أبحاثالأحداث التي جرت في الساحل السوريالإعلان الدستوري لسوريا 2025الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعالتدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةالعدالة الانتقاليةالعقوبات الأميركية على سوريا الجديدةتشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

النظام السوري الجديد الملتبس/ جيروم دريفون

هل تستطيع حكومة الشرع توحيد بلاد على شفا الانفجار؟

الثلاثاء 22 أبريل 2025

 المحك الفعلي للنظام الجديد الذي يقوده أحمد الشرع في سوريا يكمن في القدرة على بناء سوريا موحدة وحل الإشكالات مع الأقليات الإثنية والدينية، بما في ذلك التصرف بمنطق الدولة حيال المقتلات التي انفلتت في الساحل السوري ضد العلويين، وينتظر الشعب السوري والدول العربية والغربية نتائج ذلك المحك الذي يعتبر أكثر أهمية من إمكان فرض نظام دولة الحزب الواحد أو التغيير الأيديولوجي والسياسي في تجربة “هيئة تحرير الشام” التي قادها الشرع في إدلب وصولاً إلى إسقاط نظام الأسد. 

في أواخر مارس (آذار)، شكل الزعيم الجديد لسوريا أحمد الشرع حكومة تصريف أعمال للإشراف على عملية الانتقال في البلاد بعد خمسة عقود من الحكم الديكتاتوري، ومنح بعض المناصب الوزارية لشخصيات من خارج دائرته الإسلامية، بما في ذلك تعيين امرأة مسيحية وزيرة للشؤون الاجتماعية، ومسؤول كردي وزيراً للتعليم، ووزير درزي للزراعة، ووزير علوي للنقل. وتعكس هذه التعيينات الضغوط التي يتعرض لها الشرع لإقناع الحكومات العربية والغربية، وكسب ثقة الشعب السوري، بأنه قادر على تشكيل حكومة شاملة تمثل الأقليات الدينية والإثنية في البلاد، وتزداد هذه المهمة صعوبة بعد موجة من سفك الدماء اندلعت في الشهر ذاته عندما استهدف مقاتلون مرتبطون بحكومة الشرع (لكنهم لا يخضعون لإمرتها المباشرة) الأقلية العلوية في غرب البلاد، مما أسفر عن مقتل المئات.

ومنذ أن اجتاح تنظيم “هيئة تحرير الشام”، الجماعة المتمردة التي يقودها الشرع، شمال غربي سوريا في ديسمبر (كانون الأول) 2024 وأسهم في الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، تطرح القوى الخارجية سؤالاً عن مدى قدرة إسلاموي مثل الشرع على حكم ذلك البلد الكبير والمتنوع. بدعم تركي كانت “هيئة تحرير الشام” تسيطر على محافظة إدلب في شمال غربي البلاد خلال معظم سنوات الحرب الأهلية السورية وتمكنت من توسيع نفوذها في تلك المنطقة، لكن من غير الواضح ما إذا كان ما نجح في إدلب سينجح على نطاق سوريا بأكملها، كما تحيط الشكوك بمدى صدق اعتدال الشرع المعلن أيديولوجياً، فقد بدأت الجماعة كتنظيم جهادي متشدد متحالف مع تنظيم “القاعدة” وتنظيم الدولة الإسلامية (المعروف أيضاً باسم “داعش”)، لكن خلال العقد الثاني من القرن الحالي انفصلت الهيئة عن كل من “القاعدة” و”داعش”، وأوضحت أن نضالها محلي ومحصور في سوريا، وبحلول عام 2020 كانت الهيئة تخوض معارك ضارية ضد قوى موالية لـ “القاعدة” و”داعش” في إدلب، وبعد إطاحته بالأسد بادر الشرع إلى التواصل مع الحكومات العربية والغربية، وحرص على تقديم نفسه كقائد معتدل يلتزم بحماية الأقليات الدينية والإثنية في البلاد.

في الوقت الراهن يمسك الشرع بزمام الأمور في دمشق، فالدستور الموقت ينص على أن تستمر الحكومة الانتقالية مدة خمسة أعوام قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، مما يعني أن الشرع سيبقى في السلطة خلال المستقبل المنظور، وتظل الوزارات الأكثر نفوذاً بيد حلفاء الشرع وهو يتربع على قمة السلطة التنفيذية، وقد أُعلن الدستور الموقت في مارس الماضي، ويتضمن وثيقة حقوق تعترف بحرية المعتقد والرأي والمساواة أمام القانون، لكنه يمنح الشرع صلاحيات واسعة للغاية، إذ سيقوم بتعيين أعضاء المحكمة الدستورية ويختار ثلث مقاعد البرلمان، في حين تُعين المقاعد الباقية من قبل لجنة عليا يختار أعضاءها بنفسه، ويمكنه في أي وقت إعلان حال الطوارئ وإلغاء ما بقي من القيود المؤسسية الضعيفة على سلطته. يشعر كثير من المسؤولين الغربيين بالقلق من احتمال عودة البلاد لنظام الحزب الواحد، على غرار نظام الأسد، أما كثير من السوريين فيرون في الشرع، وهم على حق، براغماتياً متطرفاً ومستعداً لتقديم التنازلات والتخلي عن التزامات وتحالفات إشكالية، طالما أن ذلك يخدم سعيه الحثيث نحو السلطة.

ولكن لا يبدو أن الأمور تسير نحو عودة سوريا لحكم الفرد المطلق حتى وإن كان ذلك ما يتمناه الشرع في قرارة نفسه، فالنظام الذي يتشكل تحت قيادة الشرع يتضمن عناصر من الحكم السلطوي، إضافة إلى ملامح من تنظيم فدرالي ولا مركزي، ويواجه هذا النظام صعوبات كبيرة في ترسيخ سيطرته على سوريا وكسب تأييد جميع مكونات المجتمع السوري، فقيادة “هيئة تحرير الشام” تُحكم قبضتها على المستويات العليا في وقت تقدم تنازلات لمجموعات أخرى تسعى إلى دمجها في المستويات الدنيا، بما في ذلك الفصائل المسلحة الإثنية التي تسيطر على أجزاء من الجنوب والشرق، وقد بدأت هذه الجهود بالفعل تبلغ حدودها القصوى، إذ تعاني المستويات العليا اختناقاً إدارياً نتيجة تمركز القرار في أيدي عدد محدود من المسؤولين، إضافة إلى توجه انقسامي على الأرض بفعل مقاومة المجموعات المتنافسة لعملية استيعابها في النظام الجديد.

وطالما بقيت مجموعات عدة، مثل الميليشيات الدرزية في الجنوب الغربي والأكراد في الشمال الشرقي، خارج دائرة نفوذ “هيئة تحرير الشام”، فستظل الأخيرة تسيطر جزئياً فقط على سوريا، وفي مرحلة ما سيتعين على الهيئة إما استيعاب هذه المجموعات أو مواجهتها أو القبول الضمني بواقع فعلي لا تمارس فيه السيطرة على كامل الأراضي السورية، وفي حال عزوفها عن التحرك فستغدو مسألة إعادة تركيب الدولة المركزية أمراً مستحيلاً، كما تواجه سوريا مشكلات جدية وخطرة تشمل اقتصادها المنهار وإمكان تجدد الصراع الداخلي والتدخلات المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها قوى خارجية، وبالتالي لن تقدر الحكومة الانتقالية على التعامل مع تلك القضايا كلها إذا استمر حال التنازع على السلطة في البلاد.

حلقات السلطة

لقد برهن الشرع و”هيئة تحرير الشام” على قدرتهما على المرونة والتكيف، فعندما سيطرت الهيئة على إدلب عام 2019 لم تكتف برفض تنظيميْ “القاعدة” و”داعش”، بل تخلت كذلك عن الجهادية والسلفية بشكل عام، واصطفت إلى جانب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي الذي يحظى بشعبية في أوساط السكان المحليين، كما تصالحت مع الصوفيين الذين كانت الهيئة في أشكالها السابقة تعتبرهم خصوماً، وتخلت الهيئة عن هدفها العلني السابق في تصحيح عقائد الناس وتنازلت عن كثير من معتقداتها الأيديولوجية وأطروحاتها السياسية، فعلى سبيل المثال قررت “الهيئة” العام الماضي تجميد قانون “الأمر بالمعروف” الذي اقترحه المحافظون في إدلب، والذي كان يفرض الفصل الصارم بين الجنسين في معظم الأماكن العامة ويقيد عدداً من المسائل الثقافية، بما في ذلك الموسيقى ولباس النساء والمثلية الجنسية، وفي يونيو (حزيران) 2020 شنت “الهيئة” حملة قمع ضد تنظيم “القاعدة” في إدلب بالتزامن مع حرب شاملة ضد تنظيم “داعش”.

انبثقت هذه المقاربة من تقييم واقعي لموقع “الهيئة” في أواخر العقد الثاني من الألفية، فقد أدركت أنها لا تمتلك الكوادر الكافية لإدارة إدلب بفعالية، واضطرت إلى استمالة الغالبية الصامتة من المسلمين في المنطقة، أولئك الذين لا يدينون بالولاء القوي لأية جهة فاعلة، ويرجح أنهم يرفضون مواقف الهيئة الأيديولوجية الأكثر تشدداً، وقد عززت “الهيئة” سيطرتها على إدلب من خلال تقديم نفسها كبديل عن المتشددين مثل “القاعدة” و”تنظيم الدولة الإسلامية”، وكذلك عن نظام الأسد، وبهذا ضاقت المساحة أمام القوى السياسية المنافسة.

عملياً واصلت الهيئة تفويض جزء كبير من شؤون الحكم في إدلب، بما في ذلك قطاعات مثل التعليم والصحة، إلى أطراف ثالثة مثل المنظمات غير الحكومية الأجنبية، ولم تسمح بأية معارضة سياسية منظمة أو انتقادات لهيمنتها السياسية في المحافظة، لكن بحلول عام 2024 شعرت بالثقة الكافية في موقعها في إدلب، مما دفعها إلى تخفيف بعض مظاهر سيطرتها السلطوية، فأتاحت المجال أمام بعض منظمات المجتمع المدني ووسعت قاعدة التمثيل في البرلمان المحلي، وذلك بعد موجة احتجاجات شعبية اجتاحت المحافظة، وقد أظهر الشرع فطنة سياسية حين أدرك أن بقاء مجموعته يتطلب مزيجاً من الإبقاء على قبضته السياسية المحكمة وفتح هامش محدود  وغير مهدد لحكمه أمام الأصوات المعارضة والبديلة.

شكلت تجربة إدلب نموذجاً اعتمد عليه الشرع في توسيع مشروعه، لكن حكم سوريا من دمشق ليس كحكم إدلب، وكما في إدلب لا يمكن لـ “الهيئة” أن تعتمد على كوادرها وحدهم في حكم البلاد، فالدولة أكبر بكثير وأشد تنوعاً من تلك المحافظة، وللحفاظ على السيطرة تحتاج الحكومة الجديدة إلى الاعتماد بصورة أكبر على الدول الأجنبية من أجل الحصول على دعم دبلوماسي، بخاصة في ما يتعلق برفع العقوبات، وكذلك على الدعم المالي والاقتصادي من دول الخليج والغرب لإعادة بناء البيروقراطية وتمويل الجيش، كما لا يمكن للحكومة الجديدة فرض رؤيتها بصورة أحادية في كثير من المناطق، ولا سيما تلك التي لا تزال المجموعات المسلحة الأخرى تملك نفوذاً فيها، وتضطر الحكومة إلى تقديم تنازلات تحت ضغط المعارضة المحلية، وعلى رغم أن حلفاء سوريا من دول الخليج والغرب قد لا يطالبون بإرساء ديمقراطية حقيقية، فإنهم يتوقعون من دمشق أن تضمن قدراً من الشمولية في التمثيل والمشاركة السياسية.

تعمل “هيئة تحرير الشام” من خلال دوائر متعددة للسلطة، وفي مركزها يعتمد الشرع على مجموعته وشبكة من المقربين الموثوقين للإشراف على الشؤون السياسية والأمنية والعسكرية، وتشمل الدائرة الثانية قادة إسلاميين مخضرمين وشخصيات مؤثرة ذات خبرة في الحكم في إدلب لا ينتمون رسمياً إلى “الهيئة” لكنهم يضطلعون بأدوار محورية في إدارة الإدارة المدنية، أما الدائرة الثالثة فتضم أفراداً من ميليشيات سورية مدعومة من تركيا تنضوي تحت لواء “الجيش الوطني السوري”، وقد بقيت هذه المجموعات خارج سيطرة الحكومة على رغم المحاولات الرامية إلى دمجها ضمن وزارة الدفاع الجديدة، وتشكل الدائرة الرابعة المجتمعات العربية السنيّة التي تسعى الهيئة إلى تحويلها إلى قاعدة دعم موثوقة للنظام الجديد.

وقد نظمت الحكومة الموقتة مؤتمراً لـ “الحوار الوطني” في أواخر فبراير (شباط) الماضي دعت إليه كثيراً من الشخصيات البارزة والمعارضة في محاولة لتوسيع القاعدة الاجتماعية للنظام الحاكم الجديد، وقد ساعد هذا المنتدى في منح حكومة شرع الانتقالية غطاء من الشرعية، كما مكن من إدماج أطراف هامشية ربما كانت لتظل على الهامش وتتصرف كقوى معرقلة، غير أن هذا النهج يوشك أن يبلغ حدوده، فاعتماد الشرع على شبكة ضيقة من المستشارين المقربين أدى إلى تركيز مفرط في صنع القرار، مما يثير تساؤلات حول مدى شمولية النظام ويكشف ضعفاً في قدراته المؤسسية، كما أن هيمنة أعضاء الهيئة وحلفاءها الإسلاميين على الحكومة الحالية فاقم المخاوف لدى كثير من السوريين من “أدلبة” الدولة،  أي نقل بيئة إدلب المحافظة والسنيّة والثورية المناهضة للأسد إلى فسيفساء دمشق المتنوعة.

وفي الوقت ذاته بدأت مجموعات أخرى أقل قرباً من “الهيئة” تبتعد منها، فبعض الفصائل التي تملك نفوذاً سياسياً وعسكرياً يمكنها من فرض شكل من أشكال الحكم الذاتي، مثل بعض الفصائل الدرزية في الجنوب، أو جماعة “جيش الإسلام” السلفية السنيّة التي تحاول بناء جهاز مدني – عسكري خاص بها في ضواحي العاصمة، ترفض عروض الدخول في النظام الجديد، وتبدو المسافة عن الدولة أوضح في حال “قوات سوريا الديمقراطية” بقيادة الأكراد في الشمال الشرقي، فالقوات التي تسيطر على منطقة واسعة ذات حكم شبه ذاتي على الحدود مع تركيا والعراق وافقت اسمياً على الاندماج ضمن وزارة الدفاع لكنها تركت تفاصيل هذا الاندماج غامضة، وقدمت مطالب عدة تتعلق بالدستور المرتقب وضمانات لحقوق الأقليات والحفاظ على بعض مظاهر الاستقلال العسكري.

ما يتشكل ليس دولة الحزب الواحد، خصوصاً وأن “هيئة تحرير الشام” لا تملك من القوة ما يؤهلها لإنشاء مثل هذا النظام، بل نظام سلطوي هجين وأكثر تعقيداً. في هذا النظام تحتفظ الهيئة بالمواقع الأكثر نفوذاً بينما تفوض أدواراً أقل أهمية لجهات أخرى، ويسيطر الشرع وحلفاؤه إلى حد كبير على أهم الوزارات، الخارجية والدفاع والداخلية والمجلس الأعلى للأمن الوطني الذي أُنشئ حديثاً – فيما يلعب الوزراء من خارج الهيئة أدواراً ثانوية فقط، ويبقى أن نرى مدى تبرم أولئك الشركاء من هذه الترتيبات ومتى سيتوقفون عن أداء أدوارهم فيها.

لا وقت نضيعه

للأسف سوريا بحاجة ماسة إلى حكومة مستقرة وكفؤة، فهي تواجه تهديدات آنية عدة، فالوضع الاقتصادي لملايين السوريين كارثي والبلاد تقف على حافة الانهيار، ووفقاً للأمم المتحدة فإن الاقتصاد إذا استمر على مساره الحالي فلن يعود لمستويات الناتج المحلي الإجمالي التي كانت قائمة قبل اندلاع الصراع إلا بعد نحو ستة عقود، ومن دون مساعدات اقتصادية عاجلة، ولا سيما من خلال تخفيف العقوبات التي فرضتها القوى الخارجية على نظام الأسد، فمن المرجح أن يزداد الوضع سوءاً مما يصعب على الحكومة الجديدة بناء جهاز بيروقراطي وأمني فعاليْن.

علّق الاتحاد الأوروبي عدداً من العقوبات في قطاعات الطاقة والنقل والمصارف، ومدد الاستثناءات الإنسانية إلى أجل غير مسمى، إلا أن سوريا لا تزال خاضعة لعقوبات مشددة من جانب الولايات المتحدة، وبسبب مركزية المؤسسات المالية الأميركية في الأسواق العالمية، على رغم محاولات إدارة ترمب الحالية إعادة توجيه الاقتصاد العالمي، فإن من غير المرجح أن تقوم دول كبرى أو جهات خاصة باستثمارات كبيرة في البلاد ما لم يتغير الموقف الأميركي.

وكذلك يجب على الشرع التعامل بجدية مع تداعيات أعمال القتل الطائفية التي جرت في مارس الماضي في القرى العلوية على امتداد الساحل السوري، فقد كان الأسد ينتمي إلى الطائفة العلوية وكان يتمتع بدعم قوي منها، وبعد معارك مع فلول تابعة للنظام شنت مجموعات مسلحة تابعة اسمياً لوزارة الدفاع في حكومة الشرع، لكنها تعمل باستقلال عنها، إضافة إلى مقاتلين أجانب وميليشيات محلية، هجمات على المناطق العلوية، وأسفرت أعمال العنف عن مقتل ما يصل إلى 1000 شخص بينهم مدنيون وعناصر من القوى الأمنية ومتمردون، كما وثقت منظمات حقوقية تنفيذ عمليات إعدام تعسفية بحق مدنيين علويين على أيدي مقاتلين محسوبين على الحكومة.

ويثير هذا الوضع قلقاً بالغاً نظراً إلى تصاعد الطائفية بين بعض المجتمعات السنيّة في وسط سوريا وساحلها مع تنامي الدعوات إلى الانتقام من العلويين، وقد يكون لهذا التوتر الطائفي تبعات خطرة على الشرع، إذ قد تتردد القوى الخارجية في مساعدة الحكومة الجديدة إذا ما ساورها الشك في قدرتها على منع العنف المجتمعي، وحتى الآن استُبعد العلويون إلى حد كبير من الهياكل السياسية والأمنية، وقد يفاقم هذا التهميش خطر اندلاع تمرد تقوده عناصر أمنية سابقة من النظام وأفراد من الطائفة العلوية، مما يهدد استقرار جهود الحكومة الجديدة في تهدئة الأوضاع.

عيّن الشرع لجنة للتحقيق في عمليات القتل ومحاسبة المسؤولين عنها، وتراقب دول عدة في الخليج والغرب مجريات الأمور عن كثب، ويمكن لعملية شفافة وواضحة، تعالج عمليات القتل وتطمئن العلويين، أن تبعث برسالة إيجابية إلى الخارج في شأن نيات الحكومة الجديدة وقدرتها على إعادة بناء سوريا موحدة، أما الفشل في التحرك أو تكرار ما جرى على الساحل خلال مارس الماضي فقد يشعل دوامات جديدة من العنف ويقوض الثقة في الشرع، وفي تلك الحال ستصبح القوى الخارجية أقل استعداداً لتخفيف عبء العقوبات على سوريا، وستتعمق الأزمة حتماً مصحوبة بتفجر التوترات الاجتماعية والعنف، وبدلاً من أن يبشر الشرع بفجر جديد لسوريا، سيكون قد مهد الطريق لليل آخر من اللايقين.

مترجم عن “فورين أفيرز” مارس (آذار)/ أبريل (نيسان) 2025

جيروم دريفون، محلل رفيع في شؤون الجهاد والصراعات المعاصرة ضمن “مجموعة الأزمات الدولية”، وألّف كتاب “من الجهاد إلى السياسات، كيف احتضن جهاديو سوريا السياسة؟”، وشارك في تأليف كتاب يظهر قريباً بعنوان “تغير تحت تأثير الشعب، “هيئة تحرير الشام” والطريق إلى السلطة في سوريا”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى