التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 23 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

———————————

سورية الجديدة (1)| جوفيات حرب وأصابع إسرائيلية هامشية في السويداء/ شهيرة سلوم

23 ابريل 2025

عند مطلع دارة القنوات، مقرّ الرئيس الروحي لطائفة الموحّدين الدروز حكمت الهجري في جبل العرب، يتقدّم رتلٌ من الأهالي بأزياء مختلطة، بعضها عسكريٌّ. يغرسون في خواصرهم ساريات أعلام بألوان خمسة، ويخبطون الأرض مردّدين “هولا هالي السويدا والربع سلطان، يقحمون الموت دايماً ما يهابوا المنيّة”. يدخلون رهطًا تلو رهط ساحة الدارة قبل أن يشكّلوا دائرة. يتقدّم أحدهم إلى الوسط ويبدأ القفز والدبك بالعلم، يلحق به آخَرٌ فتعلوا الأهازيج أكثر وتختلط الأنفاس مع الكلمات وكأنّها جندٌ في معركة. يتسابق الرجلان في الخبط والدبك، فتدبّ الحماسة في الحشد. تلك “الجوفيّة”، كما يسمّيها الأهالي، التي تُسيَّر عادةً في أوقات الحرب، كانت آتية إلى حكمت الهجري داعمةً ومبايعةً، يستقبلها الشيخ عند باب مضافته، قبل أن يودّعها بعد وقت قصير استعدادًا لرتل لاحق.

أثناء مغادرة الوفد، يتقدّم نحونا رجلٌ بثياب عسكريّة معلنًا أنّهم فصيل شباب شهلا، جاؤوا لإعلان الدعم للشيخ ووضع أنفسهم تحت تصرّفه. على الرغم من الوفود الشعبية، فإنّ شيخ العقل حكمت الهجري الذي يعدّ أعلى مرجعية روحية للطائفة، كان رافضًا الحديث إلى الإعلام خصوصًا بعد التسريبات من داخل أحد مجالسه، التي بيّنت موقفًا حادًا من دمشق. مع هذا استقبلَنا، وأكّد على أنّ الاتصالات مع الإدارة السورية الجديدة لم تنقطع، عبر محافظ السويداء مصطفى بكّور، لكن “الحكومة متعنّتة”. اكتفى بهذا، قبل أن يضيف: “منتظرون الآن، ونحن نستعدّ لسيناريوهات عدّة”، وماذا تنتظر يا شيخنا “التطوّرات الدولية؟”، وأيّ سيناريوهات؟ لا يُجيب، لكنّ حجيج الوفود المترَأسة ببزّة عسكرية إليه، وصيحات الجوفيّات، وما علِمنا به خلال لقاءاتنا مع فصائل عسكرية تُوالي الهجري، قد يشي بواحد من هذه السيناريوهات: “القتال”، وهو ما لم يخفِهِ الشيخ لاحقاً. لا يتحكّم الهجري بالفصائل العسكرية الأساسية في الجبل (رجال الكرامة وأحرار الجبل)، لكن يأتمر بأمره تجمّع من فصائل عدّة، أغلبها شُكّل حديثاً بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

تسلّم حكمت الهجري، الذي تتوارث عائلته المنصب الديني الأرفع في المحافظة منذ القرن التاسع عشر، مشيخة العقل بعد وفاة شقيقه الشيخ أحمد في حادث سير غامض عام 2012. شاكس الأخير نظام الأسد، حين دعا إلى انشقاق الدروز عن الجيش، وعارض تشكيل مليشيا من الطائفة للقتال مع النظام. كما رفض إصدار بيان ضدّ انشقاق أوّل ضابط درزي عن جيش الأسد خلدون زين الدين، الذي شكّل كتيبة سلطان باشا الأطرش، وقُتل في معارك ظهر الجبل في المحافظة (يناير/كانون الثاني 2012) ضدّ قوات النظام. حاول الأسد استرضاء الشيخ أحمد، فلم يفلح. يتناقل أبناء المحافظة بأنّه في تلك المضافة التي استضافنا فيها الشيخ الهجري في القنوات، وعلى بُعد أمتار قليلة من مكان جلوسنا، نام بشار الأسد عميقًا. حينها جاء إلى مضافة الشيخ أحمد، طالبًا أن يرتاح فيها لدقائق، فأُخليت له، وغفا حتى الصباح. كان ذلك في مارس/آذار 2011، بعد اندلاع الثورة السورية. المرّة الثانية التي جاء بها إلى السويداء، كانت بعد خمسة أيام من وفاة الشيخ أحمد بحادث سير غامض يقول البعض إنه كان اغتيالًا.

تسلّم الهجري المشيخة داعمًا للأسد منذ البداية، ولم يتحوّل عنه إلّا في عام 2021، حين أهانه رئيس فرع الأمن العسكري في درعا لؤي العلي. ويعدّ مفتاحًا أساسيًّا في المحافظة، بما يمثله من سلطة دينية وزمنية عليا. توجّهت إليه القيادة الجديدة بعد خلع نظام بشار الأسد، وفتحت معه قنوات اتصال، لكنّ موقفه المعلن كان الأكثر تشددًا تجاه دمشق مقارنة بشيخَي العقل الآخرين؛ حمود الحناوي ويوسف جربوع، وهو ما ترك تأثيرًا واضحًا على شعبيته، ودفعه إلى نوعٍ من الاعتكاف.

أذرع عسكرية انفصالية

مرتديًا بزّة عسكرية، داخل مضافة بيت جبليّ في بلدة شنيرة القريبة من الحدود مع الأردن، يجلس قائد المجلس العسكري في السويداء طارق الشوفي، مقدّمًا فصيله المسلّح المنشَأ حديثًا ذراعًا عسكريةً للهجري. يستهلّ الحديث معنا من انشقاقه عن جيش النظام في عام 2015 حين كان يخدم في محافظة إدلب، وهي رواية يشكّك فيها ناشطون التقيناهم في وقت سابق، متحدّثين عن فرار من الجيش وليس انشقاق. ينتقد الشوفي نظام الأسد، لكن لا يُخفي معارضته لفصائل الثورة، بقوله إنّ الأسد وبعد إطلاقه المساجين المتطرّفين في صيدنايا (2012) “حوّل الثورة إلى إرهاب”.

لا تُعرف انطلاقة واضحة للمجلس، بعد سقوط النظام أو قبله، ويظهر حديث الشوفي عن التأسيس مرتبكًا، يقول إنّ تشكيله بدأ مع بدء حراك السويداء (2023)، ثم يعتبره امتدادًا للمجلس العسكري للجنوب (2016)، والمجلس العسكري الذي كان يقوده العقيد المنشق ربيع حمزة، قبل أن يُشير إلى أنّ الإعلان عن مجلسه حصل “لحظة سقوط النظام، وبعض الفصائل انضمت إلينا بينهم (نشام الجبل)، وبعضها الآخر عارضنا”، وفي مقدّمة المعارضين له، أكبر فصيلين مسلّحين في الجبل: رجال الكرامة وأحرار العرب.

يعود ليضيف “كنّا نعمل في السرّ مع الجيش الحرّ منذ الانشقاق، في درعا والقنيطرة ودير الزور والمنطقة الشرقية”. ماذا عن عناصره وتسليحه؟ جميعهم من الجنود المنشقّين، لم يذكر عددهم. أمّا التسليح فيقول إنّه جاء “بأموالنا وبجهد شخصي، وعند سقوط النظام استولت مجموعاتنا على الأسلحة المتوسطة والخفيفة”، وهنا مربط الفرس لسلاح الفصائل التي تشكّلت متكاثرةً بعد سقوط النظام في الجبل.

واضحةٌ معارضة هذا التشكيل المسلّح للقيادة السورية الجديدة إذ يسمّيها “بسلطة الأمر الواقع”، ويرى أنّ وصول أحمد الشرع إلى السلطة “كان على طريقة الانقلاب العسكري؛ لم يمدّوا أيديهم للضباط المنشقين. حاولوا الاعتماد على الفصائل الموالية لهم”.

في وقت سابق، أثار الشوفي الجدل بردّه على عرض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، قائلًا “نشكر كلّ من يدعم ويساعد في الدفاع عن الطائفة الدرزية”. يكرّر موقفه هذا أمامنا بقوله “إذا كانت إسرائيل تريد تقديم الحماية، فلا أستطيع منعها. لم أطلب منها أن تحمي الدروز، ولا أستطيع أن أرفض إذا جاءت لحمايتهم. هذا الموقف عند الحكومة”.

وعن طروحات الانفصال، يضيف “لا نريد الانفصال عن سورية، نريد علاقة جيدة مع العاصمة”، معتبرًا أنّ النظام الأمثل لسورية هو الفيدرالي “وهو مطبق فعليًا بدون إعلان”، في إشارة إلى التقسيم الواقعي الذي كان جاريًا خلال فترة الأسد. ينفي التنسيق مع أي جهة خارجية أو الارتباط بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ويعلّل ربطهم بها “لتشابه الطروحات”. لا تبدو للرجل أيّ حنكة سياسية؛ ففي انتقاده منفعلاً للإدارة الجديدة، يقول إنّها متطرّفة لأنّها “أقامت علاقات مع أفغانستان”، ومع “تركيا، النظام الإسلامي”، لكن يا رجل “أفغانستان دولة مساحتها أكبر من سورية بأربع مرّات ونظام تركيا ليس إسلاميًا، ماذا تقصد؟” فيتراجع قليلًا، ويقول: “نحن نعمل وفق توجيهات الشيخ حكمت الهجري، وما يقبله نقبله، نحن نملك القرار العسكري، أما القرار السياسي، فبيده”، مع العلم بأنّ الأخير نفى سابقًا دعمه للمجلس.

في المضافة التي التقينا فيها الشوفي صورة لجمال عبد الناصر وكمال جنبلاط وابنه وليد. نسأله عن سبب تعليقها، يردّ أنّها “صورة قديمة تمثل توجّه والدي، ولا تمثلني. الأفكار التي طُرحت لم تعد مناسبة حاليًا”.

يُحكى في المحافظة أنّ عناصر المجلس متورّطون في حادثة رفع العلم الإسرائيلي الشهيرة، وهذا ما ينفيه الشوفي، معتبرًا أنّها “حالة فردية”. وكان شباب من السويداء قد أنزلوا العلم السوري المرفوع وسط دوار العنقود عند مدخل السويداء الشمالي، ورفعوا مكانه العلم الإسرائيلي. لم تمضِ دقائق، حتى هرع آخرون وأنزلوا العلم الإسرائيلي، رافعين مكانه علم طائفة الموحّدين الدروز بألوانه الخمسة؛ الأخضر، والأحمر، والأصفر، والأزرق، والأبيض. حادثة تلقى استهجان كلّ من التقيناهم هنا.

من التيارات التي تتبنّى طروحات انفصالية، وإقامة الإقليم الجنوبي (في درعا والقنيطرة والسويداء) أسوة بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية (قسد)، وإقامة السّلام مع إسرائيل؛ حزب اللواء السوري. لم نرصد وجودًا لأنصار هذا الحزب خلال وجودنا في المحافظة، لكن حدثتنا عنه ناشطات شاركن في حراك ساحة الكرامة في أغسطس/آب 2023، قلن إنّه تأسّس بتسهيل من ضابط المخابرات السوري علي مملوك، ومؤسسه ينشط من هولندا ويُدعى مالك أبو الخير. لا يحظى الحزب بشعبية في المحافظة، لكنه يوزّع أموالًا على الناس، ولديه جناح عسكريّ يضمّ بضع مئات المسلحين، ويُعلن ولاءه للشيخ الهجري (بيان أصدره في مارس الماضي). ولا يستبعد البعض تورّط أنصاره أيضًا في حادثة رفع العلم الإسرائيلي.

جربوع: لن نسلّم السّلاح ولن يدخل الغرباء السويداء

في مقام عين الزمان، وسط مدينة السويداء مقرّ شيخ العقل يوسف جربوع، تبرز نواحٍ أخرى من أعمال ناشئة لمشيخة العقل الثالثة في المحافظة. تتوزّع في ساحاته لافتات تشير إلى مكاتب صحّية، وإغاثية، وخيرية، وتعليمية، إضافة إلى “مكتب حلّ النزاعات”، وهو نوع من المحكمة المحليّة أُسّست في ظلّ غياب الدولة لحلّ النزاعات الأهلية.

بدا الشيخ جربوع، الذي عُرف بمعارضته لحراك السويداء وانحيازه لنظام الأسد، مرحّباً بتشكيلة الحكومة الجديدة، مثنيًا خصوصًا على الطريقة الحضارية في إعلان الحكومة والبرنامج الذي قدّمه كلّ وزير أمام الإعلام. وعن التواصل مع دمشق، يشير إلى أنّه يحصل بالحدّ المقبول عبر المحافظ (مصطفى بكور)؛ أمّا عن التجاوب، فهو أيضًا بالنسبة له “بالحدّ المقبول”. يتطرّق إلى العلاقة التي تربطه بوزير الزراعة الجديد، ابن السويداء، أمجد بدر، وينفي أن يكون قد رشّحه، لكنّه يؤكّد على أنّه معارض قديم فصل من عمله سابقًا بسبب مواقفه المعارضة، ومن مؤسّسي ساحة الكرامة (حراك السويداء 2023). بالنسبة لمستقبل سورية ورؤيته لنظام الحكم المحبّذ له، يرى أنّ الصورة حاليًا ضبابية خصوصًا بعد أحداث الساحل والتصرّفات الطائفية؛ فهذا مبعث قلق لدى الطائفة، قبل أن يشير إلى مآخذه على الإعلان الدستوري، قائلًا إنّه لا اعتراض على أن يكون دين الدولة الإسلام أو رئيس الدولة مسلمًا، لكنّ اعتراضه على أن يكون “الفقه الإسلامي مصدرًا أساسيًا للتشريع”، فهذا تعبير فضفاض. يُظهر جربوع خلال حديثه امتعاضًا واضحًا من دمشق “ما نراه اليوم ضبابي يدعو للتخوّف، ننتظر ونراقب”.

بالنسبة لطروحات التقسيم، يؤكّد أنّ ما طُرح من مشاريع التقسيم إبّان الاستعمار الفرنسي “رُفض من أهلنا وعلى رأسهم قائد الثورة سلطان الأطرش؛ نحن جزءٌ من الجغرافيا السورية ومن المكوّن السوري، ولا زلنا متمسكين بهذا الخيار، لأنّه ضمانة للطائفة”. إذًا؛ موقف الشيخ جربوع المُعلَن ضدّ التقسيم؛ ضدّ الدويلات.

عن الملفّ الأمني، يرى أنّ التخلّي الأمني من الدولة بدأ منذ النظام الأسدي، “وخلال فترة الحرب (بعد الثورة)، شُكّلت فصائل مسلّحة، منها تابعة للجهات الأمنية الحكومية (يقصد نظام الأسد)، ومنها أهلية، ما خلق مرجعيات عدّة للفصائل المسلّحة تسبّبت بفوضى أمنية”. منذ سقوط النظام حتى الآن، لا تزال الدولة غائبة، يقول. ويشير جربوع إلى مشروع مطروح لحلّ مشكلة الأمن يتمثل بإنشاء تشكيلات من الأمن العام والجيش، عناصرهم حصرًا من أبناء السويداء ولحماية أمن المحافظة فحسب، أمّا “الإشراف فيكون لحكومة دمشق”، وهذا قد يساعد في مكافحة الفوضى ويعيد هيبة الدولة. لكن ألا يخالف إنشاء ضابطة عدلية مشكّلة “من أبناء محافظة السويداء حصرًا”، مفهوم الدولة المركزية الشاملة ويحلّ التقسيم المناطقي أمنياً؟ يردّ “صحيح لكن لكلّ وقت ظروفه”. هل هناك مشكلة ثقة بين أبناء سورية؟ يرى أنّ ما جرى في منطقة الساحل تحديدًا أضعف الثقة في الحكومة الحالية في إمكانية حفظ الأمن، ويعزّز هذا عامل وجود غير السوريين أو ما يسمّى بالمهاجرين في الجيش السوري “فلا ثقة بهؤلاء الأشخاص في محافظة السويداء خصوصًا، تاريخهم إرهابي”، ليعود إلى ما جرى في الساحل واصفًا إيّاه بأنّه “إبادة دينية وعرقية واضحة”.

ولمعالجة مسألة انعدام الثقة وبهدف عدم إفشال مساعي الدولة، سيحمي السويداءَ أبناؤها، أمّا في مرحلة لاحقة بعد استقرار دولة مدنية “قد يجوز الذهاب إلى غير ذلك”. بالنسبة للتفاهمات مع دمشق، الردّ واضحٌ: “لا نيّة لنا بتسليم السلاح، ولا نقبل دخول الغريب إلى المحافظة”، ويعني بالغريب أبناء غير المحافظة.

يستعيد الشيخ جربوع عَرَضًا الهجوم الذي شنّه تنظيم “داعش” من الناحية الشرقية عام 2018، وهُرِعَ لمواجهته خمسون ألفاً من أبناء المحافظة؛ وهو هجومٌ يستذكره أغلب مَن التقيناهم، للإشارة إلى همّة أبنائهم في ردّ الاعتداءات، دون إغفال أيادي نظام الأسد في تدبيره وفتح الطريق أمامه، عبر نقل عناصر داعش من المخيّمات إلى مشارف المنطقة الشمالية الشرقية. ويقول إنّه كان مقاتلًا في ساحة المعركة حينها إلى جانب الشيخ الحناوي.

يعود جربوع إلى الغمز واللّمز من دمشق، ويرى أنّ الأحوال تحوّلت من سيّئ إلى أسوأ بعد سقوط النظام من الناحية الأمنية والاقتصادية، مع خسارة العديد من الأهالي لوظائفهم بعد فصلهم من العمل ومنهم عناصرُ الجيش المسرّحون. ويتقدّم ملفّا فصل الموظفين؛ أو تعليق عملهم، بحسب ما يؤكّد لنا مسؤول في إدارة الإعلام بموقع آخر من جولتنا، وتسريحُ عناصر النظام السابق، أسباب المشكلة الأمنية في مختلف محافظات سورية، وليس في السويداء فحسب؛ لتتعاظم هذه المشكلة في الساحل السوري؛ الخزّان البشري لمؤسّسات نظام الأسد العسكرية والخدمية.

نتطرّق في الحديث مع الشيخ إلى مسألة التدخل الإسرائيلي، فيشير إلى أنّ زيارة وفد من حضر ضمّ 150 رجل دين وشخصية درزية سورية، إلى مقام النبي شعيب في قرية حطين، دينيةُ الطابع، وكانت قائمة قبل عام 1967، لكن بعد حرب 1973 توقفت، وانقطعت الصلات بين حضر والجولان، إذ تنقسم أحيانًا العائلة الواحدة بين مناطق سوريّة وثانية محتلّة. ويؤكّد أنّ صاحب المبادرة هو شيخ عقل دروز فلسطين موفق الطريف (المعروف بعلاقته الوطيدة مع الحكومة الإسرائيلية) لإعادة التواصل بين المنطقتَين. أمّا بالنسبة لعرض إسرائيل تقديم الحماية للدروز، فاعتبر أنّ هدفه سياسيٌّ “لإبعاد محافظة السويداء عن تاريخنا العربي والوطني، نحن لم نطلب الحماية من إسرائيل ولا نعلم أن أحدًا منا طلب ذلك”. وعن التواصل مع شيخ العقل في فلسطين، “فهذا طبيعي موجود وقائم قديمًا”، قد يكون بأوقات متباعدة لكنّه قائم “تواصل أهل بأهل، ولا يجري بحث أيّ موضوع سياسي خلال التواصل”. ويشير إلى أنّ أبناء المحافظة موزّعون أساسًا بين أربع دول (يقصد لبنان وسورية وفلسطين والأردن)، لكلٍّ خصوصيتها، “ولا تدخّل لأيّ منها في شأن غيرها”.

تقارير عربية

سورية تُزيح خمسة عقود من الرعب (4): النزع الأخير للوحش

ليست المرّة الأولى التي تتدخل إسرائيل في شأن الموحّدين الدروز في سورية، فحين شنّ الرئيس السوري أديب الشيشكلي حملة على أهل الجبل عام 1954، واعتقل ابن سلطان الأطرش وقمع التظاهرات بالرصاص الحيّ، وجدت الفرصة سانحة لتقديم نفسها حاميةً لأهل جبل حوران، مهدّدة بالتدخل. وفي سنوات الثورة السورية، أعلنت عن مواقف مماثلة على فترات متباعدة، وصلت إلى حدّ المطالبة بإنشاء منطقة عازلة لأتباع الطائفة السوريين في الجولان المحتلّ، بعد هجوم على أبنائها في جبل السماق في إدلب (شنّته جبهة النصرة عام 2015). وكان شيخ عقل الطائفة في فلسطين موفق طريف، قد جمع مساعدات لشراء السلاح لأبناء السويداء بعد هجمات ضدّهم بين عامي 2013 و2015، كما يواظب على لقاء المسؤولين الإسرائيليين، طالبًا حماية أتباع الطائفة السوريين.

                                          ********

“يا بني وطني: ليس لكم على اختلاف المذاهب والفئات إلّا عدوٌّ واحد هو الاستعمار”

سلطان باشا الأطرش، من بلاغ الثورة عام 1925

العربي الجديد

——————————————

نتنياهو في المصيدة السورية/ عامر عبد المنعم

22/4/2025

وقع نتنياهو في المصيدة السورية، ولن يخرج منها منتصرا، وإن لم يبادر ويخرج بسرعة من الفخ الذي أوقع نفسه فيه، ويبحث له عن طريق للهروب يحفظ له ماء الوجه سيكون في موقف لا يحسد عليه، ولن يخرج منه سالما، حيث ستغلق عليه كل الأبواب، ليواجه مصيره في أسوأ الجبهات التي فتحها بحثا عن انتصار بعد الهزيمة في غزة، وظن أنه يُنسي بها الإسرائيليين فشله وعجزه عن تحقيق أي إنجاز في القطاع الفلسطيني المحاصر من كل الجهات.

لم يتحمل الإسرائيليون سقوط بشار الأسد الذي لم يطلق رصاصة على الاحتلال، ودفعهم الغيظ والغضب للهجوم على سوريا منذ الليلة الأولى لتغيير النظام، مستغلين حالة الانتقال السياسي وضعف القدرة العسكرية للحكم الجديد، وبروز النزعة الانفصالية للطوائف المتمردة، ووجود الاحتلال الأمريكي في أكثر من 40% من الأراضي السورية، وغياب نصف الشعب السوري مهجرين بالخارج والربع نازحين في الداخل.

لم يعلن الإسرائيليون هدفا محددا من وراء التوغل واحتلال مناطق واسعة في جنوب غرب سوريا والوصول إلى جبل الشيخ، واستمروا في القصف الجوي منذ أكثر من 3 أشهر للمطارات والمعسكرات والمواقع الاستراتيجية، فتارة يقولون إنهم يوسعون منطقة أمنية منزوعة السلاح لحماية المستوطنات في الجولان، وتارة أخرى يزعمون أنهم يحمون الأقليات، وفي بعض الأحيان يقولون أنهم يخشون من هجوم جماعات سورية مسلحة، ومؤخرا أعلنوا رفضهم لوجود حكم إسلامي سني على حدودهم!

    رعب طوفان الأقصى

لا يستطيع الإسرائيليون نسيان ما جرى في طوفان الأقصى وهجوم جنود القسام بأسلحتهم الخفيفة على فرقة غزة وهزيمتها، وأسر قادتها وجنودها، رغم التفوق العسكري الإسرائيلي وتقنيات الذكاء الاصطناعي وكل الترتيبات العسكرية التي تضمن الأمن للكيان، ويدفعهم الرعب من تكرار الهجوم البري إلى استمرار الحرب وتدمير القطاع، طمعا في استسلام حماس ورفع الراية البيضاء، ويفتحون جبهات أخرى في معارك لا نهائية غير مبالين بالعواقف.

الخوف من تكرار الهجوم أصاب نتنياهو ومعاونيه بالهلع وفقدان العقل والاتزان، وبدلا من وقف العدوان على غزة والبحث عن هدنة طويلة والاستجابة لمطالب الشعب الفلسطيني وحقوقه، وهي أقصر الطرق لاستعادة الأمن والهدوء؛ فتح الإسرائيليون جبهات خارجية واندفعوا في حروب عدوانية بدعاوى ” القضاء على التهديد” وهو هدف مستحيل، وقرروا التأسيس لسياسة دفاعية جديدة تنتقل من الدفاع إلى الهجوم الاستباقي، لا تكتفي بتقوية الدفاعات داخل حدود الكيان، وإنما بالتوسع العسكري خارجه، أي العمل العسكري الدائم داخل غزة وفي دول الجوار.

     منظومة الدفاع البري متعدد الطبقات

أعلن نتنياهو عن المنظومة الجديدة للدفاع البري متعدد الطبقات، وتناولها القادة العسكريون بالشرح في الإعلام الإسرائيلي، لإقناع الرأي العام بضرورتها الاستراتيجية لإنقاذ دولة الاحتلال من الزوال، وتتكون المنظومة من ثلاث طبقات، الأولى: داخل الأراضي الإسرائيلية حيث يتم تطوير الخطط الحالية وسد الثغرات التي كانت سببا في اجتياح الغلاف، والطبقة الثانية: داخل أرض العدو (غزة ولبنان وسوريا) حيث تنتشر القوات الإسرائيلية في منطقة فاصلة، يختلف عمقها حسب الطبيعة الجغرافية والعملياتية، ويتراوح الانتشار بين الوجود الدائم في نقاط استراتيجية أو من خلال دوريات برية، ومراقبة جوية دائمة بالمسيرات، والطائرات المقاتلة التي يمكنها قصف أي هدف أيا كان وفي أي وقت، والطبقة الثالثة: نزع السلاح من المناطق والدول المجاورة التي تشكل تهديدا لـ “إسرائيل”.

خطط نتنياهو للدفاع متعدد الطبقات تنقل الصراع العربي الصهيوني إلى مرحلة بالغة الخطورة، فهي لا تحترم سيادة الدول، وتعطي الإسرائيليين سلطات مطلقة في العدوان وتوجيه الضربات بلا حساب، وهي اعتداء صريح على القانون الدولي، الذي لا يعطي أي دولة مشروعية احتلال أرض الغير، والعدوان على الجيران بمزاعم منع التهديد.

إذا تم تمرير السلوك الإجرامي والقبول بحق الإسرائيليين في تنفيذ خططهم العدوانية في غزة ولبنان وسوريا، فما الذي يمنعهم من العدوان غدا على مصر والأردن وأي دولة عربية أو إسلامية إذا شعر الكيان وداعموه بالخوف والريبة؟!

    العدوان على سوريا مغامرة خاسرة

إذا كان الإسرائيليون قد نجحوا في تقييد حزب الله – ولو بشكل مؤقت-، لكونه جماعة داخل دولة، من خلال الضغط على الحكومة والجيش اللبناني واستغلال الوضع الداخلي المعقد، فإن تنفيذ الخطة الإسرائيلية في سوريا له تداعيات أكبر مما يتوهمه صانع القرار الإسرائيلي، فالصراع هنا مع دولة، تحظى بالتعاطف من طيف واسع من دول عربية وإسلامية وحتى أوربية لأهمية سوريا ولأسباب سياسية ومصلحية.

قد تكون الحكومة السورية الجديدة ضعيفة عسكريا لكن قوتها في شعبها الذي خاض حرب تحرير طويلة وقاسية، وتحمل القصف الجوي بالبراميل والصواريخ، وقاوم الغارات الروسية من الجو وتصدي للاحتلال الإيراني وقواته البرية حتى نجح في النهاية في تحقيق الانتصار، ورغم حرص الرئيس السوري أحمد الشرع على تجنب المواجهة الآن قبل إعادة بناء الدولة المدمرة وعودة الشعب المهجر؛ فإن استمرار العدوان الإسرائيلي قد يفرض على السوريين القتال مكرهين.

لا يحتاج السوريون إلى الدبابات والطائرات القديمة التي دمرها الإسرائيليون، ويكفيهم العنصر البشري الاستشهادي –بالملايين- الذين يمكنهم في أي لحظة  تنفيذ هجوم مماثل لطوفان الأقصى على قوات الاحتلال المتوغلة في الأراضي السورية وسحقها، ويمتلك السوريون الطائرات المسيرة والصواريخ التي تمكنهم من فرض معادلة جديدة تردع الاحتلال، وتجبر نتنياهو إلى العودة إلى اتفاقية فك الإشتباك الموقعة عام 1974 التي أعلن الشرع أنه ملتزم بها.

لقد ذاق الإسرائيليون الرعب في معركة رمزية في درعا، عندما توغلوا في مدينة نوى بالدبابات، فخرج عليهم الشباب السوري والمقاومة الشعبية بأسلحة خفيفة واشتبكوا مع الإسرائيليين، ونشر الإعلام الصهيوني -وقتها- عن سقوط قتلى وجرحى من جنودهم، وتم إنهاء المعركة بدخول المسيرات والقصف المدفعي واستخدمت المروحيات لفتح طريق للانسحاب.

قد يهدد نتنياهو بضرب مقار الحكم وتدمير الدولة، لكنه سيكون ارتكب خطأ عمره، وسيفتح على نفسه معركة كبرى، فالجولاني وأفراد حكومته سيرتدون ملابس الحرب ويخوضون معركة وجود لن تكون أصعب من مواجهة جيوش بشار والدول التي كانت معه، وسيواجه الإسرائيليون جبهة واسعة يصعب حصارها، حتى لو تورط معه الأمريكيون بشكل مباشر، وخلف سوريا تركيا وخلفهما العالم الإسلامي الذي سيجدها فرصة للانتقام لغزة، التي لا يستطيع المسلمون الوصول إليها ونصرتها.

    ستكون المواجهة مع تركيا

يعلم الإسرائيليون أن تركيا تقف مع السوريين بكل قوتها، وترفض الأطماع الإسرائيلية في سوريا لأسباب استراتيجية وعقدية، وإذا ما قرر نتنياهو مواصلة العدوان فإنه يقترب من الصدام مع الأتراك، الذين سيمدون السوريين بالأسلحة المتطورة القادرة على تهديد الكيان الصهيوني، وخشية هذا السيناريو الكارثي على الإسرائيليين تدخل ترامب، الذي طلب من نتنياهو في زيارته الأخيرة لواشنطن عدم إغضاب أردوغان والبحث عن تجنب الصدام.

في البداية شجعت المواقف العنترية لترامب نتنياهو للتفكير في الدخول في حرب مع الأتراك وبدأ يناقش خطط المواجهة المحتملة، لكن العجز الإسرائيلي والأمريكي في غزة حتى الآن أمام الصمود الفلسطيني الأسطوري، والفشل في ردع الحوثيين في البحر الأحمر من الدوافع التي أجبرت ترامب على التراجع والتعقل وتهدئة الجبهات، خاصة بعد غرق الرئيس الأمريكي في الأزمات الداخلية بعد قرارات الرسوم الجمركية التي هزت مكانة الولايات المتحدة، ووضعها في مواجهة مع الصين وأوربا وباقي دول العالم.

الحكومة السورية الجديدة تسير بخطى محسوبة، وقد نجحت في توحيد الدولة والقضاء على خطط التقسيم، وأفشلت النزعات الانفصالية للطوائف، وبالتأكيد لديها خطط كاملة بالاتفاق مع الأتراك لمواجهة العدوان الإسرائيلي، ولن يكون أمام نتنياهو غير التوقف عن العدوان والانسحاب، وإن لم يتم الخروج الإسرائيلي من سوريا طواعية فسيكون بالإكراه.

المصدر : الجزيرة مباشر

صحفي وكاتب مصري، شغل موقع مساعد رئيس تحرير جريدة الشعب، ورئيس تحرير الشعب الالكترونية.

———————————

تركيا وإسرائيل.. الصراع بين التحمل أو الحرب!/ فخري شاهين

22/4/2025

تعيش إسرائيل حالة من الارتياح بسبب الدعم الذي يوفره لها النظام العالمي، والذي أعطاها مساحة واسعة للتصرف، مما جعلها تتصرف بثقة مفرطة.

فقد بدأت إسرائيل تتوهم أنه يمكنها فعل أي شيء تريده دون التفكير في العواقب أو إمكانية معاقبتها، وذلك لأنها زرعت الخوف في الدول المجاورة لها، لكن هذا الوهم -ككل الأوهام- منفصل تمامًا عن الواقع.

وشهد العالم في الفترة الأخيرة التهور الإسرائيلي في الهجمات التي شنتها داخل الأراضي السورية، والتي كانت تحمل رسائل واضحة لتركيا.

وقد يتساءل بعضنا: كيف يمكن أن تكون ضربة في سوريا موجَّهة إلى تركيا؟ أو ما علاقة ما يحدث في سوريا بتركيا من الأساس؟

الجواب بسيط: لم تعد الملفات الإقليمية معزولة فيما بينها، فكل ما يحدث -أو قد يحدث- في سوريا أو ليبيا أو البلقان أو قره باغ أو قبرص أو حتى في القرن الإفريقي، بات يرتبط بشكل مباشر بالأمن القومي التركي.

وبرأيي، فإن تجاهل إسرائيل هذه الحقيقة هو السبب الجوهري في سوء تقديرها السياسي في سوريا.

وبغضّ النظر عما يقال، فهناك بعض الحقائق الجديدة في سوريا:

الحقيقة الأولى: سوريا باتت تحت إدارة جديدة.

الحقيقة الثانية: هذه الإدارة تتصرف بوعي وثقة، وتتحرك وفق خطة لا بردود أفعال.

الحقيقة الثالثة: كل قوة وكل مكسب تحققه الدولة السورية يُعَد خسارة مباشرة لإسرائيل.

من الواضح أن إسرائيل تدرك فقط الحقيقة الأخيرة، أي أن كل تقدُّم تحققه سوريا سيكون ضدها. لكن الأهم من ذلك، هو أن إسرائيل قد تغافلت عن الحقيقة الثانية، التي تكمن في القوة العقلانية الجديدة التي تمتلكها الإدارة السورية الجديدة.

فالحكومة الجديدة في سوريا تتصرف بوعي، وستتحرك بشكل عقلاني وعلى خطى هادئة. ولذلك، يمكننا القول إن أي مجتمع ينجح في أن يصبح دولة، سيحقق النصر في النهاية، عاجلًا أم آجلًا.

لكن النصر لم يعد يعني سوريا فقط، بل أصبح يشمل دولًا أخرى في المنطقة، وعلى رأسها تركيا.

لم تعد تركيا مجرد موضوع نقاش على طاولات الآخرين، فقد ازداد نفوذها بفضل الزخم والإنجازات العسكرية التي حققتها في ربع القرن الأخير، إذ أصبحت لاعبًا أساسيًّا في منطقة الشرق الأوسط، ولم يعد قرارها يخضع للتأثيرات الخارجية.

وأوضح مثال على ذلك هو فشل إسرائيل في انتزاع دعم أمريكي صريح ضد تركيا، مما اضطرها إلى العودة خالية الوفاض، وهو ما يعكس أن القرار بشأن تركيا أصبح حصريًّا بيد أنقرة، ولا يحق لأحد التدخل فيه.

    السياسة الخارجية التركية

عند النظر إلى السياسة الخارجية التركية منذ نشوء الجمهورية، نلاحظ أنها مرت بمرحلتين أساسيتين تكمل إحداهما الأخرى.

المرحلة الأولى كانت تحت قيادة مصطفى كمال أتاتورك، الذي صاغ سياسة “سلام في الداخل. سلام في العالم”، وهي سياسة تعتمد على الحياد والتركيز على الأمن الداخلي وتجنُّب المواجهات المباشرة.

تلك السياسة بقيت تشكل العقيدة الأساسية لتركيا حتى وقت قريب، على الرغم من بعض الاستثناءات مثل تدخلها في قبرص عام 1974. ولكن مع مرور الزمن، وتحديدًا في السنوات الخمس عشرة الأخيرة، بدأ التحول.

في السنوات الأخيرة، بدأت المرحلة الثانية، وبدأنا نرى تحولًا حقيقيًّا في السياسة التركية. فمع صعود الرئيس رجب طيب أردوغان، جرى تبنّي مبدأ جديد “عالم أكثر عدلًا ممكن”.

وهذا الشعار يعكس تغيرًا كبيرًا في الاستراتيجية التركية، إذ أصبحت تركيا تسعى إلى أن تكون فاعلة، وأن تضع بصمتها في تشكيل مستقبل المنطقة والعالم.

ما تحاول إسرائيل فعله اليوم هو دفع الدولة والأمة التركية إلى الانخراط في معركة قبل أوانها في سوريا، لكن الحقيقة التي تغفل عنها إسرائيل هي أن “عقل الدولة” التركي قد حدد توقيت هذه المعركة سلفًا، وبدأ الاستعداد لها منذ وقت طويل.

فكل خطوة تتخذها تركيا وكل مشروع تطلقه، سواء أكان في سوريا أم في أي مكان آخر، هو جزء من هذا الاستعداد المتواصل.

إحدى الحقائق التي يجب وضعها في الحسبان هي أن “التحمل” لم يكن يومًا مجرد ضعف أو انتظار، بل كان جزءًا من التحضير للمرحلة القادمة.

أما الآن، فلم تعد عبارة “إما التحمل أو الحرب” ملائمة، لأن الاستعداد للحرب قد بدأ فعلًا، والتحمل أصبح جزءًا من الاستعداد للعملية الكبرى، ولا مجال الآن للانتظار.

وبالنسبة للنصر فإنه ليس الهدف الأساسي في هذه اللحظة، فالقضية لا تكمن في بلوغ النهاية، بل في خوض المعركة.

سياسي تركي

الجزيرة

——————————-

 صحيفة: قلق أميركي من خطط تركية لنقل منظومة S-400 إلى سوريا

2025.04.22

قالت صحيفة “Ekathimerini” اليونانية إن التحذيرات في الأوساط السياسية الأميركية تصاعدت بعد ورود تقارير تفيد بأن مسؤولين أميركيين ناقشوا مقترحاً تركياً يقضي بنقل منظومة الدفاع الجوي الروسية الصنع “S-400” من الأراضي التركية إلى سوريا، ما أثار قلقاً بالغاً لدى عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي.

وأشارت الصحيفة إلى أنه ورغم عدم وجود قرار رسمي بشأن هذا المقترح حتى الآن، فإن طرحه ضمن نقاشات دبلوماسية أثار موجة انتقادات في واشنطن، لما له من تداعيات خطيرة على أمن الحلفاء، وعلى رأسهم إسرائيل، وعلى صدقية العقوبات الأميركية، بالإضافة إلى التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط.

وفي رسالة رسمية موجهة إلى وزارة الخارجية الأميركية، أعرب النائبان الجمهوري غوس بيليراكس والديمقراطي براد شنايدر بحسب ما ورد في صحيفة “Ekathimerini” اليونانية، عن رفضهما الشديد للفكرة، محذّرَين من أن تنفيذ هذا المقترح سيُشكل “تصعيداً خطيراً”، مؤكدَين أن “المنظومة ستُغيّر المشهد الدفاعي الإقليمي في حال نشرها على الأراضي السورية، خاصة في الممر الغربي للبلاد”.

تأثير استراتيجي وأمني واسع

وأكد النائبان أن منظومة S-400، التي يصل مداها إلى 400 كيلومتر وتملك قدرة متقدمة على رصد الأهداف الشبحية واعتراض الصواريخ، ستحدّ بشكل كبير من قدرة إسرائيل على تنفيذ ضربات جوية ضد الأهداف الإيرانية أو قوافل الأسلحة المتجهة إلى “حزب الله”.

وأضافا: “بغض النظر عن الجهة التي ستتولى تشغيل النظام – تركيا أو جهة حليفة للنظام السوري – فإن النتيجة واحدة: المزيد من التعقيد الأمني في منطقة تشهد توترات متصاعدة، وإذا بقيت السيطرة بيد أنقرة، فإن خطر المواجهة المباشرة مع إسرائيل سيصبح احتمالًا واقعياً.

رفض تخفيف العقوبات

وأوضح النواب أن محاولة تبرير هذا النقل كوسيلة لتخفيف العقوبات المفروضة على أنقرة بموجب قانون “مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات” (CAATSA) هو تفسير مضلل، مؤكدين أن العقوبات فُرِضت بسبب حصول تركيا على المنظومة من روسيا، وليس بسبب مكان وجودها.

وقالَا في الرسالة: “نقل المنظومة إلى سوريا لا يُلغي الانتهاك بل يُغيّر موقعه فقط، والتساهل في هذا الملف سيقوّض صدقيّة قانون العقوبات الأميركي، ويُشجع على التمادي في خرق السياسات الاستراتيجية للولايات المتحدة”.

دعوة لإحاطة سرية

كما طالب النائبان بعقد إحاطة سرية مع الكونغرس لتقييم التداعيات الأمنية والاستراتيجية المحتملة في حال نُفذت خطة نقل منظومة S-400، داعيَين مكتب الشؤون السياسية-العسكرية في وزارة الخارجية إلى إجراء تقييم شامل لتأثير ذلك على “التفوق العسكري النوعي لإسرائيل” والوجود الأميركي في سوريا.

————————–

الشرق الأوسط على المقاس الإسرائيلي!/ محمد عايش

21 – أبريل – 2025

الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على سوريا ولبنان، تؤكد أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تقوم بتغيير شامل للمنطقة بأكملها، وأن لديها مشروعا للتوسع يتضح بشكل أكبر يومياً، حيث تريد إسرائيل خلق مناطق نفوذ واسعة لها في المنطقة برمتها، وهو ما يعني بالضرورة انتهاك سيادة الدول المجاورة والاعتداء على وجودها.

أبرز ملامح التوسع الإسرائيلي في المنطقة تجلى في المعلومات التي كشفتها جريدة «معاريف» الإسرائيلية، التي قالت إن الطيران الإسرائيلي رفض منح الإذن لطائرة أردنية كانت تقل الرئيس الفلسطيني محمود عباس نحو العاصمة السورية دمشق، واضطر الرئيس عباس للسفر براً من الأردن إلى سوريا، للقاء الرئيس أحمد الشرع، كما أن الصحيفة كشفت بذلك أيضا، أن القوات الإسرائيلية هي التي تسيطر على المجال الجوي لسوريا وتتحكم به. وفي التقرير العبري ذاته تكشف الصحيفة، أن وزارة الدفاع الأمريكية بدأت تقليص وجودها العسكري على الأراضي السورية، وهو ما يعني على الأغلب والأرجح أنه انسحاب أمريكي لصالح الوجود الإسرائيلي الذي بات واضحاً في جملة من المناطق السورية.

إسرائيل استغلت سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي وتوغلت فوراً داخل الأراضي السورية، كما قامت بتدمير ترسانة الأسلحة السورية، وسبق تلك الضربات الكبيرة التي تعرض لها حزب الله اللبناني، وما يزال، والتي تبين أن لا علاقة لها بمعركة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حيث اعترفت أجهزة الأمن الإسرائيلية، بأن عمليتي «البيجر» و»الوكي توكي» كان يجري الإعداد لهما منذ سنوات، وإن التنفيذ تم عندما اكتملت الإعدادات، وهو ما يعني أن الضربة التي تلقاها حزب الله كانت ستحصل لا محالة، سواء شارك في الحرب، أم لم يُشارك، حيث كان يتم التخطيط لها إسرائيلياً منذ سنوات. هذه المعلومات تؤكد أنَّ إسرائيل لديها مشروع للتوسع والهيمنة في المنطقة، وأنَّ هذا المشروع يجري العمل عليه منذ سنوات، ولا علاقة له بالحرب الحالية على قطاع غزة، بل إن أغلب الظن أن هذه الحرب كانت ستحصل لا محالة في إطار مشروع التوسع الاسرائيلي في المنطقة.

الهيمنة الإسرائيلية على أجواء سوريا، والاعتداءات اليومية على لبنان واليمن ومواقع أخرى، يُضاف إلى ذلك القرار الإسرائيلي بضم الضفة الغربية، وعمليات التهويد المستمرة في القدس المحتلة، إلى جانب تجميد أي اتصالات سياسية مع السلطة، من أجل استئناف المفاوضات للحل النهائي.. كل هذا يؤكد أن المنطقة برمتها تتشكل من جديد، وأن إسرائيل تحاول أن تُشكل هذه المنطقة لصالحها، وتريد أن تقفز على الشعب الفلسطيني ولا تعتبر بوجوده.

خلاصة هذا المشهد، أن إسرائيل تقوم باستهداف المنطقة بأكملها، وتقوم بتغييرها، وتقوم بتدوير المنطقة لصالحها، وهذا يُشكل تهديداً مباشراً واستراتيجياً لدول المنطقة كافة، بما في ذلك الدول التي ترتبط باتفاقات سلام مع إسرائيل، خاصة الأردن ومصر اللذين يواجهان التهديد الأكبر من هذا المشروع الإسرائيلي الذي يريد تهجير ملايين الفلسطينيين على حساب دول الجوار، كما أن دول التطبيع ليست بمنأى هي الأخرى عن التهديد الاسرائيلي الذي تواجهه المنطقة.

اللافت في ظل هذا التهديد أن العربَ صامتون يتفرجون، من دون أن يحركوا ساكناً، إذ حتى جامعة الدول العربية التي يُفترض أنها مؤسسة العمل العربي المشترك لا تزال خارج التغطية، ولا أثر لها أو وجود، كما أن المجموعة العربية في الأمم المتحدة لم تتحرك، ولا يبدو أن لها أي جهود في المنظمة الأممية من أجل مواجهة هذا التهديد الإسرائيلي.

كاتب فلسطيني

القدس العربي

————————-

إعادة تموضع أميركية في سوريا | واشنطن تغري دمشق: الانسحاب مقابل التطبيع

بدأت الولايات المتحدة خطة لتنفيذ انسحاب جزئي من سوريا على ثلاث مراحل، في انتظار تقييم جديد خلال 60 يوماً، يُحتمل أن ينتهي بالإبقاء على نحو 500 جندي أميركي فقط في الداخل السوري وعدد محدود من القواعد في سوريا، في خطة تهدف إلى تلبية رغبة الرئيس دونالد ترامب في تخفيض التدخل العسكري في الدول الأجنبية. ويأتي هذا في ظلّ تسارع التحولات الإقليمية، وسعي واشنطن لتمرير عرض سياسي – أمني متكامل إلى دمشق، عنوانه الظاهر تقليص الوجود العسكري الأميركي في سوريا، فيما مضمونه الحقيقي استدراج السلطة الجديدة نحو التموضع في المحور الأميركي، على قاعدة التطبيع مع إسرائيل والعداء الكامل لإيران.

وبالفعل، بدأت الولايات المتحدة انسحاباً جزئياً من خلال إخلاء شبه كامل لأكبر قاعدتين في سوريا، هما: «القرية الخضراء»، المعروفة بـ«العمر» في ريف دير الزور الشرقي، و«الفرات» والمعروفة بـ«معمل غاز كونيكو» في ريف دير الزور الشمالي، بالإضافة إلى قاعدة ثالثة بالقرب من بلدة الباغوز على الحدود السورية العراقية، علماً أن الجنود المتواجدين في تلك القواعد انسحبوا في مسارين: الأول في اتجاه «الشدادي» لتعزيزها، والآخر في اتجاه القواعد الأميركية في كردستان العراق، حسبما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين بارزين. وأوضح المسؤولون أنه «بهذا التحرك، انخفض عدد أفراد الجيش الأميركي من 2000 جندي إلى 1400 جندي». وأضاف هؤلاء أن «القادة العسكريين سيعيدون تقييم الوضع بعد 60 يوماً (…) وسيوصون ببقاء ما لا يقل عن 500 جندي في المنطقة لاحقاً».

بدورها، أصدرت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) بياناً أعلنت فيه أنه «سيتم تقليص الوجود العسكري الأميركي في سوريا إلى أقل من ألف جندي في الأشهر القادمة»، في خطوة وصفتها بأنها «عملية مدروسة ومشروطة». كما أعلن المتحدّث الرسمي الرئيسي للوزارة، شون بارنيل، عن «توحيد القوات في سوريا تحت قيادة قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب، في مواقع مختارة». ورأى أن هذا الإجراء «يعكس الخطوات الكبيرة التي قطعناها نحو تقليص جاذبية «داعش» وقدراته التشغيلية إقليمياً وعالمياً».

ويأتي ذلك فيما يبدو أن الأميركيين يواصلون سعيهم لاستمالة الإدارة السورية الجديدة، واستثمار سيطرتها على العاصمة دمشق، لإنهاء وجود حركات المقاومة الفلسطينية هناك، بالإضافة إلى دفع التطبيع مع إسرائيل، وتصنيف «الحرس الثوري الإيراني» على لائحة الإرهاب، وفقاً لوثيقة مسرّبة لقائمة من المطالب الأميركية من سوريا، مقابل إمكانية رفع العقوبات عن الأخيرة بشكل تدريجي.

ويُحتمل، هنا، أن تكون واشنطن قد نفّذت هذا الانسحاب الجزئي لتأكيد جدية احتمال تسليم دمشق آبار النفط أيضاً، مقابل ضمان قيام نظام سياسي صديق لأميركا وإسرائيل، وخصوصاً أن القاعدتين اللتين تم الانسحاب منهما تقعان في أغزر مناطق انتشار النفط والغاز. كما أن توحيدها القوات العاملة في سوريا تحت لواء عملية «العزم الصلب»، يستبطن رسالة باستعدادها لحماية إدارة الرئيس السوري في الفترة الانتقالية، أحمد الشرع، من هجمات «داعش» – بعد إعلان الأخير الحرب على دمشق -، وأنها تريد منه التعاون لإنهاء نشاط التنظيم في سوريا ومنع استغلاله للأوضاع الأمنية للعودة من جديد.

ومع ذلك، لم ينعكس الانسحاب الأميركي هدوءاً تاماً على الأرض؛ إذ نفّذت قوات أميركية، برفقة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، جولات على سرير نهر الفرات في دير الزور، وفي بلدة تل تمر في ريف الحسكة، توازياً مع إجراء تدريبات ونقل أسلحة في عدة «قواعد» في ريف الحسكة، وتنفيذ حملة أمنية في مخيم الهول ضد خلايا تنظيم «داعش». وفي هذا السياق، تكشف مصادر مطّلعة، في حديثها إلى «الأخبار»، أن «الولايات المتحدة بدأت بتنفيذ خطة لإعادة انتشار في سوريا، كانت مُعدّة حتى قبل سقوط نظام بشار الأسد، ووصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض» موضحة أن «الخطة تقوم على انسحاب من قواعد ودمج أخرى، وتقليص عدد الجنود الأميركيين من ألفين إلى 500 جندي فقط»، علماً أنه قبل سقوط نظام الأسد بأشهر، رفعت واشنطن عدد جنودها من 900 إلى ألفين.

وتضيف المصادر نفسها أن واشنطن «ستحتفظ بثلاث قواعد رئيسية، هي: قسرك في ريف الحسكة الشمالي الغربي، والشدادي في جنوب الحسكة، مع إنشاء قاعدة جديدة في سد تشرين بريف حلب الشمالي الشرقي»، مرجّحة أن «تركّز في وجودها على استمرار مراقبة أمن مخيمات وسجون تنظيم داعش في مناطق سيطرة قسد في سوريا». وتتوقّع أن «تحتفظ الولايات المتحدة بنحو 500 جندي، إلى حين استكمال دمج «قسد» في بنية الدولة السورية الجديدة بما يتيح استكمال العمليات ضد تنظيم داعش»، معتبرة أن «هذه القواعد ستبقى أيضاً نقطة ضغط متواصلة على دمشق لدفعها إلى الانخراط في المحور الأميركي، وعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل».

———————————

هل سينجح ترامب في سحب قواته من سوريا؟/ نديم شنر

22/4/2025

في مقالي السابق على الجزيرة نت تحدّثت عن تقاطع المصالح بين إسرائيل وتركيا في الملفّ السوري، متناولًا السيناريوهات السيئة المحتملة، فقلت: “لم تُغيّر إسرائيل من إستراتيجيتها باستخدام نفوذها على الإدارة الأميركية، أو استخدام فرع تنظيم PKK الإرهابي في سوريا، كأداة لتنفيذ سياساتها.

أما الشرور التي قد تقدم عليها فهي واضحة: تنفيذ عمليات تخريب واغتيالات بغرض تغيير الحكومة السورية برئاسة أحمد الشرع في سوريا، وافتعال أعمال استفزازية باستخدام تنظيم PKK الذي يُتوقع أن يعلن حله قريبًا. فكل شيء قد يتغير، إلا إسرائيل التي تدين بوجودها للاحتلال والإبادة؛ فهي لا تتغير”.

لم أكن أتوقع أن تتحقق توقعاتي بهذه السرعة، لكن الحقيقة أنه لا حاجة لأن تكون “منجمًا” لتتوقع أفعال إسرائيل، فمجرد مراقبتها يكفي.

وهكذا، كما توقعت، أقدمت إسرائيل في نهاية الأسبوع الماضي على استفزاز جديد.

نُشرَ أول الأخبار عن ذلك في وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث أفاد موقع “Ynet” أن مسؤولين أمنيين أميركيين أبلغوا نظراءهم الإسرائيليين بنيّة الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا تدريجيًا خلال شهرين.

وعلى الرغم من جهود الحكومة الإسرائيلية لمنع هذا الانسحاب من خلال ضغط دبلوماسي على واشنطن، فإن هذه الجهود لم تؤتِ ثمارها.

وبحسب التقرير، فإن الأوساط الأمنية في إسرائيل ما زالت تواصل ضغوطها على الإدارة الأميركية.

لاحقًا، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” خبرًا يؤكد أن الولايات المتحدة بدأت بالفعل عملية انسحاب تدريجي من سوريا. وبموجب هذا القرار، سيتم تخفيض عدد الجنود الأميركيين في سوريا من حوالي 2000 جندي إلى 1400، وستُغلق ثلاث قواعد عسكرية من أصل ثمانٍ.

ومن المقرر إجراء تقييم لاحقًا بشأن إمكانية سحب المزيد من الجنود. ومع ذلك، أوصى مسؤولو البنتاغون بالإبقاء على ما لا يقل عن 500 جندي في سوريا.

وفي خضم هذه التطورات، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية في 18 أبريل/ نيسان بيانًا غير اعتيادي حذرت فيه من احتمال وقوع هجوم في العاصمة السورية دمشق.

وأشارت الوزارة إلى معلومات استخبارية موثوقة عن احتمال وقوع هجمات في أي وقت، حتى في أماكن يزورها السياح بشكل متكرر.

وتوقَّعت الوزارةُ أن تشمل الهجمات فعاليات عامة، فنادق، أندية، مطاعم، أماكن عبادة، مدارس، حدائق، مراكز تسوق، أنظمة نقل عام، وأماكن مكتظة، وقد تقع هذه الهجمات دون سابق إنذار.

بطبيعة الحال، تبادر إلى أذهان الكثيرين أن إسرائيل قد تكون وراء هذه الهجمات المحتملة.

ومن الواضح أن هذه التهديدات تأتي في سياق محاولة إسرائيلية استفزازية لعرقلة انسحاب الولايات المتحدة من سوريا. فهذه الرسائل، التي تستهدف دمشق، موجهة في الوقت ذاته إلى تركيا، وكذلك إلى الرئيس الأميركي ترامب، الذي لم يستجب لمطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو خلال زيارته الأخيرة لواشنطن.

فحكومة نتنياهو ترى في مثل هذا الهجوم فرصة لجرّ تركيا إلى صراع من شأنه أن يوقف قرار الانسحاب الأميركي من سوريا، ولذلك أعدّت هذا الاستفزاز بعناية.

فالرئيس الأميركي ترامب كان قد صدم نتنياهو بموقفه من السياسة السورية بقوله: “لديّ علاقة رائعة مع رجل يُدعى أردوغان. هل سمعتم بهذا الاسم؟ أنا أحبه، وهو يحبني. أعلم أن الصحافة ستغضب مني، سيقولون: “ترامب يحب أردوغان!” لكنني أحبه، وهو يحبني. لم نواجه أي مشكلات من قبل. عشنا تجارب كثيرة، لكن لم تحدث بيننا مشكلات. وأتذكر أننا استعدنا القس الأميركي من تركيا في ذلك الوقت، وكانت خطوة كبيرة.

قلت لرئيس الوزراء (نتنياهو): “بيبي”، إن كانت لديك مشكلة مع تركيا فأعتقد أن بإمكاني حلّها. لديّ علاقة ممتازة جدًا مع تركيا ومع زعيمها. أظن أننا نستطيع حل الأمور معًا”.

ونقل ترامب أيضًا حوارًا دار بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث قال: “هنّأته وقلت له إنه فعل ما لم يفعله أحد منذ ألفي عام. لقد أخذت سوريا، قلت له، بأسماء مختلفة، لكن بنفس المعنى. قال لي: لا، لا، لم أكن أنا. فأجبته: لا بأس، لقد كنتَ أنت، لكن لا مشكلة. فقال: نعم، ربما كنت أنا بطريقة ما”.

وأضاف ترامب: “انظروا، إنه رجل صارم وذكي جدًا. فعل ما لم يستطع أحد فعله، ويجب الاعتراف بذلك.” ثم التفت إلى نتنياهو وقال: “أعتقد أنني قادر على حل أي مشكلة بينك وبين تركيا، ما دمت منطقيًا. عليك أن تكون معقولًا. يجب أن نكون معقولين”.

بعد هذه التصريحات، انهالت الانتقادات في الإعلام الإسرائيلي، بأن إسرائيل لم تعد قادرة على استخدام نفوذها الكامل على الولايات المتحدة.

لكن قوة إسرائيل لا تنبع فقط من اعتمادها على الوجود العسكري الأميركي، بل تمتد إلى شبكات استخباراتية واسعة تديرها عبر جهاز الموساد في الشرق الأوسط، مما يمنحها قدرة هائلة على إثارة الفوضى.

وتشمل هذه القوة تجنيد العملاء، استخدام تقنيات الحرب الخفية، تنفيذ عمليات اغتيال، وتوجيه حملات دعائية إعلامية.

كما أن الأساطيل الحربية الأميركية في البحر المتوسط والقواعد العسكرية المنتشرة في المنطقة تبقى في حالة استعداد دائم لأي طارئ يهدد إسرائيل، مما يمنحها شعورًا دائمًا بالأمان لتنفيذ استفزازاتها، بما في ذلك قصف دمشق.

وهكذا، تمكنت إسرائيل من تنفيذ جرائمها في غزة، واحتلال المناطق العازلة حول مرتفعات الجولان في لبنان، وسوريا.

ورغم كل هذا، يُصر الرئيس ترامب على قراره المتكرر بسحب القوات الأميركية من سوريا.

وما كشفته وزارة الخارجية الأميركية حول استعداد إسرائيل لضرب دمشق، يعكس بوضوح الخلاف المتنامي بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وفي نفس اليوم، 18 أبريل/نيسان، أصدرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بيانًا رسميًا يُظهر نيتها عدم الرضوخ للابتزاز الإسرائيلي، وأعلنت أنها ستخفض عدد قواتها في سوريا إلى أقل من ألف جندي.

وجاء في البيان:

“في ضوء النجاحات التي تحققت ضد تنظيم الدولة، بما في ذلك فقدان التنظيم لسيطرته الإقليمية خلال فترة حكم الرئيس ترامب في عام 2019، أصدر وزير الدفاع تعليمات بإعادة تمركز القوات الأميركية في سوريا ضمن قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب، لتكون أكثر تركيزًا. تعكس هذه الخطوة التقدم الكبير في تقليص قدرة تنظيم الدولة على المستويين؛ الإقليمي والعالمي.

هذه العملية ستكون متعمدة وتستند إلى الظروف، وستؤدي في الأشهر القادمة إلى تقليص عدد القوات الأميركية في سوريا إلى حوالي 1000 عنصر.

وفي الوقت نفسه، ستواصل القيادة المركزية الأميركية تنفيذ ضربات جوية ضد فلول تنظيم الدولة، مع استمرار التعاون الوثيق مع شركائنا في التحالف الراغبين والقادرين على مواصلة الضغط على التنظيم والتصدي لأي تهديدات إرهابية جديدة”.

فهل سينجح ترامب في سحب قواته من سوريا؟

في عامي 2018 و2019، أعلن ترامب مرتين نيته سحب القوات من سوريا، لكنه لم ينجح. وفي عام 2020، صرّح جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا حينها، بأنهم كانوا يتلاعبون بالأرقام لإخفاء العدد الحقيقي للقوات الأميركية في سوريا عن ترامب، قائلًا: “كنا دائمًا نلعب ألعابًا لخداع القيادة الأميركية بشأن عدد قواتنا هناك. في الواقع، كان عددهم أكبر بكثير من الرقم الذي وعد ترامب به، وهو 200 جندي فقط”.

وأضاف في مقابلة مع موقع Defence One: “ترامب كان ميّالًا للانسحاب بعد دحر تنظيم الدولة، فقررنا في كل مرة أن نجهز خمس حجج أفضل لنبقى هناك، وقد نجحنا في مرتين. هذه هي القصة”.

تصريحات جيفري تؤكد قناعتي بأنه: في أميركا يمكنك أن تُنتخب رئيسًا، لكن لا يمكنك أن تحكم كرئيس. حتى وإن امتلكت السلطة، فقد لا تتمكن من استخدامها، وتظن فقط أنك تستخدمها.

اليوم، إسرائيل هي العامل الأكبر في عرقلة انسحاب أميركا من سوريا، بينما تركيا هي القوة الوحيدة القادرة على تحقيق هذا الانسحاب.

فإسرائيل لن تتخلى عن مشروعها الصهيوني الممتد منذ 150 عامًا لتحقيق حلم “أرض الميعاد”، ولذلك حتى لو خفضت أميركا أعداد جنودها، فلن تنهي وجودها العسكري الذي يُتيح لها التدخل في أي لحظة.

وتؤكد آلاف الشاحنات المحمّلة بالأسلحة والذخائر التي زودت بها أميركا مليشيات: PKK وPYD وYPG منذ عام 2013، على استمرار هذا الدعم.

وما دامت إسرائيل مستمرة في نهج الاحتلال، فستستمر في الضغط على أميركا أيضًا، مستفيدة من تغلغلها العميق في مفاصل القرار الأميركي؛ في السياسة، والاستخبارات (CIA)، والدفاع (البنتاغون)، ووسائل الإعلام، والفن، والمجتمع المدني.

وقد كشفت تسجيلات صوتية سرّبتها منصة The Grayzone من مؤتمر مغلق لـ AIPAC في عام 2025، أن المدير التنفيذي للجنة العمل السياسي الأميركية الإسرائيلية (AIPAC)، إليوت برانت، تفاخر بتأثيره على شخصيات كبرى مثل مدير الـ CIA جون راتكليف، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز.

وأكد برانت في التسجيلات أن هذه الشخصيات لطالما دعمت المصالح الإسرائيلية، وأن AIPAC موّلت حملاتهم وساعدتهم على الوصول لمراكز القرار، مما منحها حق الوصول إلى معلومات إستراتيجية.

الخلاصة: القوة الوحيدة القادرة على فرض انسحاب أميركي كامل من سوريا هي الجمهورية التركية عبر ثباتها في مواجهة الإرهاب.

فمنذ عام 2016، تمكّنت تركيا من إنشاء مناطق آمنة داخل سوريا عبر عمليات عسكرية ضد تنظيم PKK الإرهابي، وأسهمت في تحجيمه، وأقامت علاقات صداقة وتنسيق مع الحكومة السورية.

نعم، الأمر ليس سهلًا، لكنه ليس مستحيلًا أيضًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

كاتب وصحفي تركي

الجزيرة 

——————————–

=======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى