نقد ومقالات

الثقافة السورية في العهد الجديد/ بشير البكر

الإثنين 2025/04/21

لا يبدو أن مستقبل الثقافة السورية سيكون بخير مع الوزير الجديد محمد صالح، الذي قدم نفسه في حفلة تنصيب الحكومة السورية، وأقسم اليمين الدستورية بأبيات من الشعر ذات رؤية سياسية على قدر من الخفة، وتفتقر إلى العمق والرصانة التي يجب أن يتحلى بها المسؤول، عندما تضعه الأحداث أمام مهمة تنوير الناس في الأزمنة الصعبة والاستثنائية، ومنهم أهل بلدنا سوريا، التي عانت في العقود الأخيرة من محاولات تجفيف منابع الثقافة، وتحويل البلد إلى صحراء في عمل ممنهج لتجهيل السوريين، وفرض حالة من الأمية الثقافية على مجتمع، ظلت الثقافة، عبر تاريخه الطويل، أحد أسلحة دفاعه عن هويته الوطنية.

سوريا بلد ثقافي بامتياز، ولها دور رائد في اغناء الثقافة العربية وتجديدها، منها ظهر شعراء كبار مثل نزار قباني، وعمر أبو ريشة، وبدوي الجبل، ومحمد الماغوط، وروائيون متميزون مثل حنا مينه، وقصاصون مجددون كزكريا تامر، ومفكرون تنويرون كصادق جلال العظم، ورسامون مثل لؤي كيالي وفاتح المدرس ونذير نبعة، وكتاب مسرح كسعد الله ونوس، وسينمائيون كمصطفى العقاد.

مضى قرابة ثلاثة أسابيع على تسلم وزير الثقافة الجديد مهامه، وكان من المنتظر منه أن يقدم تصوره لما يمكن أن تقوم به الوزارة من عمل عاجل لإسعاف المؤسسات الثقافية العاطلة عن العمل، أو على الأقل زيارة المسارح المغلقة مثل الحمرا والقباني والخيام، التي شهدت نهضة سوريا المسرحية، وصالات السينما كالكندي، التي تشكل فيها الوعي والثقافة السينمائيين لأجيال سورية في السبعينيات والثمانيات، أو المراكز الثقافية، أو أن يلتقي بما بقي داخل سوريا من مثقفين، صمدوا خلال الحقبة الأسدية السوداء ودفعوا ثمنا كبيرا للدفاع عن ثقافة وهوية السوريين.

اقتصرت نشاطات الوزير على زيارة لضريح الشيخ الشيعي محسن الأمين ومقام السيدة زينب، في 17 نيسان يوم استقلال سوريا، وأخرى جرى نشر صورها على وسائل التواصل لشيخ عشائري من البوكمال بريف دير الزور، يدعى فرحان المرسومي، وذلك برفقة جمال الشرع شقيق رئيس الدولة، وهذا من حقه، ولكن وسائل التواصل حفلت بأخبار وصور عن هذا الشيخ، الذي تحدث ناشطون أنه كان مهرب “كبتاغون”، وأحد أذرع الحرس الثوري الإيراني في منطقة البوكمال، والفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد. وإن ذل ذلك على شيء فهو يعبر عن عدم مراعاة مشاعر الناس، قبل خدش مكانة الموقع الذي يتولاه كممثل للدولة وللشأن العام أولا، وكوزير للثقافة ثانيا، التي تتطلب من الرجل التي يقودها أن يتوافر على قدر عال مما يتحلى به المثقف من نزاهة واحترام للناس.

لا ينتظر السوريون ثقافة مَضافات، وعباءات عشائرية، واستعراضات في وسائل التواصل، بل ثقافة اختلاف وتجديد. أي وزير يتسلم هذا المنصب، يجب ألا يكون أقصر قامة من الوزيرة نجاح العطار صاحبة الدور المشهود له في نهضة سوريا ثقافيا في الثمانينات. ولذا يجب أن تسند المهمة في العهد الجديد إلى شخص يمتلك ثقافة حقيقية، ورؤية تليق بسوريا الجديدة.

تحتاج سوريا اليوم إلى ثقافة تقطع مع العهد البائد، ليس على أساس الترويج لمقولات وخرافات شعبوية، تتوسل كسب متابعين على وسائل التواصل، بل على أساس مفاهيمي فعلي يضع الثقافة في مكانها الصحيح في المجتمع، من كونها أحد مصادر المناعة والإعلاء من قيمة الوعي في حياة الناس، الذين تعرضوا على مدى عقود إلى عمليات اضطهاد ثقافي، لا يقل قسوة عما حصل سياسيا، حيث تم اغراق البلد بالدراما الرديئة، والمسلسلات الهابطة، والكتب السطحية، وتحولت المؤسسات الثقافية إلى مراتع للأمن، ورديف للمؤسسات القمعية، وهذا واضح في حال اتحاد الكتاب، الذي اداره بعض موالون للنظام السابق، ومنهم نضال الصالح، الذي تم طرده من التدريس الجامعي، بسبب تزوير شهادته العلمية، واستقال من رئاسة الاتحاد عام 2019، نتيجة حملة قادها ضده أعضاء من الاتحاد اتهموه بالتعامل بعقلية الشبيح، الذي استبعد أي كاتب لا يتفق معه شخصياً بزعم أنه متآمر ومناهض للنظام، حتى لو كان مؤيداً.

هناك ظواهر غير مبشرة مثل تعيين لجان لتسيير بعض المؤسسات، نقابة الفنانين، نقابة التشكيليين، واتحاد الكتاب، وقد صدر ذلك عن جهة رسمية تابعة لوزارة الخارجية تدعى أمانة الشؤون السياسية، التي بات من المتعارف أنها هيكل سياسي جديد، تعتمده السلطة كجهاز للحكم. ويرى معارضو ذلك أن الانتقال إلى وضع جديد، لا يتم من خلال تكريس أساليب عمل السلطة السابقة، أو استنساخ طرق عملها، أو تقليدها، ويجب ألا يقتصر الأمر على الهياكل، بل الأفراد أيضا. ومن المنتظر أن يكون الأشخاص في المواقع الأمامية معبرون عن الروحية الجديدة للبلد المدمر، والذي لا يملك سوى الرصيد الأخلاقي الكبير، الذي كونه بفضل صموده وتضحياته وصبره وتشرد أبنائه في معركة الخلاص من الطغيان. وعلى هذا ليس من الحصافة بمكان الاستهانة بالسوريين أو الاستخفاف بوعيهم، أو التأثير عليهم بأساليب وشعارات تجرهم الى الوراء، واستغلال الهشاشة الاقتصادية وحال التعب الذي يعيشونه.

تنهمك فئات واسعة من المثقفين والإعلاميين ورجال الأعمال والفنانين والمؤثرين على وسائل التواصل، بالدفاع عن التحول السوري الذي حصل في الثامن من كانون الأول، لكن العديد من الذين يتولون مناصب رسمية في السلطة الجديدة، ليسوا على قدر من الوعي بالتحديات التي تواجه البلد، على طريق استكمال وحدته الداخلية، وبناء مؤسسات الدولة على أسس سليمة.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى