أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

يا للهول الجميع صار يريد الديمقراطية للسوريين!/ د. فيصل القاسم

تحديث 19 نيسان 2025

في البداية وكي لا يظن أحد أننا نسخر من الدعوات لتطبيق الديمقراطية في سوريا، أو لا نريد سماعها، لا بد من التذكير أنني أمضيت عشرات السنين من حياتي وأنا أصرخ بأعلى صوتي مطالباً بنشر الديمقراطية في كل أنحاء العالم العربي، وليس في سوريا فقط، وقد قدمت مئات الحلقات من البرامج في مقارعة الطغيان والديكتاتوريات والطغاة والجنرالات والطواغيت، وبالتالي أرجو ألا يصطاد أحد في الماء العكر ليتهمني بأنني لا أريد الديمقراطية في سوريا. لا أبداً، بل نريدها البارحة قبل اليوم في عموم الدول العربية، لكن أكثر ما يجعلني أقلب على ظهري من الضحك هذه الأيام أنه لم يبق أحد إلا وطالب بتطبيق الديمقراطية بسوريا في أقرب وقت، ناهيك عن توجيه مئات الاتهامات للسلطة الجديدة بأنها ذات لون واحد وأنها لا تمت للديمقراطية بصلة، مع العلم أن ملايين السوريين يعتقدون أنها تمثل السواد الأعظم من السوريين على الأقل عقدياً، مع هذا صار القاصي والداني اليوم يريد لنا الديمقراطية ولا شيء غيرها، لا بل إن البعض من شدة غيرته «الديموخراطية» علينا يريد أن يفرضها علينا فرضاً، لهذا بات ينتقد غياب الديمقراطية في دمشق ليل نهار، ولا شك أنكم قرأتم مئات الانتقادات للإعلان الدستوري لأنه لم يأت على ذكر الديمقراطية. ومرة أخرى، وكي لا يفهمنا أحد بالمقلوب، ليس لدينا أي مشكلة مع كل الذين ينهالون على السوريين بوابل يومي من النصائح الديمقراطية، فمرحباً بالداعين إلى تطبيق النظام الديمقراطي في ربوع سوريا، لكن الغريب العجيب: لماذا لم نسمع أصوات هؤلاء المطالبين بتطبيق الديمقراطية في سوريا اليوم إلا بعد أن سقط النظام الفاشي الذي كان يحظى بمباركة القاصي والداني رغم أنه كان لا يمثل سوى عصابة طائفية همجية بربرية، مع ذلك لم يقل عنه أحد إنه غير ديمقراطي. وللعلم فإن كل أدبياته الحزبية والسياسية كانت ستالينية داعشية طائفية متطرفة لم تأت يوماً مرة واحدة على ذكر الديمقراطية، وكان النظام من لون فاقع واحد لا شريك له يعرفه كل السوريين، وقد كان حرف «القاف» رمزه الإرهابي البشع الذي أرعب أجيالاً من السوريين على مدى عقود. مع ذلك لم نسمع يوماً أن أحداً طالب تلك العصابة الطائفية أو حثها بألا تكون ذات لون واحد وحرف واحد، بينما اليوم فقد صار الكل حنوناً ورؤوفاً بالسوريين ولا يريد لهم أي نوع من الأنظمة سوى النظام الديمقراطي. ونحن بلا شك نريد الديمقراطية بشغف منقطع النظير ونطالب بها ونشكرهم على غيرتهم الديمقراطية فائقة الرأفة والحنان، ونضرب لهم ألف تعظيم سلام على نصائحهم «الديموخراطية» المتدفقة على سوريا والسوريين كشلالات نياغرا، لكن هل بات هؤلاء متحمسين لتطبيق الديمقراطية في سوريا فعلاً؟

لماذا أصبحوا فجأة يضغطون على السوريين قيادة وشعباً كي يعتمدوا المسار الديمقراطي ولا شيء غيره؟ لماذا صاروا فجأة يرأفون بحال الأقليات وضرورة إنصافها واحتضانها، متناسين أن أقلية لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة أو خمسة في المائة على أبعد تقدير قد تسلطت على سوريا والسوريين لأكثر من ستين عاماً وأذاقتهم شتى أنواع القهر والتنكيل والعذاب. ولا أحد في العالم يستطيع أن ينكر أن تلك الأقلية التي كانت تسيطر على الجيش والأمن فعلت بالسوريين الأفاعيل، فقتلت منهم أكثر من مليون واعتقلت مئات الألوف وذبحت عشرات الألوف في السجون، وشردت أكثر من نصف الشعب السوري من الأكثرية المسلمة حصراً، فلا يوجد لاجئ أو نازح واحد داخل سوريا وخارجها من تلك الأقلية أو غيرها، ناهيك عن تدمير مئات الألوف من بيوت وأرزاق الأكثرية، واستخدام السلاح الكيماوي ضد أطفال الأكثرية. وأرجو ألا يخرج لنا البعض لينفي أن سوريا كانت محكومة من قبل أقلية فاشية كانت تتحكم بكل مفاصل السلطة لصالح عائلة وطغمة طائفية يعرفها كل السوريين بالاسم. لكن فجأة يا سبحان الله صار العالم أجمع عطوفاً على الأقلية التي خسرت السلطة في سوريا، كما لو أنها هي المضطهدة والمقموعة والمسحوقة وليس ضحاياها من الأكثرية وعددها أكثر من ثمانين بالمائة من الشعب السوري.

لم نسمع من قبل أصوات المتباكين على تلك الأقلية عندما كانت تذبح وتهجر السوريين بالملايين وتدمر مدنهم وقراهم بالبراميل المتفجرة.

أرجو أيضاً ألا يقول لي أحد إن الجيش الساقط لم يكن طائفياً في سوريا، فكلنا يعلم أن أصغر ضابط من الأقلية الحاكمة كان أقوى من رئيس الوزراء في سوريا، وأن ضابطاً طائفياً صغيراً برتبة مساعد في أي فرقة عسكرية سورية كان أقوى من أعلى رتبة عسكرية من الأكثرية. ولا ننسى أن عدد الضباط الطائفيين الأمراء الذين يعطون الأوامر العسكرية في سوريا كانوا يشكلون أكثر من خمسة وتسعين بالمائة من مجموع الضباط الأمراء في الجيش السوري كله. قد يرد علينا البعض بالقول إن السوريين لا يريدون تكرار الماضي الأليم ولا يحبذون استنساخ النظام الساقط بشكل جديد، وبالتالي لا بد من التأكيد على تطبيق الديمقراطية في سوريا والترحم على كل قطرة دم سورية ذُرفت في سوريا في الأشهر الماضية وخاصة في الساحل، وهذا طبعاً من حقهم، ونحن نشد على أيديهم في ذلك ونرفض استهداف الأبرياء في أي مكان في سوريا، فلا أحد بكامل عقله في البلد يريد استنساخ الماضي الفاشي البربري، لكن مشكلتي مع هؤلاء المطالبين بتطبيق الديمقراطية في سوريا ليس أبداً في الفكرة، فأنا معهم وأناصرهم في طلبهم وإلحاحهم، لكن مشكلتي مع البعض منهم في النوايا فقط.

لماذا معظم المتشدقين بضرورة تطبيق الديمقراطية في سوريا داخلياً وخارجياً ليسوا من الأكثرية؟ هل يا ترى يغارون على مصالح الأكثرية من الأكثرية نفسها؟ هل هم فعلاً يريدون الخير والديمقراطية والكرامة والحرية للسوريين، أم إنهم يريدون فقط رفض الواقع الجديد ووضع العصي في عجلات سوريا الجديدة لغاية في نفس يعقوب؟ باختصار، هل هم صادقون فعلاً في طلب الديمقراطية للشعب السوري، أم هي ليست رمانة بل قلوب مليانة؟

كاتب واعلامي سوري

القدس العربي،

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى