، الجنرال باتريك رايدر، في جولة دبلوماسية مكوكية قبل اتفاق (قسد- دمشق) في 10 مارس، حيث التقى بشخصيات بارزة، بينها قائد “قسد”، الجنرال مظلوم عبدي، في مسعى لتشجيع الحوار مع دمشق، واستكشاف إمكانية التوصل إلى اتفاق. ويعكس هذا الدور الهادئ الذي أدته (سنتكوم) ومهمة “العزم الصلب” التي تقودها أميركا مدى تأثير الولايات المتحدة في سوريا ما بعد الأسد، خصوصا فيما يتعلق بإصلاح القطاع الأمني.

ومع انتقال الطرفين من نشوة توقيع الاتفاق إلى واقع تطبيقه، بدأت تظهر مخاوف من الغموض المحيط بنطاق الاتفاق وتفاصيله. ورغم تأكيد عبدي على وحدة الرؤية بين الجانبين في مسألة التوحيد العسكري، بقوله: “لا ينبغي أن يكون هناك جيشان منفصلان، بل قوة عسكرية موحدة”، فإن الشيطان يكمن في التفاصيل. فقد وافق كل من “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) ودمشق، على إطلاق مفاوضات بين النظراء، تمتد لعام كامل تتناول مسائل الحوكمة، والأمن، والتعاون الاقتصادي، إلى جانب الجوانب اللوجستية والجداول الزمنية للتنفيذ. وتشمل بنود الاتفاق الأساسية، دمج مناطق سيطرة “قسد” بشكل أكبر ضمن الإطار السياسي والاقتصادي السوري العام، ما من شأنه أن يوفر لهذه المناطق الموارد والدعم اللازمين من الحكومة المركزية في دمشق.

ولا يمثل هذا الاتفاق خطوة برغماتية لـ”قسد” فحسب، بل أيضا خطوة إيجابية نحو توحيد المشهد الأمني السوري. فإن دمج الفصائل المسلحة، التي تتمتع بقدرات كبيرة وخبرة ميدانية يمكن الاستفادة منها في القوات المسلحة الجديدة، يُعد عنصرا أساسيا في بناء منظومة دولة موحدة وصحية. ومع ذلك، فإن الغموض القائم، إلى جانب احتمال انهيار المفاوضات إن لم تُحسم التفاصيل سريعا، قد يخلق ديناميكية خطرة من شأنها تعقيد مهمة “العزم الصلب” التي تقودها الولايات المتحدة في الشمال الشرقي، وتقويض جهود مكافحة تنظيم “داعش” في المنطقة.

نقاط الضعف

رغم أن تقارب “قسد” مع دمشق جاء بشكل حذر ومدروس، فإنه يعكس تحولا واضحا في موقفها من الولايات المتحدة كشريك أساسي في المنطقة، ويشكل خطوة رئيسة نحو تنويع علاقاتها الأمنية. وتبرز مسألة مستقبل التعاون الأمني بين “قسد” وواشنطن في شمال شرقي سوريا كأحد العوامل المحورية في النقاشات الجارية بين “قسد” ودمشق، إلى جانب كيفية الاستمرار في مهمة مكافحة تنظيم “داعش”. وبينما تسعى دمشق بوضوح إلى انسحاب أميركي نهائي من المنطقة، لتعزيز استقلالية البلاد، وقدراتها الذاتية في المجال الأمني، فإن العام المقبل سيكون حاسما للاستقرار، إذ ستُناقش التفاصيل الدقيقة، لدمج “قسد” ضمن القوات المسلحة السورية. ولذلك، فإن مهمة مكافحة “داعش” التي تقودها الولايات المتحدة، والشراكة المستمرة مع “قسد”، لا تزال قائمة في الوقت الراهن.

في المقابل، تتبنى إدارة الرئيس دونالد ترمب توجها مختلفا، إذ لطالما شكك ترمب في جدوى الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، وخصوصا في سوريا والعراق. ففي ولايته الأولى عام 2019، أصدر قرارا مثيرا للجدل بسحب معظم القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا، ما فتح الباب أمام هجوم تركي ضد “قسد”، وأثار موجة من الاستقالات في صفوف مسؤولي الأمن القومي الأميركي. وقد دفع الغضب من هذا القرار، بسبب تعريض الشريك الكردي للخطر، ترمب إلى التراجع جزئيا عن الانسحاب، زاعما أن بقاء القوات الأميركية يهدف إلى حماية حقول النفط المحلية وأصول أخرى.

وخلال ربيع وصيف عام 2020، وبعد سلسلة ضربات متبادلة مع ميليشيات مدعومة من إيران، وافق ترمب على سحب جزئي كبير للقوات والأصول الأميركية، ودمج للقواعد في البلاد. شمل ذلك تقليص عدد القوات الأميركية من 5000 إلى 2500، وتسليم أكثر من ثماني قواعد عسكرية، وسحب المعدات الأميركية من مواقع دفاعية رئيسة. أما في ولايته الثانية، فقد أحاط نفسه بمستشارين مثل تولسي غابارد وجيه دي فانس، اللذين يتبنيان موقفا انعزاليا، مؤكدين أن الحرب ضد تنظيم “داعش” قد انتهت منذ وقت طويل. وقد أعاد ترمب تأكيد هذا الموقف بعد الانهيار المفاجئ لنظام الأسد في أوائل ديسمبر/كانون الأول قبل تنصيبه، بقوله: “لا علاقة لنا بسوريا. سوريا غارقة في مشاكلها، ولا حاجة لنا هناك”.

وفي خضم هذه المرحلة الانتقالية الحرجة والمفاوضات بين “قسد” ودمشق، هناك احتمال كبير أن ترى إدارة ترمب في هذا الاتفاق ضوءا أخضر لتنفيذ انسحاب أميركي سريع من سوريا. إذ لم يعد هناك وجود لـ”العائق” الذي حال دون تنفيذ قرار الانسحاب في عام 2019، والمتمثل بعزلة “قسد”، بعد التوصل إلى اتفاق مع حكومة الشرع المؤقتة، ما يوفر ذريعة لمغادرة أميركية محتملة. وتفيد تقارير من مسؤولين إسرائيليين بأن وزارة الدفاع الأميركية أخطرت تل أبيب بنيّتها تقليص عدد القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا إلى النصف، أي من 2000 إلى 1000 عنصر. ومع تصاعد الضغوط على الجيش الأميركي خلال السنوات الأخيرة لتقليص تدخله في سوريا، فإن أي تنسيق بين “قسد” والنظام قد يعزز من مبررات واشنطن لخفض عملياتها في إطار مهمة مكافحة “داعش”.

مستقبل هش لعمليات مكافحة “داعش”

يُعدّ اتفاق “قسد” مع الحكومة السورية نقطة تحوّل في الجغرافيا السياسية المعقدة لشمال شرقي سوريا، ويثير مخاوف كبيرة بشأن مستقبل الجهود الأميركية في مكافحة تنظيم “داعش”. فرغم أن الاتفاق قد يوفر مكاسب قصيرة المدى لـ”قسد” على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فإنه ينطوي على مخاطر جسيمة تهدد أمن المنطقة على المدى الطويل. فالتخلي عن الشراكة مع الولايات المتحدة، وزيادة التنسيق مع حكومة الشرع، واحتمال عودة تنظيم “داعش”، قد تقوّض المكاسب التي تحققت خلال السنوات الماضية في الحرب على الإرهاب.

وعلى صانعي السياسات الأميركيين أن يُقيّموا خطواتهم المقبلة بعناية، مع أخذ تداعيات هذا الاتفاق بعين الاعتبار، لما له من أثر محتمل في زعزعة استقرار منطقة هشة أساسا. فمستقبل مهمة مكافحة “داعش” بقيادة الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا يعتمد على القدرة على موازنة الديناميكيات السياسية المحلية، وتدخل القوى الإقليمية، والتهديد المستمر للإرهاب.

المجلة

——————————–

 تجاهل روسيا وإبعاد الفصائل الفلسطينية.. ما شروط واشنطن لرفع العقوبات عن سوريا؟

2025.04.18

كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن الإدارة الأميركية تهدد باتخاذ موقف صارم مع الحكومة السورية الجديدة، حيث أصدرت خطة جديدة تضمنت شروطاً جديدة لإعادة بناء العلاقات الدبلوماسية ورفع العقوبات.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الولايات المتحدة تطالب دمشق باتخاذ سلسلة من الخطوات الأمنية والسياسية الصارمة، كشرط أساسي قبل النظر في تخفيف محدود للعقوبات أو إعادة العلاقات الدبلوماسية، بما في ذلك “إجراءات صارمة ضد المتطرفين، وطرد المسلحين الفلسطينيين”.

وذكرت الصحيفة أن البيت الأبيض أصدر، في الأسابيع الأخيرة، توجيهات تدعو الحكومة السورية إلى اتخاذ خطوات تشمل تأمين مخزون البلاد من الأسلحة الكيميائية، في حين تنظر واشنطن في المقابل بتجديد إعفاء محدود من العقوبات، أصدرته إدارة بايدن، بهدف تسريع تدفق المساعدات إلى البلاد.

ما الشروط الأميركية وما الجديد فيها؟

ووفق مصادر “وول ستريت جورنال”، تتضمنت التوجيهات السياسية الجديدة للإدارة الأميركية بعض الطلبات المشابهة لتلك التي قُدمت في عهد إدارة بايدن، بما في ذلك التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتأمين اليورانيوم عالي التخصيب.

كما تتضمن المطالب الأميركية تعيين مسؤول اتصال للعمل على تحديد مكان 14 مواطناً أميركياً مفقوداً في سوريا، واتخاذ خطوات جادة ضد “الجماعات المتطرفة” وإعلان عام برفضها.

وفي شرط جديد، تُطالب الإدارة الأميركية الحكومة السورية بمنع الفصائل الفلسطينية المسلحة من العمل في البلاد، بما في ذلك جمع الأموال هناك، وطرد أعضاء تلك الجماعات من البلاد، وهذه خطوة وصفتها الصحيفة بأنها “قد تفجر مواجهة محتملة” مع الجماعات الفلسطينية، التي استقرت في سوريا منذ عقود.

تخفيف محدود للعقوبات مقابل إصلاحات سياسية وأمنية

وقالت “وول ستريت جورنال” إنه في حال التزام الحكومة السورية المؤقتة بجميع الشروط، تَعِد الإدارة الأميركية بمراجعة العقوبات، وتمديد بعض الإعفاءات لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، خاصة تلك المتعلقة بإمدادات الكهرباء، والنفط، والغاز.

إلا أن مسؤولين أميركيين شددوا على أن أي رفع واسع للعقوبات غير مطروح في الوقت الراهن، رغم ضغوط من بعض القوى الإقليمية مثل تركيا وأطراف أوروبية تحذر من أن غياب الدعم الاقتصادي قد يعيد سوريا مجدداً لحالة عدم الاستقرار، أو يعزز ارتماءها في أحضان روسيا والصين.

وأكد المسؤولون الأميركيون أنه إذا اتخذت سوريا كل الخطوات الموضحة في السياسة، فإن الولايات المتحدة “ستلتزم علناً بسلامة أراضي سوريا، وستنظر في تجديد العلاقات الدبلوماسية، وإزالة التصنيفات الإرهابية عن أعضاء الحكومة الجديدة”.

كما ستنظر الولايات المتحدة أيضاً في تمديد الإعفاءات الحالية من العقوبات، التي أصدرتها إدارة بايدن في كانون الثاني الماضي، بهدف تسريع إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا.

تجاهل روسيا ووجودها في سوريا

وأشارت “وول ستريت جورنال” إلى أن اللافت في الخطة الأميركية الجديدة غياب أي إشارة لمطالب تتعلق بإخراج القوات الروسية من سوريا، في تحوّل واضح عن نهج إدارة بايدن السابق، الذي كان يربط أي تقدم دبلوماسي مع دمشق بملف الوجود العسكري الروسي.

وقال مسؤولان سابقان في إدارة بايدن إن أحد أهداف الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الإدارة السابقة مع دمشق هو إنهاء الوجود العسكري الروسي في سوريا، بما في ذلك قاعدتان بحريتان وجويتان بالقرب من البحر الأبيض المتوسط، وهما ضروريتان لجهود روسيا العالمية لإظهار القوة.

واعتبر محللون ومراقبون أن هذا التغيير في الإدارة الأميركية الجديدة يأتي “انعكاساً للمفاوضات الجارية بين واشنطن وموسكو حول أوكرانيا، ما يدفع الولايات المتحدة لتجميد ضغوطها بهذا الملف مؤقتاً”.

تحذيرات من تعقيد المشهد السوري

ولا يرقى العرض الأميركي الجديد لمستوى رفع العقوبات الذي دعا إليه بعض المسؤولين الأوروبيين والقوى الإقليمية مثل تركيا، في حين يعرب محللو الأمن عن القلق من أن سوريا قد تنزلق مرة أخرى إلى العنف، أو تنجرف مرة أخرى تحت تأثير روسيا وغيرها من المعارضين التقليديين للولايات المتحدة.

وقال محللون ومراقبون للصحيفة إن الخطة الأميركية الجديدة قد تدفع الحكومة السورية إلى خيارات أكثر تقارباً مع روسيا والصين.

ونقلت الصحيفة عن بنيامين فيف، كبير محللي الأبحاث في شركة “كرم شعار” الاستشارية، قوله إن “السياسة الأميركية بهذه الصيغة المعقدة لن تترك لسوريا سوى خيار الارتماء أكثر في حضن الروس أو حتى الصينيين”.

وتعليقاً على السياسة الأميركية الجديدة في سوريا، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية إنه “ينبغي على السلطات السورية المؤقتة نبذ الإرهاب وقمعه تماماً”، مشيرة إلى أن “أي خطوات مستقبلية ستعتمد على مدى التزام دمشق بالشروط الموضوعة”.

————————————

الخطأ المتعمد الذي تخطط له واشنطن في سوريا؟/ سمير صالحة

2025.04.19

ذهب الواقع السوري الجديد بعد التاسع من كانون الأول المنصرم وبعد انهيار نظام بشار الأسد باتجاه تراجع النفوذ الإيراني، وجمود وتريث في سياسة روسيا السورية، مقابل عودة اللاعب العربي وصعود تركي – إسرائيلي واسترداد واشنطن لكثير من الفرص الاستراتيجية بطابع إقليمي هناك. العقبة التي تواجه القيادة الأميركية في سوريا اليوم هي إقناع أنقرة وتل أبيب بما تريده لهما هناك؟

تقلق سياسة تركيا العربية والإقليمية الجديدة في سوريا إسرائيل، لأنها تحرمها كثيراً من الفرص والأوراق وأهمها عرقلة مشروعها باتجاه التقسيم والكونفدراليات في مواجهة جهود بناء سوريا الجديدة، أو تسبب سياساتها في ولادة محور سني تركي عربي إسلامي يخلط كل حساباتها الإقليمية. لن يكفيها محاولات رفع مستوى التنسيق مع اليونان وقبرص اليونانية عبر تحالف الغاز في شرق المتوسط، أو التوجه نحو موسكو أو غيرها من العواصم الإقليمية بحثا عن فرص ومقايضات خصوصا وهي تشعر أن واشنطن على علم بكل ما يدور ويجري.

تزايد في الآونة الأخيرة عدد المعلومات المتضاربة المتناقضة حول احتمال اقتراب موعد الانسحاب الأميركي من سوريا. هناك من يردد أن ‏الجيش ‏الأميركي بدأ إخلاء قواعده في شرقي سوريا وأن وزارة الدفاع الأميركية تعتزم تقليص القوات إلى النصف، ‏بالإبقاء على ألف عسكري فقط. مصادر مقربة من “قوات سوريا الديمقراطية” تقول إن الجيش الأميركي بدأ عملية إخلاء لقاعدة حقل كونيكو في ريف دير الزور شمال شرقي سوريا، وإلى أن القوات الأميركية المغادرة اتجهت إلى أربيل في إقليم كردستان العراق . لكن أنباء أميركية أخرى تردد أنه لم يتم سحب أي جندي أميركي‏ من شمال شرقي سوريا وأن وضع القواعد الأميركية والمقار ما زالت كما هي. إلى أن جاء نفي وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” التقارير التي تحدث عن انسحاب القوات الأميركية من سوريا، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة “تعيد توزيع قواتها بحسب الاحتياجات”.

هي حتى الآن عملية إعادة تموضع وانتشار عسكري أكثر من أن تكون قرارا استراتيجيا بالتخلي عن الشريك المحلي “قسد” والحليف الإقليمي إسرائيل، ومغادرة الأراضي السورية لصالح تركيا.

تُشيد واشنطن بإنجازات أنقرة في سوريا. يغضب هذا التوجه الأميركي تل أبيب. لكن ترمب يحتاج إلى العاصمتين معا. هل يمكن أن تقدم واشنطن “هدية” لأنقرة بسحب قواتها من سوريا على حساب تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل؟

يذكر مسؤول أميركي رفيع في إدارة ترمب بالمطالب التي قدمتها واشنطن للسلطة السياسية الجديدة في سوريا وفيها الشق الداخلي والخارجي. فلماذا تغادر مناطق شرق الفرات قبل الحصول على ضمانات كافية حيال مطالبها؟ تريد واشنطن تحريك ورقة العقوبات على سوريا، في محاولة لانتزاع شرط التطبيع السوري الإسرائيلي. فلماذا تترك تل أبيب في منتصف الطريق وتسحب قواتها؟

من المستبعد أن تدعم أميركا تمدد النفوذ التركي في سوريا من دون ترتيبات مع إسرائيل. قد تسحب واشنطن جزءا من قواتها في سوريا، لكنها لن تقدم على ذلك قبل إنجاز عملية فتح قنوات تواصل خلفية بين أنقرة وتل أبيب على أكثر من مستوى.

تلويح واشنطن بالانسحاب من دون انسحاب فعلي. سلاح استراتيجي لدفع الحلفاء والشركاء نحو طاولة التفاهمات والتنسيق الإلزامي بعيدا عن نزاعات تهدد مصالحهم في سوريا.

حتى ولو  كانت اشنطن أحد شركاء مخطط إسقاط نظام بشار الأسد رغما عن تل أبيب، فهي لن تقدم على خطوة تعرض مصالح حليفها الإسرائيلي للخطر على حساب تزايد النفوذ التركي في سوريا. إذا ما كان ترمب يريد التهدئة على خط أنقرة – تل أبيب فلماذا يقرر سحب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا في هذه الآونة؟ خطوة تزيد من توتر العلاقات والتصعيد بين الطرفين وتفعل أكثر سيناريو المواجهة العسكرية المباشرة؟

المشكلة هي ليست في دعم ترمب لأنقرة وتل أبيب في تشكيل فريق عمل تقني يبعد شبح المواجهة العسكرية بين قوات البلدين لأن احتمال حدوثها كبير جدا عند رتكاب أي خطأ فني ” مقصود ” فوق الأراضي السورية، بل في فتح الطريق أمام تسريع الحوار السياسي الحقيقي بين الطرفين لإزالة أسباب الخلاف والتباعد بشأن أكثر من ملف يتصدره المشهد السوري اليوم.

لم تعرقل إسرائيل دخول القوات السورية إلى لبنان في السبعينيات واقترابها من الحدود الشمالية لأن نظام الأسد لم يكن يشكل خطرا عليها. لكنها ترفض التفاهمات العسكرية التركية السورية باتجاه إعادة بناء سوريا الجديدة. واشنطن لن تسمح لإسرائيل بذلك لأن ظروف وأجواء ما قبل حوالي نصف قرن تختلف عما هي عليه الأمور اليوم.

لن تضغط واشنطن على أنقرة وتل أبيب لإلزامهما بتفاهمات سياسية وأمنية في سوريا. لكنها ستذكرهما بالخسائر والأضرار التي قد تلحق بهما عند اشتعال الجبهات بينهما فوق سوريا. لن تسرّع واشنطن الاعتراف بما يجري في سوريا قبل جلاء غموض الصورة السياسية، ومن دون أن يتم ذلك على حساب حليفين إقليميين لها.

يُروى في الحكايات البدوية أن جملًا طلب من صاحبه أن يُدخِل رأسه فقط إلى الخيمة هربًا من برد الصحراء، فوافق الرجل، ظنًا أن الأمر مؤقت. لكن الجمل، شيئًا فشيئًا، أدخل رقبته، ثم كتفيه، ثم صدره… حتى وجد الرجل نفسه خارج خيمته. توسع إسرائيل من توغلها في جنوبي سوريا. تقصف المدن والعاصمة دمشق نفسها، وفي النهاية تضع خطوط حمراء لا يجوز تجاوزها. ذرائع ذلك هي مواجهة الإرهاب وتأمين أمنها القومي. تراقب أنقرة ما يجري مع أن ترمب يردد أن الخيمة التي نصبها في سوريا هي من نصيب تركيا. هدف واشنطن هو إجبار الأطراف على تقديم تنازلات، سواء في الملف السوري أو في إطار ملفات أخرى مثل الطاقة وخطوط التجارة الإقليمية وتنسيق الأدوار في دوائر جغرافية أبعد باتجاه شرق المتوسط والقوقاز والبلقان.

مؤشرات كثيرة تقول أن الانسحاب الأميركي لن يكون تنازلًا، بل مناورة لإعادة تشكيل الواقع السوري بما يتوافق مع مصالح واشنطن وحليفيها التركي والإسرائيلي. تخلي أميركا عن خيمتها في سوريا ممكن طبعا، ولكن ضمن صفقة كبرى مع تركيا وإسرائيل، وبين تركيا وإسرائيل. المواجهة بينهما ستتحول إلى كارثة إقليمية بالنسبة لأميركا وهي لن تسمح بذلك.

تلفزيون سوريا

——————————-

الصراع على سوريا.. وخفايا الانضمام إلى التحالف الدولي/ نزار بعريني

2025.04.17

أفاد تقرير في صحيفة “النهار” “اللبنانية” عن فشل انضمام الإدارة السورية الجديدة إلى ما يُسمّى “التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب”، بعد رفض الولايات المتحدة، من دون أن يُقدّم معد التقرير أيّ دليل على تقديم طلب الانضمام، أو بيان الرفض.

وليس هذا بغريب على الجريدة العريقة التي أصبحت بعد اغتيال صاحبها التاريخي، “الشهيد جبران تويني”، أحد أبرز وسائل التضليل التابعة لـ”محور المقاومة”!

يُسوّقون لدعايات أنّ الهدف من سعي واشنطن وباريس لضم السلطة الجديدة إلى “التحالف الدولي” هو الحرص على بناء مؤسسة عسكرية وطنية، خالية من الغرباء غير المؤهلين لمحاربة “داعش”، لأنّ “التحالف الدولي ضد داعش، بقيادة الولايات المتحدة، ليس مجرد تكتل عسكري، بل هو معيار دولي لقياس التماهي مع منظومة القيم التي تتبناها القوى الغربية الكبرى، وعلى رأسها شرط الاحتراف المؤسساتي العسكري، والقطيعة مع منطق “الميليشيا العابر للحدود” (وفق ما قال لـ”النهار” مالك الحافظ، وهو باحث سوري في القضايا الدولية).

والحكومة السورية تقول إنّها ترفض الانضمام إلى التحالف الدولي لأنّها ستكون بجانب “قسد”، وهي تعتبر نفسها الممثل الوحيد للدولة السورية، ولأنّ نجاح العملية السياسية الوطنية الجارية يُوجِب ويتطلّب توحيد الجغرافيا، وحصر السلاح بيد الدولة!!

على أيّة حال، لماذا تحرص واشنطن وباريس على انضمام الحكومة السورية إلى “التحالف الدولي”، وتمارسان كلّ الضغوط على السلطة الجديدة لجرّها، خاصة “شرط رفع العقوبات” القاتلة؟ لماذا يحرصون على وجود الإدارة السورية في تحالفهم؟

هل هو حرص على أن تُلبّي السلطة الجديدة “المعيار الدولي” لقياس التماهي مع منظومة القيم التي تتبناها القوى الغربية الكبرى، كما يدّعي “الباحث الحيادي” مالك الحافظ؟

هل هو خشية من وجود “الأجانب” داخل الجيش السوري الجديد، الذين يريدون له أن يكون “مؤسسة وطنية” وفقًا لمعايير مصالحهم؟

ألا يدرك السادة الأفاضل في قيادة التحالف، والسيد الباحث الدولي “مالك الحافظ”، أنّ مَن يقود جيش “قسد”، حليفهم السوري، ويشكّل عموده الفقري، العسكري والأمني، هم جزء لا يتجزأ من قيادة حزب العمال الكردستاني التركي العسكرية (الإرهابية، وفقًا للمعايير الأميركية ذاتها!)، الذين يتخذون من قنديل ملاذًا تحت مظلّة حماية “الحرس الثوري الإيراني” (الإرهابي، وفقًا للمعايير ذاتها!!)، وقد رفضت تلك القيادة الإيرانية في “قسد”، وشركاؤها في تحالف “المعيار الدولي”، حتى وجود “البيشمركة الكردية” التي ينتمي أفرادها إلى الأكراد السوريين؟

الحقيقة التي يكذبون من أجل طمسها هي أنّ مشكلتهم ليست مع “الأجانب”، طالما يكون هؤلاء تحت سيطرتهم، وينفّذون تعليماتهم، بل ما يسعون إليه هو هدف آخر، يُغطّون عليه، بتواطؤ مع “النهار” والباحث “الحافظ”، ويرتبط مباشرة بالحرص على تثبيت مرتكزات التقسيم التي عمل عليها “التحالف الدولي لمحاربة داعش” نفسه وشريكه “قسد”، بعد تدخّل جيوشه المباشر خلال صيف 2014، وكان كانتون “قسد” (الديمقراطي)، الذي تقوده “عناصر أجنبية – إيرانية وتركية”، أبرز إنجازاته!

أن تكون السلطة في التحالف الدولي الذي يضمّ “قسد” يعني أن تصبح السلطة الطرف السوري الثاني في التحالف… بما يشرعن وجود سلطتين، ويثبّت عوامل تقسيم سوريا، وهو الهدف المركزي الذي تسعى إليه واشنطن، وطابورها في التحالف الدولي، منذ ربيع 2011!

ليس خارج السياق، يقول تقرير السفيرة “دوروثي شيا” في إيجاز لمجلس الأمن بشأن الوضع في الشرق الأوسط: “إنّ استقرار سوريا وسيادتها أمران حاسمان لأمننا الجماعي”.

إذا كان من حق الولايات المتّحدة أن تسعى لتحقيق ما يضمن أمنها وأمن شركائها في مآلات العملية السياسية السورية الجارية، أليس أولى بالسوريين، أصحاب المصلحة، أن يعرفوا أين تكمن عوامل بناء “استقرار سوريا وسيادتها” من منظور مصالحهم الوطنية المشتركة؟

من نافل القول إنّ في مصلحة سوريا، الدولة السورية الوطنية الموحّدة، وفي مصلحة السوريين، الذين يتوقون إلى توفير شروط استقرار دائمة، بناء مؤسسات دولة القانون والعدالة، على جميع المستويات، خاصة على مستوى المؤسسات السيادية، العسكرية والأمنية، وما يُوجبه في ممارسات السلطة الجديدة من ضرورة استبعاد الأجانب، والاعتماد على العنصر الوطني السوري غير المؤدلج، الذي يؤمن بموجّبات قيام سوريا الجديدة، دولة المواطنة المتساوية، وهذه حقيقة لا تستطيع، ولا يجب، على السلطة الجديدة تجاهلها إذا كانت تسعى فعلًا لأن تكون سلطة وطنية، وتُعبّر عن مصالح السوريين الوطنية المشتركة.

لكن، ماذا عن “المقلب الآخر”؟!

إذا كانت ترى واشنطن، وشركاؤها في “التحالف الدولي”، أنّ ما يضمن “استقرار سوريا وسيادتها” هو تثبيت الوقائع القائمة التي تعزز شروط بقاء “سلطتين” و”جيشين” وتقسيم سوريا، فكيف يمكن التوفيق بين مصلحة سوريا، والسوريين، وبين رؤية واشنطن التي ترى، كما ترى “قسد”، أنّ ضمان شروط استقرار سوريا ووحدتها هو في الحفاظ على وجود سلطتين؟

لماذا تتجاهل ما تسمّى “القوى الديمقراطية” هذه الحقائق، وترفض سياسات السلطة الإقصائية، وهو واجب وحق، لكنها تفعل ذلك على أرضية المواقف الداعمة لـ”قسد”، ورؤية تحالفها الدولي اللاوطنية.

سوريا غير قابلة للتقسيم، وكلّ مَن يسعى إلى ذلك، أو يعمل على توفير شروطه، سواء داخل الحكومة أو في “المعارضات الديمقراطية”، يقف – من منظور مصالح السوريين المشتركة، وموجّبات الأمن القومي السوري – في الخندق اللاوطني، وعلى جميع الوطنيين السوريين إدراك مخاطر مشروع التقسيم، وهويّة القوى التي تعمل عليه، والعمل على مواجهتها بجميع السبل الوطنية المشروعة.

لم تكن لتصل سلطة حافظ الأسد إلى مرتبة الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن (وتل أبيب) إلا “بفضل” المجازر التي ارتكبتها ضد الشعب السوري منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، خاصة مجازر حماة وحلب وجسر الشغور، والأزبكية، وقد حصل (الأهبل الفار) وسلطته اللاوطنية على درجة شراكة واشنطن في مشروع تقسيم سوريا ومحاربة الإرهاب، عندما وافق في ربيع 2011 على الذهاب في مسارات الخيار الأمني العسكري الميليشياوي في مواجهة السوريين، ومطالبهم المشروعة، وقد حصل المخلوع على حصّته، وكانت تعمل خطوات وإجراءات إعادة تأهيله الأميركية على تثبيت سلطته، وكانت ستؤدي إلى “توريث جديد” لولا تعارض شبكة السيطرة الأميركية مع مصالح وسياسات “إسرائيل” و”تركيا”، التي شكّلت العامل الرئيسي في إسقاطه، وفتح صيرورة أميركية جديدة، بنفس الأدوات الأميركية المتجددة.

وبالتالي، فإنّ “دماء السوريين” لا تدخل أبدًا في حسابات السيطرة الأميركية إلا بقدر ما تشكّله من أوراق ضغط لتحقيق أهداف واشنطن، وليست “عقوبات قيصر” إلا دليلًا واضحًا على موضوعية هذا الاستنتاج.

تلفزيون سوريا

—————————

لمن انحاز ترامب في سوريا؟/ سمير صالحة

2025.04.13

يعوّل البعض محليًّا وإقليميًّا على تسجيل اختراقات سياسية في التعامل مع ملفات المنطقة، وانتزاع دور أو فرصة من خلال اللعب على التوازنات الحساسة القائمة، واحتمال اشتعال جبهات تضارب المصالح بين تركيا وإيران وإسرائيل.

من الممكن أن تساعد الظروف والمعطيات المحلية على أخذ بعض ما يريده في مكانٍ ما، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه سينجح في تطبيق هذه الاستراتيجية في أماكن أخرى. إضعاف إيران في لبنان وإبعادها عن سوريا عبر الاستفادة من الورقة الإسرائيلية، لا يمكن البناء عليه وتكراره في سوريا من خلال الرهان على تفجير العلاقات الإسرائيلية – التركية، ودفعهما للمواجهة العسكرية المباشرة، معتمِدًا على واشنطن وموسكو لفتح الطريق أمامه هناك.

تذهب كثير من المؤشرات باتجاه أن التلويح بالقوة لن يصل إلى خط اللاعودة نتيجة للتصعيد الحاصل بين أنقرة وطهران وتل أبيب، وأنه من الصعب جني ثمار الانفجار الثلاثي من قبل البعض وبالمجّان. سبق أن اختلفت أنقرة وتل أبيب أكثر من مرة على تقاسم النفوذ والمصالح، وسبق لهما أن أنهيا هذا التوتر وأعادا العلاقات إلى ما كانت عليه وأفضل. إيران أيضًا قد تفاجئنا بخيارات بديلة إذا ما أعطت واشنطن ما تريده بعد أيام في الملف النووي. التعويل على تراجع نفوذ وتضارب مصالح الثلاثي التركي – الإيراني – الإسرائيلي في المنطقة، قابلٌ للتحوّل في كل لحظة إلى تفاهمات تخيب آمال المراهنين على الجلوس أمام طاولة انتزاع الأدوار من دون مقابل، وترامب هو ضابط الإيقاع هذه المرة.

يمنح الخبير العسكري والاستراتيجي التركي ورئيس مركز أبحاث “أسام”، إراي غوشلو آر، الجانبَ الإسرائيلي مدة نصف ساعة فقط قبل أن تفقد تل أبيب قوتها الجوية عندما تقرر القوات المسلحة التركية أن المواجهة حتمية. هو يذكّر تل أبيب أيضًا بأن تركيا هي من قطعت الطريق على مشروع تفتيت سوريا ومخطط اقتراب إسرائيل من حدودها الجنوبية بدلاً من إيران وميليشياتها.

هناك، بالمقابل، في الداخل الإسرائيلي، من يحاول أن يعيد إلى الأذهان ما فعلته إسرائيل في الأسابيع الأخيرة وعلى أربع جبهات إقليمية دفعة واحدة.

وإن “تل أبيب أوضحت بشكل لا لبس فيه أن أي تغيير في نشر القوات الأجنبية في سوريا، لا سيما إنشاء قواعد تركية في منطقة تدمر، هو خط أحمر وسيُعتبر خرقًا للقواعد”.

من منح تل أبيب تحديد قواعد اللعبة في سوريا ورسم خطوط تحرك البعض هناك؟ ربما هي غاراتها الجوية واستهداف العمق السوري دون رد تركي – عربي – إقليمي رادع. لكن ترامب هو الذي يدخل على خط التوتر والاحتقان، معلنًا رسم حدود التصعيد والمواجهة.

شكّل ملف غزة في الثلث الأول من نيسان العام المنصرم أحد أهم أسباب التصعيد بين أنقرة وتل أبيب، وهو ما قاد إلى التراشق ثم سحب السفراء وتجميد العلاقات التجارية وقرار أنقرة الالتحاق بالداعمين لمقاضاة القيادات الإسرائيلية أمام محكمة لاهاي. لم يكن الملف السوري حاضرًا بعد.

في الثلث الأول من شهر نيسان الحالي، شكر الجانبان التركي والإسرائيلي الرئيس الأذري إلهام علييف على جهود وساطته واستضافة محادثات الوفدين التركي والإسرائيلي لتفادي وقوع حوادث غير مرغوب فيها بينهما في سوريا. الحصيلة الأولى هي “قرار الاتفاق على مواصلة الحوار عبر قناة تواصل مباشرة للحفاظ على الاستقرار الأمني في المنطقة، بعد عرض كل طرف لمصالحه الأمنية”. تصريحات الرئيس الأميركي كانت مفتاح الحوار التركي – الإسرائيلي حول سوريا، حتى ولو قال إن أردوغان هو من يملك المفتاح في دمشق.

هناك ما يكفي من الأسباب التي تستدعي إبقاء العلاقات التركية – الإسرائيلية فوق صفيح ساخن. وهناك قناعة تركية – إسرائيلية أن تفعيل “آلية عمل مشتركة” بين البلدين لن تكفي لتحول دون وقوع الصدام المباشر بينهما في سوريا. لكن هناك من يردّد أيضًا أنها ليست وساطة باكو وقرار الدخول على خط التهدئة بين الشريكين التركي والإسرائيلي هي التي دفعت الأمور نحو التهدئة، بل هي رغبة ترامب، الذي استدعى بنيامين نتنياهو على عجل لإبلاغه بضرورة أن يكون منطقيًّا وواقعيًّا في طروحاته السورية حيال الجانب التركي، خلال لقاءات العاصمة الأذربيجانية.

احتمال أن تضحي واشنطن بحليفيها التركي والإسرائيلي في سوريا لصالح أي لاعب إقليمي ليس على جدول أعمال اليوم.

ترامب هو الذي دخل على الخط مجددًا لضبط الإيقاع، والحؤول دون انفلات الأمور، والتذكير بضرورة الأخذ بما يقوله الحليف الأكبر، وهو في طريقه لمفاوضة طهران على الملف النووي، وحيث لا يريدها أن تستقوي بالخلافات التركية – الإسرائيلية.

لمن انحاز ترامب في سوريا؟ المسألة لا تحتاج إلى كثير من الجهد للعثور على إجابة.

اشتعل التنافس التركي – الإسرائيلي في سوريا بعد الثامن من كانون الأول المنصرم مع سقوط نظام بشار الأسد. تل أبيب قلقة من تنامي النفوذ التركي، وترامب يراهن على “علاقته الرائعة بالرئيس رجب طيب أردوغان” لنزع فتيل التوتر بين البلدين. تصريحات ترامب حرّكت المبادرة الأذربيجانية، لكنها لم تفتح الطريق أمام حوار تركي – إسرائيلي بوساطة أميركية بعد.

سوريا على رأس أولويات ترامب في المنطقة لأن خيارات إسرائيل وتركيا متباعدة وتتطلب ذلك، وحيث يردّد الوزير هاكان فيدان بعد لقائه بنظيره الأميركي روبيو: “إن سلوك إسرائيل هذا لا يستهدف سوريا فحسب، بل يزعزع استقرار المنطقة بأسرها”.

لا يريد نتنياهو أن يستيقظ على كابوس انسحاب أميركي من سوريا لصالح أنقرة.

لكن الخيار العسكري بالنسبة لأنقرة وتل أبيب في سوريا يعني حتمًا فشلًا أميركيًّا سيكون له ارتداداته السلبية على مصالح واشنطن في الإقليم ككل.

سيقرأ الرئيس ترامب جيدًا نتائج اجتماعات منتدى أنطاليا للدبلوماسية، وما صدر عنه من مواقف علنية باتجاه تل أبيب وسياستها الفلسطينية، وتمسكها بحرب الإبادة ضد قطاع غزة. لكنه يعرف تمامًا أن ما قيل يعني واشنطن، الحليف والداعم الأول لنتنياهو، لمواصلة ما يقوم به ضد الشعب الفلسطيني.

رسائل أنطاليا كانت عربية وإسلامية وغربية، بدعم روسي وصيني أيضًا. هي اليوم تركز على الملف الفلسطيني، لكن لا شيء يمنع أن تنتقل الأمور إلى الملف السوري غدًا أو بعد غد، بسبب مواقف إسرائيل وتمسكها بإشعال المنطقة من هناك هذه المرة.

لا يملك الماعز الجبلي، الذي يتنقل في عالم من الصخور الحادة والمرتفعات الشاهقة، أجنحة. لكنه يملك ما هو أهم: الرشاقة، والمرونة، والقدرة على القفز بدقة، مستندًا إلى قوة ساقيه الخلفيتين، ومعتمدًا على فهمٍ عميق لطبيعة الأرض التي يتحرك فوقها. تغيير قواعد اللعبة والمعادلات لا يحتاج فقط إلى الطاقة والشجاعة، بل إلى معرفة مكان وضع القدم، وإدراك اللحظة المناسبة للتحرّك.

————————–

عالم في مهبّ الريح!/ حسان الأسود

2025.04.11

أزمة اقتصادية عالمية تلوح في الأفق، لم تأت من جائحة صحية مثل كورونا، ولا من انهيار مصارف عالمية كما حصل عام 2008 في أزمة الرهن العقاري، بل جرّاء فقد الثقة المتبادلة في العلاقات الدولية، ليس بين الأعداء كما هو المنطق، بل بين الأصدقاء والحلفاء، حتى يخال الناظر أنّ مصفوفة هؤلاء باتت بانزياح كبير لدرجةٍ أرعبت فيها البعض وأربكت البعض الآخر.

من كان يتصوّر أن تتغيّر أولويات الولايات المتحدة الأميركية تجاه أوكرانيا وروسيا بهذه الدرجة الحادّة، ومن كان يتوقّع هذه السياسة الحمائيّة الأميركية التي بدأها الرئيس ترمب وفرض بموجبات ضرائب متنوّعة وقاسية على الحلفاء قبل المنافسين والأعداء؟ وعندما نتحدّث عن هذا السبب الأميركي فإننا لا نقلل من قيمة الأسباب الأخرى العالمية، فكل منطقة في العام لديها اعتباراتها التي تؤثر في مسارها الخاص من جهة وفي المسار العالمي من جهة ثانية.

لا يمكن إغفال التحديات التي تواجهها منطقة آسيا بتضارب مصالح عملاقين بشريين هما الصين والهند، ولا يمكن القفز على التناقضات البينيّة في دول الاتحاد الأوروبي، ولا عن توترات منطقة الشرق الأوسط المستدامة. الأمر الحاسم في كل هذه القضايا أنّه ما لأي منها التأثير ذاته الذي يحدثه العامل الأميركي، ويعود السبب بحسب وجهة نظر كاتب هذه السطور لارتباط اقتصادات العالم بشكل كبير بالدولار وبحكم اتساع تأثير التكنولوجيا الأميركية والثقل السياسي والعسكري للولايات المتحدة عالميًا.

قد يعيد التاريخ نفسه مجددًا بالتحضّر لحرب عالمية من نوع جديد، من المحتمل ألا تكون عسكرية هذه المرّة، لكنّها قد تكون أشدّ تدميرًا لما لها من تداعيات ستصيب كل دول العالم. نظامٌ دولي جديد يتخلّق من رحم الواقع الهمجي الذي تطبق عليه رؤوس الأموال المرعبة المتركّزة بيد فئة قليلة من البشر على حساب الغالبيّة الساحقة منهم. تراجع القيم الديمقراطية والليبرالية المستمر حتى في الدول التي نشأت فيها وتطوّرت، ازدياد التوحش الرأسمالي الساعي إلى مراكمة الربح بغض النظر عن النتائج التدميرية لبنية المجتمعات الرأسمالية ذاتها، الموجة الشعبوية المتعاظمة والانزياح نحو اليمين المتطرّف والتي أخذت تضرب العالم في أربع جهاته، النزوع المتصاعد لسياسة إضعاف المؤسسات الراعية للقانون الدولي، وبالنتيجة هدمها أو إعاقتها عن الدور البسيط الذي كانت تقوم به في حفظ بعض القواعد والأعراف في التعاملات الدولية، هذه المؤسسات التي نشأت إثر صراعات كبرى في الحربين العالميتين الأولى والثانية بدأت تضمحلّ فعلًا وبدأت تفقد أي دور أو مكانة لها في عالم ينحو باضطراد تجاه العنف، تفاخرٌ بالدّوس على القيم الإنسانية التي تتعاطف مع ضحايا المجازر والجرائم الخطيرة وجرائم الحرب والإبادة في شتى أصقاع الأرض. هذا غيضٌ من فيض المؤشرات التي تدلّ على حجم التغييرات الكبيرة في عالما اليوم.

على صعيد الشرق الأوسط، ثمّة شعورٌ فائضٌ وكبيرٌ جدًا بالقوّة لدى نتنياهو، يزيد كثيرًا على مشكلاته الداخلية وتوازنات القوى السياسية ضمن حكومته وبينها وبين المجتمع الإسرائيلي. قد يترجم هذا الشعور عمليًا بحماقات كبيرة بعد زيارته إلى البيت الأبيض، وقد يؤدي بالنتيجة إلى خلق تصورات عجيبة عن إمكانية إعادة رسم خرائط الإقليم وفق مشيئته. يتوقّف هذا بالطبع على قدرته إقناع ترمب بتوافق مصالحهما أو تقريب وجهات نظرهما أكثر مما هي عليه الآن. لا يبدو ما رشح من خلال تصريحات الرئيس ترمب بهذا الشأن حتى الآن مطمئنًا لنا نحن السوريين، فرغم أنها تشير إلى رغبة ترمب بعدم دعم التصعيد الإسرائيلي تجاه تركيا، والذي يُفهم منه دعمه مبدأ التفاهم بين نتنياهو والرئيس أردوغان لا دعم الأول ضد الثاني وتبني وجهة نظره بالكامل، إلا أنّ التصريحات ذاتها تشير إلى فهم سطحي لتعقيدات الوضع عمومًا، وتدلّ على استخفاف كامل بإرادة السوريين، بل وحتى التصرّف بهم ووبلادهم كأنّهم بضاعة يتقاسمها من يستحوذ عليها أولًا أو بالقوّة العارية أو الحيلة أيهما أيسر. بكل الأحوال هذا ليس مستغربًا بحسب فهمنا طريقة تفكير ترمب الذي يحاول الاستيلاء على غرينلاند وبنما وغزّة وغيرها من دول ومناطق، فكيف سيُنتظر منه رؤية مصالح السوريين في خضمّ هذا الصراع الشديد بين المحاور الإقليمية والدولية ووسط هذا الفراغ الكبير في الساحة!

نعايش مشهدًا دراماتيكيًا متدحرجًا بتسارع ملحوظ، التغوّل الإسرائيلي منقطع النظير، ومنها المحاولة الحثيثة لوضع قواعد جديدة للتعامل الإقليمي التي لا تقتصر على سوريا فحسب، بل هي جزء من لوحة التصعيد مع إيران الذي بدأ بتسخينٍ عسكريٍ في اليمن ودبلوماسي في لبنان، وقد تتطوّر الأمور إلى أبعد من هاتين الساحتين لتصل إلى داخل إيران ذاتها. المشاغلة واضحة لتركيا في سوريا، القصف الهستيري والاقتحامات البرية وبناء قواعد عسكرية وتدمير أخرى، كلها محاولات حثيثة لرسم سيناريوهات جديدة وطرحها على طاولة التشريح. ما الذي سيشكّل الواقع الجديد غير مباضع السياسيين والحكّام ومدافع العسكر، أليس هذا ما اعتادت عليه الشعوب والحضارات منذ وعى الإنسان ذاته؟

ثمّة من يرى أنّها المرّة الثانية التي تتاح لنا فيها فرصة بناء سوريتنا خلال قرن ميلادي، وأنها تأتي دائمًا في ظرف غاية في السوء. أتاحت لنا الأقدار بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية بناء دولة قويّة تضمّ الجغرافيا الطبيعية لبلاد الشام، لكنّ ظروف الحرب العالمية الأولى وتشكلات العالم الجديد آنذاك منعت استكمال الولادة. واليوم أيضًا نعيش على حافة صدع تشكّل نظاماً دولياً مختلفاً عما سبقه كليًا، تغيب فيه كل القواعد السابقة شيئًا فشيئًا وتولد قواعد غير مألوفة بعد. خسرنا آنذاك أراضيَ تزيد على جغرافية سوريا الحالية بكثير، ونحن مهددون اليوم بخسارة ما بقي لدينا من جغرافيا وهُويّة وطنيةٍ إذا ما عثرنا مجددًا وشاءت لنا الأقدار المضيّ في طريق الخراب.

ستحدد طريقة تعاملنا مع واقعنا السوري الراهن مدى تأثير هذا العالم المضطرب علينا، وسيكون العامل الحاسم في قيامتنا مجددًا أو في اندثارنا هو نحن، إرادتنا وتضامننا واتفاقنا على تعريف المواطن والوطن والوطنية والدولة والسياسية والشأن العام، تواضعنا للعمل وفق أسس ديمقراطية تشاركية تبادلية سلمية تحترم كرامة كلٍ منّا بالقدر نفسه الذي يرتضيه كل واحد لنفسه وعليها. نحن الآن بمجموعنا أمام الواقع وفي مواجهة التاريخ، سلطة جديدة وقوى سياسية ومدنية ومجتمعيّة. فإمّا أن ننجو جميعًا معًا، وإما أن نبقى في مهبّ الريح تتقاذفنا الأطماع والأهواء إلى أجلٍ لا يعلمه إلّا الله، فهل نغتم رياحنا التي هبّت أم نصبح نحن الغنيمة؟

———————

ماذا يعني أن يكون نتنياهو “معقولاً”؟/ علي أسمر

2025.04.11

في مشهد سياسي ثقيل بالدلالات، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال استضافته رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي: “أيّ مشكلة قد تكون لديك مع تركيا، أعتقد أنني أستطيع حلها، أعني، طالما أنك معقول، يجب أن تكون معقولًا”.

هذه العبارة، التي تبدو للوهلة الأولى عابرة، تخفي خلفها إشارة واضحة إلى تغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، وتحديدًا في الساحة السورية التي أصبحت اليوم، وبعد سقوط نظام بشار الأسد وصعود حكومة سورية جديدة بقيادة أحمد الشرع، ساحةً لإعادة رسم التحالفات، وميدانًا لاختبار “عقلانية” الفاعلين الإقليميين، وعلى رأسهم إسرائيل.

فما الذي قصده ترمب بـ”العقلانية”؟ وماذا يعني أن يكون نتنياهو معقولًا في لحظة إقليمية حرجة، حيث تتضارب المصالح التركية مع المصالح الإسرائيلية؟

“العقلانية” تعني قبول الوجود التركي في سوريا

في السياق السوري الجديد، لم يعد الوجود التركي خيارًا مثيرًا للجدل، بقدر ما أصبح ضرورة استراتيجية تمليها الوقائع على الأرض. وخاصة بعد الانسحاب الأميركي المرتقب، وانشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، وتراجع النفوذ الإيراني نتيجة للمتغيرات السياسية الإقليمية، باتت تركيا الدولة الوحيدة القادرة على ملء الفراغ الأمني في شمال البلاد.

هذا الوجود التركي لم يعد قائمًا على الطموحات التوسعية أو الأجندات الأيديولوجية كما يروّج البعض، بل أصبح مطلبًا أمنيًا وجيوسياسيًا لحماية الحدود، وإعادة الاستقرار، وتسهيل عودة ملايين اللاجئين السوريين الموجودين على الأراضي التركية.

العقلانية، في هذا الإطار، تعني أن تدرك إسرائيل أن تركيا ليست خصمًا في سوريا الجديدة، بل شريك إقليمي لا يمكن تجاوزه. وفي الوقت الذي لا تستطيع فيه إسرائيل لعب دور مباشر داخل سوريا، بسبب حساسيتها كـ”عدو تقليدي” لدى الشارع السوري، فإن تركيا تحظى بقبول نسبي، وتؤدي دورًا ميدانيًا بالغ الأهمية، مدعومًا بشكل غير مباشر من واشنطن.

“العقلانية” تعني وقف التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري عبر بوابة الأقليات

إحدى أبرز أدوات النفوذ التي استخدمتها إسرائيل في سوريا خلال العقد الأخير تمثلت في توظيف الأقليات، سواء كانت قومية أو دينية، كقنوات ضغط واختراق داخل البنية المجتمعية السورية. فسواء عبر تشجيع النزعات الانفصالية في الشمال الشرقي، أو دعم خطاب “حماية الأقليات” في الجنوب، لعبت تل أبيب دورًا غير مباشر في تأجيج الانقسام السوري.

لكن في ظل ولادة سوريا الجديدة، التي تسعى لإعادة بناء الدولة على أساس المواطنة لا الطوائف، لم يعد هذا النهج مقبولًا أو ممكنًا. فالحكومة الجديدة، التي جاءت نتيجة توافق وطني واسع، وضعت ضمن أولوياتها إنهاء حالة التفكك المجتمعي، وتكريس سيادة الدولة على كامل التراب السوري.

العقلانية هنا تقتضي من إسرائيل أن تتوقف عن محاولات استخدام المكونات السورية كأدوات تفاوض أو ابتزاز سياسي، فمثل هذه السياسات لم تُنتج سوى مزيد من عدم الاستقرار، كما أنها تدفع المكونات السورية الأخرى نحو الاصطفاف خلف الدولة المركزية، رفضًا للحماية الإسرائيلية المشبوهة.

“العقلانية” تعني القبول بالحكومة السورية الجديدة والانخراط في تسوية سياسية

لطالما تعاملت إسرائيل مع النظام السوري السابق كخطر دائم، ولكن قابل للاحتواء. أما اليوم، فإن إسقاط النظام وبروز حكومة جديدة ببرنامج إصلاحي وطني، يضع إسرائيل أمام واقع مغاير تمامًا، يتطلب منها إعادة بناء تصورها للعلاقة مع دمشق.

العقلانية هنا لا تعني فقط التوقف عن قصف الأراضي السورية، بل الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، أي الاعتراف بالحكومة الجديدة والدخول في مفاوضات مباشرة معها، تحت رعاية إقليمية ودولية. فالمعادلة واضحة: سوريا تحتاج إلى وقف الهجمات الإسرائيلية لكي تتمكن من إعادة الإعمار وتأمين عودة اللاجئين، وإسرائيل تحتاج إلى ضمانات أمنية بأن الأراضي السورية لن تتحول من جديد إلى ساحة نفوذ إيراني أو تهديد مستقبلي.

إن التمسك بالسياسات القديمة تجاه سوريا ما بعد الأسد هو أقصر طريق لإنتاج عداء جديد لا يمكن السيطرة عليه، بينما يمثل القبول بالواقع الجديد والبحث عن تسوية سياسية فرصة نادرة لكتابة صفحة مختلفة في تاريخ العلاقات السورية-الإسرائيلية.

“العقلانية” تعني تفادي فتح جبهة مع تركيا حفاظًا على التوازن الإقليمي

في خلفية تصريح ترمب، يقف هاجس أميركي واضح: الخوف من أن يتحول الخلاف التركي-الإسرائيلي في سوريا إلى مواجهة مفتوحة، تهدد بنية التحالفات الأميركية في المنطقة. فتركيا وإسرائيل هما حليفان استراتيجيان للولايات المتحدة، وصراعهما يعني شرخًا في الجبهة الأميركية التي تواجه إيران أولًا وأساسًا.

الولايات المتحدة من جانبها تدرك أن فتح جبهة مع تركيا سيقود إلى نتائج عكسية، لعل أخطرها هو دفع أنقرة إلى التنسيق الميداني والسياسي مع دمشق وطهران على قاعدة “العدو المشترك”. هذا الاصطفاف الثلاثي المحتمل – سوري تركي إيراني – لا يصب بأي حال في مصلحة إسرائيل أو الولايات المتحدة.

ترمب، حين طالب نتنياهو بـ”العقلانية”، كان ينبهه إلى أن الدور الإسرائيلي في سوريا يجب أن يُعاد تصميمه بما لا يضر المصالح الأميركية الكبرى، خصوصًا في ظل التركيز الاستراتيجي على احتواء إيران.

“العقلانية” كخارطة طريق نحو شراكة إقليمية جديدة

إن “العقلانية” التي دعا إليها ترمب ليست مجرد نصيحة سياسية، بل هي رؤية استراتيجية متكاملة لإعادة بناء توازنات المنطقة، في ضوء متغيرات ما بعد الحرب السورية. أن يكون نتنياهو “معقولًا” لا يعني أن يتخلى عن المصالح الإسرائيلية، بل أن يعيد تعريفها وفقًا للواقع الجديد، بعيدًا عن الأوهام القديمة والتدخلات غير المجدية.

في سوريا الجديدة، لم تعد الأدوات القديمة صالحة. من العقل أن تقبل إسرائيل بدور تركي فعّال، وأن تتوقف عن التدخل الطائفي، وأن تنفتح على الحكومة السورية الجديدة بحوار سياسي واقعي. فالمعادلة واضحة: سوريا تريد الاستقرار، وتركيا تريد الأمن، وإسرائيل تريد الطمأنينة، والعقل وحده هو ما يمكن أن يجمع بين هذه الأهداف المتقاطعة.

——————————

الاعتراف والاشتراطات الأميركية.. مفترق طرق بالعلاقات مع سوريا/ بشار الحاج علي

2025.04.08

منذ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، لم تعد العلاقات السورية – الأميركية تدار وفق قواعد ما قبل التحول. دخلنا مرحلة جديدة، عنوانها الحذر الأميركي، ومفرداتها تجريبية، تراقب وتختبر وتُبقي على الباب مواربًا دون أن تفتحه بالكامل.

في هذا السياق، يمكن فهم الخطوة الأميركية الأخيرة المرتبطة بوضع بعثة سوريا الدائمة في نيويورك، والتي تتجاوز مسألة تأشيرة دبلوماسية لتكشف عن موقف سياسي غير معلن بعد، لكنه يتبلور بهدوء وثبات.

من التأشيرة إلى الرسالة الحديث عن تغيير نوع تأشيرات أعضاء البعثة السورية من فئة G1 إلى فئة G3 قد يبدو تفصيلاً تقنيًا، لكنه في واقع الأمر يعكس موقفًا قانونيًا وسياسيًا بالغ الدلالة.

فالفئة الأولى تُمنح لبعثات الدول التي تعترف بها واشنطن رسميًا، في حين تُخصص الفئة الثانية لممثلي حكومات لا تحظى بهذا الاعتراف.

ما جرى أن وزارة الخارجية الأميركية أبلغت بعثتها في الأمم المتحدة – في الثالث من نيسان/أبريل – بتغيير نوع التأشيرة السورية، استنادًا إلى تقييم داخلي سابق صنّف الحكومة الانتقالية المؤقتة في سوريا على أنها امتداد لهياكل غير مقبولة أميركيًا، وتحديدًا من حيث علاقتها المفترضة بفصائل مصنفة على لوائح الإرهاب.

بعيدًا عن الجدل التحليلي، فإن الوثائق والمراسلات المتبادلة بين الجهات المعنية، بما فيها وزارة الأمن الداخلي وإدارة الهجرة والجنسية، أكدت أن القرار لا يعبّر عن رغبة في القطيعة، بل يعكس تريثًا في الاعتراف الكامل، فسوريا الجديدة تُرصد حركتها، ويُسجَّل عليها، لا لها، أن تبدو مختلفة جذريًا عن كل ما سبق، وهو ما لم يتحقق بعد بما يكفي ليُبنى عليه موقف اعترافي رسمي.

ما بعد السقوط

سياسة الحذر ومشاغل الاعتراف منذ خروج إيران وسقوط النظام السابق، والحكومة السورية الجديدة تحاول أن تؤسس لتوازن داخلي وخارجي دقيق، يعكس انتقالًا حقيقيًا للسلطة وتوجهاً جديدًا في إدارة الدولة، وعلى الرغم من أن رسائل الانفتاح بدأت مبكرًا – ومنها خطاب التهنئة الذي وجّهه رئيس المرحلة الانتقالية للرئيس الأميركي المنتخب – فإن الاستجابة الأميركية بقيت ضمن حدود العلاقات غير الرسمية، أو ما يُعرف بـ”إدارة الوضع” لا “الاعتراف به”.

في العمق، لا تعني هذه الخطوة الأميركية أن واشنطن لا ترى تحوّلاً، لكنها ترى أن هذا التحوّل لم يكتمل بعد، فالشروط المبدئية التي تنتظرها الإدارة الأميركية وترى أنها ليست تعجيزية، مثل الفصل الواضح عن الجماعات المصنفة، التعاون الأمني، احترام التزامات حقوق الإنسان، كشف مصير مواطنين أميركيين مفقودين، وبلورة إدارة مدنية قابلة للتعاطي الدولي.

التأشيرة كأداة سياسية

ما جرى في نيويورك يحمل رمزية ثقيلة، فالتأشيرة الجديدة تعني انتهاء الامتيازات الدبلوماسية – من الحصانة إلى بطاقات الدخول الخاصة – وتحوّل أعضاء البعثة إلى مجرد مقيمين أجانب، وهو ليس سحبًا للاعتراف، لكنه رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة لا ترى حتى الآن أن ما جرى في دمشق كافٍ لتغيير قواعد التعامل معها.

لكن في المقابل، فإن نفس هذه الخطوة تبقي الباب مفتوحًا، فبمجرّد أن يتغيّر التقييم السياسي، يمكن تعديل نوع التأشيرة، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه. أي أن الحركة الدبلوماسية ما تزال ممكنة، لكنها مشروطة، وقابلة للمراجعة بناء على أداء الحكومة الجديدة، وتحديدًا في ملف التمثيل الخارجي، والقدرة على بناء أدوات حكم موثوقة.

في جوهر المسألة.. من يُمثل سوريا؟

في هذه اللحظة، يبدو أن تجديد صورة سوريا في المحافل الدولية يتطلب أكثر من تبديل السفراء أو تصحيح لغة الخطاب، هناك حاجة لمراجعة شاملة لطبيعة التمثيل الخارجي، بحيث يُعبّر فعلًا عن سوريا الجديدة، لا عن استمرار رمزي لأدوات قديمة، أُنهكت بفعل الزمن، أو تقادمت بتغير الظروف. لكن المسألة لا تقف عند حدود السفارات، بل ترتبط بطبيعة القرار السياسي الداخلي نفسه.

ما يبدو أنه غير مكتمل حتى اليوم ليس مجرد قرار إداري أو إجراء تقني، بل إرادة سياسية تنفتح على مشاركة أوسع للسوريين في إدارة دولتهم، لا سيما في المواقع السيادية، إذ لا يمكن لتجديد الواجهة الدبلوماسية أو تحسين الأداء الخارجي أن ينجح ما لم يكن مدعومًا بخيارات داخلية تعكس روح التغيير.

والمشكلة، في جوهرها، لم تعد مرتبطة ببقايا النظام السابق فقط، بل تتصل بطبيعة السلطة الجديدة التي تميل – تحت ذريعة الحاجة إلى المركزية – إلى حصر الصلاحيات من دون وجود آليات رقابة فعّالة، ولا جدول زمني واضح لانتقال كامل وشامل.

هذا يضعف الثقة في المسار الانتقالي، ويؤجج التساؤلات حول جدية المشروع الوطني برمته، داخليًا وخارجيًا. لذلك، لا بد من فتح المجال أمام مشاركة سياسية حقيقية، تتيح تمثيلاً أوسع لمكونات الثورة السورية وكفاءاتها، في السياسات السيادية والدبلوماسية.

فالأمر لا يتعلق فقط بإرسال وجوه جديدة، بل ببناء سياسة خارجية متماسكة تعبّر عن مشروع وطني جديد، قائم على الكفاءة، والتمثيل، والشرعية الأخلاقية.

الاعتراف يُنتزع ولا يُمنح، فالاعتراف الأميركي بالحكومة السورية الجديدة ما زال رهن التفاعل، وهو لن يُمنح تلقائيًا، بل يحتاج إلى أداء سياسي ودبلوماسي رصين، يُقنع لا يُجبر، ويستند إلى ما تفعله الحكومة على الأرض أكثر مما تقوله في البيانات. إنه اختبار لنمط الحكم الجديد، وللشخصية السياسية التي تُراد لسوريا في الإقليم والعالم، والفرصة لا تزال قائمة، لكنها لن تبقى مفتوحة إلى ما لا نهاية.

وما ينقص الآن، أكثر من أي وقت مضى، هو القرار السياسي الجريء باستبدال الواجهات القديمة التي لا تزال تمثل بقايا عهد مضى، رغم تغير الواقع، وتبدّل السياق، وتطلّع السوريين إلى مشاركة حقيقية تعكسهم في الداخل والخارج على السواء.

———————————

سوريا الجديدة : خيوط اللعبة الإقليمية تتشابك خلف الكواليس/ سعد فنصة

ليس الهدف من هذه المقالة استعراضًا عابرًا لمقتطفات  سبق أن نشرتها على منصات التواصل الاجتماعي ، أو تلك التي تطرقت إليها في أحاديثي مع الأصدقاء والمعنيين. أو مجرد إعادة تدوير لما يُقال هنا وهناك.

هذه محاولة لكشف الواقع المرير الذي يعيشه المشهد السوري بعد سقوط النظام البائد، حيث يواصل الجميع بيع الشعارات والوعود، تمامًا كما كانت تُباع الأوهام سابقًا للشعب السوري باسم الثورة والتغيير.

الجار الاسرائيلي ،  الذي يملك مفاتيح الشرعية في المنطقة، لن يمنح  صك البراءة للنظام الجديد في دمشق. فهي ترى فيه كيانًا هشًا، لا يستحق الاعتراف أو الشراكة، لأنه لا يمثل حكومة منتخبة أو قابلة للحياة على المدى الطويل.

أما الولايات المتحدة، فهي تمضي في لعبتها الكبرى ضد إيران، مستخدمة سوريا كأداة ضغط إضافية في معادلة أكبر تشمل الملفات النووية، الإرهاب، وحتى النفوذ الروسي والصيني.

هذه القراءة ليست ترفًا فكريًا أو محاولة لملء الفراغ بالنقاش، بل هي محاولة جادة لفهم ما يدور خلف الكواليس.

سوريا اليوم ليست سوى جزء من لوحة إقليمية معقدة، أُعيد رسمها بمزيج من العنف والتواطؤ الدولي، وما زال المستقبل يلوح بأفق مليء بالمفاجآت، بعضها قد يأتي – إذا صحت توقعاتي – بحلاقة لحية خامنئي، او تشذيبها .. مع لحى أخرى سبقته  ، أو ما هو أكثر من ذلك بكثير. …!!

سوريا بين مطرقة التحرير وسندان القوى الخارجية

في هذه المقدمة، أستعرض واقع سوريا المعقد بعد تحريرها من قبضة النظام البائد. ورغم هذا التحرير، لم يصبح القرار السوري بيد أبنائه، بل وجدت البلاد نفسها عالقة بين مطرقة التحرير وسندان القوى الإقليمية والدولية التي تضاعف من معاناة الشعب السوري المنهك.

مع انهيار النظام البائد ، ظهر مشهد سياسي متشابك حيث تتصارع مصالح القوى الخارجية، مما يضيف أبعادًا جديدة من عدم الاستقرار.

تحاول الحكومة الجديدة في دمشق بشكل محموم تعزيز شرعيتها وترسيخ سلطتها، لكن هذه الجهود غالبًا ما تأتي بنتائج عكسية تُضعف استقرارها وتخيب آمال أولئك الذين ظنوا أن هذا العهد سيكون خلاصًا حقيقيًا.

وفي هذا السياق، تتصاعد أهمية إسرائيل كلاعب مؤثر في تشكيل مصير النظام الجديد، بينما تستمر الضغوط الأمريكية المتزايدة على إيران. بذلك تصبح الأزمة السورية جزءًا صغيرًا من لوحة إقليمية أوسع تحمل في طياتها الكثير من الاحتمالات غير المتوقعة.

إسرائيل: الحاكم الفعلي لشرعية دمشق

في خضم التحولات السياسية العاصفة التي تمر بها سوريا، تبرز إسرائيل كلاعب محوري في تقرير مصير شرعية النظام الجديد في دمشق.

من وجهة نظر تل أبيب، النظام الجديد يفتقر إلى الشرعية المطلوبة للبقاء على المدى الطويل، لعدم انتخابه ديمقراطيًا، ولغياب الثقة في قدرته على تحقيق الاستقرار الدائم. يتضح هذا الموقف بشكل جليّ في تصريحات لمسؤولين إسرائيليين أشاروا خلالها إلى خطط للسيطرة العسكرية والاستخباراتية على منطقة تمتد إلى عمق 60 كيلومترًا داخل الأراضي السورية، وذلك لمنع أي تهديدات محتملة، وفق ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 10 يناير 2025. إسرائيل، التي نفذت مئات الغارات على الأراضي السورية منذ سقوط النظام البائد، تنظر بريبة إلى النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع (المعروف سابقًا بأبو محمد الجولاني). وعلى الرغم من لهجته المعتدلة الحالية، ترى إسرائيل في هذا النظام تهديدًا طويل الأمد.

تعكس هذه النظرة استراتيجية إسرائيلية تتجنب إبرام أي اتفاقية سلام مع دمشق، إذ تعتبر أن أي استقرار مؤقت قد يتحول إلى عداء في المستقبل.

ووفقًا لتحديث إعلامي حديث نشرته الجزيرة نت بتاريخ 6 أبريل/ نيسان  2025، نقلت “وول ستريت جورنال” -عن مسؤول عسكري إسرائيلي- قوله إن الجيش ينفذ عمليات لضمان الأمن بالمنطقة العازلة في سوريا.

الضغوط الأمريكية على إيران: المشروع النووي كورقة تفاوض

في سياق متوازٍ مع التحولات الإقليمية، تتصاعد الحملة العسكرية والدبلوماسية الأمريكية ضد نظام الملالي في إيران بهدف الضغط على طهران لتفكيك مشروعها النووي العسكري.

وبينما يظهر التصعيد العسكري على السطح، تُجرى خلف الكواليس مفاوضات شاقة تهدف إلى صياغة معاهدة جديدة مع واشنطن، تتضمن شروطًا صارمة قد تؤدي إلى إنهاء الطموحات النووية الإيرانية بالكامل.

هذا المسار يبدو الأكثر احتمالًا مقارنة باللجوء إلى ضربات عسكرية استراتيجية على المنشآت النووية، والتي قد تُسفر عن كارثة بيئية ذات تداعيات تمتد إقليميًا وعالميًا.

تؤكد تحديثات إعلامية حديثة هذا النهج. فقد أفادت وكالة رويترز بتاريخ 25 مارس/ آذار 2025 أن مسؤولًا أمريكيًا رفيع المستوى التقى وزير الخارجية السوري “أسعد الشيباني ”  لمناقشة تخفيف العقوبات، مشيرًا إلى أن واشنطن تهدف إلى ضمان مغادرة المقاتلين الأجانب ومنع إعادة النفوذ الإيراني في سوريا.

كما أوضحت نيويورك تايمز في 3 أبريل/نيسان  2025 أن الإدارة الأمريكية تعتبر استقرار سوريا الجديدة أداة فعالة لتقويض النفوذ الإيراني، مع التحذير من أن أي تصعيد قد يعيد إيران إلى الساحة السورية بقوة.

واشنطن ودمشق: بيع الأوهام أم سياسة واقعية؟

من جانب آخر، تروج بعض الأطراف في واشنطن، بدعم من حلفاء إقليميين كقطر وتركيا، لرواية مفادها أن العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة على سوريا قد تُخفف أو تُرفع، بل وأن الرئيس الأمريكي قد يلتقي أحمد الشرع.

هذه الرواية تعيد إلى الأذهان أوهام المرتزقة السياسيين في الائتلاف السوري المعارض السابق، الذين باعوا الشعب السوري وعودًا كاذبة خلال سنوات الحرب على الشعب السوري.

لكن الواقع يشير إلى أن الجهود الدبلوماسية السابقة والمستمرة لم تُثمر عن أي تحول ملموس في الأوضاع السورية، نتيجة تداخل المصالح المتضاربة. في هذا السياق، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية في تصريحات لتلفزيون سوريا بتاريخ 1 أبريل/ نيسان 2025، أنها تدعم سيطرة السلطات الجديدة على كامل الأراضي السورية، مع مراجعة العقوبات المفروضة على النظام البائد، واستبعاد النفوذ الإيراني والمقاتلين الأجانب.

ومع ذلك، تبقى هذه التصريحات مجرد خطاب سياسي يفتقر إلى ضمانات عملية، خاصة في ظل هيمنة إسرائيل على القرار السوري.

سوريا تحت المجهر ومستقبل مفتوح

تظل سوريا جزءًا من لوحة إقليمية معقدة تتشابك فيها مصالح إسرائيل، الولايات المتحدة، وإيران. إسرائيل ترفض الاعتراف بالنظام الجديد كشريك موثوق، بينما تسعى واشنطن لاستخدام استقرار سوريا كورقة ضد إيران. داخليًا، يعتمد نجاح النظام على قدرته على توحيد الفصائل وإعادة بناء الاقتصاد، وهي مهام تبدو بعيدة المنال حاليًا.

من بين السيناريوهات المحتملة:

    تسوية نووية مع إيران: قد تؤدي إلى انسحاب تدريجي لنفوذها من سوريا، مما يعزز استقرار النظام الجديد بشرط دعم دولي.

    تصعيد إسرائيلي: استمرار الغارات والسيطرة على المناطق العازلة قد يُبقي سوريا في حالة ضعف دائم.

    انهيار داخلي: فشل النظام في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي قد يُعيد الفوضى إلى البلاد.

    مستقبل سوريا يبقى مفتوحًا، لكن نجاح أي مسار يتطلب توازنًا دقيقًا بين الضغوط الخارجية والإصلاحات الداخلية.

وسط هذه الديناميات المضطربة، يبقى مستقبل سوريا مفتوحًا على جميع الاحتمالات، بما في ذلك مفاجآت قد تغيّر موازين القوى الإقليمية. من بين تلك الاحتمالات، تفكيك المشروع النووي الإيراني بشكل رمزي يعكس “حلاقة لحية خامنئي”، أو التحول نحو تسويات سياسية غير متوقعة تُعيد صياغة المشهد الإقليمي.

————————–

هل كانت الولايات المتحدة وراء تدمير سوريا؟/ نوار الماغوط

حول تصريحات جيفري ساكس بشأن السياسة الأمريكية في سوريا

في مشهدٍ من مؤتمر أنطاليا الدولي الأخير، طرح وضاح خنفر، المدير العام السابق لشبكة (الجزيرة) الإعلامية، سؤالاً مباشراً على الخبير الاقتصادي الأمريكي المعروف جيفري ساكس، مستشار الأمم المتحدة السابق في قضايا التنمية المستدامة، حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تقف على الحياد في الملف السوري، أم أنها تتخذ موقفًا واضحًا من خلال سياساتها، خاصة العقوبات المفروضة على النظام السوري.

جاء رد ساكس مثيرًا للجدل، إذ قدم تفسيرًا يعتبر أن الحرب السورية ليست ناتجة بشكل أساسي عن قمع داخلي أو حراك شعبي، بل نتيجة قرار اتخذته واشنطن عام 2011 لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، ضمن ما وصفه بـ”مشروع إقليمي أوسع” تقوده إسرائيل وتدعمه الولايات المتحدة لإعادة تشكيل المنطقة على مقاسها. وذهب إلى القول إن هذا المشروع اعتمد على عملية سرية تحت اسم “تيمبر سيكامور”، نفذتها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بالتعاون مع بعض دول الإقليم، وجرى خلالها تدريب وتسليح فصائل مسلحة، بينها جماعات جهادية، بهدف إسقاط النظام السوري[1].

جيفري ساكس خلال مشاركته في منتدى أنطاليا الديبلوماسي

ورغم أهمية ما طرحه ساكس، فإن هذا التفسير يغفل عمداً حقيقة أساسية لا يمكن تجاوزها، وهي أن شرارة الثورة السورية انطلقت من داخل البلاد، حين خرج آلاف السوريين، ثم ملايين، في احتجاجات سلمية تطالب بالحرية والكرامة، لا بتدخلات خارجية أو تصفية حسابات إقليمية. أسماء مثل غياث مطر وحمزة الخطيب لم تأتي نتيجة مشروع استخباراتي، بل نتيجة رصاص نظام لم يكن يرحم حتى الأطفال في الشوارع. إن تجاهل هذه اللحظة المؤسسة للثورة السورية، والتركيز فقط على الأبعاد الدولية، يُفقد الرواية توازنها وصدقيتها.

يبدو أن ساكس، في مسعاه لنقد السياسة الخارجية الأمريكية، قد وقع في فخ التبسيط. نعم، هناك تدخل أمريكي في سوريا، وهناك دعم عسكري لبعض فصائل المعارضة، وهناك مشروع “تيمبر سيكامور” الذي بدأ بالفعل خلال ولاية أوباما، وتم من خلاله نقل الأسلحة وتدريب مقاتلين[2].

لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة كانت تملك قرار اشعال ثورة في دولة ذات بنية سلطوية محكمة كالنظام السوري، كما أن ما أشار إليه ساكس بشأن مبادرة السلام التي قدمها كوفي عنان عام 2012 صحيح من حيث فشل المبادرة بسبب خلافات حول مصير الأسد، إلا أن تحميل واشنطن وحدها مسؤولية تعطيل الاتفاق يغفل مواقف روسيا وإيران والنظام السوري نفسه، الذين لم يُبدوا أي مرونة حقيقية في التعاطي مع فكرة انتقال سياسي حقيقي للسلطة[3].

أما إدارة ترامب، التي تولت السلطة بعد أوباما، فقد حافظت على سياسة العقوبات الاقتصادية الشديدة ضد النظام السوري، وأبقت على وجود عسكري محدود في الشمال الشرقي، وركزت في خطابها على محاربة “داعش” واحتواء النفوذ الإيراني. لكنها، في الوقت نفسه، أظهرت تناقضًا واضحًا في القرار السياسي، بدءاٍ من إعلان الانسحاب ثم التراجع عنه، وصولًا إلى التخلي عن بعض الحلفاء المحليين، لا سيما قوات سوريا الديمقراطية[4]. وبذلك، فإن واشنطن كانت – ولا تزال – لاعبًا مؤثرًا في سوريا، لكنها لم تكن، كما يصور ساكس، الجهة الوحيدة التي أشعلت الحرب أو أدارت خيوطها من وراء الستار

القول إن الولايات المتحدة وحدها كانت خلف الكارثة السورية هو تسطيح للتاريخ، وتبرئة ضمنية لأنظمة إقليمية مارست القتل، ولجماعات متطرفة غذّت الحرب، ولصراعات طائفية وقومية دفعت البلاد إلى الهاوية. كما أن اختزال صوت ملايين السوريين الذين خرجوا في مظاهرات سلمية في “مؤامرة خارجية” هو إهانة مباشرة لضحايا تلك الثورة، ولأولئك الذين لا يزالون يدفعون ثمن مواقفهم حتى اليوم.

أن الحرب السورية لم تكن فقط نتيجة تدخل خارجي، ولا يمكن أيضًا فهمها بمعزل عن احتجاجات شعبية التي فجرت الثورة. جيفري ساكس قدّم وجهة نظر متماسكة من حيث نقد السياسة الأمريكية، لكن التوازن الغائب في حديثه يُضعف من مصداقيته. إن الصراع في سوريا هو نتاج تفاعل معقد بين ثورة شعبية، وردّ دموي من نظام شمولي، وتدخلات دولية وإقليمية جعلت من البلاد ساحة حرب مفتوحة. والحديث عن المؤامرة لا يجب أن يُستخدم لتبرير القمع أو لمحو ثورة شعب .

ومن الجدير ذكره أن قطر التي ينتمي إلى مؤسساتها  السيد وضاح خنفر لعبت دورًا محوريًا في الملف السوري، خاصة في المراحل الأولى من الثورة عام 2011. فقد كانت من أوائل الدول التي دعمت المعارضة السورية سياسيًا وإعلاميًا، وساهمت في إنشاء غرف عمليات في الأردن وتركيا، بالتعاون مع السعودية وتركيا والأردن والولايات المتحدة، بهدف تنسيق الدعم للفصائل المعارضة، قبل أن تنتقل إدارة الملف إلى الأمير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية آنذاك، الذي طلب ميزانية ضخمة تُقدّر بحوالي 2000 مليار دولار لإسقاط النظام السوري السابق.[5]

ولابد هنا من الإشارة إلى أهمية السياق الذي دار فيه هذا الحوار بين وضاح خنفر والبروفيسور جيفري ساكس، في مؤتمر أنطاليا الأخير بتركيا. تركيا، التي تحولت في العقد الأخير إلى محطة بارزة للقاءات المعارضة والنقاشات الإقليمية الحساسة، عكست هذه المرة نبضًا جديدًا من المواجهة الفكرية بين سرديتين متعارضتين: سردية التدخل الخارجي والصراع الجيوسياسي، وسردية الشعوب الباحثة عن الحرية والكرامة.

وضاح خنفر، الذي كان شاهدًا على بزوغ الربيع العربي من قلب غرفة الأخبار في الجزيرة، لم يكن سؤاله لجيفري ساكس عابرًا، بل يعكس صراعًا جوهريًا في فهم ما جرى في سوريا والمنطقة عمومًا. صراع بين من يرى الأحداث على أنها مؤامرة كبرى، ومن يؤمن بأن شعوب هذه المنطقة هي من أطلقت شرارة التغيير، رغم كل ما تخلل ذلك من تدخلات وتواطؤات لاحقة.

في أنطاليا، لم يكن النقاش فقط حول الماضي، بل كان جرس إنذار حول الحاضر والمستقبل: هل نسمح بإعادة كتابة التاريخ على أيدي الأقوياء، أم نتمسك برواية الشعوب، مهما كانت معقدة ومليئة بالخذلان؟

__________________________________

الهوامش:

               1.  صحيفة نيويورك تايمز، “عملية تيمبر سيكامور: كيف سلّحت السي آي إيه المعارضة السورية”، 2016.

               2.  مركز السياسة الخارجية الأمريكي، “تيمبر سيكامور ودور الاستخبارات الأمريكية في سوريا”، 2017.

               3. صحيفة الغارديان البريطانية، “لماذا فشلت خطة كوفي عنان للسلام في سوريا؟”، 2012.

               4. معهد بروكينغز، “سياسات ترامب المتناقضة في سوريا: من الانسحاب إلى الإرباك”، 2019..

 5. صحيفة (القبس) الكويتية حوار مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق “حمد بن جاسم”

 العربي القديم

 ———————————–

زيارات أميركية إلى سوريا.. إعادة تقييم العلاقات في ظل المستجدات الإقليمية

أيهم الشيخ

19 أبريل 2025

تشهد الساحة السورية في الفترة الأخيرة تزايدًا في عدد الزيارات الأميركية إلى كل من شمال سوريا والعاصمة دمشق، سواء من قبل وفود الكونغرس أو ممثلين عن منظمات سورية – أميركية، مما يعكس تنامي الحراك السياسي في واشنطن تجاه الملف السوري.

ويبدو أن هذه التحركات تتم وسط تباين ملحوظ بين مواقف السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في الولايات المتحدة، مع اهتمام متزايد بإعادة تقييم العلاقة مع الحكومة السورية في ظل المستجدات الإقليمية والدولية.

وفي تصريح خاص لـ”الترا سوريا”، كشف السياسي والإعلامي السوري الأميركي، أيمن عبد النور، أن زيارات وفود من الكونغرس الأميركي إلى شمال سوريا تجري بشكل مستقل عن موقف الإدارة التنفيذية في واشنطن، مشيرًا إلى وجود تباين واضح في المواقف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وأوضح عبد النور أن السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة، والتي تشمل البيت الأبيض ووزارة الخارجية، منفصلة تمامًا عن السلطة التشريعية المتمثلة بالكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ. وقال: “الكونغرس ليس تابعًا للإدارة التنفيذية، ولا يتوجب عليه الالتزام بموقفها”، مضيفًا: “وزارة الخارجية الأميركية أبلغتنا خلال أحد الاجتماعات بعدم موافقتها على زيارة وفد من الكونغرس إلى شمال سوريا، بسبب مخاوف أمنية وأسباب أخرى، إلا أن هذا التحفظ لا يمنع الكونغرس من تنفيذ الزيارة”.

وأشار عبد النور إلى أن وفدًا من منظمة “التحالف السوري الأميركي للازدهار والسلام” (ساب)، يضم نائبًا ديمقراطيًا ونائبين من الحزب الجمهوري، غادر متوجهًا إلى المنطقة، وهناك وفد آخر من المقرر أن يزور شمال سوريا في نهاية الشهر، ويتكون حتى الآن من عضوين ديمقراطيين، مع إمكانية تغير التركيبة خلال الأسبوعين القادمين، وذلك بحسب نتائج وتقييمات الزيارة الأولى.

وختم عبد النور بالقول إن نجاح الزيارة الأولى سيكون مؤشرًا حاسمًا في تحديد عدد وأسماء أعضاء الوفد الثاني، موضحًا أن “الاهتمام سيتزايد إذا ثبتت جدوى الزيارة الأولى على أرض الواقع”.

وأكدت المستشارة السياسية والصحافية المعتمدة في البيت الأبيض، مرح البقاعي، في تصريحات خاصة لـ”الترا سوريا”، أن الزيارات المباشرة واللقاءات بين المسؤولين السوريين ونظرائهم الأميركيين، سواء كانت رسمية أو غير رسمية، تمثل خطوة مهمة في مسار تخفيف العقوبات المفروضة على دمشق.

وأوضحت أن قرار منح التأشيرات وتحديد صفة الزيارة يعود لوزارة الخارجية الأميركية، مشيرةً إلى أن مشاركة وفد سوري رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية في اجتماعات مرتقبة في نيويورك وواشنطن، بالتزامن مع انعقاد فعاليات صندوق النقد الدولي، يعكس جدية في السعي نحو تواصل مباشر مع المجتمع الأميركي، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والجالية السورية في الولايات المتحدة.

كسر الجليد

واعتبرت البقاعي أن مثل هذا الانفتاح قد تحتاجه دمشق في المرحلة المقبلة، إذا ما أرادت تحقيق تقدم ملموس على صعيد العمل لرفع العقوبات الأميركية، خاصة إذا تخلل الزيارة لقاءات مع الجالية السورية أو منظمات أميركية فاعلة.

وفيما يتعلق بالشروط الأميركية المفروضة على النظام السوري لرفع العقوبات، كشفت البقاعي أن وزارة الخارجية السورية وجهت مؤخرًا رسالة مطوّلة إلى الإدارة الأميركية، ردًا على رسالة سابقة أرسلتها ناتاشا فرونشيسكي على هامش مؤتمر بروكسل.

وتضمنت الرسالة السورية، بحسب ما أفادت، إشارات إلى استعداد للتفاوض بشأن مجموعة من الشروط الأميركية، من بينها إنهاء وجود المقاتلين الأجانب في المناصب العسكرية العليا، وتقليص الدور الإيراني في سوريا، إضافةً إلى التعاون في ملف الصحفي الأميركي المفقود أوستن تايس. واعتبرت البقاعي أن الرد السوري قابل للتفاوض، وهو ما يمثل خطوة نحو فتح حوار جاد بشأن العقوبات.

أما بشأن الوفد الأميركي الذي يعتزم زيارة دمشق، والذي تشارك في ترتيبه بعض المنظمات السورية الأميركية، فأوضحت البقاعي أنه وفد غير رسمي ويزور البلاد بصفة شخصية، بعيدًا عن أي تمثيل حكومي أو برلماني. وأشارت إلى أن الانتماء الحزبي لأعضاء الوفد لا يشكل عاملًا حاسمًا، إذ لا تمثل الزيارة موقفًا رسميًا للحكومة الأميركية أو الكونغرس.

ومع ذلك، اعتبرت أن مثل هذه الزيارات تسهم في تعزيز الفهم المتبادل، وتمثل نتيجة ملموسة لجهود منظمات المجتمع المدني السوري في الولايات المتحدة، لكنها شددت على أن رفع العقوبات يتطلب مسارًا تفاوضيًا طويلًا، إلا أن ما يحدث حاليًا يعد خطوة في الاتجاه الصحيح.

وقال الباحث في مركز جسور للدراسات، وائل علوان، لـ”الترا سوريا”، إن العاصمة دمشق أصبحت اليوم وجهة رئيسية للسياسيين والدبلوماسيين من مختلف الاتجاهات، سواء أولئك المقربين من الأحزاب الحاكمة في الغرب، أو من الأحزاب المعارضة، بما في ذلك شخصيات أميركية تسعى إلى الاقتراب، وإن بشكل غير مباشر، من المشهد السوري.

وأشار علوان إلى أن وفودًا من نواب ديمقراطيين وجمهوريين، إضافةً إلى باحثين وإعلاميين ومسؤولين في دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، يزورون دمشق في سياق متابعة تطورات الملف السوري، مؤكدًا أن الاهتمام الأميركي لا ينطلق فقط من الوضع الداخلي في سوريا، بل من أهمية الاستقرار الإقليمي وانعكاساته على الأمن الدولي.

وأوضح أن هذه الزيارات تأتي كجزء مما ما وصفه بمحاولة لفهم نوايا الأطراف المختلفة في المنطقة، لافتًا إلى أن واشنطن تراقب عن كثب ديناميكيات الاستقرار في سوريا، ما قد يؤثر بشكل مباشر على موقفها من الحكومة السورية الجديدة، وعلى مستقبل العقوبات المفروضة عليها.

وشدد علوان على أن النتائج لم تتضح بعد، سواء على صعيد رفع العقوبات، أو تخفيفها، أو تقديم استثناءات أوسع للحكومة السورية الجديدة، مشيرًا إلى أن ملامح الموقف الأميركي ما تزال قيد التبلور، وسط مراقبة دقيقة لتفاعلات المشهد السوري والإقليمي.

تُظهر مجمل التصريحات أن العلاقة بين الولايات المتحدة والحكومة السورية تمر بمرحلة دقيقة من “جس النبض”، حيث تسعى أطراف أميركية متعددة لاختبار مدى جدية دمشق في الاستجابة للشروط الأميركية، مقابل تحركات سورية تهدف إلى خلق نوافذ للتواصل وكسر حالة الجمود.

ويكشف تباين المواقف بين الكونغرس والإدارة التنفيذية عن هامش مناورة متاح لبعض الأطراف الأميركية، لا سيما عبر منظمات المجتمع المدني والجالية السورية، التي يبدو أنها باتت تلعب دورًا مركزيًا في تسهيل هذا النوع من الاتصالات.

مع ذلك، لا تزال العقوبات الأميركية على النظام السوري قائمة كأداة ضغط أساسية، ويبدو أن واشنطن تراقب التغييرات بعناية قبل اتخاذ قرارات نهائية، سواء بتخفيف القيود أو بإبقاء الوضع على ما هو عليه.

———————————

“8 خطوات لبناء الثقة”.. أميركا تقدم للحكومة السورية شروطها

كشفت تقارير صحفية أن الإدارة الأميركية هددت باتخاذ موقف صارم من الحكومة السورية الجديدة، إذ هي تجاهلت شروطها التي قدمتها لوزير خارجيتها لإعادة بناء العلاقات الدبلوماسية والتفكير برفع العقوبات.

وأفادت صحيفة “واشنطن بوست” نقلًا عن مسؤول أمريكي (لم تذكر اسمه)، أمس الخميس، إن إدارة ترامب سلمت وزير خارجية سوريا، خلال اجتماع دولي عقد في بروكسل الشهر الماضي، قائمة تضمنت 8 خطوات لـ”بناء الثقة”، على حد تعبيرها.

وتتضمن القائمة بحسب الصحيفة، إصدار إعلان رسمي من قبل الحكومة السورية الجديدة بدعمها لقوى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

كما دعت القائمة إلى تمكين الولايات المتحدة من تنفيذ عمليات لمكافحة الإرهاب داخل سوريا، بحق أي طرف تعتبره الإدارة الأمريكية خطرًا على أمنها القومي.

وفي خطوة جديدة، طالبت القائمة بإصدار إعلان رسمي يحظر جميع الجماعات والأنشطة السياسية الفلسطينية على الأراضي السورية وترحيل أعضاء هذه الجماعات، وذلك بهدف تهدئة المخاوف الإسرائيلية.

وفي المقابل، لم تتطرق القائمة، بحسب الصحيفة، إلى الوجود الروسي ووجهة نظر الولايات المتحدة بشأن هذا الأمر.

وأشارت الصحيفة، نقلًا عن مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، إلى أن الولايات المتحدة ما تزال حذرة في تعاملها مع سوريا، حتى يثبت الشرع أنه نجح في تطهير حكومته من المتشددين الإسلاميين الأجانب وبقايا تنظيم القاعدة، ويثبت قدرته في التعامل مع الأقليات المختلفة في سوريا.

وشددت الصحيفة على أهمية هذه الشروط بالنسبة لأميركا، وضرورة أخذها على محمل الجد من قبل الحكومة السورية والإسراع في اتخاذ هذه الخطوات، للنظر في رفع العقوبات جزئيًا عن سوريا.

وفي آذار/مارس الماضي، قدمت الإدارة الأميركية قائمة من الشروط إلى سوريا مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، لكن إدارة ترامب لم تكن على تواصل مع القيادة السورية الجديدة.

وبحسب وكالة “رويترز”، يؤيد بعض مسؤولي البيت الأبيض اتخاذ موقف أكثر تشددًا، مشيرين إلى ارتباطات القيادة السورية الجديدة السابقة بتنظيم القاعدة كسبب للإبقاء على الحد الأدنى من التواصل معها.

وقالت تقارير سابقة إن الإدارة الأميركية أصدرت قرارًا بتغيير الوضع القانوني لبعثة سوريا الدبلوماسية لدى الأمم المتحدة، من دولة عضو في المجموعة الأممية إلى بعثة حكومة غير معترف بها من قبل البيت الأبيض.

وبحسب ما تناقلت التقارير، فإن الولايات المتحدة أبلغت البعثة السورية في نيويورك، في مذكرة مُسلّمة عبر الأمم المتحدة، بأن وضعها القانوني تغيّر من بعثة دائمة لدولة عضو في الأمم المتحدة إلى بعثة تُمثّل حكومةً غير معترف بها من قبل واشنطن.

كما نصّت المذكرة على إلغاء التأشيرات من فئة G1 إلى G3 الممنوحة لأعضاء البعثة، وهي الفئة المخصصة للدبلوماسيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة من حكومات تعترف بها الدولة المضيفة. وتُمنح هذه التأشيرات المُصنفة G3 لمواطنين أجانب مؤهلين وفق معايير الأمم المتحدة، دون أن يُعد ذلك اعترافًا من الولايات المتحدة بحكوماتهم.

——————————–

هل تقنع الحكومة السورية الجديدة الغرب برفع العقوبات؟/ أحمد زكريّا

منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، شهدت سوريا تحولات سياسية غير مسبوقة، أعادت رسم ملامح علاقتها بالمجتمع الدولي.

وبعد أشهر من الفوضى والتفاوض، أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع في 29 آذار/مارس 2025 عن تشكيل حكومة جديدة تضم 23 وزيرًا، وصفت بأنها “خطوة تاريخية” نحو الاستقرار والإصلاح.

لكن وسط هذا التفاؤل الحذر، يبقى السؤال المحوري: هل ستتمكن هذه التشكيلة من إقناع الدول الغربية برفع العقوبات الاقتصادية التي أثقلت كاهل السوريين منذ 2011؟ أم أن الطريق نحو ذلك سيظل طويلًا ومعقدًا، مشروطًا بمتطلبات سياسية وأمنية صارمة؟

خطوة نحو التمثيل الشامل أم استمرار للجدل؟

وجاء إعلان الحكومة الجديدة بعد ضغوط دولية مكثفة لتشكيل إدارة تكنوقراطية تعكس تنوع المجتمع السوري وتبتعد عن إرث نظام الأسد. التشكيلة، التي تضم ممثلين عن المسيحيين والدروز والكرد والعلويين، إلى جانب حضور نسائي محدود تمثل بتعيين هند قبوات وزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل، بدت محاولة لتلبية هذه المطالب، لكن تعيين شخصيات مثل أنس خطاب، الجهادي السابق ورئيس جهاز الاستخبارات العامة، كوزير للداخلية، أثار تساؤلات حول مدى جدية التحول، خاصة مع بقائه على قوائم العقوبات الأممية.

وفي سياق متصل، دعا الشرع في نهاية آذار/مارس 2025، خلال قمة افتراضية مع قادة فرنسا ولبنان وقبرص واليونان، إلى رفع العقوبات، محذرًا من تأثيرها الكارثي. وقال في بيان الرئاسة: “بدأنا خطوات فعلية في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لبناء دولة قوية ومستقرة. رفع العقوبات ضرورة لدعم هذه الجهود”.

الموقف الأميركي والأوروبي: بين الترحيب الحذر والشروط

الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات مشددة مثل “قانون قيصر” منذ 2020، تبنت موقفًا يمزج بين الإيجابية والحذر. وأعلنت وزارة الخارجية أن العقوبات “قيد المراجعة”، مشيرة إلى دعمها لحكومة مدنية شاملة. وفي وقت سابق من 2025، أصدرت وزارة الخزانة تراخيص مؤقتة لمدة 6 أشهر تسمح بمعاملات محدودة مع مؤسسات حكومية، لكن هذا لم يتجاوز مرحلة التجربة.

على الجانب الأوروبي، بدا النهج أكثر انفتاحًا، فالاتحاد الأوروبي، الذي علّق عقوباته لمدة عام في كانون الثاني/يناير 2025، أشار إلى أن الرفع الكامل مرهون بالتقدم الملموس.

وقالت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية كايا كالاس: “الحكومة الجديدة خطوة نحو الاستقرار، ونحن مستعدون لتخفيف العقوبات تدريجيًا، لكن هذا مشروط بالتزام الحكومة بحقوق الإنسان والإصلاحات”.

بدورها، رحبت فرنسا بالتشكيلة في 30 آذار/مارس 2025، معتبرةً أنها “بداية مرحلة جديدة”، بينما قدمت ألمانيا خطة دعم من ثماني نقاط تشمل إعادة الإعمار.

كمل أن دول مثل كندا وسويسرا والمملكة المتحدة اتخذت خطوات عملية منذ منتصف آذار/مارس الماضي، كتخفيف القيود المصرفية وإزالة 24 كيانًا سوريًا من قوائم العقوبات البريطانية، مما يعكس استعدادًا أكبر لدعم التعافي.

المشهد الدولي: تباين في النهج وتأثير على السوريين

وقبل الخوض في آراء المحللين، يجدر بنا التوقف عند السياق الأوسع: إن العقوبات الغربية، التي فُرضت كرد على انتهاكات نظام الأسد، قد أثرت بشدة على الاقتصاد السوري، مع انهيار الليرة وارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 80% بحسب تقارير الأمم المتحدة.

التشكيلة الجديدة، رغم إثارتها للجدل، حظيت بترحيب دولي نسبي، لكن التباين بين الموقف الأميركي الحذر والمرونة الأوروبية يضع الحكومة أمام تحدٍ كبير: كيف تثبت جديتها دون أن تُنظر إليها كأداة لتنفيذ أجندات خارجية؟

أوروبا تتقدم وأمريكا تتأخر

في هذا السياق، يقدم فاروق بلال، رئيس المجلس السوري الأميركي في تصريح لـ”الترا سوريا”، تحليلاً يرصد التباين بين النهجين الأوروبي والأميركي. يقول: “عندما لاحظنا أن الدول الأوروبية رحبت بالحكومة الانتقالية الجديدة واعتبرتها خطوة إيجابية، كان ذلك بعد أن سبق لهذه الدول أن خففت العقوبات عن دمشق قبل تشكيلها، كما أصدرت قرارات بزيادة الدعم واستخدام أموال الأسد المصادرة لمشاريع التنمية وإعادة الإعمار”.

وأضاف: “أما الولايات المتحدة فموقفها مختلف ومتأخر، ورغم ترحيبها بالحكومة الجديدة، فهي ترى أن هذا غير كافٍ لرفع العقوبات، حيث تتبنى أميركا تصريحات إيجابية لكن بحذر شديد، تربط الرفع بشروط مثل محاربة النفوذ الإيراني، تقليص العلاقات مع روسيا، وتدمير أسلحة الدمار الشامل”. ويرى بلال أن أوروبا بدأت بتحويل الأموال المجمدة لدعم البنية التحتية، بينما يعيق الحذر الأميركي تقدمًا أسرع، حسب تعبيره.

وتشير التقارير إلى أن العقوبات، رغم استهدافها لنظام الأسد سابقًا، أدت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث بات أكثر من 12 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

من جهتها، تواجه الحكومة الجديدة، التي تسعى لاستعادة الثقة الدولية، ضغوطًا داخلية لتحسين الأوضاع، بينما تتأرجح بين تلبية مطالب الغرب وحماية السيادة الوطنية.

العقوبات كأداة ضغط والتحديات المستقبلية

عبد العزيز دالاتي، نائب مدير المنظمة العربية الأوروبية لحقوق الإنسان، يحذر من تبعات استمرار العقوبات على الشعب السوري. يقول لـ”الترا سوريا”: “بعد سقوط نظام الأسد، الذي كان السبب الرئيسي وراء العقوبات، كان من المتوقع رفعها لتخفيف معاناة الشعب”.

وتابع: “لكن استمرارها يُنظر إليه من وجهة نظر السوريين كابتزاز سياسي لفرض تنازلات، خاصةً مع ربط بعض الدول الرفع بشروط مثل الإصلاحات وحماية الأقليات، وربما تنازلات سرية غير معلنة، وهذا التأخير يزيد من الأزمة الاقتصادية والإنسانية، ويحرم السوريين من بداية جديدة كانوا يأملونها”. كما أعرب عن اعتقاده بأن الغرب قد يستخدم العقوبات كورقة ضغط لتحقيق أهداف سياسية، مما يعقد مسار التعافي.

تتجاوز التحديات أمام الحكومة الجديدة مجرد تشكيلها، إذ يتعين عليها التعامل مع ملفات معقدة كالنفوذ الإيراني والروسي، وتصنيف “هيئة تحرير الشام” على قوائم الإرهاب، إضافةً إلى إعادة بناء الثقة مع المجتمع الدولي. هذه العوامل ستحدد مدى نجاحها في تخفيف العقوبات أو رفعها كليًا.

الكاتب والصحفي باسل المحمد يرى أن الحكومة الجديدة تمثل بداية واعدة لكنها ليست كافية، ويوضح لـ”الترا سوريا”: تشكيل الحكومة السورية الجديدة يُعد خطوة إيجابية نحو تعزيز الاستقرار السياسي في سوريا، وقد يساهم في تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد منذ عهد النظام السابق، وقد أبدت دول أوروبية والولايات المتحدة ترحيبًا بهذه الخطوة، مشيرة إلى أن الحكومة الجديدة تتكون من تكنوقراط، مما يعزز فرص مراجعة هذه العقوبات، ومع ذلك، فإن رفعها بالكامل لن يكون فوريًا أو دون شروط”.

وتابع: “الولايات المتحدة تشترط تحقيق ثلاثة محاور رئيسية: أولًا، محاربة الإرهاب، ثانيًا، ضمان دور الحكومة السورية الجديدة في مكافحة الإرهاب، وثالثًا، تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، وهو هدف تسعى إليه الحكومة الجديدة نفسها”.

ورأى أن: “الدول الأوروبية، تركز على قضايا حقوق الإنسان والحريات، بالإضافة إلى ضمان تمثيل أوسع للطوائف والأقليات في العملية السياسية، وقد حاولت الحكومة الجديدة تحقيق هذا التوازن عبر تشكيل وزاري يعكس تنوع المجتمع السوري، حيث تمثلت الطوائف مثل الدروز والعلويين والكرد في الحكومة بناءً على الكفاءة الوطنية، ومع ذلك، تشترط أوروبا أيضًا تقليص النفوذ الروسي وإنهاء وجود القواعد الروسية في سوريا، وهو أمر قد يشكل تحديًا كبيرًا”.

واعتبر المحمد أنه: “على الرغم من الجهود المبذولة، فإن رفع العقوبات بشكل كامل يعتمد على قدرة الحكومة الجديدة على تنفيذ إصلاحات شاملة ومستدامة في المجالات السياسية والأمنية. وطالما بقيت هيئة تحرير الشام وقادتها مصنفين على قوائم الإرهاب لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ستظل العقوبات قائمة جزئيًا أو كليًا”.

خطوة إلى الأمام لكن المسافة طويلة

تشكيلة الحكومة السورية الجديدة فتحت بابًا للتفاؤل، لكنها لم تُقنع الغرب بعد برفع العقوبات كليًا، حيث إن أوروبا تتقدم بخطوات عملية مثل تخفيف العقوبات ودعم الإعمار، بينما تظل أميركا متمسكة بشروط صارمة، ومن هنا فإن التحدي الأكبر أمام الشرع يكمن في إثبات أن حكومته قادرة على الإصلاح الشامل، مع التوفيق بين مطالب الغرب وحاجات الشعب. وحتى ذلك الحين، يبقى السوريون عالقين بين آمال التغيير وأعباء واقع قد يطول أمده، وفق مراقبين.

————————-

سمير التقي: مفاتيح رفع العقوبات بيد السوريين والمصالحة الوطنية أول الطريق

قال الباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، سمير التقي، في مقابلة مع وكالة “الأناضول” التركية، إن رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا لا تتعلق بالإقناع، بل ترتبط بمصالح واشنطن ورؤيتها لمستقبل البلاد، مؤكدًا أن رفعها يتطلب جهودًا سياسية ودبلوماسية واقتصادية شاملة.

أكد التقي أن العقوبات الأميركية على سوريا تُعد “قضية ليست مرتبطة بإقناع”، لكنها مرتبطة بـ”مصالح الولايات المتحدة وبمفاهيم تتعلق بما تراه مناسبًا لمستقبل سوريا”. ورأى أن “تمويل التعافي في سوريا أمر ممكن وأن رفع عقوبات محددة متعلق بالتعافي المبكر”.

ووفقًا للتقي، فإن “القضية تتطلب جهدًا كبيرًا”، والتي يعتبر أن أولها “سياسي ودبلوماسي يظهر أين تتموضع سوريا في سياقها الإقليمي والاستراتيجي”، وثانيها “أين تتموضع سوريا من ناحية اقتصادية؟ وأي نموذج من الدولة سوف نذهب إليه”، وفق حديثه.

توافق الكونغرس

الباحث كشف أن الصعوبات المرتبطة بوضع الكونغرس بالقول: “يجب أن ندرك بأن هناك في الكونغرس الأميركي قوى متنفذة جدا ويحتاج رفع العقوبات لتوافقات بين الأحزاب، بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وحتى ضمن كل حزب على حدة”.

وأضاف التقي أنه في هذا السياق “ينبغي أن يكون هناك حملة كبيرة، أولًا صورة مهمة إيجابية جيدة جدًا لسوريا من حيث مستقبلها، ويكون هناك اطمئنان”.

ولفت التقي إلى أن “هناك قضية متعلقة بتموضع سوريا في الإقليم”، معتبرًا أنه في هذه الحالة “يمكن القيام بحملة داخل الكونغرس، لأن ما يمكن للرئيس (أحمد الشرع) أن يفعله عبر بعض الإعفاءات لا يكفي لبناء مستقبل للتنمية”. وأكد أن “لا بد من التفكير بالتوجه إلى الكونغرس مباشرة بكل تناقضاته للتوصل لنوع من التوافقات”، مشيرًا إلى أنه “ينبغي أولًا أن ننجز نحن مصالحتنا الوطنية بطريقة سلمية، ثم نذهب إلى رفع العقوبات”.

واعتبر التقي أن المطلوب من السلطات السورية أن تتوصل مع جميع السوريين إلى ما هو مشابه للاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

إعلام يعبر عن السلطة الراهنة

كما أوضح التقي أنه “نشأت تحفظات في الولايات المتحدة بعد الإعلان الدستوري، لأنه لم يكن واضحًا بالشكل الكافي فيما يتعلق بطبيعة السلطة والنظام السياسي”.

بالإضافة إلى ذلك، أكد التقي على أهمية دور الإعلام، لافتًا إلى أنه “حتى الآن لا نشاهد إعلام يعبر عن طبيعة السلطة الراهنة في سوريا”، مؤكدًا ضرورة إثبات “أننا نسير في اتجاه دولة تعددية”.

وأضاف التقي أنه ينبغي أن “دولة ليست مبنية على قمع طرف باتجاه طرف”، وأردف موضحًا: “ليس الموضوع طائفي بقدر ما هو متعلق بتأمين مقدار جدي من الوحدة الوطنية، نستطيع عندها أن نقف حتى في وجه أميركا ونقول لهم أنتم مخطئون”.

المواقف الإقليمية

وحول الموقفين القطري والتركي من السلطات السورية الجديدة، رأى التقي أنها “تؤثر في إعطاء فرصة لسوريا أن تثبت نفسها”، لكنه أكد في المقابل أنها “لا يمكن أن تغير رأي المجتمع الدولي إذا سارت الأمور باتجاه غير مناسب”.

وأضاف التقي: “بالتالي هي تعطي فرصة، عمليا نحن نشتري الوقت، تركيا الآن توظف إمكانات كبيرة في عملية تأهيل الدولة السورية وإعادة بنائها من الصفر عمليا”.

وأكد أن “هذا يلعب دورًا مهمًا في أن يعطي فرصة نجاح”، لكن هذه الفرصة من وجهة نظر التقي “تحتاج من السوريين أن يخوضوا تجربة جديدة، ونظام دولة جديدة يؤمن السلم الأهلي العيش المشترك، ومن ثم التنمية الاقتصادية”.

وتلخيصًا لتوقعات المرحلة القادمة، يقول التقي: “ليس من حقي إلا أن أتفاءل بالنتيجة، يعني كل السوريين مستعدين لبذل كل ما هو ممكن من أجل مساعدة الحكومة الراهنة لأن تتقدم في اتجاه بناء الدولة”.

وختم حديثه مع “الأناضول” قائلًا: “مستوى الخراب القائم في سوريا هائل إلى درجة يجعل المهمة غاية في الصعوبة”، لذلك يشدد على أن “بدون تكاتف كل السوريين لن يمكن بناء دولة جديدة”.

——————————

سياسة ترامب تجاه سوريا: التحول نحو الاحتواء الاستراتيجي/ لين خطيب

يتبنى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ولايته الثانية، نهجًا مختلفًا تجاه سوريا يقوم على “التقليل الاستراتيجي”، حيث يتم تقليل التدخل المباشر للولايات المتحدة مع الحفاظ على وجود يخدم المصالح الإقليمية الأميركية. أربعة عناوين تلخص سياسة ترامب تجاه سوريا بعد انهيار نظام الأسد: فك الارتباط العسكري، والتحالف مع تركيا، واحتواء إيران، وخدمة المصالح الإسرائيلية.

الانسحاب العسكري مع الاحتفاظ بالنفوذ الاستراتيجي

أحد أهم التطورات في ظل قيادة ترامب المتجددة هو نيته الواضحة في تقليص وجود القوات الأميركية في سوريا. وقد أدى ذلك إلى محاولة مساعدة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والحكومة السورية الجديدة على التوصل إلى اتفاق يهدف إلى دمج “قسد”، التي يقودها الأكراد، ضمن الحكومة السورية المؤقتة بقيادة أحمد الشرع. وإذا تحقق هذا الاتفاق بالكامل، فسيشكل خطوة نحو استقرار شمال سوريا، مع السماح بانسحاب أميركي يتم بطريقة تمنع حدوث فراغ أمني.

ومع ذلك، فإن الانسحاب الأميركي ليس خاليًا من التعقيدات. فقد استخدمت الولايات المتحدة تاريخيًا وجودها العسكري في شمال شرق سوريا لمواجهة تنظيم “داعش”، ودعم حلفائها من الأكراد، وموازنة النفوذ الإيراني. وقد يؤدي الانسحاب المتسرع إلى ترك فراغ يمكن للاعبين إقليميين استغلاله.

ومن منظور سوري، يُنظر إلى خروج القوات الأميركية على أنه خطوة ضرورية لاستعادة السيادة الكاملة، رغم المخاوف من القوة التي قد تملأ هذا الفراغ. وفي الوقت الراهن، يبدو أن استراتيجية ترامب لن تكون انسحابًا كليًا بل إعادة تموضع تُقلل من البصمة الأميركية مع الحفاظ على النفوذ من خلال تحالفات مع إسرائيل وتركيا.

دور تركيا والمساومات الجيوسياسية

بالفعل، تُعد كل من تركيا وإسرائيل من اللاعبين الرئيسيين في تشكيل سياسة ترامب تجاه سوريا. فيما يتعلق بتركيا، فقد سلطت تصريحات ترامب، التي جاءت فور الإطاحة بنظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، الضوء على الدور المحدود للولايات المتحدة في سوريا، مع الإقرار بالدور الكبير لتركيا في البلاد، وأشارت التصريحات إلى أن تركيا خرجت كالمُنتصر الوحيد في سوريا وتتمتع بجميع المزايا الاستراتيجية فيها.

    أربعة عناوين تلخص سياسة ترامب تجاه سوريا بعد انهيار نظام الأسد: فك الارتباط العسكري، والتحالف مع تركيا، واحتواء إيران، وخدمة المصالح الإسرائيلية

ومن منظور سوري، يُنظر إلى النفوذ التركي على أنه معقد؛ فبالرغم من معارضة كثير من السوريين لأي تدخل أجنبي، إلا أن الدور التركي يُعتبر في كثير من الأحيان أفضل من التدخل الإسرائيلي أو الأميركي، نظرًا للعلاقات التاريخية لأنقرة مع المنطقة ومعارضتها لنظام الأسد.

وتكمن المصلحة الأساسية لأنقرة في منع إقامة كيان كردي مستقل على حدودها، والذي تعتبره تهديدًا للأمن القومي. وإذا انسحبت القوات الأميركية، فمن المرجح أن تسعى تركيا إلى زيادة نفوذها في شمال سوريا، خاصةً في المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. وستكون مهمة ترامب هي تحقيق توازن بين هذا الطلب التركي والحفاظ على مصداقيته لدى القوات الكردية، التي كانت حليف الولايات المتحدة الرئيس في مكافحة داعش وتأمين حقول النفط والغاز. كما تتوقع إسرائيل من ترامب أن يضمن تحقيق تحول جيوسياسي أوسع يقوي موقعها الإقليمي على حساب تركيا، ما يثير قلق الأتراك والسوريين على حد سواء.

ويعتبر موقف تركيا من اتفاقيات أبراهام أمرًا حاسمًا معقدًا للأمور، إذ تجادل أنقرة بأن هذه الاتفاقيات تقوض القضية والحقوق الفلسطينية ولا تعالج سياسات الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة بأسرها، وترى أنها جزء من الاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية لتعزيز موقع إسرائيل الإقليمي مع تهميش اللاعبين الرئيسيين الآخرين، بما في ذلك تركيا نفسها.

احتواء إيران وسياسة العقوبات

ليست تركيا اللاعب الوحيد الذي تهتم به سياسة ترامب في سوريا. ففي الواقع، ترتبط استراتيجية ترامب في سوريا ارتباطًا وثيقًا بسياساته الأوسع في الشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلق بإيران. يُعد من أهداف ترامب الرئيسية الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، ولا سيما في سوريا والعراق واليمن.

وعلى عكس جو بايدن الذي انتهج نهجًا غير واضح تجاه إيران، من المتوقع أن يواصل ترامب سياسته المتشددة، وربما يكثف التدخلات الأميركية ضد طهران. ففي اليوم الذي تولى فيه ترامب منصبه، أعاد تصنيف المتمردين الحوثيين في اليمن، المتحالفين مع إيران، كمنظمة إرهابية أجنبية. وكان فريقه قد بدأ بالتعامل مع الملف العراقي حتى قبل توليه رسميًا سدة الرئاسة، حيث وجه عدة رسائل إلى الحكومة العراقية طالبًا دمج قوات الحشد الشعبي (PMF) في الجيش الوطني لكبح حرية تحرك إيران في العراق.

ومع ذلك، تُعتبر هذه الجهود الأميركية للحد من النفوذ الإيراني في سوريا كخدمة للمصالح الإسرائيلية بدلًا من أن تخدم استقرار سوريا.

العامل الإسرائيلي وإعادة الترتيبات الإقليمية

يمكن القول إن سياسة ترامب تجاه سوريا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بإعطاء الأولوية لأمن إسرائيل. ومن ثم، فإن أحد العناصر الرئيسية في سياسة ترامب هو تقاطعها مع المصالح الإسرائيلية. ففي إدارته السابقة، اتخذ ترامب إجراءات كانت في مصلحة إسرائيل وعلى حساب حقوق السوريين، مثل الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة. وفي ولايته الثانية، يُتوقع أن يحافظ على مسار مماثل من خلال ضمان ألا تتحول سوريا إلى منصة لنشاط عسكري معاد لإسرائيل.

ومن منظور وطني سوري، فإن أي سياسة تعزز موقع إسرائيل على حساب سيادة سوريا غير مقبولة. لا يزال السوريون متمسكين بمعارضتهم لاحتلال إسرائيل لهضبة الجولان، ويعتبرون السياسات الأميركية التي تضع أمن إسرائيل فوق استقرار سوريا وأمن شعبها بمثابة إجراء غير مقبول. وستلعب إعادة ترتيب التحالفات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، بما في ذلك الاتفاقيات المحتملة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، دورًا في تشكيل موقف ترامب تجاه سوريا.

التحديات والتوقعات المستقبلية

على الرغم من ميل ترامب إلى تقليل التدخل العسكري، فإن عدة عوامل قد تعقد استراتيجيته في سوريا، مثل احتمال عودة نشاط داعش، والتوترات بين تركيا والقوات الكردية، والمناورات الروسية. علاوة على ذلك، ورغم تفضيل ترامب لتقليل التدخل المباشر، فإن إدارته ستظل مضطرة للتعامل مع تعقيدات السياسة الإقليمية. وفيما يتعلق بتعامل إدارة ترامب مع الحكام الجدد في دمشق، فمن المحتمل أن تستجيب الإدارة للمبادرات الإقليمية التي تقودها تركيا وقطر والسعودية لاستقرار سوريا.

ومن منظور سوري، فإن السيناريو المثالي هو انسحاب أميركي لا يترك سوريا عرضة لمزيد من التدخلات الأجنبية. قد يكون أحد السيناريوهات المحتملة هو التحول نحو نوع من المشاركة غير المباشرة، حيث تعتمد الولايات المتحدة على شركاء إقليميين مثل تركيا وقطر بدلًا من التدخل المباشر. وهذا يتماشى مع نهج ترامب “أميركا أولًا” الذي يركز على الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية بدلًا من الالتزامات العسكرية المطولة.

——————————

وول ستريت جورنال: سياسة أمريكا من سوريا تتشدد وتطالب الشرع بنبذ الإرهاب وطرد الجماعات الفلسطينية

إبراهيم درويش

نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعده جاريد ماسلين ونانسي يوسف ومايكل غوردون، قالوا فيه إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شددت من المطالب على القيادة الإسلامية الجديدة في سوريا. وتريد واشنطن من دمشق قمع المتطرفين وطرد المنظمات الفلسطينية من البلاد، مقابل تخفيف محدود للعقوبات.

وأضافت الصحيفة أن إدارة ترامب هددت باتخاذ موقف متشدد من حكومة سوريا الجديدة إن لم تنفذ مطالب جديدة حتى ترفع بعض العقوبات. وبحسب مسؤولين أمريكيين مطلعين، فقد أصدر البيت الأبيض توجيهات سياسية في الأسابيع الأخيرة تدعو الحكومة السورية إلى اتخاذ خطوات تتضمن أيضا تأمين مخزون البلاد من الأسلحة الكيميائية. وأضافوا أن الولايات المتحدة ستنظر في المقابل في تجديد إعفاء ضيق من العقوبات أصدرته إدارة بايدن والذي كان يهدف إلى تسريع تدفق المساعدات إلى البلاد.

وتعلق الصحيفة أن هذه التوجيهات تعكس شكوكا بين مسؤولي الإدارة الأمريكية تجاه الحكومة السورية، التي يقودها قادة سابقون للمعارضة المسلحة والذين أطاحوا بالرئيس بشار الأسد من السلطة في كانون الأول/ ديسمبر، وهو ما أنهى حربا أهلية استمرت 13 عاما.

وتعلق الصحيفة أن اسم روسيا لم يذكر في توجهات السياسة الأمريكية الجديدة. وهو ما يكشف عن الطريقة التي تخفف فيها إدارة ترامب من الضغط الذي مارسته إدارة الرئيس السابق بايدن لحث دمشق على التخلص من القواعد العسكرية للكرملين في سوريا، على الأقل في الوقت الحالي، حيث يجري المسؤولون الأمريكيون مفاوضات مع موسكو لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

ونقلت الصحيفة عن متحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ردا على سؤال حول إشعار السياسة: “لا تعترف الولايات المتحدة حاليا بأي كيان كحكومة سورية”. وأضافت: “على السلطات السورية المؤقتة أن تنبذ الإرهاب تماما وأن تقمعه”. ولا تزال الحكومة الأمريكية تصنف أحمد الشرع، كإرهابي، وهو تصنيف عندما كان يقود مجموعة ربطتها أمريكا بتنظيم القاعدة قبل أن يفك علاقته بها.

ويبدو أن إدارة ترامب غير راغبة بالتحاور مع النظام الجديد، أسوة بما فعلته إدارة بايدن التي أرسلت مسؤولين كبارا للقاء الشرع في كانون الأول/ ديسمبر، ورفعت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار كان مكتب التحقيقات الفيدرالي قد وضعها سابقا للوصول على أحمد الشرع.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين دفاعيين هذا الأسبوع، أن البنتاغون يخطط لتخفيض عدد القوات الأمريكية في سوريا إلى النصف، حيث يرابط ما يقرب من 2,000 جندي هناك، ويعملون مع قوات سوريا الديمقراطية في شمال- شرق سوريا. وتخطط الإدارة الأمريكية لإجراء مراجعة لتحديد ما إذا كان ينبغي خفض المزيد من القوات هذا الصيف.

وكانت القوات الأمريكية قد كُلفت بمنع سوريا من أن تصبح موطئ قدم للجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية. وليس من الواضح بعد موقف ترامب بشأن العناصر الأخرى للسياسة الأمريكية تجاه سوريا.

وقال المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط وأوكرانيا، ستيف ويتكوف، الشهر الماضي إن الشرع “شخص مختلف عما كان عليه سابقا. والناس يتغيرون”.

ويشعر قادة الحزب الجمهوري الرئيسيون بالقلق من تراجع النفوذ الأمريكي في سوريا بطريقة قد تتيح فرصة لروسيا والصين. وفي اتجاه آخر، تعامل القادة العسكريون البارزون مع الوضع الجديد بنوع من البراغماتية، وساعدوا في التوسط في اتفاق في آذار/مارس لوضع قوة عسكرية قوية يسيطر عليها الأكراد مدعومة من الولايات المتحدة تحت قيادة الحكومة في دمشق. وقد رفضت الحكومة السورية التعليق على مطالب السياسة الأمريكية الجديدة التي تم إبلاغها بها.

وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد كشفت في وقت سابق قرار البنتاغون بسحب قوات من سوريا. وتشير الصحيفة إلى أن الشرع أمضى سنوات للعمل على تحسين صورته وتطهير صفوف جماعته من المتطرفين ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. ومنذ توليه السلطة، عمل الشرع وحكومته على كسب القبول الغربي والدولي، ووعدوا بحكم سوريا بشكل شامل وتعهدوا بتجنب الصراع مع إسرائيل. وفي آذار/مارس، عيّن الشرع حكومة جديدة احتفظ فيها الإسلاميون بالوزارات الرئيسية، لكنها ضمت أيضا أعضاء من الأقليات وقادة المجتمع المدني.

وأشارت الصحيفة إلى أن الرهانات عالية بالنسبة للشرع وحكومته، فالاقتصاد متعثر ومدن البلاد مدمرة بعد سنوات من الحرب التي دعمت فيها روسيا وإيران النظام السابق. وبدون رفع العقوبات التي فرضتها الدول الغربية وأمريكا على النظام السابق، فستكون إعادة إعمار سوريا صعبة.

وفي الوقت الذي خففت فيه دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بعض العقوبات، إلا أنه وبدون دعم أمريكي ومنافذ للنظام المالي العالمي، فستظل سوريا تكافح من أجل تأمين رواتب موظفيها وبدء عملية إعادة الإعمار بشكل يسمح للاجئين بالعودة إلى بلادهم، ويمنع عودة العنف المتجدد.

ونقلت الصحيفة عن ناتاشا هول، الزميلة البارزة في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن قولها: “هناك حاجة ماسة إلى الكثير من المساعدة لإنجاز أي من هذه الأمور وتأمين البلاد، علاوة على بدء أي نوع من التنمية” و”الوقت ينفد”.

وتتضمن التوجيهات السياسية الأخيرة للإدارة الأمريكية بعض الطلبات المشابهة لتلك التي قدمتها إدارة بايدن للشرع، بما في ذلك العمل مع المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية، وتأمين اليورانيوم عالي التخصيب، وتعيين ضابط اتصال للعمل على تحديد مكان 14 أمريكيا مفقودا في سوريا.

كما تطلب الإدارة الأمريكية من الحكومة الجديدة إصدار إعلان عام ضد الجماعات الجهادية. وفي طلب جديد، تريد الإدارة الأمريكية من سوريا حظر الجماعات الفلسطينية المسلحة من العمل في البلاد، بما في ذلك جمع الأموال وطرد أعضائها من سوريا. وتعمل الجماعات الفلسطينية منذ عقود في سوريا، التي تضم عددا كبيرا من اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948 وأي خطوة لطردهم قد تؤدي إلى مواجهة بين الحكومة وتلك المنظمات، كما تقول الصحيفة.

وفي مقابل تنفيذ هذه المطالب، ستدعم أمريكا وحدة الأراضي السورية وتفكر باستئناف العلاقات الدبلوماسية ورفع المسؤولين السوريين عن قائمة الإرهاب. وبموجب السياسة الجديدة، ستنظر الولايات المتحدة أيضا في تمديد الإعفاءات الحالية من العقوبات التي أصدرتها إدارة بايدن في كانون الثاني/ يناير، والتي تهدف إلى تسريع تسليم المساعدات الإنسانية إلى سوريا.

وقد منحت وزارة الخزانة الأمريكية في كانون الثاني/ يناير إعفاءات لمجموعات الإغاثة والشركات التي توفر الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء والنفط والغاز الطبيعي. ويظل العرض الأمريكي أدنى من رفع العقوبات الذي دعا إليه بعض المسؤولين الأوروبيين والقوى الإقليمية مثل تركيا ومحللي الأمن الذين يخشون أن تنزلق سوريا مرة أخرى إلى العنف أو تصبح مرة أخرى تحت تأثير روسيا وغيرها من المعارضين التقليديين للولايات المتحدة.

وقال بنيامين فيف، كبير محللي الأبحاث في شركة كرم شعار الاستشارية، وهي شركة استشارية تعمل على الاقتصاد السوري: “سيؤدي ذلك إلى تعقيد الوضع للغاية، وفي الواقع لن يؤدي إلا إلى دفع سوريا والسلطات الجديدة إلى أيدي الروس أو حتى الصينيين”.

والملاحظ أن السياسة الجديدة لإدارة ترامب لا تأتي على ذكر روسيا التي تدخلت عسكريا في سوريا عام 2015. وبعد انهيار الأسد، أرسلت شحنات من الأوراق النقدية السورية إلى البلاد في محاولة للحفاظ على نفوذها هناك.

وصرح مسؤولان سابقان في إدارة بايدن بأن أحد أهداف الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الإدارة مع دمشق هو إنهاء الوجود العسكري الروسي في سوريا، بما في ذلك قاعدتان بحريتان وجويتان قرب البحر الأبيض المتوسط، وهما أساسيتان لجهود الكرملين العالمية لتوسيع نفوذه.

——————————-

مطالب قبل رفع العقوبات: إدارة ترامب متمسكة بسياسة أمريكا حول سوريا الأسد ولا تريد الاعتراف بالشرع وحكومته

إبراهيم درويش

علقت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير أعدته أبيغيل هاوسلونر وكارين دي يونغ بالقول إن الولايات المتحدة تعمل على إبعاد نفسها عن سوريا، رغم الإشارات عن عودة إيران وروسيا إليها، مع أن تأثيرهما تبخر بعد انهيار نظام الأسد.

وفي الوقت الذي حاولت فيه إدارة الشرع التواصل مع الغرب والقوى الإقليمية، باستثناء إسرائيل، فيما نظر إليه كفرصة لأمريكا للاستفادة من الوضع إلا أن إدارة ترامب لا تزال على موقفها من سوريا كما في عهد الأسد.

 وقال مسؤول بارز في الإدارة “لا نزال نتعامل مع سوريا بحذر” حتى يثبت الشرع أنه طهر حكومته من المقاتلين الإسلاميين الأجانب. وقال المسؤول، وهو واحد من عدة مسؤولين أمريكيين وأجانب تحدثت إليهم الصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويتهم: “نحن لا نتطلع بالضرورة إلى إنقاذ سوريا من أجل الشعب السوري. نحن ننظر إلى عدم عودة إيران وعدم عودة [تنظيم الدولة الإسلامية] باعتبارهما المصلحة الحاسمة للشعب الأمريكي هناك”.

ويقول العديد من الحلفاء والخبراء الإقليميين والمشرعين الأمريكيين من كلا الحزبين إن تردد إدارة ترامب قد يضمن عودة نفس الأشياء التي تحاول منعها.

وبحسب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية أيداهو، جيمس إي. ريش في جلسة استماع في شباط/ فبراير: “إن المشاركة المفرطة في وقت مبكر جدا قد تخلق المزيد من المعضلات الأمنية” و”لكن عدم المشاركة أو قلة المشاركة سيعطي روسيا وإيران القدرة على ممارسة نفوذ كبير مرة أخرى”. وأضاف ريش: “الوقت هو الجوهر هنا” و”الباب لا يزال مواربا، لكنه سيغلق في وجوهنا إذا لم نستغل وضعنا الحالي”.

وبعد شهرين، لم تقرر الإدارة بعد ما إذا كانت ستدخل من الباب أم تغلقه. وقال دبلوماسي أوروبي حث واشنطن على المشاركة في إعادة تأهيل سوريا: “من الواضح لدينا أن الأمريكيين وللأسف ليست لديهم سياسة”.

وأضافت الصحيفة أن مسؤولا أمريكيا سلم وزير الخارجية السوري الجديد في اجتماع دولي عقد في مركز الاتحاد الأوروبي ببروكسل الشهر الماضي، قائمة بثماني خطوات “لبناء الثقة” يتعين على حكومته اتخاذها للنظر في رفع العقوبات جزئيا.

وتتضمن القائمة، التي اطلعت صحيفة “واشنطن بوست” على نسخة منها، السماح للحكومة الأمريكية بإجراء عمليات مكافحة الإرهاب على الأراضي السورية ضد أي شخص تعتبره واشنطن تهديدا للأمن القومي. كما تلزم القائمة الحكومة السورية “بإصدار إعلان رسمي عام يحظر جميع الميليشيات الفلسطينية والأنشطة السياسية” على الأراضي السورية، وترحيل أعضاء هذه الجماعات “لتهدئة المخاوف الإسرائيلية”.

وحتى مع بدء الإدارة في سحب جزء من القوات الأمريكية في سوريا، فإن قائمة المطالب تضمنت أيضا توجيهات لدمشق بإصدار إعلان رسمي لدعم عملية “العزم الصلب”، وهي مهمة ما يقرب من 2,000 جندي أمريكي متمركزين هناك ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

ومنذ توليه منصبه، لم يدل ترامب بأي تصريحات عن سوريا، وعندما سئل بعد توليه منصبه بفترة وجيزة عما إذا كان سيسحب القوات الأمريكية، وهو ما قيل إنه أمر به ثلاث مرات خلال ولايته الأولى قبل أن يقنع بالتراجع عنه، قال إنه “سيتخذ قرارا بشأن ذلك”. وأضاف أن سوريا “في فوضى عارمة. لديهم ما يكفي من الفوضى هناك. لا يريدون أن نتدخل في كل واحدة منها”.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي بشأن خفض القوات قوله: “من الخطأ اعتبار هذا انسحابا”، مضيفا أن “عملية إعادة نشر القوات والجنود ستمضي حسب ما هو مخطط لها” وأن “الولايات المتحدة ستظل مركزة على مهمة هزيمة تنظيم الدولة”.

 ومع أنه لا يتم الحديث حاليا عن سحب كامل للقوات الأمريكية من سوريا، إلا أن مسؤولا دفاعيا قال بأن الخطط تهدف إلى “تقليص” و”تعزيز” الوجود الأمريكي.

وأضاف المسؤول، في إشارة إلى المفاوضات بين طهران وواشنطن بشأن البرنامج النووي الإيراني التي بدأت الأسبوع الماضي: “الأمور تسير على ما يرام بالفعل، على الرغم من أنهم على الأرجح لن يعلنوا عن أي شيء قبل محادثات إيران”.

ومن المقرر عقد جولة ثانية من المحادثات في روما نهاية هذا الأسبوع. وقال مسؤول أمريكي يراقب المنطقة إن هناك توقعات بأن تخفض الإدارة عدد القوات “إلى الحد الأدنى، أعتقد أننا سنحصر وجودنا في منطقة صغيرة جدا في الشمال الشرقي”.

ولم يتضح بعد مدى تأثر خطط الانسحاب الأمريكي بالأحداث على الأرض، في وقت بدأ فيه تنظيم الدولة الإسلامية بتصعيد هجماته في شرق سوريا، سعيا منه للاستفادة من أي فراغ قد يخلفه تقليص الوجود الروسي واحتمال انسحاب الولايات المتحدة.

ومن بين الأهداف الأكثر أهمية له، معسكرات الاعتقال في شمال – شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتضم حوالي 9,000 مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية و40,000 من أفراد عائلاتهم. وتعمل قوات سوريا الديمقراطية تحت إشراف القوات الأمريكية هناك، وبمساعدة استخباراتية وتسليح منها.

وأشارت الصحيفة إلى شكوك الحلفاء وخبراء المنطقة من قدرة الشرع على إقامة دولة شاملة ومركزية، ولكن بدون رفع تدريجي للعقوبات على الأقل، “لن يتمكن الشرع من تلبية احتياجات شعبه”، كما قال مروان المعشر، نائب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ووزير خارجية الأردن الأسبق. وقال المعشر: “الكهرباء متوفرة لبضع ساعات فقط في اليوم والاقتصاد في حالة يرثى لها” و”بدون رفع العقوبات، لن يتمكن من إحراز تقدم وما لم يتمكن من إحراز تقدم، فهو في ورطة”.

على الرغم من أن إدارة بايدن ألغت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار على رأس الشرع في كانون الأول/ ديسمبر، إلا أن تصنيف الولايات المتحدة لسوريا كدولة داعمة للإرهاب لا يزال قائما. وأشار جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي السابق لسوريا إلى أن إيران ستجد طريقا للعودة إلى سوريا “إذا لم تحصل دمشق على دعم شركاء دوليين” وكذا روسيا التي سترسل شحنات النفط وضروريات أخرى.

وترى الصحيفة أن سبستيان غوركا، المدير الأول لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي، هو من يقود الحملة ضد أي تنازلات. وقال غوركا في مقابلة نشرتها “بريتبارت” الأسبوع الماضي: “لا أعتقد أن أحدا ذرف دمعة على سقوط نظام الأسد”. لكنه أضاف: “ما لديكم في دمشق الآن ليس ديمقراطيا جيفرسونيا”. وقال غوركا في المقابلة: “كل ما نعرفه هو أن ما يسمى بالرئيس المؤقت قد قال إن الشريعة الإسلامية ستكون قانون سوريا”،”لذا، لا يزال الجدل محتدما بشأن الجولاني وما يريد فعله في سوريا”.

وقال مسؤول آخر: “نحن ننظر إلى ما يفعلون لا ما يقولون”. ومع ذلك لا تزال واشنطن متشككة بشأن الحكومة السورية المعينة حديثا والتي تفتقر كما ترى إلى تمثيل جيد للأقليات، بينما تضم في مناصب بارزة مقاتلين أجانب متطرفين لعبوا أدوارا رئيسية في الإطاحة بالأسد.

وقال المسؤول إن الإعلان الدستوري للحكومة المؤقتة ليس أكثر من “شريعة إسلامية بغطاء أنيق”. ومع ذلك، أظهر كبير مفاوضي ترامب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، وجهة نظر أكثر تفاؤلا تجاه الحكومة الجديدة. وقال ويتكوف في مقابلة الشهر الماضي مع مذيع “فوكس نيوز” السابق، تاكر كارلسون: “تشير الدلائل إلى أن الجولاني أصبح شخصا مختلفا عما كان عليه في السابق”، مضيفا: “يمكن للناس أن يتغيروا”. وأشار إلى أن تطبيع العلاقات مع سوريا قد يكون جزءا من اتفاق سلام “ملحمي” في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

في غضون ذلك، اقترب حليفان إقليميان رئيسيان للولايات المتحدة في المنطقة: إسرائيل وتركيا من المواجهة المباشرة في ظل تنافسهما على دعم ترامب لأهدافهما المختلفة لمستقبل سوريا.

ولدى تركيا حوافز عديدة تدفعها إلى السعي لتحقيق الاستقرار في حكومة الشرع، بما في ذلك عودة ملايين اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاما. وكذا منع طموحات الأكراد السوريين بإقامة دولتهم الخاصة على الحدود التركية. إلى جانب لعب دور مهم في سوريا الجديدة وتحقيق مكانة أكثر هيمنة في المنطقة وفرص استثمارية لاقتصاد أنقرة المتعثر.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول تركي قوله: “على حد علمنا، تحاول الإدارة الأمريكية أن تقرر ما إذا كانت ستبقى في سوريا أم لا”.

وأضاف المسؤول أن وزير الخارجية التركي حقان فيدان أكد في محادثات مع مسؤولين أمريكيين أن دمشق، بدعم من تركيا، يمكنها إبقاء تنظيم الدولة الإسلامية تحت السيطرة مع القضاء على الحاجة إلى قوات كردية مسلحة تابعة لقوات سوريا الديمقراطية.

أما إسرائيل، التي تعتبر الشرع إسلاميا متطرفا في ثوب حمل، فتفضل سوريا ضعيفة لامركزية على حدودها. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي توترت علاقاته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ فترة طويلة، خلال اجتماع في المكتب البيضاوي مع ترامب الأسبوع الماضي: “لا نريد أن نرى سوريا تستخدم من قبل أي أحد، بما في ذلك تركيا، كقاعدة لمهاجمة إسرائيل”.

 وبعد أيام من الإطاحة بالأسد في كانون الأول/ ديسمبر، بدأت إسرائيل بقصف منشآت عسكرية هجرها جيش الأسد، وكان آخرها قاعدة جوية في تدمر، جنوب دمشق، كانت تركيا تتطلع لإدارتها. كما واحتلت القوات الإسرائيلية أراضي على بعد عدة أميال داخل جنوب غرب سوريا، وعرضت حوافز مالية على الدروز وغيرهم من الأقليات لمقاومة الحكومة الجديدة. وفي اجتماعه الأخير مع نتنياهو في المكتب البيضاوي، أخبره ترامب أنه يحب أردوغان “و[أردوغان] يحبني”. وقال إن أي مشكلة مع تركيا “أعتقد أنني أستطيع حلها. أعني، طالما كنت متعقلا”.

—————————-

===============================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى