حوار مع وجد السباعي: هل التواصل اللاعنفي ممكن في السياق السوري؟

رحاب منى شاكر
24-04-2025
وجد السباعي (1959) من مواليد مدينة حمص، حاصلة على شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية من جامعة لوزان السويسرية. تأهلت لاحقًا في الوساطة وحل النزاعات والتواصل اللاعنفي. مقيمة مع عائلتها في سويسرا منذ التسعينات.
* * * * *
أين كنتِ في آذار (مارس) 2011 يا وجد، وإلى أين أودت بكِ دروب الثورة والحرب؟
قبل قيام الثورة السورية، كنتُ في حال ترقب دائم لثورات الربيع العربي في البلدان العربية الأخرى. وكان لدي أمل بالتغيير في الأنظمة في الوطن العربي. ولكن في الوقت نفسه كنت أجدني أبكي دائمًا أثناء متابعة الأخبار، وكنتُ أسأل نفسي لماذا أبكي. وقتها عرفتُ الجواب: مرّ أكثر من أربعين عامًا ونحن نعيش في خوف، وأخيرًا صار لدينا أمل، ومع ذلك كنتُ خائفة أن تصل الثورة إلى سوريا، لأننا نعرف ماذا فعل النظام في مدينة حماة في ثمانينات القرن الماضي. قلتُ لزوجي: أتمنى ألا تنفجر الثورة في سوريا، وأن تتم إصلاحات عميقة، ويتغير النظام ببطء. فأجابني: هل تتوقعين أن نظامًا مافيويًا، كنظام بشار الأسد، سوف يقبل بالإصلاحات ومشاركته بالحكم، وهل تتوقعين أن الناس الذين عانوا في السجون سوف ينسون معاناتهم؟
قررتُ في البداية ألا أكتب شيئًا على العلن، أقصد على فيسبوك، خوفًا على أهلي الذين يعيشون في سوريا. ولكن في 16 آذار خرجَتْ المظاهرة أمام وزارة الداخلية للمطالبة بالمعتقلين/ات، وقد تم وقتها اعتقال العديد من النشطاء، ومن بينهم صديقة الدراسة ناهد بدوية. لم يكن ممكنًا بالنسبة لي أن تُعتقَل ناهد وأبقى صامتة، كان هذا غير أخلاقي، وكذلك غير صحيح حيال الناس الذين تشجعوا وبادروا بالثورة. وقتها قررتُ المشاركة العلنية، وكَثُرَتْ صداقاتي وتوسّع تواصلي مع الناس. يمكنكِ القول إني كرّستُ حياتي لخدمة الثورة منذ ذلك الوقت.
تقطنين في سويسرا منذ تسعينات القرن العشرين. وأحيانًا لا يكون واضحًا ما هي طبيعة مشاركة السوريين-ات الذي خرجوا من سوريا قبل الثورة. هلّا حدثتنا أكثر عن نشاطاتكِ كي تتشكل صورة أفضل لدينا؟
حين قامت الثورة، كنتُ أتّبِعُ دورات تأهيلية في الوساطة، فتعرفتُ من خلالها على زميلة كان زوجها يقدّم النشرات الإخبارية الرئيسة الناطقة بالفرنسية في سويسرا. ويبدو أني لفتُّ انتباهها، لأني أتكلم طيلة الوقت عن الثورة السورية. فسألتني إن كنتُ مستعدة للتكلم في الإعلام عن سوريا، فوافقتُ. ومنذ ذلك الحين، صارت لدي مشاركة دورية في الأنباء لنقل صوت الشارع السوري. كما رحتُ أبحث عن السوريين-ات الذين ينظمون اعتصامات أمام مقر الأمم المتحدة. واعتبارًا من 2012 استلمتُ مع بعض الزملاء مسؤولية تنظيم تلك الاعتصامات بالتعاون مع أحد الأحزاب اليسارية السويسرية. كان ذلك أحد نشاطات جمعية أسَّسناها: نساء سوريا من أجل الديمقراطية. أغلب أعضائها كانوا من النساء، وكان معنا رجلان. مع الوقت خَفَّ اهتمام الناس بالاعتصامات والاحتفالات بذكرى الثورة، ولكني لم أتوقف عن تنظيمها حتى آخر لحظة. وفي 2024 نظمنا اعتصامًا للكشف عن مصير المعتقلين/ات في سوريا، بالتزامن مع حملة أسبوع المعتقلين التي أُطلِقت في شمال سوريا وبعض المدن الأوروبية. وحين سقط النظام السوري، نظمنا احتفاليات التحرير. وكذلك نظمنا احتجاجًا على الاعتداء الإسرائيلي على سوريا.
كما نظمت جمعيتُنا محاضرات كي نتكلم عن سوريا، ودعونا ناشطين/ات من داخل سوريا وخارجها. وغالبًا كنتُ أنا المترجمة أثناء المحاضرات والحديث مع الصحافة. وشاركنا في اعتصامات منظمة العفو الدولية ومحاضراتها، وأذكر أني ترجمتُ لهم مرة حين استضافوا فدوى محمود. كذلك ترجمتُ لها حين كانت جمعيتها «عائلات من أجل الحرية» في ضيافة وزارة الخارجية في جنيف. كذلكُ ترجمتُ مقالات وشهادات مهمة تتناول الشأن السوري، ونَشرتُها على موقع جمعيتنا.
كما تواصلنا مع الحكومة السويسرية بخصوص الشأن السوري. أجرينا لقاءات مع لجان في البرلمان، مع لجنة العلاقات الخارجية على سبيل المثال. كذلك دُعيت مرتين لتقديم عرض للجنة حقوق الإنسان. وكتبنا رسائل إلى الخارجية السورية، كل الرسائل كنتُ أنا التي أصوغها. نرسلها باسم الجمعية، ولكننا نفتح التوقيع لجميع أفراد الجالية السورية. في رسالتنا الأولى، طالبنا بإغلاق السفارة السويسرية في سوريا، وتم فعلًا إغلاقها في آب (أغسطس) 2012، لأن وزيرة الخارجية كانت يسارية، فتفاعلت معنا. السفارة السويسرية من أوائل السفارات التي انسحبت من سوريا، فتلتها السفارات الأوروبية الأخرى. وما زلنا حتى الآن نكتب الرسائل إلى الحكومة السويسرية، راسلناها مثلًا بعد الزلزال لنطالب بمساعدة الداخل السوري المنكوب عبر فتح المعابر. وآخر رسالة كانت في 2025 بعد سقوط النظام، طالبنا فيها بالسماح للاجئين-ات السوريين-ات بزيارة سوريا لمرة واحدة من دون أن يؤثر ذلك على حقوقهم في سويسرا.
وطبعًا شاركنا بإرسال المعونات الإنسانية إلى شمال سوريا والمخيمات في دول الجوار، كالثياب والأدوية والبطانيات وألعاب الأطفال. بالإضافة إلى نشاطات أخرى لا مجال لذكرها جميعها هنا، من بينها مشاريع نبعت عن اهتمام خاص مني، كمشروع التواصل اللاعنفي الذي من خلاله تعرفتُ عليكِ.
بِودّي أن نتوسّع حول موضوع التواصل اللاعنفي، لأنه من السهل الممتنع، وله علاقة بالحياة العملية والتفاصيل إلى درجة أننا قد نبخسه حقه. من أين جاء اهتمامكِ بمنهج التواصل اللاعنفي؟
تعرفتُ على هذا المنهج عن طريق زميلة كانت تعمل كوسيطة في حل النزاعات في الوسط الجامعي في إحدى الجامعات السويسرية. أخبرتني أنها تستخدم منهج التواصل اللاعنفي في حياتها وعملها. فطلبتُ منها أن تعطيني عناوين لقراءات حول الموضوع. ورحتُ أقرأ حول التواصل اللاعنفي وأُطبقه في الحياة اليومية والعائلية، فأُلاحظ نتائج ملموسة. لذلك قررتُ أن أتأهّلَ في الوساطة، واتّبعتُ عدة دورات، ووسّعتُ قراءاتي.
في تلك الأثناء اندلعت الثورة في سوريا، فقررتُ أن أستخدم الوساطة لمساعدة بلدي. ولكن حين ارتفعت وتيرة العنف بشكل كبير، أدركتُ أن الوساطة مستحيلة. فكّرتُ بالأمور التي يمكن أن تساعد ولو قليلًا، ووجدتُ أن التواصل اللاعنفي قد يكون مناسبًا. سجلتُ في دورات تأهيلية، على أمل أن أصبح مدربة، وهذا ما حصل فعلًا. إذ نظّمتُ مع إحدى الناشطات تدريبًا في اسطنبول عام 2013، وكانت هي الدورة الوحيدة التي تمّ تمويلها من قبل منظمة اسمها «مبادرة من أجل سوريا جديدة»، والتي كانت تديرها بسمة قضماني رحمها الله. حاولنا أن تضم الدورة نساءً من عدة انتماءات لكي نقرّبهن من بعضهن بعضًا، كنوع من الرد على محاولات النظام لتمزيق النسيج المجتمعي السوري. كما تطوعتُ لاحقًا بتنظيم عدة دورات تدريبية في تركيا ولبنان ومصر، بالتعاون مع متدربات دورة اسطنبول. انقطعتُ بعد ذلك عن التدريب إلى أن أعلنتِ عن رغبتكِ بالشغل على التواصل اللاعنفي، فتواصلتُ معكِ ونظمنا سوية تدريبًا عن بعد لصبايا «بيت النرجس للمعرفة النسوية». وقد نتجت عن تلك الدورة دورة أخرى عن بعد في الشمال السوري، وكان ذلك التدريب مختلطًا، أي يضمّ الرجال والنساء على حد سواء.
واللافت أن جميع المتدربات-ين كُنّ يشعرنَ دائمًا بالراحة بعد الدورات، لأنهن يسترددنَ الأمل بأنهن قادرات على فعل شيء.
ربما السؤال المفتاحي هو: لماذا يُفضَّل اللاعنف على العنف؟ لماذا علينا أن نختار الطريق اللاعنفي في رأيكِ؟ بعض الناس يجدون أنهم غير مضطرين إلى ذلك، وخاصة إذا كانوا يعتقدون أنهم على حق! لماذا هم مضطرون أن يستخدموا طريق صعبة وتحتاج إلى نَفَس طويل؟ أليس اللاعنف أصعب من العنف؟
حين أكون على خلاف مع أحدِ ما، وأعتقد أني على حق، فسوف أؤكد طوال الوقت على رأيي، من دون بذل أي جهد لانتقاء الكلمات، أو التواصل بطريقة سلسة مع الآخر. هذه هي الطريقة التي يتبعها أغلب الناس أثناء الخلافات. وبما أني أعتقد أني محقة، فهو الغلطان بالضرورة، مما يفتح المجال لتوجيه الاتهامات والمقارنات السلبية والتعميمات وغيرها من الأساليب التي سوف تقطع التواصل مع الآخر، فلا أحد يريد أن يكون محلَّ اتهام. حتى لو كان الشخص يدرك ضمنيًا أنه غلطان، سوف يمتنع عن الاعتراف بذلك. لا أحد قادر على استقبال العنف ومتابعة الحديث بطريقة تحفظ جسور التواصل.
طبعًا لن أستخدم التواصل اللاعنفي في كل الحالات، لأن ذلك سوف يتطلب جهدًا كبيرًا. أولًا: جهدٌ حتى أتمكَّنَ منه كمنهج؛ وثانيًا: جهدٌ حين أكون في حالة غضب، لأني سأَميلُ إلى تفريغ غضبي في وجه الآخر. يجب أن أقول لنفسي أن عليّ أن أهدأ، لأني مهتمة بالرابطة مع هذا الآخر. إذا لم تكن تلك الرابطة موجودة، فلن أبذل جهدًا.
دعيني أضرب مثالًا: حين ينشأ خلاف بين أفراد العائلة الواحدة، لن يكون أحدٌ مرتاحًا، وسوف يتوترون كلما تقابلوا. فإذا كنتُ مهتمة أن أبقى على تواصل مع الآخر، سوف أتمكن من إيصال تجربتي معه عبر اختيار كلمات لا تجرح، كلمات لا تقطع التواصل. سوف أستخدم كلمات تُبقي على نافذة بيني وبينه. وقتئذ سوف يكون مستعدًا أن يستمع إليّ، أو أن يتراجع عن موقفه، وقد يقول: أنا كنت غلطان، أنا آسف!! وإلا لن نصل إلى حلّ!! لذلك سيكون التواصل اللاعنفي مهمًا في العائلة الواحدة، لأننا سوف نلتقي حتى لو انقطعنا لسنوات عن التواصل. لذلك من المفيد استخدام التواصل اللاعنفي، لأنه لا يحمي الرابطة فقط من الانقطاع، بل يقويها أيضًا. هكذا تسود الأريحية ضمن الجو العائلي، والأمر نفسه ينسحب على أجواء العمل، وعلى جميع الحلقات التي نلتقي فيها مع البشر، لأن الناس كائنات اجتماعية. العلاقات هي أهم شيء في الحياة، وقد تكون مصدرَ أكبرِ المشاكل أيضًا.
لقد توصّلتُ مع الأيام إلى أن الحفاظ على الصلات الطيبة مع الناس هي قيمة أخلاقية بحد ذاتها! يحصل كثيرًا، وخاصة أيام الحرب، أن يُسارع الناس إلى قطع جسور التواصل مع الآخر، ولكن إذا حصل هذا على مستوى بلد، فسوف يؤدي ذلك إلى مجازر كما رأينا. بالنسبة لي، الحفاظ على الجسور مع الآخر قيمة أخلاقية لا تقلّ أهمية عن قيم سامية أخرى كالصدق والعدل. ما رأيكِ؟
أوافقكِ تمامًا. وأودُّ أن أؤكد على أن أهم ما يُعنى به التواصل اللاعنفي هو تقوية الروابط بين الناس.
ما هي الأسس التي انبنى عليها منهج التواصل اللاعنفي؟
يقوم منهج التواصل اللاعنفي كما وضعه مارشال روزنبورغ على أربعة عناصر أساسية: الملاحظة والمشاعر والحاجات والطلب. وسوف أبدأ بالعنصرين اللذين أعتبرهما الأهم، لأنهما ينبغي أن يكونا جزءًا من أي تواصل ينوي أن يكون لاعنفيًا. العنصران هما: المشاعر والحاجات.
بالنسبة للمشاعر، فحين نتواصل مع الآخر، سوف نتكلم عن مكنونات قلوبنا. قد تكون مشاعرنا إيجابية أو سلبية حسب الظرف. حين أتعرّض إلى حدث جميل، سوف أكون سعيدة أو متفائلة أو راضية أو غير ذلك. وبالمقابل أشعر بمشاعر سلبية حين أكون على خلاف مع الآخر، أو حين لا أتمكّنُ من الحصول على شيء معين، فوقتها سوف أغضب أو أحزن أو أكتئب أو أخاف أو غير ذلك. هذه المشاعر لا أختارها، لا يمكنني أن أختار سلفًا أن أكون غاضبة أو رايقة. الأمر أشبه بشرارة كهرباء تصيبني حين أتعرض إلى موقف معين، سوف ينتابني ذلك الشعور إن شئتُ أم أبيت. المشاعر لا تطلب الإذن من أحد، بل هي جزء طبيعي من كيان الإنسان. وقد تكون هذه المشاعر أكثر من شرارة كهرباء، بل تؤثر بشكل كبير على أجسادنا. فيقول البعض إنهم يشعرون كما لو أن قلوبهم توقفت عن النبض، أو إنهم يشعرون بأنهم بخفة الريشة. المشاعر تُترجَم إلى أعراض جسدية، وهذا دليل على أننا لا نختارها بأنفسنا.
أما بالنسبة للحاجات، فيمكنني القول إن الحاجات الأساسية واحدة لدى جميع البشر، ولا تختلف حسب جنسية الشخص أو انتمائه/ا. جميعنا لدينا الحاجات ذاتها. هناك حاجات من أجل استمرارية الحياة، كالهواء والماء والطعام والمأوى؛ وهناك حاجات أساسية أخرى كالأمان والثقة. هذه هي حاجات البشر، ولكنها ليست مُلبّاةً دائمًا. حين تكون حاجاتنا مُلبّاة، سوف يتولد عن ذلك مشاعر إيجابية. وحين تكون غير مُلبّاة، سوف نُصاب بمشاعر سلبية. دعينا نأخذ الثقة كمثال، حين تكون الثقة بيني وبين زوجي موجودة، أو بيني وبين صديقتي التي تهمني، وقتها سوف يكون هناك نوع من الأريحية في العلاقة، سوف أشعر بالراحة وهدوء البال وربما البهجة. أما حين تختفي الثقة بذلك الزوج أو بتلك الصديقة، فسوف أقلق أو أحزن أو أغضب. هذه هي الرابطة إذن بين الحاجات والمشاعر، وكلا العنصرين طبيعيان ويعتمدان على الشيء الحيّ فينا. هما ليسا عنصران يمكننا إضافتُهما أو نزعهما عن الإنسان. الفرق بينهما هو أني غالبًا سوف أُدرك شعوري، ولكني لست بالضرورة واعية بحاجاتي، سواء المُلبّاة أو غير المُلبّاة. يحتاج الأمر إلى جهد حتى أحدد الحاجة التي تنقصني.
المشاعر والحاجات هما العنصران الأهم. حين أكون على خلاف مع شخص آخر، سوف يدعوني التواصل اللاعنفي أن أُعبّر بالطريقة التالية: أنا حزينة لأني بحاجة للثقة بك، أو أنا سعيدة لأني كنتُ بحاجة لتعاونك. من المهم جدًا استخدام صيغة المتكلم (أنا)، لأنه لا يمكنني تحديد ما هي مشاعر الآخر وحاجاته. حين أتكلم بصيغة الأنا، سوف أقطع مع أي فكرة بمقدورها تعطيل التواصل، كالاتهامات مثلًا (أنت كل الحق عليك!، أنت السبب!).
هناك عنصر آخر في التواصل اللاعنفي: الملاحظة الدقيقة. بدلًا من أن أعبر عن أفكاري حول الحدث، التي هي نسيجُ ذهني وتجربتي الخاصة، سوف أحاول توصيف ما ألاحظه فقط. أقول: حين سمعتك تقول كذا وكذا، أو حين رأيتك تخرج من الغرفة وتغلق الباب وراءك.. أصف فقط ما خبرته، من دون أن أقول أنتَ فعلت هكذا. صيغة المتكلم سوف تقطع مع الاتهامات والتقييم والأحكام المسبقة والمقارنات وكل تلك الأشياء التي نستخدمها كثيرًا في التواصل العادي. سأحاول أن أبقى في إطار الملاحظة الدقيقة قدر الإمكان.
إذن: أبدأ بالتعبير عن ملاحظتي الدقيقة، وبعدها أعبّر عن مشاعري المرتبطة بحاجاتي، وبعدها أنتقل إلى صياغة الطلب. الطلب مهم أيضًا، لأني أريد حلًا للمشكلة. وهناك شروط للطلب، كأن لا أفرضَ أي شيء فرضًا، لأن الآخر لن يتفاعل معي. ينبغي أن يكون الطلب واضحًا وقابلاً للتحقق خلال فترة زمنية معينة، ويمكن أن أطرحه على شكل سؤال في بعض الأحيان. أقول: دعنا نبحث عن حل، ما رأيك أن نفعل كذا وكذا؟ هل يناسبك ذلك؟ وطبعًا الجواب قد يكون نعم أو لا. وحين يكون الجواب سلبيًا، سوف أسأل: ما هو الحل الذي تقترحه؟ وهنا يبدأ الحوار، الأخذ والعطاء، إلى أن نجد الحل الذي يناسبني ويناسبه.
عادة التواصل سهلٌ وسلسٌ مع الناس، ولكن التوتر يبدأ مع حدوث المشكلة. وقتها سوف أبتعد عن الملاحظة، وأملأ الفراغات بأفكاري الخاصة، وأستخدم الاتهامات والتقييم والحكم والمقارنة، وطبعًا سوف أنسى المشاعر والحاجات نهائيًا، وأحاول فرض ما أريد. في هذه الحالة، لن يتجاوب الطرف الآخر معي، وربما يقول (إي إي!) من دون أن يفعل شيئًا. التواصل الاعتيادي غير بناء، أما التواصل اللاعنفي سوف يخفف التوتر من خلال استخدام المشاعر والحاجات لأنها سوف تلامس الآخر، لأنه يملك المشاعر والحاجات ذاتها. حين أقول لأحد ما إني تألمتُ حين حصل ذلك، فهو لن يغضب بسهولة، وحين أحدد حاجتي المفقودة الّتي وَلَّدَتْ هذا الألم، سيتفهّمُ سببَ ألمي.
أثناء تحضيري لهذا الحوار، قرأتُ في مكان ما أن أسمى أنواع الفطنة هي الملاحظة من غير إطلاق الأحكام، أي أن نَصِفَ الأمور كما هي فقط. ولكني أعتقد أن هذا في غاية الصعوبة، نظرًا لطبيعة التربية التي تلقيناها في مجتمعاتنا: ما بين حرام وحلال، وعيب وعار! وكذلك الديكتاتور يتدخل في تنشئتنا، فيخبرنا ما هي الوطنية والخيانة وما هو المطلوب منا. فضلًا عن رضوضنا النفسية جرّاء عنف السجون والحرب والعنف الذكوري. مجتمعاتنا مبنية على تقسيم الأمور إلى خانات الأبيض والأسود، الصح والخطأ. قد يحتاج الأمر إلى إعادة تربية أنفسنا، وشغل طويل على النفس، حتى نخرج من قيود الأحكام المسبقة والسريعة. ما رأيكِ؟
صحيح، الاتهامات والتقييم والأحكام المسبقة في غاية السهولة. أما الانتباه والرجوع إلى صيغة الأنا والتفكير بالاحتياجات، فيحتاجُ إلى بذلِ جهد.
يبدو أن التعبير عن المشاعر ليس بالأمر السهل أيضًا. فقد وجدتُ في كتاب مارشال روزنبورغ التواصل غير العنيف: لغة حياة لائحة طويلة من أسماء المشاعر السلبية والإيجابية، من بينها على سبيل المثال: الغيظ، الحنق، البهجة، الغيرة، الطرب، الملل، الاندهاش، الامتنان، الرضا وإلى آخره. هل هذا يعني أننا سنحتاج إلى تفعيل رصيدنا اللغوي أيضًا؟
نعم، هذا لأن المشاعر درجات: درجات من الفرح، ودرجات من الخوف وإلى آخره. ولكن في النهاية سنكون قادرات-ين على تحديد مشاعرنا الرئيسة: فرح، حزن، خوف، غضب! المشكلة الأكبر تكمن في تحديد الحاجات، لماذا أنا غاضبة؟ هذا أيضًا يحتاج إلى لغة، وقد تتطلب الإجابة على هذا السؤال التوقف بعض الوقت مع ذاتي، أن أضع أصبعي على الجرح، أن أعرف ماذا ينقصني! أحيانًا تختفي خلف المشاعر السلبية عدة حاجات، ولكن هناك حاجة تضغط أكثر من غيرها. حين أتمكن من تحديدها، أجدني أبكي!
هل يساعد التواصل اللاعنفي على فهم النفس إذن؟
تمامًا! أحيانًا أكون منزعجة من دون أن يكون ثمة سبب مباشر، وقتها سوف يساعدني أن أبحث عن حاجتي غير المُلبّاة، وحين أَجدُها سوف أشعر بالراحة.
أعتقد أن الأمر يذهب أحيانًا إلى أبعد من التعرّف على حاجاتنا الخاصة، وإنما إدراك حاجات الآخر أيضًا وفهم لماذا يتصرف الآخر بهذه الطريقة.
غالبًا يمكنني أن أُخمِّنَ فقط أو أن أسأله. لا يمكنني أن أقرر عنه أنه كان يشعر بكذا، لأنه كان بحاجة إلى كذا! يمكنني أن أقترح عليه شيئًا بصيغة «هل؟». غالبًا لن يكون الأمر سهلًا بالنسبة له، وخاصة إذا كان غير متعود على التواصل اللاعنفي.
تكلمنا حتى الآن عن التواصل اللاعنفي في السياقات غير المعقدة نسبيًا، شجار بين زوج وزوجة، بين أخ وأخته، أب وابنه، أو بين الزملاء في العمل. ولكن مارشال روزينبورغ استخدم منهج التواصل اللاعنفي أيضًا في الوساطة وحل النزاعات على مستوى الدول. التواصل اللاعنفي هو منهج واحد فقط ضمن مروحة عريضة من الطرق التي تُطبَّق في الوساطات وحلِّ النزاعات الأهلية. ولكن ما رأيكِ أنتِ؟ هل يمكن تطبيق التواصل اللاعنفي في بلد له تاريخ دموي حديث مثل سوريا؟
يمكن أن يساعد التواصل اللاعنفي على مستوى بلد في حال تم استخدامه بصورة ممنهجة. لا يكفي أن أستخدمه أنا وزميلتي، أو أنا وجارتي فقط، بل يحتاج الأمر إلى تنظيم حتى نصل إلى جميع الناس.
صحيح أن مارشال رزوينبورغ استخدم منهجه في حالات النزاع الأهلي. ولكن في سوريا، نحن رأينا ماذا فعل العنف في الناس خلال الأربعة عشر عامًا الماضية. العنف الذي استخدمه النظام السوري كان متنوعًا جدًا، وهدفه تمزيق النسيج الاجتماعي، والحقُّ أنه نجحَ في ذلك. المجازر المؤلمة التي حصلت مؤخرًا في الساحل السوري وضّحت أن السوريين-ات كانوا بحاجة إلى تخفيف جعبة الآلام. لو استطعنا أن نشتغل على ذلك من قبل، ربما كنا لن نصل إلى حالات الانتقام في الساحل وتلك المنتشرة كحالات فردية في سائر أرجاء سوريا.
كان هناك تأجيل دائم لحالة تخفيف الآلام من قبل الثوار والنظام على حد سواء.
نعم. ولكني لا أعتقد أن النظام كان مشغولًا بعلاج هذه الانقسامات. النظام السوري حاول منذ أيام حافظ الأسد، ومن بعده بشار الأسد، أن يُفرّق بين الطوائف. أقصد أن أقول إنها سياسة مُمنهجة، وزاد استخدامها منذ اندلاع الثورة بكل تأكيد.
قصدتُ أن أقول إن طرح موضوع التواصل اللاعنفي كان عكس كل التيارات!
أعتقد عمومًا أنه فاتتنا فرصة استخدام التواصل اللاعنفي بشكل واسع في فترة ما قبل سقوط النظام، ولكن إذا أردنا فالمجال مفتوح الآن لتصليح بعض ما يمكن تصليحه من العلاقات بين الناس. حيث يمكن استخدام التواصل اللاعنفي ضمن إطار العدالة الانتقالية على سبيل المثال، كجزء من الوساطة من خلال لجان الحقيقة والمصارحة والمصالحة. الفكرة هي أنه سيكون هناك شخصٌ أصابه الأذى، وشخصٌ آخر ساهم في ذلك الأذى (أو مجموعة أشخاص). وقتئذ سوف تتم المواجهة بين الاثنين تحت إشراف لجنة حقيقة متدربة على الوساطة التي تستخدم عُنصرَي المشاعر والحاجات. هذه اللجنة سوف تكون عامل الأمان الذي سيحرص أن تنتهي الجلسة من دون توتر تصاعدي. في البداية يعطون الكلمة لهذا الشخص، وبعدها إلى الشخص الآخر، وضروري أن يترجموا ما يقال إلى مشاعر وحاجات. فكما ذكرتُ آنفًا، فإن ترجمة المشاعر والحاجات تساعد على تخفيف حدة التوتر، لأنها سوف تلامس الآخر. وإذا حصل توتر، سوف يحاول القائم على الجلسة توجيه السؤال: هل أنت غاضب/ة؟ هل يمكن أن تشرح/ي لماذا أنت غاضب/ة؟ هل أنت بحاجة إلى كذا؟ ربما هو/هي بحاجة إلى تقدير الطرف الآخر لشدة معاناته/ا، أو إلى أن يعترف بمسؤوليته/ا عمّا حصل. وبعدها سوف نلاحظ بعض الهدوء لدى الشخص المتأذي، أما الشخص الذي ساهم في الأذى سوف يتخفّف عن كاهله جزءٌ من الشعور بالذنب. فبعد سقوط النظام أصيب كثيرون من مواليه بالشعور بالذنب، وهذه المواجهات المدروسة بين الناس سوف تُخفّف المشاعر المحتقنة لدى الطرفين. هذا النوع من الجلسات قد يكون له أثر جماعي، وأتمنى أن يتم تطبيقها في سوريا مع الوقت، ولكنها تتطلب جهدًا كبيرًا وإرادة ونِيّة!
هل لديكِ أمثلة عن نجاح التواصل اللاعنفي من أرشيف عملكِ الخاص؟
أجل. دعيني أخبركِ عن تجربة إحدى الصبايا السوريات اللواتي تدرّبنَ عندي في 2013. بعد فترة من تدربها عندي اعتُقِلَت تلك الصبية لمدة عدة أشهر، وأذكر أنها تواصلت معي قبل أن تنام في اليوم الذي أُطلِق سراحها فيه، لتقول لي إنها ممتنة أنها تعلّمت التواصل اللاعنفي، لأنه أنقذها في عدة مواقف خلال اعتقالها، وصارت لديها قناعة أنه من الضروري أن يتدرب السوريون والسوريات على التواصل اللاعنفي، صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساء .لقد تأثّرتُ كثيرًا بشهادتها.
ولدي شهادة أخرى. كنتُ قد نظّمتُ ورشة بالشراكة مع منظمتين للمجتمع المدني في لبنان، وكان هدفها تعليم الموظفين-ات كيفية مساعدة الأهالي لاحتواء أبنائهم وتحسين علاقتهم بهم ضمن ظروف اللجوء الصعبة، لأنه كان هناك كثير من المشاكل المريرة في سلوك الأبناء، بينما الوالدان غير قادرين على التعامل معهم بسبب جعبة الآلام الكبيرة التي يحملانها. وقد صادف أن عدتُ إلى المكان نفسه بعد انقضاء الورشة بفترة من الزمن، وقابلتُ إحدى الأمهات، فهرعت إليّ لتخبرني كم هي ممتنة أنها تعلمت التواصل اللاعنفي الذي حسّنَ علاقتها مع أطفالها بشكل كبير.
هذه كلها حالات فردية، ولكن تَراكُمها يساعد.كذلك جاءتني شهادة من شخص كان قد تدرَّبَ مع زملائه لتحسين جو العمل فيما بينهم. قال لي إنه لا يمكنني تَصوّر كم صرنا نتصرّف مع بعضنا بتعاون وتعاطف؛ الأسبوعان بعد التدريب كانا مثل الحلم: كنا هادئين، ومهتمين بحال الآخر! ولكن طبعًا مع الوقت ستلاحظين أن الأوجاع تعود. يحتاج الأمر إلى انتباه مستمر وتَمرُّس.
لماذا أَضربُ لكِ هذه الأمثلة؟ لأن هناك عنصرًا مهمًا جدًا في التواصل اللاعنفي لم نتطرق إليه بعد: الإصغاء، أو الإصغاء بتعاطف، أو الإصغاء بمشاركة وجدانية. أثناء الدورات، ستكون هناك تمرينات على الإصغاء. في البداية يصغي المتدرب/ة إلى المتدربة/ة الآخر، وبعدها يتم تبادل الأدوار. وبخلاف التدريب الذي تلقيته بنفسي، فإن التدريب مع السوريين-ات يحتاج إلى تخصيص وقت هام للإصغاء. لأنه ربما الوقت الوحيد المتوفر لتفريغ جعبتهم من الأحزان. سوف ترين أنهم سيتكلمون عن أمور أثّرت بهم كثيرًا، ولكنهم قادرون أن يتكلموا عنها. بعد الإصغاء سيكون هناك راحة ومساحة للتفاعل مع الآخر. ولكن حين يطفح مكيالكِ، لن يكون لديك مجال للإصغاء للآخر أو التعاطف معه. ما أريد قوله: في الحالة السورية يمكننا استخدام التواصل اللاعنفي حتى على مستوى الأفراد. وحين ننظم تدريبات على التواصل اللاعنفي، نكون كما لو أننا نزرع بذور للسلام، وهذه البذور يمكن أن تنبت مستقبلًا.
بالإضافة إلى لجان الحقيقة وفق النمط الجنوب-أفريقي، وما عدا التدريب على المستوى الفردي، ما هي الآليات التي يمكن اعتمادها في الحيّز العام؟
أقترح تدريبَ لجان السلم الأهلي التي تعمل على حدود التماس، وغالبًا يكون لديهم مجال أكبر لتعلُّم الإصغاء، يمكن مساعدتهم على تنمية قدراتهم على الإصغاء والتواصل اللاعنفي، على تشجيع الناس على التكلم عن آلامهم وحاجاتهم. يمكن أن يكون لذلك نتيجةٌ جيدةٌ على الأرض، وحين تنتشر تلك اللجان في جميع أرجاء سوريا، سوف نلاحظ ثمارها. ولكن يجب أن نبدأ في مكان ما.
هل يحصل أحيانًا أن تعجزي عن تطبيق مبدأ التواصل اللاعنفي بنفسكِ؟ أسألكِ لأنكِ قلتِ لي مؤخرًا إنكِ توترتِ جدًا بعد المجازر التي حصلت في الساحل السوري، وبأنكِ رغم التواصل اللاعنفي لم تكوني قادرة دائمًا على تَمالُك نفسكِ ضمن سيل الآلام الذي وَلَّده الحدث. تواصلنا وقتها لأنه كانت لديكِ حاجة للتعبير عن أفكاركِ ومشاعركِ، ومن هنا جاءت فكرة إجراء هذا الحوار معكِ. ماذا تريدين قوله بهذا الخصوص؟
زرتُ سوريا مؤخرًا، وكان الوضع هادئًا نسبيًا. كان ثمة عنف وقتل، ولكنه لم يكن بشكل جماعي. حصلت المجازر بعد مغادرتي لسوريا، فتغيّر الوضع بسرعة، لاحظتُ ذلك لدى معارفي في داخل سوريا وخارجها. احتدت المشاعر، وقد وصّفَ أحد أصدقائي الوضع بالهيستريا، إذ راح أصدقاء الثورة يتشاجرون فيما بينهم. وأنا أيضًا لم أنفَد من الموضوع، رغم أني المتدربة والمدرّبة على التواصل اللاعنفي. ولكن حين نوجد في مكان ليست لنا فيه مسافة كافية من الحدث، أو مساحة تسمح لنا بالتفكير، ولا نعرف ما الذي يحصل، سوف يكون رد الفعل الفوري هو سيد الموقف في ظروف التوتر الشديد.
هذه نقطة مهمة فعلًا، وشكرًا على طرحكِ هذا السؤال.
ففي السنوات الأربع عشرة الأخيرة، كان الناس لديهم الكثير من المعاناة والمشاعر السلبية التي تراكمت يومًا بعد يوم. وقد شكلت هذه المعاناة والمشاعر السلبية الخلفية لما وصلنا إليه من خناقات ومشاحنات بعد المجازر المخيفة والمؤلمة بحق المدنيين-ات من الطائفة العلوية، والتي حصلت على يد فصائل مسلحة قامت بعمليات انتقامية إثر كمائن نفّذتها جماعة النظام السابق، وراح ضحيتها العديد من رجال الأمن العام أيضًا. ولكن ماذا حصل بعد مجازر الساحل؟
لدينا نوعان من المشاعر السلبية المتواجدة بشكل هائل في سوريا: المخاوف من ناحية، والمعاناة والآلام من ناحية أخرى. بالنسبة للمخاوف، فهي متفاوتة لدى السوريين-ات، ليس جميعهم لديهم النوع نفسه ولا الكمية نفسها من المخاوف. المخاوف متفاوتة بحسب الانتماءات الدينية والإثنية، ودرجة الانخراط في الثورة منذ انطلاقتها حتى الآن، والتجارب التي مرّ الناس بها خلال الحرب، وكذلك درجة مواكبة الأخبار، إذ لا تنسَي أنه ليس الجميع قد تابعوا الآلام التي عاشها الناس خطوة بخطوة. كثيرون ابتعدوا عن متابعة ما يحدث، لأن النظام بثّ الرعب في قلوبهم من خلال شيطنة طرف الثورة، فلم يدركوا جيدًا بشاعة إجرامه.
سأحاول تقسيم الخوف الذي عانى منه السوريون-ات إلى ثلاثة أنواع، كي نتمكن من تحديد ماذا حصل. مع العلم أن كل ذلك الخوف لم يتم استقباله حتى الآن، لأن معظم التدريبات حصلت خارج سوريا، أما سوريو الداخل فلم يتم استقبال مخاوفهم. النوع الأول من الخوف جاء نتيجة الاعتقالات والتعذيب والمجازر والتهجير والتغييب القسري والقصف الذي لم يتوقف حتى آخر لحظة. والنوع الثاني من الخوف نتج عن مجازر الساحل بحق المدنيين-ات من الطائفة العلوية، هذا خوف جديد انضم إلى النوع الأول من الخوف، حتى لو كان الذين يعانون منه مختلفين. والنوع الثالث هو الخوف من القادم، فالذي قام بعملية تحرير سوريا هو هيئة تحرير الشام. الناس خافوا منهم جرّاء خلفيتهم الإسلامية وتاريخهم المتشدد. وقد جعل هذا الخوف صورة مستقبل سوريا ضبابية، نتساءل: ماذا ينتظرنا؟
أنتقل الآن إلى النوع الثاني من المشاعر السلبية: المعاناة والآلام، وكلّ ما ولدته من جروح جسدية ونفسية لم تلتئم بعد. هذه المعاناة لم يتم استقبالها أيضًا، وأضِيفت إليها آلام أهل الساحل بعد المجازر التي وَلَّدت جروحاً ما زالت تنزف. كذلك الآلام والمعاناة متفاوتة بين السوريين-ات حسب الانتماءات الدينية والإثنية، والانخراط بالثورة، والتجارب التي مرّ بها الناس، ودرجة مواكبة الأخبار.
دعيني أستخدم هنا تعبيرًا معروفًا: طفح الكيل! حين يمرّ الإنسان بعدة تجارب سلبية، يشعر أن الكيل طفح في لحظة معينة، ولم يعد قادرًا على تحمّل أكثر من ذلك. كيل السوريين-ات، وبشكل خاص المنخرطين/ات في الثورة، وبشكل خاص المنتميين للطائفة التي كانت مستهدفة بالعنف بشكل كبير بغرض تمزيق النسيج السوري. هؤلاء طفح كيلهم منذ أربعة عشر عامًا حتى الآن، وانضاف إليهم طفحان الكيل عند الطائفة العلوية في الساحل السوري التي تعرّضت للمجازر مؤخرًا، رغم أن جزءًا منهم كانوا يعانون من قمع النظام وعنفه، حتى لو بدرجة أقل من غيرهم. فزاد على الوجع وجع، وطفح الكيل أكثر. هذه المشاعر استهلكتنا تمامًا، فلم نعد قادرين-ات على تحمّل المزيد، أو الإصغاء إلى الألم الجديد.
تكلمنا عن الخوف والمعاناة وطفحان الكيل، ولكن بالمقابل لدينا أيضًا طبيعة البشر. جميع البشر، ومهما اختلفت جنسياتهم وانتماءاتهم وانشغلاتهم اليومية، سوف يعيشون تجارب معينة، وهذه التجارب سوف تتلوّن بموقعيتهم كأشخاص وُلِدوا في مكان محدد وظروف معينة. وسوف يُولِّدُ ذلك طريقة في النظر إلى الأشياء في الحياة، وبالنسبة لهم هذه هي الطريقة الصحيحة. كل الناس هكذا، وجميعنا غير قادرين-ات أن نتصور أن شخصًا آخر يفكر بطريقة أخرى، وإذا كانت للآخر نظرة مغايرة، فهو مخطئ حتمًا.
وقد ساعد هذا التفاوت في الانتماءات والآلام عند السوريين-ات على تشكيل نظارة فردية مئة بالمئة لكل واحد منا، حتى أبناء العائلة الواحدة لم يعيشوا التجارب نفسها. وهكذا ينظر كلٌ منا من خلال نظارته/ا الفردية، ولا نريد أن نعرف ماذا يرى الآخر وكيف يعيش. ولكن إذا لم أتمكن من معرفة ماذا يرى الآخر، فلن أقدر على التفاعل مع أحد. ومن هنا نشأت الصعوبة الكبيرة في التعاطف مع من كان يعاني سابقًا وحتى اليوم، والتعاطف مع من يتألم اليوم بعد مجازر الساحل. وطبعًا لا يوجد سوري/ة لم يعانِ، حتى لو اختلفت درجة المعاناة، وجميعنا بحاجة إلى تقدير معاناتنا، أن يعترف الآخر أني عانيتُ.
عودة إلى سؤالكِ حول تطبيقي الشخصي للتواصل اللاعنفي في اللحظات العصيبة. بعد مجازر الساحل ظهرت آراء وتحليلات تقول إن الحكومة الحالية هي التي ارتكبت المجازر، وفي رأيي أن الحكومة فتحت الطريق بطريقة ما للفصائل المسلحة، ولكن ليس عناصر الأمن العام من قام بالمجازر. الحق أننا لا نعرف إلى أي درجة هذه الفصائل المسلحة خاضعة لسيطرة الحكومة بشكل مباشر، على الأرجح أنها ما زالت غير خاضعة بشكل كاف للحكومة. في تلك الأثناء أَجريتُ عدة أحاديث مع بعض الأشخاص الذين كانوا يصرخون أن تعالوا انظروا ماذا يحصل. وقتها رأيتُ نفسي أَستغرِبُ أني لم أكن أسمع صوت هؤلاء من قبل، فشعرتُ بحاجة ملحة لقول شيء لهم، ولكني لم أقله، إن شاء الله أني لم أقله: لماذا لم يسمعنا أحد حين كنا نعاني؟! أقول ذلك وأنا مدركة أني لم أكن في الداخل، ولكن أهلي في الداخل، لماذا لم يسمع أحد صوتنا؟ لماذا لم يُقدّر أحد معاناتنا؟ وقد سألني أحد الأصدقاء لماذا لا يعتذر أحد، ولكن مَن اعتذر منا في الأربعة عشر عامًا الماضية؟ في مثل هذه الحالات تستلمُ جُعبَتُنا المليئةُ الكلامَ عنا، ليس لأننا أناس غير جيدين أو غير متفهمين، بل لأن وجعنا هو الذي يتكلم. كان الحدث طازجًا، وحتى الآن لم ينتهِ تمامًا، ولكن لا أحد لديه المسافة الكافية لكي يأخذ خطوة إلى الوراء، فيرى الصورة بشكل أوضح، ويقول لنفسه صحيح أننا عانينا ولكن هم يعانون الآن، وهم بحاجة إلى تعاطف، ولا يمكن أن نحرمهم من التعاطف لأننا حُرمنا منه، هذا الكلام لا يستقيم. ولكن ردة الفعل الأولى تكون نابعة عن معاناة الشخص نفسه، وكمية حاجته للتقدير، وإحساسه أنه عانى من دون أن يراه أحد.
طبعًا لا أتكلم هنا عن نفسي، لأني كنتُ طوال الثورة خارج سوريا، رغم أني جزء من الثورة وأتابع الحدث عن كثب. ربما لا أبالغ حين أقول أنه لا توجد شهادة لم أقرأها، وأعرف كمية الأوجاع التي عاشها السوريون-ات، حتى لو أني غير قادرة على حملها عنهم. لا أحد قادر أن يحمل شيئًا عن الآخر، الوجع مُلكُ صاحبه، ولا أحد يشعر به حقًا إلا صاحبه. وحين يكون الآخر موجوعًا أيضًا يصبح التعاطف في غاية الصعوبة، وهذا ما حصل بعد مجازر الساحل. أذكر أنه تواصلَ صديقٌ معي ليخبرني عمّا سمّاه هيستيريا شديدة، فطلبتُ منه أن نتكلم صوتيًا، لأني أردت أن أتأكد أني لن أتشاجر معه، لأن ما يحدث كان فوق طاقتنا جميعًا. لا أحب أن أتكلم بالطريقة الطائفية، ولكن النظام اشتغل على الطائفية، لذلك دعيني أقول إني أنتمي بحكم ولادتي إلى الطائفة السنية، وصديقي ينتمي إلى الطائفة الدرزية، وكلانا في الثورة من أول يوم، ونعرف المعاناة جيدًا. قلت له: حبّاب، اتصل بي! أريد أن أعرف هل أنا قادرة على ألا أتشاجر معك، لأن ما يحصل كان غير معقول. فاتصل بي وقتها، وكنتُ سعيدةً أني استطعتُ أن أحتوي نفسي في بعض المواقع. قلتُ له إني سعيدة جدًا أننا استطعنا أن نتكلم حول الموضوع من دون أدنى توتر. ولكني لم أكن متأكدة من ذلك في البداية، لذلك طلبتُ منه أن يتصل بي. [تروي القصة وهي تبكي بحرقة]
آسفة أني أبكيتكِ، ولكن إذا كنا نحن متأثرتان هكذا، فالوضع صعبٌ عند جميع السوريين-ات. ما أردتُ التأكيد عليه هو أهمية الإصغاء من أجل تفريغ الأكيال، لأننا إذا لم نفرغها، فسوف يكون من الممكن أن تنفجر مجددًا في وقت لاحق. هذا ما يجب أن نشتغل عليه، هناك شغل كثير، ولكن آلاف الكيلومترات تبدأ بخطوة واحدة.
بعدما سمعناكِ، لا أعتقد أن أحدًا سوف يبخّس قيمة التواصل اللاعنفي. ولكن هذا ما يحصل غالبًا حين يكون هناك شخص ضمن مجموعة معينة، ويحاول طرح موضوع الحل اللاعنفي. سوف يُتّهم بأنه لا يتألم كالآخرين على سبيل المثال، رغم أني أعتقد أن منهج التواصل اللاعنفي، والمناهج المشابهة له، لم تأتِ من فراغ، بل على الأرجح أنها نابعة عن نضج ومعرفة بأسرار الحياة. الشخص الذي/التي لم تتأهرم ربما لن تكتشف هذا الطريق. لماذا ينكبّ كل هؤلاء المناضلين-ات والعلماء على تطويره إذن؟ مارشال روزنبورغ لم يكن أول من قال بالتواصل اللاعنفي، حتى لو كان هو الذي أطلق تلك التسمية. لاحظتُ تشابه مع بعض ما جاءت به الفلسفة الرواقية على سبيل المثال، وكذلك مع بعض ما جاء به غاندي، ومع العلاج السلوكي المعرفي أيضًا. سؤالي: كيف نتعامل مع هذا التقليل من شأن أي محاولة للدفع نحو اللاعنف، إلى درجة أن القائل-ة باللاعنف سوف يستقطب العنف إلى نفسه-ا؟
التواصل اللاعنفي، كمبدأ، سهل جدًا. من أجل أن نكون قادرين/ات على المساعدة على الأرض، نحتاج أن نقوم بأمرين. أولًا، ينبغي أن أنطلق من أني لن أقدر على جعل الناس يتبنون التواصل اللاعنفي إذا لم تُناسبهم الفكرة. في إحدى المحاضرات رفع شخص يده قائلًا إن التواصل اللاعنفي لا يناسبه! فقلتُ له إني أفهمه، لأننا بشر مختلفون! وثانيًا، ليس المطلوب أن نُدرَّبَ على التواصل اللاعنفي حتى نجني بعض النتائج الإيجابية. أنا مثلًا أستخدم التواصل اللاعنفي في الحياة العادية، ولكن هل زوجي مُدرَّب عليه؟ لا أبدًا، هو ليس مُدرَّبًا، ولكنه عَايشَهُ معي. وقد تأثر به لأنه غيّرَ حياتنا، تخلصنا من فترات الصمت حين نزعل من بعضنا بعضًا، زوجي من النوع الذي لا يحب الكلام والمصارحة، لذلك يحصل أن يبقى عدة أيام صامتًا، وحين نتكلم مع بعضنا بعد ذلك، تظل المشاكل كما هي ولا تنحل. لذلك حين بدأتُ أتواصل معه لاعنفيًا، لم يعد خائفًا، لأني أتكلم عن نفسي. حين أقول له إني شعرتُ بالحزن حين فعلتَ ذلك، سوف يتجاوب معي. لأني أقول إن هذا الحزن يخصّني وأن علاقتي به تهمني. تعرّفَ زوجي على التواصل اللاعنفي من حيث لا يدري.
سأخبركِ عن حادثة طريفة. في إحدى المرات، تواصلت معي لاجئة سورية كانت تبحث عن شقة هنا في سويسرا، لأنه من الصعب جدًا الحصول على مكان سكن مناسب من دون استيفاء العديد من الشروط. حاولتُ مساعدتها، وتوصّلتُ إلى المسؤول عن ملفها، والذي طمأنني أنه مهتم بأمرها، ولو أنه ليس طليق اليدين تمامًا، لأنه مقيد بالشروط الإدارية ذاتها. قلتُ لزوجي وقتها إني سأترك أمر هذه الفتاة، لأني غير قادرة على مساعدتها. فسألني: هل اتصلتِ بها؟ ربما هي بحاجة للإصغاء! [تضحك]. وبالفعل اتصلت بها، وفرِحت بمكالمتي، لأنها حكت لي عن وضعها وفضفضت قليلًا. قلتُ لها إنني لن أتمكن من مساعدتها، ولكنها كانت تعرف ذلك، مع ذلك انبسطت وارتاحت قليلًا. ما أريد قوله إنه يمكن التوصل إلى نتيجة من دون أن أقول إني أتواصل لاعنفيًا.
كثير من الناس لديهم موهبة التواصل اللاعنفي من تلقاء أنفسهم. أعرف في محيطي نساء، وبعض الرجال، الذين لديهم موهبة استيعاب من حولهم. يخطر على بالي الآن أن هذه الصفات مرتبطة بصفات الأم، ما رأيكِ؟
ليس بالضرورة أن يكون الأمر محصورًا بالنساء. ففي إحدى المرات تعرّفتُ على امرأة في لبنان، جاءت إلي بعد انتهاء التدريب، وقالت إنه يصعب عليها التواصل بهذه الطريقة، وإنها تناسب زوجها أكثر. حين تذهب هي إلى الدوائر الحكومية اللبنانية لتسيير بعض الأمور، سوف تجد نفسها تتشاجر مع الجميع. أما هو، فتسير الأمور معه على أحسن حال.
أنتِ محقة حين تقولين إن بعض الناس طوّروا هذه المهارة بشكل تلقائي، ولكنها موجودة لدى الجنسين، مع أني أعتقد فعلًا أنها موجودة لدى النساء أكثر. أنا مثلًا كنتُ مصغية جيدة حتى قبل أن أتدرب على التواصل اللاعنفي. نحن النساء نصغي إلى أطفالنا في الحياة العادية، وهذا يساعد على تنمية الأذن الصاغية.
بما أننا وصلنا إلى موضوع الجندر، اسمحي لي أن أطرح موضوع المشاعر الذي تكلمتِ عنه في البداية. جميعنا، رجالًا ونساء، لم نتعلم التعرّف على مشاعرنا. الرجل ممنوع عن البكاء والحزن الشديد، والمرأة ممنوعة عن الغضب أو الضحك بصوت عال. يقال دائمًا إن الرجال لم يتعلموا أن يعبّروا عن مشاعرهم، ولكني أرى أن النساء لديهن مشاكلُ في التعبير عن مشاعرهن ورغباتهنّ أيضًا.
نعم، نحن النساء مُطالَبات أن نتحمل كثيرًا..
نصل الآن إلى موضوع العناية بالذات من قبل المعنيين-ات بالتواصل اللاعنفي. لا أعتبر نفسي مختصة بالتواصل اللاعنفي، ولكني مهتمة بالحفاظ قدر الإمكان على جسور التواصل بين الناس في زمن الحرب والنزاعات. وقد لاحظتُ أنه بالإضافة إلى الحساسية التي يملكها الجميع حيال العنف، سوف يُولِّدُ الانتباه الخاص إلى مكامن العنف حساسية أعلى تجاهه. لذلك يحمل المعنيون-ات بتحييد الاستقطابات بين الناس على عاتقهم عبءًا ثقيلًا. كيف يمكن لهؤلاء أن يواصلوا مهمتهم من دون أن يتأثروا كثيرًا؟ لو جاءت متدربة إليكِ، فماذا تنصحينها كيلا تتعب؟
نعم، ينبغي أن يكون هناك شكل من أشكال العناية بالذات. إذا لم نتمكن من التفريغ، فلن نقدر على مواصلة عملنا. تختلف وسائل العناية بالذات من شخص إلى آخر، وشخصيًا أَستخدمُ التواصل اللاعنفي في التعامل مع نفسي. أخصص دائمًا فاصلًا استكشافيًا لما يعتلج داخلي. أفتح قلبي وأنظر ماذا في داخله الآن. أبدأ بالتأمل أولًا، كي تخفّ حدة التوتر. هدف التأمل أن يتوقف التفكير قليلًا، لذلك سوف يساعد الاستماع إلى الموسيقا (أو الصلاة بالنسبة للبعض). وبعدها أبدأ بالفاصل الاستكشافي! أسأل نفسي: هل أنا قلقة اليوم؟ قلقة على أهلي مثلًا؟ هل أنا خائفة؟ إلى ماذا أحتاج؟ هل أحتاج إلى كذا أم كذا؟ وإذا اكتشفتُ حاجتي العميقة، سوف أجد نفسي أبكي في حال كانت حاجتي عميقة فعلًا.
هل تساعد الكتابة؟
تساعدني الكتابة حين أكون غاضبة من أحد. وقتها أُفضِّلُ أن أتواصل معه عبر الكتابة جرّاء المسافة التي ستفصلني عنه. آخذ خطوة إلى الوراء: الشخص الذي يغضبني ليس أمامي، ولكنه في بالي. تمنح الكتابة الفرصة لإعادة قراءة ما نكتب ومحيه وإعادة كتابته. وأواصل التعديل إلى أن أتأكد أن كلماتي ليست عنيفة، ولكنها تصف غضبي بشكل جيد من دون اتهامات، وبطريقة تعبّر عن حاجتي.
ومن المهم التأكيد هنا على أن البشر مختلفون فيما بينهم، والطريقة التي تنفع معي، قد لا تنفع مع شخص آخر. ولكني أنصح الجميع بأخذ إجازة من هموم الحياة ومشاغلها من أجل العناية بالذات بين الحين والآخر، كي نعود أقوى مما كنا.
أخذنا إلى هذا الحد فكرة نظرية وعملية عن التواصل اللاعنفي، وحاولنا أن نُترجمه إلى الوضع السوري. ولكن ربما هناك أشخاصٌ بودهم التعمُّق أكثر كي يبقى الموضوع حيًا في أذهانهم. هل لديكِ مَراجع معينة يمكن استخدامها؟
لدي مراجعي باللغة الفرنسية أو مترجمة إلى الفرنسية. للأسف، لا توجد مراجع كثيرة مترجمة إلى العربية، هناك كتاب واحد مترجم: التواصل غير العنيف: لغة حياة لمارشال روزنبورغ، وهو متواجد على النت. ولديه كتاب آخر مهم، ولكنه غير مترجم: الكلمات نوافذ (أو جدران).
بالنسبة للمواقع الإلكترونية، فلم أبحث جيدًا عنها. ولكن هناك سيدة اسمها ريتا أيوب تنظم ورشات للتواصل اللاعنفي في جامعة القديس يوحنا في بيروت، ولديها صفحة على فيسبوك (Rita Ayoub التواصل اللاعنفي) أنصح بالاطلاع عليها، وكذلك لديها سلسلة لقاءات على يوتيوب بعنوان: منحكي سِلمي (13 حلقة قصيرة).
قبل أن نختم: هل هناك شيء في قلبك لم تقوليه بعد؟
هناك نقطة لم نتطرق إليها بعد: أهمية الكلمة الصادقة! حين أتكلم مع الآخر، ينبغي ألّا أجامل، وألّا أحاول إيصال الفكرة بطرق ملتوية. سوف أتكلم بصدق، ولكنني سأعتني باختيار الكلمات التي لا تُصعِّد حِدّة التوتر. الصدق في غاية الأهمية في التواصل اللاعنفي، وإلا سوف لن نلتقي.
موقع الجمهورية