أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

هل أنجز السوريون الاستقلال حقّاً؟/ مروان قبلان

23 ابريل 2025

احتفل السوريون الأسبوع الماضي (17 إبريل/ نيسان)، بالذكرى 79 لجلاء المستعمر الفرنسي عن بلادهم (1946). بالنسبة لكثيرين منهم، كان الشعور بالاستقلال هذه المرّة مضاعفاً، بعدما انزاح عن صدورهم استعمار آخر لا يقل سوءا، جسّده نظام الأسد بدمويته وإجرامه، واستعانته بالأجنبي على أبناء شعبه، لذلك حُق للسوريين أن يحتفلوا بالاستقلال مرّتين من الآن فصاعدا: يوم 17 إبريل، ويوم الثامن من ديسمبر/ كانون الأول. مع ذلك، ورغم الشعور العارم بالارتياح بين عموم السوريين، من كل الطوائف والإثنيات، بزوال نظام الأسد، وانتهاء حقبة مظلمة في التاريخ السوري المعاصر، يبقى الاستقلال السوري منقوصاً، غير ناجز، تجسّده تحدّيات كبيرة ثلاثة: أولها، وجود أربعة جيوش أجنبية، على الأقل، على الأرض السورية، وما يفرضه ذلك من استمرار انقسام البلاد وعدم قدرة دمشق على بسط سيطرتها على كامل التراب السوري. لن يكون التعامل مع هذا التحدّي سهلاً، إذ تحتفظ قوتان عظميان بوجود عسكري على الأرض السورية (الولايات المتحدة وروسيا)، ولا يبدو واضحاً كيف ستكون العلاقة بينهما، أو بينهما وبين الإدارة الجديدة في دمشق، فسياسة إدارة الرئيس ترامب السورية ما زالت غير واضحة، تتنازعها اعتباراتٌ داخليةٌ وخارجيةٌ متعدّدة، ولا نستطيع، من ثم، تبيّن هدفها النهائي: هل تسعى إلى ضبط التغيير في دمشق، هل تحاول إعادة تشكيل النظام الجديد فيها، هل تنحاز للمقاربة الإسرائيلية الرافضة له بالمطلق؟ ينطبق الشيء نفسه على السياسة الروسية التي يبدو أنها أيضاً في طور المراقبة والانتظار لما تسفر عنه مراجعة واشنطن سياستها السورية، قبل أن تقرّر خطوتها التالية. إقليمياً، يحتدم صراع النفوذ بين تركيا وإسرائيل في الساحة السورية، ما يهدّد بإغراق البلاد في فوضى جديدة، علماً أن إسرائيل احتلت أراضي سورية جديدة بعد سقوط نظام الأسد، وتفرض نوعاً من “الوصاية” على مناطق أخرى في جنوب البلاد، مانعة سلطات دمشق من الوصول إليها. تركيا أيضاً لديها مصالحها في سورية وهي على الأرجح لن تسحب قواتها من شمال البلاد قبل أن تضمن تلك المصالح، وفي مقدمها حل المسألة الكردية، وترسيم الحدود البحرية، وإعادة توطين اللاجئين.

ثاني التحدّيات التي تواجه سورية وتجعل استقلالها منقوصاً يرتبط بالاقتصاد وإعادة الإعمار. لا يقل هذا التحدّي صعوبة عن الأول، فبسبب الحرب والدمار وسياسات النهب التي مارسها النظام البائد، يرزح 90% من السوريين اليوم تحت خط الفقر، ومع الفقر تأتي كل الموبقات التي يمكن أن يتخيّلها المرء، وفي مقدمها الجهل، والجريمة، والتعصب، والإحباط، والميل إلى العنف والاحتجاج. لا يمكن إعادة بناء بلد والنهوض به و90% من مواطنيه لا يجدون قوت يومهم، ولا يمكن ذلك أيضاً وهم معتمدون كلياً على الخارج في تأمين أبسط احتياجاتهم من غذاء، ودواء، وطاقة، وغيرها. هذا يعني أن سورية ستبقى إلى أن تمتلك أدوات القوة، وتحقق القدرة الذاتية على النهوض، دولةً تابعةً خاضعة لشروط المانحين، وهذا أكبر انتقاصٍ من سيادتها واستقلالها.

يرتبط ثالث التحدّيات بالقدرة على وضع برنامج أو خطّة واضحة للانتقال السياسي، تحدّد، من دون لبس، أين تتّجه البلاد، وأين سنصل في نهاية هذه المرحلة. هذا ضروري لبناء الثقة، طمأنة السوريين إلى مستقبل بلدهم، وإشعار جميع مكونات المجتمع بأن لهم مكاناً في سورية المستقبل، فتصبح معول بناء لا معول هدم. هذه الخطوة ضرورية أيضاً للإجابة عن الأسئلة التي تخطر ببال كل سوري اليوم (خاصة رجال الأعمال) هل يعود إلى سورية، هل يستثمر فيها، هل سيكون هناك استقرار؟ هذا مهم، فوق ذلك، لإقناع الفصائل المسلحة بالاندماج في مؤسّسة وطنية واحدة، والقوى السياسية بأنها شريكة في صنع القرار الوطني. إذا لم نفعل ذلك، سيبقى السوريون طوائف، وقبائل، وفصائل مسلحة متناحرة، متنازعة، تستعين بعضها على بعض بالخارج، وهذا نقيض الاستقلال.

ما نريد قوله إن سورية لم تنل استقلالها الناجز بعد، وأن فريقاً سوريّاً واحداً، مهما امتلك من أدوات القوة، لن يمكنه منفرداً مواجهة ما يحول دون ذلك، لهذا نحتاج ورشة عمل كبرى (مؤتمر وطني دائم الانعقاد) يحشد كل الطاقات السورية (داخل سورية وخارجها) من أجل إنهاء الوجود العسكري الأجنبي، والتحرّر من الفقر والتبعية الاقتصادية، والتغلب على انقساماتنا الداخلية، عبر تكوين إجماع وطني حول شكل الدولة التي نريد ونظامها السياسي العتيد.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى