المرأة في ريف سورية… رحلة معاناة وحقوق مهدرة/ ميليا إسبر

23 ابريل 2025
لا تنتهي حكايات المرأة في ريف سورية مع الحياة القاسية. هي أم وزوجة ومعيلة لأسرتها، خاصة في حال فقدت زوجها. تعمل في ظروف مجحفة، وتتحمل بُعد مكان العمل عن سكنها، وكثيرات تفترشن بسطات العاصمة دمشق لبيع الحليب والجبن والخضراوات، فالعمل ملاذ يُنجيها من مرارة الحاجة.
زوجة أحمد الشرع لطيفة الدروبي (تويتر)
المرأة
زوجة الشرع لطيفة الدروبي تحت الأضواء
تقول السورية أم شعبان لـ”العربي الجديد”: “آتي يومياً من قرية سعسع بريف دمشق لبيع الحليب والجبنة واللبنة والشنكليش ودبس الرمان في منطقة البرامكة وسط دمشق، وأشتري بثمنها خبزاً لأولادي الثلاثة، فبعدما توفي زوجي لم يبقَ لي أي معيل. أدفع ما لا يقل عن 30 ألف ليرة (2.7 دولار) يومياً أجور مواصلات، وأتكبد الإرهاق الجسدي لأنني أبيع منتجات من الصباح الباكر وحتى الساعة الخامسة عصراً”.
ليست رحلة فاطمة صبرا (أم محمد) لتأمين معيشتها أسهل، إذ تحمل منتجاتها الريفية من الألبان والزبدة والبيض البلدي من منطقة نبع الفوار في محافظة القنيطرة، وتتكلف 50 ألف ليرة (4.5 دولارات) أجرة نقل. وهي تشير إلى أن تأمين حياة أولادها السبعة يقع على عاتقها لأن زوجها لا يعمل. وتقول: “يتألم قلبي كل يوم عندما أترك طفلتي الصغيرة وعمرها أربع سنوات طوال النهار، وعندما أعود توشك على النوم، ولا أراها إلا قليلاً”.
لا تتوقف فاطمة عن العمل على مدار العام، لكنها تنفذ مهمات مختلفة بحسب أنواع المنتجات، ففي الشتاء تبيع الجبن واللبنة والزبدة والشنكليش، وفي الرببع تبيع حشائش وخضاراً مثل الخبيزة والهندباء والبابونج الأخضر، وتقول: “رغم مرارة العمل لكنه يبقى أهون من الحاجة”.
بدورها، تأتي فدوى (أم علي)، وهي أرملة منذ 18 عاماً، من جبل الشيخ إلى دمشق يومياً كي تستطيع تحصيل قليل من المال لتربية أولادها وأحفادها اليتامى بعدما توفي ابنها في سجن صيدنايا، وهو ما عرفته بعدما سقط نظام الأسد، في حين كانت تأمل في أن يكون من بين الذين خرجوا أحياء. وهي تشكو حالياً من تهديد لجنة المخالفات بمحافظة دمشق بمنعها مع أخريات من مواصلة البيع في منطقة البرامكة في حين تصر على البقاء رغم كل الضغوط، لذا تطالب بتخصيص مكان للنساء لبيع منتجاتهن. وتسأل: “كيف نستطيع أن نعيش في ظل هذه الظروف الصعبة إذا جرى تطبيق قرار المحافظة بإزالة بسطات البيع الشعبية؟
تبيع ضحية (أم صقر) في منطقة نهر عيشة جنوبي العاصمة الفطر والفول والبقدونس والبابونج والباذنجان التي تحضرها من قرية عين السودا في ريف دمشق، لأن زوجها غير قادر على العمل. أما حميدة الرّحال (أم أيهم) من قرية زاكية بمنطقة الكسوة فتقول لـ”العربي الجديد”: “أتقاسم تكلفة أجرة نقل سيارة الخضار مع بائعات أخريات بهدف تخفيف أعباء النقل. لقمة عيشنا مغمّسة بالدم”.
وتقول الناشطة في مجال حقوق المرأة نور السبط لـ”العربي الجديد”: “حياة المرأة الريفية صعبة وقاسية جداً وحقوقها مهضومة ففي لحظة غضب من الرجل يمكن أن تصبح خارج البيت ويكون مصيرها الطلاق. تتحمّل نساء مظلومات كثيرات أعباءً أكبر من قدراتهن، لذا لا بدّ أن تدعم الجهات المعنية عملهن وتساعدهن في تسويق إنتاجهن وتمنحهن قروضاً بأقساط مريحة”.
من جانبه، يقول مدير الإرشاد والتنمية الريفية بوزارة الزراعة ربيع الحسن لـ”العربي الجديد”: “تعمل الوزارة في القرى المستهدفة بمشاريع التنمية، وتحلل البيانات التي تحدد الموارد المتوفرة، والمشاريع التي تقترحها النساء، كما تبحث في توفير مصادر تمويل مناسبة لطبيعة كل مجتمع، وتأسيس 33 وحدة إنتاج متعددة الأغراض كي تكون بمثابة حاضنة لمشروع جماعي يضم 495 مستفيدة في معظم المحافظات، كما نشجع على تسويق منتجات المرأة الريفية من خلال إحداث 11 صالة بيع لهن في محافظات سورية، وعلى اعتماد ماركة تحمل اسم ريفيّة توضع على منتجات الأسر الريفية ويجري تسجيلها بحسب الأصول المعتمدة”.
يضيف: “بالنسبة إلى النساء اللواتي لديهن مشاريع صغيرة توجد صالة تابعة للمديرية لبيع منتجات المرأة الريفية، وهي متاحة للنساء من كل المحافظات. يجري ترويج هذه الصالات من خلال دوائر الإرشاد والتنمية الريفية في المحافظات”.
ويذكر الحسن أن الواقع العام للمرأة الريفية في سورية يظهر زيادة العمالة بالزراعة وارتفاع نسب الأمية بينهن، خصوصاً عند الفتيات الصغيرات. ويشير إلى أن ساعات عملهن في الزراعة تتراوح بين 43 إلى 48 ساعة أسبوعياً، وتشهد تنفيذهن مهمات شاقة مثل التعشيب والتفريد والحصاد اليدوي والقطاف. فضلاً عن كون ملكية النساء للأراضي لا تتجاوز 5%، ما يحرمهن من المردود المالي.
العربي الجديد