الناستشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

لا عودة إلى الوطن.. كيف أعاقت مصادرة نظام الأسد للممتلكات في درعا عودة اللاجئين/ فضل عبدالغني

2025.04.22

في سياقات ما بعد النزاع، يُعترف دوليًا بأن الحق في السكن والأرض والملكية يُشكّل ركيزة أساسية لتحقيق السلام، وترسيخ العدالة الانتقالية، وضمان عودة آمنة وكريمة للاجئين والنازحين.

وتُظهر تجارب النزاعات حول العالم أن غياب حقوق ملكية واضحة وقابلة للتنفيذ يُعطل مسارات المصالحة، ويُقوّض جهود التعافي المستدام. إذ تُعد الملكية، في جوهرها، مظلةً للأمن الشخصي والاقتصادي، كما ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالهوية المجتمعية، والتماسك الاجتماعي، والثقة المدنية في مجتمعات ما بعد الحرب.

في هذا السياق الحرج، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مؤخرًا تقريرًا موسّعًا يُوثّق انتهاكات ممنهجة لحقوق السكن والأرض والملكية، ارتكبها نظام بشار الأسد، تحديدًا في محافظة درعا جنوبي سوريا. وبحسب التقرير، انتهج النظام بشكل مدروس مزيجًا من التلاعب التشريعي، والتدمير المتعمد، والتشريد القسري، والاستيلاء على ممتلكات المدنيين، كوسيلة لمعاقبة كل من شارك في انتفاضة 2011 أو أبدى تعاطفًا معها.

نُفّذت هذه السياسات تحت غطاء قانوني زائف، عبر مراسيم وتشريعات مثل القانون رقم 10 لعام 2018، والمرسوم التشريعي 66 لعام 2012، والتي لم تكن سوى أدوات لإعادة رسم الخريطة الديمغرافية والاجتماعية لسوريا، ومعاقبة المجتمعات الخارجة عن سيطرة النظام. وقد أدت هذه الانتهاكات المنهجية إلى تمزيق نسيج مجتمعات درعا، مما شكّل عقبة حقيقية أمام أي إمكانية لتحقيق سلام مستدام أو عدالة انتقالية حقيقية. كما أنها باتت تمثّل حاجزًا صلبًا يحول دون عودة مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين، ويُبقيهم أسرى المنفى والشتات القسري.

الخلفية والسياق

شكّلت محافظة درعا حجر الأساس في التاريخ الحديث لسوريا، باعتبارها حاضنة للثورة السورية في مارس/آذار 2011، حين تحوّلت إلى ساحة احتجاجات شعبية كبرى مناهضة للنظام. طالبت هذه المظاهرات بإصلاحات ديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، ووضع حد لعقود من الحكم الاستبدادي تحت سلطة نظام الأسد.

في 18 مارس/آذار من العام ذاته، انطلقت أول مظاهرة حاشدة في درعا، وقوبلت بقمع دموي وفوري من قبل أجهزة أمن النظام، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين. إلا أن هذا الرد العنيف لم يُخمِد الحراك، بل غذّاه، فامتدت شرارة الاحتجاجات من درعا إلى محافظات أخرى، لتتخذ شكل حركة وطنية واسعة تطالب بالتغيير السياسي الجذري.

جاء رد النظام على هذه الانتفاضة منهجيًا ومدمرًا؛ إذ أطلق العنان لقواته العسكرية، وشنّ حملات اعتقال تعسفي، وإخفاء قسري، وتعذيب واسع النطاق. وقد وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان سلسلة من الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت بحق المدنيين في درعا منذ عام 2011، من بينها ما لا يقل عن 22,443 حالة قتل خارج نطاق القانون، من ضمنها 3,869 طفلًا و2,140 امرأة، بالإضافة إلى 8,706 حالات اعتقال واختفاء قسري شملت 224 طفلًا و194 امرأة. كما تم تسجيل 2,500 حالة وفاة تحت التعذيب، بينهم 19 طفلًا و4 نساء، فضلًا عن 158 هجومًا على منشآت حيوية، شملت 25 مدرسة و35 منشأة طبية.

وفي خضم هذا السجل الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان، برزت مصادرة حقوق الملكية كجزء من استراتيجية شاملة اتبعها النظام. وباستخدام أدوات تشريعية تُظهر ظاهرًا من المشروعية، أصدر الأسد سلسلة من القوانين والمراسيم التي شرعنت عمليًا الاستيلاء على ممتلكات المعارضين والنازحين، لتُستخدم هذه الأملاك لاحقًا في إعادة توزيع عقابية تخدم أهداف النظام السياسية والاجتماعية.

الطبيعة المنهجية لانتهاكات الملكية

منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في عام 2011، اتبع نظام الأسد سياسة منهجية لاستهداف ممتلكات المدنيين في مختلف أنحاء سوريا، مع تصاعد ملحوظ لهذه الممارسات في مناطق مثل محافظة درعا. وقد اتسم هذا النهج بالتدمير العمد، والمصادرة الواسعة، والاستيلاء المتكرر على منازل وأراضٍ وممتلكات، تعود بمعظمها إلى معارضين للنظام، أو مختفين قسريًا، أو نازحين، أو لاجئين، بل وحتى أولئك المشتبه في عدم ولائهم.

يعتمد هذا الأسلوب على سلسلة من الخطوات المنظّمة تبدأ عادةً بقصف متعمّد للأحياء السكنية باستخدام أسلحة عشوائية ومحظورة دوليًا، مثل البراميل المتفجرة، والصواريخ الموجّهة، والأسلحة الكيميائية. ونتيجةً لهذا التدمير، يُجبر السكان على النزوح القسري، ليعقب ذلك استيلاء النظام على الممتلكات المهجورة عبر المصادرة أو النهب، ما يُشكّل عقبة مباشرة أمام عودة السكان إلى ديارهم.

في صميم هذه الممارسات، أقر النظام حزمة من القوانين والإجراءات التشريعية التي صُممت خصيصًا لتُضفي مظهرًا قانونيًا على عمليات نزع الملكية الجماعية، تحت ذرائع “إعادة الإعمار” و”التخطيط العمراني”. ومن أبرز هذه الأدوات القانونية:

    المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012: رُوّج له كمبادرة لإعادة التطوير الحضري في بعض أحياء دمشق، لكنه استُخدم فعليًا كوسيلة لحرمان المعارضين من ممتلكاتهم، وإعادة تخصيص العقارات ذات القيمة العالية لصالح الموالين والمستثمرين المقربين من النظام.

    القانون رقم 23 لسنة 2015: منح الوحدات الإدارية صلاحية مصادرة ما يصل إلى 40% من أراضي القطاع الخاص، تحت مبررات فضفاضة تتعلق بـ”المصلحة العامة”، ما أدى إلى نزع ملكيات من دون تعويض عادل أو سُبل قانونية فعالة للطعن.

    القانون رقم 10 لعام 2018: يُعد الأداة التشريعية الأخطر، وقد أثار إدانة واسعة من منظمات حقوق الإنسان. فرض هذا القانون إنشاء مناطق تطوير عمراني على مستوى البلاد، مستهدفًا بشكل خاص النازحين، من خلال مهَل زمنية تعجيزية لإثبات الملكية، وهي شروط يستحيل على كثير من الضحايا تلبيتها بسبب النزوح أو السجن، ما سهّل عمليات الاستيلاء الجماعي على ممتلكاتهم.

    المرسوم رقم 140 لعام 2023: يمثل أحدث الإضافات في هذا المسار، حيث عزز من قبضة النظام على الملكيات الخاصة تحت ذريعة “إعادة الإعمار”، مما زاد من تعقيد فرص استعادة الممتلكات من قبل المجتمعات النازحة.

التأثير الإنساني: لماذا لا يستطيع اللاجئون العودة؟

لم تقتصر الانتهاكات المنهجية التي ارتكبها نظام الأسد في ملف السكن والأرض والملكية على الدمار المادي فحسب، بل أفضت إلى كارثة إنسانية معقّدة ألقت بظلالها الثقيلة على مستقبل ملايين السوريين. ويمكن رصد ثلاث وسائل رئيسية اتبعها النظام لعرقلة العودة:

    التدمير المتعمد ومحو الأحياء:

    استُهدفت أحياء وبلدات بأكملها في درعا بالتدمير الممنهج، من أبرزها: طريق السد، اللجين، حي النازحين، خربة غزالة، ونوى. وكما توثق صور الأقمار الصناعية وشهادات السكان، لم يكن الدمار عشوائيًا، بل طال عمدًا البنية التحتية السكنية، والمرافق التجارية، والخدمات الأساسية كالمدارس ومراكز الرعاية الصحية، مما حوّل هذه المناطق إلى بيئات غير صالحة للسكن، اقتصاديًا وماديًا، وجعل من العودة أمرًا شبه مستحيل.

    العوائق القانونية والإدارية:

    استغل النظام فوضى الحرب لتمرير قوانين تخدم أهدافه في الاستيلاء المنظم على الممتلكات. وبموجب هذه القوانين، مُنحت السلطات غطاءً قانونيًا لمصادرة أراضٍ ومنازل تعود لنازحين لا يملكون إمكانية تقديم وثائق ملكية، بسبب التهجير أو السجن أو اختفاء السجلات الرسمية.

    الاحتلال وإعادة توزيع الممتلكات:

    في مناطق واسعة، تولّت قوات النظام والميليشيات المتحالفة معه – سواء محلية أو إيرانية – احتلال الممتلكات المصادرة، أو إعادة توزيعها على موالين وشخصيات نافذة. وقد أُجريت مزادات علنية لهذه الممتلكات، في خطوة تعكس نية واضحة لإعادة تشكيل التركيبة السكانية بطريقة تحول دون عودة السكان الأصليين، وتُعقّد أي محاولة مستقبلية لاستعادة المجتمعات المُهجّرة.

    يعاني النازحون من أزمات نفسية متفاقمة، ناجمة عن التهجير المتكرر، وفقدان الأمل، وانعدام الشعور بالأمان بشأن المستقبل.

التأثير على المجتمعات النازحة

لم تتوقف تداعيات انتهاكات حقوق السكن والأرض والملكية عند الأفراد فحسب، بل امتدت لتُخلّف آثارًا إنسانية مدمّرة على بنية المجتمعات النازحة ككل. ويمكن تلخيص أبرز هذه التأثيرات في ثلاث عواقب رئيسية:

• فقدان سبل العيش والاستقرار الاقتصادي

لم تقتصر الانتهاكات على مصادرة المنازل، بل طالت أيضًا الأراضي الزراعية والمنشآت التجارية، التي تُعد مصدر الرزق الأساسي للعديد من العائلات. فقد أدّى الاستيلاء على الأراضي الزراعية في ريف درعا، إلى جانب تدمير البنية التحتية التجارية، إلى تجريد آلاف الأسر من مصادر دخلها واستقلالها الاقتصادي. وفي ظل غياب التعويض أو بدائل اقتصادية حقيقية، وجد اللاجئون والنازحون أنفسهم عالقين في حلقة مفرغة من الفقر والتبعية، غير قادرين على بناء حياة اقتصادية مستقرة سواء داخل سوريا أو في أماكن اللجوء.

• تفكك المجتمع والنسيج الاجتماعي

أدى النزوح القسري إلى تمزيق عميق في النسيج الاجتماعي، فقد تشتّتت العائلات، وتقطّعت الروابط المجتمعية نتيجة للانفصال الجغرافي والاضطرار إلى الهروب من المناطق الأصلية. وأسهمت التغييرات الديمغرافية المفروضة قسرًا، الناتجة عن السيطرة على الممتلكات، في زعزعة البنى الاجتماعية التقليدية، لا سيما في درعا، التي عُرفت تاريخيًا بتماسكها القبلي والمجتمعي. هذا التفكك يزيد من الشعور بالاغتراب والانقسام، ويُضعف من فرص المصالحة الوطنية، ويجعل أي مشروع للعدالة الانتقالية أو التعافي المجتمعي أكثر تعقيدًا.

• استمرار انعدام الأمن والصدمة النفسية

يعاني النازحون من أزمات نفسية متفاقمة، ناجمة عن التهجير المتكرر، وفقدان الأمل، وانعدام الشعور بالأمان بشأن المستقبل. إن عدم القدرة على العودة، أو استعادة الممتلكات، أو إعادة بناء الحياة، يُبقي آلاف العائلات في حالة من القلق الوجودي المزمن، وصدمة ممتدة تهدد الصحة النفسية والاجتماعية للأفراد والمجتمعات على المدى الطويل.

تحليل قانوني

بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، تُعد حماية حقوق السكن والأراضي والملكية عنصرًا جوهريًا في تأمين حماية المدنيين في أثناء النزاعات، وتسريع جهود التعافي وإعادة الإعمار في المراحل اللاحقة للنزاع. وتؤكد العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية عدم شرعية الاستيلاء التعسفي على الممتلكات الخاصة أو تدميرها، كما تُدين التهجير القسري بوصفه انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان.

وفي الحالة السورية، تُشكّل الممارسات التي انتهجها نظام الأسد — من تدمير ممنهج للممتلكات، ومصادرتها، وإعادة توزيعها، ولا سيما في محافظة درعا — خرقًا واضحًا لتلك المبادئ الدولية. ويقدّم توثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان دليلًا دقيقًا وشاملًا يُظهر أن هذه الانتهاكات لم تكن مجرد نتائج جانبية للحرب، بل سياسة متعمدة وواسعة النطاق تهدف إلى تفريغ المجتمعات من سكانها، في مخالفة صارخة للمعايير الأساسية للقانون الدولي الإنساني.

إن استهداف الأحياء السكنية، والأراضي الزراعية، والبنى التحتية المدنية الحيوية وتدميرها لا يمكن تبريره بأي ذريعة عسكرية، بل يُعد إجراءً عقابيًا غير مشروع، يرمي إلى تهجير السكان، ومعاقبة المعارضة، وإعادة تشكيل التركيبة السكانية للبلاد. وتتطابق هذه الأفعال مع التعريف القانوني لجرائم الحرب الوارد في المادة 8(2)(أ)(رابعًا) من نظام روما الأساسي، لكونها “واسعة النطاق”، و”غير قانونية”، و”تُنفّذ بشكل تعسفي”.

إلى جانب ذلك، فإن إصدار النظام السوري سلسلة من القوانين التي أُشير إليها سابقًا يوضح وجود نية ممنهجة لاستخدام التشريع كأداة لتقنين المصادرة والتهجير. وتتناقض هذه القوانين بشكل مباشر مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما تُخالف المبادئ الأساسية التي نصّت عليها مبادئ بينهيرو بشأن حماية حقوق الملكية في حالات النزاع والعودة.

علاوة على ذلك، يندرج التهجير القسري الناتج عن مصادرة وتدمير الممتلكات ضمن تعريف الجرائم ضد الإنسانية، كما ورد في المادة 7 من نظام روما الأساسي، خصوصًا عندما يُمارس بشكل ممنهج ضد جماعات يُنظر إليها كخصوم سياسيين للنظام. وتشير البيانات الميدانية بوضوح إلى أن معظم من تعرّضوا للمصادرة أو فقدان ممتلكاتهم، ينتمون إلى مجتمعات تم استهدافها على خلفية معارضتها للنظام، أو بسبب ما اعتُبر “عدم ولائها”.

ردود الفعل والمسؤوليات الدولية

رغم فداحة الانتهاكات التي طالت حقوق السكن والأرض والملكية في سوريا، لا سيما في محافظة درعا، فإن رد الفعل الدولي ظل متواضعًا ومجزّأ، ولم يرتقِ إلى مستوى التحدي الذي تفرضه هذه السياسات الممنهجة. فبالرغم من إدانة العديد من وكالات الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، وحكومات غربية، لسياسات التهجير القسري والمصادرة التعسفية، إلا أن هذه الإدانات لم تُترجم إلى خطوات سياسية أو قانونية فاعلة لمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.

وقد أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عددًا من القرارات التي تُدين النزوح الجماعي وتدمير الممتلكات، كما سلطت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا الضوء مرارًا على التشريعات التي استخدمها النظام لترسيخ سياسات التهجير. إلا أن هذه التصريحات، على أهميتها من حيث التوثيق، بقيت من دون أثر ملموس، في ظل غياب آليات إنفاذ دولية فعالة أو أدوات ضغط حقيقية.

وتبقى جهود التوثيق والسعي إلى تحقيق العدالة الانتقالية رهينة للشلل الجيوسياسي، خاصة في ظل استخدام حلفاء النظام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، ما حال دون إحالة الوضع السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية. وبهذا، حُرم آلاف الضحايا من حقهم في الانتصاف القضائي، وبقيت الانتهاكات بلا محاسبة.

ملف حقوق الملكية: أولوية ملحّة أمام الحكومة السورية الجديدة

في مرحلة ما بعد سقوط النظام، تواجه الحكومة السورية القادمة تحديًا كبيرًا يتمثل في معالجة ملف حقوق السكن والأرض والملكية، سواء في محافظة درعا أو في سائر المناطق المتضررة. وتُعد هذه القضية مدخلًا أساسيًا لأي مشروع للعدالة الانتقالية وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن.

ينبغي أن تبدأ هذه المعالجة بإلغاء جميع القوانين والمراسيم التي شرعنت الاستيلاء على ممتلكات المواطنين، وعلى رأسها: القانون رقم 10 لعام 2018، والمرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012، والقانون رقم 23 لعام 2015، والمرسوم رقم 140 لعام 2023، وغيرها من الأدوات القانونية التي شكّلت الإطار التشريعي لسياسات المصادرة والتهجير.

ويجب أن يُستبدل هذا الإطار بمنظومة قانونية جديدة، تكفل استرداد الحقوق أو التعويض عنها من خلال آليات قضائية فعالة تتسم بالشفافية والاستقلالية، وتراعي شمول النازحين داخليًا واللاجئين في الخارج ممن فقدوا ملكياتهم في ظل النظام السابق.

كما ينبغي أن تتضمن خطة الحكومة إنشاء هيئة محلية مستقلة، تتولى مراجعة ملفات المصادرة، والتحقيق فيها، وتحديد المسؤولين عنها، تمهيدًا لإنصاف المتضررين ومحاسبة الجناة. ويمكن لتلك الهيئة التعاون مع منظمات دولية متخصصة، أو الاستفادة من تجارب دول مرّت بمسارات مشابهة، بهدف تطوير آليات ملائمة لتسوية النزاعات العقارية ما بعد الحرب، مع مراعاة التعقيدات القانونية والديمغرافية الخاصة بالسياق السوري.

وأخيرًا، يجب أن تُبدي الحكومة التزامًا وطنيًا يتجاوز الإصلاح القانوني، ليشمل العمل الجاد على ترميم النسيج الاجتماعي المفكك، وضمان التماسك المجتمعي، من خلال مبادرات محلية للعدالة المجتمعية، وتعزيز الثقة بين الدولة والمواطن، وتهيئة البيئة السياسية والإدارية اللازمة لعودة آمنة وكريمة للمهجّرين قسرًا إلى مدنهم وبلداتهم.

خاتمة

لم يكن النزاع في سوريا مجرد حرب تقليدية، بل صراع متعدد الأبعاد استهدف الذاكرة والهوية والجغرافيا على حد سواء. وفي درعا، كما في مدن سورية أخرى، تحوّلت أدوات الدولة — من القانون إلى القوة العسكرية — إلى وسيلة للسيطرة والعقاب الجماعي، عبر استخدام السكن والأرض والملكية كوسائل لاقتلاع من حلموا بالتغيير، وإبقائهم في دائرة النفي القسري.

وعليه، فإن هذه الوقائع تمثّل نداءً واضحًا للمجتمع الدولي، ولأي حكومة سورية قادمة، بضرورة الاعتراف بأن حق العودة لا يكتمل من دون استعادة الحق في الملكية. فلا عدالة ممكنة من دون محاسبة حقيقية واسترداد للحقوق. وحتى يتحقق ذلك، ستبقى عودة لاجئي ونازحي محافظة درعا حلمًا مؤجلًا، محفوفًا بالتعقيدات، في حين نأملها عودة كريمة وآمنة كما يستحقون.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى