دوافع وكواليس الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 21 نيسان 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

——————————————

اللامركزية في سوريا.. حل تحمله الثورة أم فخ تفرضه الفوضى؟/ باسل المحمد

2025.04.21

مع دخول سوريا مرحلة جديدة بعد سقوط نظام الأسد، طفت على السطح عشرات الرؤى حول مستقبل الحكم في البلاد، من قبل بعض سلطات الأمر الواقع التي كانت تمارس هذا النوع من الحكم قبل سقوط النظام، مثل “قوات سوريا الديمقراطية” التي تطالب بحكم ذاتي موسّع ضمن إطار لامركزي.

وبينما ترى بعض القوى أن اللامركزية قد تكون مدخلًا لبناء دولة عادلة ومتوازنة، بعد عقود من الحكم المركزي المستبد، يحذر آخرون من أن تطبيق هذا النموذج في ظل الانقسامات الجغرافية والسياسية الحالية قد يعمّق التفتت ويهدد وحدة البلاد.

بالمقابل، تشير العديد من التجارب الإقليمية والدولية إلى أن اللامركزية ليست مجرد خيار إداري، بل مشروع سياسي واجتماعي عميق، يتطلب بيئة مستقرة، وثقافة سياسية ناضجة، وتوافقات وطنية شاملة. فهل سوريا اليوم، بعد كل ما مرّت به، جاهزة لمثل هذا التحول؟ أم أن الحديث عن اللامركزية في ظل هذا التفكك قد يفتح أبوابًا لمزيد من التشظي والانقسام؟

ليست طرحًا جديدًا

لم تكن “اللامركزية” فكرة طارئة على المجتمع السوري بعد سقوط نظام الأسد، فمع انطلاق الثورة السورية في عام 2011، برزت مجموعة واسعة من المجالس المحلية واللجان المدنية التي أدارت شؤون المدن والقرى في المناطق المحررة، بعيدًا عن مركزية دمشق.

هذه الهياكل، التي بدأت كآليات طوارئ وتنظيم ذاتي لمواجهة الفراغ الأمني والخدمي، تطورت مع مرور السنوات، ونتيجة لظروف سياسية وعسكرية متداخلة، أدت إلى تشكّل أربع سلطات أمر واقع، فرضت نفسها خلال سنوات الحرب، ونجحت إلى حد كبير في إدارة شؤونها المحلية من النواحي الاقتصادية والأمنية والاجتماعية.

كل من هذه النماذج حمل بصمته الخاصة: ففي شمالي وشرقي سوريا، أسّست “قسد” نظامًا كانتونيًا يعتمد على انتخابات مباشرة ولجان متخصصة لإدارة التعليم والصحة والدفاع الذاتي؛ بينما شهدت إدلب والشمال السوري ولادة حكومتين مصغرتين تُعنيان بالداخلية والاقتصاد والشؤون الاجتماعية، مع مجالس محلية منتخبة تعكس تنوع المشهد الثوري؛ وفي السويداء، أثبتت اللجان الشعبية الدرزية قدرتها على تنظيم الأسواق، وتوزيع المواد الإغاثية، وتأمين الحماية الذاتية لأبناء المدينة.

وفي هذا السياق، تشير كثير من الدراسات والتقارير إلى أن هذه النماذج، رغم تفاوتها في التنظيم والتمويل، أثبتت قدرة المجتمع السوري المتنوع على خلق هندسة حكم لا مركزية تحت ضغط الحرب، ما يمهّد اليوم لنقاش جدي حول تحويل هذه “التجارب المؤقتة” إلى مؤسسات دائمة في سوريا ما بعد النظام.

اللامركزية كضرورة

يرى كثير من المطالبين بضرورة تطبيق اللامركزية في سوريا بعد سقوط النظام أن التركيز على نموذج حكم موحّد من دمشق لم يعد يلبّي احتياجات المجتمع السوري وتنوعه، بل قد يزيد خطر تكرار الفراغ الأمني والخدمي الذي انبثق عن النظام المركزي القمعي أيام حكم النظام البائد.

ويستدل الباحثون على ذلك بتجارب الدول التي شهدت تحولات في نظام الحكم، إذ أوضحت أن توزيع السلطات بين المركز والولايات أو المحافظات يساهم في بناء ثقة المواطنين، ويعزز من قدرتهم على المشاركة في صنع القرار، ما ينعكس إيجابًا على الاستقرار السياسي والاقتصادي على حدّ سواء.

وفي هذا السياق، يرى الباحث الأول في مركز عمران للدراسات، أيمن دسوقي، أن الأنماط الحوكمية المتعددة التي نشأت أيام الثورة، والقائمة على هياكل سلطة وترتيبات مؤسسات مدعّمة باقتصاد سياسي، ما تزال قائمة رغم سقوط نظام الأسد، ولا يمكن أن تتلاشى بسرعة.

وما يدفع باتجاه ضرورة تبنّي نموذج لامركزي، بحسب حديث دسوقي لموقع تلفزيون سوريا، أن مؤسسات الدولة المركزية تعاني من ضعف في القدرات والموارد والإمكانيات، إضافة إلى محدودية في انتشارها الجغرافي، وهو ما يتطلب ترتيبات مجتمعية ومؤسساتية وقانونية واقتصادية لإعادة تنشيطها على كافة الأراضي السورية.

وبالتالي ـ يضيف دسوقي ـ انطلاقًا مما سبق، يمكن القول بضرورة تجاوز النهج المركزي في الحوكمة، لكوارثه الماضية ومحدودية إعادة تأسيسه مجددًا.

إزاء ذلك، نبّه معهد واشنطن للدراسات إلى ضرورة اختيار الفيدرالية كمسار أنسب لإعادة إعمار البلاد، وتجنّب تكرار أخطاء النظام السابق. ورجّح في تقرير أعدّه الأستاذ المشارك مدير الأبحاث في جامعة ليون، فابريس بالونش، أنه “إذا أراد الشرع عدم تكرار أخطاء الأسد، فقد يضطر إلى اللامركزية الحقيقية للسلطة، وإقامة نظام فيدرالي، رغم أن هذا قد يثير أسئلة حول تخصيص الموارد”.

وعلى الرغم من الاتفاق الذي تم توقيعه بين الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي، قائد “قسد”، في 10 آذار، والذي نصّ على دمج مؤسسات “قسد” المدنية والعسكرية ضمن مؤسسات الدولة السورية، إلا أن الإدارة الذاتية ما تزال تؤكد أن “النظام الاتحادي هو المدخل لتسوية سياسية دائمة، يُنهي مركزية القرار، ويمنح المجتمعات المحلية أدوات حقيقية في إدارة شؤونها”، وذلك بحسب تصريحات إلهام أحمد في مؤتمر السليمانية، 17 نيسان الجاري.

مخاطر وتحديات

بمقابل الدعوات التي تطالب بتطبيق اللامركزية باعتبارها حلًا مناسبًا لـ”سوريا الجديدة”، نجد في الطرف المقابل أصواتًا تحذّر من أن اعتماد مبدأ اللامركزية في الحكم، في ظل الظروف التي عاشتها وتعيشها سوريا حاليًا، قد يؤدي إلى صراعات محلية ونزاعات على السلطة، وتفاقم التوترات الطائفية والعرقية القائمة، إضافة إلى احتمال تفكك البلاد وإضعاف الوحدة الوطنية.

وفي هذا السياق، يوضح مدير وحدة التوافق والهوية المشتركة، أحمد قربي، أن عدم وجود هوية وطنية جامعة يؤمن بها جميع السوريين، بسبب حالات الانقسام الجغرافي والعرقي والطائفي التي سبّبتها الحرب السورية، يُعد من أبرز التحديات التي تواجه تطبيق اللامركزية في سوريا.

ومن التحديات أيضًا، يتابع قربي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، عدم وجود بُنى قانونية وإدارية قوية تكون مهيأة لتطبيق هذا النموذج في سوريا، التي أُديرت عبر تاريخها بطريقة مركزية شديدة.

ويشرح قربي هذا الجانب بالقول: إنه في ظل عدم وجود جيش قوي، وجهاز أمني متمكّن، وحالة الترهل والضعف في مؤسسات الدولة، فإن تطبيق اللامركزية سيؤدي إلى تفوق الأطراف على المركز، ما يعني الذهاب عمليًا باتجاه التقسيم، كما جرى في العراق على سبيل المثال.

من ناحية أخرى، قد يساهم تطبيق نموذج اللامركزية، من حيث المبدأ، بدعم وتمكين مؤسسات الدولة وليس السلطة، لكن خطورته تكمن في تعدد القوى العسكرية والأمنية على الجغرافيا السورية في الوقت الراهن، والتي من الممكن أن تكون حاملًا محتمَلًا لتنفيذ انقلاب عسكري أو فرض واقع انفصالي في أي وقت، وذلك بحسب الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية، عمار فرهود.

وفي الحديث عن تجارب الدول التي نجحت فيها اللامركزية السياسية أو “الفيدرالية”، مثل ألمانيا وسويسرا والهند، يرى مختصون أن تطبيق ذلك في الحالة السورية يواجه عقبات كبيرة، يعود جزء منها إلى التباين الحاد في البنية الديمغرافية وتوزيع الموارد؛ ففي حين تتمتع مناطق شمال شرقي سوريا بثروات طبيعية كبيرة من النفط والزراعة، فإن مناطق أخرى تعاني من هشاشة اقتصادية وافتقار للبنية التحتية، ما يجعل الحديث عن توزيع عادل للسلطة والثروة أمرًا بالغ الحساسية.

وكان الرئيس أحمد الشرع قد أعلن معارضته للنظام الاتحادي، خلال مقابلة مع صحيفة “الإيكونوميست” في كانون الثاني الماضي، معتبرًا أنه لا يحظى بقبول شعبي ولا يصبّ في مصلحة سوريا، بحسب تعبيره.

ويُشار إلى أننا هنا لم نتحدث عن العامل الخارجي والإقليمي الذي يعارض هذه الخطوة، وعلى رأسه تركيا، التي تعتبر وجود كيان انفصالي كردي على حدودها الجنوبية تهديدًا لأمنها القومي.

هل من بديل؟

لا يرغب قسم كبير من السوريين بالعودة إلى الحكم المركزي الشديد، الذي عانوا بسببه عقودًا من التهميش والإقصاء في زمن الأسد (الأب والابن). وما زاد في الدفع بهذا الاتجاه هي تجارب الحكم المحلي التي عاشوها خلال سنوات الثورة، والتي أثبتت أنهم قادرون على إدارة مناطقهم رغم الصعوبات والتحديات.

بالمقابل، هناك مخاوف كبيرة لدى القسم الآخر من مخاطر تطبيق اللامركزية في هذا التوقيت، لاعتبارات أمنية متعلقة بوحدة البلاد. لذا، يرى باحثون أن ما تحتاجه سوريا ليس حكمًا مركزيًا شديد التركيز، بل نموذجًا يسمح بالمشاركة الواسعة للمجتمع والمؤسسات المحلية في اتخاذ القرار؛ وهو ما يُعرف بـ”اللامركزية الإدارية”.

وتعليقًا على ما سبق، يقول الباحث فرهود: عندما نضع قواعد الدولة القوية التي تكون فيها السلطة خادمة للشعب، والشعب خادمًا للدولة التي تحمي الجميع، سنصل وقتها إلى قناعة بأن مشاريع الانفصال المستترة بدعاوى اللامركزية، أو مشاريع الدكتاتورية المستترة بضرورة المرحلة، ستسقط أمام الدولة القوية ومؤسساتها المتماسكة؛ لأنها هي الضامن الحقيقي لمكتسبات الثورة ومنجزاتها، وهي الصخرة التي ستتكسر عليها دعاوى تفتيت الدولة أو اختطافها.

أما الباحث أيمن دسوقي، فينوه إلى ضرورة أن تكون المقاربة البديلة ناتجة عن حوار سوري-سوري، وهنا يمكن الاتكاء على الترتيبات الانتقالية التي عقدتها الإدارة السورية الجديدة مع الإدارة الذاتية وبعض المكونات السورية، لما تضمنته، بشكل ما، من إعادة النظر في توزيع الصلاحيات والوظائف، وضمان التمثيل المجتمعي.

ويدعو دسوقي إلى التأسيس لإطار حكم واقعي مرن لإعادة توزيع الصلاحيات والوظائف وتقديم الخدمات بين المركز والأطراف، بحيث يمتلك هذا الإطار قدرة على الحد من عودة الاستبداد مجددًا، عبر معالجة قضايا التمثيل المجتمعي وتوفير ضمانات مؤسساتية.

ولطالما أكدت الإدارة السورية الجديدة على ضرورة إشراك الجميع في العملية السياسية والإدارية، إذ تضمّن الاتفاق الموقع بين الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي، قائد “قسد”، على ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة، بناءً على الكفاءة، بغضّ النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.

كما تضمنت مخرجات الحوار الوطني نصوصًا تؤكد على تحقيق التنمية السياسية وفق أسس تضمن مشاركة كافة فئات المجتمع في الحياة السياسية، واستصدار القوانين المناسبة لذلك.

تلفزيون سوريا

——————————————

المقاتلون الأجانب واحتكار السلاح في سورية/ عمار ديوب

20 ابريل 2025

يقتضي الانتقال من مرحلة الثورة إلى الدولة سياسات وطنية عامّة تقطع مع المرحلة السابقة. يتطلّب النهوض بالدولة إشراك فئات الشعب كافّة وإرضاءها، بغض النظر عن تنويعاتها السياسية والقومية والدينية. وجود مقاتلين أجانب، وفي حالة كارثية في سورية، إلى جانب التنوّع، يستدعي إبعادهم بشكل كامل من شؤون الدولة كلّها، وتحديداً من الجيش والاستخبارات والمناصب السيادية، كما أن حدّة الاستقطاب الطائفي والقومي والضغط الخارجي والحدود مع الدولة الصهيونية يستدعي هذا الإبعاد.

تخلّصت سورية مع زوال نظام الأسد من المقاتلين الأجانب الداعمين له، وهناك ضغط أميركي وتركي، وسوري داخلي، للخلاص من الأجانب الداعمين لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وبالكاد تكتب التقارير الصحافية عن أجانب لدى بقايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وتواجه السلطة الحاكمة في سورية نقداً شديداً لوجود المقاتلين الأجانب، ولا سيّما أنّها وضعت بعضهم في مناصب عُليا بالجيش، وأثار الأمر حفيظة السوريين، خاصّة الضبّاط المنشقّين من جيش النظام السابق، فهم من ضحّى بكلّ شيء، والتحق بالثورة، ولا يزالون مُستبعدين من المشاركة في إعادة تأسيس الجيش. كان للمقاتلين الأجانب دور كبير في تصفية فصائل الجيش الحرّ منذ 2012، سواء بتحالفهم مع جبهة النصرة أو “فتح الشام” أو هيئة تحرير الشام أو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو “قسد”، وبالطبع، مارس الأجانب ضمن المليشيات الإيرانية أكبر الأدوار في دعم السلطة، وإفشال الثورة. إذاً هناك عدد كبير من المقاتلين الأجانب وفدوا إلى سورية وقاتلوا في مواقع متعدّدة، ويكمن دورهم في تغييب أهداف الثورة وحرف الصراع ليصبح صراعاً طائفياً.

الآن، هناك طلبات داخلية وخارجية للخلاص من الأجانب في ميدان الجيش والدولة، وهي مطالب محقّة، وهي من شروط رفع العقوبات الأميركية والدولية عن سورية، وهناك مطالب كثيرة تتعلّق بإشراك القوى السياسية والاقتصادية والثقافية من خارج مجموعة هيئة تحرير الشام، ومن يدور في فلكها. ورفض إبعاد الأجانب بحجّة قتالهم النظام، وأن هيئة تحرير الشام بذلك تخون المتحالفين معها، وأن هناك مقاتلين أجانب كثيرين اعتُرف بهم في دول كثيرة (كما يقول إعلاميو السلطة)، فيه كثير من عدم فهم واقع سورية الكارثي، والممتدّ بحالة الدمار والإفقار منذ 2011، بل وما قبل 2011، وكذلك فيه تجاهل لدور الأجانب داعمي “الهيئة”، فلقد كانوا ضدّ النظام والفصائل الحرّة معاً، فيُنظَر إليهم أعداءً للثورة السورية، وخطراً كبيراً على إعادة تأسيس الجيش بشكل وطني، وهناك عقائدهم البعيدة من الوطنية السورية، وكان مجيئهم إلى سورية بقصد محاربة “النصيرية” وبناء “دولة الخلافة”، وهناك رفض كامل منهم لأيّ مفرداتٍ تتعلّق بالديمقراطية أو المواطنة أو التعدّدين الديني والقومي. تتعارض رؤى عقائدية كهذه بشكل حاسم مع بناء دولة للسوريين كافّة، والسوريون العلويون جزء منهم بالضرورة. إذاً هناك أسباب كثيرة، وليس طلبات الخارج فقط، تستدعي إبعاد المقاتلين الأجانب.

حاججت كلّ من “قسد” ومجلس سوريا الديمقراطية (مسد) بعض الوقت بأن وجود الأجانب في الجيش المُراد تشكيله يُضعف مطالبة السلطة بإبعاد الأجانب الداعمين لـ”قسد”، ولكن الأمر يخصّ أيضاً فصائل السويداء، وحتى الفصائل الداعمة للسلطة ذاتها، فالأغلبية السورية لا تريد مقاتلين أجانبَ في أراضيها. التشكيك بتوجّهات السلطة، وعدم استجابتها لإبعاد هؤلاء الأجانب، ولا سيّما بعد دورهم في مجازر الساحل الطائفية بامتياز، في أوائل الشهر الماضي (مارس/ آذار)، ينتقص من حقّها في احتكار السلاح، إذ ليس من المعقول الموافقة على تسليم السلاح والانتظام في جيشٍ يتشكّل وفيه قيادات أجنبية، أو يتحالف مع جماعات جهادية من أوزبك وشيشان وتركمانستان ومغاربة وسواهم.

أصبحت مسألة إبعاد الأجانب حاسمةً، وتضغط أميركا وأوروبا لإبعادهم بشكل كبير، وهناك تجميد جديد لرفع العقوبات من الاتحاد الأوربي بسبب عدم استجابة سلطة دمشق للشروط الأوروبية، ومنها استبعاد الأجانب، وهناك تقييم سلبي أميركي كبير للسلطة، والاتجاه نحو عدم الاعتراف بها، وبالتالي، هناك أسباب كثيرة تدفع نحو تغيير السلطة توجّهاتها وفكّ العلاقة مع الأجانب العقائديين، وتحويلهم إلى العمل الاقتصادي، وفي حال رفضهم ذلك، فإبعادهم إلى الخارج. وفي الإطار ذاته، لا يجوز السماح لهم بالمشاركة في العمل الدعوي، فالدعويُّ في حالة الأجانب، السلفيين الجهاديين، سيكون متعارضاً مع الوطني، ومع تعزيز الاتجاهات الإسلامية الوطنية.

تتجه السلطة في دمشق إلى تشريع نفسها عبر العلاقة مع الخارج، وإذ بدأت بالشعور بثقل المطالب الأميركية والأوروبية راحت تتجه نحو تركيا والخليج للمساهمة في التخفيف من ذلك الثقل، وجولة الرئيس أحمد الشرع الإقليمية، أخيراً، تأتي في هذا الاتجاه، وبهدف تأمين الدعم وتشريع سلطته، وإن نال بعض الدعمين المادي والسياسي، فإن الشروط الدولية ستظلُّ الأساس في العلاقة مع دمشق. تتعزّز قوّة السلطة تجاه الشروط الدولية عبر الحقوق التي يتمتع بها الشعب، فهل ستعي السلطة أن الشعب هو مصدر الشرعية والقوّة؟

تعيد السلطة الحالية سياسات النظام القديم، الذي أدار ظهره للشعب وتحالف مع إيران ومليشياتها وروسيا، وكانت الحصيلة انهيار حكمه، الذي أُجِّل منذ 2012 إلى الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024. وسورية لا تحتمل تكرار السياسات نفسها، وهي في حالة كارثية، وفي المستويات كافّة، وتتطلّب سياسات وطنية في الاقتصاد والتعليم والثقافة والجيش وإدارة مؤسّسات الدولة، وإشراك الفعّاليات السياسية والثقافية وسواها، المستقلة عن السلطة. هنا مصدر الشرعية، ومن هنا الرفض الواسع لتنصيب المقاتلين الأجانب بقيادة الجيش أو جعلهم فصيلاً فيه. ينتهك هذا وطنية السوريين، ويؤسّس جيشاً غير وطني.

تخطئ السلطة في محاولة تشريع نفسها عبر الخارج، فللخارج مصالحه، وهناك أشكال من التعارض بين مصالح الخارج ومصالح الداخل، ويتقلّص التعارض بمقدار الانطلاق من مصالح الداخل، إذ ستكون مصالح الداخل الأساس في أيّ مفاوضات بخصوص النهوض بسورية، وفي غياب الشرعية الداخلية ومصادر القوة الداخلية، ستتعرّض السلطة لضغوط كبيرة، وستنتقل لاحقاً لتصبح أداةً بيد الخارج، وربّما تنهار سريعاً.

قوة السلطة الحالية متأتية من إسقاط النظام التابع وتخليص سورية من النفوذين الإيراني والروسي، ومن شعور الشعب بأن ثورته انتصرت أخيراً. سيتغيّر هذا التفكير كلّه باستمرار إدارة الظهر للشعب. ومسألة المقاتلين الأجانب قضية حساسة في سورية، وستكون قابلة للانفجار في أيّ لحظة، سواء بسبب رؤية هؤلاء الأجانب السلفية المتعارضة مع التديّن السوري السائد، أو رغبتهم في تقييد توجّهات السلطة “الوطنية” الجديدة، أو من خلال الضغوط الخارجية والاستمرار في العقوبات، وهناك الدولة الصهيونية التي تنتقد سلطة دمشق، وتقدّمت باتجاه ثلاث محافظات، بسبب “مخاطر السلفية الجهادية”، كما تدّعي.

سيكون الإصرار على عدم إبعاد المقاتلين الأجانب سبباً في تراجع الدعم الإقليمي والدولي، والمصدر الأساس لشرعية السلطة هو الاستجابة لمصالح الشعب وحقوقه والمسارعة بإبعادهم، ومن دون ذلك ستظلُّ الشرعية منقوصة، وهناك إمكانية لأشكال التدخّل الخارجي، وعكس ذلك حينما تتبنّى السلطة مشروعاً وطنياً وديموقراطياً ويتمظهر في شؤون الدولة كلّها.

العربي الجديد

——————————————

==========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى