الثورة السورية بوصفها “مؤامرة”.. في تفنيد نظرية جيفري ساكس/ إياد الجعفري

2025.04.20
قبل أسبوع فقط، لم أظن أني سأضطر لكتابة السطور التالية، لتفنيد سردية قدّمها أكاديمي أميركي على هامش منتدى أنطاليا الدبلوماسي، مفادها أن الثورة السورية وما تلاها من صراع دامٍ، كانت مجرد نتيجة عَرَضية لبرنامج مخابراتي سرّي أميركي، تم تصميمه تلبية لرغبة إسرائيلية.
إذ يومها، استمعت لبضع دقائق من إجابة البروفسور في جامعة كولومبيا بنيويورك، جيفري ساكس، على سؤال الإعلامي، وضاح خنفر، رئيس منتدى الشرق، حول الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة في سوريا. لم أستطع متابعة الاستماع لكلام ساكس. إذ شعرت أني أستمع لخالد العبود، أو شريف شحادة، أو حتى ناصر قنديل. لذا لم أعبأ بمتابعة بقية المداخلة، وانصرفت عنها. لأُفاجأ بعد يوم، بانتشار واسع النطاق لكلام الرجل، عبر السوشيال ميديا وبعض وسائل الإعلام، مع ترويج لمضمونه، مع عناوين برّاقة من قبيل “14 دقيقة من الحقائق حول سوريا والشرق الأوسط”. وهكذا، وبقدرة قادر، تحولت سردية غير مترابطة متخمة بالمغالطات، إلى “حقائق”!
ووفق تلك السردية، صدر أمر من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، بإسقاط نظام بشار الأسد، تلبية لرغبة إسرائيل. وهي رغبة، حسب جيفري ساكس، تعود لأكثر من 25 عاماً. وتستند إلى فكرة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتشكيل الشرق الأوسط على صورة إسرائيل، وإسقاط كل حكومة تعارضها. وحدّد ساكس موعد صدور أمر أوباما، في ربيع 2011، أي تاريخ اندلاع الثورة ضد النظام. وبناء على هذا القرار، نظّمت وكالة الاستخبارات الأميركية “سي آي إي”، برنامجاً سرياً لتدريب متمردين، خصوصاً من الجهاديين. بما في ذلك الذين تولوا السلطة مؤخراً. حمل البرنامج اسم Timber Sycamore (تيمبر سيكامور). وهو ما أدى إلى حرب طويلة وفوضى تسببت في قتل 600 ألف إنسان، وفق ساكس، الذي نفى أن تكون هذه الخسائر البشرية والمادية الهائلة في سوريا، نتيجة قمع نظام بشار الأسد. وقد خلصت هذه الحرب التي دامت 14 عاماً، إلى النتيجة التي أرادتها الـ “سي آي إي” في 2011، وهو أن تتولى تلك الجماعة الجهادية السلطة في سوريا، بعد أن تم تسليحها من قبل الولايات المتحدة، وفق إدعاءات ساكس. والذي أرجع الحرب في سوريا، إلى استراتيجية تغيير الأنظمة التي تبنتها الولايات المتحدة منذ عهد جورج بوش الابن، بعيد أحداث 11 أيلول 2001. ليخلص إلى أن الولايات المتحدة كانت الفاعل الرئيس في سوريا، طوال تلك السنوات، وحتى اليوم.
يعتبر جيفري ساكس أحد الأكاديميين الأميركيين البارزين في مجال الاقتصاد ودراسات التنمية المستدامة. وقد عمل نحو عقد ونصف كمستشار خاص للأمين العام للأمم المتحدة في هذا التخصص. وهو يحمل درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد. لكن خارج حقل الاقتصاد والتنمية المستدامة، لا يمكن الوقوع على معالجات بحثية معمّقة للرجل. خاصةً في حقل سياسات المناطق. وهو ما يظهر جلياً في مواقفه وتصريحاته المثيرة للجدل، حيال نفي قمع المسلمين الإيغور في الصين، وتأييده الانسحاب الأميركي من سوريا. يُعرف عنه أنه متعاطف مع القضية الفلسطينية، ومن المنددين بالانحياز الأميركي لإسرائيل. لكن طروحاته بخصوص سوريا تؤشر إلى ضحالة كبيرة.
وتستند ادعاءات ساكس في الشأن السوري، إلى جملة ركائز متخمة بالمغالطات، كما أشرنا. أولى تلك الركائز، برنامج Timber Sycamore. وأولى تلك المغالطات، التي تؤكد ضحالة اطلاع ومتابعة الرجل للشأن السوري، هو أن البرنامج المشار إليه، والذي نظمته المخابرات الأميركية بالتنسيق مع مخابرات دول إقليمية (السعودية، قطر، تركيا، الأردن..)، لتدريب المعارضة السورية المعتدلة، في حربها المسلحة ضد نظام الأسد، بدأ في نهاية العام 2012. أي بعد نحو سنة ونصف من اندلاع الثورة في ربيع 2011، وبعد أن انتقل الحراك الثوري إلى مرحلة “العسكرة”، كنتيجة لعنف النظام المفرط. هذه المغالطة وحدها كفيلة بنسف إدعاءات ساكس. لكن في تفاصيل البرنامج المشار إليه، ذاته، هناك مغالطة رئيسة، تنسف ادعاءات ساكس، أيضاً. وهي أن مخاوف مسؤولي إدارة أوباما، من استفادة الجهاديين في سوريا، من برنامج تسليح وتدريب المقاتلين السوريين، كان أحد أسباب انكفاء واشنطن التدريجي عن دعم المعارضة المسلحة ضد الأسد، وتركيزها على محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية – داعش”، وصولاً إلى إقفال البرنامج برمته عام 2017، بقرار من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
أما ثالث المغالطات الكبرى التي تستند إليها ادعاءات ساكس، فهي رغبة الحكومة الإسرائيلية عام 2011، في إسقاط نظام الأسد. وهي معلومة تخالف عشرات التسريبات والمواد الموثّقة المنقولة عن مسؤولي الحكومات الإسرائيلية المتتالية منذ الـ 2011، والتي تقول عكس ما يدعيه ساكس. كمثال، نحيل إلى تقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، عام 2013، ترجمته مؤسسة الدراسات الفلسطينية، يناقش ما نقلته صحيفة “التايمز” البريطانية، في أيار 2013 عن مصادر استخبارية إسرائيلية، ومفاده أن “بقاء نظام الأسد حتى لو كان ضعيفاً أفضل بالنسبة لإسرائيل وللمنطقة”، وأضافت الصحيفة نقلاً عن المصادر نفسها “الشيطان الذي نعرفه أفضل من الوضع البديل المحتمل عنه، والذي سيؤدي إلى تدهور سوريا إلى حالة من الفوضى، وتحولها إلى موطئ قدم للمتطرفين من العالم العربي”. ويشير التقرير إلى أن تعبير “الشيطان الذي نعرفه” سبق واستخدمه رئيس الحكومة أرييل شارون عام 2005، عندما شرح للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش سبب معارضته الإطاحة بنظام الأسد، وذلك خشية وصول الإسلاميين إلى السلطة في دمشق. وهو ما ينسف نظرية ساكس عن رغبة إسرائيل القديمة بإسقاط نظام الأسد التي تعود لـ 25 سنة قبل الـ 2011. تقرير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أشار إلى المفاوضات الجدّية التي أجراها نظام الأسد مع حكومة بنيامين نتنياهو بين عامي 2010 و2011، بوساطة تركية. وهي المفاوضات التي وصلت إلى مراحل متقدمة، لولا اندلاع أحداث الثورة في آذار 2011، والتي دفعت الحكومة الإسرائيلية إلى وقف المحادثات، واتخاذ وضع المترقب، لمتابعة التطورات في المشهد السوري.
ومن الغريب، أن ساكس، في أثناء عرضه لسرديته غير المترابطة، لم يشرح لنا، لماذا أرادت واشنطن وتل أبيب إيصال الجهاديين إلى السلطة في دمشق! أيُعقل أن تل أبيب راهنت على أن هؤلاء الجهاديين سيوفرون بيئة أكثر أمناً من تلك التي وفّرها نظام الأسد منذ العام 1973، قرب هضبة الجولان المحتلة! الجواب جلّي في الاستنفار العسكري الإسرائيلي غير المسبوق منذ سقوط نظام الأسد، بغية تدمير كل ما يمكن أن يشكّل ركيزة قوة عسكرية للسلطة الجديدة في دمشق.
اللافت في سردية ساكس، حذفه للشعب الثائر في سوريا، كليةً، من المعادلة التي حكمت المشهد خلال السنوات الفائتة. ونفيه المطلق لأثر جرائم النظام البائد في تفاقم الكارثة وتعقيدها. وإصراره على إرجاع كل ما حدث للإرادة الأميركية – الإسرائيلية. تلك الإرادة التي تغيّر كل ما تريد، وقتما تريد، وكيفما تريد، في منطقتنا. أتكون هذه الرسالة، هي “المؤامرة” المقصود الإيحاء بها لعقول أبناء منطقتنا، بعد أشهر من انتصار الثورة؟ نترك هذا السؤال برسم من قدّم لهذا الرجل، ومن روّج لسرديته التي تبخس من قدرات السوريين وبقية شعوب المنطقة، على التغيير.
تلفزيون سوريا
—————————
جيفري ساكس والإخفاء القسري للشعوب العربية/ تمارا عبود
2025.04.19
منذ تشكيل “الشرق الأوسط” في أعقاب الحرب العالمية الأولى، لم تنقطع المسيرة الأوروبية أولاً ومن ثم الأميركية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، في قراءة هذا الشرق وتفسيره وتقديمه لنفسه وللعالم، من دون أن يتوقف الماضون في القراءة الآتية من فوق، لإتاحة الفرصة لأصحاب هذه الجغرافيا، ليعبّروا عن رؤيتهم ويفسّروا ذواتهم بأنفسهم.
فالتقرير الغربي حولهم كان دائماً جاهزاً من أجل تشكيل النظرة المناسبة التي يجب أن يعتمدها الجميع حول الشرق وسكّانه، وفي أحيانٍ عديدة، بهدف تحديد الخطوة العسكرية القادمة في سبيل تحقيق المصالح الاستعمارية في المنطقة.
لذا، ظلت “الهيمنة” مصطلحاً أساسياً واضحاً أو مستتراً في أثناء الحديث عن علاقة الغرب بالشرق أو عن الشرق وحده، لا من حيث الهيمنة العسكرية فحسب، بل من حيث الهيمنة الرمزية والمعرفية التي ينطلق منها المستشرقون في قراءاتهم، القراءات التي أتت بعين القوة لا بعين المعرفة.
وفي كتابه حول الاستشراق، يقول الأكاديمي الفلسطيني-الأميركي إدوارد سعيد إن: ” الاستشراق يمكن أن يُناقَش ويُحَلَّل بوصفه المؤسسة المشتركة للتعامل مع الشرق، التعامل معه بإصدار تقارير حوله، وإجازة الآراء فيه وإقرارها، ووصفه، وتدريسه، والاستقرار فيه، وحكمه. بالمختصر، الاستشراق أسلوب غربي للسيطرة على الشرق وإعادة هيكلته، وامتلاك السيادة عليه.”
مشهد استشراقي في منتدى أنطاليا الدبلوماسي
أطل علينا الأكاديمي والاقتصادي الأمريكي جيفري ساكس خلال إحدى جلسات المنتدى والتي حملت عنوان “سوريا بين إعادة البناء وإعادة الوفاق”، متحدثاً عن الدور الأميركي الإسرائيلي السلبي في ستِّ دول عربية هي سوريا، العراق، لبنان، السودان، ليبيا، والصومال. مخبراً إيانا أن ما حدث في تلك الدول خلال السنوات الأخيرة جاء من فكرة أميركية-إسرائيلية لإعادة تشكيل الأنظمة باختيار أميركي بحت.
وبما أن الندوة حول سوريا، فقد خصّها بالحديث قائلاً: إن قرار إسقاط الأسد لم يكن قراراً سورياً شعبياً بسبب قمع النظام، بل قراراً أميركياً لإسقاط أي “حكومة معارضة لإسرائيل” وهو ما أدى لوقوع آلاف الضحايا، محمّلاً مسؤولية ذلك للولايات المتحدة الأميركية.
صورة القوى العظمى بين المركزية واللانهزامية
بالرغم من أن ساكس اتخذ في الجلسة السابقة موقفاً نقدياً من سياسات حكومته، إلا أن المفارقة تكمن في أنه أعاد إنتاج النزعة المركزية الأميركية، جاعلاً منها المحرك الأساسي والوحيد في سردية تاريخ ستّة شعوب. ولم يرَ في هذه المقاربة ما يدعو للاستغراب، بل قدّمها بثقة واضحة، متغاضياً عن السياقات المتعددة والتفاعلات المعقدة التي شهدتها تلك الدول خلال العقدين الأخيرين. وهذا ما يجعل تناول متغيراتها من زاوية المركزية الأميركية أمراً مستهجناً، بل ويبدو لنا – نحن أبناء المنطقة الذين عايشنا هذه التحولات يومياً – خطاباً فوضوياً لا يعكس الواقع ولا ينصف التجربة.
وفي انعكاس آخر لصورة القوى العظمة في السرديات الاستشراقية تنقل الكاتبة والأكاديمية المصرية رضوى عاشور في أحد مقالاتها مقارنة إدوارد سعيد بين فوكو وفانون، الكاتبان اللذان يشتركان في كشف أساليب الإقصاء والتقييد في الحضارة الغربية. غير أن سعيد يأخذ على فوكو أن نقده للمؤسسات الغربية (المصحة والمستشفى والسجن والجامعة والجيش… إلخ) رغم ما يحمله من نقد، ينتهي إلى نوع من الانهزامية والمسالمة، إذ لا يتيح سوى هامش ضئيل جداً للمقاومة؛ إذ يرى فوكو أن كل شيء محتوم تاريخياً. أما فانون، فإن إنتاجه الفكري يقوم على الإيمان بإمكانية إحداث تغيير تاريخي، وعلى يقين بقدرة المضطهدين على التحرر من مضطهديهم. وهنا يتجلى الفارق الجوهري بين الاستسلام للمركز، وبين الاعتراف بالقدرة على التحرر وفاعلية المضطَّهدين أو المستعمَرين.
من عربة البوعزيزي إلى جدران درعا..الثورات من الداخل
قبل الحديث عن سوريا التي انطلقت ثورتها في آذار 2011، تجاهل جيفري ساكس الإشارة إلى المناخ العام الذي كان سائداً في المنطقة في تلك المرحلة، أي إلى اللحظة المفصلية التي أشعلت شرارة الربيع العربي، حين أضرم محمد البوعزيزي النار في جسده في ديسمبر 2010، احتجاجاً على مصادرة البلدية لمصدر رزقه الوحيد، والذي كان عبارة عن عربة يبيع عليها الخضراوات والفواكه. أعقب ذلك اندلاع انتفاضة شعبية أطاحت بنظام زين العابدين بن علي في تونس. لقد كانت تلك لحظة تفاعل داخلي خالص أفضى إلى ثورة، لا قراراً أميركياً نفّذه مواطن عربي.
ثورة
تصف رضوى عاشور تلك اللحظة قائلة : “ولأن البوعزيزي يشبه آلاف الشباب العرب في فقره وقهره وغلبه ومهانته وسمرة وجهه وخشونة شعره ونحول جسمه، أدرجوه بسرعة مدهشة في حكايتهم. ولما خرج أهل تونس إلى الشوارع يهتفون: الشعب يريد إسقاط النظام، تبعهم المصريون بعد أيام معدودة يرفعون الشعار نفسه، ثم كالسائل في الأواني المستطرقة انتقلت الرسالة من بلد إلى بلد”. انطلقت الثورة المصرية في يناير 2011 وأطاحت بنظام حسني مبارك. وهي أيضاً لحظة تاريخية أغفل ساكس الحديث عنها مع أنه لا يمكن إغفال دولة كمصر، عن المناخ العربي.
وكانت الثورة المصرية حالة شعبية نظمها الشباب قبل غيرهم، فقد بدأت الدعوات عبر الفيس بوك للاحتجاج والمطالبة ب “العيش، الحرية، العدالة الاجتماعية” والحقيقة أن القلق والتخبط الإسرائيلي الكبير نتيجة لهذه الثورة أي نتيجة لقرار شعب عربيّ من جديد، كان جلياً.
فقد ذكر الباحث صالح النعامي في دراسته المنشورة بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بعنوان “إسرائيل وفزاعة الإسلاميين في أعقاب الثورات العربية” أن نتنياهو أقام في ديوانه خلية عمل أواخر كانون الثاني/ يناير 2011 بهدف تنظيم حملة سياسية لإقناع دول العالم بعدم السماح بخلع مبارك كونه حليفاً حيوياً لإسرائيل وكون هناك مخاطر تتربص باتفاقية كامب ديفيد في حال تنحيه. عدا عن القلق النخبوي الإسرائيلي الذي انفجر في تلك الفترة في الإعلام محذراً العالم من مخاطر سيطرة الإسلاميين بعد الثورة، رغم أنه بدا واضحاً وبحسب الدراسة نفسها أن إسرائيل تخشى فقدان مزايا الأنظمة الدكتاتورية التي ترتبط بها في العالم العربي لا أكثر.
بعد مصر، اندلعت الاحتجاجات في اليمن في 11 شباط 2011وتنحى علي عبدالله صالح. تبعت ليبيا والبحرين اليمن بعد أيام وسقط نظام معمر القذافي أيضاً وإن كان الناتو قد تدخل بعد استخدام القذافي للقوة المفرطة، إلا أن الحالة الليبية بدأت في النهاية باحتجاجات شعبية متأثرة بالمناخ العربي.
الآن يمكننا أن نصل إلى الحديث عن سوريا، تقول الباحثة والناشطة السياسية سهير الأتاسي في شهادتها الشخصية حول بداية الثورة السورية في الفيلم الوثائقي خلية الأزمة
أن الحراك السوري بدأ من خلال الاعتصامات التي أرادت التعبير عن التضامن مع ثورات الربيع العربي بدءاً من مصر واستمراراً بتونس ومن ثم ليبيا وكانت بدورها مشارِكة في اعتصام السفارة الليبية في دمشق يوم 22 شباط 2011. وتشير الأتاسي إلى أنهم بدأوا بالتدريج بتحويل بوصلة هذه الاعتصامات من مجرد تضامن مع الثورات العربية إلى التركيز على القضايا السورية. لقد توسعت الهتافات في سوريا أو “الدولة المتوحشة” كما يسميها ميشيل سورا، ووصلت حدّ ترديد جملة “خاين الي بيقمع شعبه”و “خاين الي بيسرق شعبه” فتبِعها هجوم من عناصر الأمن واعتقالات، حسب شهادة الأتاسي. وفي نهاية الشهر نفسه كتب أطفال من درعا عبارات “الشعب يريد إسقاط النظام” و “إجاك الدور يا دكتور” .
وليس هذا هو المجال للخوض في الأحداث التي تلت تلك اللحظات، فهي أصبحت موثّقة بقدر ما هي معروفة، لكن ما يجب التوقف عنده هو أن هذه التفاعلات العربية، التي عبّر عنها أبناؤها وبناتها بأصواتهم، تؤكد محلية القرار الثوري وخصوصيته لدى الشعوب، كما تؤكد قدرتهم على التفكير والاختيار، وعلى استعادة فاعليتهم ووجودهم السياسي إلى درجة الانخراط الكامل فيه، وإعلان الثورة على أنظمة استبدادية استمرت لعقود. غير أن إعادة تأطير هذه الثورات بوصفها “صناعة خارجية” يحوّل هذه اللحظة من فعل حر إلى نتيجة مدبّرة، ويعيد الشعب العربي إلى موقعه التقليدي في القراءة الاستشراقية: مفعولاً به، لا فاعلاً.