التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 19 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

—————————–

خيارات سوريا في مواجهة العدوانية الإسرائيلية/ ماجد كيالي

آخر تحديث 18 أبريل 2025

تحاول إسرائيل في هذا الظرف- وبعد تقويضها قوة ومكانة حركة “حماس” و”حزب الله” وانهيار النظام السوري، وإنهاء أو تحجيم نفوذ إيران في بلدان المشرق العربي- فرض واقع استراتيجي جديد في تلك المنطقة، سياسيا وأمنيا، بل وحتى التدخل لفرض نوع من أنظمة هشّة فيها، مستغلة تداعيات ما بعد “طوفان الأقصى”، بما في ذلك الدعم الأميركي اللامحدود لها.

على الصعيد السياسي تتوخّى إسرائيل فرض ذاتها كدولة إقليمية أقوى، أو مهيمنة في الإقليم، ليس إزاء النظام العربي الضعيف والمفكّك فقط، وإنما إزاء الدولتين الإقليميتين الأخريين، أي تركيا وإيران، أيضا. وإذا كانت مشكلة إسرائيل مع تركيا تتعلق بتقليص الثقل السياسي والاقتصادي والعسكري لتركيا في سوريا الجديدة، فإن مشكلتها مع إيران تنبثق من إصرارها على تقويض برنامجها النووي والصاروخي، وتحجيمها خلف حدودها. أما في ما يتعلق بالفلسطينيين فإن إسرائيل تحاول شطبهم من المعادلات السياسية، وإجهاض أي كيانية فلسطينية مستقلة، وتعزيز الهيمنة عليهم من النهر إلى البحر.

ومن الناحية الأمنية، تسعى إسرائيل ليس، فقط، إلى إعادة الاعتبار لجيشها، أو شن حرب استباقية للحؤول دون تبلور أي قوة عسكرية في محيطها، ولكنها تحاول، أيضا، خلق مجال حيوي لها في سوريا لبنان، بعمق 60 كيلومترا، بما يشمل محافظات درعا والقنيطرة والسويداء في سوريا، وإلى حدود نهر الأولي، شمالي نهر الليطاني، في لبنان، مع إيجاد مناطق عازلة في غزة والضفة أيضا. وهذا ما يفسر الضربات العسكرية التي تشنها بين فترة وأخرى في البلدين المذكورين، كأنها في ذلك تؤسس لانتهاء الخيار العسكري في الصراع معها، على الصعيدين الدولتي والميليشياوي.

لكن إسرائيل على ما يظهر من إصرار حكومتها المتطرفة على استمرار الحرب، وطلبها نزع أو خفض التسلح في سوريا ولبنان وفي غزة والضفة، تتوخى أيضا استغلال الظرف الراهن، عربيا وإقليميا ودوليا، لإحداث تغييرات في مبنى الأنظمة المجاورة، بالاستثمار في التصدعات الطائفية في سوريا ولبنان، عبر تعميم خاصيتها، كدولة طائفية/يهودية، بحيث تغدو بلدان المشرق العربي على شاكلتها، الأمر الذي ينهي استثنائيتها كدولة يهودية في منطقة عربية، ولعل هذا هو المغزى من تبجّحها بـ”حماية الأقليات”.

ومعلوم أن وجهة النظر هذه كانت دائما ضمن الترسانة الأيديولوجية لليمين القومي والديني المتطرف في إسرائيل، التي تفضي إلى تقسيم سوريا، ليس على الصعيد الجغرافي، فحسب، كما يعتقد البعض، وإنما على الصعيد الاجتماعي، أيضا، وهذا هو الأهم.

من الواضح أن إسرائيل تركز على سوريا أكثر من غيرها، في هذه المرحلة، بالنظر لأهميتها الجيوسياسية على مر التاريخ، ولأنها تمر بمرحلة انتقالية صعبة، وترزح تحت التركة الثقيلة التي تركها نظام الأسد، على كل الأصعدة والمستويات. بمعنى أن تلك الفترة هي أنسب ظرف لإسرائيل لإضعاف سوريا، كدولة وكشعب، والحد من قدرتها على اكتساب عوامل القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية مستقبلا.

لنلاحظ أن إسرائيل تغطي تدخلاتها واعتداءاتها في سوريا، أولا، بالتخوف من صعود نفوذ الإرهاب والجهاديين. وثانيا، الحؤول دون صعود نفوذ تركيا، باعتبارها تضمر العداء لإسرائيل، كأنها تتحسّب لإمكان أن تحل محل إيران في ذلك. وثالثا، أن النظام السوري الجديد لا يظهر ما يفيد بالقطع مع العداء لإسرائيل، إلى الدرجة المطمئنة لها. ورابعا، استدراج سوريا إلى موجة التطبيع مع إسرائيل، وفقا للمعادلات والتطورات الجديدة في المنطقة.

مشكلة سوريا إزاء تلك التربّصات والتدخلات الإسرائيلية أنها منهكة وضعيفة، وثمة عوامل تفكّك فيها، وأن القوى الإقليمية التي كانت تنازع إسرائيل على الهيمنة غابت أو ضعفت، إذ إن إيران باتت معنية بالنجاة بنفسها، بعد كل ما حصل لكل أذرعها الميليشياوية، وهي تتعرض لضغط سياسي واقتصادي، كما لتهديد واضح بإمكان توجيه ضربة لها، تقصم ظهر برنامجها النووي والصاروخي.

أما تركيا، فرغم احتضانها أو دعمها القيادة السورية، فإنها لا يمكن أن تذهب بعيدا في تحدي السياسة الإسرائيلية، المدعومة أميركياً، فهي عضو رئيس في حلف “الناتو”، ثم إن اهتمامها بسوريا ينحصر، على الأغلب، في عدم السماح بتبلور كيان كردي مستقل إلى جوارها، وبحصر دورها في سوريا بالقوة الناعمة، وبالوسائل الاقتصادية، والبني التحتية، وحتى تدريب أجهزة الأمن وليس أكثر، بغض النظر عن الخطابات.

إزاء هذا الوضع تبدو الخيارات السورية محدودة، ومقيدة، إذ من التهور طرح الخيار العسكري، في واقع سوريا المتعبة والمنهكة والممزقة، والتي هي أحوج لاستعادة عافيتها، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فضلا عن عدم توفر إمكانياته بعد تدمير مقدرات الجيش السوري وبناه التحتية، وبعد انكشاف كل الشرق الأوسط، وصولا إلى إيران، إزاء يد إسرائيل الطويلة.

على ذلك فإن الخيار الممكن والأسلم بالنسبة لسوريا، إنما يكمن في تحصينها من جهتين، أولا، بناء الدولة، كدولة مؤسسات وقانون، وبناء المجتمع، على أساس المواطنة، بحيث يغدو السوريون شعبا بكل معنى الكلمة. والقصد هنا أنه لا يمكن، أو لا يكفي، الحديث عن رفض التقسيم الجغرافي في سوريا، والاتجاه نحو دولة مركزية، لأن هكذا دولة ليست دلالة قوة، ولا دلالة على الوحدة، بمعنى أن المهم هو توحيد الشعب، وهذا لا يمكن أن يأتي إلا بتكريس دولة المواطنين الأحرار والمتساوين، بمعزل عن أي تقسيمات إثنية أو طائفية أو سياسية، وهو السلاح الأمضى في مواجهة إسرائيل، الذي جرى تغييبه، أو وأده، منذ إقامة تلك الدولة.

الجهة الثانية، تتطلب تعزيز علاقات سوريا، دوليا وإقليميا وعربيا، بما في ذلك الاستجابة للتكيف مع العالم والواقع، لأن مثل هذا التكيف هو الذي ينزع من إسرائيل الحجج التي تتزرع بها.

القصد أن سوريا اليوم في مرحلة انتقالية، وبناء على عبور تلك المرحلة، على أسس صحيحة وسليمة، سيتحدد مستقبل سوريا وشعبها.

المجلة

————————-

تداعيات الانسحاب الأميركي من سوريا: نفوذ تركي وقلق إسرائيلي ومحاولة إيرانية!/ جاد ح. فياض

سؤال يطرح حول احتمال تسلّل إيران من نافذة الانسحاب الأميركي للعودة إلى سوريا، كون مشروع التوسّع لم يغب عن سلطة المرشد رغم التغيّرات الاستراتيجية التي استجدت.

حالة من الاستنفار سادت داخل أروقة تركيا وإسرائيل، مع تسريب معلومات عن انسحاب أميركي محتمل من سوريا، وهو مستجد من شأنه تغيير الخرائط وتبديل المعادلات، كونه سيترك فراغاً سيدفع الأطراف الإقليمية الفاعلة لملئه، وقد يفتح الباب على توسيع النفوذ التركي أكثر، وتهديد أمن إسرائيل، وسيعزّز من حالة التشرذم والفوضى التي تختبرها المنطقة.

وأبدى مسؤولون إسرائيليون قلقاً من الخطوة الأميركية، وحاولوا الضغط على الولايات المتحدة للعدول عن رأيها دون نجاح، وفق ما نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، التي أشارت إلى أن المخاوف الإسرائيلية تنطلق من احتمال تشجيع الانسحاب الأميركي تركيا على توسيع نفوذها والتموضع في مواقع عسكرية استراتيجية في سوريا.

ويسعى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى استغلال الديناميكيات الإقليمية المتغيّرة وتوظيفها في سياق مصالح أنقرة الداخلية والخارجية، وقد تكثّفت هذه المساعي بعد سقوط نظام بشار الأسد وتسلّم أحمد الشرع المقرّب من تركيا قيادة سوريا، ويندرج التوسّع التركي المحتمل بعد الانسحاب الأميركي في سياق عملية ترسيخ تركيا كقوّة إقليمية وازنة ترث التركة الإيرانية والفراغ الأميركي.

وفق وجهة نظر عبرية، فإن التوسّع التركي في سوريا وما قد ينتج عنه من جنوح السلطة نحو اتجاهات أكثر إسلامية يثير المخاوف الإسرائيلية، ووجود مواقع عسكرية تركية في سوريا “قد يحد من حرية إسرائيل العملياتية”، وخصوصاً أنها عضو في تحالف شمال الأطلسي “الناتو”، ما من شأنه أن يخلق واقعاً جديداً في سوريا خارجاً عن الأطر الإسرائيلية المرغوبة.

الكاتب والإعلامي السوري إبراهيم الجبين يكشف لـ”النهار” معلومات عن بدء عملية تغيير التشكيلات العسكرية الأميركية في سوريا، وإذ يرى أن تركيا “ستسعى لملء الفراغ الأميركي ومعها الدول الخليجية”، لكنه وبعكس الرواية الإسرائيلية، لا يرى “صداماً” بين تل أبيب وأنقرة، لأن “علاقة تحالف” تحكم الطرفين في الكثير من الساحات على الكثير من المستويات، رغم الصدى الصدامي في سوريا.

ويتفق الخبراء على أن الانسحاب الأميركي من سوريا في حال تم بشكل كامل وملء تركيا الفراغ سيخلف انعكاسات كبيرة على المنطقة، وهذا ما يشير إليه الجبين، الذي يذكّر بأن تركيا عضو فاعل في “الناتو”، ما يعني أن شمال الأطلسي بات في “عمق الشرق الأوسط”، ما من شأنه أن يبدّل معادلات، منها “فقدان إسرائيل لجزء من دورها كحليف وطيد” للغرب في المنطقة.

إلى ذلك، فإن سؤالاً يطرح بشأن احتمال تسلّل إيران من نافذة الانسحاب الأميركي للعودة إلى سوريا، كون مشروع التوسّع لم يغب عن سلطة المرشد الأعلى علي خامنئي رغم التغيّرات الاستراتيجية التي استجدت، وهي قضية تثير قلق إسرائيل، لكن سوء العلاقة بين تركيا والإدارة السورية الجديدة من جهة، وإيران من جهة أخرى، سيكون حاجزاً مانعاً ومعرقلاً لعودة الإيرانيين.

في المحصلة، فإن الانسحاب الأميركي من سوريا سيترك فراغاً تتسابق عليه القوى الإقليمية لملئه، وقد تكون تركيا الأوفر حظاً في ظل علاقتها الإيجابية والمتقدمة مع السلطات السورية الجديدة، لكن الأنظار ستتجه إلى إسرائيل وكيفية تعاطيها مع هذا التحدي السياسي والأمني الجيواستراتيجي، بالإضافة إلى المحاولات الإيرانية المحتملة لتعويض جزء من هذا الفراغ.

——————————

حسابات الشرع بين حقل ترامب وبيدر أردوغان/ رغيد عقلة

18 ابريل 2025

نشرت الروائية الأيرلندية، ماري هنغرفورد، روايتها “ماري بون” عام 1878، من دون أن يدور بخلدها أن مقولتها فيها “الجمال بعين ناظره” ستغدو مثلاً سائراً تتناقله الشعوب، على أنه لو قُيّض لها أن تعيش الحدث السوري لأضافتِ الفهم إلى الجمال، ففهم غالب السوريين اليوم لتصريحات إدارة الرئيس دونالد ترامب عن سورية هو غالباً تبعاً لرغباتهم، في مجافاةٍ مقصودة لقاعدة “لا اجتهاد مع النصّ”، خصوصاً عندما يكون بلغة إنكليزية واضحة وصريحة لا تحتمل كثيراً من تنميقات المعاني والبيان والبديع، التي تُميّز لسان الضاد، فالأميركيون غالباً يقولون ما يعنون، ويعنون ما يقولون، إلا أن هذا لا يمنع أن تحمل التصريحات والقرارات الواضحة الصادرة من واشنطن رسائلَ سياسيةً تحتمل في تفسيرها بعض الاجتهاد، وهنا يمكن القياس بمقولة هنغرفورد، فكما “الجمال بعين ناظره”، يكون غالباً فهم أغلب السوريين تصريحات واشنطن برغباتهم، وربّما بأمنياتهم، وأحياناً كثيرةً بمخيّلاتهم.

لا يدّعي كاتب هذه السطور مقدرةً فذّةً على قراءة الرئيس ترامب، أو توقّع ما يدور في ذهنه، فتلك مهمّة مستحيلة، حتى لأغلب من عملوا معه من قرب، ولعلّ الوصف الأكثر دقّةً له بإجماعهم أنه عصيٌّ على القراءة (very unpredictable)، وهو إن كان قد حافظ في سلوكه العام على بعض الخطوط الثابتة، التي طبعت سيرته رجلَ أعمال جريئاً ومقاولاً عنيداً لا يقبل كلمة “لا” جواباً، فإنّ هذا سيظهر في سلوكه رئيساً، سواء مع سياسيّي بلاده أو زعماء العالم، لا يُستثنى منهم الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، ولا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ورغم الانطباعات المتضاربة التي خلَّفها وصفه الإيجابي والدافئ لعلاقته بأردوغان في حضرة نتنياهو، عقب لقائه معه في البيت الأبيض قبل أكثر من أسبوع، يعلم من يعرف واشنطن جيّداً أن لا عشاءَ مجّانياً فيها، وإن وُجد، فقطعاً ليس عند الرئيس ترامب، فإطراءات الرجل (على ندرتها) لم تكن يوماً بلا مقابل، وتستدعي تساؤلاً مستحقّاً عمّا وراءها، وإذا كانت قد أتت في معرض الإشادة بإنجاز الرئيس أردوغان بسورية (بحسب كلام ترامب) فسيكون منطقياً جدّاً النظر فيها تحديداً لمحاولة استنباط ما قد يريده ترامب هناك، ويعوّل على علاقته القوية بأردوغان لتحقيقه، أمّا أن يكون هذا الاستعراض الحميمي لعلاقة الرجلَين بوجود نتنياهو خصوصاً، فإن ذلك سيحصر مهمّة التخمين ليكون ضمن القضايا التي تهم الأطراف الثلاثة معاً في سورية، التي قد يكون في مقدّمتها نيّات تركيا المُعلَنة في إنشاء قواعدَ عسكريةٍ لها في سورية، والموقف الإسرائيلي المُعلَن أيضاً، والرافض للأمر طبعاً، وكما العادة بحجّة “تعريض أمن إسرائيل للخطر”، ما يُحتّم أن آخر ما يتمنّى نتنياهو سماعه وصف ترامب الجالس على بعد خطوتَين منه في المكتب البيضاوي، وأمام الصحافيين لإنجاز أردوغان في سورية: “عليك التسليم بانتصاره، إذا كان لدى إسرائيل مشكلة مع تركيا فأنا قادر على حلّها”.

التفسير المبدئي لكلام ترامب قد يوحي بانحياز واضح إلى موقف الرئيس أردوغان، وما ينوي فعله في سورية التي أقرَّ الأوّل للثاني بانتصاره فيها، على حساب علاقته بنتنياهو الرافض للأمر شكلاً ومضموناً، ولا يخفى ذلك، ولكنّ قراءةً أكثر عمقاً للأمر تأخذ في حسابها طبيعة العلاقة بين واشنطن وتلّ أبيب، من جهة، وواشنطن وأنقرة من الجهة الأخرى، قد ترى أن انحياز ترامب الظاهري إلى موقف أردوغان في سورية هو “… بابٌ باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبَلِه العذابُ” (سورة الحديد: 13)، وأنه ربّما يحمل في طيَّاته مشروعاً في سورية يؤلم أردوغان ويُرضي نتنياهو لأبعد الحدود، وهل من أمر يهمّ نتنياهو أكثر من إخراجه من ورطته في غزّة التي لم يستطع انتصاره العسكري الماحق فيها تحقيق أيّ هدف سياسي حتى الآن، لا بل إغلاق ملفّها مرةً وإلى الأبد بتهجير أهلها منها؟ الأمر الذي تقوم عليه مخطّطات الرئيس ترامب، التي لا يخفيها لإعادة رسم المنطقة. ولكن، إلى أين، وقد أبدت كلٌّ من مصر والأردن تحفّظاتها الشديدة على الأمر؟ وهل يغامر الرئيس ترامب باستقرار بلدَين حليفَين وبمنتهى الأهمية له ولنتنياهو؟ أم أن هناك بلداً آخر رُشّح لهذا الترانسفير المخيف؟ وهل يكون سورية؟ وهل يكون تشديد الحصار الاقتصادي عليها، رغم سقوط أسبابه بسقوط نظام بشّار الأسد، هو جزء من مخطّط تهجير ما أمكن من فلسطينيّي غزّة إليها؟ وأن قبول سلطة الأمر الواقع فيها دولياً وأممياً ودعمها اقتصادياً سيكون من أثمان هذا القبول؟

قد يبدو الأمر جذّاباً ومفيداً لرئيس الفترة الانتقالية، أحمد الشرع، خصوصاً بعدما صارت الإشارة إليه تكتفي بوصفه بـ”الرئيس السوري” في تجاهل متعمّد (شعبي ورسمي) لكلّ ما يمتّ إلى الفترة الانتقالية بصلة، وفي الوقت الذي قد يرى فيه الفلسطينيون فيما خطّطه ترامب لمستقبلهم “قسمةً ضيزى”. إلا أن الشرع ومن حوله قد يرون أن الأمر لايخرج عن “الضوابط الشرعية”، فالرسول العربي وأتباعه هُجّروا من مكّة إلى المدينة، وكانت هذه الهجرة فاتحةَ خير لهم وللدولة التي أرسوها فيما بعد، وإذا كانت سورية عانت منذ 2011 نزيفاً مريعاً بتهجير طاول المكوّن السُّني فيها تحديداً، فإن تعويضه بمهجّري غزّة السُنَّه لن يكون أمراً سيئاً بالضرورة، ومن هنا فهل كانت زيارة الشرع للإمارات تصبّ في هذا الاتجاه، على حساب علاقته بأنقرة والدوحة اللتين قد يكون لهما موقف مختلف تماماً من الموضوع برمَّته؟

كما فعلت هنغرفورد تفعل درعا المستعصية على الدخول في بيت طاعة الشرع، وتذكّرنا بمثل حوراني يصف الحال بين حسابات السرايا وحسابات القرايا، وما يسري على أبناء حوران يسري على أبناء الجولان (والشرع منهم)، وقد يجد نفسه في موقف يحتاج فيه إلى موازنةٍ دقيقةٍ بين التماهي مع ما تحمله رؤية الرئيس ترامب إلى المنطقة وما يعتقد أنه سيجنيه منها، وموقف “صديق ترامب”، الرئيس أردوغان، من هذه الرؤية، بل فرص نجاحها بالأصل في ظلّ موقف شعبي فلسطيني متمسّك بأرضه بمنتهى العناد.

العربي الجديد

——————————–

الانسحاب الأميركي وسوريا الموحدة.. هل فشل المشروع الإسرائيلي؟/ سامر القطريب

2025.04.18

بدأت الولايات المتحدة في سحب مئات الجنود من شمال شرقي سوريا، في خطوة تعكس تغيّر البيئة الأمنية بعد سقوط بشار الأسد، وتعيد طرح الأسئلة حول مستقبل النفوذ الأميركي والمشروع الإسرائيلي في سوريا. حيث تزامن هذا الانسحاب مع دعوات إسرائيلية صريحة لفدرلة سوريا متذرعة بحماية الأقليات الطائفية والإثنية جنوبي وشمال شرقي سوريا، وتصريحات تركية حاسمة ضد أي مشاريع تقسيم أو كيانات مسلحة موازية، ما يعكس تصاعد التباين الإقليمي والدولي حول شكل سوريا الجديدة.

توازيا مع ذلك، قدمت واشنطن بطلباتها إلى دمشق، والتي تشمل سلسلة من الخطوات الأمنية والسياسية الصارمة، كشرط أساسي قبل النظر في تخفيف محدود للعقوبات أو إعادة العلاقات الدبلوماسية، بما في ذلك “إجراءات صارمة ضد المتطرفين، وطرد المسلحين الفلسطينيين”.

مشروع فدرلة سوريا في الخطاب الإسرائيلي

في 25 شباط الماضي، طالب وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، جدعون ساعر، بتحويل سوريا إلى “دولة فيدرالية تضم مناطق حكم ذاتي”، وذلك خلال اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في بروكسل. وزعم ساعر أن الفدرلة تضمن الاستقرار وتحمي “طرق الحياة المختلفة”، معتبراً أن سوريا الموحدة لم تعد ممكنة إلا بصيغة اتحادية.

قبل ذلك، عبّر بنيامين نتنياهو عن خيبة أمل بلاده من الإطاحة ببشار الأسد في 8 كانون الأول، واعتبر أن التغيير في دمشق لا يصب في مصلحة إسرائيل. وطالب بإخلاء الجنوب السوري من القوات العسكرية التابعة للحكومة الجديدة، مشيراً إلى التزام إسرائيل بحماية الدروز جنوبي البلاد، ومنع تقدم الجيش السوري نحو جنوبي دمشق.

بين التهدئة الكردية والموقف التركي

في مواجهة هذه الرؤية، أكدت تركيا عبر رئيسها رجب طيب أردوغان ووزير خارجيتها هاكان فيدان، رفضها لأي شكل من أشكال الفدرالية أو الكيانات المسلحة خارج الجيش الوطني السوري. وشدد فيدان على ضرورة نزع سلاح “قوات سوريا الديمقراطية” ودمج عناصرها في المؤسسات الرسمية.

وصرّح أردوغان بأن بلاده دخلت مرحلة جديدة في مكافحة “الإرهاب”، بالتنسيق مع حليفها القومي دولت بهتشلي، مشيراً إلى أن السلام في سوريا لن يتحقق إلا بإنهاء المشاريع الانفصالية.

سبقت هذه التطورات تصريحات لافتة من زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، الذي دعا إلى حل الحزب ونزع السلاح، معتبرًا أن الحزب استكمل دوره التاريخي. وقال أوجلان إن التطورات الإقليمية والداخلية تُحتم حلولاً جديدة بعيداً عن العنف.

من جهته، قال جميل بايك، أحد أبرز قيادات الحزب، إن القيادة مستعدة للعودة إلى تركيا في حال رفع العزلة عن أوجلان والسماح له بالعمل بحرية. واعتبر بايك أن دعوة أوجلان “ليست مجرد رسالة، بل بداية مسار جديد”، في وقت أبدت فيه أنقرة استعدادًا للتعامل مع هذا المسار ضمن شروطها.

ورغم أن إلهام أحمد أشارت أمس إلى أن أن رفض اللامركزية سيؤدي إلى صراعات جديدة، إلا أنها نفت في الوقت نفسه الاتهامات الموجهة لـ “الإدارة الذاتية” بالسعي إلى الانفصال.

وعن الاتفاقيات بين الحكومة السورية في دمشق و”الإدارة الذاتية”، قالت إلهام إن الإدارة الذاتية تسعى إلى “اتفاقيات أعمق” فيما يتعلق بالعملية الدستورية والسياسية وإعادة إعمار سوريا، مؤكدة على أهمية الاتفاق بين القائد العام لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، والرئيس السوري، أحمد الشرع، لمختلف مكونات سوريا.

وفي السياق كشف مصدر مطّلع لموقع تلفزيون سوريا، الخميس، عن تأجيل المجلس الوطني الكردي (ENKS) وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الإعلان رسمياً عن “الرؤية السياسة الكردية المشتركة” التي كان من المقرر إعلانها اليوم الجمعة بمدينة القامشلي بعد بروز خلافات بين الطرفين “بسبب تدخلات حزب العمال الكردستاني – PKK”.

وكان مصدر مطلع على سير المفاوضات الكردية في شهر آذار الفائت كشف لموقع “تلفزيون سوريا” عن اتفاق الطرفين على المطالبة بإقامة نظام لا مركزي فدرالي في سوريا. تزامنا مع تنفيذ الاتفاق بين دمشق وقسد ويأتي الانسحاب الأميركي لصالح تعزيز الحوار والتفاهم بين الطرفين وهو أيضا من نتائج لقاء ترمب ـ نتنياهو الأخير.

وكان من المزمع عقد كونفراس خاص بالإعلان وتصديق “الرؤية السياسية الكردية” يوم 18 نيسان الجاري بحضور أكثر من 300 شخص، من بينهم أحزاب كردية سورية وشخصيات سياسية واجتماعية وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، والنقابات والمنظمات النسائية.

وأشار المصدر إلى أن “قرار التأجيل جاء بعد بروز خلافات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي حول آلية عقد الكونفراس والإعلام والصور التي سترفع فيه”.

لقاء ترمب ونتنياهو.. الخيوط بيد أنقرة؟

في تطور سابق، دعا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى “التفاهم مع تركيا” بشأن سوريا، وهو ما فُسّر إسرائيليًا على أنه محاولة لتقليص دور تل أبيب في شمال شرقي سوريا. وقال ترمب لنتنياهو: “أي مشكلة لديك مع تركيا، أعتقد أنني أستطيع حلها… طالما أنك معقول”.

وكانت تل أبيب قد أعلنت رفضها لوجود قواعد عسكرية تركية في سوريا، وهو ما عبرت عنه من خلال شن غارات على قاعدتي تدمر و”تي 4″.

هذا الطرح يشير إلى إدراك أميركي مبكر بأن مفاتيح التوازن في سوريا لا تكمن فقط في تل أبيب أو واشنطن، بل في أنقرة التي أثبتت قدرتها على التأثير في المسار العسكري والسياسي، وباتت تملك نفوذاً في الملف السوري لا يمكن تجاوزه.

يتراجع النفوذ الأميركي في شمال شرقي سوريا، في حين تتقدم خطوات توحيد البلاد تدريجياً على وقع الانفتاح التركي والحوار الكردي، وتلاشي مشاريع الفدرلة والتقسيم التي روّجت لها تل أبيب. ومع تصاعد الرفض الإقليمي والانفتاح العربي، وتثبيت الحكومة السورية الجديدة أركانها في الجنوب والشمال الشرقي، يبدو أن المشروع الإسرائيلي الرامي إلى تفتيت سوريا يفقد زخمه، ما يفتح الباب أمام مشهد جديد قد يعيد تشكيل الخريطة السورية بالكامل.

الجنوب السوري بين التصعيد والمبادرات المحلية

في الجنوب، أثارت مؤخرا تصريحات الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز، جدلاً واسعاً بعد تأكيده في مقابلة مع إذاعة NPR الأميركية، أن القوى المحلية في السويداء لا تنسق مع دمشق. لكن مصادر محلية أشارت إلى أن التصريحات تعود لشهر آذار، ولا تعكس بالضرورة الموقف الحالي.

في المقابل، أكد محافظ السويداء مصطفى البكور وجود تفاهم وتنسيق دائمين مع الهجري، مشيراً إلى أنه يؤيد أن يكون الأمن في المحافظة بيد أبنائها. كما زار البكور دارة الشيخ الهجري في عيد الفطر، في محاولة لإظهار وحدة الصف المحلي.

وسبق ذلك، رسالة وقعها مشايخ الطائفة إلى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، طالبوا فيها بتعديلات على الإعلان الدستوري وتفعيل مؤسسات الدولة والضابطة العدلية، وشمل ذلك مقترحات لتشكيل لجان اقتصادية وتعليمية تمثل مختلف شرائح المجتمع.

مايجري شمال شرقي سوريا من انسحاب وتفاهمات ينعكس تدريجيا على الجنوب وتحديدا السويداء، فبعد حل الفيلق الخامس وإخراج أحمد العودة من المشهد يبدو أن الشيخ حكمت الهجري أصبح وحيدا وعليه فتح باب حوار جاد مع الإدارة السورية الجديدة.

من الجنوب إلى الشمال الشرقي.. ملامح توحيد سوريا تتشكل

حل “الفيلق الخامس” في درعا شكّل خطوة رمزية ضمن مسار إعادة هيكلة وزارة الدفاع، التي تواجه تحديات كبيرة في ضم التشكيلات العسكرية المحلية ضمن منظومة وطنية موحدة. ويُنظر إلى هذا التوجه كجزء من محاولات توحيد البلاد تدريجياً، من الجنوب إلى الشمال الشرقي.

وفي هذا السياق، تلعب تركيا دوراً مباشراً في فرض واقع ميداني جديد يقطع الطريق على مشروع الفدرلة، مستفيدة من تقاطع مصالحها مع واشنطن، التي بدأت بالانسحاب، وتباينها مع تل أبيب، التي ما زالت تراهن على إبقاء مناطق النفوذ الحالية كأمر واقع دائم.

تلفزيون سوريا

———————————

80 منظمة دولية تطالب إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية داخل سوريا وحماية المدنيين

2025.04.18

أصدرت 80 منظمة إنسانية دولية بياناً طالبت فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي بوقف عملياتها العسكرية داخل سوريا، ودعت المجتمع الدولي إلى حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية.

وفي بيانها، قالت المنظمات إن تصعيد الهجمات الإسرائيلية ضد سوريا “يلحق الضرر بالمدنيين، ويفاقم المعاناة، ويعيق جهود التعافي”، مضيفة أن توغل إسرائيل البري في الأراضي السوري “خرق واضح لاتفاقية فض الاشتباك، وانتهاك للمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة”.

وأوضح البيان أن الضربات الإسرائيلية “رغم أنها وقعت بشكل متقطع لأكثر من عقد من الزمان، فإن وتيرة الضربات ونطاقها ازدادا بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك من خلال استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان”.

وأشارت إلى أن هجمات إسرائيل على المناطق المكتظة بالسكان في سوريا أدت إلى مقتل وإصابة مدنيين، معتبرة أنها “قد ترقى إلى انتهاكات للقانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان”.

تزعزع استقرار سوريا والمنطقة

وأكدت المنظمات الدولية أن “أفعال إسرائيل في سوريا تُقوّض بشكل مباشر الأنشطة الإنسانية وجهود التعافي وإعادة الإعمار والاستقرار في مرحلة حرجة يمرّ بها السوريون”.

وقالت المنظمات إن سوريا “واجهت سنوات من الصراع والنزوح الجماعي والدمار الاقتصادي والمعاناة الإنسانية الهائلة، ولا يزال شعبها يتحمل العبء الأكبر”، مضيفة أن “هذه الموجة من الهجمات تُشكل جزءاً من نمط أوسع من التوغل والاحتلال الذي لا يزال يُزعزع استقرار سوريا والمنطقة ككل”.

ودعت المنظمات جميع الأطراف على “الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك مبادئ التمييز والتناسب والضرورة”، مؤكدة على أهمية حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية في جميع الأوقات.

وطالبت المنظمات الإنسانية الدولية المجتمع الدولي بـ “اتخاذ إجراءات فورية ومنسقة لمنع المزيد من التصعيد، وضمان المساءلة عن الانتهاكات، وضمان وقف دائم للعنف”، مشددة على أن “أي مسار نحو السلام يجب أن يرتكز على القانون الدولي، وأن يحركه الالتزام بحماية المدنيين”.

—————————

====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى