الأحداث التي جرت في الساحل السوريالإعلان الدستوري لسوريا 2025الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعالتدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةالعدالة الانتقاليةالعقوبات الأميركية على سوريا الجديدةتشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 23 نيسان 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:

سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

——————————–

ضمانة سوريا في حسن اختيار قضاتها وضمان استقلالهم/ ميشال شماس

2025.04.25

يُقاس اليوم تطور الدول بمدى سيادة القانون فيها واستقلال قضائها ونزاهته وكفاءته، ولا يمكن أن تتحق سيادة القانون إلا بالإقرار بحقوق الناس واحترامها، وأن يحمي هذه الحقوق نظام قانوني وقضائي مستقل وكفء وعادل، حتى لا يكون المرء مضطراً في النهاية إلى الثورة.

يُقاس اليوم تطور الدول بمدى سيادة القانون فيها واستقلال قضائها ونزاهته وكفاءته، ولا يمكن أن تتحق سيادة القانون إلا بالإقرار بحقوق الناس واحترامها، وأن يحمي هذه الحقوق نظام قانوني وقضائي مستقل وكفء وعادل، حتى لا يكون المرء مضطراً في النهاية إلى الثورة.

أهمية القضاء اليوم لا تقتصر على المعالجات القانونية الصرفة كحل النزاعات وإيقاع العقاب أو تقرير البراءة، بل أصبح يلعب دوراً مجتمعياً هاما يقوم على حفظ الاستقرار والسلم الاجتماعي وامتصاص التوترات المجتمعية التي يمكن أن تحدث.

وما أحوجنا اليوم في سوريا المنهكة والمدمرة، إلى قضاء مستقل وكفؤ وعادل يساعدنا على تهدئة النفوس، يساعدنا على استقرار الأوضاع في البلاد، وهو الضمانة الوحيدة لنهوض الدولة من بين هذا الخراب، وهو الضمانة لحماية حريات الناس وحقوقهم ولإعلاء قيمة العدالة في المجتمع، وهو الضمانة لمكافحة الفساد وتوفير بيئة مناسبة لتحقيق تنمية متوازنة وجذب الاستثمارات الخارجية التي نحن اليوم بأمس الحاجة إليها.

ونظراً لأهمية القضاء ودوره في المجتمع والدولة علينا أن نولي أهمية قصوى لطريقة اختيار الأشخاص المرشحين لتولي مهمة القضاء في سورية وفق المعايير التالية:

    أن يتمتع المرشحون للعمل القضائي بالسيرة الحسنة والأخلاق الحميدة والخبرة القانونية الكافية، وأن لا يكون في سيرتهم المهنية أية شائبة.

    إلزام القضاة وقبل مباشرة مهامهم التصريح خطياً عن أموالهم وممتلكاتهم، تحت طائلة حرمان القاضي الذي لا يصرح عن أمواله وممتلكاته من حقه في التعيين، وفعل ذلك أيضاً بعد انتهاء مهمة القاضي ولأي سبب كان.

    يشترط فيمن يولى قضاء الحكم أو النيابة العامة أن لا يقل عمره عن ثلاثين عاماً إضافة لممارسة الخدمة خمس سنوات إذا كان التعيين في وظيفة معاون قاضي أو نيابة عامة.

    وعن خمسة وثلاثين عاماً إضافة لممارسة الخدمة مدة 8 سنوات على الأقل إذا كان التعيين في وظيفة قاضي صلح أو قاضي بدائي أو قاضي شرعي أو وكيل نيابة.

    وعن أربعين سنة إضافة لممارسة الخدمة مدة 16 سنة على الأقل إذا كان التعيين في وظيفة قاضي تحقيق أو مستشار استئناف أو محام عام.

    وعن خمسين سنة إضافة لممارسة الخدمة مدة 25 سنة على الأقل في باقي الوظائف الأخرى. مع مراعاة الشروط المتعلقة بكيفية اختيار المرشح لعضوية مجلس القضاء الأعلى.

    تعديل طريقة القبول في المعهد القضائي المحدث بالمرسوم التشريعي رقم 42/ 2000، ولاسيما المادة السادسة منه بحيث تصبح كما يلي:

     رئيس مجلس القضاء الأعلى رئيساً. وباقي الأعضاء: (عميد المعهد نائباً للرئيس، يتم اختياره من بين قضاة الحكم أو النيابة لا تقل ممارسته العمل القضائي عن عشرين عاماً. ورئيس إدارة التفتيش القضائي .ومحام لا تقل ممارسته المهنة عن عشرين عاماً ).

    استبدال كلمة وزير العدل أينما وجدت في هذا القانون برئيس مجلس القضاء الأعلى.

    يجري قبول المتقدمين، ليس على أساس مجموع علاماتهم فقط، وإنما أيضاً على أساس دراسة يجريها مجلس القضاء الأعلى يتحرى فيها عن المتقدمين، آخذاً بعين الاعتبار كفاءتهم العلمية والقانونية والسيرة الحسنة في حياتهم شرط أن لا تشوبها أية شائبة، ويعيد المجلس نفس الدراسة للناجحين في نهاية مدة الدراسة في المعهد، وبعدها يتخذ قراراً بتعيينهم.

ثانياً- الاهتمام بالقضاة من حيث الرواتب والتعويضات والتدريب والتأهيل:

    إعادة النظر بموضوع اللصيقة القضائية التي حولت القاضي إلى جابي، وذلك من خلال تخصيص بند في الموازنة العامة للدولة خاص بالسلطة القضائية، على أن يقوم مجلس القضاء الأعلى بتحديد النفقات والإيرادات التي تحتاجها السلطة القضائية، بما يوفر لأعضائها دخلاً مناسباً يراعى فيه المسكن والانتقال وغلاء المعيشة، ويؤمن في النهاية حياة حرة كريمة لأسرة القضاء.

    تدريب القضاة ومعاوينيهم، والعناية بتأهيلهم علمياً وتطبيقياً لممارسة العمل القضائي والعاملين بالجهات المعاونة للهيئات القضائية عبر المحاضرات والندوات والدورات التدريبية والبعثات الخارجية، تحت إشراف مجلس القضاء الأعلى.

    زيادة عدد القضاة بما يتناسب وحجم القضايا التي ترد يوميا إلى دواوين المحاكم، منعاً لتراكم الدعاوى، وعدم إطالة أمد التقاضي، فالعدالة البطيئة أشد أنواع الظلم.

    الاهتمام الدائم بقصور العدل ودور المحاكم، وتحديثها بما يليق بالقضاة والمتقاضين.وإدخال الأتمتة إليها لتسهيل العمل القضائي وربطها بشبكة معلومات مركزية.

    تفعيل المكتب الفني بمحكمة النقض ورفده بالكوادر المهنية والفنية وإدخال الأتمتة إليه، لتسهيل عمله في حفظ الأحكام القضائية والمعلومات القانونية لتسهيل لرجوع إليها عند الحاجة، أي جعله بنك معلومات.

    الاهتمام بدور التوقيف في قصور العدل وجعلها تليق بالموقوفين وتحترم آدميتهم كبشر.

    رفد المحاكم ودواوينها بالموظفين بما يتناسب والحجم الهائل للدعاوى.

رابعا- الاهتمام بالموظفين في المحاكم ووزارة العدل فهم الذين يساعدون القضاة ويسهلون عملهم . فالعمل الذي يقوم به رئيس ديوان المحكمة أو كاتب المحكمة أو المنفذ وناسخ القرارات والمحضر والمستخدم والمراسل..الخ، هو عمل مهم ومكمل لعمل القاضي الذي لا يستطيع إنجاز عمله في دراسة القضايا المعروضة عليه من دون وجود هؤلاء الموظفين، وهذا يتطلب توفير الشروط الملائمة لهم لتحفيزهم على العمل باستقامة ونزاهة من خلال:

    زيادة رواتب الموظفين.

    توفير الرعاية الصحية والضمان الصحي.

    تأمين وسائط لنقل الموظفين.

وختام القول، ماقاله أفلاطون: (أعطني قاضياً جيداً وقانوناً سيئاً، خيرٌ من أن تعطني قاضياً سيئاً وقانوناً جيداً)، وهذا يعني أن تعيين أشخاص لا علاقة لهم بالقضاء ولم يدرسوا القانون ولم يتدربوا جيداً على التقاضي هو كمن يعبث بالمجتمع وحياة الناس وأمنهم.  فالقضاء الكفء العادل والنزيه يلعب دورًا حيويًا ومركزيًا في أي مجتمع، فهو من جهة يسهم في تنظيم العلاقات بين الأفراد والمؤسسات ويراقب عمل السلطات ويحافظ على النظام العام والاستقرار في البلاد، ومن جهة أخرى يعزز ثقة الناس بالدولة ومؤسساتها ويشجع التنمية ويجذب الاستثمارات ويحمي حريات الناس وحقوقهم. باختصار يمثل القضاء ركنا أساسيا في بناء مجتمع متوازن ومستقر، ومن دونه لن يكون هناك مجتمع ولا دولة.

تلفزيون سوريا

———————————-

«ربيع دمشق» يزهر ثانية: «منتدى الحوار السوري الديمقراطي» يبدأ جلساته/ جانبلات شكاي

تحديث 24 نيسان 2025

في أول جلسة تم تخصيصها عن «السلم الأهلي والعدالة الانتقالية» مع إطلاق «منتدى الحوار السوري الديمقراطي»، عبّر السياسي ورجل الأعمال السوري رياض سيف عن «فخره» للتحاور مع أصحاب القضايا الذين حضروا، داعيا إياهم إلى اعتماد أسلوب الحوار لأنه الوسيلة التي «توصلنا إلى حلول سهلة من دون ان ندفع المزيد من الخسائر والأثمان»، وموضحا أن إغلاق ملف المقاتلين الأجانب لا يكون بإبعادهم كما يرى البعض، وإنما «باستيعابهم كما فعلت ألمانيا مع مليون من اللاجئين السوريين إليها، شريطة أن لا يحتلوا المراكز العليا في الدولة».

ووسط حضور مكثف من النشطاء السياسيين والصحافيين المحليين والأجانب، تم إطلاق «منتدى الحوار السوري الديمقراطي» من منزل في ضاحية قدسيا شمال غرب دمشق، كما كان حال سلفه «منتدى الحوار الوطني» الذي كان قد أطلقه رياض سيف عام 2000 من منزله في بلدة صحنايا جنوب غرب دمشق.

وفي صدر صالة المنزل وحول طاولة بسيطة، أمام الحضور الذي امتد إلى الفناء الخارجي، جلس المشاركون في جلسة «السلم الأهلي والعدالة الانتقالية»، وهم في الواقع كانوا أعضاء إدارة المنتدى إلى جانب الكاتب والباحث السوري في المركز العربي في واشنطن رضوان زيادة، ومن بينهم طبعا كان رياض سيف.

وأدار الجلسة المدير التنفيذي لـ»مؤسسة اليوم التالي لدعم الانتقال الديمقراطي في سوريا» والمتحدث الرسمي باسم المنتدى معتصم السيوفي، وأوضح أن «منتدى الحوار السوري الديمقراطي» سيديره عدد من الأصدقاء، وهم الحقوقية والسياسية ورئيسة المنتدى جمانة سيف، إلى جانب الكاتبة والباحثة السورية والمتحدثة الرسمية للمنتدى خولة دنيا، والداعية الإسلامي محمد العمار، ومدير مؤسسة الآغا خان في سوريا الطبيب ماهر أبو ميالة، والكاتب والصحافي السوري كمال شيخو.

وفي حديثه المقتضب أمام الحضور، وعبر صوته الذي ظهرت عليه علائم المرض الواضحة، عبر سيف عن «الفخر في لقائه مع هذه الوجوه الذين تجمعهم القيم وأصحاب القضايا الذين جاؤوا ليبحثوا عن حل لقضاياهم».

وقال: «الحوار هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن توصلنا إلى حلول سهلة من دون أن ندفع المزيد من الخسائر والأثمان»، وبين أن «الأمر لا يجب أن يقتصر على ندوة نتشارك فيها مرة كل أسبوعين، بل علينا أن نفتح ملفات يمكن لنا أن نتابعها بعد انتهاء الجلسات وخلال أيام الأسبوع كافة إلى حين انعقاد الندوة التالية».

وضرب سيف مثالا بالعناوين التي يمكن فتح حوار حولها لإيجاد حل لها مثل «مشكلة الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب الثوار السوريين خلال إسقاط نظام الأسد»، وتابع: «هناك مطالب خارجية لاستبعاد هؤلاء من صفوف الجيش السوري الجديد، وهناك من السوريين من يقول إن الأمر في غاية البساطة وليس علينا سوى إعادة الأجانب إلى الدول التي جاؤوا منها أو حتى تسليمهم لها وتنتهي المشكلة السورية».

وأضاف: «أرى أن الأمر لا يجب أن يذهب في هذا الاتجاه وإنما أن نقتدي بما فعلته ألمانيا مثلا مع مشكلة السوريين الذي لجأوا إليها فقامت باستيعاب أكثر من مليون منهم، ويمكن التفكير بمخارج مشابهة من دون استبعاد الأجانب لكن شريطة أن لا يحتلوا المراكز العليا ولا أن يظهروا في الصفوف الأولى والثانية والثالثة».

وأكد سيف انه «سيبقى خادما لأي نشاط يمكن أن يفيد مستقبل سوريا»، مشدداً على أن «هذا المكان سيبقى مفتوحاً أمام كل من يريد أن يتناقش ويتحاور للوصول إلى حياة أفضل للسوريين».

بدوه أوجز الداعية وعضو مجلس إدارة المنتدى محمد العمار وجهة نظر المنتدى ورسالته عبر إعادة تجديد نفسه بعد تحرير سوريا من الاستبداد، وقال: «نسأل الله أن يوفقنا في البناء والتعمير لوطن جديد تحكمه قيم جديدة تنهي مملكة القمع وتزهر فيه نبتة الحرية والديمقراطية لتصبح شجرة باسقة يتفيأ في ظلالها جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والطائفية والاثنية»، وتابع: «تعيش دمشق اليوم عودة ربيعها التي نطمع أن يصبح فضاء للتعبير الحر المسؤول وبما يعيد بناء الدولة كما نحبها ونتمناها». وبين أن المنتدى هو «مساحة في الزمان والمكان يمكن فيها تبادل الهموم والمواجع وبحث أفق مواجهة التحديات والصعاب وبناء التوافقات على وسائل خدمة المشروع الوطني وتعزيز العمل المشترك وبناء المستقبل»، مؤكدا أنه وعبر الحوار نذهب في اتجاه «استراتيجيات التوافق وآليات العمل الوطني التي نطلع إليها، حيث يتبادل الناس الأفكار بطريقة تعاونية تجسد استكشاف الحلول والأساليب لمواجهة التحديات وإنجاز المهام الوطنية».

وقال إن «الحوار هو طريقنا للعبور إلى توافق القلوب والعقول وبناء الرؤى المشتركة».

وفي بروشور الدعوة الذي تم توزيعه لحضور الجلسة الأولى، قالت إدارة المنتدى «رأينا إحياء جهد أسسه في ليل الاستبداد، البرلماني رياض سيف، أحد الأصوات التي ارتفعت في مملكة الصمت، راجين خلق فسحة لنقاش سوري سوري بنّاء ومثمر»، مشيرين إلى أن «الأوضاع المتغيرة في سوريا والمنطقة والعالم تفرض على جميع السوريين يقظة تامة وجهداً متصلاً يضمن أن يسلك البلد سكة المستقبل بأمان، من خلال ترسيخ دولة المواطنة العادلة، التي تكافئ التضحيات الجسام التي قدمها السوريون». ويعدّ رياض سيف من أبرز الأسماء التي شاركت بما عرف بـ«ربيع دمشق» بداية حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد حين نشطت شخصيات معارضة لإحياء الحياة السياسية والمجتمع المدني في دمشق.

وأسس سيف الذي كان عضواً في مجلس الشعب، مع بداية عهد بشار الأسد، «منتدى الحوار الوطني» في منزله في صحنايا، وطالب بوضع حدٍّ لاحتكار حزب البعث للسلطة وكان من أبرز محاربي هيمنة وتسلط ابن خالة الرئيس رامي مخلوف على مقدرات البلاد وخصوصا على شركة سيرتيل للاتصالات الخليوية، ما أدى للحجز على أمواله ومنشآته الصناعية بعد فرض غرامات كيدية عليه، ومن ثم تجريده من الحصانة البرلمانية وصولا إلى اعتقاله والحكم عليه بالسجن خمس سنوات حتى 2006.

وفي نهاية شباط/ فبراير الماضي تحدثت تقارير إخبارية عن منع الإدارة السورية الجديدة سيف من إعادة فتح منتداه، الأمر الذي نفته ابنته جمانة، مشددة عبر منشور لها على صفحتها على فيسبوك بأن «الخبر غير صحيح في المطلق، لأنه لم يتم في الأصل تقديم أي طلب بخصوص إعادة الافتتاح أو الترخيص»، موضحة أن «سبب تأجيل الافتتاح يعود للتأخير في إنهاء أعمال الصيانة الضرورية والتي تطلبت وقتاً أكثر من المتوقع ومنها توفير التدفئة الضرورية ولو بالحد الأدنى»، ومشيرة إلى أنها «ستنشر إعلان الافتتاح الذي تتمناه قريباً».

القدس العربي

———————————–

مشاركة الرئيس السوري في القمة العربية ببغداد: تبدلات إيجابية بالمواقف السياسية العراقية/ صفاء الكبيسي

24 ابريل 2025

توقّع المستشار السياسي للحكومة العراقية مشاركة استثنائية لقادة الدول العربية في القمة العربية المقررة في بغداد الشهر المقبل، حيث سيتصدر الملفان الفلسطيني والسوري واستمرار جرائم الاحتلال الإسرائيلي جدول أعمال القمة، مؤكداً أن قرار الانفتاح على سورية الجديدة كان بقرار من التحالف الحاكم في العراق. وبدأت الحكومة العراقية الاستعداد لاحتضان أعمال القمة العربية المقررة في 17 مايو/ أيار المقبل في بغداد، ووجهت دعوات رسمية لقادة الدول العربية، مع استنفار أمني وخدمي لإنجاح القمة.

وقال المستشار السياسي للحكومة العراقية فادي الشمري، في مقابلة تلفزيونية، أمس الأربعاء، إنّ “حجم الاستجابة من قبل الدول العربية في حضورهم القمة مميز لحد اللحظة.. سنشهد حضوراً استثنائياً لقادة العرب في بغداد يختلف عن القمة الماضية، وهذا ما نأمله”، وأوضح في معرض حديثه عن الجدل الذي أثارته قوى سياسية وفصائل مسلحة حول دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع، أنّ “العراق دولة مستضيفة للقمة العربية ولا يحق له أن يمنع أحداً من قادة الدول العربية من الحضور فيها وفقاً لنظام الجامعة العربية”.

وأكد أنّ “الإطار التنسيقي قرّر في اجتماعاته الانفتاح الحذر على النظام الجديد في سورية، وهذا ما ترجمته الحكومة العراقية”. وتعليقاً على خطوة لقاء رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مع الرئيس السوري أحمد الشرع في الدوحة، قال إنّ “القرارات الاستراتيجية تُصنع في مطبخ الإطار التنسيقي وائتلاف إدارة الدولة، وتنفيذ هذه القرارات حق حصري للحكومة العراقية ولرئيس الوزراء الذي يطبق هذه السياسات”.

وكشف المستشار السياسي للحكومة العراقية عن أنّ تحالف الإطار التنسيقي الحاكم في العراق “ناقش الملف السوري وخوّل الحكومة برسم المسارات الدبلوماسية في الانفتاح على الحالة الجديدة في سورية لأسباب تهم الأمن القومي العراقي على الصعيدين الداخلي والخارجي”، مشدداً على أنّ “أي اختلال في توازن التعدد السوري سيرتدّ على الدول المحيطة”. وصرّح بأنّ “العراق يسعى إلى مساعدة الشعب السوري الذي عانى من الحروب، وما يجري في سورية واقع حال، والانفتاح على الحالة الجديدة (في سورية) هو ضرورة يفرضها الواقع”، مؤكداً أنّ “الانفتاح على سورية هو قرار الإطار التنسيقي ولا يستطيع أحد أن يتنصل من ذلك”.

ومثّل لقاء السوداني بالشرع، الذي جرى الأسبوع الماضي، في العاصمة القطرية الدوحة، خطوة غير متوقعة، ويبدو أنها للجاءت لتكشف عن مسار واحد لبغداد، وهو التوجه رسمياً نحو تعزيز العلاقات المشتركة مع دمشق، متجاوزة الرفض والضغوط التي تواجهها من قبل بعض الأطراف السياسية والفصائل المسلحة الحليفة لإيران.

في السياق ذاته، عبّر القيادي في التحالف الحاكم وزعيم “تيار الحكمة”، عمار الحكيم، عن تأييده تعزيز العلاقات مع سورية، معتبراً أنّ “التواصل مع الحكومة السورية الجديدة من مصلحة العراق”. وقال الحكيم، في ملتقى حواري، عقد مساء أمس الأربعاء، في بغداد، إنّ “المصلحة الوطنية العراقية هي في التواصل مع القائمين في سورية (الحكومة السورية)”، مؤكداً أنه “يجب أن نخفف الأضرار على الشعب السوري، وأن يكون لنا دور في المعادلة السورية، والنظر إلى مصالحنا بعيداً عن المصالح الشخصية، كما أنّ هناك مصالح عراقية يجب أن تحفظ في هذا البلد من المكونات والعتبات المقدسة”، وفقاً لقوله.

واعتبر أنّ “لقاء السوداني بالشرع (الرئيس السوري أحمد) لا يشكل خرقاً، أما دعوته لبغداد، فالعراق ليس هو الذي يختار أعضاء الجامعة العربية، بل إنّ الدولة المضيفة ملزمة بتوجيه دعوة لـ22 عضواً للمشاركة في القمة العربية وليس للدولة أن يكون لها خيار دعوة من تشاء”. وأضاف أنّ “دعوة سورية هي ليست دعوة شخصية، بل هي عضو في الجامعة العربية، أما كيف صار الشرع رئيساً فهذا شأن سوري، ومسألة المذكرة العراقية (مذكرة القبض) بحقه فأنا غير مطلع عليها”.

وتؤشر تلك المواقف إلى انحسار التوجهات التي تقودها قوى سياسية وفصائل مسلحة فاعلة في العراق، كانت غير متقبلة للانفتاح على سورية وتنتهج سياسة تصعيدية حيال المقاطعة وعدم التعامل مع الإدارة السورية الجديدة، بما فيها رفضها لدعوة الشرع إلى القمة العربية في بغداد، أو أي خطوة من شأنها تعزيز العلاقة المشتركة بين البلدين.

العربي الجديد

—————————

مصير المؤسسات المالية المقربة من النظام.. الاستيعاب ثم التفكيك؟/ محمد كساح

الخميس 2025/04/24

يستمر العهد السوري الجديد بالتعاون مع الشركات المالية التي كانت مقربة سابقاً من النظام المخلوع، بحسب ما رصدت “المدن”. ففي حين عقدت “شام كاش”، وهي محفظة مالية رقمية تابعة لـ”بنك شام” المقرب من السلطة، شراكات مالية مع عدد من المؤسسات مثل “الفؤاد” و”الهرم”، لا تزال معظم شركات الصرافة نشطة، دون أي مساءلة، وهي مقاربة تفرضها المرحلة بسبب العلاقات والأصول الضخمة لهذه المؤسسات، بحسب قراءات الخبراء.

وكان المصرف المركزي قد أعلن بعد أيام من سقوط النظام، استمرار كافة شركات الصرافة المرخصة في عملها، موضحاً أن الشركات هي: المتحدة للصرافة، الفاضل للصرافة، لايت للصرافة، الفؤاد للصرافة، دو للصرافة، شخاشيرو للصرافة، النضال للصرافة ورويال للصرافة، وهو تعميم وإن بدا مؤقتاً، إلا أن الواقع على الأرض يؤكد استمرار نشاط هذه الشركات وتعاون الحكومة السورية أو شركات مالية مقربة منها، معها.

توسع “شام كاش”

ولا يقتصر النشاط المالي للعهد الجديد والمؤسسات النقدية المقربة منه، على التعاون مع الشركات التي كانت مقربة من النظام المخلوع، بل يتجاوزه إلى الاستيلاء على الأصول المالية لبعض المؤسسات، ومن بينها منصة “سوا”، التي كانت تلعب دوراً وسيطاً يربط الحوالات الخارجية مع شركات الحوالات السورية في الداخل، بالموازاة مع تجميد أرصدة سوق دمشق للأوراق المالية تحت ذرائع مختلفة من بينها إعادة الهيكلة.

ويؤكد الباحث ومدير منصة “اقتصادي” يونس الكريم، أن شركة “شام كاش” استولت على منصة “سوا” وكافة أرصدتها، وهي تستخدم الآن السيستم الخاص بالمنصة لتسليم رواتب الموظفين بالتعاون مع شركتي الهرم والفؤاد، موضحاً أن نظام عمل منصة “سوا” سابقاً كان الاستناد إلى شركات الصرافة لتسليم الحوالات، وهو نفس النظام الذي سيعتمده “شام كاش” في ملف الرواتب.

ويلفت الكريم في حديث لـ”المدن”، إلى أن الاستحواذ على المنصة أوجد هواجس لدى الشركات المالية الأخرى ومن بينها بعض المصارف الخاصة، التي باتت تخشى من استحواذ مماثل قد يطاول أصولها النقدية تحت ذريعة قربها من النظام السابق، ما يفسر الشراكات العديدة التي عقدتها المؤسسات المالية مع “شام كاش” التي تتمدد بشكل سريع، في تنفيذ لحطة توسع سبق وكشفتها “المدن”.

مقاربة على مرحلتين

ويبدو أن الإدارة السورية الجديدة تقارب موضوع شركات الحوالات والصيرفة المالية التي كانت قائمة زمن النظام البائد، والتي يرتبط بعضها بالنظام بشكل أو بآخر، بمقاربة مقسمة على مرحلتين زمنيتين، لكل منها منطقها الخاص بما تتضمنه من مخاطر وتحديات، بحسب حديث الباحث في الاقتصاد السياسي والمحليات في مركز عمران أيمن الدسوقي، لـ”المدن”.

وتتطلب المرحلة الأولى، وفقاً للدسوقي، إجراء تسويات مؤقتة لإدارة المرحلة الراهنة والدمج بين منظومات متفاوتة اقتصادياً ومالياً، والتعامل مع شبكات رجالات أعمال النظام وشركات الحوالة والصيرفة، لمعرفة ما هي الأجزاء الواجب تفككيها باعتبارها خطرة، وتلك الممكن استيعابها باعتبارها مصلحة اقتصادية وسياسية للسلطة والدولة.

أما المرحلة الثانية والتي تطبق على المدى البعيد، فتتصل بضرورة إعادة تنظيم الاقتصاد وأسواق المال وفق قواعد وأسس جديدة تنقل الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال من اقتصاد الظل إلى اقتصاد رسمي محوكم، يتم فيه مراعاة متطلبات المستثمرين والامتثال لمعايير المؤسسات الاقتصادية والنقدية الدولية، وهي شروط لرفع العقوبات وضخ استثمارات يحتاجها الاقتصاد السوري.

وبناء على ما سبق، يوضح الدسوقي أن ما نشهده حالياً من تعاون وشراكات، يبرر بكون البلاد في مرحلة استيعاب الاقتصاد غير الرسمي وإعادة تنظيمه على المدى البعيد بأشكال جديدة، مشيراً إلى أنها مرحلة تتضمن مخاطر لا يُستهان بها، قد يتم الخروج منها باقتصاد سوري منظم ومتنوع محوكم، أوقد تحدث انتكاسة تسفر عن إعادة إنتاج طبقة رجال أعمال لهم هيمنتهم على الاقتصاد السوري كما كان سائداً أيام نظام الأسد البائد، وبالتالي، استمرار حالة تعثر الاقتصاد السوري.

المدن

—————————-

وزارة الإعلام السورية تقنّن الانفتاح على العالم…والتجربة/ نوار جبور

الخميس 2025/04/24

أصدرت وزارة الإعلام السورية تعليمات جديدة تُلزم الناشرين بالحصول على موافقة رسمية من مديرية التقييم الإعلامي – دائرة المطبوعات والنشر – على جميع الكتب المزمع نشرها. ولا يقتصر القرار على الإصدارات المرتقبة فحسب، بل يشمل أيضًا الكتب التي طُبعت من دون موافقة منذ تاريخ 8 كانون الأول 2024.

شكل هذا القرار صدمة في الأوساط الثقافية السورية، إذ يُعيد إلى الواجهة أنماط الرقابة القديمة التي لطالما ميّزت النظام البائد، ويكشف  رغبة النظام الجديد في التموضع داخل كل حيز ثقافي، من دون أن يتيح أي هامش فعلي لحرية المعرفة والكلمة. فالسوريون أرهقهم طويلاً شكل الدولة المتضخمة، المتموضعة في كل مفاصل الحياة اليومية، من الاقتصاد والتعليم إلى الدين والثقافة؛ دولة لا تكتفي بإدارة المؤسسات أو الفضاء السياسي، بل تتجاوز ذلك إلى محاولة إنتاج المعاني ذاتها، والتحكم في اللغة والخطاب، بما يخدم تصورها للواقع.

القرار، وإن بدا إجرائيًا إلا أنه يحمل خفايا تتقاطع مع تصرفات كثيرة للسلطة السورية الجديدة، إلا أنه إعلان عن عودة الترويض المؤسسي للحقل الثقافي، حيث يُجبر الكتّاب والناشرون مجددًا على الدخول في دوائر التكيّف الخانقة، التي لطالما دفعت بكثيرين إلى مغادرة البلاد، بحثًا عن حرية التعبير في فضاءات أكثر انفتاحًا، من لبنان إلى أوروبا. بعض موالي السلطة يدفعون باتجاه أن السلطة تعمل على “حماية المجتمع”، بل تُعيد تشكيل ما يمكن قوله وما لا يمكن، ما يُنشر وما يُطمس.

وهكذا، تتحوّل دور النشر من مؤسسات مستقلة للإبداع والمعرفة إلى أدوات تُعيد إنتاج الخطاب المقيد والمُراقب، ليس فقط عبر ما يُمنع، بل بما يُطلب تمريره وترويجه. إنها رقابة لا تهدف فقط إلى المنع، بل إلى إعادة هندسة الذوق الثقافي والمخيلة العامة، وفقًا لما يناسب خريطة السلطة ورؤيتها للواقع.

ولا يمكن لهذا القرار أن يكون مطمئنًا للسوريين، إذ يكشف عودة الأثر المؤسسي للرقابة، حيث تتصرّف المؤسسات وكأن الرقابة جزء طبيعي من بُنيتها. إنّ الشغف لدى كثير من الناشرين السوريين بالعودة وافتتاح دور نشر في دمشق سيكون مشروطًا مجددًا، كما في الماضي، بما يسمح به النظام، لا بما يطمح إليه الناشرون. القرار لم يخلق فقط حالة من الخوف، بل طرح سؤالًا سوريًا عميقًا حول ما إذا كان النظام قد سقط فعلًا، أم أن آلياته الرقابية ما زالت حيّة تُمارس بأسماء جديدة.

ويشعر الكثيرون أن الرقابة لم تعد فقط مفروضة من فوق، بل إن الرقابة الذاتية داخل المجتمع ذاته تفاقمت، خصوصاً حينما يختلف السوريون على إجراءات رقابية وإجراءات مشدّدة هدفها رقابي، وأن تفكيك هذه الثقافة المتراكمة من الخوف والتقييد قد يحتاج إلى أكثر من سقوط النظام… إنه يحتاج إلى ثورة ثقافية داخلية، تعيد تعريف العلاقة بين المجتمع والحرية، وأدوات ومناهج دخول الأفراد إلى العمل الاجتماعي والوعي الحقوقي.

ورقابة الكتب، في أحلك أوقات حاجة سوريا إلى عودة الفضاء العام للعمل والتداول الحر، تُصبح تمهيدًا لولادة نظام واسع من الضبط الرمزي، بدلاً من الانفتاح على كل أشكال المعرفة الممكنة، وتُظهر في الساحة السورية بوضوح أن هناك معرفة مسموحاً بها وأخرى محظورة. وذلك بينما تسمح السلطة لبيئات دينية متشدّدة بنشر كتب دينية ذات طابع خصوصي، وتغضّ النظر عن دعوات تبشير سلفية يراها كثيرون غريبة عن المجتمع السوري، وتملك من الحرية في التحرك في الشارع خلافً لجهات أخرى عديدة، رغم خطورة تلك الكتب على انسجام وطمأنة المكوّنات السورية. سعي السلطة إلى حماية القراء من مناخ حرية تداول الكتب، ليس بدافع الخوف على الأرجح.. فهل يكون لإنتاج معرفة بديلة تحمي مصالح الحكم وتعيد تنظيم الحقول الرمزية والمعرفية لصالح السلطة.

وإذا كانت السيطرة على المنشور والمكتوب تبدأ من بوابة وزارة الإعلام، فالسؤال الأخطر: كيف سيتجلّى هذا الجوهر الخفي للرقابة داخل المناهج التربوية، وكتب المدارس والجامعات؟ ما يُمنع في النشر اليوم، قد يُعاد إنتاجه كـ”معرفة رسمية” في مؤسسات التعليم غدًا، ويُزرع كحقيقة جاهزة في أذهان الأجيال القادمة.

فالرقابة على الكتب ليست فقط قرارًا إجرائيًا، بل هي قرار منع وتقييد للفهم والتأويل، يظهر في صورة ترشيد وتنميط للسوريين، وإقصاء مكرّر لهم عن إمكانية فهم العالم بحرية، عبر فضاء مفتوح للمنشور والمقروء. هي تقييد لتجربة الفهم التي لا تتحقق إلا بالتعدد والاختلاف، والتجريب الذي يحتاجه السوري في الداخل ليُعيد تكوين علاقته بالمعرفة والنص من دون خوف. وحتى تجربة النشر نفسها — في مناخ حر داخل سوريا — ليست ترفًا، بل ضرورة، لتوسيع المدارك والانفتاح، لا لخنق النص والكتاب أمام القارئ.

وبشكل مبكر، وقبل أن يُعاد تشكيل مفاهيم المواطنية ومشاركة الأفراد في صنع نطاق حكمهم، تظهر السلطة بجهازها الأيديولوجي لتُحدد ما هو صحيح وما يجب أن يُقال، وما يُمنع أن يُقرأ أو يُفكّر به. نحن، إذًا، أمام رقابة لا تضبط الورق والحبر فقط، بل تضبط الخيال، واللغة، وإمكانية أن يكون الإنسان فاعلًا حرًّا في فضائه الرمزي.

جُلّ ما يحتاجه السوريون اليوم هو انكشافهم على العالم، وانكشاف العالم عليهم. أن يُمنحوا الحق في أن يقرأوا ويشاهدوا ويختاروا ما حُرِموا منه لسنوات طويلة من المنع والعزل والوصاية. أن يُتاح لهم أن يختاروا، في كل تفصيل من حياتهم، لا أن يُفرض عليهم ما يُسمح بقراءته وما يُمنع، أن يُخترقوا لا بالقمع بل بالانكشاف على الحرية، وحرية الوصول، لا تقييدها. الكتاب، والعاملون في النشر، لا يختلفون عن الصناعيين والتجار الذين تحاول السلطة استقطابهم اليوم للعودة والاستثمار.

الناشرون السوريون أسسوا، في منافيهم، اسمًا سوريًا ناصعًا في مجال انتقاء الترجمة الرصينة، ونشر نصوص مفصلية في الفكر العربي والمعرفة النقدية. هم ليسوا أدوات خضوع، بل فاعلين رمزيين في بناء وطن حرّ، يحتاج إلى الكلمة بقدر حاجته إلى الخبز والسكن والدواء. ولعل إعادة فرض الرقابة عليهم، ليست فقط تقييدًا لعملهم، بل هي إعلان عن رفض لعودتهم كفاعلين، وإعادة إنتاج لمنطق قديم يرى الثقافة تهديدًا لا أفقًا للشفاء والخيال والانفتاح.

المدن

———————————-

استبدال الليرة السورية هل هو ضرورة اقتصادية؟/ عمار دروبي

24/4/2025

دمشق– بعد سنوات من الصراع والانقسام الاقتصادي في سوريا، بات السؤال عن مستقبل العملة المحلية وإمكانية استبدالها مطروحًا بقوة في الأوساط الحكومية والشعبية، خصوصًا مع تزايد الحديث عن مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وفي ظل تدهور الليرة وظهور عملات بديلة في بعض المناطق، تتجه الأنظار إلى خيارات استبدال العملة، وما يترتب عليها من تحديات اقتصادية وسياسية قد تواجه الإدارة السورية.

ومنذ اندلاع الثورة عام 2011، فقدت الليرة أكثر من 98% من قيمتها أمام الدولار، وبلغ سعر الصرف مستويات قياسية. ورافق هذا الانهيار اعتماد مناطق واسعة، خصوصًا شمال البلاد، على الليرة التركية أو الدولار في التعاملات اليومية، مما قلل من مركزية العملة المحلية كمصدر نقدي.

ومع سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، بدأت أصوات في الداخل السوري والخارج تتحدث عن ضرورة استبدال العملة كجزء من خطة الإصلاح الاقتصادي، وإعادة الثقة بالقطاع المالي والنقدي في البلاد.

ويعزو دعاة استبدال العملة القيام بذلك لعدة أسباب من أبرزها:

    وجود أموال بالليرة داخل وخارج البلاد.

    سرقة أموال الدولة على يد مسؤولين ومتهمين بجرائم.

    تدهور العملة وانخفاض قيمة الليرة.

    وجود صور رموز النظام السابق على العملة كصور عائلة الأسد.

سعر الليرة

أكّد الخبير الاقتصادي السوري أسامة قاضي أن استبدال العملة الورقية أمر لا مفر منه “عاجلًا أم آجلًا” مشيراً إلى أن هذا يتطلب أولًا معرفة القيمة الحقيقية لليرة بالسوق ضمن بيئة استثمارية نشطة يدخل من خلالها مليارات الدولارات، مما ينعكس على تحريك عجلة الاقتصاد ويُفعّل آليات العرض والطلب بشكل واضح.

وقال قاضي -في حديث للجزيرة نت- إن المصرف المركزي بحاجة إلى هذا المشهد الاقتصادي المستقر لتحديد السعر الواقعي لليرة، مما يدفعه للتريث في اتخاذ خطوة طباعة عملة جديدة، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بتكاليف الطباعة العالية، والتقنيات المتطورة اللازمة لمنع التزوير.

وأضاف أنه قدّم مقترحاً رسمياً إلى “المركزي” ووزارة الاقتصاد لطباعة فئة جديدة قيمتها 5 آلاف ليرة، كإجراء إسعافي يهدف إلى وقف التزوير، والحد من المضاربات، ومكافحة غسل الأموال، وبيّن أن هذه الخطوة من شأنها أن تُفقد العملات المهربة إلى خارج البلاد قيمتها.

وأشار قاضي إلى أن عملية الاستبدال ستتيح للمصرف المركزي تتبّع مصادر الأموال ومعرفة إن كان أصحابها يغطّون على عمليات غسل أموال أم يملكون أنشطة اقتصادية حقيقية.

وفيما يخص تمويل الطباعة، كشف قاضي أن ثمة دولا عرضت تغطية التكاليف على 3 دفعات، مرجحًا أن إحدى الدول العربية الشقيقة قد تتبنى تمويل الدفعة الأولى، غير أن المقترح لم يُعتمد رسمياً حتى الآن.

استعادة الثقة

في المقابل، يحذر آخرون من أن التسرع في الإقدام على الخطوة -قبل تحقيق حالة استقرار اقتصادي وسياسي- يجعل الخطوة بلا جدوى.

ويتطلب استبدال العملة السورية شروطا أساسية يجب أن تتحقق على المدى الطويل، وفق المحلل الاقتصادي فراس شعبو، مشيراً إلى من أبرزها:

    تحقيق استقرار سياسي مستدام.

    إجراء إصلاحات اقتصادية شاملة.

    شفافية تامة في إدارة الشؤون المالية.

وشدد المحلل الاقتصادي -في حديث للجزيرة نت- على أن استبدال العملة يجب أن يتم فقط بعد استعادة الثقة بها، لافتاً إلى أن أي تغيير شكلي لن يؤدي إلى تحسن حقيقي في قيمة العملة أو في الوضع الاقتصادي بشكل عام.

وحسب شعبو، فإن تكلفة طباعة عملة جديدة أكبر من قيمة الليرة نفسها، وهو تحد كبير في حد ذاته للحكومة.

وأشار إلى أن أي خطة إصلاح اقتصادي يجب أن تشمل إعادة هيكلة القطاعات المصرفية، مع العمل على الحد من التضخم المزمن الذي يعاني منه الاقتصاد السوري، فضلًا عن إيجاد بيئة مناسبة لجذب الاستثمارات.

المصدر : الجزيرة

—————————–

الحاضرون والغائبون في فضاءات دمشق/ فايز سارة

تحديث 24 نيسان 2025

لعل الأهم والأكثر ظهوراً في فضاءات دمشق عبر الأشهر، التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد، وظهور العهد السوري الجديد، أشخاص وقضايا وموضوعات، رافقت القوات التي وصلت إلى دمشق في إطار عملية ردع العدوان التي انطلقت من إدلب، ومرت بحلب ثم حماة وحمص، قبل أن تضع رحالها في دمشق، وتبدأ في التمدد منها، وصولاً إلى ما صارت إليه من حضور في أغلب مساحة الجغرافيا والأكثرية العددية من سكان سوريا.

وبطبيعة الحال، فإن الرئيس أحمد الشرع كان أبرز الأشخاص في فضاءات دمشق عبر الأشهر الأربعة الماضية، وبخاصة بعد توليه منصب رئاسة الجمهورية، قبل أن تضاف إلى مسؤولياته رئاسة الحكومة السورية الانتقالية وسط توسع دوره السياسي.

وارتبط تطور دور الشرع مع ظهور شخصيات، لم يسبق لغالبيتها أن كانت في فضاءات دمشق، وأكثر هؤلاء كانوا من رفاق الشرع القادمين معه من إدلب، بينهم الذين تسلموا مهمات سياسية وإدارية في الحكومة، التي شكّلها محمد البشير، والحكومة الثانية التي تشكلت برئاسة الشرع مؤخراً، والأبرز في الحالتين أسعد الشيباني الذي تولى الخارجية، ومرهف أبو قصرة وزير الدفاع، وأنس خطاب الذي انتقل من رئاسة المخابرات إلى وزارة الداخلية، والقسم الثاني الذي برز في فضاءات دمشق، كان من أقارب الشرع، وبينهم أخوه ماهر، وزوجته السيدة لطيفة الدروبي التي كان ظهورها بعضاً من توضيح وبيان تفاصيل تتصل بالرئيس الشرع ومواقفه في قضايا المرأة، وما يمكن أن يكون عليه دورها في العهد الجديد.

لم يكن ظهور الأشخاص في فضاءات دمشق معزولاً عن القضايا والموضوعات الأبرز في انشغالات العهد الجديد، وكان أبرزها تثبيت السلطة الجديدة وبناء أجهزتها السياسية والعسكرية والأمنية، وجاء في سياقها تشكيل الحكومتين الأولى والثانية، وتعيين كبار موظفي الحكومة، وبناء جهازي الأمن العام والشرطة وقوات الجيش، من أجل تثبيت الأمن وحماية النظام الجديد، ما جعل تلك الموضوعات والأشخاص الجدد فيها ضمن ملامح فضاءات دمشق في الأشهر الأخيرة، وقد تزايد الحاضرون فيها نتيجة حركة الرئيس الشرع، سواء في زياراته واستقبالاته الخارجية أو لقاءاته واستقبالاته الداخلية، التي كان هدفها في الحالتين إبراز صورة الرئيس وتعزيز علاقات العهد الجديد الخارجية والداخلية.

وسط ما ظهر من أشخاص وموضوعات في فضاءات دمشق، لمعت في الأخيرة أسماء أشخاص وعناوين موضوعات ذات صلة، بينها توطين العهد الجديد وتمدده نحو المناطق الخارجة عن سيطرته في شمال شرقي سوريا وفي محافظات الجنوب، ورفع العقوبات الدولية على سوريا وعملية إعادة الإعمار.

ومما لا شك فيه أن هناك أهمية كبيرة للأسماء والموضوعات، التي شغلت فضاءات دمشق، لكن هذا لا يمنع من قول إن ثمة قضايا كانت تستحق الحضور في فضاءات دمشق، لكنها غابت كلياً أو جزئياً، في مقدمتها الوضع المعيشي للسوريين الذي أصابه مزيد من التدهور في الأشهر الأخيرة نتيجة عمليات التسريح الواسعة من العمل، ووقف صرف الرواتب والأجور ومعاشات المتقاعدين، واختلالات صرف العملة الأجنبية، التي كانت تحويلاتها تساعد قطاعاً واسعاً من السوريين، وما تركته الحالة من تململ في بعض المناطق، أثّرت سلباً على السلم الأهلي الذي يحتاج إلى مزيد من جهود تعزيزه.

ثمة جانب آخر في عملية تغييب القضايا والموضوعات، إذ ان لبعضها حساسية خاصة، مثل موضوع المغيبين قسراً وضرورة الكشف عن مصيرهم، وهو موضوع لا يتصل بنظام الأسد الساقط وأجهزته فقط، بل يمسّ بعضاً من جماعات وشخصيات متقاطعة مع الوضع الجديد، كما أن موضوع اللاجئين في المخيمات الذي كان غيابه أو تأجيله في أهم وجوهه تخفيفاً لما يطرحه من أعباء إنسانية ومادية على السلطة في ظروفها الراهنة، وهو موضوع يقارب في طبيعته وخلاصاته عودة اللاجئين السوريين، وبخاصة من بلدان الجوار، وإنهاء معاناة كثيرين منهم فيها.

وسط الالتباسات المحيطة بما يشغل فضاءات دمشق من أشخاص وقضايا، هناك حاجة إلى وقفة هادئة وموضوعية من جانب العهد الجديد لتقييم الوضع، وإعادة ترتيب الأولويات في فضاءات دمشق واهتماماتها، خاصة أنه جرى إنجاز عدد من الخطوات الملحّة، وصار من الضروري الالتفات نحو خطوات، تلحّ على السوريين كلهم، وعلى سلطة العهد الجديد.

الشرق الأوسط

———————————-

داعش” يهدد الرئيس الشرع… ما مدى قدرة التنظيم على التحرك في سوريا/ عباس شريفة

انتقال التنظيم إلى استراتيجية التخفي

آخر تحديث 23 أبريل 2025

أصدر تنظيم “داعش” يوم 20 أبريل/نيسان 2025 بيانا مصورا هدد فيه الرئيس أحمد الشرع من الانضمام إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بعد أن وجهت الولايات المتحدة طلبا إلى الحكومة السورية بضرورة المشاركة في مكافحة الإرهاب أثار البيان سؤالا عن قدرة التنظيم على تنفيذ تهديداته خصوصا أن سوريا شهدت بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، تغيرات جذرية في المشهد السياسي والعسكري، مما أثر عن وجود تغيير في ديناميكيات التنظيمات المتطرفة، ومن بينها تنظيم “داعش”. وإمكانية محاولة التنظيم استغلال حالة عدم الاستقرار الناتجة عن انهيار النظام لتعزيز وجوده وتنشيط خلاياه في مناطق متفرقة.

وفي هذا المقال استعراض لنشاط “داعش” خلال الفترة الممتدة من ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى أبريل/نيسان 2025، مع التركيز على العمليات قام بها التنظيم والاستراتيجيات التي يتبعها والتحديات التي واجهها وما مدى تأثير الانسحاب الأميركي على قدرة التنظيم في تنفيذ تهديداته ضد الحكومة السورية؟

نشاط “داعش” منذ ديسمبر 2024

بعد سقوط النظام، استغل “داعش” الفراغ الأمني في البادية السورية (مناطق تمتد بين حمص، حماة، الرقة، ودير الزور) لتكثيف هجماته. هذه المنطقة ظلت ملاذا آمنا للتنظيم منذ خسارته الأراضي عام 2019، بفضل تضاريسها الوعرة وصعوبة السيطرة عليها.

وفي ديسمبر 2024، سجلت هجمات بارزة، منها هجوم جنوبي الرقة أسفر عن مقتل شخصين، وهجوم آخر استهدف حقل شاعر للغاز، مما أدى إلى مقتل مدير المحطة. وهناك تقارير أشارت إلى أن التنظيم نفذ ما يقرب من 100 هجوم ضد ميليشيات مدعومة من إيران، و300 هجوم ضد قوات النظام السابق، و300 أخرى ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) خلال عام 2024، مع استمرار وتيرة مماثلة في المناطق غير المستقرة بعد ديسمبر.

من جهته حذر قائد “قسد”، مظلوم عبدي، في 12 ديسمبر 2024، من عودة “داعش” للظهور العلني، مشيرا إلى تحرك خلاياه خارج البادية إلى مناطق سيطرة “قسد” في الجزيرة، مستغلة انشغال الفصائل بإعادة ترتيب الأوضاع بعد انهيار النظام. كما أكد تقرير للأمم المتحدة في فبراير/شباط 2025 أن “داعش” استفاد من سقوط الأسد لتعزيز عملياته، مع تقديرات بوجود 1500 إلى 3000 مقاتل في سوريا والعراق، معظمهم في سوريا. كما لوحظ نشاط استخباراتي متزايد، حيث تسلل عناصر “داعش” إلى مخيم الهول لتحرير مقاتلين مخضرمين وتجنيد شباب، مما يعزز قدرات التنظيم على التخطيط لهجمات معقدة.

وفي 11 ديسمبر 2024، أعلنت الحكومة السورية الجديدة إحباط هجوم مخطط له على مقام السيدة زينب في دمشق، واعتقال خلية تابعة لـ”داعش” وفي 16 ديسمبر 2024، نفذت القيادة المركزية الأميركية غارات جوية قتلت 12 عنصرا وقياديا من “داعش”. وفي 19 ديسمبر، قتل قيادي آخر في دير الزور. كما استهدفت غارة في 23 ديسمبر شاحنة أسلحة تابعة للتنظيم. وفي يناير/كانون الثاني 2025، دعمت الولايات المتحدة عملية لـ”قسد” أدت إلى اعتقال زعيم خلية هجومية، وفي 16 فبراير 2025، أعلنت الحكومة السورية الجديدة اعتقال “أبو الحارث العراقي”، المتهم بالتخطيط لهجمات، بما في ذلك محاولة استهداف مقام السيدة زينب واغتيال قيادي في “هيئة تحرير الشام”.

وبحسب مصادر محلية، انخفض نشاط “داعش” في مناطق سيطرة الحكومة السورية الجديدة بنسبة كبيرة، وبلغت 100 في المئة في بعض التقارير، بينما تراجع في مناطق “قسد” بنسبة 80 في المئة خلال يناير وفبراير 2025، مع تسجيل عمليتين فقط.

هذا التراجع يعزى إلى الضغط العسكري من التحالف الدولي، خاصة الغارات الأميركية، وجهود الحكومة الجديدة في ملاحقة الخلايا. ومع ذلك، يرى مراقبون أن هذا الانخفاض قد يكون مؤقتا نتيجة انتقال التنظيم إلى استراتيجية التخفي ومحاولة نقل نشاطه إلى العراق مجددا.

الولايات المتحدة ترتب المشهد قبل الانسحاب

أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوم 15 أبريل 2025، بأن مسؤولين أمنيين أميركيين أبلغوا المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالانسحاب تدريجيا من سوريا خلال الفترة المقبلة والذي سيبدأ خلال شهرين بعد فشل الجهود الإسرائيلية في ثني الولايات المتحدة عن هذا القرار.

كما تشير بعض المصادر إلى قيام الولايات المتحدة بنقل عتاد عسكري ثقيل من سوريا باتجاه العراق مع توقعات بأن تحتفظ الولايات المتحدة بقاعدتين عسكريتين على الحدود العراقية السورية.

وهنا تطرح التخوفات من عودة نشاط التنظيم بعد الانسحاب الأميركي من سوريا لكن يبدو أن الولايات المتحدة قامت بعدد من الإجراءات الاحترازية لخلق بيئة أمنية تمنع عودة التنظيم، فمع فرار الأسد إلى موسكو في 8 ديسمبر 2024، شنت الطائرات الأميركية ما لا يقل عن 75 غارة على البنية التحتية لمعسكر تدريب “داعش” الواسع في الصحراء الوسطى بسوريا.كما دعمت الولايات المتحدة في منتصف فبراير 2025 اتفاقا بين تركيا والأردن والعراق وسوريا ولبنان على آلية للتعاون المشترك ضد تنظيم “داعش” ترمي أنقرة من خلاله إلى تحقيق هدف آخر يتعلق بوقف الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها ذراع حزب “العمال الكردستاني” في سوريا، والتي تقود قوات سوريا الديمقراطية مقابل الانسحاب الأميركي من سوريا، بحيث يقع عبء مواجهة التنظيم على هذه الدول.

كما ضغطت الولايات المتحدة على “قسد” لإبرام اتفاق بين الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي في 10 مارس 2025 يقضي بضم الأخيرة إلى حكومة دمشق وهو ما يضمن عدم اندلاع مواجهات بين دمشق و”قسد” بعد الانسحاب الأميركي من سوريا يمكن أن يستغله “داعش” لاستعادة نشاطه.

إضافة لفتح خطوط التنسيق الأمني بين التحالف الدولي وحكومة دمشق الجديدة فعندما ألقت قوات الحكومة السورية القبض على القائد الكبير في “داعش” أبو الحارث العراقي في منتصف فبراير 2025، أدت المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها من استجوابه مباشرة إلى مقتل الرجل الثاني في “داعش”، عبد الله مكي الرفاعي (أبو خديجة)، على يد القوات الأميركية والعراقية المشتركة بعد شهر وهو ما يعكس مستوى التنسيق بين الجانبين كما ساهمت المعلومات التي قدمها التحالف الدولي إلى حكومة دمشق يوم 11 يناير 2025 بإجهاض عمليه لـ”داعش” كانت تستهدف مقام السيدة زينب في ريف دمشق واعتقال المتورطين فيها.

قصور استراتيجيات “داعش” في مواجهة التحديات

لم يستطع تنظيم “داعش” العودة إلى شن عمليات حربية نظامية على طريقة تسيير الأرتال والجيوش ولم يستطع السيطرة على مساحات جغرافية أو مدن وبقي يعمل ضمن عدد من الاستراتيجياتمثل الاعتماد على خلايا مبعثرة تعمل بشكل مستقل دون الارتباط بقيادة مركزية تعود لها بالتخطيط والتنفيذ، مما يصعب رصد هذه الخلايا التي تركز على هجمات خاطفة واغتيالات بدلا من السيطرة الجغرافية.

كما استمر التنظيم في استهداف الشباب في مخيمات مثل الهول، مستخدما الإحباط الاجتماعي والاقتصادي لتجنيد أعضاء جدد مما يعكس معاناة التنظيم من نقص الموارد البشرية.

بعد خسائر التنظيم لقاداته، قلل من الظهور العلني لقادته، معتمدا على أسماء حركية مثل “أبو حفص الهاشمي القرشي” للحفاظ على السرية كما يحاول التنظيم استغلال التوترات بين الفصائل السورية الجديدة و”قسد” لتوسيع نفوذه، خاصة في دير الزور والرقة وبعض مناطق حلب لكن كل المحاولات باءت بالفشل حتى الآن.

التحديات التي تواجه “داعش”

يواجه التنظيم عددا من التحديات التي تحد من قدرته على استعادة نشاطه، منها الغارات الأميركية المستمرة، بدعم من “قسد” وبعض الفصائل المحلية، التي أجبرت “داعش” على الانكفاء إلى مناطق نائية، في البادية السورية مما قلل من قدرته على تنفيذ هجمات واسعة النطاق كما تبنت الحكومة السورية الجديدة، سياسة صلبة ضد “داعش”، مع عمليات أمنية ناجحة لإحباط هجمات خصوصا أن الفصائل التي أسقطت النظام تتمتع بخبرات عالية في قتال التنظيم وقدرة كبيرة على اختراق صفوفه، كما ساهم صعود حكومة يغلب عليها المكون السني بما يتناسب مع حجمهم في إضعاف خطاب “داعش” التعبوي تجاه استغلال المظلومية السنية في سوريا، حيث فقد التنظيم مبرراته في مواجهة سلوك النظام السوري الطائفي التي كان يستخدمها لاستقطاب المقاتلين.

رغم قيام تنظيم “داعش” بشن هجمات ملحوظة، فإن الضغط العسكري من التحالف الدولي والحكومة السورية الجديدة، والتنسيق بينهما والاتفاق على دمج “قسد” في الحكومة السورية إلى جانب التحديات الداخلية للتنظيم، ساهم في تقليص قدرته على تحقيق نشاط واسع أو تنفيذ تهديداته.

لكن يبقى التحدي الأكبر في منع “داعش” من إعادة تنظيم صفوفه، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في سوريا والعقوبات الدولية التي تحد من قدرة الدولة على تطوير إمكانياتها في مواجهة التنظيم.

 لكن العمل على تعزيز الأمن من خلال إنجاز بناء المؤسسة الأمنية والعسكرية وتوحيد الجغرافيا السورية وتحقيق مسار الانتقال السياسي بشمولية التمثيل ورفع العقوبات، وإعادة إعمار المناطق المتضررة، ومعالجة قضايا المحتجزين في مخيمات الهول، إضافة لكف العبث الإسرائيلي والإيراني ستكون خطوات حاسمة للحد من خطر عودة التنظيم.

المجلة

—————————

المعجم السوري بعد سقوط النظام.. طرائف ومصطلحات تتنازع مقاعد القاموس/ زيد قطريب

2025.04.24

أنت في سوريا؟ إذن، عليك تمزيق معجم يومياتك القديم، والاستعداد لتبنّي قاموس مختلف، لأن المصطلحات هنا، ستكون علامة “باركود”، لهويتك الشخصية، حيث المفردات، حاملك الأول. في مكان العمل، أو الشارع، أو باصات النقل الداخلي، عليك حمل لواء الكلمات الجديد “الموحّد”، بلا تردد، لأن “الغلطة” قد تجر حرباً ضروساً على السوشيال ميديا!.

غربلة شوائب الألفاظ السورية

هكذا، يجهد السوريون، من أجل صياغة مفردات معجمهم الخاص، ويسابقون الأحداث وهي تتسارع، فيهرعون إلى نبش اللغة الفصحى والعامية، لاختراع مصطلح “حفر وتنزيل”. تقول الناشطة المدنية، يارا الأحمد لموقع تلفزيون سوريا: مصطلح “هي الثورة اللي بدكن ياها”، الذي درج كنوع من التهكم على الثورة في بدايتها، يجب أن ينقلب إلى “هي الثورة اللي بدنا ياها”، وذلك مرتبط بالعمل الحقيقي، وبالمهارة في اختراع الاصطلاح.

تعتقد يارا، أن الناس تحتاج مزيداً من الوقت، حتى تتمكن من غربلة شوائب الألفاظ المتسللة، عن طريق أصحاب الطوائف والأعراق والمنافع الشخصية، الذين يحاولون تمرير الكلمات، من دون أن يراها سيبويه الثورة!.

يتصف معجم الناس في الشارع وحافلات النقل ومحال البيع، بالانفتاح على المصطلحات، أكثر من معجم مؤسسات الدولة والسياسيين. فتلقائية المواطنين العاديين، جعلتهم أكثر رحابة وسخرية في التقاط القصة وتحويلها لمصطلح. هنا لا اعتبارات ولا مواقف مسبقة، بل تماس مباشر مع الأرض.

يسرد لنا أحد الباعة، نكتة عن شخص، رفع تقريراً يتهم زوجته، بمصطلح “فلول”، حتى يتخلص منها. لكن الزوجة كانت أذكى، عندما قصفته بمصطلح “أذيال النظام” الذي جهزته احتياطاً، بسبب عدم ثقتها بالزوج.

لا “قائد مفدى” في سوريا

من جانب رسمي، شطب السوريون من معجمهم، مصطلح “القائد المفدى”، فالرئيس أحمد الشرع، غالباً ما يُخاطب بـ”الشرع”، وفي أحد اللقاءات الشعبية، نادته إحدى النساء: “أبو محمد”، وهذه سابقة في تاريخ سوريا المعتادة على مصطلح “الرئيس المناضل”، و”الأب القائد”، وما شابههما من ألقاب تمجيد الفرد، وتصنيمه عن سابق الإصرار والعمد.

يقول الناشط المدني علاء كاتبي: “إن الوقت مازال مبكراً، للوصول إلى معجم نهائي يتفق عليه السوريون، فالمسألة تتطلب حوارات وشجارات واختلافات كبيرة في الرأي، وتلك حالة صحية دون شك”.

كلما توغل المرء أكثر باتجاه الأرياف، بعيداً عن العاصمة، تصبح المصطلحات، أكثر ماضويةً، كأن هناك معاجم موازية تنشأ في تلك الأماكن، نتيجة عدم تبلور معاجم المؤسسات الرسمية وعدم توليها المهام بشكل شامل بعد. لكن الناشط كاتبي، يقول إن من شأن اكتمال المعجم في دمشق، أن يلغي ظاهرة المعاجم المتفرعة، مثل “الهيئة الشرعية” و”الشيخ” و”الأمير”، التي يفرضها أفراد متنفذون في معاجم الأرياف.

ومنذ أيام، تسبّب مصطلح “حرّرناكم”، بمشكلة في حي المزرعة بدمشق، بعد أن استخدمه أحد رجال الأمن، في وجه شاب من الحي، ما دفع الشاب للرد بغضب: “أنتم لم تحررونا.. لقد حررنا الله.. لسه كل ما تنفسنا بقولوا حررناكم.. لم تحررونا، بل الله فعل”.

وبالطبع، استحضرت هذه الحادثة، المصطلح القديم الذي انتشر إثر سقوط النظام بأيام، والقائل: “من يحرر يقرر”، وقد أثار حينها احتجاجات كثيرة، لأنه يلغي مفهوم الحرية والديمقراطية والمشاركة في اتخاذ القرارات، وهي مبادئ أساسية نادت بها الثورة.

مصطلحات أخرى، شبيهة بما سلف، درجت على ألسنة الناس وفي السوشيال ميديا، وسببت جدلاً بين السوريين، مثل “ليش ما حكيت من 14 سنة”، يقول علاء: “منذ 14 عاماً، كان عمري 6 سنوات، فماذا أفعل الآن، هل أتلاشى مثلاً؟”.

تغيير أسماء الأماكن في دمشق

على صعيد الأماكن، حلت المصطلحات الجديدة، مكان أخرى قديمة، لكن بعضها لم يحالفه الحظ في حجز مقعد في المعجم. فجسر “الرئيس” بدمشق، أصبح اسمه جسر “الساروت”، لكن اسمه القديم بقي حتى الآن، مسموعاً في صراخ سائقي سرافيس “مهاجرين صناعة”، على عكس “ساحة الرئيس” في جرمانا، التي لبست اسم “ساحة الكرامة” بسرعة فائقة، بعد أن تم تدمير التمثال في وسطها.

من طرائف التسميات والمصطلحات في سوريا اليوم، غياب أسماء المسؤولين، لصالح مصطلح أبوّتهم لابنهم البكر، فرئيس الديوان في إحدى الوزارات اسمه “أبو عمر”، والموظف الذي يختم الأوراق الرسمية هو “أبو عبد الرحمن”، ورئيس قسم “الذاتية”، “أبو طه”، والمسؤول الأمني “أبو خالد”، وتلك ظاهرة من المصطلحات تستحق دراسة خاصة.

تقول الباحثة الاجتماعية أليسار فندي لموقع تلفزيون سوريا، إن هذه المرحلة من تاريخ سوريا، يمكن تسميتها بغربلة المصطلحات، حيث ستأخذ المسألة زمناً من التفاعل بين السوريين، وبين القوى السياسية، حتى يتمكن كل طرف، من تقبل مصطلحات الطرف الآخر، من دون الطعن أو التشكيك في النيّات والدوافع، انسياقاً وراء مصطلح “المؤامرة”.

مصطلحات المعجم السوري اليوم، مفرودة في الشوارع، وعلى منابر السوشيال ميديا، تخوض حوارات ساخنة، يحاول فيها كل مصطلح، إثبات جدارته بنيل مقعد خاص في القاموس. لكن تجارب التاريخ تقول، إن ما سيصمد أمام الزمن، هو الإنجاز الفعلي على الأرض.

تلفزيون سوريا

—————————-

حين كانت الكلمة تهمة في سوريا.. كتب هرّبت كما يُهرّب السلاح/ وفاء عبيدو

2025.04.23

في سوريا، لم تكن الكتب مجرد وسيلة للمعرفة، بل شهادة على زمن الخوف والملاحقة، حيث كانت تُخبأ كما تُخبأ الأسرار في زوايا البيوت، وتحت الوسائد، أو خلف الجدران، أو بين رفوف مخفية، ولم يكن اقتناء كتاب محظور فعلًا ثقافيًا، بل مخاطرة قد تكلّف صاحبها استدعاءً أمنيًا، أو اتهامًا بالمساس بـ”هيبة الدولة”.

أما الرقابة فلم تكن مجرد سلطة رسمية تضع خطوطًا حمراء، بل كانت جدارًا سميكًا يعزل القارئ عن العالم، ويفرض على العقل حدودًا صارمة، والممنوعات لم تُحصر بالسياسة وحدها، بل امتدت لتشمل الفكر والدين والتاريخ، وكل ما قد يحرّك الوعي أو يوقظ السؤال.

وفي بلد حُكم بالحديد والنار لعقود في ظل نظام يطارد الكلمة، ويحاكم الفكرة ويُعاقب على الفضول، كان لكتاب صغير أن يُعد جريمة، وأن تقرأ كتابا محظورا بحد ذاته تهمة، وأن تبحث خارج المسموح كان أشبه بفتح نافذة على ما لا ينبغي أن يُقال.

وبالرغم من ذلك، وجد الكتاب الممنوع طريقًا ليتسلل بين المهتمين به والباحثين عنه، كفعل مقاومة لا يُقهر فيُنسخ سرًا ويُمرَّر من يد إلى أخرى، ويُقرأ بنبض متسارع تحت نور خافت.

لكن القيود والجدران التي وضعها النظام السابق انهارت في 8 من كانون الأول، حيث انطلقت يوم أمس الثلاثاء، فعاليات معرض كتب المركز العربي وإصداراته، الذي تنظّمه دار الفكر بالتعاون مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في المركز الوطني للفنون البصرية بجامعة دمشق، وتشمل الفعالية إلى جانب عرض كتب المركز مجموعة من الندوات الثقافية التي يشارك فيها باحثون وأكاديميون بارزون، ويستمر المعرض حتى يوم السبت 26 نيسان الجاري، وهو حدث ثقافي، الذي يُعدّ الأول من نوعه منذ التغيير السياسي في البلاد، استقطب جمهورا واسعا من الباحثين والطلبة والأكاديميين، وجاء بمشاركة نوعية لمجموعة ضخمة من الإصدارات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي كانت لعقود غائبة عن متناول القارئ السوري.

الكتاب يُهرَّب كالسلاح في سوريا

في مدينة سلمية بريف حماة الشرقي، لم يكن هيثم القطريب صاحب مكتبة “ابن الهيثم”، يبيع الكتب فقط بل كان يعتبرها منبرًا ثقافيًا ومصدرًا لمقاومة الصمت ومسؤولية.

أوضح “القطريب” لموقع تلفزيون سوريا، أن إدخال الكتب الممنوعة لم يكن مغامرة عابرة، إذ كان يجلب الكتب من لبنان ويختارها بعناية ما بين فكرية أو سياسية، فيخبئ الممنوعة بين ملابسه بينما المسموحة تبقى ظاهرة، مشيرا إلى أن طريق العودة إلى سوريا لم يكن سهلًا فالتفتيش الدقيق كان روتينيًا، وغالبًا ما كان يضطر سائق التاكسي إلى دفع رشوة لتسريع المرور.

يستذكر هيثم واحدة من أكثر اللحظات رسوخًا في ذاكرته، حين نجح في تهريب صورة عن مقالة للصحفي اللبناني سليم اللوزي، وهي المقالة التي اعتبرت السبب في مقتله، قائلًا “حين كنت أجلب كتابا ممنوعا كان الخوف لا يفارقني”.

اعتُقل هيثم مرات عديدة منذ أحداث الثمانينيات حتى ما بعد انطلاق الثورة السورية، وفي كل مرة كانت الكتب والمكتبة جزءًا من أسباب الاعتقال، بينما التهم التي تنسب له تندرج تحت “الإرهاب”، و”زعزعة أمن الدولة”، و”الترويج للمعارضة”، و”التطرف”، وقال “كانوا يزجونني في سجون المتطرفين، وكأنّ الكتاب تهمة متطرفة بحد ذاتها”.

كما أشار إلى أن رقابة النظام المخلوع على الكتب كانت صارمة ومستمرة، فبينما تتولى وزارة الإعلام مراجعة الكتب الأدبية والثقافية، تخضع الكتب السياسية والدينية لمراجعة القيادة القطرية لحزب البعث، وكانت المكتبات عرضة لجولات تفتيش متكررة من مختلف فروع الأجهزة الأمنية، موضحًا أن المواطن لم يكن يجرؤ على طلب كتاب ممنوع إلا إذا كانت تربطه بصاحب المكتبة معرفة وثقة متبادلة.

“النظام المستبد يرى في الشذرات خوفه”، هكذا يصف “القطريب” النظام مبينًا أنه كان يخشى أن تتحول الكتب التي تعارض سياسته إلى فعل جماهيري، كأن تُعرض على خشبة المسرح أو تُحوّل إلى مشروع فكري علني قد يتبنّاه الشارع، ولهذا كان أي كتاب يحمل بذور تهديد للنظام يُحظر مباشرة.

ومن الكتب العالقة بذاكرته كتاب “فاندام”، أما الكتاب الذي يتشوق هيثم لقراءته قريبًا فهو “تجربتي في الثورة” للكاتب محمد عمران.

قبضة أمنية تضرب الكتب

كانت الكتب الممنوعة في سوريا أشبه بمحظورات خطرة، والاقتراب منها يضع صاحبها في مواجهة مع القبضة الأمنية، كما أن اقتنائها أو تداولها خارج المسموح قد يكلّفه حريته أو حياته.

حازم نهار كاتب سياسي سوري يسترجع في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، تجربته مع الكتب المحظورة خلال حكم النظام البائد، موضحًا أن الحصول عليها كان محفوفًا بالمخاطر، سواء في جلبها عبر أسفاره خارج البلاد أو من خلال علاقاته بأوساط المعارضة وانخراطه في الأحزاب السرّية، حيث كانوا يتبادلونها فيما بينهم وبتكتم.

ويستذكر نهار، مشاركته عام 2001 لمؤتمر حقوقي في القاهرة بعنوان “المدافعين عن حقوق الإنسان”، إذ حاز حينها على جائزة تمثلت بمجموعة من 300 كتاب، وأُرسلت له لاحقًا إلى سوريا عبر البريد لكنه فوجئ برفض تسليمه البريد وطلب منه مراجعة وزارة الإعلام.

وقال “ذهبت إلى الوزارة، لأكتشف أن الأمر كان أشبه بتحقيق أمني، سئلت عن مصدر الكتب وعن حاجتي لها، وتمت مصادرتها بالكامل، وكان ثمن سلامتي الشخصية التخلي عن المجموعة”.

لطالما أصر نهار في البحث عن الكتب السياسية والتاريخية وغيرها من التي وثّقت مراحل حرجة في التاريخ وخاصة التي عمل النظام على محوها وتغييبها من الذاكرة الجمعية، كمرحلة ما بين 1963 و1970، ثم بين 1978 و1982، بالإضافة إلى كتب تناولت نشأة الأحزاب السورية، والمجتمع المدني، وملفات حقوق الإنسان وغيرها من الكتب المحظورة.

كما يجد نهار أن ظهور الإنترنت شكّل تحولًا مهمًا، إذ أسهم العالم الرقمي في تجاوز القيود المفروضة وأتاح الوصول إلى مواقع محظورة، موضحًا أنه نشر عددًا من المقالات باسم مستعار أو باسمه، كان منها دراسة بعام 2000 عنوانها “كيف وصل بشار الأسد إلى السلطة”.

ومن وجهة نظره، يرى أن الرقابة والمنع خلقا شغفًا لدى البعض بالوصول إلى كتب قد لا تكون ذات قيمة معرفية كبيرة، لكنها تحمل رمزية التحدي، ويستشهد بكتاب “سوريا الاقتراع أم الرصاص” للكاتب كارستين ويلاند، الذي ترجمه من داخل سوريا عام 2008، حيث تنبأ فيه الكاتب بحدوث ثورة في سوريا، معتبرًا أن هذا النوع من الكتب يلامس الجذر العميق للأزمات السياسية والاجتماعية في البلاد. مشيرًا إلى أن النظام لطالما سعى على توظيف الثقافة والإعلام كوسائل للسيطرة على المجتمع، إذ عمل على تنميط الفكر وتقييد الوعي بوساطة إحكام قبضته على المناهج التعليمية، بهدف رسم حدود ضيقة للطموح والمعرفة، كما فرض هيمنته على الاتحادات والهيئات الثقافية، رافضًا أي شكل من أشكال النقد الذي قد يُربك روايته الرسمية، فحوّل الثقافة من مساحة للتفكير والحوار إلى أداة لتكريس سلطته وتعزيز سطوته.

وفي مشهد يُجسّد تراجع الحياة الثقافية تحت حكم النظام المخلوع، شهدت بعض المحافظات اختفاء تدريجيًا للمكتبات العامة مثل “ميسلون” التي تحوّلت إلى مراكز صرافة، و”الزهراء” إلى سوبر ماركت، بينما أصبحت “اليقظة” متجرًا للأحذية، والمصير نفسه لاقته مكتبات في حلب واللاذقية، في انعكاس مباشر لتهميش الكتاب وتراجع دور الثقافة في الفضاء العام.

“النداء الأخير للحرية”

بين جدران المعتقل، كتب المحامي والكاتب السوري حبيب عيسى كتابه “النداء الأخير للحرية”، مستخدمًا قصاصات ورقية هرّبها خارج السجون حيث تم جمعها وتوثيقها، ليُطبع الكتاب بدعم من المفوضية الأوروبية في باريس.

في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، يوضح عصمت عيسى، الابن الأكبر للمحامي والكاتب الراحل حبيب عيسى، أن كتابات والده شكّلت امتدادًا لمسيرته النضالية التي كلفته سنوات من السجن والتهميش.

بدأ حبيب عيسى مسيرته في الصحافة، وأصدر كتابه الأول “السقوط الأخير للإقليميين في الوطن العربي”، الذي مُنع من النشر في معظم الدول العربية باستثناء لبنان، التي كانت آنذاك أكثر انفتاحًا.

نُقل حبيب على أثر هذا الكتاب، من قسم التحرير إلى قسم الأرشيف في صحيفة “الثورة” الرسمية، في خطوة هدفت إلى تهميشه وعزله، ليدرك حينها أن العمل الصحفي في ظل الرقابة الأمنية الصارمة لا يمنحه المساحة الكافية للتعبير عن آرائه، فاتجه إلى دراسة الحقوق ليواصل نضاله بلغة القانون.

ويروي عصمت، الذي كان يشارك والده شغفه بالقراءة، أن حبيب امتلك مكتبة غنية بالكتب الفكرية والسياسية المحظورة، حصل عليها عبر وسطاء في لبنان، في وقت كانت فيه حيازة مثل هذه الكتب كفيلة باعتقال صاحبها، ومن الكتب التي لا تزل عالقة في ذاكرته “حافظ الأسد (الصراع على الشرق الأوسط)” للكاتب باتريك سيل، ومذكرات سامي الجُمعة.

كما أوضح عيسى أن والده كان مؤمنًا بأن الكلمة الحرة أكثر خطورة من السلاح، وأن النظام السوري لم يتعامل مع الفكر كأداة للنقاش، بل كخطر وجودي يجب إسكاته.

ويستعيد عصمت موقفًا خاصًا جمعه بوالده، حين طلب منه مساعدته في بيع مجموعة من الكتب السياسية والفكرية في إحدى دورات معرض الكتاب العربي في دمشق، لكن المفاجأة كانت في العزوف الكبير عن شرائها، إذ لم تُبع منها إلا نسخ قليلة. وبرأيه، لم تكن المشكلة في مضمون الكتب، بل في مجتمع خضع لعقود من التغييب، حتى باتت الثقافة تُعامَل كجريمة، والوعي يُنظر إليه كخطر.

ورغم غياب إحصائيات رسمية دقيقة حول معدلات القراءة والنشر في سوريا خلال السنوات الماضية، إلا أن السياسة التي كان يتبعها النظام في منع تداول مؤلفات لكتّاب أدت إلى تراجع ملحوظ في دور الكتاب.

على سبيل الذكر منع تداول كتب الفلسطيني أدهم شرقاوي، التي حُظرت جميعها عام 2013، على خلفية تصريح إعلامي نُسب إليه وانتقد فيه النظام. كما شملت قائمة المنع روايات تنتمي لأدب السجون، مثل “القوقعة” لمصطفى خليفة، و”يسمعون حسيسها” لأيمن العتوم، إضافة إلى كتب دينية لكُتّاب أمثال سيد قطب وغيرهم، اعتُبرت مضادة للرواية الرسمية أو محفزة على التفكير النقدي.

تلفزيون سوريا

————————————–

حفيدتي وأنا والعيش في “بلاد العواء”/ مالك داغستاني

2025.04.24

أنا ممن يميلون إلى الاعتقاد بأن القتل ليس غريزة بشرية. الإنسان لا يُولد برغبة في القتل، بل يولد بتركيبة نفسية معقّدة، تتضمن غرائز أساسية كغريزة البقاء، والدفاع عن النفس، والرغبة بالسيطرة. هذه الغرائز قد تؤدي إلى العنف في ظروف معينة، لكنها لا تُفضي بالضرورة إلى القتل.

يحدث القتل أحياناً بدوافع بيولوجية نفسية في حالات الغضب الشديد، لدرجة أن يصيب الفاعل ما يشبه الاضطراب العقلي. أحياناً يمارس الإنسان القتل لعوامل اجتماعية كالعنف في البيئة المحيطة والفقر والظلم. لكن الأهم والأعم أن الكثير من القتل إنما يحدث في سياق استخدامه كأداة للسيطرة وبسط النفوذ. في الحروب يُقتَل الآخر لأنه “عدوّ” وفق تصورات جماعية، غالباً هي تصورات إيهامية يعمل على تنميتها أصحاب النفوذ ذوي المصالح، من أجل المزيد من السيطرة.

قبل ست سنوات تقريباً، كانت حفيدتي (11 عاماً) القادمة من برلين تجلس إلى جواري. على شاشة التلفاز كان يُعرض تقرير إخباري عن حادثة في أحد مخيمات الشمال السوري. حيوان غرير هاجم طفلة نائمة وتسبّب لها بتشوهات، ليتمكّن سكان المخيم من قتله في النهاية. لم تكن حفيدتي، التي تعيش في برلين منذ سنوات وبالكاد تفهم العربية الفصحى، تتابع بدقة التفاصيل، لكنها فجأة سألتني بدهشة واستنكار: “هل قال إنهم قتلوه؟” أجبتها بنعم، فاستفسرت عن السبب، وأجبتها بما بدا لي منطقياً وبديهياً: “لأنه هاجم الطفلة وسبّب لها الأذى”.

بإجابتي تلك، كنتُ قد فتحتُ أبواب جهنم ليس على نفسي فقط، وإنما على المجتمع الذي نشأت فيه. كان أول أسئلتها: أليس لديهم قفص؟ لم أفهم سؤالها جيداً، فاستفسرتُ عن لزوم القفص. أجابت ببساطة، وكأنها تشرح واحدةً من المسلمّات: “كي يضعوه فيه ويعيدوه إلى الغابة أو إلى بيئته الطبيعية. هل يعقل أنك لا تعرف بأن الحيوان لم يقصد إيذاء الطفلة، وهو إنما كان يعيش ويمارس غريزته”. كشف لي هذا الموقف (الدرس)، ليس فقط المسافة بين جيلين، بل بين ثقافتين ونمطين من التفكير.

حفيدتي التي نشأت في بيئة تحتفي بالحياة، بما فيها حياة الحيوان، لم تفهم كيف يمكن أن يكون الحل الوحيد لأي خطر هو القتل. أما أنا، فقد نشأت في بلاد لا تُقيم كبير وزنٍ للحياة، وخصوصاً حياة الكائنات الأخرى المحكومة بالموت على الأغلب. فيُختصر التعامل مع أي تهديد بشري أو حتى خلاف مع الآخر عبر الإقصاء، والإلغاء، وأحياناً الإبادة. وأرجو هنا ألا يعتقد أحد، أنني لا أعلم عن تاريخ الغرب الاستعماري، وحروبه وضحايا تلك الحروب، فأنا أتحدث هنا تحديداً عن نمط التربية في تلك المجتمعات.

القتل ليس فقط الفعل الدموي الذي يسلب الحياة. هناك أطوار أخرى تسبقه، وتندرج في إطار القتل الرمزي أو النفسي: الإذلال، الإهانة، سلب الكرامة، الظلم، التهجير، التجويع، كلها أفعال إن لم تكن تؤسس للقتل، فهي تُعتبر واحدة من درجاته. الإنسان يمتلك وعياً أخلاقياً وقدرة على اتخاذ القرار، ولهذا فإن فعلاً كقتل إنسان آخر، بما فيه الأطوار التي تسبق القتل البيولوجي، يُجرَّم ويُدان في معظم الثقافات. ولكن هل تحوّل القتل إلى فعل مُستَسهَل لدى بعض السوريين، بعد أربعة عشر عاماً من القتل اليومي الذي مارسه نظام الأسد؟ ليغدو لديهم وكأنه غريزة مثلما هو لدى حيوان الغرير.

في سوريا، اعتدنا على أخبار القتل، وشاهدنا مناظر الدم لسنوات طويلة. أصبح مشهد الجثة العارية أو الوجه المشوّه مألوفاً، ما حوّل فعل قتل الإنسان من واحدة من الكبائر إلى فعل يومي غير ذي أثر في بعض الأحيان. صرنا نشاهد مئات المقاطع المصوّرة التي توثق إذلال الناس، شتمهم، صفعهم، إهانتهم، تحقيرهم، وصفهم بأقذع الأوصاف وتعريتهم من إنسانيتهم، وصولاً إلى قتلهم.

صور ومشاهد لقسوتها كانت تُدمي قلوباً كثيرة، بينما كانت تُضحك آخرين، وكأنّ الضحية مجرّد مادة للتهكم. ربما هذا ما سهَّل على السوريين اليوم استساغة صور حديثة، منها الطلب من مجموعة من البشر أن تعوي، وحين يصرخ الضحية “عَوّ.. عَوّ” يضحك بعضنا، معتبراً أن الضحايا هم الآخرون (الأعداء)، ويبكي آخرون. بينما المفترض، لولا تشوهاتنا، أن نبكي جميعاً في الحالتين، أو على الأقل أن نعتبر الضحك عاراً، إن لم يكن عرضاً مرضيّاً، أمام جرائم من هذا النوع.

سقط الأسد. اعتقدنا بسذاجة وربما بكثير من الأمل، أننا نجونا بأقلّ الخسائر، لكن على ما بدا فيما بعد، فإننا نحتاج إلى سنوات من إعادة التأهيل للفطام عن تلك الفظاعات. ما زلنا نعيش في بلاد الموت المجّاني وبلاد العواء البشريّ. ما زال الإنسان يُقتل أو يَذلّ لأنه ينتمي إلى طائفة أخرى، وللسخرية، يقتل أحياناً لأنه كان في المكان الخطأ في الوقت الخطأ. غالباً، يخطر لي، أن الخلاف بعد سقوط الأسد، لجهةِ حالات الانتهاكات، هو نوع من تبادل للأدوار بين الفاعلين. وهذه واحدة من مفاعيل غياب العدالة التي ما زالت تتلكأ وتتخبط حتى اليوم، ما يتسبب بإعادة إنتاج المأساة.

اليوم، تذكّرت ذاك الموقف القديم مع حفيدتي لأنها عادت لزيارتنا، بعد سنوات أخرى من الغياب. ولأني بصعوبة نجوت من درسها ومحاكمتها السابقة، فأنا منذ أيام أصدر الأوامر الصارمة بعدم تشغيل أية قناة إخبارية تهتم بالشأن السوري، بل ولا أجرؤ على مشاهدة أي مقطع مصور أمامها. فما الذي يضمن لي أنها لن تشاهد إنساناً يقتل آخراً وهو يضحك، أو تسمع

أوامر العواء يصدرها أحدهم على بشر آخرين، كما لو كانوا قطيعاً من الكلاب. فأي تفسير سأملك حينها، وكيف أقنعها أن جذورها تعود إلى بشر أسوياء، بينما في الواقع فإن كل ما يختص بسلوكنا، وحتى أقوالنا وكتاباتنا، يشي بأننا أناس يحتاجون إلى علاجٍ مديد.

تلفزيون سوريا

———————-

بناء المظلومية.. تحليل تأطير الإعلام الغربي لأحداث الساحل السوري في آذار 2025/ عامر المصطفى

2025.04.24

يُعدّ الخطاب الإعلامي الغربي أحد أبرز الأدوات التي تُسهم في تشكيل التصورات العامة تجاه القضايا الدولية، لا سيّما النزاعات في منطقة الشرق الأوسط.

وفي السياق السوري، وعلى مدار أعوام الثورة الأربعة عشر، برزت أنماط خطابية تعكس مستويات مختلفة من التحيز، سواء من حيث انتقاء المصطلحات أو انتقاء المصادر أو التركيز على سرديات معينة.

يستخدم الخطاب الغربي جملة من الآليات والاستراتيجيات التي تؤثر في المتلقي، من بينها التأطير (framing) الذي يختار زوايا معينة لإبراز جوانب محددة ومعالجة الأحداث ضمن سياقات تختصر الواقع وتوجه المتلقي نحو فهم مسبق، والتركيز الانتقائي (selective emphasis) الذي يركز على آراء جهات فاعلة دون غيرها بما يتناغم مع أجندات سياسية ويُهمش الأصوات المعارضة، والتمهيد (priming) لتهيئة المتلقي لقبول سردية معينة من خلال اختيار الموضوعات وترتيبها وتركيز التغطية عليها، إلى جانب التلاعب باللغة من خلال استخدام مفردات ذات حمولة أيديولوجية أو عاطفية. تهدف هذه الاستراتيجيات إلى إعادة إنتاج فهم معين للصراع، يخدم أجندة القوى الفاعلة في المشهد الإعلامي الغربي ويؤثر في مواقف الرأي العام تجاه الأطراف المتنازعة.

لم يقتصر التحيز على فترة سنوات الثورة، وامتد لما بعد سقوط النظام وصولاً لأحداث الساحل السوري في آذار 2025، حيث تُشير تغطية المؤسسات الإعلامية الغربية إلى ميل واضح لتكريس مظلومية الطائفة العلوية مع تقليل أو تجاهل خسائر قوات الأمن الحكومية.

وقد برز هذا التحيّز عبر أربع استراتيجيات لغوية رئيسية: التأطير Framing، والانتقاء المنهجي للمصادر Selective Sourcing، واللجوء إلى التراكيب النحوية المبنيّة للمجهول Passives، واستخدام الافتراضات المسبقة Presupposition لإضفاء “مصداقية” ضمنية على سردية مظلومية العلويين. لتوضيح وشرح هذه الاستراتيجيات بشكل أوسع، تتناول هذه المقالة أمثلة من صحف ومؤسسات بارزة مثل بي بي سي، والغارديان، ورويترز، والتايمز، إضافة إلى فرانس 24 وغيرها، لتوضيح كيف أسهم الخطاب الإعلامي الغربي في توجيه الشارع الغربي نحو انطباع أحادي الجانب للأحداث في الساحل السوري.

بدايةً، استخدمت البي بي سي مصطلحات ذات طابع انفعالي لإثارة عاطفة الجمهور مثل “مجازر” و “هجوم عنيف ضد المدنيين” و”إعدام النساء والأطفال”، واعتمدت على استراتيجية لعبة الأرقام Game Number التي تتضمن اللعب على وتيرة تضخيم أرقام الضحايا والتركيز الموضوعي Topicalization الذي يتضمن تسليط الضوء على فكرة معينة في العناوين كأدوات إيديولوجية وظفتها في ترسيخ سردية إبادة الطائفة العلوية.

برزت هذه الأدوات بوضوح في عناوينها، ما أسهم في تعزيز المظلومية العلوية وتقزيم خسائر قوات الأمن الحكومية، ومن هذه العناوين: “مقتل المئات من أبناء الطائفة العلوية في سوريا” و”اتهامات لقوات الأمن السورية بقتل مئات المدنيين” و”عائلات بأكملها قُتلت في أعمال العنف الأخيرة في سوريا”.

أما الغارديان البريطانية فقد عنونت خبرها “قوات الأمن السورية تعدم 125 مدنياً خلال معارك مع موالين للأسد”.

ويتضح جلياً من هذه العناوين أن ما جرى في الساحل تم تأطيره ضمن إطار سردية معينة مفادها أن قوات الأمن (جهة رسمية) ترتكب “مجازر” بحق جهات مدنية من طائفة معينة مع تجاهل كامل لضحايا قوات الأمن أو على الأقل الإشارة إلى أن ما حصل هو رد فعل وليس فعلاً قائماً بذاته، مما يقلل من أهمية الخسائر في صفوف قوات الأمن في وعي الجمهور.

تبنّت الماكينة الإعلامية الغربية أيضاً منهجية الانتقاء المنهجي للمصادر، حيث اعتمدت التقارير بشكل رئيس على بيانات المرصد السوري لحقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش والشبكة السورية لحقوق الإنسان لتعزيز مرجعية أرقام الضحايا العلويين، التي وصفت أحداث الساحل بالغالب على أنها إعدامات خارج نطاق القانون “extrajudicial killings”.

في المقابل، تم تجاهل أو تهميش البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية وقيادات قوات الأمن التي وثقت مقتل العشرات من عناصرها خلال الهجوم الأولي، كما أن وسائل الإعلام الغربية لم تتحقق من نسب القتلى بين القوات الحكومية مقارنة بالمدنيين العلويين.

استخدمت التقارير الغربية أيضاً عبارات مبنية للمجهول مثل “were extrajudicially killed” (قُتلوا خارج نطاق القانون) لإخفاء هوية الفاعل وصرف النظر عنه وتوجيه اهتمام القارئ إلى العاطفة الإنسانية دون التحري عن المسؤول الحقيقي عن هذه الانتهاكات. كما لجأت بعض التقارير، مثل تقارير ذا تايمز، إلى عبارات تحمل افتراضات ثابتة مثل اقتباس “تم سؤال الضحية قبل إعدامه: هل أنت علوي؟” ما يجعل الطابع الطائفي على أنه مسلّم به دون نقاش. كما استُخدمت أفعال مساعدة وعبارات تفيد الاحتمالية مثل (“قيل” و “هناك أنباء عن” و “حسب ما أفاد”) لخلق فجوة نقدية بين القارئ والحدث، ولإظهار التغطية وكأنها محايدة وتتحرى الدقة والموضوعية.

أما أكثر الاستراتيجيات والأدوات اللغوية فتكاً فهي الاختيارات المعجمية Lexical Choices التي تحمل دلالات ذات طابع أيديولوجي معين يتم استخدامها بشكل متكرر لتتحول معها سردية الخطاب الإعلامي إلى أمر مسلم به من قبل الجمهور يصعب تغييره أو مقاومة تياره الجارف.

في مقال نشرته رويترز، تُعزز مصطلحات مثل “العنف المميت” و”القتل الجماعي” و”سفك الدماء بدافع الانتقام” صورة العنف الفوضوي الذي تم إلصاقه بالقوات الحكومية، لا سيما مع استخدام كلمات ذات طابع أيديولوجي مثل “بقيادة إسلامية” أو “مرتبطة بهيئة تحرير الشام” وبالتالي اللعب على وتر الإسلاموفوبيا، مما يمثل الحكومة سلبًا، لا سيما في المجتمعات الغربية.

على النقيض من ذلك، يشير المقال إلى فلول الأسد الذين شنوا الهجمات ضد قوات الأمن بـ”الموالين للأسد والمدنيين والمؤيدين”، مما يُقدمهم للقارئ بطريقة إيجابية ويعزز مظلوميتهم ويضفي الشرعية على أفعالهم.

يبدو جلياً أن رويترز والغارديان تُصوّران أحداث الساحل على أنها صراع طائفي عبر استخدام مصطلح “العلويين” بدلاً من فلول النظام السابق، في محاولة لبناء سردية طائفية وتصوير الهجمات على أنها صراع طائفي لا مفر منه بعد التحول الكبير الذي طرأ على المنطقة. في السياق نفسه، دأبت فرانس 24 على تكرار مصطلحات مماثلة شملت “ميليشيات ومجازر وإراقة الدماء وقتل المدنيين” لتتماهى مع مثيلاتها في شيطنة قوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة، وتقديم الفلول بشكل إيجابي كضحايا مدنيين، مستغلةً بذلك المشاعر الطائفية وشماعة الأقليات.

ختاماً، لقد أظهر هذا التحليل كيف وظّف الإعلام الغربي مجموعة متكاملة من الآليات اللغوية –بالإضافة إلى آليات كثيرة لا مجال لشرحها هنا– لتصوير طرف على أنه المتضرر الوحيد في الساحل السوري، مع طمس أو تهميش الخسائر التي لحقت بقوات الأمن الحكومية، مما خلق سردية أحادية الجانب لتوجيه الرأي العام الغربي. وهنا لا بد من التنويه إلى أن الانتهاكات بحق المدنيين لا يمكن تبريرها بتاتاً، وأن بناء آليات لمحاسبة المتورطين بارتكاب الانتهاكات هو مطلب كل سوري وطني، لكن هذا ليس مدعاة للاستسلام لأجندة إعلام يتبنى رواية أحادية الجانب ويتبنى سردية معينة تكرس مظلومية طرف وتتجاهل الانتهاكات المرتكبة بحق الطرف الآخر بما في ذلك النيل من هيبة الدولة والهجوم على قوات الأمن. إن مواجهة التحيّز الإعلامي ليست رفاهية أكاديمية، بل ضرورة أساسية، ولا بد من إجراءات تقوم بها السلطات ممثلة بوزارتي الخارجية والإعلام للتصدي لهذه السياسات الإعلامية بشكل احترافي يتضمن نقض سرديات إعلام القطب الواحد عبر اتباع آليات واستراتيجيات إعلامية ولغوية احترافية تشمل رصد دوري لأبرز ما يُنشر عن الشأن السوري، وتحليله وكشف التزييف إن وجد، وابتداع طرق غير تقليدية، بما في ذلك عبر المنصات الرقمية والإعلام الموازي، لنقض الروايات المضللة وخلق مساحة إعلامية جيدة لسردية موازية تضمن لنا موضع قدم في صناعة الرأي العام الغربي والعربي معاً.

*ملاحظة: تستند هذه المقالة بشكل جزئي إلى بحث أكاديمي موسع بعنوان: الإطار الخطابي للإعلام الغربي في تغطية الأحداث الأخيرة في الساحل السوري: التحليل النقدي للخطاب، كنت قد نشرته مؤخراً بالشراكة مع الباحث حسام بدوي في مجلة جامعة الشام.

تلفزيون سوريا

———————————–

عن الشعب السوري.. و”فئاته”/ سلمان عز الدين

24 أبريل 2025

بعد سنوات طويلة من “الشعب الواحد”، الذي هو جزء من “الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة”، صرنا فجأة “الشعب السوري بكل أديانه وطوائفه ومذاهبه وإثنياته”، العبارة التي تختصر عادة بـ”الشعب السوري بكل فئاته”. وطبعًا “فئات” لا تعني العمال والفلاحين والمحامين والتجار. بل تعني: العرب، والأكراد، والسنة، والدروز، والمسيحيين، والعلويين.

ولقد صارت “بكل فئاته” لازمة نكررها في كل مناسبة وكل لا مناسبة. حتى أن مسؤول المياه في ريف دمشق صرح، منذ يومين، أن الخزان الجديد سوف يسقي جميع سكان البلدة الفلانية بكل فئاتهم دون تمييز!

ولا شك أن الرجل ينطلق، في تصريحه، من نوايا طيبة ومن فهم معين لمسؤوليته الوطنية، ومع ذلك فليشرح لنا عاقل هذه الجملة. ماذا يعني أن يسقي الخزان جميع سكان البلدة بكل طوائفهم ومذاهبهم؟ وهل يمكن أن يحدث العكس أصلًا؟ هل يمكن أن يصل أنبوب المياه إلى مسيحي دون أن يمر على جاره العلوي؟ وهل يمكن أن تنزل حنفية العربي ماء وتنزل حنفية الكردي هواء؟ هل تملأ المياه خزان سني وتستعصي على الخزان المجاور لأن صاحبه درزي؟!

وإذا كان الرجل قد حسم موضوع الماء اليوم، فماذا عن الكهرباء غدًا؟ هل ستكون الشبكة الجديدة لطائفة واحدة فقط؟ وماذا عن الإنترنت؟ هل سيتيح جميع المواقع لـ”فئة” ويحجبها كلها، أو بعضها، عن بقية “الفئات”؟ إثبات البدهيات، تأكيد المؤكد، أمر يثير السخرية حينًا والحنق أحيانًا.

“الشعب السوري بكل فئاته”. طيب، لا بأس. لكن فئات الشعب السوري جميعها تنتمي إلى الجنس البشري، وبالتالي كلها تحتاج إلى الماء والكهرباء والإنترنت، وبالقدر نفسه تمامًا. لذلك ارحمونا هنا من ذكر “فئاته”، على الأقل لأن تعدادها صار مضجرًا للغاية.

***

اعتدت، لسنوات عديدة أن أهرب من جاري في الحارة. هو قيادي بعثي سابق، رجل متجهم، صارم وجدي جدًا، ومخلص لعقيدته، وعقيدته تتلخص ببساطة في أننا كي نهزم الأعداء (لم يحددهم مرة قط) علينا أن نكون دولة قوية متماسكة، يأخذنا رجل واحد في طريق واحد إلى هدف واحد. ولا مكان للأصوات الضعيفة المشككة ولا للرأي المخالف.

وبالطبع كان هناك خلفية فلسفية تاريخية تسند هذه العقيدة: فنحن شعب عربي عالمثالثي، وريث عهود طويلة من التخلف والفرقة، وبالتالي لا نُحكم إلا بالحديد والنار ولا ينفع معنا إلا “البوط” العسكري.

وفي سبيل هذه العقيدة كان يبرر كل شيء، فالذين تنكل بهم حواجز النظام ما هم إلا مجموعة من المخربين العاطلين، والذين تزدحم بهم المعتقلات لو كانوا في الخارج لأكلوا بعضهم بعضًا، وبالتأكيد لا بأس في أن تزهق أرواح آلاف أو عشرات آلاف مقابل أن تنعم الدولة بالاستقرار والازدهار. وكان يكرر: “كي نتيح للسنابل أن تنمو وتثمر لا بد من اقتلاع العشب الضار من حولها”. يقولها محدقًا في وجهي بنظرة تثير في الاضطراب، إذ أعرف أنه يروزني متفكرًا فيما إذا كنت مشروع سنبلة مثمرة أم مجرد عشبة ضارة يجب اقتلاعها.

 وليس لهذا فقط كنت أهرب منه، بل هناك سبب آخر، ذلك أنني ارتكبت خطأ فادحًا إذ قلت له مرة، ولم أكن في وعيي طبعًا، إن الحل هو الديمقراطية. ولكم أن تتخيلوا ماذا فعل بي. لقد أراني كل صنوف التنمر، وحولني إلى موضع سخرية، فصار اسمي في الحارة “أبو الديمقراطية”. “أبو الديمقراطية راح، أبو الديمقراطية أتى، ها هو أبو الديمقراطية يدخن”.

بعد سقوط النظام اختفى الرجل تمامًا، إلى أن شاهدته منذ بضعة أيام جالسًا على كرسي خشبي على ناصية الحارة، يدخن غليونه وهو سارح في الأفق. سألني:

– هل ترى كيف خربت الأمور؟

قلت:

– نعم.. الأسعار ونقص السيولة وبعض القرارات الإدارية.

قاطعني بفظاظة:

– ماذا تقول يا رجل؟ هذه كلها ترهات لا أهمية لها. الأهم هو الخطر المحدق بالحرية. بصراحة أنا قلق على مستقبل الديمقراطية في هذا البلد.

***

أدخل إلى الفيسبوك بحذر الخائف، وما هي إلا دقائق حتى أجدني متلهفًا إلى الخروج بسرعة. يصيبني بالإحباط والقلق، بل والذعر أحيانًا. وفي كل مرة أعود إلى ترديد العبارة نفسها التي قالها نجيب محفوظ على لسان الشيخ عبد ربه التائه: “إن نجونا فهي الرحمة، وإن هلكنا فهو العدل”.

الترا سوريا

————————————

بين ضغوط أميركية وتباينات داخلية.. معضلة المقاتلين الأجانب في سوريا/ حسام الملحم

يعتبر ملف المقاتلين الأجانب أحد الملفات المعقدة على المستويين الاجتماعي والسياسي في سوريا بعد سقوط نظام الأسد المخلوع، رغم تفاوت أسباب التحاقهم بجبهات القتال ضد النظام السابق، والتي تراوحت بين ما هو أيديولوجي ديني، أو سياسي، ورغبة في نصرة المظلومين، أو الانجذاب إلى “فكرة الجهاد” أو “المغامرة” أو “الخلاص الشخصي”.

وبعد الإطاحة بنظام الأسد، وخروج هؤلاء المقاتلين من إدلب، المدينة التي حوصر وجودهم بها بالإضافة إلى بعض الأرياف المحررة لسنوات سبقت التحرير، وانفتاح الخريطة السورية أمام تحركاتهم على مصراعيها، تفاوتت المواقف الشعبية والاجتماعية من وجودهم، بالتزامن مع تحول سياسي ضاغط في ملفهم نوعاً ما، وتجلى ذلك بتضمين في أولويات الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات الاقتصادية جزئياً عن سوريا، رغم أن تلك العقوبات كانت منوطة بنظام قد سقط أصلاً، وأفرغ هذه العقوبات من مسوغات بقائها.

كفاءات عالية واختلافات عقائدية

ينقسم “المقاتلون الأجانب” كمكون عسكري رفع البندقية بوجه نظام الأسد، إلى عدة أطياف على المستوى العقائدي، فهناك مجموعات تبنت فكراً متشدداً وشكلت فرعاً لتنظيم “القاعدة” وحاربتها كل من “هيئة تحرير الشام” و”التحالف الدولي”، مثل “حراس الدين” (حلّ نفسه في بداية العام)، وهناك فصائل لم تتناغم مع “الهيئة” فانخرطت مع الشيشان، وهناك فصائل تماهت مع “الهيئة ومنحتها قرار السلم والحرب، ومنها كتيبة “الغرباء” الفرنسية، و”المقاتلون الألبان” و”الحزب الإسلامي التركستاني”.

الشيشان هم من الأكثر عدداً وخبرة وتنظيماً بين المقاتلين الأجانب، رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة، ومن فصائلهم “جيش المهاجرين والأنصار” (أسسه صلاح الدين الشيشاني)، و”جند الشام”، بالإضافة إلى المقاتلين القادمين من آسيا الوسطى، كالأوزبك والطاجيك والتركمان والكازاخ، ومن فصائلهم “كتيبة التوحيد والجهاد” (أوزبك)

وهناك أيضاً “أجناد القوقاز”، وهم فصيل من مقاتلين شيشانيين وقوقازيين من داغستان والشيشان، وهي جماعة ركزت على قتال الروس ونظام الأسد من دون غرق في منزلق التكفير أو السياسات الداخلية للفصائل، ونشطت في وقت سابق في جبال الأكراد والتركمان بريف اللاذقية الشمالي على خطوط التماس مع قوات نظام الأسد وحليفه الروسي، ورفضت ممارسات تنظيم “داعش”، ومن مميزاتهم العسكرية قلة العدد والكفاءة العالية والانضباط الصارم والتسليح الجيد، والتركيز على قتال الروس كأولوية لهم.

نظرة المجتمع مرهونة بالزمن والجغرافيا

يمكن تقسيم النظرة الاجتماعية حيال المقاتلين الأجانب في سوريا وفق إطار زمني، فالسنوات الأولى من الثورة السورية شهدت قبولاً نسبياً بوجودهم في إدلب وريفي حماة وحلب (مناطق ظلت خارج سيطرة نظام الأسد حتى سقوطه)، لخبرتهم القتالية العالية جداً مقارنة بقوات الأسد، لكن بعد نحو خمس سنوات من الثورة، وتراجع وتيرة العمل العسكري، طرأت تغيرات على المزاج العام شابتها نظرة سلبية ارتبطت بتحكم بعضهم بالحياة المدنية، مع وجود بعض حوادث التشدد الديني، والخوف من استجلاب القصف الروسي أو الدولي بسبب وجودهم، إلى جانب حالة تصادم ثقافي مرتبطة بالعادات واللغة.

على مدار السنوات الماضية، حاول بعض المقاتلين الأجانب الاندماج بالمجتمعات المحلية، فمنهم من تزوجوا من مواطنات سوريات، وهناك من انخرط بمهن وشكّل علاقات صداقة ومعارف، وإن كانت الثيمة الطاغية هي التجمعات الخاصة وأسلوب الحياة المغلق، فمثلاً عاش مقاتلو “الإسلامي التركستاني” مع عائلاتهم في مناطق مغلقة، خصوصاً في جبل التركمان وجبل الزاوية، وقرى في جسر الشغور بريف إدلب الغربي، ونشطت محال تجارية يديرونها في بيع الخبز ومأكولات مرتبطة بهم، لكن شخصيات منهم بدأت تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي إثر سقوط النظام، وتنقلت بين المناطق السورية من دون غرض الاستقرار.

وفي مخيم معزول ومراقب، قرب حارم، استقرت كتيبة “الغرباء” وشكلت مجتمعاً منعزلاً ومنغلقاً، ويقودها عمر أومسن، والكثير من أفرادها غير متزوجين، وهناك من تزوجوا من سوريات أو أجنبيات.

المدعي العام الفرنسي لمكافحة الإرهاب، أوليفييه كريستين، أشار في وقت سابق خلال مقابلة مع قناة “RTL”، إلى وجود 70 فرنسياً في جيب إدلب، تابعين للمجموعة التي يقودها أومسن، وهي مقربة من “القاعدة”. ويمكن أن تعبر إدارة مقاتل داغستاني لمطعم سوشي شمال غربي سوريا في 2023، عن محاولة اندماج في المجتمع السوري، بعد قتال لخمس سنوات ضد نظام الأسد.

وبعد سقوط الأسد، تنقسم الآراء حيال هؤلاء المقاتلين، فبعض المجتمعات المحافظة ترى فيهم “ثواراً أجانب” ساعدوا في المعركة ضد الأسد، وأسهموا في وضع نقطة النهاية على خط معاناة طويل خطه النظام السابق على امتداد 14 عاماً من حياة السوريين التي تراوحت بين تهجير وتدمير وقتل واعتقال وتعذيب ولجوء ونزوح وسلب ممتلكات.

وخلافاً لهذه الرؤية، فإن سوريين في مناطق أخرى يبدون حالة عدم ارتياح من تشدد بعض “المقاتلين الأجانب” ومحاولتهم فرض رؤى تحمل تطرفاً بنظر منتقديهم، كما أن فئات أخرى تنظر إلى المسألة من زاوية تهديد الاستقرار، ما لم يلق المقاتلون الأجانب سلاحهم، على اعتبار أن البلاد مرهقة بالحرب وترنو إلى مستقبل سياسي مدني.

مديونية أخلاقية وسياسية

لم تصدر أي دراسات تتناول وجود المقاتلين الأجانب في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، لكن دراسة صدرت عام 2023، بعنوان “Foreign Fighters and Transitional Justice in Post-Conflict Syria” (المقاتلون الأجانب والعدالة الانتقالية في سوريا ما بعد الصراع)، شددت على ضرورة تطبيق العدالة والمحاسبة على الأفعال الفردية في سوريا، إذ لا وجود لحلول جماعية عامة، مع مطالبات بمحاكمة من ارتكب جرائم، أو ترحيل من بقي بلا مبرر واضح، بالإضافة إلى ميل للسماح بالاندماج لمن أثبت نواياه السليمة ووجوده الإنساني، من دون أن يتعارض ذلك مع رغبة المجتمع باستعادة الحكم في مجاله المحلي من دون تدخل المقاتلين الأجانب.

الدكتور عبد الرحمن الحاج، الباحث في الجماعات الجهادية، أوضح لموقع تلفزيون سوريا، أن موضوع المقاتلين الأجانب يرتبط بمسألتين، الأولى موقع بعضهم في قيادة الجيش، والآخر منحهم الجنسية السورية ليعيشوا كمواطنين سوريين، فالولايات المتحدة تعارض وجودهم في قيادات الجيش، لا في سوريا، فهذا ليس محل نقاش وهو شأن سيادي بطبيعة الحال، ولكن وجودهم في قيادة الجيش يثير تحفظات دول إقليمية أيضاً، ونقاشاً داخلياً في سوريا بطبيعة الحال.

ومن الناحية القانونية ليس هناك ما يمنع وجود أجانب في الجيش، وبفضل خدماتهم الجليلة للشعب السوري والدولة السورية سيمنحون الجنسية السورية، ويصبحون مواطنين، هذا أمر يتطلب بعض الوقت، بالنظر لوجود مديونية أخلاقية وسياسية تجاه أولئك المقاتلين بسبب إسهامهم في إسقاط نظام الأسد، وفي الوقت نفسه هناك مطالب دولية لمنعهم من الوصول إلى مناصب قيادية.

ويرى الباحث أنه من حيث المبدأ سيصبح المقاتلون الأجانب مواطنين سوريين، ومن الناحية القانونية سيكون من حقهم تولي مناصب مختلفة في الدولة ضمن الإعلان الدستوري ولاحقاً ضمن الدستور الدائم، مع توقعات باستمرار الضغط خلال السنوات الأولى لإبعادهم عن المناصب العليا في قيادة الجيش، مع استبعاد إحداث تغييرات بشأن القيادات التي وليت مناصب رئيسية في الجيش السوري حالياً، لكن سيتم التعامل بإيجابية قدر الإمكان في الفترة المقبلة وبشكل خاص مع التعيينات الجديدة.

محاولة ضغط على الحكومة

كما أن موضوع الأجانب في الجيش الذين لا يتجاوز عددهم ألفي مقاتل بحسب التقديرات، لا يشكل مشكلة كبيرة في جيش تعداده يتجاوز 100 ألف، فالجيش مكلف بالدفاع عن البلاد ولا علاقة له بالمسائل الأمنية الداخلية ما لم يحصل تطور خطير يهدد الدولة، وفق الباحث.

وقد أثيرت قضية المقاتلين الأجانب بعد أحداث الساحل في الأسبوع الثاني من آذار الماضي، لتحقيق ضغط على الحكومة السورية رغم عدم وجود دلائل على دور لهم في الانتهاكات التي حصلت، خصوصاً أن التحقيقات الجارية ستبت بهذه المزاعم.

ولا يجد السوريون بنسبة كبيرة مشكلة في تجنيس المقاتلين الأجانب وعائلاتهم وحمايتهم، كجزء من رد الجميل والوفاء لدورهم في العمليات العسكرية ضد نظام الأسد البائد، وهذا لا يعني عدم وجود خلاف بين السوريين حول هذه النقطة، لكنه اتجاه عام، وفق الباحث. وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، أوضح في وقت سابق أن أعداد المقاتلين الأجانب الذين جرت ترقيتهم عسكرياً، قليلة، وقد قدموا تضحيات في سوريا وهم على درجة عالية من الوعي، مع التأكيد على أهمية التزامهم بالسياسة العامة للبلاد.

وفي 17 نيسان، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” عن ثمانية شروط أميركية قدمتها واشنطن للحكومة السورية كـ”خطوات لبناء الثقة”، للنظر في تخفيف العقوبات عن دمشق، وجاء فيها أن يثبت الرئيس أحمد الشرع قدرته على التخلص من المقاتلين الإسلاميين الأجانب وبقايا “القاعدة” من حكومته.

هذه الشروط تبعها بيومين تقرير نشره موقع “THE ECONOMIC TIMES”، وتحدث عن انتقال مقاتلين أجانب من أصول آسيوية، لعبوا دوراً في تغيير النظام بدمشق، إلى أفغانستان، ما أثار قلق نظام “طالبان” وجمهوريات آسيا الوسطى.

وبحسب التقرير فالمقاتلون القادمون من سوريا موجودون في ولايات هرات وبدخشان وبغلان، في أفغانستان، مع احتمال امتداد تأثيرهم إلى طاجيكستان وأوزبكستان في آسيا الوسطى.

تلفزيون سوريا

—————————————-

الشرع – الشيباني: تحالف سياسي أم مشروع صراع قادم؟/ خليل ساكير

24 ابريل 2025

منذ أن نجحت المعارضة السورية في السيطرة على مفاصل الحكم، برزت إلى الواجهة ثنائية لافتة تمثّلت في الحضور المتكرّر لوزير الخارجية، أسعد الشيباني، إلى جانب الرئيس السوري، أحمد الشرع. اللافت في هذا الظهور لم يكن فقط التكرار، بل أيضا الطابع الرسمي والرمزي، حيث ألقى الشيباني كلمات في معظم الفعاليات الرسمية، وغالبًا ما جلس إلى يمين الشرع، في صورة عكست حرصًا مُتعمّدًا على إبرازه.

حتى الآن، لا يبدو مسار العلاقة بين الرجلين واضحًا تمامًا، إلا أنّ إصرار الشرع على إشراك الشيباني ومنحه مساحات كلامية متكرّرة، يشير إلى نيّة واضحة لتثبيته وتعزيز مكانته السياسية. الشيباني، الذي بدا خجولًا ومتوّترًا في بدايات ظهوره، أخذ يكتسب ثقة تدريجية، وتقلّصت زلاته اللغوية، شيئًا فشيئا.

من أبرز المؤشّرات على مكانة الشيباني المتنامية، ظهوره في مقدمة مستقبلي الوفود الرسمية، متقدّما أحيانا على رئيس الحكومة المؤقتة خلال الأشهر الثلاثة الأولى.

خلفيات العلاقة ومسارها

تُظهر المعلومات المتوفّرة أنّ الشيباني لعب دور المبعوث الموثوق للشرع في كثير من اللقاءات والحوارات، وساهم بشكل محوري في تحوّل “جبهة النصرة” إلى “هيئة تحرير الشام”، في محاولة لفكّ الارتباط مع تنظيم القاعدة وتجنّب العقوبات الغربية. ويُعتقد أن هذا الانتقال تمّ بتنسيق مع أطراف عربية، وكان الشيباني هو مهندسه الأساسي. وخلال هذه الفترة، استخدم الشيباني أسماء مستعارة لحماية أسرته المقيمة في مدينة القامشلي الخاضعة لسيطرة النظام، بينما تدرّج في المناصب إلى أن أصبح مسؤول العلاقات الخارجية في “النصرة”، وهي الوظيفة التي قرّبته من الشرع وحوّلته إلى كاتم أسراره.

من أبرز مساهماته أيضًا، دوره في “اتفاق المدن الأربع” الذي أدى إلى تهجير سكان الزبداني وكفريا والفوعة، وسط حديث عن علاقات مباشرة له مع أجهزة استخبارات إقليمية ودولية.

استحضار لنماذج سياسية مشابهة

يمكن النظر إلى هذه الثنائية من خلال عدسة تجارب دولية مشابهة، مثل علاقة بوتين/ ميدفيديف في روسيا، حيث تبادل الرجلان المناصب (رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء) لتفادي تعديل الدستور، في توافق سياسي حافظ على قبضة بوتين على السلطة. كذلك، لا تغيب عن الذهن ثنائية أردوغان/ أحمد داوود أوغلو في تركيا، حين لعب الأخير دور المهندس الدبلوماسي للسياسات الخارجية التركية، قبل أن ينتهي به الحال في موقع معارض. ويمكن أيضا الاشارة إلى العلاقة بين بوريس يلتسين ويفغيني بريماكوف في روسيا، حين دفع النجاح الشعبي لبريماكوف، يلتسين إلى إقالته خوفًا من منافسته على الرئاسة.

في إطار المقارنة مع الثنائيات السياسية المشار إليها آنفا، يبدو أن الشرع يهيّئ الشيباني لأحد خيارين استراتيجيين: أولهما أن يخلفه في سدّة الحكم عندما تفرض المرحلة ذلك، على نحوٍ يُحاكي النموذج الروسي بين فلاديمير بوتين ودميتري ميدفيديف؛ وثانيهما أن يتولى الشيباني واجهة العلاقات الخارجية السورية، على غرار الدور الذي اضطلع به أحمد داوود أوغلو في تركيا خلال فترة زمنية محددة، إلى حين الوصول إلى لحظة مفصلية قد تفضي إلى صدام أو تغيير في النهج. كما لا يُستبعد أن يعتمد الشرع نمطا ثالثا، يستلهم فيه التجربة السورية ذاتها، التي شهدت تولي وزراء الخارجية مناصبهم لفترات طويلة قبل أن يُرقّوا إلى منصب نائب رئيس الجمهورية، كما حدث مع عبد الحليم خدام وفاروق الشرع، اللذين جرى لاحقًا إخراجهما من المشهد السياسي عبر الإحالة إلى التقاعد.

تحالف مستمر أم انفصال وشيك؟

بين التحالف الحالي والمستقبل المجهول، تطرح ثنائية الشرع/ الشيباني سؤالا مهما: هل ستستمر العلاقة بهذه السلاسة، أم أنّ مصيرها سيكون كمصير ثنائيات سياسية سابقة، انتهت بخلافات حادة، أو حتى بصراع على السلطة وتشكيل أحزاب متنافسة؟

الأيام وحدها كفيلة بالإجابة..

————————–

السوريون وعقدة الأبدية.. هل يخطط الشرع للبقاء في السلطة؟/ عبد القادر المنلا

2025.04.25

رغم سعادة السوريين بتحرير بلدهم من حكم الوريث الهارب، ومن هيمنة أسرة الأسد على مدار عقود، ورغم ترحيبهم بالإدارة الجديدة والتعامل معها على أنها المخلص، إلا أن هذا الشعب غير مستعد لقبول دكتاتوريات أخرى وأنظمة جديدة قد تؤسس لحكم استبدادي وأسري أو أبدي.

يبدو ذلك واضحاً في خطاب النخب الوطنية والمواطنين على حد سواء، فالجميع اليوم يرفع الصوت ضد أخطاء الإدارة، بمن فيهم من بقي في الداخل السوري في أثناء وجود بشار الأسد والذين كانت أصواتهم مخنوقة ووجدوا في الإدارة الجديدة متنفساً للنقد من دون خوف من المساءلة والاعتقال، إذ لا يمكن لنظام سياسي أن يتكامل من دون معارضة حقيقية ونقد مستمر يمكن أن يكون قاسياً، بل يجب أن يكون كذلك.

غير أن كل تلك الانتقادات والأصوات المرتفعة تتأسس على الرغبة في تصويب الأخطاء والحرص على بناء الدولة الجديدة واستعادة سوريا ومكانتها بعد أكثر من خمسين عاماً من انتهاكها واستثمارها لصالح عائلة بعينها.

وفي ظل القراءات المتعددة لتوجهات الإدارة الجديدة يتأسس السؤال: هل يسعى الرئيس أحمد الشرع لبناء حكم ديكتاتوري، عائلي، أبدي؟

ثمة تخوفات تراود كثيراً من السوريين المحايدين الخائفين على مصير بلدهم ومستقبله تتعلق بهذا الموضوع وغيره، وهي تخوفات مشروعة لا شك، غير أنها تبقى قيد المراقبة والانتظار، غير أنها تبدو لدى سوريين آخرين يقيناً لا يمكن أن يشكك فيه، وهؤلاء يمكن توصيفهم بـ المعارضين (الفوريّين) الذين بدؤوا بالمعارضة منذ اللحظة التي تم فيها الإعلان عن أحمد الشرع كرئيس لسوريا وقبل أن يتكامل شكل النظام الجديد وتحدد أدواته، وراحوا يروجون لتلك الفرضيات الثلاث (الاستبداد والحكم العائلي والأبدية)، ويطرحونها على أنها الحقيقة الوحيدة الواضحة والدامغة والتي لا تحتاج لدليل، ويروجون لها بكل ما أوتوا من رفض مطلق للإدارة الجديدة مدعومة بحالة عداء وكراهية تؤكدها خطاباتهم وتوجهاتهم.

بالنسبة للسوريين الحريصين على بلدهم، فإنهم ما زالوا يعيشون آثار ما بعد صدمة حكم آل الأسد، أول من طرح فكرة الأبدية وكرسها في أذهان الشعب، ورغم سقوطه المدوي فإن مخلفات الصدمة لا تزال تجعل كثيراً من السوريين يعتقدون أن أي حكم قادم قد يكون أيضاً دكتاتورياً استبدادياً أبدياً وعائلياً، فهو تصور موغل في الوجدان وفي الذاكرة الشعبية العميقة والبعيدة، لأن أكثر من خمسين عاماً من تكريس صورة الفرد وأبديته لن يتم انتزاعها بسهولة.

لقد شهدت سوريا خلال عشرين عاماً بعد جلاء الفرنسيين صراعات سياسية كبيرة، وانقلابات كثيرة ومجموعة كبيرة من الرؤساء الذين تعاقبوا عليها من دون أن يطرح أحدهم فكرة الأبدية، إلى أن جاء حافظ الأسد ومن بعده ابنه، لينقشوا صورة الحكم الأبدي في أذهان السوريين، ويبدو أن سقوط الأسد لم يرافقه سقوط تأثيرات تركته الثقيلة ومفاهيم عهده البائد والتي لا يزال الشعب يمتلك حساسية خاصة تجاهها ولا سيما فيما يتعلق بأبدية الحاكم.

غير أن تخوفات الشعب في هذا الخصوص تختلف عن تحريض المتربصين، لأنها تنطلق لدى الشعب من دوافع وطنية بحتة وليس بناء على حالة عداء تام للسلطة الحالية كما يفعل المعارضون مسبقو الصنع الذين خلطوا ما بين المعارضة والصراع على السلطة، فراحوا يتصيدون ويترصدون في محاولة منهم لعرقلة قطار بناء الدولة.

ولا بد من الإشارة إلى أن ادعاءات أولئك المتصيدين دُعمت بكثير من الأخطاء التي ترتكبها الإدارة سواء منها تلك المتعلقة بنقاط في الإعلان الدستوري الذي كان بحاجة لمزيد من النضج والتدقيق من ناحية، أو في التعيينات التي اعتمدها الشرع وشملت أفراداً من عائلته وأقربائه، لتقدم للمتصيدين  تخريجات على طبق من ذهب يمكن أن تدعم اتهاماتهم للإدارة الجديدة فيما يتعلق بالاستفراد بالسلطة، والاستبداد والأبدية، ونوايا حكم العائلة.

ورغم خلوّ خطاب الشرع حتى الآن مما يدل على ذلك التوجه ووعيه بخطورة ذلك على سوريا وعليه شخصياً وعلى مستقبله السياسي، إلا أن الممارسة السياسية التي تم فيها ارتكاب مجموعة من الأخطاء الإجرائية فضلاً عن الانتهاكات التي حصلت في الساحل السوري، وسياسة التعامل مع متهمين متورطين مع نظام الأسد، وتأخر مسار العدالة الانتقالية وارتباكه، كل ذلك فتح هامشاً للمعارضين الجاهزين والمستعجلين، وتحديداً لأصحاب الخطاب العدائي للاختباء خلف تلك الأخطاء والترويج لخطابهم على أنه النسخة الوحيدة للخطاب الوطني المطلوب في هذه المرحلة.

هنا لا بد من الإشارة إلى أن أخطاء الإدارة أحرجت مؤيدي الحكومة الحالية أو حتى معارضيها المحايدين في بحثهم عن تبريرات وتفسيرات لكل تلك التجاوزات والأخطاء، وأضعفت موقفهم أمام الخطاب المعادي، لأنها ستظهرهم كمؤيدين لا يرون إلا ما تراه الإدارة إن هم تعاموا عن أخطائها.

قد يكون مفهوم الإعلان الدستوري قابلاً لقراءات متعددة وليس بالضرورة ذلك التفسير الذي حدده المعارضون المتصيدون، وربما قد تكون التعيينات التي اعتمدها الشرع في المراكز الحساسة مستندة إلى ضرورة الاستعانة برفاق الدرب ممن شاركوا في التحرير، (صناع ثورة يوليو في مصر على سبيل المثال تقاسموا مع جمال عبد الناصر مسؤوليات الحكم بعد نجاح الثورة، وكذلك الثورة البلشفية التي تولى قادتها حكم الاتحاد السوفييتي بعد نجاحها..الخ)، تلك كلها احتمالات غير حتمية ولكن يمكن التفكير فيها ليس لإيجاد المبررات بل لتوسيع الرؤيا وعدم حصرها باتجاه واحد.

غير أن الكرة تبقى في ملعب الإدارة الحالية، فالأخطاء والتجاوزات والالتباس والغموض الذي يحيط بكثير من القرارات والممارسات، وارتكابات الأفراد أو الفصائل، ستبقى مادة خصبة للمترصدين والمتصيدين، وستبقى كذلك نقطة ضعف لدى مؤيدي الحكومة الجديدة.

إن مرتكبي تلك التجاوزات -إن كانوا أفراداً أو جماعات أو فصائل، -مرتبطين بالإدارة بشكل مباشر أو غير مرتبطين- هم العدو الأول للإدارة ذاتها ولسوريا، وهم فرس الرهان الذي يتعيش المتصيدون على وقع حوافره ويرقصون على إيقاع أخطائه، واستخدامه كوسيلة مريحة في إعاقة التقدم نحو بناء الدولة، وسكوت الإدارة أحياناً، وعدم تصحيح أخطائها أحياناً أخرى سيجعلها وكأنها تلعب ضد ذاتها، وهو الأمر الذي لا يتمنى السوريون أن يروه.

يمرّ السوريون اليوم بامتحان صعب وقاسٍ وهو امتحان بناء الدولة، والفرق شاسع بين فكرة الدولة وفكرة السلطة، وهنا يمكن الفرز بسهولة بين الصراع على السلطة الذي يديره المعارضون المعادون، والتفكير في بناء الدولة، وعلى هذا الأساس فإن هذه الفئة من المعارضين الذين أعلنوا حالة العداء التام للإدارة الحالية وقاموا بتفصيل تلك التهم مسبقاً، كانوا لن يترددوا في إطلاقها في كل حال، لأنهم -في معظمهم- معارضون مسبقو الصنع ومسبقو الرأي وكانوا سيلقون ذات التهم لو أن أية سلطة أخرى غير الحالية استلمت زمام الأمور في البلاد، فمعظم هؤلاء كانوا يمنون أنفسهم بأدوار كبيرة بعد سقوط النظام أو كانوا يطمحون لأن يكونوا هم السلطة، فلن يرضوا عن أية سلطة لا يكونون فيها.

ولكيلا يعد هذا الموقف انحيازاً للرئيس الشرع، فلا بد من الإشارة إلى أن السوريين لن يقبلوا بحكم يحاول إنتاج ذات المنظومة وسيقومون باقتلاعه قبل أن يتشكل، من دون الحاجة إلى التنظيرات الكيدية المتعالية والاستباقية والعدائية التي يطلقها أولئك الذين يصارعون على السلطة تحت غطاء الحرص الوطني..

إن رفض تلك الدعائم الثلاث (الانفراد بالسلطة والحكم العائلي والفكرة الأبدية) لا يحتاج إلى منظرين وسياسيين كبار، فلقد تعلم الشعب السوري جيداً خلال السنوات السابقة، ودفع ثمن تلك الدروس دماً وموتاً ودماراً وتهجيراً واعتقالاً، دفع أغلى فاتورة يدفعها شعب في العالم في التاريخ الحديث، ولهذا لن يحتاج لمن يحذره من الدكتاتورية وخطرها، ومن حكم العائلة، ومن الأبدية، وهو مثلث الخطايا السياسية والوطنية الأخطر الذي عمل الشعب على تكسيره وهدمه واقتلاعه من جذوره ولن يسمح بإعادة رسمه وإنتاجه في السياسة السورية مهما كلفه ذلك من أثمان..

يتوافق معظم السوريين اليوم على الرئيس الشرع بصرف النظر عن شخصه وانتمائه وأيديولوجيته، لأنهم يفعلون ذلك وفقاً لثلاثة عوامل: أولها فرحهم به كمخلص، وثانيها خطابه المطمئن والمتوازن، وثالثها أنه القوة الوحيدة المتاحة التي حلت مكان الأسد وأتاحت للسوريين الإحساس باستعادة بلدهم، وربما، بل بالتأكيد أنهم كانوا سيتوافقون على أي شخصية أخرى تأتي بعد الأسد بصرف النظر عن توجهاتها إن طرحت ما طرحه الشرع، فما يحتاجه السوريون اليوم هو جسم سياسي قادر على حمل أعباء المرحلة ونقل سوريا إلى الضفة الآمنة..

إن مفتاح الحسم لا يزال بيد الإدارة ورئيسها، فثمة خطوات تأخرت كثيراً على رأسها التطبيق العملي والسريع لمفهوم العدالة الانتقالية الذي ينتظره السوريون بفارغ الصبر، ومهما كانت انشغالات القيادة وحجم مسؤولياتها، فإن ذلك لا يبرر هذا التأخر، لأن تطبيق العدالة الانتقالية سيقطع الطريق ليس فقط على الأصوات المعادية، بل على كثير من التجاوزات التي تتم بسبب غياب تلك العدالة، كما سيكون البدء بتطبيق العدالة عنواناً لمرحلة جديدة يسود فيها القانون، وفي الوقت نفسه فرصة معلنة لنفي أية نية للاستئثار بالحكم.

تلفزيون سوريا

—————————————

بناء على تجارب دولية.. هل يمكن لسوريا أن تتبنى نموذجا ماليا ناجحا؟/ مختار الإبراهيم

2025.04.25

في ظل تعقيدات المشهد الاقتصادي السوري وتحديات ما بعد الحرب، يبرز إصلاح القطاع المصرفي كواحد من المفاتيح الأساسية لإعادة بناء الثقة والاستقرار المالي. ويشدد خبراء على أن هذا الإصلاح لا يمكن عزله عن السياق السياسي والأمني الراهن، مؤكدين أن التسرع في منح الاستقلالية للبنك المركزي قد يكون سابقًا لأوانه.

ومن خلال قراءة مقارنة مع تجارب دولية ناجحة ككوريا الجنوبية وماليزيا وألمانيا، تتضح أهمية بناء نظام مالي متوازن يجمع بين الرقابة الفعالة، وتنوع الأدوات المصرفية، والانفتاح المدروس على النماذج العالمية. وبينما تظل التحديات كبيرة، فإن الاستفادة من تجارب الآخرين وتكييفها مع خصوصية الواقع السوري قد يشكلان خطوة حاسمة نحو نهوض اقتصادي مستدام.

وفي قراءة استشرافية للواقع الاقتصادي السوري، اعتبر المستشار الاقتصادي أسامة قاضي أن إصلاح القطاع المصرفي في سوريا لا يمكن فصله عن الظروف السياسية والأمنية التي تمر بها البلاد، مشددًا على أهمية بناء نظام مالي متوازن يستفيد من التجارب العالمية الناجحة، مع التريث في منح الاستقلالية التامة للبنك المركزي في المرحلة الحالية.

وقال قاضي لموقع تلفزيون سوريا: “إن المهمة الأساسية في أي نظام مصرفي هي تحقيق التوازن بين ربحية المصارف وتقديم الخدمة العامة للمواطنين، وهو توازن دقيق يحتاج إلى رقابة فعّالة من البنك المركزي، خاصة لضمان مستويات السيولة المناسبة وتقليل المخاطر الناتجة عن تقلبات السوق”.

ومن موقعه كمستشار اقتصادي وإداري ومالي دولي درّس الاقتصاد والإدارة في جامعات دولية وعربية أكد قاضي أن “قوننة عمل المصارف ومتابعتها من قبل البنك المركزي يُعدان شرطان ضروريان لحماية الاقتصاد من الانهيار، إلى جانب ضرورة اعتماد أدوات رقمية حديثة في تقديم الخدمات، وتحقيق هوامش ربح مقبولة دون الإضرار بالمستهلك أو دفع الاقتصاد نحو التضخم”.

استفادة سوريا من التجارب الدولية

وفي مقارنة للوضع الاقتصادي السوري مع تجارب دولية ناجحة، أشار قاضي إلى أهمية الاستفادة من نموذج كوريا الجنوبية، الذي يُعد مثالًا على اقتصاد مرن نجح في بناء قطاع مصرفي يجمع بين الفعالية والشفافية والمنافسة.

وتصنّف كوريا الجنوبية كواحدة من أكبر 15 اقتصادا في العالم، وقد تحوّلت خلال العقود الأخيرة من دولة نامية إلى قوة صناعية وتقنية متقدمة، نظامها المصرفي حديث وذو قدرة تنافسية عالية، ويُشرف عليه بنك مركزي مستقل نسبيًا لكنه يعمل بتنسيق وثيق مع الحكومة، مما ساعد في تجاوز أزمات مالية عالمية عديدة بنجاح.

كما نوه قاضي بتجربة ماليزيا، التي تمكّنت من دمج النظام المالي الإسلامي مع النظام التقليدي تحت إشراف البنك المركزي، مما أسهم في تسهيل دخول المصارف الإسلامية إلى السوق، حيث تعدّ ماليزيا من الدول الرائدة في التمويل الإسلامي، وقد أسست بيئة قانونية ومصرفية تسمح بتعايش النظامين – الإسلامي والتقليدي – ضمن إطار تنظيمي موحد. البنك المركزي الماليزي يلعب دورًا محوريًا في ضمان توازن المصالح، ويمثل تجربة ناجحة لدمج الهوية الدينية في الاقتصاد من دون الإخلال بمتطلبات السوق العالمية.

ويضيف أن”النموذج الماليزي يمكن أن يكون مُلهِمًا لسوريا”، ويوضح قاضي، أنه “خاصة في ظل وجود شرائح واسعة من المواطنين قد تجد في المصارف الإسلامية خيارا مريحا وآمنا، الأمر الذي قد يدفعها لإخراج مدخراتها من خارج الدورة الاقتصادية إلى داخلها”.

استقلالية البنك المركزي السوري سابق لأوانه

وعن استقلالية البنك المركزي السوري، يرى المستشار الاقتصادي “أن هذا النقاش يجب أن يكون مؤجلاً في الوقت الراهن، لأن سوريا لم تصل بعد إلى مرحلة الاستقرار السياسي والمؤسساتي التي تسمح بمنح البنك المركزي استقلالية تامة عن السلطة التنفيذية”.

ويضيف “حتى على مستوى العالم، لا تمنح كل الدول بنوكها المركزية استقلالًا كاملاً. فهناك دول مثل الصين، بلجيكا، إسبانيا، ونيوزيلندا ما زالت تُبقي على مستويات مختلفة من الرقابة الحكومية على عمل البنك المركزي، تبعًا لطبيعة نظامها السياسي والاقتصادي”.

ولبنك الصين الشعبي سلطات واسعة، لكنه يعمل بشكل مباشر ضمن السياسات الاقتصادية التي تحددها الدولة، ويُستخدم أحيانًا كأداة لتنفيذ خطط النمو والتوسع في ظل اقتصاد موجه.

أما بلجيكا وإسبانيا فرغم كونهما جزءا من منطقة اليورو وتحت إشراف البنك المركزي الأوروبي، إلا أن بنوكهما المركزية تحتفظ ببعض الأدوار التنظيمية بتنسيق مع الحكومات الوطنية. كما وتعتبر نيوزيلندا رائدة في الشفافية النقدية، لكنها لا تزال تُبقي على قنوات تواصل فعّالة بين الحكومة والبنك المركزي، خاصة في السياسات التي تؤثر على التضخم وأسعار الفائدة.

وختم قاضي حديثه بالقول: “ربما بعد عشر سنوات من تحقيق الاستقرار وإعادة بناء الثقة في المؤسسات، يمكن إعادة النظر في مسألة استقلالية البنك المركزي السوري، أما اليوم، فإن الأوضاع لا تزال هشّة، وأي خطوة من هذا النوع يجب أن تأتي في وقتها الصحيح وضمن رؤية”.

رؤية ألمانية لمستقبل سوريا المالي

واجهت ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية تحديات ضخمة تمثّلت في إعادة بناء اقتصادها ومؤسساتها، وفي هذا الصدد يقول المؤرخ المصرفي كريستوفر غال لموقع تلفزيون سوريا: “كانت البلاد في حالة دمار شامل على جميع الأصعدة، مشابهة لما خلفه نظام الأسد في سوريا، لكن أحد أبرز مفاتيح النهوض الألماني كان في إعادة هيكلة النظام المصرفي بشكل جذري على أسس من الاستقلالية والشفافية والكفاءة”.

ويضيف غال وهو متخصص في دراسة تاريخ الأنظمة المصرفية “في عام 1948، تم تفكيك الرايخسبانك – البنك المركزي الألماني-  الذي كان تحت سيطرة النظام النازي، وأُنشئ “بنك الولايات الألمانية” (Bank deutscher Länder) الذي أصبح فيما بعد الأساس لتأسيس البنك المركزي الألماني (Bundesbank) في عام 1957، والذي أصبح رمزًا لاستقرار الاقتصاد الألماني، هذا التحول المصرفي المبدع لعب دورًا حاسمًا في استعادة الثقة بالعملة الألمانية وضبط التضخم، ما سمح بإعادة بناء الاقتصاد بشكل سريع وفعّال”.

ويلفت غال إلى أن القطاع المصرفي في سوريا تضرر بشكل كبير، وتراجعت الثقة في المؤسسات المالية، وينبغي على الفريق الاقتصادي الجديد إعادة بناء نظام مصرفي يُدار وفقا للمعايير الاقتصادية الحديثة التي تركز على الاستقرار المالي والشفافية، ففي ألمانيا، على سبيل المثال، لم يعتمد النظام المصرفي فقط على البنوك التجارية الكبرى مثل دويتشه بنك وكوميرز بنك، بل طور أيضًا شبكة من البنوك التعاونية وبنوك الادخار التي لعبت دورًا أساسيا في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ما ساعد على تطوير الاقتصاد المحلي”.

ويختم غال بأن خصوصية الاقتصاد السوري تتطلب تفعيل دور البنوك التعاونية وبنوك الادخار لدعم الاقتصاد المحلي والمشاريع الصغيرة عبر تقديم تمويل مرن يتناسب مع احتياجات السوق الذي يعاني من صعوبات كبيرة في تأمين السيولة. كما أن النظام المصرفي الحديث من شأنه جذب الاستثمارات الأجنبية والعربية، مما يسهم في خلق بيئة اقتصادية مستدامة تُحفز النمو والتوظيف على المدى البعيد.

الجدير بالذكر أن  مصرف سوريا المركزي تأسس عام 1953 وبدأ نشاطه فعليًا في عام 1956، ليكون الهيئة المسؤولة عن إدارة السياسة النقدية وإصدار العملة الوطنية والإشراف على القطاع المصرفي. وقد ورث مهامه عن “مصرف سورية ولبنان الكبير” الذي كان يعمل في ظل الانتداب الفرنسي. ورغم أن القانون رقم 23 لعام 2002 أعاد تنظيم صلاحياته، إلا أن البنك لم يتمتع باستقلالية فعلية، بل بقي خاضعًا بشكل مباشر للسلطة التنفيذية، مما حدّ من قدرته على ضبط السوق النقدية وحماية الليرة من الانهيارات المتكررة.

ومنذ 2011، واجه المصرف تحديات غير مسبوقة تمثلت في انقسام المنظومة المصرفية، وانخفاض احتياطي العملات الأجنبية، وفقدان الثقة العامة بالمؤسسات المالية. إضافة إلى ذلك، تسببت العقوبات الغربية والدولية في عزله عن النظام المالي العالمي، ما حدّ من قدرته على إدارة التحويلات والتمويل الخارجي.

وفي حين تؤكد بعض الدراسات على أهمية منحه استقلالية مستقبلًا، يرى خبراء أن الأولوية الآن هي في إعادة هيكلة المصرف وتحديث بنيته الإدارية والتقنية، بما يضمن استقرارا نقديا أوليا يُمهّد لاستقلال فعلي لاحق.

—————————–

 منظمة حظر الأسلحة الكيميائية: دخلنا منشآت حساسة في دمشق وقطر ستمثل سوريا

2025.04.25

تحدّثت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، في تقريرها الشهري، عن تعاون ملحوظ و”فعّال” من الحكومة السورية في ملف الأسلحة، مؤكدة على استمرار عمليات التحقيق.

وأعلن التقرير رقم (139) الصادر عن المنظمة، عن إحراز تقدم في الملف، بعد “أكثر من عقد من الجمود والاتهامات المتبادلة بين المنظمة والنظام السوري السابق”.

“دعم كامل من سوريا”

وأكد التقرير على تقديم الحكومة السورية الدعم الكامل لفريق المنظمة خلال زياراته الميدانية إلى سوريا.

وأشارت المنظمة إلى أن فرقها الميدانية أجرت عمليات تفتيش لعدة مواقع، منها لم تُبلّغ فيها المنظمة مسبقاً، إضافة إلى جمع وثائق ومستندات تم العثور عليها في مواقع مهجورة  خلال الجولة الميدانية للفرق، خلال آذار ونيسان من العام الجاري.

قطر تمثل سوريا

وأفاد التقرير بأن دولة قطر، وبطلب رسمي من وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، أصبحت الممثل الدبلوماسي الرسمي لسوريا لدى المنظمة. 

“ثغرات وتناقضات”

وأوضح التقرير أن إعلان سوريا عن البرنامج الكيميائي “غير دقيق وغير مكتمل”، لوجود ثغرات وتناقضات.

واعتبر أن 19 نقطة جوهرية من أصل 26 تحتاج إلى حلول، منها مسائل تتعلق بكميات غير موثقة من غازات الأعصاب والذخائر الكيميائية.

وأكد التقرير أن “سوريا لم تُكمل الإجراءات المطلوبة وفقًا لقرار المجلس التنفيذي رقم (EC-94/DEC.2) والتي يشمل الإعلان عن منشآت تصنيع وتخزين المواد الكيميائية التي استُخدمت في هجمات وقعت في عام 2017، وتقديم كشف كامل عن ما تبقى من البرنامج الكيميائي”.

دعم بـ 48 مليار يورو

عرّج التقرير عن مجموع التبرعات لصندوق المهام الخاصة بسوريا والبالغة أكثر من 48.4 مليون يورو، بدعم من 25 دولة ومن الاتحاد الأوروبي.

وتُعول المنظمة على دعم إضافي مالي ولوجستي لمواصلة عملها في سوريا خلال العام الجاري، خصوصًا مع بدء إنشاء مكتب دائم للمنظمة في دمشق، وفقاً للتقرير.

واشترط التقرير إعادة الحقوق والامتيازات إلى الحكومة السورية، بعد تعليقها من الدول الأعضاء في العام 2021، مقابل إتمام جميع الالتزامات المفروضة.

وفي الثامن من شباط الماضي، استقبل الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، وفداً من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في دمشق في زيارة هي الأولى من نوعها بعد سقوط نظام الأسد.

وضم الوفد إلى جانب المدير العام للمنظمة فرناندو جونزاليز، فريق تحديد الهوية، المسؤول عن تحديد الجهات والأشخاص الذين استخدموا السلاح الكيميائي في سوريا، ورئيس فريق تقييم الإعلان، المسؤول عن التأكد من امتثال سوريا لبنود اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.

اتفاقية الأسلحة الكيميائية

وانضم النظام المخلوع في 13 من أيلول 2013 إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، وفي الشهر نفسه اعتمد مجلس الأمن الدولي قراره رقم 2118 الخاص بالأسلحة الكيماوية السورية، وارتكب النظام مجزرة الغوطة الشرقية قبل شهر فقط من إعلان انضمامه للمعاهدة.

ودخلت اتفاقية الأسلحة الكيميائية حيز التنفيذ بالنسبة لسوريا في 14 تشرين الأول 2013، وقدم نظام الأسد حينها إعلاناً أولياً عن برنامجه للأسلحة الكيميائية، إلا أن المنظمة الدولية اعتبرت الوثيقة غير كاملة وغير دقيقة، وأنشأت مجموعة خاصة للعمل على إزالة الثغرات والتناقضات في الإعلان الأصلي.

وتوسعت مهمة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في سوريا مع اعتماد قرار، في تشرين الثاني 2016، بإنشاء آلية تحقيق مشتركة مع الأمم المتحدة، بهدف التحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، وتقديم تقارير دورية عن نتائج التحقيقات.

وقالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إنه تم تدمير جميع المنشآت الـ 27 المعلنة لإنتاج الأسلحة الكيميائية في سوريا، في حين ما تزال هناك 19 قضية غير محلولة تتعلق بالبرنامج الكيميائي لنظام الأسد، بما في ذلك وجود آثار لمواد كيميائية تم اكتشافها في مواقع معينة، وهو ما عادت إلى تأكيده في التقرير الحديث.

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أكدت أن النظام السوري هو أكثر من استخدم الأسلحة الكيماوية في القرن الحالي، متسبباً في مقتل ما لا يقل عن 1510 أشخاص، وإصابة قرابة 12 ألفاً، من جراء ما لا يقل عن 217 هجوماً كيماوياً.

تلفزيون سوريا

—————————————-

في سوريا الجديدة: هايد بارك التأويل ومتاهة الاختزال/ صبحي حديدي

تحديث 54 نيسان 2025

زائر منصة «تأكد»، أو https://verify-sy.com/ar/ الإلكترونية السورية المتخصصة بتدقيق الأخبار، العاجلة والدراماتيكية منها على وجه الخصوص، سوف يجد من العجائب ما لا حصر له، حتى لو دامت الزيارة ساعة واحدة يتيمة؛ بل لعلّ نصف هذا الزمن سوف يكون كافياً، لو اقتصر استعراض العجيب على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، الفيسبوك والإنستغرام خصوصاً. هنا ملاعب شرائح واسعة من السوريين، نساء ورجالاً، شيباً وشباباً، «علمانيين» أو ليبراليين» يناهضهم «إسلاميون» أو «أصوليون»؛ حول السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والأزياء وأطباق الطعام، وانطلاقاً (بصفة خاصة، جذرية أو «جذرومية» إذا عاد المرء إلى جيل دولوز مثلاً) من سرديات «الطوائف» و«المكوّنات» و«الأقليات» و«الأكثريات»…

خذوا، على سبيل الأمثلة فقط، بعض أحدث ما أضافه الموقع:

1) الادعاء يقول: اشتعال حرب أهلية بين أبناء الطائفة العلوية في جبل محسن داخل لبنان، وهجوم عصابات من الطائفة العلوية على فتيات من الساحل السوري؛ وأما تصحيح الموقع فيقول: الفيديو المرافق للادعاء يظهر إشكالاً بين عائلتين لبنانيتين في جبل محسن، ولا علاقة له بالنازحين السوريين من الساحل.

2) الادعاء يقول: لا صحة لفصل ساحة المسجد الأموي إلى قسمين، قسم للرجال وآخر للنساء؛ والتدقيق، في المقابل: أكد مراسل المنصة صحة الفصل في وقت سابق، لكن السياج الفاصل تمت إزالته دون توضيح رسمي.

3) صورة تُظهر سبايا إيزيديات في ساحة الساعة بمدينة إدلب؛ والتصويب: الصورة تعود إلى تظاهرة في مدينة الإسكندرية المصرية عام 2013، جُسّد فيها مشهد رمزي احتجاجاً على سجن فتيات كنّ قد شاركن في مظاهرة سياسية.

4) الادعاء: تُطرح قريباً عملة سورية بعد إزالة 3 أصفار، بما يعني عودة الدولار إلى 10 أو 15 ليرة، وتتضمن ورقة العملة الجديدة صورة للدينار الذهبي الأموي؛ والتصحيح: الادعاء ملفق والتصميم المتداول مولّد بالذكاء الاصطناعي، وثمة أخطاء لغوية فاحشة في النصوص العربية…

المشكلة، بالطبع، تبدأ من حقيقة تواجد السوريين على مواقع التواصل المختلفة بكثافة هائلة، الأمر الذي يجعل من منصاتها ــ المختلفة، المتقاطعة، المتعارضة، المتنافرة، المدجّنة… ــ ساحات صراع آراءٍ وسجال قناعات، وهذا أمر قد تكون إيجابياته أكثر من سلبياته؛ ما خلا أنّ قسطاً غير قليل من هذا الفضاء، الساخن أو حتى الملتهب المشتعل، إنما ينهض على قسط موازٍ من التلفيق والتضليل والخداع، على غرار النماذج الأربعة سالفة الذكر، أو ما هو أدهى وأمرّ وأخطر. وعند برهة ما، خلال واقعة فاصلة تبدو طارئة دخيلة عند البعض، أو مألوفة متعارفاً عليها عند البعض الآخر (اختلاط النساء بالرجال في الجامع الأموي، مثلاً) يندلع ذلك الطراز البغيض من مقارعات التأويل والتأويل المضاد؛ بعيداً بهذا المقدار أو ذاك عن مشكلات سياسية واقتصادية وحكومية جوهرية وبالغة التعقيد، في بلد خلّفته عصابات «الحركة التصحيحية» في حضيض من جوع وفقر وبرد وظلام، ودولة فاشلة أو تكاد.

طامة كبرى رديفة، أو هي نتاج للمشكلة الأمّ المتمثلة في انقلاب منصات التواصل المختلفة إلى «هايد باركات» مفتوحة على كلّ لغة مجادلة وخطاب سجالي واستسهال في التنزيه أو التخوين؛ هي استعداد كلّ فريق للانكماش على كتلة تأويل جَمْعية تأنس في ذاتها وحدة عالية من التطابق أو التكامل («علمانية» أو «ليبرالية» أو «يسارية» مثلاً) مقابل كتلة تأويل جَمْعية لا تقلّ يقيناً حول علوّ الوحدة الذاتية («إسلامية» أو «سلفية» أو «متدينة» أو «محافظة» هذه المرّة)؛ بصدد ما يبدو طارئاً هنا، أو مألوفاً هناك. في صياغة أخرى لمشهدية التقابل هذه، التناظرية في أكثر من مستوى واحد سلوكي أو تفكيري، ينقلب الاصطفاف تدريجياً إلى تقوقع، إرادي تارة أو تلقائي تارة أخرى؛ بحيث ينتهي هذا الفريق أو ذاك إلى اختزال ذاته، بذاته ومن أجل ذاته، ليصبح هو وحده سوريا، أو «الأكثرية» فيها، لأنها البلد بأسره مرّة أو لأنها «الأمّة» مرّة أخرى… ببساطة!

يندر، استطراداً، أن تُناقش واقعة اختلاط النساء بالرجال في الجامع الاموي في إطار بيئة حوارية مفتوحة، بمعنى الانفتاح على رأي آخر وتأويل مقابل، «تحت سقف الوطن» كما في العبارة عالية التفخيخ المجازي وبائسة المدلول الملموس. لا تندر، في المقابل، حالة «علماني» استشاط غضباً وثارت ثائرته حين تناهى إليه خبر الفصل بين النساء والرجال في المساجد، فقارع على الفيسبوك مثلاً؛ إلى أن بلغه خبر إزالة الحواجز، فهدأت ثائرته قليلاً، أو مؤقتاً، حتى جاءه نبأ ثالث يشكك في الخبرَين السالفين معاً وفي الآن ذاته لا يترك يقيناً واضحاً حول حال مؤكدة. ليس هذا التشخيص كاريكاتورياً عن سابق قصد، بل هو في ذاته بعض المأساة والمهزلة لأنه في اعتبار أوّل يسري على نموذج «إسلاميّ» مناصر لسلطة الأمر الواقع، استغرق سيرورة مشابهة في استقبال التقلبات الثلاثة للخبر الأصلي حول جامع بني أمية الكبير. كلٌّ غنّى على ليلاه، كما في القول المأثور الذي لا يُراد من اقتباسه هنا أيّ تثمين أو تبخيس لأيّ من فريقَيْ التأويل والسلوك والمقارعة؛ مع فارق حاسم، محزن وعميق الغور وهائل الأثر، أنّ سواداً غير قليل من السوريات والسوريين كان انشغاله الفعلي الأعظم يدور حول سعر كرتونة البيض، وعدد ساعات توفير الكهرباء، وإجراءات الحدّ الأدنى من الأمن في الطريق إلى مقرّ العمل أو سوق الخضار (وليس بالضرورة إلى مقهى الروضة أو الجامع الأموي!).

ليس أقلّ إثارة للانتباه، حيث لا يغيب التشخيص الكاريكاتوري التلقائي هنا أيضاً، قائلٌ ناقد للصف «العلماني» يتساءل: ألستم دعاة الفصل بين الدين والدولة، فما شأنكم بالنساء في الجامع والرجال؟ يقابله قائلٌ ناقد للصفّ «الإسلامي» يردّ على التساؤل بآخر نظير: الجامع هنا ليس مقام الصلاة والتعبد فقط، بل هو إرث حضاري ومعماري وطنيّ الطابع. قائل ثالث، حاضر بدوره في معمعة السجال، سوف يمسك العصا من المنتصف: لا هذه ولا تلك فقط، بل كلا الموقعَين قائم ومشروع واستحقاقاته مُلزمة… وأمّا قائلٌ رابع، وهو متوفّر أغلب الظنّ وطبقاً للمنطق الأبسط، فقد يشفق على مواطنيه الثلاثة، متسائلاً عمّا إذا كانت حكاية وضع الحواجز بقصد المنع، أو إزالتها ولكن من دون إلغاء المنع، أو اعتماد ترتيب ثالث محيّر بَيْن بَيْن؛ ليست في نهاية المطاف سوى تنويعات على لعبة إلهاء، قد لا تختلف (إلا من حيث الشحن الوجداني والثقافي والديني ربما) عن إشاعات منع بيع الخمور في باب توما، أو رفع «العَلَم العلوي» المندثر في أعالي قرفيص، أو إصدار ليرة سورية ذات دينار أموي.

وبين أن تكون منصات التواصل الاجتماعي بمثابة «هايد باركات» مفتوحة لسجالات السوريين، وهو أمر حميد في نهاية المطاف، وضمن حصيلة إجمالية للمحاسن والمساوئ؛ أو أن تنقلب، استطراداً، إلى متاهة تأويل وتأويل مضادّ، على خلفية الشائعة عدّاءة المسافات الطويلة، والاختزال العقائدي الضيّق الذي لا إيديولوجيا خدم ولا فلسفة كرّم؛ ثمة واجب حيوي يُلزم فرقاء الرأي والانحياز، في المعارضة المزمنة أو الولاء المطلق، بمراعاة إبقاء الأعين مفتوحة على اتساعها في إبصار المشاقّ والمصاعب والعذابات التي وضعتها عصابات آل الأسد ونظام «الحركة التصحيحية» على كواهل السوريين والسوريات.

حيث معجزات مواصلة معيش الحدّ الأدنى في الحياة اليومية لا تقع على ألواح حروب التواصل الاجتماعي، ولا تطلقها مقارعات الجهابذة من روّادها.

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

————————–

لاوعي ثقافيا: هل نعاني من الكبت فعلاً؟/ محمد سامي الكيال

تحديث 25 نيسان 2025

يبدو الوضع في المشرق، خاصة سوريا والعراق، شديد الغرابة وغير قابل للفهم، حتى بالنسبة لكثير من أهل المنطقة، ممن يفترض أنهم أبناء الثقافة والعرف المحلي. إذ بدأ الجدل ينتقل تدريجياً في السنوات الماضية، من مقولات سياسية اعتيادية، تنتمي في نهاية المطاف إلى قاموس الثقافة السياسية الكلاسيكي، مثل الديكتاتورية والديمقراطية؛ والحراك الاجتماعي؛ والتحرر الوطني والمقاومة؛ والانتفاضات الشعبية ورأي «الشارع»، إلى مفردات وتعبيرات مثل «القتل على الهوية»؛ «المجاعة»؛ «الإبادة الجماعية»؛ بل حتى «السبي». ما يعني أن المنطقة باتت تعيش شرطاً يمكن وصفه بـ»تحت السياسي»، وعلى المهتمين بشؤونها العامة اللجوء إلى قواميس أخرى، لمحاولة فهم ما يجري، ومنها قواميس المحاكم الجنائية الدولية، التي يفترض أن تعبّر عن حالات استثنائية، يجب تجاوزها بعد محاسبة المسؤولين عنها، إلا أنها باتت الاعتيادي لدينا؛ وكذلك مدونات الفقه والتراث؛ فضلاً عن الغوص في اللهجات المحكية، لإدراك معنى الألفاظ والتعبيرات المتداولة، التي تبدو أقرب للبذاءة، ورغم ذلك باتت جانباً فاعلاً، ومنطوقاً علنياً، ضمن كثير من الخطابات.

قد يمكن طرح رأي، أشبه بالتهكّم والمحاكاة الساخرة، بأن المنطقة انفصلت فعلاً، وبشكل شبه كامل، عن «المركزية الغربية»، وأتمّت بنجاح «نزع الاستعمار» على المستوى الثقافي، إلا أن ما تبقّى بعد هذا «النزع» ليس منظومة ثقافية محليّة أصيلة، تضبط المعاني، وتنتج معايير للسلوكيات، بل هو مزيج غير مفهوم من التعبيرات والممارسات، أقرب لهلوسة دمويّة المخيّلة. إذ تهدد المجموعات السكانية في المنطقة اليوم بعضها علناً، وتشمت بمصائب غيرها دون أي رادع، بل تجد في معاناتهم مادة فكاهية للسخرية والتندّر. فيما لا يزال المتداخلون في الشأن العام، يكررون مجموعة محدودة من العبارات الإنشائية، التي لا يدري أحد إلى ماذا تشير فعلاً، ما يجعلها بدورها أقرب للهلوسة.

لطالما اعتُبرت مجتمعات المنطقة محافظة، ثقافياً واجتماعياً ودينياً بشدة، إلا أن الهلوسة الحالية لا تمتّ للسلوك والتفكير المحافظ بأي صلة، بل على العكس، يبدو أننا دخلنا في نوع خاص من الإباحية، تشمل ممارسات لا يمكن لأي مجتمع أن يحافظ على الحد الأدنى من توازنه وتحضّره بوجودها، ولا نعني فقط القتل، وانتهاك النساء، والإذلال الطائفي والعرقي، بل أيضاً الاستمتاع والتفاخر العلني بكل ذلك. من المثير للاهتمام مثلاً أن من «وثّق» مجازر الساحل الأخيرة في سوريا هم مرتكبوها أنفسهم، الذين صوّروا عشرات التسجيلات، التي لا تظهر جرائهم فحسب، بل سعادتهم بما ارتكبوه. هذه التسجيلات صُوّرت لغرض المتعة أساساً، عبر التداول وإعادة المشاهدة، ولولاها لربما ظلّ جانب كبير من المجازر مجهولاً للجمهور العام والمنظمات الحقوقية. انتشرت في ما بعد دعوات بين العناصر الإجرامية للكفّ عن التصوير، وليس التوقف عن ارتكاب الجرائم. وكأن دور السلطة بات فقط ضبط «فائض المتعة» غير المتناهي لدى عناصرها، ليس بغرض كبت نوازعهم، وإنما فقط لأضراره السياسية، أمام ما يسمى «الرأي العام الدولي».

يشير كل هذا إلى قضيتين بالغتي الخطورة، الأولى أنه لا توجد أي آلية محليّة معروفة، للضبط الثقافي والأخلاقي للهلوسات الدموية الدارجة في المنطقة، والثانية أن من يلعب دور «الأنا الأعلى» اليوم، منظومة قانونية وأخلاقية «خارجية» تماماً، يُعبُر عنها عادةً بلفظة «العالم»، فهي التي يُفترض أن تراقب، وتفرض العقوبات أو ترفعها، وتقوم بالردع. وهي ما نحيل إليه عندما ندين هذا الفعل أو ذاك؛ وكذلك نلوم «العالم»، أو نشعر بالخذلان منه، بسبب تقصيره في فرض المعايير وتطبيقها. ما يجعل السؤال هنا: هل فقدت مجتمعات وثقافات المنطقة أي نوع من الوازع الأخلاقي والحضاري المحلي؟ أم أن ما نشهده ممارسات لها منطقها الثقافي الخاص؟

الإحالة إلى المفتي

طالب عدد من الناشطين السوريين، عقب مجازر الساحل الأخيرة، بإصدار فتوى تحرّم قتل واستباحة الأقليات الدينية، وعلى رأسها الأقلية العلوية، ولم تصدر أي استجابة رسمية لهذا المطلب، حتى لحظة كتابة هذه السطور. الفكرة من وراء المطالبة، لدى بعض المنادين بها، قد لا تكون التعويل على المؤسسة الدينية الرسمية، أو شبه الرسمية، في حفظ الحد الأدنى من السلم الاجتماعي، بل نوعاً من إحراجها علناً. إذ أن عدم صدور الفتوى قد يعني تواطؤ جانب من رجال الدين في جرائم الإبادة الجماعية؛ وإظهار «الجذور العميقة» للتحريض والعنف الطائفي، وهي، حسب أنصار هذا الطرح، التشدد الديني، الذي يمدّ جذوره عميقاً في الإسلام المعاصر، وصولاً إلى فتاوى ابن تيمية، وربما ما قبلها.

قد لا يجدي كثيرا، الجدل في مثل هذه الطروحات، فهو بالنهاية لن يكون مستنداً لأي إطار تاريخي أو عقائدي أو أنثروبولوجي منضبط، إلا أن السؤال الأهم: لماذا الافتراض أن على المتدينين تقديم فتاوى لإيقاف القتل والجرائم؟ هل هذا يعني أن المجتمعات والدول باتت عاجزة عن تقديم أي إطار أو قانون أو عرف، يؤدّي أبسط الوظائف الاجتماعية، وعلى رأسها أن لا يقتل البشر بعضهم على الهوية، ويتلذذوا بذلك؟ ألا يعني هذا الإقرار بأولوية الدين المطلقة، وإعطاء سلطة خطيرة للمتدينين؟ بمعنى أنهم إذا أوقفوا القتل بفتوى، فقد يمكن أن يحرّضوا عليه بفتوى جديدة، عند تغيّر الظروف. وبذلك يجب على البشر المتعددين أن يعيشوا دائماً ضمن الأطر «الشرعية» لأولئك المتدينين، وتحت تهديد إبادة جديدة ممكنة، في حال خالفوها.

خطورة المسألة الأكبر تكمن في أن القتل، ومختلف أنواع الجرائم الأخرى، المرتكبة على أساس عقائدي، ستكتسب هالة مقدّسة، تطابق بين أحطّ الغرائز البشرية (بما فيها الاستمتاع السادي بإيلام وإذلال الآخر) من جهة؛ والتسامي الأخلاقي الذي توفّره قيم الدين المطلقة من جهة أخرى. وهذا يعني أنه بإمكان المجرمين العقائديين التلذذ الكامل بممارساتهم، دون الشعور بالذنب، الذي يرافق عادةً، وبشكل لا واعٍ أحياناً، مُتَع الإنسان العادية. ما يجعل ممارسات مثل الإبادة الجماعية العقائدية، والإذلال المنظّم، الأكثر متعة بما لا يُقاس. إنها ممارسات تأتي من «عالم آخر»، لا يشبه عالمنا الاعتيادي، وأقرب ربما للتصورات عن الفردوس الآخروي، الذي يمكن للمؤمنين فيه الاستمتاع دون خطيئة. قد يبدو هذا شديد الغرابة، ومليئاً بالمفارقات، ولكن بالفعل يمكن للدين، إذا خرج عن ضبط بقية أنظمة المجتمع، أن يقدّم التصورات الأكثر إباحية على الإطلاق.

ما المصادر الأخرى إذن للضبط الاجتماعي؟ هنالك أساساً نظام القانون الحديث، الذي يعمل بشكل مغاير للشرائع التقليدية؛ وأيضاً مصادر الأخلاق غير الدينية بالمعنى المنضبط (مبدأ المعاملة بالمثل، الذي يراه بعض الباحثين الأنثروبولوجيين غريزياً؛ العرف والتقليد والمؤسسة؛ الخبرة التاريخية المتراكمة من التداول والتواصل اللغوي والاقتصادي)؛ وأيضاً نظام التعليم الحديث، وأساسه «المدرسة العمومية»، التي يمكن أن تُعتبر من أهم الأجهزة الأيديولوجية للدول المعلمنة. في الشرط قبل الحديث كانت الفئات الاجتماعية، المنقسمة والمتمايزة حسب الطبقة والمهنة والملّة، تؤمّن عرفاً أخلاقياً إلى جانب الدين، الذي لم يكن متمايزاً أساساً عن بقية أنظمة المجتمع. ولكن مع انهيار نظام الانقسام الفئوي القديم، واستقلال الدين بنظامه الخاص، بات من الممكن لعمليات «التديين»، إن صح التعبير، أن تبتلع كل ما هو اجتماعي، ما قد يجعل المخيّلة الدينية مفتوحة على أنماط عجائبية من الإباحية، دون أي ضابط حضاري.

سبق لبعض نقّاد التنوير، وعلى رأسهم الأنثروبولوجي والفيلسوف الألماني أرنولد غيلين، الحديث عن «الأخلاق المفرطة»، أي محاولات نظام الأخلاق المستقل، الذي نشأ بعد التحديث، ابتلاع كل منظومات المجتمع الأخرى، و»أخلقتها»، بما في ذلك نظام السياسة والدين؛ وكذلك إنكار الأخلاق التنويرية لـ»تعددية المصادر الأنثروبولوجية للأخلاق»، حسب تعبير غيلين، والاكتفاء بمصدر واحد متعالٍ، هو الإيتيقيا العقلانية (علم الأخلاق التنويري). ويبدو أننا في المنطقة نعاني من نمط آخر من التنويرية، وهو «الدين المفرط».

كبت ضد الكبت

تصبح المسألة المعروضة أعلاه أكثر خطورة، عندما نتذكّر أن الأفراد والمجموعات في المنطقة يعانون من كبت مروّع، في مختلف مناحي حياتهم، يمنعهم من إطلاق طاقاتهم الحيوية، أو نيل أبسط حقوقهم وحرياتهم الفردية، وسط شرط شديد الصعوبة من الفقر المطلق، وليس النسبي (الذي تحدده معايير دولية لتأمين أدنى شروط الحياة، وليس الفقر الذي يُقاس بالتفاوت الناتج عن عدم عدالة توزيع الثروة)، والذي يصل في بعض البلدان إلى درجة المجاعة. هذا يعني أن ما يسمى «ثقافة المجتمع»، أو «آدابه العامة»، تكبت البشر في كل الميادين، إلا الميدان الديني، الذي بات يمكن للمرء أن يغالي فيه، ويجد فيه شرعنه مقدّسة، لإخراج كل المكبوتات. يمكن أن نتخيّل حالة مراهق في سوريا أو العراق، يعاني من الفقر والكبت الاجتماعي والجنسي، وتتيح له الميليشيات العقائدية حدّاً أدنى من الدخل، وفوقه إمكانية إطلاق نوازعه، بسلطة السلاح الذي بات يمتلكه، والعقيدة التي يدّعي حمايتها. وهذا قد يفسّر لنا جانباً مهماً من الإباحية الدموية التي نراها في البلدين، والتي تأخذ غالباً أشكالاً من العنف، تذكّر بأكثر الأدبيات السريالية جموحاً.

لا يمكن اعتبار كل هذا «ديناً»، بأي تعريف ممكن للدين، وربما على المتدينين، قبل غيرهم، أن ينتبهوا إلى خطورة ما يجري، ففقدان الدين لحيثيته الأخلاقية والروحية، وتحوّله إلى مجرد مبررات غير متسقة للاعتداء على الآخرين، سيجعله يخسر كثيراً على كل الصعد، من خسارة الاتباع المؤمنين، الذين قد يتركون الدين، أو يعتنقون أدياناً أخرى؛ إلى ردات الفعل العنيفة، التي قد تدفع البعض لتبرير الاضطهاد الديني وانتهاك حرية المعتقد. أما غير المتدينين، وهم ليسوا مجرّد «أقليات» في منطقتنا، فربما عليهم أن يكفّوا عن انتظار تحرّك المتدينين، أو الانشغال بمسائل «الإصلاح الديني»، وأن يفكروا بالعمل لإعادة ترميم ما يمكن من أنظمة المجتمع، للتخفيف من الأثر الكارثي لموجات الإجرام والهمجية المتوقّعة، نتيجة «الإباحية المقدسة»، الموصوفة أعلاه، بما يساهم في إنتاج نوع من الحماية الذاتية، التي باتت ضرورة مع اضمحلال دول المنطقة.

قد نحتاج إلى فرض نوع من «الكبت»، على كل الإباحية التي تحيط بنا، وهذا يتطلّب تحرير كثير من الميادين التي يعتبر الخوض فيها من المحرمات، ومنها حرية المعتقد والتعبير، وحق تقرير المصير الذاتي. وهي ميادين لم ينبن التطرّف إلا المعاصر على قمعها، باعتبار ذلك ثقافتـ»نا»، التي يتبيّن الآن أنها ليست ثقافة أصلاً، بل نمطاً من العدوان على المجتمع.

كاتب سوري

القدس العربي

—————————

عمارة أحمد باشا” في دمشق: هل ستظل خرابًا؟/ محمد م. الأرناؤوط

25 أبريل 2025

تمثل هذه المقالة متابعة استمرت خمسين سنة (1975–2025) لواحدة من أهم المنشآت العثمانية التي بُنيت في دمشق وضواحيها، التي حملت ما هو جديد بالنسبة إلى عمارتها أو إلى وظيفتها، ألا وهي “عمارة أحمد باشا” أو “العمارة الأحمدية” التي اشتهرت لاحقًا أكثر باسم “تكيّة العسالي” نسبة إلى شيخ الطريقة الخلوتية في دمشق أحمد العسالي الذي دُفن فيها عام 1638 إلى جوار المؤسِّس أحمد باشا.

وكما بُنيت “التكيّة السليمانية” في ضواحي دمشق لتستوعب في جوارها خيم الحجاج في ذهابهم إلى مكة وإيابهم منها، فقد اختار والي دمشق، أحمد باشا (1632–1635)، مكانًا مناسبًا لعمارته في جنوب دمشق ليكون منزلًا لقافلة الحج الشامي القادمة من الشمال (البلقان والأناضول وآسيا الوسطى) ومنطلقًا في طريق عودتها بعد مراسم الحج. وقد جاء بناء هذا المجمع العمراني ليتضمن جامعًا ومدرسة وغرفًا للتعليم وتقديم الوجبات المجانية للطلاب والزهاد والحجاج، بالإضافة إلى ساحة لنصب خيم الحجاج في قدومهم وفي عودتهم لبلادهم. ونظرًا إلى أن الوالي أحمد باشا كان يقدّر شيخ الطريقة الخلوتية أحمد العسالي، كما يقول المؤرخ المحبي المصاحب لهما (توفي عام 1699)، فقد دعاه إلى الانتقال من الصالحية إلى هذه العمارة الجديدة لتصبح أيضًا مقرًا لشيخ الطريقة الخلوتية.

السور الخارجي يوم 5-4-2025

ولتغطية نفقات هذه العمارة متعددة الوظائف، فقد أوقف أحمد باشا الكثير من الأصول حولها وفي صيدا وجوارها، وفي صور وجوارها، وفي بانياس وجوارها “من مسقفات ومشجرات وبيوت وبساتين وطواحين وحمامات ومعاصر للزيت والدبس ومن قرى ومزارع وخانات وغير ذلك”، وخصّص جزءًا من واردات هذه لتقديم الوجبات المجانية والمشروبات المختلفة للحجاج الذين أصبحوا ينطلقون من هناك في اتجاه الحجاز.

ولكن أحمد باشا اُستُدعي للمشاركة في الحرب ضد التوسع الصفوي في العراق، وكلّفه السلطان العثماني بالمحافظة على الموصل، وقُتل هناك عام 1636، وحُمل رأسه ليدفن في الضريح الذي أعدّه ضمن القبة الجميلة في وسط العمارة. وبعد سنتين توفي الشيخ العسالي- عام 1638- ودُفن إلى جواره ليصبح قبره مزارًا لأتباعه، ولتشتهر العمارة مع الزمن باسم “تكيّة العسالي”.

ويتألف بناء العمارة/ التكيّة كما عرفناه من مربع غير منتظم (43 × 38 م) مؤلف من طابقين. وتتميز الواجهة الغربية المطلة على الطريق الرئيس بجمالية أكثر، حيث إنها مبنية من الحجر الجيري الأبيض ومدماك واحد من الحجر البازلتي الأسود ويتوسطها سبيل للماء، وفي آخرها دعامة كبيرة من الحجر البازلتي الأسود، ويدخل منها إلى الصحن (34 × 15 م) الذي تتوسطه قبة جميلة مبنية على بناء مثمن الشكل يحتوي على سبعة قبور، منها قبر الشيخ أحمد العسالي وقبر أحمد باشا الذي كُتب على شاهدته “هذا قبر المرحوم أحمد باشا، الوزير كافل المملكة الشامية…”. ولدينا في الجنوب إيوان كبير (6.75 × 5.90) مع محراب يُستخدم للصلاة. ويلاحظ في الطرف الجنوبي قاعة مستطيلة تُقدّم فيها وجبات الطعام، وإلى جانبها مخزن المؤن والمطبخ والمرافق الصحية، بينما يُلاحظ في الطرف الشمالي قاعة كبيرة تصلح للتدريس والشعائر، وإلى جانبها خلاوي لمبيت أتباع الخلوتية. أما في الطابق الثاني فلدينا في الجانب الشمالي الغربي أربع غرف تصلح لغايات مختلفة كالتدريس والمبيت… إلخ.

“تكيّة العسالي” في مجدها

وقد اكتسبت هذه العمارة/ التكيّة شهرة كبيرة لأمرين اثنين. فقد بُنيت في جوار “قبة يلبغا” التي كان قد بناها السلطان المملوكي سيف الدين يلبغا في 1346م، واشتهرت لذلك أيضًا باسم “قبة النصر” رمزًا لانتصاره على السلطان الكامل شعبان، ولكن أُعيد ترميمها في بداية العهد العثماني واشتهرت لاحقًا باسم “قبة الحج”. فنظرًا لتعاظم أهمية قافلة الحج الشامي خلال العهد العثماني، حيث أصبحت روافدها تبدأ من البوسنة وألبانيا والقوقاز… إلخ، فقد أصبحت عمارة أحمد باشا أو “تكيّة العسالي” تُعتبر المنزل الأول للحجاج. وكان من أوائل من زارها ووثّقها الرحالة العثماني المعروف أوليا جلبي، الذي جاء إلى دمشق في شوال 1081هـ/ 1671م في طريقه للحج، حيث عدّد منازل الحج الشامي التي مرّ بها، بادئًا بـ”منزل أحمد باشا كوجك الذي يبعد عن الشام مسافة ساعة واحدة”.

ويبدو أن مراسم خروج قافلة الحج الشامي من دمشق خلال القرن التاسع عشر تغيّرت قليلًا وأبرزت أكثر مكانة ودور هذه العمارة/ التكيّة. فقد أصبح موكب قافلة الحج الشامي ينطلق باحتفال رسمي مهيب من قلب دمشق في مطلع شوال، يكون على رأسه المحمل، ومن ورائه الوالي وأمير الحج والعلماء، ويخترق حي الميدان وسط حضور كبير وصولًا إلى “باب الله” (البوابة حاليًا)، ومنه إلى “تكيّة العسالي”، حيث ينزل كبار الشخصيات في خيام خاصة أُعدّت لهم بضيافة متولي التكيّة، وفي “قبة الحج” يكتبون حجة تسليم المحمل إلى أمير الحج الذي يبقى هناك إلى أن تنطلق القافلة في صباح اليوم التالي.

“بعد أسابيع من المفاجأة والفرحة بسقوط النظام، بدأت تبدو إشارات إلى تدمير منهجي لتكيّة العسالي، وهو ما تُظهره الصور، بدون أي شعور بوجود سلطة تحمي الآثار”

ولكن هذا المجد الذي عرفته “تكيّة العسالي” ارتبط أيضًا بالمتغيرات التي طرأت وأثّرت على دور التكيّة كمكان لانطلاق الحجيج، وبالتحديد مع البدء بشق سكة حديد الحجاز التي انطلق أول قطار عثماني من محطة الحجاز إلى المدينة المنورة في 1908، وهو ما جعل السفر الشاق عبر البر غير مرغوب فيه، وفقدت بذلك “تكيّة العسالي” مكانتها كأول محطة لقافلة الحج الشامي. ومن المفارقة أن سكة الحجاز أصبحت تمر في جوار التكيّة من جهة الشرق، أي في الأراضي الموقوفة على التكيّة، كما بُنيت إلى الشمال منها محطة القدم للقطار العثماني، التي أصبحت المحطة الأولى للقطار خارج دمشق، والذي بقي في الخدمة بعد 1920 إلى عمّان فقط.

ومع أن التكيّة كانت تتبع إدارة الأوقاف بعد استقلال سورية في 1943، إلا أن وزارة المعارف السورية افتتحت فيها مدرسة ابتدائية لقرية القدم المجاورة في ذلك الوقت. وقد استمرت هذه المدرسة الابتدائية تخدم أهل القدم إلى أن أُنشئت داخل القرية “مدرسة شكري القوتلي” في 1959 خلال عهد الوحدة مع مصر.

التكيّة نواة لـ”حي العسالي” الذي ثار في 2011

في غضون ذلك، ازداد قدوم واستيطان الوافدين من حوران إلى هذا المدخل الجنوبي لدمشق، وخاصة بعد انقلاب 8 آذار/ مارس 1963، حيث نشأت حول التكيّة نواة لحي جديد (حي العسالي) توسّع مع موجة النزوح من الجولان نتيجة لهزيمة حزيران/ يونيو 1967، حيث نزلت في التكيّة أعداد منهم. ومع ازدياد الاغتراب السوري إلى السعودية بعد 1970، نشأت في المنطقة مراكز انطلاق لشركات الباصات المتجهة إلى جدة والرياض، مما غيّر صورة المنطقة التي تعدّت بفضل الفساد المستشري على هذا المكان التاريخي. فقد هُدمت أولًا “قبة الحج” التاريخية مع صمت مريب لمديرية الآثار، وبُني مكانها محطة انطلاق لإحدى شركات الباصات، ثم تم الاستيلاء على الأراضي المحيطة الموقوفة على “تكيّة العسالي” لصالح شركات الباصات الجديدة (“الجميل” و”الحسام”… إلخ) مع تواطؤ مسؤولي الأوقاف والآثار، حتى كادت التكيّة أن تضيع وسط هذا الحصار المشوّه للموقع التاريخي.

ونظرًا لاهتمامي بالتاريخ العمراني لدمشق خلال العهد العثماني، فقد تابعتُ بأسى ما كان يحدث لمحيط تكيّة العسالي، وقابلتُ مرة معاون وزير الثقافة المعني بالآثار د. عبد الرزاق معاذ في 2006 لأشكو له ما يحدث هناك بعد أن استولت إحدى شركات الباصات على الحرم الجنوبي للتكيّة وبنت فيه مجمّعًا مخالفًا، فحوّلني إلى مدير آثار دمشق الذي استمع إليّ مرة، ثم لم يعد يرد على اتصالاتي الهاتفية. وهكذا، ما بدأه الفساد المتواطئ مع السلطات المعنية، أكملت عليه الحرب الدائرة في “حي العسالي” الذي أصبح مشهورًا بسبب الاشتباكات فيه بين المعارضة المسلحة وقوات النظام، وتعرض جراء ذلك إلى دمار جزئي في شهر شباط/ فبراير 2012 حسب الشريط الذي بُث على مواقع التواصل الاجتماعي.

من “حي العسالي” إلى “باسيليا سيتي”

ولكن بعد الاتفاق في عام 2018 على خروج المعارضة المسلحة، قامت السلطة بعد قطع الماء والكهرباء، بوضع حواجز على أطراف الحي لتمنع السكان، الذين وصل عددهم إلى حوالي مائة ألف، من ترميم بيوتهم. وقد اتّضح مع مرور الوقت أن هناك ما يُرتّب لجعل هذا الحي مع أحياء الحجر الأسود والقدم وداريا المجاورة ضاحية سكنية حديثة باسم “باسيليا سيتي” تُشكّل حزامًا جديدًا لدمشق بتركيبة ديموغرافية مناسبة للسلطة.

وفي هذا الإطار، سمحت السلطة المسؤولة عن الحواجز لأفراد المافيا المعنيّة بالمشروع بالدخول على مدار الساعة خلال 2019–2024 لتعفيش كلّ ما يمكن حمله من بيوت الحي، ثم لهدم كل ما هو قائم لسحب قضبان الحديد، حتى أصبحت المنطقة المحيطة بالتكيّة تبدو كأنها تعرضت إلى زلزال مدمر.

كانت فرحة سكان الحي كبيرة بسقوط النظام الأسدي في 8-12-2024، ولكنها تحولت إلى صدمة بعد أن جاؤوا ولم يستطيعوا أن يتعرّفوا على بيوتهم. وسط هذا الدمار بقيت “تكيّة العسالي” التي تقع على الطريق الرئيس قائمة بسبب حجارتها القوية، وربما بسبب التهيّب من مكانتها التاريخية. ولكن بعد أسابيع من المفاجأة والفرحة بسقوط النظام، بدأت تبدو إشارات إلى تدمير منهجي لتكيّة العسالي، وهو ما تُظهره الصور بين 5-4-2025 و 18-4-2025، دون أي شعور بوجود سلطة تحمي الآثار. وحتى في تاريخ التصوير في 5-4-2025، كان هناك شخصان على الأقل منعا المصوّر من الدخول وطلبا منه أن يعود في اليوم التالي. ويبدو أن الأمر يتعلق بنبش الأضرحة التاريخية كما أصبحت تبدو في الصورة، اعتقادًا بوجود ذهب مخبأ في البيوت الأثرية!

ومع الأسف الشديد، لا أعرف كيف سيكون الأمر حتى صدور هذا المقال، لكي يعرف وزير الثقافة عما يجري في أنحاء دمشق نفسها من تخريب للآثار، على اعتبار أن المديرية العامة للمتاحف والآثار تتبع وزارته، وربما يقول في ذلك بعض الأبيات على هذه الأطلال.

ضفة ثالثة

————————-

سورية… الموز والبسطات والعدالة؟/ منذر مصري

25 أبريل 2025

(إلى من لا يهمّه الأمر)

1- ثورة الموز:

كانت أول مظاهر سقوط النظام، قاطبة، في شوارع وساحات اللاذقية، وأظن في مدن سورية جمعاء، ما عدا إدلب بالتأكيد، سطوع وسيطرة اللون الأصفر، وذلك نتيجة لتكوّم أقراط الموز في دكاكين الخضروات والبسطات والعربات، بكميات بدت وكأنها زائدة عن حاجة أهل المدينة، بكبيرهم وصغيرهم وغنيهم وفقيرهم، للموز، حتى ولو تركوا كل شيء يأكلونه واكتفوا بأكل الموز صباحًا وظهرًا ومساء. أدت هذه الكميات الكبيرة إلى تناقص تدريجي ولكنه بدوره سريع جدًا، في الصباح غيره عند العصر، في سعر كيلوغرام الموز، من 35 ألفًا إلى 7 آلاف ل. س للموز المحلّي، وإلى 10 آلاف ل. س لأنواع جديدة من الموز المستورد، لا أحد يدري من أين؟ كما لا أحد يدري كيف تم استجلابها بالسرعة القصوى، وكأن الموز هو كل ما كان ينقص السوريين خلال سنوات النظام، أو لأقل كأنه رمز لكل ذلك الغبن والجور الذي كان واقعًا عليهم، وتوفره الآن هو بدوره رمز لانتصار الثورة وبداية لتحقيق وعودها!

2- سقط النظام انتصر البسطاء!:

بعد الموز، أقول بعد، إلّا أن الموز لليوم ما زال، وعلى ما يبدو سيبقى زمنًا طويلًا هو المسيطر، لأن جوعًا غير قابل للإشباع يشعر به أهل اللاذقية للموز، جاءت بقية الفاكهة المحرمة، التفاح بأنواعه وألوانه، والأجاص ذو الخدّ الوردي المرتب في صناديق صغيرة، ورؤوس الأناناس الأكبر حجمًا بسعر والمتوسطة بسعر والأصغر بحجم رأس قرد بسعر، والكيوي بأنواعه المحسنة وراثيًا! ثم… البطاطا! أتصدقون أنه كانت هناك مؤسسة حكومية مخصصة للبطاطا! اليوم تسمع من يصيح “بطاطا… بطاطا مالحة” تحت بيتك كل صباح، تبتاع منها زوجتي وتكتشف أنها ليس بطاطا مالحة! نعم… لم يستغرق اللاذقية المحررة أكثر من أسبوع لتحتل البسطات العشوائية أسواقها وشوارعها وساحاتها، من ساحة الشيخ ضاهر، ساحة الشهداء، اسمها الرسمي، التي تفتقد لحد ذرف الدموع تمثال القائد الخالد، واقفًا في وسطها لا يتزعزع، لمدة نصف قرن ويزيد، فتبدو وكأنها بلا قلب! واللـه أستغرب كيف يستطيع اللوادقة الاستمرار في الحياة من دونه! عليه ألف ألف لعنة. إلى دوار الزراعة، مدخلها شرقًا، الذي لم يعرف ما هي البسطات قبل سقوط النظام، ثم جنوبًا وعلى الرصيف اليميني لشارع شكري القوتلي إلى ساحة أوغاريت، التي بسبب قربها من أسواق البالة، احتلت الثياب البالية مواقف السيارات على جانبيها، فصارت مع امتداها الشرقي في اتجاه حديقة أبي تمام سوق جمعة حقيقية كل أيام الأسبوع، ثم متابعة في اتجاه الجنوب، شارع عمر بن الخطاب مرورًا بمدخل الصليبة حتى ساحة العلبي، مدخل مشروع تجميل الصليبة بسطات المربيات، الطن، المارتديلا، الحليب المركّز والمحلّى، المشمش التركي المجفّف، الطحينة والحلاوة السكرية، المكسرات بأنواعها الغالية والرخيصة، الكعك والحلويات الإدلبية، وهذا في الحقيقة لا ينقص اللاذقية البتّة وخاصة بعد أن افتتح المهجرون الحلبيون عددًا من أحدث وأكبر المخابز. والزجاجيات بنصف أسعارها السابقة، والأدوات المنزلية وغير المنزلية، والخفّافات الرياضية وثياب وألعاب الأطفال، ولحوم الدجاج نصف المجمّدة، التي حذر منها وأشيع أنها فاسدة! وقناني المياه الطبيعية التي نصّت على آداب شرب الماء، جالسًا، وميمّنًا، ومسمّيًا، وحامدًا، بعد اختفاء مياه بقين والدريكيش والسن التي كانت تنتجها لنصف قرن مؤسسة معامل الدفاع الوطني، وتتصدر صور اجتماعات مجلس الوزراء ومجلس الشعب وقيادات فروع وشعب وفرق حزب البعث العربي الاشتراكي. وعبوات البنزين والمازوت البلاستيكية المختومة (يقولون لك)، وجرّات الغاز الذي يمكن لك أن تعبئها بالكيلو، من الخزانات الواقفة عند كل مفرق شارع، وذلك بعد سنوات من التقتير وانتظار الرسائل والبطاقات الذكية! كذلك، وإن على نحو أقل، بسطات الدراجات النارية، فقد سمح باستخدامها في المدن بعد منع طويل، ويقال إنها ستمنع مجددًا، وعروض السيارات الفارهة ذات الماركات الأوروبية واليابانية، لا الكورية والصينية التي كانت قد ملأت سورية، وخسر أصحابها بعد انتصار الثورة نصف أثمانها! ثم الصرافون، كيف أنسى، لافتة “محل صرافة” تقرؤها على الواجهات الزجاجية لمئات المحلّات، حتى سمانة الأحياء. فأهم ما تمّ تحريره في سورية، هو الدولار، الممنوع سابقًا حمله وتداوله وحتى ذكر اسمه، شفاهية أو كتابة.

أذكر في زيارتي لأحد القضاة في القصر العدلي أنه أطلق أمامي سراح موقوف منذ شهر ونصف الشهر بتهمة حيازة 50 دولارًا، وآخر قضى ثلاثة أشهر بتهمة سرقة كيس طحين! يا إلهي أي دولة قانون كانت سورية! ولكن المشكلة كانت وما زالت، أن هناك كل شيء، وبأسعار أقل ممّا سبق بنسبة لا بأس بها، ولكن ليس هناك فلوس! ليس هناك سيولة عند الناس، الرواتب التي لم تف السلطة بوعدها زيادتها 400% ما زالت لا تزيد عن 30 دولارًا في أفضل الأحوال، عدا عن حجبها عن مئات الألوف من الموظفين لأسباب أغلبها غير محقة، والحوالات بالعملة الصعبة التي كان يرسلها من في الخارج إلى أهاليهم، صار ينبغي، بسبب ارتفاع سعر الليرة السورية مقابل الدولار واليورو، مضاعفتها!

3- هل البسطة نظام؟

لنبدأ كما يفعل المتفلسفون، بتفكيك الكلمة لغويًا، وسأفعل هذا الآن بدون العودة لأي معجم، بالتأكيد مصدرها (بسط). بسط يبسط بساطًا وبسطة! يا للعبقرية! وأيضًا، وهنا بيت القصيد: (البساطة)! ذلك أن كل ما حدث في سورية، على الأقل قبل مأساة 6 و7-3-2025، تبدّى بسيطًا. فالنظام السوري الشمولي الأبدي قدم مثالًا إعجازيًّا، في سهولة وبساطة سقوط الأنظمة، بعد 14 سنة من العناد والتعنّت! كما تبدّت بساطة محرري سورية! في المظهر والمحتوى! وبساطة فهمهم للتحرير والحرية: “هيا يا سوريون عاد البلد لكم فافعلوا ما شئتم”! وهكذا… أربعة أشهر والسوريون يحيون من دون دولة، حتى وكأنه لا حاجة لها، ومن دون سلطة، ومن دون قوانين، ومن دون أمن، سوى شبان، ليسوا كثيري العدد، مسلحين، بذقون وشعور طويلة، أغلبهم ملثمون، لك أن تراهم عند مفارق الطرق والحواجز ومداخل المدن والبلدات، وأحيانًا يعبرون الشارع من أمامك، اثنين أو ثلاثة معًا، كسائحين أجانب بثياب الميدان المغبرة، يتصرفون كما يحلو لهم، أغلبهم مهذبون كما يقال، ولكن بعضهم لا! فلا أحد، كما يبدو، يقول لهم ماذا يجب أن يسألوا وكيف يجب أن يتصرفوا. كما ليس ثمّة سياسة عامة معلنة ولا إدارة واضحة! وكأن الذين بيدهم مقاليد الحكم،  لا يملكون تصورًا عن الدولة الحديثة ولا عن المجتمع المعاصر! سوى ما يقال، ويصدّقه الجميع، رغم أن الرئيس الشرع نفسه قد نفاه، إنهم يجعلون من تجربتهم في إدلب، التي يعدّونها قد حققت تمام النجاح، مثالهم الأعلى في حكم وإدارة سورية كلها! وأستطيع انسياقًا مع فكرة البسطة، أن أقول، بالعسف الذي تؤدّي إليه كل المقاربات، إنها ما يمكن استخلاصه كبنية ونظام لهذه السلطة! ليس بسطات السوق فحسب، التي كان النظام السابق لا يسمح بها سوى لمخبريه وأعوانه، أضافة لاقتطاع نسبة من أرباحهم! بل المنهج الذي عملت به هذه السلطة في إدارتها لكل الملفات التي بين أيديها، وعالجت على هديه كل المشاكل المعقدة التي اعترضتها! لنأخذ كمثال اللقاءات التي جرت من أعلى مستوى إلى المستوى الشعبي، بينها وبين ممثلي مختلف أطياف السوريين، والتي لم تستطع أن تحول دون حدوث ما حدث في الجنوب والساحل! أو اللقاءات التي عقدتها اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني. ما يقارب الثلاثين لقاء خلال أسبوع واحد، أي بمعدل أربعة لقاءات يوميًّا من 16-2 إلى 23-2-2025. وقد حدث وحضرت لقاء اللاذقية شخصيًا، الذي بدا للجميع أشبه ببازار– سوق شعبية لا أكثر ولا أقل! فبدل أن يناقش المجتمعون، لجنة وحضورًا، ما يضطر السلطة القائمة لعقد هذا المؤتمر، وأهميته للشعب السوري في هذه المرحلة، وآليه انتقاء أعضائه وعددهم، ومدته، وبرنامجه، وجدواه، وما إذا كانت مخرجاته مجرد توصيات ترفع إلى السلطات العليا لتسترشد بها أم قرارات تلتزم بتنفيذها! جرى تحديد عدة نقاط للنقاش، وأعطي لكل من يريد الكلام مدة دقيقتين للتعبير عن رأيه، وأغلبهم لم يتقيّد بذلك! وكأن اللقاءات كافة كان غايتها أن تكون بروفات- تجارب تمهيدية للمؤتمر! الذي تفاجأ الجميع بموعد بدئه مساء 24-2، أي اليوم التالي مباشرة لانتهاء لقاءات اللجنة! مما أدّى لتعذر قدوم عدد لا بأس به من المدعوين، وخاصة من في الخارج، كما تفاجأنا أكثر بسرعة انتهائه في 25-2-2025! وبما أن اليوم الأول قد خصص للعشاء والتعارف، فإن مدة المؤتمر كانت يومًا واحدًا! مما يؤكد أن البيان الختامي الذي جرى التصويت عليه من قبل المؤتمرين البالغ عددهم ما يقارب 600، كان معدًا مسبقًا. أي أن المؤتمر بقضه وقضيضه كان سوقًا أخرى، وإن على مستوى أعلى!

4- بسطات القضايا السورية:

لن أوغل في نظرتي التبسيطية لما عليه الواقع السوري وواقع السلطة اليوم، فآتي على ذكر الإعلان الدستوري، وتشكيل الحكومة السورية الجديدة في 30-3-2025، بعضوية 23 وزيرًا، بينهم سيدة واحدة، أعرف بعضهم وأقدر مدى تضحيتهم في تنكبهم في هذه المرحلة الصعبة لهذه المهام المستحيلة، بعرف الكثيرين من المراقبين، وبرئاسة رئيس الجمهورية بالذات، الحدثين اللذين أعتبرها فرصتين كبيرتين ضائعتين، لماذا؟ لأن السلطة كانت تستطيع بواسطتهما أن تمضي بسورية خطوتين صحيحتين على الطريق الصحيح، سادّة في وجه منتقديها ومناوئيها في الداخل والخارج الذرائع التي يبررون بها مواقفهم المعارضة والرافضة لها، الذين يجدون أنه من واجبهم نحو بلدهم وشعبهم، ألّا يتركوا خطأ يحدث، جملة في خطاب، أو كلمة في لقاء تلفزيوني، أو تفصيلًا في صورة، إلّا ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها تقريعًا وهجاء! فإذا استخفّيت في شيء كهذا، وطلبت منهم الاهتمام بالأمور الجوهرية، يجيبونك بحدّة: “أتريدوننا أن نخرس ونهزّ رؤوسنا لكل شيء؟”. فما بالك بإعلان دستوري! ومؤتمر وطني، وتشكيل وزارة لا يحقّق بأي منها في اعتبارهم الحدّ الأدنى من المشاركة المطلوبة محلّيًا ودوليًا، والتي يشترطها الجميع لإيقاف العقوبات والاعتراف بشرعية الحكم الجديد! فأنا مثلًا كنت أتمنّى أن يكون هناك رئيس للوزارة غير رئيس الدولة، أحد أولئك السوريين الذين يتوخّى فيهم المعرفة والقدرة على إدارة الأزمات! كما هي سورية اليوم. فيكون بهذا مساعدًا لرئيس الدولة وشريكًا له في تحمل المسؤولية أمام الشعب.

5- ما يزيد عن العدالة:

أمّا ما يجب ألّا يفوّت أبدًا ومهما كانت الأعذار والظروف، فهو وصول لجنة تقصّي الحقائق في أحداث الساحل السوري يومي 6 و7-3-2025، إلى معرفة هويات المرتكبين وتحديد جرائمهم وتحويلهم للمحاكم، دون أي تلكؤ أو إرجاء. فلا شيء كالعدالة الكاملة يمكن له أن يساعد على تضميد الجراح وجبر القلوب وتطييب الخواطر! أوّل ما قالت السيدة ميادة ريحان، ابنة السيدة رزقة سباهية، أم كل السوريين، التي قتل أمام عينيها ابناها وحفيدها: “كل ما نطلب هو العدالة”.

قلت تساعد! لأني أعرف أن الجراح عميقة وغائرة، وإن التأمت فإنه يبقى تحت الجلد ألمها يمضّ ويوجع. ولا أظنّ هناك ما يجعلنا نتقبّل الألم ونتحمّله سوى التآخي والتعاطف والحب، الذي يحتّم على جيران الضحايا وشركائهم في العيش والوطن والمصير أن يقدّموه صادقًا وكاملًا.

6- انتهى العيد:

كتبت ما سبق والتقطت الصور المرفقة قبل انتهاء شهر رمضان، وظاهرة البسطات في أوجها. المدينة برمّتها غارقة تحت البسطات! وما إن انتهى العيد، وهذه المرّة لم يفرح به أهل اللاذقية جميعهم، حتى قامت دوريات من شرطة البلدية والأمن العام، خلال ساعات، بإزالة البسطات في كل مكان! وذلك بعد توجيه إنذار رسمي مسبق لشاغلي الأرصفة على مختلف أصنافهم، وتخصيص ساحة كبيرة أوّل شارع المغرب العربي بالقرب من الملعب البلدي، لينقلوا إليها بسطاتهم وعرباتهم التي لا مصدر لديهم للدخل سواها. لكن بسطات الأرصفة لا يمكن أن تزول جميعها، فما زال المرخّص منها سابقًا في محلّه، وقد تزيّن بعلم الثورة! غير أن السؤال يبقى: “انتهى العيد.. فهل انتهت عقلية البسطات لدى السلطة السورية القائمة اليوم؟”.

(اللاذقية 14-4-2025)

ضفة ثالثة

———————————————-

تتواصل الحملات العنصرية على النازحين السوريين… رغم عودة غالبيتهم/ طارق الحجيري

الجمعة 2025/04/25

مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، تدفّق مئات آلاف اللاجئين السوريين إلى لبنان، هربًا من الحرب والموت، ليزيد عددهم عن المليون لاجئ، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. اصطدم اللجوء الكثيف سريعًا برفض فئات شعبية وسياسية لبنانية، وسط اتهامات للاجئين بأنهم باتوا عبئًا اقتصاديًا وأمنيًا على لبنان.

طوال السنوات الأخيرة، ومع الانهيار الاقتصادي اللبناني، تصاعدت حدة الخطابات الشعبوية ضد السوريين بشكل كبير. بلغت حدود العنصرية والكراهية، وبات الهجوم على اللاجئ السوري القوت السياسي اليومي لعددٍ من الساسة والأحزاب، وشاركت فيه بعض شاشات التلفزة، إضافة إلى المنصات الالكترونية التي استرزقت عبر ضخ الكراهية والعنف الكلامي ضد السوريين.

أزمة اقتصادية في بر الياس

بعد سقوط النظام السوري عاد الكثير من السوريين إلى بلدهم. ولمعاينة حجم هذه العودة جالت “المدن” في عدد من القرى والبلدات البقاعية، التي شكلَّت حاضنة للاجئين السوريين طوال سنوات الأزمة. فتبيّن أنّ معظمهم عاد إلى سوريا. وحتّى الذين نزحوا بعد سقوط النظام السابق عاد القسم الأكبر منهم. ويكشف الواقع على الأرض أن عشرات المخيمات السابقة ما عادت موجودة وتمَّ هدمها، كما أن آلاف الشقق السكنية فَرَغَت من النازحين. ورغم ذلك يستغرب كثيرون سبب إخفاء العدد الفعلي للعائدين.

في بلدة بر الياس البقاعية أو أرض الشتات السوري كما تمَّت تسميتها، ناهز عدد السوريين فيها 130 ألف نازح، كانوا يتوزعون بين لاجئين في المخيمات داخل البلدة وعلى أطرافها. وقد بلغ عدد الذين يعملون في الزراعة والبناء والعمالة العادية نحو 60 ألفاً. بينما سكن نحو 70 ألفاً في منازل مستأجرة، كانوا يعملون في التجارة بين لبنان وسوريا، وبعضهم أقام مطاعم ومؤسسات تجارية من هنا وهناك.

هذه الأرقام يؤكدها مختار بر الياس زاهر الهندي. ويلفت في حديث لـ”المدن” إلى أن ما يزيد عن 65 بالمئة من النازحين السوريين عادوا إلى بلدهم حتّى الآن. هذا فيما يستعد الكثير منهم للعودة قريباً. ويشرح الهندي عن الفائدة الاقتصادية التي شكلها اللجوء السوري، بخلاف ما يشاع لأسباب سياسية أو طائفية. فاللجوء السوري أمّن اليد العاملة الكفؤة والرخيصة في قطاعات عديدة، مثل البناء ونجارة الباطون والخياطة والزراعة وغيرها. كما أن بعض المتموّلين من النازحين استثمروا أموالهم في البلدة وساهموا بتنشيط اقتصادها.

وأضاف الهندي أنه بعد العودة الكبيرة للنازحين باتت آلاف الشقق السكنية والمحلات التجارية مقفلة وخاوية، ولا تدرّ قرشاً على أصحابها. ويسمي المختار هذه الظاهرة بأنها “مرحلة الدخول في التأثير العكسي والسلبي للعودة على الاقتصاد”، مضيفاً أن “مشاكل لبنان سببها الفساد والمحسوبيات في بلدنا وليس الغريب”.

عرسال شبه خالية من النازحين

اشتهرت بلدة عرسال في البقاع الشمالي، أنها عاصمة اللجوء السوري. فقد ناهز عدد اللاجئين السوريين فيها قرابة 140 ألف شخص. وتناقص العدد على مر السنوات، لكن بعد سقوط النظام السوري، بات عدد النازحين لا يتجاوز 6000 نازح. والتناقص يزداد مع الوقت. فيوم غدٍ الجمعة يستعد نحو 500 نازح لمغادرة البلدة عبر معبر الزمراني الجردي. وهذا ما أكده منسق مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال سامر عامر. وشكر عبر “المدن” أهالي عرسال على استضافة النازحين طوال السنوات الفائتة مؤكداً: “منذ خروجنا القسري من بلدنا، قلنا بالفم الملآن خرجنا لنعود، والحمد لله زال نظام الإجرام، ومنذ الساعات الأولى لزواله بدأت العودة الكثيفة طوعاً، وهي في طور الاستكمال. نعرف حساسيات الداخل اللبناني. لذلك نطمئن الجميع، سيعود كل سوري إلى بلده من أجل بنائه. لبنان بلدنا وأهله أهلنا، وأملنا أن يرى اللبنانيون سوريا وشعبها كذلك”.

الأثر السلبي للعودة

العودة السريعة للسوريين إلى بلدهم، كان لها أثر سلبي كبير على اقتصاد البلدة النائية. فخلال 13 عامًا مضت، شكَّل اللجوء المورد الاقتصادي الأول للبلدة ولأبنائها. فعدد العقارات المستأجرة لإقامة المخيّمات كان 143 عقاراً. واستأجر السوريون مئات البيوت والمحال التجارية للسكن أو التجارة. وأدى النزوح إلى خلق ما يزيد عن 800 وظيفة في الجمعيَّات والمنظَّمات الإغاثيَّة المحلية والدولية. كما استفاد العشرات من أصحاب صهاريج المياه وشاحنات شفط الجُوَر الصحّيّة من العمل في المخيّمات، وقد توقف عملهم نهائياً في الآونة الأخيرة.

مظاهر العنصرية مستمرة

العدد الأكبر من اللاجئين غادروا إلى بلدهم، ورغم ذلك ما زال البعض يرمي مشاكله على النازحين. ويضع مراقبون استمرار حملات العنصرية تجاه النازحين، في خانة النكد الطائفي والديموغرافي البحت. والهدف شد العصب المذهبي والطائفي، واختراع انتصارات وهمية، كما يحصل مع الأحزاب المسيحية. فقد أعاد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، منذ أيام في لقاء حزبي تكرار مواقفه السابقة. فاعتبر وجود اللاجئين السوريين في لبنان تهديد للهوية والديمغرافيا اللبنانية، واستمرار وجودهم بمثابة زوال للبنان. أما في بلدة القاع التي تعتبر منطقة “قواتية” فقد دخل موضوع اللجوء السوري في صلب الحملات الانتخابية، وصل الامر حد المزايدة باستعمال القوة لطردهم، علما أنّ القاع تعتمد على العمالة السورية بالكامل في مواسمها الزراعية وغيرها من الاعمال اليومية.

في المناطق الشيعية تتكرر الاعتداءات الجسدية التي تطال السوريين منذ الاشتباكات الحدودية في منطقة القصر، كما حصل في الهرمل من ضرب وطرد للسوريين حينها. وفي الأسبوع الفائت تعرض عشرات السوريين للضرب والايذاء في الهرمل عقب طعن أحد السوريين مواطناَ في المدينة. ولم يشفع لهم أن القوى الأمنية ألقت القبض على الجاني سريعاً، وكانت حادثة فردية. لكن الاحتقان والعنصرية ضد السوريين أدت إلى هذه الحملة التي طالت عشرات السوريين الآمنين.

المدن

——————————–

جواز سفر مستعجل وسيلة السوريين تحسبا للمجهول/ طارق علي

واقع أمني واقتصادي وسياسي هش ومواطنون يفتشون عن سبل للهجرة

الجمعة 25 أبريل 2025

إقبال غير مسبوق في سوريا للحصول على جوازات السفر، وأكثر من 160 ألف جواز سفر حصل عليها مواطنون منذ سقوط نظام الأسد، ما الأسباب والدوافع؟

منذ سقوط نظام بشار الأسد وحتى الآن، أي في فترة أربعة أشهر، استحصل السوريون على 160 ألف جواز سفر جديد، عدا مئات آلاف آخرين يمتلكون هذه الجوازات، أي إن هناك ما لا يقل عن 40 ألف جواز سفر تُصدر شهرياً، و1300 جواز سفر يومياً، باعتراف وزير الداخلية أنس خطاب وفق منشور على منصة “إكس”، مما يؤشر إلى موجة هجرة جديدة تحاكي نظيراتها التي خبرها السوريون خلال أعوام حربهم الماضية، والجوازات محور البحث تستثني تلك المطلوبة بقصد الحج والعمرة،

فما الأسباب وراء تهافت السوريين للحصول على جوازات سفر؟

مخاوف النصر

لا يمكن إنكار حال القلق التي يعيشها السوريون بعد سقوط نظام بشار الأسد، والأمر لا يعني أنهم غير مستبشرين خيراً بالحكم الجديد، والأمثلة بالنسبة إلى هؤلاء كثيرة، في بلدان عدة، حيث لم يكن سقوط الأنظمة فيها كافياً لتغيير حياة الشعوب نحو الأفضل، بل دخلت تلك البلدان في صراعات محلية وأهلية وعشائرية وأحياناً مذهبية أفضت إلى تقسيمات قائمة على أسس مناطقية لا يسودها القانون، كذلك فإنها عانت ويلات التدخل الخارجي.

البلد الهش

في السياق، وصف الخبير السياسي مفيد تلي سوريا اليوم بـ”البلد الهش الذي يبدو كطفل صغير ما زال يحبو، وقد فقد معظم أحبته وعائلته في مجزرة استمرت أعواماً طويلة، مما يجعل البلد بيئة خصبة للتدخلات الإقليمية والدولية والمناكفات المحلية المبنية على نشوة الانتصار الذي يجب اقترانه بأفعال حقيقية غير إقصائية على الأرض”، وأضاف “الناس متخوفون الآن من الصراعات الداخلية أكثر من الشروط الخارجية، وتأخير تطبيق العدالة مفتاح أي انفلات محتمل، وقد شاهد السوريون في اليومين الماضيين فيديو لعنصر ملثم، اسمه حسن النعيمي كما يعرّف عن حاله، وهو يتحدث أنه بجهاز الأمن، وسيقتل كل متورط بدماء الناس، لأن الدولة لا تقوم بواجبها، وإن تطورت هذه الحال من جديد فهي تعني إخفاقاً أمنياً مجتمعياً يقود نحو مزيد من التفكك، ورأينا مقتل الآلاف من أهل الساحل، الشهر الماضي، في إطار منطلق العدالة الانتقائية والانتقامية المحمولة على عنصري الجهاد والتمرد”.

مزيد من الانتظار

تاريخياً لم تتمكن المعارضة من بناء جسور ثقة مع المواطنين السوريين في الداخل، وتجلى ذلك في أعوام الحرب وما انبثق عنها من مجالس وائتلافات ومكاتب سياسية وعسكرية في الداخل والخارج، وكلها لم تلبِّ طموح السوريين في تحقيق المطلوب على مدى 14 عاماً من الثورة، قبل أن تتمكن “هيئة تحرير الشام” بقيادة رئيس الجمهورية الحالي أحمد الشرع من إطاحة نظام بشار الأسد خلال أيام معدودة، ومن ثم كان الأمر نقطة تحول باتجاه توحيد السوريين، إلا أن هذا الإنجاز ما زال منقوصاً لأسباب عدة من بينها هشاشة البلد ومؤسساته علاوة على قرارات ارتجالية صدرت من الحكم الجديد وفاقمت، في بعض الأحيان، مسار التقدم الذي يحتاج أساساً إلى أعوام للتحديث والتطوير.

على “كف عفريت”

“سوريا الجديدة لنا اليوم، لم تعد مقاطعة لآل الأسد، لكنني أريد تربية أولادي بأمان، والأمان هو كلمة السر لكل هذا الازدحام في مراكز الهجرة والجوازات”، هذا ما قاله الطبيب علي سلمان، الذي حصل على أربعة جوازات سفر مستعجلة له ولزوجته ولولديه، مضيفاً “تكلفة الجواز المستعجل نحو 200 دولار للشخص الواحد، ويصدر خلال أيام قليلة، صحيح أن معظم دول العالم أقفلت تأشيراتها في وجهنا، لكن من يعلم متى تفتح من جديد، وإخراج الجواز الآن متاح، من يدري ماذا يحصل لاحقاً والبلد على كف عفريت”.

ثمن الحياة رصاصة

الأكاديمي والمختص في العلوم السياسية موسى رائد تحدث عن بعض الأسباب التي دفعت السوريين إلى التهافت للحصول على جوازات سفر مستعجلة “من بينها هشاشة الواقع الأمني الذي ما زال يحتكم إلى العرف الثوري الفصائلي المحمول على الأيديولوجية والعشيرة والثأر في كثير من الأحيان، في ظل تهميش نسبي لدور النقابات ومؤسسات العدل والقضاء”، مع خشية متنامية لدى سكان مناطق “الحكومة السابقة” (مناطق نظام الأسد) “من اعتبارهم فلولاً للنظام، ومن ثم فإن استمرار احتكام الشارع إلى السلاح هو مصدر خوف، ومدينة حمص أبرز الأمثلة حيث يقتل المدنيون هناك كل يوم من دون ذنب أو تهم في تصفية شبه ممنهجة يقودها مجرمون وعناصر غير منضبطة يُعقدون الأمر على السلطات الجديدة”.

وتابع رائد “الفوضى الاقتصادية لا تقل خطورة عن تلك الأمنية، فالعملة الوطنية ما زالت منهارة ولا تساوي شيئاً، والأسواق من دون حسيب أو رقيب، مع غياب الاستثمار، أو نية وجود مستثمرين أساساً في ظل هذه الظروف، والبطالة متنامية، وفصل آلاف الموظفين، واستمرار الاعتماد على الحوالات الخارجية مع حبس السيولة الذي يمارسه البنك المركزي، وبقاء العقوبات الدولية، كلها عوامل تزيد من هواجس الناس في البقاء والانتظار بعد أن بات ثمن حياة الإنسان رصاصة لا يساوي ثمنها ليرات قليلة”.

إرث متشابك

في منتصف فبراير (شباط) الماضي عاد المواطن عبدالحميد. ك من الأردن بعد لجوء دام 13 عاماً، وخرج عبدالحميد من سوريا مهجّراً من ريف دمشق عام 2012، وبعد عودته عقب سقوط النظام السابق حاول الحصول على جواز سفر له ولأسرته، لكنه لم يتمكن من ذلك لأنه مطلوب أمنياً من النظام السابق.

وكان عبدالحميد مطلوباً بموجب مذكرات لفرع أمن الدولة في حمص، و”فرع فلسطين” بدمشق، والمحكمة العسكرية بتهم التخابر وتمويل الإرهاب ووهن نفسية الأمة، وهي تهم كانت توضع جزافاً لجميع المعارضين، وحين راجع النيابة العامة والشرطة وسائر المؤسسات المعنية حول أن هذه المذكرات لم يعد لها سند قانوني، ومن ثم فقد سقطت مع سقوط النظام وأجهزته، وعلى رغم ذلك رفضت الهجرة والجوازات منحه جواز سفر حتى تسوية وضعه الذي يجهل مع من يسوّيه في ظل انتفاء وجود الأفرع الأمنية التي أصدرت مذكرات في حقه.

ويطلب عبدالحميد، ومثله كثر، النظر في أمرهم سريعاً والسماح لهم بحرية الحركة والتنقل والعيش وفق القوانين السارية بعد سقوط نظام الأسد، وبأن ما يحصل معهم سواء لجهة عدم تمكنهم من الحصول على جوازات سفر أو تجديد أوراق رسمية أمور غير قانونية.

“لم يعد في العمر أكثر مما مضى”

“هناك ازدحام لا يصدق في مراكز الهجرة والجوازات، قد تنتظر يوماً بأكمله لتحجز دوراً ثم لا تظفر به، فتعود في اليوم التالي”، يقول مدرس اللغة العربية عمران صقر مبرراً قراره بالحصول على جواز سفر “بأن الوضع في سوريا غير مستقر”، لذا سيعمل جاهداً للحصول على عقد عمل في الخارج والسبب تخوفه من “حالات القتل والخطف والتدهور الاقتصادي”.

تشارك المترجمة يارا الرفاعي صقر في مخاوفه من التفلت الحاصل في البلد “كان سقوط النظام أمراً عظيماً، لكن الثورة لم تنتصر بالكامل بعد، ما زالت تحتاج إلى وقت طويل، هي اليوم أمام مرحلة البناء من الصفر، مما قد يتطلب عقوداً لتعود سوريا كما كانت، وأخشى أنه لم يعد في العمر أكثر مما مضى”.

الخيارات الضيقة

خلال الحرب السورية وزمن نظام الأسد أغلق معظم دول العالم أبواب تأشيراته في وجه السوريين، وعلى رغم ذلك نجح الملايين في العبور كلاجئين نحو دول الجوار، أو البر الأوروبي من خلال رحلات الموت البحرية أو الغابات التركية والأوروبية، فيما بقيت دول عدة تستقبل السوريين، لكن الحال تغيرت مع سقوط النظام السابق، وأغلقت دول عدة، وعلى رأسها دول الخليج أبوابها ولو موقتاً، ليتبقى أمام السوريين خيارات أقل من محدودة، غير مرغوبة ومكلفة للغاية وبمعظمها الحصول على تأشيرات سفر سياحية قصيرة الأجل.

وبحسب مصدر في وزارة الخارجية السورية، فإن الدول التي تستقبل السوريين اليوم من دون تأشيرة أو مع تأشيرة عند الوصول هي ماليزيا لمدة 90 يوماً، وإيران 90 يوماً، والدومينيكان 21 يوماً، وجزر كوك 31 يوماً، وساموا 60 يوماً، أما الدول التي تمنح تأشيرة لدى الوصول إليها فهي كمبوديا وقيرغيزستان والمالديف وباكستان وتوفالو وبابوا غينيا الجديدة وسورينام وزامبيا وأوغندا وجنوب السودان وتوغو والصومال ورواندا وموزمبيق ومدغشقر وغينيا وأنغولا وفيتنام.

وغالبية هذه الدول غير مرغوبة للسفر خلاف أوروبا والخليج لقلة فرص العمل أو منع العمل أساساً، إضافة إلى الاصطدام بحواجز اللغة والثقافة وصعوبة الانخراط في المجتمع والكلفة المادية العالية للوصول إليها.

———————————

ثلاثة مخاطر أمنية تواجه الحكومة السورية… ما هي؟/ صبحي فرنجية

“فلول النظام”.. وميلشيات إيران.. و”داعش”

آخر تحديث 25 أبريل 2025

شهدت محافظات سورية استنفارا كبيرا لقوى الأمن العام والجيش السوري يوم الخميس 24 أبريل/نيسان، وذلك نتيجة معلومات حصل عليها جهاز الاستخبارات عن هجوم محتمل لـ”فلول النظام وبقايا الميليشيات الإيرانية” من جهة، وخلايا “داعش” من جهة أخرى.

وتزامن الاستنفار مع اشتباكات حصلت داخل مدينة حمص، وقيام “حزب الله” اللبناني بإطلاق قذائف مدفعية من الأراضي اللبنانية تجاه نقاط الجيش العربي السوري في منطقة القصير بريف حمص، وانفجار سيارة مفخخة ببلدة حوش السيد علي الحدودية مع سوريا أدت إلى إصابة 8 سوريين بجروح.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “المجلة”، من مصادر في الأمن العام السوري، فإن وزارتي الداخلية والدفاع أوعزتا إلى قواتها برفع حالة الجاهزية في كل من دمشق، وحمص، ومناطق الساحل، والمناطق القريبة من البادية السورية، وطُلب من الحواجز تكثيف عمليات التدقيق على البطاقات الشخصية وتفتيش السيارات، خصوصا تلك التي تعود لأشخاص لبنانيين أو عراقيين. أضافت المصادر أن قوات حرس الحدود على الشريط الحدودي مع لبنان والعراق رفعت الجاهزية، كما تم نشر قوات للأمن العام في شوارع كل من دمشق، والمدن الساحلية، ودير الزور، وحمص، وحماة، وتدمر، والقريتين لضمان استتباب الأمن ومنع أي محاولة لزعزعة الاستقرار.

وبحسب المصادر، فإن المعلومات التي وصلت لوزارة الدفاع والاستخبارات تُفيد بوجود خطر هجمات محتملة من قبل فلول النظام، وعناصر مرتبطين بـ”حزب الله” والميليشيات الإيرانية، وتنظيم “داعش” في البادية وحمص، وهو ما استدعى رفع الجاهزية لمنع حدوث هذه الهجمات، إضافة إلى إطلاق طيران استطلاع تابع لوزارة الدفاع في محيط دمشق، وحمص، والمناطق الساحلية لرصد أي تحرك لهذه القوى.

تنسيق بين “فلول النظام” و”حزب الله”

شهدت مدينة حمص مساء الخميس 24 أبريل اشتباكا في حي وادي الدهب بحمص بين عناصر الأمن العام والعميد الطيار علي شلهوب، وذلك بعد مهاجمة العميد- المُتهم بارتكاب جرائم بحق السوريين- عناصر الأمن العام أثناء محاولة اعتقاله، وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أنه “بعد إصابة عدة عناصر من الإدارة تم التوجيه بتحييده لما لمحاولة اعتقاله من خطر على أرواح المدنيين في المنطقة وعناصر إدارة الأمن العام”، تزامن ذلك مع إطلاق نار في عدة أحياء من حمص.

على جبهة أخرى قريبة، قال مسؤول في وزارة الدفاع إن “حزب الله” اللبناني أطلق “عدة قذائف مدفعية من أراضي دولة لبنان، تجاه نقاط الجيش العربي السوري في منطقة القصير غرب حمص”، وردّت قوات الجيش السوري “باستهداف مصادر النيران، بعد رصد المواقع التي خرجت منها القذائف الصاروخية والتي بلغ عددها 5 قذائف”، بحسب المسؤول العسكري الذي أضاف لوكالة “سانا” أن وزارة الدفاع “تتواصل مع الجيش اللبناني من أجل تقييم الحدث، وقمنا بإيقاف استهداف مصادر النيران داخل الأراضي اللبنانية بطلب من الجيش اللبناني، بعد أن تكفل بتمشيط وملاحقة المجموعات الإرهابية المسؤولة عن استهداف الأراضي السورية”.

بحسب معلومات “المجلة”، فإن “القذائف التي أطلقها (حزب الله) اللبناني نحو الأراضي هدفها تشتيت انتباه قوات أمن الحدود والجيش السوري أثناء محاولتها إفشال عملية تهريب كان يُنفذها مهربون لبنانيون على الحدود السورية اللبنانية انطلاقا من ريف حمص. وعملية التهريب تلك كانت تنقل أسلحة من الأراضي السورية إلى الأراضي اللبنانية لصالح (حزب الله) اللبناني بالتنسيق مع فلول النظام والمهربين”.

ويحاول “حزب الله” اللبناني منذ سقوط النظام السوري نقل كل مخازن الأسلحة الخاصة به، والتي تحتوي على أسلحة كان يمتلكها “الحزب” سابقا في سوريا، إضافة إلى تلك التي كانت تتبع للنظام وقام عناصره المرتبطون بـ”الحزب” بالسيطرة عليها قبل أن تصل إليها يد الحكومة السورية. ويعتمد “حزب الله” اللبناني لتهريب هذه الأسلحة على شبكات تهريب معقّدة في مناطق الهرمل والقاع، وهي مناطق تعتبر مراكز نفوذ لـ”الحزب” على الحدود السورية، بينما يساعده من الجانب السوري الشبكات التي شكلها “الحزب” بالتعاون مع نظام الأسد والتي ما زالت تعمل لصالح “الحزب” إما مقابل المال أو نتيجة ترابط أيديولوجي مع “حزب الله”.

زادت الحكومة السورية من تعزيزاتها على الحدود السورية-اللبنانية منذ سقوط النظام، وشكلت خط تنسيق مشترك مع الجيش اللبناني لوقف عمليات التهريب بين سوريا ولبنان، وقطع خطوط التواصل والإمداد بين “حزب الله” اللبناني و”فلول النظام”، كما نفّذ الأمن العام مداهمات كثيرة لمخازن أسلحة كانت مُعدّة للتهريب إلى الأراضي اللبنانية من سوريا، واعتقل عددا من المهربين العاملين المتعاونين مع “الحزب”.

وكان الأمن العام قد ضبط يوم الأربعاء 23 أبريل مستودع أسلحة وذخائر بريف حمص الشمالي الشرقي، وذلك بعد يومين من ضبط مديرية أمن ريف دمشق “مستودعا يحتوي على كميات من الأسلحة والذخائر، بينها صواريخ مضادة للدروع، وذلك خلال عملية أمنية في منطقة قطنا بريف دمشق”، بحسب ما أعلنت وزارة الداخلية السورية التي قالت إن “هذه الأسلحة كانت معدّة للتهريب خارج الأراضي السورية”.

وانتشر يوم الخميس 24 أبريل على شبكات التواصل الاجتماعي فيديو مصور نُسب لمقداد فتيحة، قائد “لواء درع الساحل” يتلو فيه بيانا قال إنه “مشترك بين قيادة لواء درع الساحل بالتنسيق مع جبهة المقاومة الإسلامية-أولي البأس، والدكتور عبد الحميد الشمالي القائد العام لقوات أشباح روج المقاومة في المنطقة الشرقية”. وبحسب البيان الذي تلاه فإن هذه القوى ستنسق وتتعاون فيما بينها “لمحاربة التنظيمات التكفيرية وحكومة الأمر الواقع في دمشق”، ولم يتسنَّ لـ”المجلة” التأكد من صحّة البيان من مصادر موثوقة.

ميليشيات مرتبطة بإيران شرق سوريا 

ما زالت الميليشيات المرتبطة بإيران رغم انهيار سطوتها، تحاول إبقاء نفوذٍ لها في المنطقة القريبة من الحدود السورية-العراقية، وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “المجلة” من مصادر ميدانية في دير الزور، فإن عمليات تهريب عناصر الميليشيات الإيرانية السابقين في سوريا مستمرة نحو العراق، إضافة إلى أن النقود ما زالت تجد طريقها من العراق إلى بعض العناصر السوريين الذين كانوا ضمن الميليشيات الإيرانية المحلية، وذلك من أجل إبقائهم متحضرين لأي تحرك مستقبلي، وأكد مسؤول سوري أن الحكومة السورية لديها علم بعمليات التهريب التي تحصل، وتتابع عن كثب وتراقب هذه التحركات لكشف كافة الشبكات التي تعمل على الحدود والداخل السوري.

وبحسب المعلومات، فإن هناك تواصل بين الميليشيات الإيرانية التي توجهت نحو العراق مع سقوط النظام وبعض العناصر الذين لم يغادروا الأراضي السورية، وهذا التواصل يتم لتحقيق عدّة أهداف، أبرزها إبقاء خطوط تواصل مفتوحة مع بعض العناصر وتحضيرهم ليكونوا خلايا نائمة تتحرك عند الطلب، والهدف الآخر هو تهريب عناصر إلى العراق عبر كل من معبر “الجغايفة” ومعابر ترابية أخرى، ويتم نقلهم إلى مناطق بالقرب من القائم، وهو ما يرجح إمكانية استخدام هؤلاء العناصر لاحقا في سوريا أو في مناطق جغرافية خارج الحدود السورية.  

لمواجهة هذه التحركات، كثفت الحكومة السورية تعزيزاتها الأمنية على الحدود السورية-العراقية خلال الأسابيع الماضية من خلال  تفعيل أكثر من 15 مخفرا حدوديا انطلاقا من معبر القائم-البوكمال، إضافة إلى تشكيل مراكز مراقبة تتابع نشاط المهربين والشخصيات التي لديها سوابق في تهريب السلاح وتجارته لوقف عمليات التهريب، زيادة الزخم في عمليات تنسيب الشباب في صفوف الأمن العام بمحافظة دير الزور واختيار الموثوق بهم للعمل في الفرق المسؤولة عن حماية الشريط الحدودي، وبحسب مصدر أمني في دير الزور، فإن هدف الحكومة الرئيس العمل على تأمين الحدود السورية-العراقية من معبر البوكمال وصولا لمنطقة التنف. 

الإجراءات الأمنية من الواضح أنها تسعى إلى قطع أي خطوط تواصل حدودي مع الميليشيات العراقية التي تُدار من قبل إيران، وأبرزها “حزب الله” العراقي، إضافة إلى تفكيك شبكات التهريب التقليدية التي عملت خلال سنوات طوال يدا بيد مع الميليشيات الإيرانية في تشكيل شبكات طرقية معقّدة للتهريب تتضمن أنفاقا بين طرفي الحدود، وفي حال تمكنت الحكومة من تحقيق ذلك تكون قد ضيقت الخناق على بقايا الميليشيات الإيرانية في الداخل السوري تمهيدا لإنهاء قوتها ونفوذها.

“داعش” يعيد ترتيب صفوفه وجغرافيته

هدفَ الاستنفار الأمني في المدن السورية إلى تقويض إمكانية “داعش” من شنّ هجمات على قوات الأمن العام، لأن المعلومات التي حصل عليها جهاز الاستخبارات السوري تُفيد بتحرك لخلايا “داعش” في كل من حمص والبادية، ولذلك نشرت قوات الأمن العام قواتٍ لها وأنشأت حواجز مؤقتة في كل من تدمر والقريتين المُطلتين على البادية، إضافة إلى الاستنفار العام في كل من شوارع حمص ودير الزور.

المعلومات التي حصلت عليها الحكومة السورية جاءت بعد أيام من نشر تنظيم “داعش” بيانا مصورا هدد فيه الرئيس أحمد الشرع من الانضمام إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بعد أن وجهت الولايات المتحدة طلبا إلى الحكومة السورية بضرورة المشاركة في مكافحة الإرهاب.

ويسعى تنظيم “داعش” منذ سقوط النظام السوري إلى إعادة بناء قدراته العسكرية، وذلك من خلال قيامه بنقل عدد كبير من عناصره نحو البادية السورية انطلاقا من الشمال السوري، وذلك لأن البادية السورية قريبة من الحدود السورية العراقية، والتي تشكل شريانه للتنسيق مع التنظيم في العراق، إضافة لكون البادية هي مخزن لأسلحة “داعش” التي خبأها خلال سنوات قوته في عامي 2015-2016.

المعلومات التي حصلت عليها “المجلة”، تُشير إلى أن تنظيم “داعش” قام بإجراء تغيير على تكتيكه خلال الشهر الماضي، حيث بدأ بنقل بعض خلاياه تجاه حمص، لرغبته في زعزعة الأمن في المناطق التي تشكل تنوعا دينيا في سوريا، ويهدف “داعش” من خلال هذا التكتيك الجديد إلى القيام بهجمات ضد المدنيين دون أن يتبنّاها، ساعيا إلى شيطنة الحكومة واتهامها باستهداف الأقليات في سوريا.

وقالت مصادر مطلعة إن “الداخلية السورية وجهاز الاستخبارات على دراية بتكتيك التنظيم الجديد، واعتقلت أكثر من عنصر خلال شهر مارس/آذار أثناء اتنقالهم من البادية تجاه حمص، كما اعتقلت مهربين مرتبطين بالتنظيم، وتُجري الحكومة السورية تحقيقات موسعة لتفكيك شبكات التنظيم في المنطقة وتأمين المدنيين من أي هجمات”. كما تُشير المعلومات إلى أن هناك “خلافا داخليا بين خلايا التنظيم، هذ الخلاف سببه غضب بعض عناصر “داعش” من أن التنظيم لم يأخذ موقفا واضحا ضد الحكومة السورية، ولم يعلن الجهاد ضدها، في حين أن عناصر آخرين يرون أن الوقت الحالي ليس لشنّ الهجمات وإنما لإعادة ترتيب الصفوف وبناء قدرات عسكرية كافية للقيام بهجمات منظمة وقوية ضد الحكومة السورية”.

وقالت مصادر في الأمن العام السوري لـ”المجلة” إن خطر “داعش” هو “أحد المخاطر التي يوليها الأمن العام أهمية كبيرة، والاستنفار الأمني الذي حصل في دمشق والمناطق السورية ذات الغالبية المسيحية يوم الأحد الماضي كان لحماية المسيحيين-أثناء احتفالهم بعيد الشعانين- من أي هجمات قد ينفذها تنظيم “داعش” أو أي جهة أخرى ضدهم”.  وأشارت المصادر إلى أن الحكومة السورية قامت بتعزيز قواتها في مناطق البادية ودير الزور وحمص خلال الفترة الماضية لمواجهة خطر التنظيم الذي باتت مراكز قوته تنتشر على مساحة البادية السورية.

وما يزيد من خطورة تنظيم “داعش” ليس حصوله على المرونة الجغرافية فحسب، وإنما إمكانية استغلاله لتوجه الحكومة السورية لفتح علاقات مع الغرب والدول العربية وإمكانية انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد “داعش”، لأن هذا التوجه من المؤكد أنه سيُغضب بعض القوى المتشددة في سوريا والتي لا تنتمي لـ”داعش” أو تعمل تحت لوائه، إضافة إلى بعض العناصر الأجانب الذين سيشعرون بأنهم تحت تهديد الترحيل من سوريا بالتزامن مع انفتاح الحكومة الجديدة على المجتمع الدولي؛ هذا الغضب من غير المستبعد أن يستغله “داعش” لتجنيد عناصر جدد في صفوفه، للانتقام من الحكومة السورية.

المجلة

———————-

تنظيم داعش في سوريا.. خطر أمني متنقل وفرصة للتوظيف السياسي/ محمود عبد اللطيف

25 أبريل 2025

تشير معلومات خاصة حصل عليها “الترا سوريا” من مصادر متعددة في ريف دير الزور، إلى أن الحكومة السورية بدأت بإعادة تفعيل سلسلة المخافر الحدودية الممتدة من قرية الهري قرب البوكمال، وصولًا إلى الأطراف الشمالية المحيطة ببلدة التنف وقاعدتها الأميركية. وتغطي هذه المخافر المنطقة التي كانت تُعرف قبل سقوط النظام بـ”منطقة الـ55 كيلومترًا”، وهي منطقة خفض تصعيد جرى تثبيتها وفق تفاهمات روسية – أميركية، تقوم على منع أي وجود عسكري للنظام المنحل على مسافة تقل عن 55 كيلومترًا حول قاعدة التنف ومخيم الركبان.

ويبدو أن هذه القاعدة ما زال معمولًا بها على اعتبار أن “جيش سوريا الحرة”، الذي تشكل بقرار أميركي في العام 2016، هو المخول بالانتشار داخل هذه المنطقة، علمًا أن “سوريا الحرة” هو واحد من الفصائل التي اندمجت ضمن قوات وزارة الدفاع، وهو الذي بات يسيطر على مساحات واسعة من البادية تمتد من ريف حمص الشرقي، وصولًا إلى ريف دمشق الشرقي من خلال التواجد في مطار الضمير العسكري. وضمن هذه المعطيات يحضر السؤال عن الخطر الذي يمكن أن يشكله تنظيم “داعش” بصورته الحالية، وقدرته على إعادة إنتاج نفسه من جديد كقوة فاعلة في الداخل السوري.

مصادر من البادية السورية تحدثت لـ”الترا سوريا” موضحة أن التنظيم ما زال يعتمد آلية الانتشار في البادية من خلال مجموعات صغيرة لا يزيد عدد أكبرها عن 75 عنصرًا، وكل من هذه المجموعات تقسم إلى خلايا صغيرة، ويتمركز التنظيم بشكل أساسي في الأطراف الشمالية لمنطقة الـ55 كم بالاستفادة من التضاريس المعقدة لها، إذ تحتوي على مجموعة كبيرة من المغر والكهوف التي تمكن خلايا التنظيم من الاختباء بها، إضافة إلى تواجد خطر ضمن منطقة “جبل البشري”.

وتشير المعطيات إلى أن غالبية عناصر التنظيم في البادية هم من الجنسية السورية، وبعدد أقل يوجد عراقيون، أما المقاتلون الأجانب فقد انقسموا بعد تطبيق “اتفاق باغوز فوقاني”، في 19 آذار/مارس من العام 2019، إلى مجموعتين بشكل أساسي، الأولى استسلمت لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، ونقلت إلى السجون التي توجد حاليًا في مناطق شمال شرق سوريا، أما الثانية، وهي الأقل عددًا، فقد تمكنت من مغادرة الأراضي السورية قبل أن يسلم التنظيم آخر معاقله المعلنة في الداخل السوري لـ”قسد” تبعًا للاتفاق المذكور.

تحتاج عملية هيكلة “داعش” إلى موارد تمويل ذاتي تمكنه من إعادة استقطاب المقاتلين وبناء منظومته القتالية بالشكل الذي كانت عليه قبل أن يخسر تواجده في سوريا والعراق بعد معارك مع خصوم عديدين. وهذه الموارد قليلة في مناطق البادية ولا إمكانية لاستثمارها إذا ما سيطر عليها التنظيم، إذ توجد مجموعة من الحقول النفطية الصغيرة في بادية دير الزور والرقة، مع وجود حقول استراتيجية للغاز الطبيعي. ومع معرفة أن البادية منطقة “حبيسة” ولا يمكن للتنظيم أن يبني علاقات تجارية في محيطها، فإن هذا الخيار يغدو مستبعدًا، ناهيك عن إمكانية تحوّل هذه الحقول إلى ما يشبه الفخاخ الكبرى التي يمكن تصفية وجود “داعش” فيها بسرعة كبيرة، ولهذا كان خيار مجموعات التنظيم هو الاعتماد على عمليات الإغارة السريعة واستهداف القوافل التجارية والنقاط العسكرية التابعة للنظام، قبل سقوطه، كمصدر للتمويل الذاتي، ويتم تسويق ما يسطو عليه التنظيم من القوافل التجارية ومهاجمة رعاة المواشي في مناطق متفرقة، عبر العلاقات التي تبنيها خلايا التنظيم مع مهربين إلى العراق والأردن.

التقديرات تفيد بوجود ما بين 500-700 من عناصر تنظيم “داعش” على امتداد البادية، وتأتي الخطورة من العمل على شكل “عصابات سطو”، ولا يمكن له أن يشكل خطرًا بالمعنى الحرفي على مدن البادية (تدمر، السخنة، القريتين، مهين)، إلا من خلال الهجمات السريعة التي يمكن أن يرتكب فيها التنظيم انتهاكات وجرائم حرب يؤكد من خلالها إنه ما زال موجودًا لا أكثر.

يبدو التنظيم في مناطق شرق الفرات، التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”، أكثر قدرة على إعادة تنظيم نفسه بالاستفادة من عملية الخروج العشوائي للسوريين من المخيمات التي تتواجد فيها عوائل تنظيم “داعش”، وتحديدًا مخيم الهول، الواقع على بعد 45 كم إلى الشرق من مدينة الحسكة، وبالاستفادة أيضًا من إمكانية التواصل مع بقاياه في مناطق غرب العراق، والوصول إلى الحدود مع تركيا من خلال إقامة علاقة مع شبكات تهريب البشر التي نشطت في مراحل سابقة ضمن عملية تهريب عوائل التنظيم من المخيم إلى جهات مجهولة.

وبقراءة معركة “سجن الثانوية الصناعية”، التي شنها التنظيم ضد “قسد” بداية العام 2022، يظهر أنه يمتلك الإمكانية على هيكلة مجموعاته وتنظيمها لشن معارك ضخمة في مناطق شرق الفرات أكثر من البادية، وربما يعود ذلك للإهمال الأمني شبه المتعمد من قبل “قسد” لمناطق جنوب الحسكة وصولًا إلى الضفة الشرقية من نهر الفرات، ونشاط تجار الأسلحة في تلك المنطقة بشكل كبير، إضافة إلى إمكانية الوصول إلى اللوجستيات التي يحتاجها “داعش” هنا أكثر من أي منطقة سورية أخرى، ومع ذلك فإن إمكانية هيكلة التنظيم لنفسه في مناطق شرق الفرات تبدو ضعيفة الاحتمال أيضًا، لفقدانه “الحاضنة الشعبية”، أو “المناطق الخاضعة”، كما كان الحال عليه قبل العام 2019، وإمكانية مواجهة التنظيم من قبل المجموعات العشائرية الرافضة له، هي الاحتمال الأكثر حضورًا في المرحلة الحالية.

إن محاربة تنظيم “داعش” هي من أكثر الأوراق المفيدة للحكومة السورية الجديدة في إطار بناء علاقات قوية مع الدول التي ما زالت تعتبر “داعش” أخطر التنظيمات الجهادية في العالم، وعليه فإن دمشق قد تجد نفسها شريكة في محاربة التنظيم، خاصة وإن هذا الأمر كان واحدًا من الشروط الأميركية التي قدمت لدمشق لتطبيع وجودها بين المجموعة الدولية من جديد، وقد تستفيد “قسد” من هذه الورقة لتضمن استمرارية الدعم الأميركي والدولي في ملفات سياسية داخلية، وهذا ما يجعل التنظيم ورقة سياسية أكثر منها خطرًا عسكريًا يهدد “وحدة الأراضي السورية”، لكن خطر تنفيذ التنظيم لعمليات أمنية ذات طابع استخباري كالتفجيرات والاغتيالات هو الاحتمال الأكثر قربًا للتطبيق، وربما يدخل التنظيم في هذه المرحلة قريبًا تبعًا للتهديدات التي يطلقها في وجه الحكومة السورية الجديدة.

—————————–

الضباط المنشقّون عن جيش الأسد… بين هواجس التهميش وتوقعات الدور الكبير مستقبلاً/ عمار جلّو

الجمعة 25 أبريل 2025

“بناء جيش كفء لدولة بحجم سوريا هو تحدٍّ كبير”، قال الرئيس السوري أحمد الشرع، في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز”، مؤخراً، منبّهاً إلى أنّ أشهراً عدة غير كافية لتحقيق ذلك، وأن الأمر سيستغرق وقتاً أطول.

على ذلك، يبدو أنّ الإدارة الجديدة جادّة في التعويل على دور واسع ومؤثر للضباط المنشقّين خلال السنوات الأولى للثورة السورية، والمقدّر عددهم بستة آلاف ضابط، بينهم رتب عسكرية رفيعة في مختلف الاختصاصات، بهدف دمجهم في وزارة الدفاع الجديدة، حسب ما ذكر موقع “العربي الجديد”، سابقاً.

ففي وقت سابق، التقى وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، بلجنة عن الضباط المنشقّين بهدف بحث دمجهم في الجيش السوري الجديد، وذلك بعد مباشرة الإدارة السورية الجديدة، ومنذ تسلمها مقاليد الحكم في دمشق في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، في وضع إطار عام لتأسيس الجيش السوري بعد حلّ الجيش السابق.

على الضفة الأخرى، تنتاب الضباط المنشقّين هواجس من استمرار التهميش بحقهم في المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد مسارعة الحكومة الجديدة إلى منح رتب عسكرية لقادة فصائل، غالبيتهم من المدنيين، أو لأشخاص ليسوا سوريين، دون إيلاء هؤلاء العسكريين المنشقين الاهتمام المتوقع.

على ذلك، وبعد أيام قليلة من إسقاط نظام بشار الأسد، أصدر عدد من الضباط المنشقين، بياناً أعلنوا فيه عن استعدادهم لوضع أنفسهم وخبراتهم العسكرية لإعادة تشكيل جيش سوريا الحرّة على أسس وطنية موحدة تعبّر عن تطلعات السوريين نحو الحرية والعدالة.

و”سوريا الجديدة، وبعد انحلال عقد جيش نظام الأسد المجرم، بأمسّ الحاجة إلى جيش مؤسساتي محترف، يضمّ الاختصاصات العسكرية كافة، البرّية والبحرية والجوية، وصنوف القوات الاختصاصية والإدارات التابعة لوزارة الدفاع، خصوصاً بعد أن تم إلغاء التجنيد الإجباري في سوريا”، حسب العميد فايز الأسمر، وهو أحد الضباط المنشقين عن جيش النظام السوري، لصالح الانتماء والدفاع عن الشارع السوري الثائر. 

قلق في الشمال

يروي الأسمر، أنه “منذ الأيام الأولى لسقوط نظام الأسد وانتهاء حقبة الاستبداد والإجرام التي مارسها بحق الشعب السوري الثائر وحاضنته الشعبية، بدأت الحكومة الجديدة بالتصدي لمهامها الأمنية الصعبة، بهدف ترسيخ الأمن والاستقرار في المحافظات السورية كافة. وذلك عبر تعيين وزير دفاع ورئيس أركان. كذلك قامت الحكومة بتعيين قادة لبعض الفرق والألوية العسكرية، وبعضهم من الضباط المنشقين، لكن بأعداد قليلة”.

“في الواقع لا توجد أسباب مقنعة أو موضوعية تعيق وزارة الدفاع عن إعادة الضباط كافة، بل حتى صفّ الضباط، إلى المؤسسة العسكرية الوليدة، للاستفادة منهم، ولجعلهم النواة الصلبة للجيش”، يقول الأسمر، لرصيف22.

في هذا السياق، أشار ضابط منشقّ شارك في عملية “ردع العدوان”، لصحيفة “الشرق الأوسط”، إلى أنه “بعد أيام من سقوط النظام، عيّنت وزارة الدفاع عدداً ضئيلاً من الضباط، حسب الحاجة إلى الاختصاص”، لافتاً إلى وجود المئات من الضباط وصف الضباط المنشقّين ممن عملوا في الشمال السوري بتوصيفهم العسكري الثوري، وآلاف الضباط غيرهم ممن غادروا سوريا، ينتظرون التعيين. وهذا التأخير سبّب قلقاً لدى الضباط العاملين في الشمال، وخلق لديهم شعوراً بعدم الارتياح.

بحسب الأسمر، “الضباط المنشقون قاسوا وتحمّلوا مع عوائلهم عبء الانشقاق، وحُكموا بالإعدام وضحّوا بالكثير نتيجة ذلك. كما أن الوزارة والجيش الجديدين بأمسّ الحاجة إليهم، خاصةً أنهم من خيرة الضباط الأكاديميين، ومن الاختصاصات العسكرية كافة. وعليه، يجب الاعتماد الكبير عليهم، وتوظيف خبراتهم العلمية والعملية والميدانية في بناء وتطوير المؤسسة العسكرية الوليدة. لكن للأسف هذا الأمر يسير ببطء حتى الآن. وآلاف الضباط لم يتم تعيينهم أو حتى التواصل معهم للمشاركة في بناء الجيش الجديد”.

إلى ذلك، أشار موقع “الشرق نيوز”، إلى الغياب الواضح للضباط المنشقين عن مؤتمر النصر الذي تم عقده في دمشق بتاريخ 29 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وتم خلاله تعيين قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، رئيساً للمرحلة الانتقالية في سوريا، من قبل قادة الفصائل الذين حضروا المؤتمر بزيّ عسكري موحد.

على إثر ذلك، منح الشرع، رتباً عسكريةً وترقيات لعشرات القادة، بمن فيهم وزير الدفاع أبو قصرة، الذي حصل على رتبة لواء، برغم أنه مهندس زراعي، إلا أنه كان يشغل منصب قائد الجناح العسكري في “هيئة تحرير الشام”، بالإضافة إلى تولّيه قيادة العمليات العسكرية في معركة “ردع العدوان” التي أطاحت بنظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024.

بجانب ذلك، أصدر الشرع، قراراً منح خلاله 49 شخصاً، ستة منهم أجانب، رتباً عسكريةً رفيعةً، تنوعت بين “لواء، وعميد، وعقيد”، ومعظمهم من المنتمين إلى “هيئة تحرير الشام”.

“منذ اللحظة الأولى لوصول الإدارة الجديدة إلى الحكم في دمشق، كان هناك واقع عسكري تنظيمي يفرض نفسه، وهو انهيار منظومة الجيش بشكل كامل، وتالياً كانت الفكرة الأساسية هي البناء من الصفر”، حسب مدير البحوث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، معن طلاع.

يضيف طلاع: “لاحقاً، ونتيجة تطور الأحداث، بدأت تُطرح فكرة الشرعية الثورية كمدخل لتأطير الحياة السياسية والدستورية في سوريا. وعليه، تم الاعتماد على القوى العسكرية كافة التي شاركت في عملية النصر، والاستناد إليها، ما ولّد مظلّةً عسكريةً تضمّ مجموع الفصائل التي شاركت في العملية، وتالياً ظهرت أولى ملامح المشهد السوري، لناحية طبيعة القوى العسكرية التنظيمية، وبدأت خلالها مراحل توزيع الفصائل المناطقية وضمّها في فرق وألوية أو في بعض الكليات العسكرية”.

ويعتقد طلاع، وفق حديثه إلى رصيف22، أنّ “ما يجري حالياً لا يندرج فعلياً في إطار بناء الجيش، بقدر ما هو مندرج ضمن برنامج ‘DDR’ (Disarmament, Demobilization and Reintegration). وهو برنامج يعنى بضبط السلاح والدمج والاستيعاب. ويقوم جزء منه على استيعاب السلاح في وعاء عسكري واحد، ينظّمه ويؤطره، ويخلق قناةً واضحةً للمعلومات، وهي التي يبنى عليها تدفق القرارات وغيرها من المسائل، ويخضع لتفاهمات أمنية، وضرورات عسكرية أيضاً”.

البناء عملية طويلة ومعقدة

خلال بيان سابق، قالت وزارة الدفاع السورية، إنّ الوزير مرهف أبو قصرة، عقد 47 جلسةً مع قادة وضباط من مختلف الفصائل، بجانب اجتماعات موسعة مع أكثر من 60 تشكيلاً عسكرياً، وقد أسفرت هذه الاجتماعات عن الاتفاق على انخراطها في الإدارة الجديدة.

كذلك أعلنت الوزارة عن تشكيل اللجنة العليا لتنظيم بيانات القوات المسلحة، بهدف إنشاء قاعدة بيانات متكاملة تشمل الموارد البشرية من ضباط وصفّ ضباط وأفراد، بالإضافة إلى الكوادر الأكاديمية، بجانب شمولها الأصول العسكرية من آليات وسلاح وثكنات، وتنظيمها ورفعها مباشرةً إلى وزير الدفاع. كما أوضحت الوزارة عن خطط مستقبلية تشمل عقد جلسات جديدة مع التشكيلات العسكرية لتثبيت الهيكلية وتعيين القيادات المناسبة، بعد انتهاء عمل اللجنة العليا من تنظيم البيانات.

حسب الطلاع، و”في ما يخص الموارد البشرية، هناك ثلاثة ملفات مهمة؛ ملف المنشقين، والمسرّحين بحكم مواقفهم الثورية بعد سجنهم، والذين خضعوا للمصالحة. وقد بدأت آليات عدة تطلب لقاءات ومقابلات مع هذه الموارد البشرية. لكن المعيار الرئيس في قبول هذه الشخصيات، الحاجة إلى تخصصهم، والتي ترتبط بطبيعة الجيش القادم المتوقع، بحكم شكله التنظيمي الهجين، فهو ما فوق الجيش التقليدي، وما دون الجيش الذي يعتمد على الأسلحة الذكية والمتطورة والحرب السيبرانية”.

ويضيف: “ما نشاهده من ترفيعات، ودمج فصائل أو توزيعها على ألوية، يأتي ضمن آليات دمج واستيعاب القوى العسكرية، وتشكيل نواة قوة عسكرية مركزية. لكنها ليست مرحلة بناء الجيش، إذ إن بناء الجيش عملية طويلة ومعقدة وتستوجب بيئةً تشريعيةً جديدة، ويتطلب تمتعه بثلاث سمات رئيسية؛ أولاً، حيادية الجيش، بمعنى ألا يتدخل في الحياة السياسية، وثانياً أن يكون جيشاً لكل السوريين، بمعنى أن تكون معايير الانتماء إليه معايير تقنية وطنية، وليست معايير مرتبطةً بأيديولوجيا أو بمجموعة معينة، وأخيراً، العقيدة العسكرية والانتشار العسكري والهندسة الاجتماعية للجيش”.

ويشير الطلاع، إلى أن “الوظيفة المطلوبة من الجيش كانت سابقاً، محاصرة الحياة المدنية في الوحدات الإدارية السورية. لذا كان انتشاره على أطراف المدن والبلدات والقرى. بينما يفترض اليوم أن تكون وظيفة الجيش هي الانتشار على الحدود والمراكز الجيو-سياسية المهمة، التي تهيّئ له القدرة على التعبئة والسرعة في الحشد والانتشار، وهو ما يحتاج إلى نقاش طويل. بجانب ذلك، تحتاج العقيدة العسكرية إلى بناء سردية تجمع الجيش، ولا سيما أننا نمتلك سردية انتهاء حقبة الاستبداد، التي تم خلالها انهيار الجيش، نتيجة إدخاله في آتون صراعات النظام الحاكم”.

المنشقون… خبرات ميدانية ثمينة

سيكون للضباط المنشقين دور كبير في المرحلة المقبلة، وفقاً لمصادر في هيئة الأركان السورية، وذلك عبر تسلّم وإدارة الاختصاصات العسكرية (البرية والجوية والبحرية وتفرعاتها)، وبعضهم منخرط فعلاً، كما قال مصدر لصحيفة المدن، كونهم أصلاً موجودين في صفوف الفصائل.

وفي هذا الإطار، استحدثت وزارة الدفاع مكتباً في دمشق، لتسجيل أسماء واختصاصات الضباط المنشقين الراغبين في الانخراط في المؤسسة العسكرية الجديدة. فالباب مفتوح لجميع الضباط المنشقين الموجودين خارج سوريا للانضمام إلى المؤسسة الوليدة، لكن دون الضغط على أحد منهم للعودة. كذلك، ستمنح الوزارة رواتب تقاعديةً مدى الحياة لمن أصيب منهم بإعاقات خلال المعارك ضد قوات النظام المخلوع.

عن ذلك، يقول العقيد أحمد الحماده، وهو ضابط منشقّ، يزور سوريا حالياً: “بالأمس (الثلاثاء الماضي)، قمت بزيارة إلى إدارة شؤون الضباط، وشاهدت/ لمست عودة عدد من الزملاء الضباط، حيث تقوم الإدارة المذكور بتهيئة القطع العسكرية، وما يتم تهيئته وتنظيمه منها، يتم رفده ببعض الزملاء الضباط. الباب ليس مغلقاً”.

ويضيف في حديثه إلى رصيف22: “شاهدت عدداً من الضباط المنشقين في نادي الضباط وهيئة التدريب أيضاً”، وخلال مراجعته إدارة شؤون الضباط في وزارة الداخلية، شاهد عدداً كبيراً من الضباط، ومن رتب رفيعة (عمداء). قاموا بمساعدته في الحصول على جواز السفر (جوازات السفر للعسكريين كانت مسألةً صعبةً وتخضع لدراسات أمنية كثيرة، بجانب صعوبتها للمدنيين ممن هُجّروا من سوريا خلال العقد الماضي).

ويروي حماده: “بالإضافة إلى ذلك، تستقبل إدارة شؤون الضباط جميع الضباط، لملء استمارات، وتخيّرهم في العودة إلى العمل العسكري، أو في المكان القادرين على العمل فيه. كذلك تم العمل على هيئة الإمداد والتموين، بهدف ملء الشواغر، حيث تم تعيين بعض الضباط، وهكذا. وقد تعرضت للسؤال في بعض الأماكن حول ما إذا كانت لدي رغبة في العمل في الإدارة المذكورة. لذا فإنّ الحديث عن الإقصاء ليس صحيحاً، برغم بطء الإجراءات، العائدة إلى الإمكانيات الضيقة وعدم تجهيز وفتح المراكز والنقاط العسكرية، حيث تفتقد الحكومة إمكانية دفع الرواتب حتى”.

“ليس هناك استدعاء فوري لكل الضباط، وكل منهم سيتمّ تعيينه في المكان المناسب. الأمور تحتاج إلى الوقت، وهي تسير في هذا الاتجاه، ضمن خطة موضوعة من قبل الحكومة، يتم خلالها تعيين الضباط المنشقّين. مع ذلك، هناك إعادة تقييم للضباط المنشقين، ولغير المنشقين أيضاً. من لديه جرائم مالية أو جرائم أخرى. وهو ما يجري التدقيق فيه ويتم العمل عليها بشكل كبير. “هذا ما رأيته وسمعته. إذ ليس من المعقول أن كل من قال أنا ضابط تتم إعادة تعيينه، فقد يكون لديه سجل إشكالي”، يقول العقيد حماده.

في هذا السياق، أشار رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع، العميد محمد منصور، إلى وضع الوزارة آليات تضمن استفادة الجيش من خبرات الضباط المنشقين بالشكل الأمثل، وتعدّهم جزءاً أصيلاً من المؤسسة العسكرية، ومن الواجب تكريمهم وإعطاؤهم المكانة التي يستحقونها.

فنظراً إلى استناد إعادة بناء الجيش إلى مزيج من الخبرة والتحديث، وإلى امتلاك هؤلاء خبرات ميدانية ثمينة، سيتم توظيفهم حسب تخصصاتهم، وحسب حاجة القوات المسلحة، لضمان نقل خبراتهم إلى الأجيال الجديدة، وبما يعزز الجاهزية القتالية ويرسخ العقيدة العسكرية السورية القائمة على الدفاع عن الوطن وسيادته. وعليه، سيكون للضباط المنشقين دور أساسي ومحوري، أضاف منصور، لوكالة الأنباء السورية “سانا”.

رصيف 22

—————————

======================

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 24-25 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

——————————–

من حكم إدلب إلى حكم دمشق/ بكر صدقي

تحديث 24 نيسان 2025

بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى نيويورك وواشنطن، قبل أيام، نقلت وكالة الأنباء الألمانية خبراً عن اعتقال السلطات السورية لمسؤولين مهمين في حركة الجهاد الإسلامي، خالد خالد وأبو علي ياسر. وقد سبق لإسرائيل أن استهدفت مقرات للمنظمة الفلسطينية المعروفة بعلاقتها الوثيقة مع القيادة الإيرانية، على الأراضي السورية عدة مرات. وإذا كانت هذه العلاقة تسهّل على السلطة في دمشق تبرير قرار الاعتقال، فلا جدال في أن هويتها الفلسطينية المقاومة للاحتلال الإسرائيلي مصدر إحراج كبير لها، وهذا ما جعلها، هي وإعلامها الموالي، تتكتم على الخبر.

واضح من التزامن بين زيارة الشيباني لواشنطن وتنفيذ الاعتقال أنه يهدف إلى استرضاء الإدارة الأمريكية التي سبق وقدمت له لائحة شروط، في بروكسل، من بينها شرط إنهاء الأنشطة السياسية للمنظمات الفلسطينية المعادية لإسرائيل.

أما سبب الحرج فيعود إلى ثقافة سياسية مترسخة في المجتمع السوري حول مناصرة الحقوق الفلسطينية ومعاداة إسرائيل. صحيح أن محاربة إيران وأذرعها ضد الثورة السورية ودفاعاً عن نظام الأسد الإجرامي طوال 14 عاماً قد جعلت غالبية كبيرة من السوريين تتخندق نفسياً ضد «محور المقاومة» وصولاً إلى الشماتة بمصير حزب الله، بعد عقود من التأييد، وإحلال إيران محل إسرائيل في موقع العدو الأخطر، لكن مناصرة الحقوق الفلسطينية ما زالت تتمتع بموقع متقدم في انحيازاتهم سواء بفعل الرابطة القومية العربية أو بسبب الأخوّة في المظلومية، فضلاً عن أن الوجود الإيراني في سوريا قد انتهى، في حين تحضر إسرائيل بفظاظة وقوة في اليوميات السورية.

يضاف إلى هذا الجديد موقف إدارة الشرع من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وضمناً احتلال أراض سورية جديدة في الشريط الحدودي جنوب دمشق وتدميرها لمعظم ما تبقى من مقدرات الجيش السوري المنحل ومواقعه ومطاراته العسكرية، وكذلك تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المتعجرفة والاستفزازية تجاه دمشق… فقد تراوحت ردود فعل هذه الإدارة بين الصمت على الاعتداءات والاستفزازات، وإرسال رسائل طمأنة بشأن «عدم وجود أي نوايا معادية تجاه أي دولة مجاورة»، أو في أحسن الأحوال تقديم احتجاجات رسمية للأمم المتحدة بوصفه أضعف الإيمان كما يقال. بالطبع لا أحد في سوريا يتوقع أو يريد مواقف عنترية تجاه إسرائيل من الإدارة الجديدة على غرار ما أدمنه نظام الأسد المخلوع منذ بداية حكمه وصولاً إلى لحظة «طوفان الأقصى». ولكن يبقى أنهم لا يستسيغون أي قول أو عمل من السلطة يهدفان إلى استرضاء إسرائيل كاعتقال القياديين المحليين لحركة الجهاد الإسلامي.

على أي حال ليس هذا التطور وحده ما قد تغص به السلطة الجديدة في دمشق مرغمة على استرضاء جميع القوى الخارجية الفاعلة. فكل إجراء يتعارض مع الأيديولوجية السلفية المتشددة أو الهيمنة السنية ينطوي على مضض وإكراه، كحال استمرار تقديم المشروبات الكحولية في بعض مطاعم العاصمة دمشق، أو استمرار ظهور النساء السافرات في الميدان العمومي، برغم التضييق عليهن، أو وجوب الاعتراف بالأقليات الدينية والمذهبية والتعاطي معها، بما في ذلك إدخال أفراد ينتمون إلى تلك الفئات في الحكومة (امرأة مسيحية ودرزي وعلوي).

هذه الإكراهات التي لا شك أنها تلاقي مقاومة من قواعد «هيئة تحرير الشام» وفصائل إسلامية أخرى وشرعييهم، صامتة إلى الآن، أو تخترق ببساطة بلا ضجيج قدر الإمكان، لكنها مرشحة للتصاعد كلما ارتفعت وتيرة الإكراهات التي يشكل الخضوع لها استجابة الإدارة للضغوط الخارجية أكثر منها للضغوط الاجتماعية الداخلية، بهدف كسب اعتراف المجتمع الدولي بشرعية الحكم الجديد.

لقد توسم السوريون خيراً من قرار حل الفصائل في «مؤتمر النصر» الذي انتخب أحمد الشرع رئيساً للجمهورية، لكن التطورات اللاحقة أظهرت أن الفصائل ما زالت محافظة على حالتها التنظيمية إلى حد كبير، وكذا أساسها الأيديولوجي المتشدد، الأمر الذي رأينا نتيجته الكارثية في المجازر التي ارتكبتها في مدن الساحل وقراه بحق المدنيين العلويين، الأمر الذي قوّض كل الجهود السابقة للإدارة للظهور بمظهر مختلف عن ماضيها العنيف والطائفي.

تتقاطع شهادات عدة في تأكيد أن هيئة تحرير الشام قد فوجئت هي نفسها باستيلائها على السلطة خلال 11 يوماً. صحيح أن ناطقين باسمها يؤكدون أنهم كانوا يعدون العدة منذ سنوات لهجوم عسكري كبير يهدف إلى تحرير سوريا، لكن الشهادات المشار إليها لا تمضي في المنحى ذاته على الأقل فيما خص انهيار نظام الأسد بهذه السهولة. وعلى أي حال لا أحد يجادل اليوم في أن التطورات الإقليمية العاصفة المتمثلة في الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان إنما كانت هي العامل الحاسم في انهيار النظام، في إطار نوع من التفاهمات الدولية والإقليمية حول وجوب التخلص منه ولكن ليس حول البديل. فغياب التفاهمات على هوية البديل هي ما يعقل إلى اليوم استقرار الأوضاع في سوريا ونيل السلطة الجديدة الاعتراف بشرعيتها.

لن نبتعد كثيراً عن الحقيقة إذا افترضنا أن الشرع ورفاقه ربما يلعنون الساعة التي تورطوا فيها بالاستيلاء على السلطة في دمشق، بعد سنوات من الحكم السهل نسبياً في منطقة إدلب حيث حكموا مجتمعاً «متجانساً» إلى حد كبير، مع وجود أعداد قليلة من المسيحيين والدروز كـ»أهل ذمة»، وحياة اقتصادية معقولة بالمقاييس المحلية، وجامعات خاصة تطبق نظام الفصل بين الجنسين وتمنح شهادات تخرج بعيداً عن رقابة مركزية تتجاوز سلطة «الهيئة». صحيح أن السنتين الأخيرتين قد شهدتا حركة احتجاجات نشطة نسبيا ضد الهيئة والجولاني بالذات (هذا كان اسمه هناك) لكنها كانت قابلة للاحتواء بيسر. بسيطرتها على مساحات واسعة من «سوريا الأسد» باتت الهيئة مشتتة جغرافياً وضعيفة الإقناع في مجتمعات متنوعة كان مقاتلوها على جهل تام بها. كما أن الانتقال المطلوب منها من منطق الفصيل العسكري الثوري إلى منطق الدولة هو عملية صعبة تتطلب جهداً ووقتاً لا تملك الهيئة مقوماتها. ربما هذا ما يفسر استعانة إدارة الشرع بجوناثان بأول مستشار الأمن القومي في الحكومة البريطانية الذي يقال إنه موجود في سوريا ويعطي استشارات للإدارة بشأن التعاطي الدبلوماسي والتفاوضي مع الدول الأخرى.

كاتب سوري

القدس العربي

———————————–

نتنياهو وسياسة اللعب بالنار في سوريا: خلق عدو مفترض وتصعيد غير محسوب مع تركيا وتكرار أخطاء الماضي

إبراهيم درويش

تحديث 24 نيسان 2025

نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالا لمديرة الأبحاث في منتدى السياسة الإسرائيلية، شيرا إيفرون، والزميل الباحث في برنامج إيران بمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، داني سيترينوفيتش، قالا فيه إن النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا ازداد عدوانية في الأشهر التي تلت انهيار نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.

فقد احتل الجيش الإسرائيلي المنطقة العازلة التي تراقبها الأمم المتحدة والتي أُنشئت بعد حرب عام 1973، ونفذ ضربات ضد البنية التحتية السورية، وأنشأ تسعة مواقع عسكرية جديدة. وقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، مرارا أن جيشه سيبقى في سوريا “إلى أجل غير مسمى”.

وفي آذار/ مارس، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن خطط لإنشاء مناطق نفوذ من خلال تحالفات مع الأقليات، بالإضافة إلى إنشاء منطقة منزوعة السلاح بطول 30 ميلا تمتد من الحدود الإسرائيلية إلى دمشق.

ويقول الكاتبان إن هذا يمثل تحولا جذريا عن نهج إسرائيل الحذر تجاه جارتها الشمالية. شعرت إسرائيل بقدرتها على إدارة نظام الأسد، وبدأت إجراءات الجيش الإسرائيلي بعد كانون الأول/ ديسمبر كجهد لمنع وقوع القدرات العسكرية في أيدي جهات أقل وضوحا.

ورغم اتفاق الكاتبين مع مخاوف إسرائيل من الزعيم السوري الجديد، أحمد الشرع، بالنظر إلى ارتباطاته الجهادية السابقة، لكن إسرائيل الآن تتجاوز حدودها. وبعد السيطرة على دمشق، أظهر النظام السوري الجديد بوضوح أنه لا مصلحة له في الصراع مع إسرائيل، حتى أنه طرح إمكانية تطبيع العلاقات. ويجب الحكم على الحكومة السورية الجديدة من خلال أفعالها وليس فقط أقوالها، بحسب ما يقول الكاتبان، لكنها في المقابل تتيح لإسرائيل فرصة ذهبية محتملة لتعميق عزلة إيران، وتحويل سوريا من عدو إلى جار مسالم، وتحقيق الاستقرار في منطقتها.

ويرى الكاتبان أن المخاوف الأمنية هي التي تدفع تصرفات الحكومة الإسرائيلية تجاه سوريا، إلا أن هذا لاينفي الرغبة في إثبات قوتها أمام جيرانها، ومحاولة تجاوز فشل التكهن ومنع هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تدفعها لهذا التصرف أيضا.

لكن في حالة استسلم قادة إسرائيل لرغبة تصعيد توسعهم في سوريا، فقد يخلقون عدوا جديدا في وقت لا يوجد فيه عدو حاليا. وستفاقم إسرائيل من خلافها مع تركيا، مما يدفع البلدين نحو حافة صراع عسكري جديد لا داعي له.

وترى المجلة أن إسرائيل حاولت عندما اندلعت الحرب الأهلية السورية عام 2011، منع ترسيخ حزب الله وإيران لمواقعهما في سوريا من خلال تنفيذ ما أسمته “الحرب بين الحروب”، مع التركيز بشكل رئيسي على منع إيران من تهريب الأسلحة إلى لبنان. ولم تدعم إسرائيل رسميا أيا من الطرفين في الحرب الأهلية، مع أن قادة إسرائيل فضّلوا الأسد على خصومه، واصفين إياه في جلسات خاصة بـ”الشيطان الذي نعرفه”، وحرصوا على ألا تعرض جهود إسرائيل لمواجهة نفوذ إيران المتزايد حكمه للخطر.

والتطور الجديد في الموقف الإسرائيلي بعد تشرين الأول/أكتوبر هو الرغبة في توسيع وتعزيز المناطق العازلة. ففي آذار/ مارس 2025، قال وزير الدفاع كاتس بأن العمليات البرية المتوسعة للجيش الإسرائيلي في غزة تهدف، جزئيا، إلى “الاستيلاء على أراض واسعة” تضاف بشكل دائم إلى “المناطق الأمنية لدولة إسرائيل”.

وفي لبنان، وعلى الرغم من توقيع وقف إطلاق النار مع حزب الله في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وعلى الرغم من حقيقة أن حكومة جديدة أقل ولاء لحزب الله استولت على بيروت في شباط/ فبراير، إلا أن الجيش الإسرائيلي يحتفظ بخمس نقاط إستراتيجية بالقرب من الحدود.

ويعتقد الكاتبان أن سقوط الأسد فاجأ إسرائيل، وكان عليها تطوير إستراتيجية جديدة نحو سوريا. وعلى الفور، تحركت إسرائيل لتدمير قواعد سلاح الجو السوري والطائرات ومستودعات الصواريخ، وعززت دفاعاتها الحدودية واستولت على المنطقة العازلة التي فرضتها الأمم المتحدة بمساحة 145 ميلا مربعا. وأقام الجيش الإسرائيلي مواقع جديدة داخل سوريا، وعبّد طرق الوصول إليها، وحفر الخنادق، ونشر مئات الجنود هناك.

ومع ذلك، وبالنظر إلى أن النظام السوري الجديد لا يشكل تهديدا وشيكا لإسرائيل، فإن هذا النهج أقل جدوى إستراتيجيا بكثير مما هو عليه في لبنان. فقد ظلت الحدود الإسرائيلية السورية هادئة طوال حرب غزة، ولم يضطر الإسرائيليون الذين يعيشون على امتدادها إلى المغادرة. وقد تخلت حكومة الشرع عن الخطاب الرسمي السوري المناهض لإسرائيل منذ فترة طويلة. كما تعهد الشرع بالالتزام باتفاقية فك الارتباط، وأعلن في كانون الأول/ ديسمبر: “لا نريد أي صراع، سواء مع إسرائيل أو أي جهة أخرى”، مضيفا أنه لن “يسمح باستخدام سوريا كمنصة انطلاق لهجمات”.

لكن إسرائيل تعاملت مع حكومة الشرع باعتبارها عدوا. ففي أواخر كانون الأول/ ديسمبر، غزا الجيش الإسرائيلي منطقتين أخريين على الأقل في سوريا خارج المنطقة العازلة، وزاد من وتيرة ونطاق ضرباته في عمق الأراضي السورية، على الرغم من أن وتيرتها قد انخفضت خلال الأسبوعين الماضيين.

وتبرر إسرائيل إجراءاتها أو بعضها بأنها تهدف لحماية الأقليات، وخاصة الدروز، الذين يعتبرون حلفاء محتملين. ومع ذلك، ينظر العديد من أفراد المجتمع الدرزي السوري بعين الريبة إلى مزاعم إسرائيل بأنها حليفتهم. ففي منتصف آذار/ مارس، اندلعت احتجاجات في مدينة السويداء السورية ذات الأغلبية الدرزية، اتهم خلالها زعماء الدروز إسرائيل بتقويض وحدة الأراضي السورية. كما أن محاولة إسرائيل إقامة شراكات مع الأقليات المسلمة غير السنية تتعارض مع رغبة معظم السوريين المنهكين من الحرب في دولة موحدة ومستقرة.

كما يعد إصرار نتنياهو على أن تكون المناطق جنوب دمشق بأكملها “منزوعة السلاح” هدفا يصعب على الشرع قبوله، إذ يعني ذلك على الأرجح التخلي عن السيطرة على هذه المنطقة.

في المقابل، دأبت إسرائيل على تقويض سلطة الشرع من خلال الضغط على الولايات المتحدة للحفاظ على عقوباتها على سوريا والتنسيق الوثيق مع موسكو لمساعدة روسيا في الاحتفاظ بقواعدها العسكرية. ويثير انفتاح إسرائيل على روسيا الريبة، بالنظر إلى أن التدخل الروسي في سوريا لإنقاذ الأسد قبل عقد من الزمان، ساعد في ترسيخ النفوذ الإيراني بالشرق الأوسط.

تُشكل عدم ثقة إسرائيل بحكومة الشرع مفارقة أخرى. فقد اتهم القادة الإسرائيليون فريق الشرع بإخفاء حقيقته. ففي آذار/ مارس، ادعى وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، أن فريق الشرع “كان جهاديا ويظل جهاديا، حتى لو ارتدى بعض قادته بزات رسمية”.

لكن إسرائيل تعوّل على موقف الشرع المناهض لإيران لمنعها من إعادة ترسيخ نفوذها الإقليمي. ورغم أن تقويض سلطة الشرع قد يعزز قبضة إسرائيل على منطقتها العازلة على المدى القصير، إلا أن مصلحة إسرائيل على المدى الطويل تكمن في استقرار سوريا.

كما تعمل إسرائيل على منع تركيا من ترسيخ نفوذها في سوريا. وقد أحبطت إسرائيل الجهود التركية لإعادة بناء قدرات الجيش السوري بقصف القواعد الجوية التي سعت أنقرة للسيطرة عليها. وقد تعامل الخطاب الرسمي الإسرائيلي بشكل متزايد مع تركيا كعدو. فعلى سبيل المثال، أشار تقرير صادر عن لجنة حكومية معنية بشأن ميزانية الدفاع في كانون الثاني/ يناير 2025 إلى “التهديد التركي”، زاعما أن تركيا تأمل في جعل الجيش السوري “وكيلا لها كجزء من حلم تركيا بإعادة التاج العثماني إلى مجده السابق”. وهذا بدوره من شأنه أن “يعمق خطر المواجهة التركية- الإسرائيلية المباشرة”.

في أواخر شهر آذار/ مارس، غرد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، قائلا إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “معاد للسامية” ويشكل “تهديدا للمنطقة”.

ويعلق الكاتبان أن قادة إسرائيل على ما يبدو يريدون استبدال التهديد الإيراني المتراجع بتهديد تركي جديد مزعوم.

ويشير الكاتبان إلى البعد الداخلي في سياسة نتنياهو تجاه سوريا، فهو تريد إثبات أن إسرائيل تصول وتجول في سوريا بدون أي مقاومة. وهو ما يظهر في وسائل التواصل الاجتماعي.

ومع ذلك، فنهج إسرائيل في سوريا قد يقود بالفعل عن نتائج عكسية. ففي الثاني من شباط/ فبراير، صرّح وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة لصحيفة “واشنطن بوست” بأن توغلات الجيش الإسرائيلي كانت “انتهاكا للشعب السوري”. ولعدة أشهر، امتنع الشرع عن انتقاد سلوك إسرائيل التصعيدي، وهو ما كان يمكن للقادة الإسرائيليين اعتباره علامة أمل. ولكن في آذار/ مارس، بدأ الشرع نفسه في التعبير عن غضبه، واصفا تقدم إسرائيل بأنه “توسع عدائي”.

في أواخر آذار/ مارس وأوائل نيسان/ أبريل، تعرضت قوات الجيش الإسرائيلي في سوريا لإطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين. وإذا واصلت إسرائيل موقفها العدواني، فقد يسمح الشرع أو حتى يدعم هجمات هذه الجماعات المسلحة على الجيش الإسرائيلي. وقد يزيد الاستياء من الجيش الإسرائيلي من احتمالية اندلاع تمرد، مما قد يجر الجيش إلى الدخول بعمق أكبر في الأراضي السورية.

وإذا ظلت الحكومة السورية الجديدة معتدلة واستطاعت ترسيخ سلطتها، فسيكون الجانب الإيجابي لإسرائيل هائلا. سيكون لها جار مستقر غير تابع لإيران، يمتلك جيشا فعالا قادرا على القيام بعمله لمواجهة تهديدات الجماعات المتطرفة. إسرائيل ليست متفرجة سلبية على مسار السياسة السورية.

كما يجب على إسرائيل أيضا تغيير نهجها تجاه تركيا. ففي اجتماع مع نتنياهو في وقت سابق من هذا الشهر، أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأردوغان، ودعا البلدين إلى إصلاح علاقتهما. في 9 نيسان/ أبريل، بدأت جولة من المحادثات بين إسرائيل وتركيا، بوساطة أذربيجان. وينبغي على إسرائيل استخدام هذه المناقشات ليس فقط لإنشاء آلية لفض النزاع، ولكن أيضا لتهدئة التوترات تماما.

يشبه نهج إسرائيل الحالي جهودها لإنشاء منطقة أمنية في جنوب لبنان في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، والتي أسفرت عن حرب استنزاف عمقت الاستياء اللبناني وسهّلت على حزب الله السيطرة على البلاد بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي عام 2000.

ويجب على إسرائيل ألا تكرر هذا الخطأ. وينبغي على الحكومة الإسرائيلية العمل بشكل أوثق مع شركائها الإقليميين والدوليين لمنع سوريا من الوقوع مجددا في الفلك الإيراني، بالإضافة إلى تعطيل وإزالة بقايا الأسلحة البيولوجية والكيميائية المتبقية من عهد الأسد، بحسب رأي الكاتبين دائما.

———————————

لغز الانسحاب الأميركي من سوريا يقلق إسرائيل/ بسام مقداد

الثلاثاء 2025/04/22

منذ رئاسته الأولى، وترامب يهدد بالانسحاب من سوريا، ثم تعود تطورات الأحداث في المنطقة لتنفي إمكانية هذا الانسحاب، وتجعل قرار ترامب، كما الكثير من قراراته، أحجية تقلبات مزاجه. وإسرائيل التي تخشى تزايد شهية تركيا في سوريا، وبذلت جهدها لتقنع ترامب بالمحافظة على الوجود القوات الأميركية وفشلت حتى الان، تواصل مفاوضاتها مع الأميركيين لإعادة النظر بالقرار، حسب ما نقلت في 16 الجاري عن صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بالطبعة الأوكرانية من المجموعة الإعلامية الكبيرة RBC.

رأت الصحيفة الإسرائيلية أن انسحاب القوات الأميركية من سوريا، يجعل تركيا وإسرائيل تقتربان من “الخط الأحمر”. وقالت إن إسرائيل قلقة من قرار ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا، لأنه سيسمح لتركيا بتعزيز نفوذها في سوريا والمنطقة. وأشارت إلى أن القرار لم يشكل مفاجأة، إذ أن ترامب كان خلال رئاسته الأولى يؤيد تخفيض الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط. ويعكس هذا الموقف عقيدة السياسة الخارجية الانعزالية التي تنتهجها إدارة ترامب، والتي تشكلت جزئياً على يد نائب الرئيس جيه دي فانس.

تشير الصحيفة إلى أن ترامب صرح أكثر من مرة بأن هذه الحرب “ليست حربنا”. ومن المعروف أن البنتاغون يستعد لهذا السيناريو منذ فترة طويلة. واليوم تنتقل واشنطن إلى المرحلة العملية، حيث تُبلغ الجانب الإسرائيلي بانتظام بالإجراءات المقبلة. وخلال المشاورات، أعرب الممثلون الإسرائيليون مراراً عن قلقهم العميق إزاء العواقب المحتملة لمثل هذه الخطوة.

نقلت يديعوت أحرونوت عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن انسحاب القوات الأميركية لا يمكن أن يكون إلا جزئياً. وتخشى إسرائيل أن يؤدي مثل هذا التطور إلى تعزيز طموحات تركيا لتدعيم وجودها في سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.

تشير الصحيفة إلى أن القوات الأميركية تنتشر الآن في عدة مواقع استراتيجية في شمال وشرق سوريا، وتلعب دوراً مهماً في ضمان الاستقرار الإقليمي. وتخشى إسرائيل من أن تقوم أنقرة بعد الانسحاب بتكثيف محاولاتها للسيطرة على منشآت عسكرية رئيسية، وخصوصاً في منطقة تدمر السورية، بما في ذلك قاعدتي T4 وتدمر.

وتقول يديعوت أحرونوت إن الرئيس التركي يسعى إلى استغلال الوضع الجيوسياسي المتغير لتعزيز مكانته في المنطقة. وقد أدى الخطاب العدواني المتزايد الذي تنتهجه أنقرة تجاه إسرائيل منذ بداية الحرب في قطاع غزة إلى تفاقم المخاوف في تل أبيب، مع أن تركيا ليست دولة معادية رسميًا، ووصفها نتنياهو بأنها شريك “صعب”.

تشير الصحيفة إلى أن إسرئيل سبق أن حذرت الولايات المتحدة وتركيا من أن الوجود الدائم للقوات العسكرية التركية في القواعد المذكورة أعلاه سوف يُنظر إليه على أنه تجاوز “خط أحمر”، وسوف يهدد حرية عمل القوات الإسرائيلية في الاتجاه الشمالي.

وبشأن المفاوضات التركية الإسرائيلية حول الاتفاق على آلية لتفادي المواجهة المسلحة بين الطرفين في سوريا، والتي جرت في 9 الجاري في أذربيجان، ولم تخرج بنتيجة، قالت الصحيفة إن إسرائيل أكدت بأنها تحمل السلطات السورية الجديدة المسؤولية عن التطور اللاحق للأحداث. وأي عمل من شأنه أن يهدد أمن إسرائيل سوف يعتبر سبباً للرد العسكري.

موقع الخدمة الروسية في وكالة الأنباء الكردية ANF التي تصدر في مدينة أمستردام نقلت في 8 الجاري عن أسبوعية الإيكونوميست البريطانية مقتطفات من مقالة رأت فيها أن “تركيا وإسرائيل تتحولان إلى خصمين لدودين في سوريا”. وقالت الأسبوعية بأن الأحداث السياسية العسكرية في سوريا قد تؤدي إلى مواجهة مباشرة بين البلدين.

ونقلت عن وزير الخارجية الإسرائيلي قوله بإن التنازلات التي قدمتها سوريا لتركيا، والتي تشمل “فتح أراض واسعة” و”الاعتراف بنفوذ أنقرة”، تشكل تهديداً خطيراً لأمن إسرائيل. وبدوره، حذر وزير الدفاع الإسرائيلي من أن “سوريا ستدفع ثمناً باهظاً إذا فتحت الباب أمام قوى معادية لإسرائيل”.

وترى الأسبوعية في مقالتها أن لإسرائيل مصلحة في إبقاء سوريا ضعيفة ومنقسمة. ويشار إلى أن الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الطائرات السوفيتية القديمة التابعة لنظام الأسد قد أدت إلى تقويض البنية التحتية العسكرية للجيش السوري.

وفي الوقت نفسه، تسعى الحكومة السورية الحالية إلى إعادة بناء البلاد، وتتعاون بشكل نشط مع تركيا. وتخشى إسرائيل من أن يؤدي هذا إلى ظهور “سوريا تحت النفوذ التركي”.

صحيفة الكرملين VZ رأت في 16 الجاري أن قرار ترامب الانسحاب من سوريا يعني بأن “الولايات المتحدة تفكر بالهروب من دولة محتلة أخرى”. استهلت الصحيفة نصها بالقول إنه يبدو بأن الساعة باتت قريبة لإنهاء احتلال القوات الأميركية للأراضي السورية التي تتواجد فيها منذ عشر سنوات. وقالت إن الولايات المتحدة أبلغت إسرلئيل بخططها لبدء سحب قواتها من سوريا في غضون الشهرين أو الثلاثة المقبلة. ونقلت عن يديعوت أحرونوت قولها إن إسرائيل تحاول تفادي هذا السيناريو، لكنها  لم تتمكن من إقناع الأميركيين بتغييره.

تشير الصحيفة إلى أن تعداد القوات الأميركية التي بقيت في سوريا أثناء محاولة ترامب الأولى سحبها كان حوالى 900 عسكري. لكن تعدادها عاد إلى سابق عهده في عهد بايدن وبلغ 2,2 ألف عسكري. وتنتشر هذه القوات في 10 قواعد عسكرية في سوريا متواجدة في المناطق الزراعية الخصبة. وتقول الصحيفة أن عدد القواعد التي أقامها الأميركيون بين العامين 2015 و 2018 بلغ 12 قاعدة، إضافة إلى أربعة مواقع متقدمة مزودة بمهابط طائرات مروحية، بعضها تم تفكيكه أو تسليمه للأكراد.

نقلت الصحيفة عن نتنياهو تصريحاً ملفتاً إن ثبتت صحته، حين يقول إن أي طرف (تركيا) سيحاول زعزعة استقرار سوريا، “سوف يجد أننا ندعم الحكومة السورية”. وأضاف بالقول “لن نسمح بتقسيم سوريا أو عودتها إلى ما كانت عليه قبل الثامن من كانون الأول/ديسمبر، ومن يسعى لإثارة الصراع في سوريا سنواجهه”.

ترى الصحيفة بأن دعوة إسرائيل للحفاظ على وحدة أراضي سوريا، مردها إلى أن هذه الوحدة هي لصالحها الآن. فظهور القوات التركية على الأراضي السورية، وانفصال المناطق الكردية ووضعها تحت الحماية التركية، يثير قلق تل أبيب.

ترى الصحيفة أن سوريا هي الآن رصيد مضر للولايات المتحدة، ولدرجة أن واشنطن تتجاهل مخاوف تل أبيب. وتعتبر أن سوريا هي المنطقة الوحيدة على خريطة العالم، حيث القوات الأميركية تنخرط في حرب غريبة غير مفهومة، وتدافع فيها عن مصالح لا تخصها. وتنتظم تدريجياً الاتصالات مع الحكومة السورية الجديدة، ويفقد اي معنى تواجد القوات الأميركية  في سوريا. وإضافة إلى ذلك، يتذكر ترامب أيضًا أنه في عام 2018، رفضت بريطانيا وفرنسا وألمانيا استبدال القوات الأميركية بقوات خاصة بها، وبالتالي حالت دون تدويل الوجود العسكري الأجنبي في سوريا. وهذا سبب آخر يستدعي سؤال الأوروبيين، أي حلفاؤهم.

وتستنتج الصحيفة أن قرار سحب القوات الأميركية من سوريا قد أصبح أمراً لا مفر منه الآن. وهذه ليست سوريا التي عرفناها، وترامب على استعداد للسماح للاعبين الإقليميين بترتيب الأمور بأنفسهم. ومن الصعب في هذه المرحلة تقييم عواقب هذه الخطوة، ولكن يجدر القول إن القوات الأميركية لم تكن تتمتع بالفعل بقدر كبير من التأثير على الأحداث. والأميركيون كانوا، في حقيقة الأمر، يحرسون أنفسهم وسجون معتقلي الدولة الإسلامية.

المدن

—————————————-

هشاشة الحدود السورية ترسم علاقات شائكة مع دول الجوار/ سلطان الكنج

خريطة سيطرة معقدة… وتحديات أمنية متزايدة

24 أبريل 2025 م

تشكِّل قضية الحدود السورية مع دول الجوار تحدياً كبيراً للإدارة الناشئة للرئيس أحمد الشرع، فهي المعبر الأول لصياغة علاقة سياسية وأمنية مستقبلية بين دمشق ومحيطها، وهي في الوقت نفسه حاجز مفخَّخ بكثير من رواسب النظام السابق.

وتعد الحدود السورية – التركية التي تمتد لأكثر من 900 كيلومتر، الجغرافيا الأبرز للصراع على الموارد والنفوذ، وهي التي شهدت تاريخياً فترات من التوتر والهدوء النسبي. وبعد اندلاع الثورة السورية مطلع عام 2011، كانت هذه الحدود أول خاصرة ضعيفة للنظام السابق. ففي حين بدأت دمشق تفقد السيطرة تدريجياً على مناطق واسعة من البلاد، كانت المناطق الحدودية، خصوصاً الشمالية منها، الأولى التي خرجت سريعاً عن سيطرتها.

وبالكاد انتصف عام 2012، حتى كانت فصائل المعارضة السورية المسلحة تسيطر على نقاط استراتيجية على الحدود مع تركيا؛ أولاها معبر باب الهوى الاستراتيجي على بُعد نحو 50 كيلومتراً غربي مدينة حلب في شمال غربي سوريا. بعده مباشرةً تمت السيطرة على معابر باب السلامة وجرابلس والراعي. وامتدت هذه السيطرة لاحقاً إلى معابر معينة مع العراق والأردن ولبنان، في ظل تراجع قدرة النظام على ضبط حدوده كما في السابق.

ومع تصاعد النزاع ودخول لاعبين دوليين وإقليميين على خط الأزمة، أُعيد رسم خريطة السيطرة على المعابر. فأصبحت تركيا من خلال فصائل سورية حليفة لها تهيمن على معظم الحدود الشمالية، في حين مارست إيران نفوذاً مباشراً عبر ميليشياتها على حدود سوريا مع العراق والأردن. أما «حزب الله» اللبناني ففرض سيطرة شبه كاملة على الحدود اللبنانية. في المقابل، تمركزت القوات الأميركية في الشمال الشرقي ومعبر التنف على المثلث الحدودي مع العراق والأردن.

ورغم تباين القوى المسيطرة على المعابر الرسمية وغير الرسمية، فإن القاسم المشترك بينها هو نشوء كيانات محلية ذات أنظمة أمنية واقتصادية منفصلة، لا تخضع للسلطة المركزية بشكل فعلي، ما أسهم في إضعاف تماسك الدولة ووحدتها.

ورغم ما أُعلن عن سيطرة «هيئة تحرير الشام» على إدارة العمليات العسكرية إثر سقوط النظام السابق في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024، فإن الحكومة السورية الجديدة ورثت واقعاً هشاً ومعقداً، خصوصاً في إدارة الحدود وتواجه تحديات أمنية جسيمة في هذا ملف.

الحدود اللبنانية: «حزب الله» وشبكات تهريب

تمتد حدود سوريا مع لبنان لمسافة تصل إلى نحو 375 كيلومتراً، وكانت خاضعة بشكل شبه كامل لسيطرة «حزب الله» قبل سقوط النظام. وشكّلت المعابر الرسمية الستة، أبرزها معبر «جديدة يابوس – المصنع» و«الدبوسية – العبودية»، ممرات قانونية وشرعية تخضع عملياً للدولة اللبنانية، في حين سيطرت مجموعات تابعة لـ«حزب الله» والعشائر على نحو 20 معبراً غير رسمي في محافظتي حمص وريف دمشق.

هذه المعابر شكّلت شبكة تهريب ضخمة للأسلحة والبضائع والمخدرات وتسلل أو عبور المقاتلين. وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الشبكات لا تزال تنشط في ظل ضعف أجهزة الدولة الجديدة، وامتلاك المهربين خبرة طويلة في التعامل مع التضاريس الوعرة والاستجابة المرنة للضغوط الأمنية، وتغيير مساراتهم وفق الحاجة».

وأشارت المصادر إلى أن هذه «الشبكات المدعومة من (حزب الله) لبنانياً والفرقة الرابعة سورياً، أنشأت مستودعات وأنفاقاً في مناطق جبلية، بعضها يعود إلى ما قبل الثورة، تُستخدم لتخزين ونقل الأسلحة والمخدرات، وقد استهدفت إسرائيل بعض هذه الشحنات في غارات متكررة».

وفي هذا السياق، قال مسؤول عسكري في الجيش السوري الجديد، فضَّل عدم الكشف عن اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «لقد فككنا عدداً من شبكات التهريب التي تعمل على جانبي الحدود، ونحن في طور الملاحقة الأمنية وتفكيك تلك الشبكات المعقدة». وأشار المسؤول إلى أن «هناك تعزيزات عسكرية سورية مكثفة تصل إلى الحدود اللبنانية، خصوصاً في المناطق الأكثر عُرضة للخطر، والتي يُحتمل أن يتسلل منها عناصر تابعون لـ(حزب الله)».

وحذر المصدر من «صدامات متكررة مع مجموعات تابعة لـ(حزب الله) كتلك التي حدثت في منتصف مارس (آذار) الفائت»، مؤكداً أن الجيش في حالة «استنفار دائم لتفادي المخاطر الأمنية المحتملة».

تحديات المرحلة المقبلة

ورغم عزم الحكومة السورية الجديدة على مواجهة التهريب، لا سيما حين يرتبط بتهريب الأسلحة والمخدرات، فإن ضعف البنية الأمنية، والنقص في عدد العناصر، يشكلان عائقاً حقيقياً أمام ضبط الحدود، خصوصاً في ظل تمدد شبكات التهريب ذات الخبرة الطويلة والمعرفة الجغرافية الواسعة.

وتبقى الحدود اللبنانية – السورية إحدى أبرز بؤر التوتر، في ظل انعدام السيطرة التامة من الحكومتين، وتضارب المصالح الإقليمية والدولية. وتؤكد مصادر أمنية سورية أن معالجة هذا الملف تتطلب تعاوناً مباشراً بين دمشق وبيروت، إضافةً إلى دعم إقليمي لضمان أمن الحدود ومنع تهريب السلاح والمخدرات.

الحدود مع الأردن: ضبط الكبتاغون

كما هو الحال في معظم المناطق الحدودية، فقد النظام السوري سيطرته على الحدود الرسمية مع الأردن، وفي جنوب سوريا لجهة درعا، والقنيطرة، والسويداء، اتخذ الصراع مساراً مشابهاً لما جرى في الشمال، حيث ظهرت هيئات مدنية بديلة وحاربت جماعات مسلحة قوات النظام، مما أدى إلى تراجعه عن مناطق حدودية عدة.

في 2017، ومع تضاؤل الدعم الخارجي تدريجياً حتى توقفه تماماً، عاد النظام السابق ونجح في عقد «مصالحات» أعادت له السيطرة في العام التالي على مساحات واسعة من البلاد وعلى المعابر الحدودية الرسمية مع الأردن.

منذ ذلك الحين، تحولت الحدود السورية – الأردنية إلى ممر منظم لتهريب الكبتاغون إلى الخليج مروراً بالأردن، الذي أصبح منطقة عبور وأحياناً استهلاك. ويعد ذلك من أبرز مظاهر تواطؤ شبكات التهريب والسلطة بعد «استعادة السيطرة» وحتى سقوط النظام لاحقاً.

وتمتد الحدود بين البلدين على نحو 370 كيلومتراً، وتضم معبري نصيب وجابر. وحسب مصادر محلية علمت «الشرق الأوسط» أن عمليات التهريب مستمرة رغم الجهود التي تبذلها الإدارة السورية الجديدة وتعهدها بضبط هذه التجارة. لكن كما هو الحال مع الجانب اللبناني، فإن الشبكات متشعبة ومُلمَّة بالجغرافيا، وفي الحالة الأردنية يستخدم المهربون مُسيّرات صغيرة تنقل ما بين نصف كيلوغرام و3 كيلوغرامات من المواد المخدرة، مما يصعّب رصدها، ويمثل هذا تحدياً أمنياً هائلاً.

وأضافت المصادر أن الأردن يواجه محدودية في الإمكانات، بينما تواصل شبكات التهريب نشاطها، مستفيدةً من ضعف الحكومة السورية في مناطق جنوب البلاد لحسابات أمنية، أبرزها المخاوف من الاحتكاك مع إسرائيل.

كذلك، تُستخدم طرق وعرة في الوديان والمناطق الجبلية لتهريب المواد، مما يعقّد السيطرة الأمنية، ورغم تراجع الكميات مقارنةً بالسابق، فإن النشاط لم يتوقف كلياً.

وتغيّرت طبيعة التهريب من السلاح والكبتاغون سابقاً -بدعم إيراني- إلى التركيز الآن فقط على الكبتاغون، بعد انحسار النفوذ الإيراني. كما تطورت وسائل التهريب لتشمل التضليل بافتعال اشتباكات واستخدام ورش صغيرة وعشوائية للإنتاج بدلاً من المصانع الكبيرة التي دمَّرت وفككت السلطات الجديدة معظمها.

الجولان المحتل… «عيون دولة إسرائيل»

عادت قضية الحدود المشتركة مع إسرائيل إلى الواجهة بعد سقوط نظام بشار الأسد؛ إذ شهدت توغلات إسرائيلية كثيرة، وما كانت لعقود «جبهة باردة» أصبحت اليوم نقطة ساخنة أخرى.

وتتمحور إشكالية الحدود السورية – الإسرائيلية حول مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ حرب الأيام الستة في يونيو (حزيران) 1967 وتعدها جزءاً من سيادتها، ومرتكزاً أساسياً لأمنها القومي ووجودها. بينما تطالب سوريا عبر المجتمع الدولي باستعادة أراضيها المحتلة والعودة إلى ما قبل الحرب.

وبعد سقوط نظام الأسد، شهدت الحدود السورية – الإسرائيلية، خصوصاً في مرتفعات الجولان والمنطقة العازلة، استغلالاً إسرائيلياً للفراغ الأمني والسياسي في سوريا لتوسيع سيطرتها على مناطق جديدة في جنوب غربي سوريا، خصوصاً في المنطقة العازلة التي تمتد من جبل الشيخ شمالاً حتى جنوب مرتفعات الجولان المحتلة، ورفضها الاتفاقيات السابقة التي كانت تنظّم وقف إطلاق النار. لكن ثمة من يرى إمكانية انسحاب إسرائيل مستقبلاً مع فتح الحكومة الانتقالية قنوات تواصل مع بعض دول الاتحاد الأوروبي التي ترفض الاحتلال الإسرائيلي أو ضم أراضٍ سورية جديدة.

وترفض إسرائيل السماح لأي قوة «معادية» بالتمركز على حدودها في جنوب سوريا في محافظات القنيطرة والسويداء ودرعا، مع مواصلة تعزيز وجودها العسكري في المناطق التي احتلتها حديثاً، وبنت فيها نقاطاً عسكرية مثل قمة جبل الشيخ التي وصفها رئيس وزراءها بأنها «عيون دولة إسرائيل»، فيما تواصل شن مئات الغارات الجوية على مخازن أسلحة بحجة منع وقوع هذه الأسلحة في أيدي جماعات معادية.

ومع إدراك الحكومة الانتقالية واقع «التوازن العسكري» مع إسرائيل، أبدت هذه الحكومة رغبتها «مراراً» في عدم مواجهة إسرائيل، أو السماح باستخدام الأراضي السورية منطلقاً لشن هجمات على إسرائيل أو تهريب الأسلحة عبر حدوها إلى «حزب الله» اللبناني، والتمسك باتفاقية «فصل القوات» الموقَّعة بينها في عام 1974، ومطالبة الجيش الإسرائيلي بالانسحاب من مناطق التوغل الجديدة. لكنَّ إسرائيل على ما يبدو، تسعى لتكريس واقع جديد لفرض وجود عسكري طويل الأمد مع المراقبة عن «كثب» لتطور الملفات الداخلية، واحتمالات دخول البلاد في حرب داخلية تسهم في «تفتيت» الدولة السورية، وإضعاف قدرة السوريين على المواجهة، مع معطيات عدة تشير إلى تعرض مصدر التهديد الثاني، أي «محور المقاومة»، لضربات «مميتة» أنهت عملياً تهديدات «حزب الله» اللبناني على الأقل مؤقتاً، وتهديدات حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في غزة.

الإشكالية السورية – التركية

شهدت الحدود السورية – التركية تحولات جذرية منذ عام 2011، حيث تحوّلت من منطقة شبه مغلقة إلى بوابة مفتوحة للفارين والمقاتلين، قبل أن تُصبح واحدة من أكثر الحدود مراقبةً في العالم، وكذلك الممر الرئيسي لعبور السلع والبضائع.

2012 – 2014: الانفتاح والفوضى

مع نهاية عام 2012، فقد النظام السوري سيطرته على معظم الشريط الحدودي مع تركيا، لا سيما في شمال حلب وإدلب والرقة. وتحوّلت هذه الحدود إلى ممرّ مفتوح للمقاتلين الأجانب القادمين إلى سوريا، وللفارين من القصف المتصاعد فيها.

في هذه المرحلة، تساهلت تركيا في ضبط حدودها، ففتحت معابر رسمية وأخرى «طارئة» لاستقبال الجرحى المدنيين والعسكريين، وانتعشت حركة تهريب الأفراد من سوريا إلى تركيا بشكل غير مسبوق. وشملت عمليات التهريب أيضاً، الوقود، والدخان، والبضائع الأخرى، وكانت تُدار أحياناً من فصائل من الجيش الحر.

وبين عامي 2011 و2014، بلغت عمليات التهريب ذروتها، كما أصبحت حركة عبور المدنيين إلى تركيا سهلة وتكلف القليل نسبياً، إذ لم تتجاوز تكلفة التهريب حينها 500 ليرة سورية (بضعة دولارات)، مقارنةً بتكاليف تصل اليوم إلى نحو ألفي دولار.

2014: التحصين والتشديد

ابتداءً من عام 2015، بدأت تركيا تشديد إجراءاتها على الحدود بعد ضغوط دولية، فشرعت في بناء جدار عازل وسياج أمني على طول الشريط الحدودي، وحوّلت الحدود إلى واحدة من أكثر المناطق مراقبةً عالمياً.

ورغم التشديد، بقيت المعابر الرسمية مفتوحة أمام دخول المساعدات الإنسانية، والبضائع التركية، والحالات الطبية المستعصية. كما تعاملت أنقرة بشكل رسمي مع المعابر الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة، مع الاعتراف بأختامها لعبور الأشخاص والبضائع. وكان أبرز هذه المعابر باب الهوى، الذي تنقلت السيطرة عليه بين فصائل مثل الجيش الحر، وأحرار الشام، وأخيراً هيئة تحرير الشام.

كما شملت المعابر التي ظلت فاعلة تحت إشراف فصائل «الجيش الوطني» المتحالفة مع أنقرة: باب السلامة، والراعي، وجرابلس، وتل أبيض، في حين أغلقت تركيا معابرها مع مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

الحدود كورقة سياسية

برزت تجارة التهريب البشري كإحدى أبرز سمات الحدود السورية – التركية، حيث نشأت شبكات تهريب منظمة تسهّل عبور المدنيين باتجاه تركيا ومنها إلى أوروبا. وكانت الفصائل المعارضة المسلحة تستفيد من هذه التجارة عبر فرض رسوم عبور وصلت إلى 25 دولاراً للشخص، تُدفع مقابل «وصل مرور» يسمح بالاقتراب من نقاط التهريب.

لاحقاً، تحوّلت هذه التجارة إلى ورقة ضغط سياسية. ففصائل مثل «هيئة تحرير الشام» أوحت لأنقرة بأنها تتحكم في الحدود ويمكنها فتح الطريق أمام اللاجئين، مما منحها هامشاً للمساومة السياسية. فمنذ أن فرضت هيئة تحرير الشام سيطرتها المطلقة على إدلب، بدأت تُظهر نفسها على أنها لاعب إقليمي يمسك بورقة الحدود مع تركيا، ويستخدمها للمناورة مع أنقرة وأوروبا.

وفي ديسمبر 2019، قدمت الهيئة نموذجاً لهذا الدور عندما منعت مئات المتظاهرين من الوصول إلى بوابة باب الهوى، من خلال إغلاق الطرق بالكتل الأسمنتية، ونشر عشرات العناصر الملثمين، بل استخدام الرصاص الحي بشكل مكثف لتفريقهم. المتظاهرون كانوا يطالبون «الضامن التركي» بالتحرك ضد التصعيد العسكري في ريف إدلب، وفرض الالتزام بتفاهمات سوتشي، لكنَّ تركيا لم تسعَ لمنع هجمات النظام السابق وروسيا، والهيئة من جهتها اختارت أن تكون سداً منيعاً بين الأهالي والبوابة الحدودية مقدمةً نفسها أنها هي من يتحكم في الحدود، وأن على أنقرة التفاهم معها.

بهذا السلوك، أرسلت «تحرير الشام» رسالة واضحة: من يسيطر على المعبر، يملك ورقة ضغط حساسة في وجه تركيا والمجتمع الدولي، سواء كانت على شكل تهديد بانفجار شعبي، أو إدارة تدفق اللاجئين والضغط الأمني.

وبدورها استخدمت تركيا ورقة اللاجئين في مفاوضاتها مع أوروبا، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، كما أسهمت الفصائل المتحالفة معها في ضبط الحدود ومنع الانفلات الأمني.

«كسب»… من التجاهل إلى التفعيل

كان معبر «كسب» الحدودي بين تركيا وسوريا، مغلقاً لسنوات خلال سيطرة النظام السابق. ورغم أنه لم يكن مفعّلاً، فإنه شهد عدداً من اللقاءات الأمنية بين استخبارات أنقرة ودمشق. وبعد سقوط النظام في ديسمبر 2024، أُعيد فتح معبر «كسب» رسمياً، وأصبحت جميع المعابر الرسمية بين البلدين تحت إدارة حكومة الرئيس أحمد الشرع ما عدا تلك التي لا تزال تحت إدارة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهي موضع تجاذبات ومفاوضات.

وقال مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية مازن علّوش لـ«الشرق الأوسط» إن «المعابر البرية كافة في سوريا تحت سيطرة الحكومة السورية، ومنها عشرة معابر بدأ العمل بها فعلياً، فيما لا تزال هناك أعمال صيانة على بقية المعابر ليتم افتتاحها بعد فترة قريبة». وأضاف: «في المقابل لا تزال المعابر ابتداءً من معبر عين العرب مع تركيا، حتى معبر اليعربية مع العراق، تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية».

وعن خطط الحكومة السورية لاستعادة هذه النقاط الاستراتيجية، قال علوش: «تسعى الحكومة السورية إلى استعادة السيطرة على جميع المعابر لتعزيز سيادتها وتأمين تدفق البضائع والأشخاص بشكل طبيعي، وتشمل خططها الحالية تسلم المعابر شمال شرقي سوريا من قوات سوريا الديمقراطية بعد الاتفاق الذي جرى توقيعه بين رئيس الجمهورية العربية السورية وقائد قوات سوريا الديمقراطية».

وإذ أكد علّوش أن «هناك تعاوناً كبيراً بين الدول المجاورة والحكومة السورية»، وأن العلاقات يسودها «التفاهم والاحترام المتبادل»، نفى وجود أي تهديدات مباشرة في الوقت الحالي، معتبراً إن الاشتباكات الأخيرة هي «شأن طبيعي».

وفيما يتعلق بخطط إعادة فتح المعابر المغلقة، قال: «توجد خطط لإعادة فتح بعض المعابر المغلقة، تعتمد على التطورات السياسية والأمنية والمفاوضات الجارية مع الدول المجاورة، خصوصاً لبنان، حيث تجري حالياً أعمال صيانة وترميم لمعبر العريضة الحدودي، وسيليه معبر الدبوسية، حيث كانت هذه المعابر قد تعرضت لقصف إسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على لبنان».

وأضاف علّوش: «هناك أيضاً خطط لتسلم معبر التنف الحدودي والبدء بأعمال الصيانة فيه خلال فترة قريبة حتى يتم تجهيزه، ومعبر البوكمال لتسهيل عبور البضائع والمسافرين إلى العراق، وننتظر تسلم المعابر الأخرى من قوات سوريا الديمقراطية، حتى يتم وضعها في الخدمة».

العراق… مقاتلون في اتجاهين

تُعد الحدود بين العراق وسوريا من أكثر المناطق الحدودية هشاشة واضطراباً في المنطقة، وهي هشاشة سبقت حتى اندلاع الثورة السورية عام 2011 وسقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003. ويعود ذلك إلى الطبيعة الصحراوية الوعرة للمنطقة، وطول الحدود التي تمتد لأكثر من 600 كيلومتر، إضافة إلى ضعف إمكانات الدولتين في ضبطها، سواء في ظل نظامَي البعث في البلدين أو ما بعدهما.

في أواخر التسعينات وبداية الألفية، لعب جهاز المخابرات السورية دوراً فاعلاً في السماح بمرور عشرات المقاتلين الأجانب إلى العراق، خصوصاً بعد الغزو الأميركي في 2003. وقد اتُّهم النظام السوري لاحقاً من واشنطن والحكومة العراقية بتسهيل مرور الجهاديين، ودعمهم، وهو ما عمّق التوتر بين البلدين. المفارقة أن هذين الطرفين، المتخاصمين بالأمس، تحوَّلا إلى حليفين بعد اندلاع الثورة السورية، وأصبحت هذه المعابر نفسها التي ضخت جهاديين سُنة نحو العراق تستقبل مقاتلين من «الحشد الشعبي» والميليشيات الشيعية باتجاه سوريا للدفاع عن نظام بشار الأسد، وهي اليوم نقطة ساخنة أخرى تضاف إلى تحديات الإدارة السورية الجديدة.

ولكن قبل ذلك، وعلى أثر انسحاب قوات النظام السوري السابق من أغلب المواقع الحدودية بحلول نهاية 2013، ملأت قوات سوريا الديمقراطية بقيادة وحدات حماية الشعب الكردية الفراغ الأمني شمال شرقي البلاد، خصوصاً في محافظة الحسكة. أما في دير الزور، فقد تقاسمت السيطرة فصائل معارضة متنوعة، قبل أن يتمكن تنظيم «داعش» عام 2014 من بسط نفوذه على كامل المنطقة، معلناً قيام «دولة الخلافة الإسلامية» ومُلغياً الحدود بين سوريا والعراق من حلب إلى الموصل.

ثم في أعقاب هزيمة «داعش»، ظهرت على الجانب العراقي قوات «الحشد الشعبي»، والفصائل المرتبطة بإيران، لاعباً أساسياً في إدارة الحدود المشتركة مع سوريا. ومن أبرز هذه الفصائل «لواء الطفوف» و«كتائب حزب الله»، التي تركز وجودها في مناطق استراتيجية مثل القائم وعكاشات، حيث يقع معبر القائم – البوكمال، أحد أبرز المعابر بين البلدين. وقد بات هذا المحور جزءاً مما يُعرف بـ«محور المقاومة» المدعوم من إيران، مما منح طهران نفوذاً مباشراً في إدارة المعبر ومحيطه، رغم عودة السيطرة الاسمية للنظام السوري.

ورغم وجود عدة معابر رسمية أخرى مثل «اليعربية – ربيعة»، و«سيمالكا – فيشخابور»، و«الوليد – الفاو»، فإن أغلبها يخضع حالياً لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية. وبعد سقوط النظام السابق نهاية 2024، أغلق العراق رسمياً معبر القائم، وسط مخاوف أمنية متصاعدة، خصوصاً من عودة نشاط تنظيم «داعش».

وحسب مصادر محلية، فإن مفاوضات تُجرى حالياً بين دمشق وبغداد لإعادة افتتاح المعبر وتنظيم الحركة التجارية، وسط وعود سورية بعدم السماح باستخدام أراضيها نقطة انطلاق لتنظيم «داعش» نحو العراق أو غيره.

وحسب الباحث العراقي رائد الحامد، وهو رئيس قسم الدراسات الأمنية في مركز العراق للدراسات الاستشرافية، فإن بعض فصائل الحشد الشعبي المرتبطة بإيران لا تُخفي قلقها من هشاشة الوضع الأمني في سوريا، الذي قد يهيئ لعودة «داعش». وأكد الحامد لـ«الشرق الأوسط» أن حكومة محمد شياع السوداني ترى ضبط الحدود أولوية قصوى، إلى جانب مكافحة التنظيم، لا سيما مع اقتراب انتهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول) المقبل.

زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لبغداد منتصف مارس الماضي، كانت أول زيارة رسمية لمسؤول سوري رفيع منذ سقوط النظام، وهدفت إلى تنسيق المواقف في مواجهة «داعش» وتعزيز ضبط الحدود. وقد وعد الشيباني بأن سوريا لن تكون مصدر تهديد للعراق، لا من خلال «داعش» ولا عبر شبكات التهريب مقابل أن تسعى بغداد من جهتها إلى منع تسلل عناصر الميليشيات أو الضباط السابقين في النظام السوري.

ولم تقتصر هذه الجهود على المحادثات الدبلوماسية وإنما ترافقت بجهود ميدانية، إذ نشرت بغداد كاميرات مراقبة حرارية، وشيَّدت خنادق وسياجاً يمتد لأكثر من 100 كيلومتر، إلى جانب نشر مئات المراصد وعشرات المخافر، مع جهد استخباراتي فاعل يعتمد على السكان المحليين.

ورغم هذا الجهد المكثف، والتعاون مع دول الجوار، فإن جميع المصادر الذين تحدث إليهم «الشرق الأوسط» في هذا السياق تقاطعت عند التحديات الكثيرة التي لا تزال قائمة وستكون مرشحة للتفاقم، في ظل غياب سلطة مركزية قوية في دمشق، وقدرة بشرية موازية، مما يُبقي الحدود ثغرة مفتوحة أمام احتمالات التسلل، وعودة الفوضى مجدداً.

الشرق الأوسط

————————————————

نفط وغاز سوريا ولبنان رهينة إعادة رسم خرائط المنطقة/ سلوى بعلبكي

تبدلت التوازنات السياسية والعسكرية من غزة الى بيروت فتوسعت الطموحات الإسرائيلية

آخر تحديث 23 أبريل 2025

لا يزال الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يعيش اللحظة الفاصلة التي صنعتها حرب غزة، وما تلاها من حرب في لبنان، وما نجم عنهما من تداعيات ومتغيرات سياسية وعسكرية رسمت مشهدا جديدا في المنطقة، وأنتجت تبدلا سريعا في موازين القوى، لم يكن أي من التحليلات قادرا على التكهن بحدوثه.

فرضت هذه التداعيات أمر واقع جديد، تحميه القوة العسكرية من جهة، والرضا الأميركي من جهة أخرى، وتعيد رسم الحدود البرية والبحرية، لدول المنطقة، ليس على قاعدة توسع نفوذ الدول الأقوى فحسب، بل وفق أجندة إقتصادية عمادها حقول النفط والغاز، والمكامن البحرية والبرية و”البلوكات” المكتشفة، أو التي لا تزال قيد التلزيم.

حلم النفط اللبناني والتوسع الاسرائيلي

وفيما لا يزال لبنان يعيش على حلم إستخراج ثروته الغازية والنفطية الدفينة في المتوسط، علَّه ينقذ إقتصاده وعملته من الانهيار المتمادي الذي يعانيه منذ 2019، تتطلع دمشق للعودة إلى استئناف إنتاج النفط والغاز في سوريا، والاستفادة من عائداته في بناء الدولة، واقتصادها ومؤسساتها المفككة، وإعادة إعمار المدن والبنى التحتية التي دمرت إبان حكم النظام السابق.

توازيا، تعمل إسرائيل مجددا على التوسع أكثر، برا وبحرا، وتتوغل أكثر في العمقين السوري واللبناني، بعدما استطاع جيشها، كسر الآلة العسكرية لقوى إيران في المنطقة، متمثلة بـ”حزب الله”، وفرار بشار الأسد إلى موسكو، مما فتح لها باب السيطرة على قسم كبير من مكامن النفط والغاز، بحرا من حقل كاريش الحدودي مع لبنان، وصولا إلى الحقول السورية المحاذية للحقول التركية والقبرصية شمالا.

من هنا، فإن الصراع على الغاز والنفط، قد يكونان يتقدمان حاليا على كل العناوين التي كانت تتحكم بالحراك السياسي والعسكري في المنطقة. فسوريا التي تملك نحو 700 مليار متر مكعب، في مياهها الاقتصادية، وفق الهيئة الأميركية للجيولوجيا، تعمل على تمهيد الطريق لادارة ثروتها النفطية في محاذاة البحر المتوسط.

من يحسم ترسيم الحدود البحرية؟

ولبنان الذي قُدِّرَت احتياطات الغاز في مياهه الاقتصادية، بـ30 تريليون قدم مكعب، بالإضافة إلى 650 مليون برميل من النفط، يخشى استيلاء إسرائيل على الغاز والنفط البحري، وخصوصا في المناطق المتاخمة والمتداخلة عند حدوده الجنوبية، مع العمق البحري الاقتصادي الإسرائيلي.

لذا لم تكن مستغربة، مسارعة تركيا ولبنان، عقب انهيار نظام الأسد، إلى المطالبة بالإسراع في ترسيم الحدود البحرية، كلٌ وفق منطلقه. وقد أتى تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأن تركيا ستتعاون مع الحكم السوري الجديد لترسيم الحدود البحرية بينهما، ليزيد حنق قبرص، التي تعتبر أن أي تقدم للدور التركي في البحر المتوسط، يشكل ضررا وخطرا على أمنها الاقتصادي والسياسي.

أما اللبنانيون، فيريدون تحديد المكامن النفطية والغازية المحاذية للحدود البحرية السورية، بعدما عقد لبنان اتفاقا غير مباشر، في رعاية أميركية، قضى بترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، عند الخط 23، على الرغم من اعتراضات سياسية وشعبية عليه.

وكانت سوريا قد تحفظت إبان حكم الأسد، عن المرسوم اللبناني الرقم 6433، الذي أصدرته الدولة اللبنانية، والذي تضمن تحديد إحداثيات حدود المنطقة الاقتصادية المشتركة مع سوريا وقبرص وإسرائيل.

في انتظار خريطة الشرق الأوسط الجديد؟

الخطر على الغاز والنفط اللبناني والسوري جدي، وإمكان إبقاء البلدين في عطش نفطي ممكن، فالجميع يعلم أن ارتباط الاستكشاف والتنقيب عن النفط، والاستثمار في استخراجه وتصديره، ومنح الأذونات لذلك، ترتبط ارتباطا عضويا بسياسة الدول الأقوى في المنطقة ومصالحها، لذا لا ضير من القول، إن أحلام الإعمار والانقاذ الاقتصادي والنقدي في لبنان وسوريا، ستبقى أسيرة تبلور نتائج رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد.

من المفيد الإشارة إلى أن حجم احتياطات الغاز في حقل “كاريش” البحري، تقدر بنحو 1,5 إلى 2 تريليون قدم مكعب، وهو على الرغم من قربه بضعة كيلومترات من الحدود البحرية اللبنانية، لم يجرؤ أحد في الجانب اللبناني على التعرض إليه أو قصفه خلال الحرب الأخيرة، وبقيت منصة “كاريش” تعمل بشكل طبيعي وآمن. وهذا ما يبرز حجم الاهتمام الذي يوليه الأميركيون والإسرائيليون معا لغاز المنطقة ونفطها، والحماية المؤمنة لمكامنها ومنصاتها، بما يؤكد أهمية الثروة الغازية الكامنة تحت مياه البحر الأبيض المتوسط ووظيفتها الاستراتيجية.

إلى ذلك الحين، يبقى السؤال: ما مصير النفط والغاز؟ وهل لا يزال لبنان يحتفظ بحصته السابقة عينها من حقوقه في ثروته النفطية؟ وأين أصبح ملف التفاوض؟

ما مصير الغاز والنفط اللبناني والسوري؟

إلى ذلك الحين، يبقى السؤال: ما مصير النفط والغاز؟ وهل لا يزال لبنان يحتفظ بحصته السابقة عينها من حقوقه في ثروته النفطية؟ وأين أصبح ملف التفاوض في شأنها؟

أكدت المديرة التنفيذية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز ديانا القيسي لـ”المجلة” أن “عمليات التنقيب والانتاج عادة ما تتوقف في حال حدوث أي اهتزازات أو اضطرابات أمنية في البلد. ولكن بالنسبة للبنان وسوريا، من غير المتوقع أن تكون هناك حماسة لعودة الشركات للعمل في هذا المجال في المستقبل القريب”.

وأشارت إلى أن “الوضع في سوريا يختلف عن لبنان، إذ قبل الحرب التي استمرت 14 عاما، كان ثمة شركات كبيرة تعمل في البلاد مثل “شل”، “توتال”، و”سامكور”، بيد أنها اضطرت لوقف عملياتها بالكامل عامي 2011 و2012، وتركت التنقيب واستخراج النفط والحقول النفطية السورية، بما فيها الحقول البرية التي توقفت بشكل كامل بعد أن كانت تضخ النفط، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج النفطي السوري إلى نحو 80 ألف برميل يوميا، مع اعتماد رئيس على النفط الذي كان النظام السابق يستورده من إيران، بعد فرض عقوبات دولية على سوريا ومنعها من استيراد النفط”.

حاليا، يبدو أن الوضع تغير إلى حد ما، إذ توضح القيسي أنه “في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، صدرت تصريحات عن الحكومة السورية الجديدة، تؤكد رغبتها في إعادة عمليات التنقيب عن النفط إلى مسارها الصحيح. مع ذلك، ثمة قلة في الحديث عن التنقيب في المياه السورية، حيث كان النظام السوري السابق قد بدأ عمليات استكشافية في مناطق محددة، وخصوصا في الكتل البحرية القريبة من لبنان، بما في ذلك المناطق الحدودية الشمالية للبنان والجنوبية لسوريا. لكن، في ظل الأوضاع الحالية وغياب الاستقرار، من غير المحتمل أن تخاطر أي شركة أجنبية بالدخول إلى هذا المجال”.

إحجام الشركات عن الاستثمار في لبنان

ماذا عن لبنان؟ تقول القيسي إن “الوضع لا يبدو أفضل بكثير. فالنزاعات والاعتداءات المستمرة لا تشجع الشركات على الاستثمار. فقد انتهت الجولة الثالثة من التراخيص الشهر الماضي دون تقديم أي شركة لعروض. وحاليا، من بين 10 بلوكات بحرية، هناك بلوك واحد فقط حصل على تصريح للعمل عليه من اتحاد شركات تقوده ‘توتال’، إذ من المتوقع أن يُتخذ قرار في شأن استمرار البلوك التاسع مع هذه الشركات أو التخلي عنه، مثلما حدث مع البلوك الرابع. تاليا إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فمن المرجح أن لا تجد الشركات أي دوافع للاستثمار في التنقيب أو الحفر في هذه المناطق، ويبقى المستقبل وحده كفيلا بالكشف عما سيحدث”.

    بعد مرور 50 عاماً على الحرب اللبنانية… أكثر من نصف اللبنانيين قلقون من عودتها.

    شـاهد فيديو #المجلة pic.twitter.com/7NCHmHme19

    — المجلة (@AlMajallaAR) April 13, 2025

ولكن هل لا يزال لبنان يحتفظ بفرصه السابقة للاستفادة من ثروته النفطية؟ تجيب القيسي “صحيح أن الثروة النفطية سواء في البر أو في أعماق البحر، هي نفسها ولم تتناقص، ولكن ما تغير هو مدى إقبال المستثمرين وشهيتهم للتنقيب في لبنان. في ظل غياب الاستقرار السياسي، واستمرار العمليات العسكرية والحروب، تصبح البيئة اللبنانية غير جاذبة لاستثمارات الشركات النفطية، وهذا يشكل عائقا كبيرا أمام أي تقدم”.

أين أصبح ملف التفاوض مع لبنان؟

أما بالنسبة الى ملف التفاوض، فمن المهم الإشارة إلى أنه تم حل مسألة الحدود البحرية الجنوبية بوساطة أميركية، وتم التوصل إلى اتفاق على الخط 23 المعدل. وكانت هذه خطوة أولى أدت إلى بدء شركة “توتال” عمليات التنقيب في البلوك رقم 9 في أغسطس/آب 2023، وفق ما تقول القيسي، “لكنها توقفت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعد حفر بئر واحدة. إذ لا يزال هناك العديد من البلوكات غير المستثمرة، كما أن ثمة حدودا بحرية مع قبرص وسوريا تنتظر الترسيم. وقد أُعيد طرح هذه الملفات أخيرا على الطاولة، وظهرت محاولات ديبلوماسية جديدة لحلها. وفي ما يتعلق بالحدود مع قبرص، من المتوقع أن لا تستغرق وقتا طويلا، حيث كانت قبرص تنتظر فقط استكمال ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل لتحديد النقطة النهائية للحدود المشتركة”.

في المقلب الآخر، تشير القيسي الى “أن ثمة مركز “ريبروغرافي” (Reprography) تابعا للجيش اللبناني أنشئ عام 2014 يجري دراسات دقيقة لدعم هذه العملية، مما يشير إلى أن استكمال التفاوض مع قبرص وسوريا أمر ممكن ولا يحتاج إلى وساطات خارجية، خصوصا أن هذين البلدين على استعداد للتعاون مباشرة. لذلك، لا توجد معوقات رئيسة تمنع التقدم في هذه الملفات”.

هل تعود “توتال” وبأي شروط؟

ولكن هناك أمور لا تزال غير واضحة بعد وخصوصا حيال إمكان عودة شركة “توتال” للتنقيب في البلوكات اللبنانية. تؤكد القيسي أن لا أحد يمكنه الجزم بذلك حتى الآن، إذ إن الأمر مرتبط بالوضعين السياسي والأمني في البلاد. عدا أن هناك نقطة مهمة وهي أن الشركة عندما ترى قلة اهتمام بالاستثمار في المجال، ومع وجودها الحالي، قد لا تقبل العودة بالشروط السابقة نفسها. فالشروط التي وُقعت في العقود الأولى للتنقيب كانت جيدة ومناسبة للطرف اللبناني، ولكن من المستبعد أن توافق الشركة على توقيع عقود جديدة بالشروط ذاتها. على العكس، من المحتمل أن تلجأ إلى التفاوض لتقليل الشروط المفروضة عليها وزيادة نسبة أرباحها، مما يعني توجها مختلفا قد يفرض تحديات إضافية أمام لبنان”.

لماذا لم تسلم “توتال” تقريرها الى لبنان؟

في الحديث عن “توتال” ثمة سؤال عما إذا كانت الظروف أصبحت مؤاتية للشركة لتسليم تقريرها الفني عن حفر البلوك 9 على الرغم من مرور عام على بدء الحفر؟ تعتبر القيسي أن “موقف شركة ‘توتال’ في رفضها تسليم التقرير الذي كان من المفترض تقديمه بعد مرور 90 يوما على انتهاء عملية الحفر أمر معيب لها، ومشكلة تثير الكثير من التساؤلات. إذ يُعتبر هذا التقرير بمثابة كنز حقيقي للبنان، فهو يحمل معلومات أساسية تمكن الدولة من فهم ما يحتويه بحرها بشكل دقيق، ويمهد الطريق لتحديد مواقع الحفر المستقبلية، حيث يساعد في رسم صورة واضحة عن احتمالات العثور على الموارد النفطية والغازية، وتحديد مواقع الهيدروكربونات”، ملمحة إلى أن “ما تقوم به الشركة قد يكون مرتبطا بأبعاد سياسية، مما يستدعي تحرك وزير الطاقة اللبناني الجديد جو صدي، لإجبارها على تسليم التقرير”.

وتستند القيسي إلى الاتفاق الموقع بين لبنان و”توتال” وشركائها، الذي يعتبر أن التقرير ملك للدولة اللبنانية، ويجب تسليمه إليها، “فهو لا يعطي فقط صورة أوضح عن الموارد بل يشكل الأساس للتخطيط المستقبلي، ويحدد بفاعلية أين يجب أن تركز عمليات الحفر. لذلك، تسليمه ضرورة لا يمكن التهاون فيها”.

هل من تراخيص جديدة للتنقيب في لبنان؟

وتمنت القيسي الإفصاح عن تفاصيل المحادثات والمفاوضات الجارية مع الشركات، وتداركت قائلة “يبدو أن عدم التقدم الملحوظ في هذا الملف قد يكون السبب وراء ذلك”، آملة أن “يستغل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة جولاتهما الحالية للضغط على “توتال” لتسليم التقرير المطلوب، بما يساعدن لبنان على فهم الوضع بشكل أفضل”. لتختم: “جولة التراخيص الثالثة انتهت في 17 مارس/آذار، والآن يبقى أن نرى ما إذا كانت هناك نية لإطلاق جولة تراخيص جديدة في المستقبل القريب”.

المجلة

—————————————————

سورية: عرض التطبيع وتجاهله/ حسام كنفاني

25 ابريل 2025

لا توفر الإدارة السورية الجديدة وسيلة للمساعدة في رفع العقوبات المفروضة بغية تثبيت الاستقرار في البلاد فحسب، لكن يبدو أنها مستعدّة للذهاب إلى أبعد مما كان متوقعاً لتحقيق هذه الغاية. هذا ما كشف عنه عضو الكونغرس الأميركي، كوري ميلز، في حواره مع تلفزيون “العربي” بعد زيارته دمشق ولقائه الرئيس أحمد الشرع.

نقل ميلز عن الشرع انفتاحه على “تحسين العلاقات مع إسرائيل وإجراء حوار معها”، من دون أن يستبعد توسيع “اتفاقيات أبراهام” لتشمل سورية. ويمكن اعتبار أن الذكر الصريح لهذه الاتفاقات، بحسب ما نقل ميلز، هو الأخطر في التوجّه السوري الجديد، خصوصاً أن “أبراهام” التي رعاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، وشملت تطبيع العلاقات بين إسرائيل من طرف، والإمارات والبحرين والمغرب والسودان من طرف آخر، كانت مجّانية ولم تقدم خلالها دولة الاحتلال أي تنازل مقابل الانفتاح عليها وتطبيع العلاقات معها. حتى إن الدول العربية المنضمة إلى الاتفاقات لم تضع أي شروط على تل أبيب في ما يخص قضية فلسطين أو غيرها من القضايا التي تضطلع بها إسرائيل بدور المحتل.

يمكن القول، من دون قبول ذلك، إن هذه الدول المطبّعة، أو المنضوية ضمن الاتفاقات، لا تملك حدوداً مباشرة مع دولة الاحتلال، وليس لها أراضٍ مصادرة بقوة السلاح الإسرائيلي، ومن ثم لم تضع أي طلبات في هذا الشأن على طاولة محادثات “أبراهام”، وعمدت إلى إرضاء ترامب وكسب ودّه. لكن هذا الأمر لا ينطبق على سورية في الوقت الذي تحتل فيه إسرائيل أجزاء من أراضيها منذ سنوات طويلة، واحتلت المزيد بعد سقوط نظام بشّار الأسد، وتنفذ بشكل شبه يومي اعتداءاتٍ في مختلف الأراضي السورية.

لا يمكن للإدارة السورية الجديدة الإتيان على ذكر الانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام” من دون المرور على مطالب من المفترض على إسرائيل تحقيقها، في مقدّمتها الانسحاب من الأراضي السورية ووقف الاعتداءات. وللأسف، من غير الواضح ما إذا كان قد جرى التطرق إلى هذه الأمور في لقاء الشرع وميلز، والذي لم ينقل عن الرئيس السوري أي إشارة إلى ضرورة استعادة الأراضي المحتلة قبل المضي في “تحسين العلاقات” مع إسرائيل.

من المفهوم أن الرئيس السوري يسعى إلى بعث رسائل طمأنة في كل الاتجاهات، لنيل الاعتراف الدولي وتحقيق غاية رفع العقوبات عن سورية، باعتبارها الخطوة الأساسية للسير بالبلاد نحو “العهد الجديد”، ومن دونها قد تحدُث العودة إلى الفوضى والاقتتال. لكن من غير المفهوم القفز إلى تقديم مثل هذا العرض من رئيسٍ يأتي من خلفية عقائدية من المفترض أنها تناصب العداء لإسرائيل. والأكثر غرابة أن العرض ليس من ضمن المطالب الأميركية والغربية، على الأقل وفق ما خرج إلى الإعلام، فما تسرّب عن شروط أميركية للانفتاح على الإدارة الجديدة لم يأت على ذكر التطبيع أو إبرام “اتفاق سلام” مع دولة الاحتلال، إذ إن معظم المطالب داخلية بالدرجة الأولى، ويرتبط جزءٌ منها بالانتهاكات التي شهدتها بعض الأراضي السورية ووضع المقاتلين الأجانب في البلاد. وهنا يمكن لكثيرين أن يتساءلوا: هل هذه القفزة في العروض هي للتحايل على بعض المطالب الغربية؟

وبغض النظر عن هذا التساؤل، والذي لا يملك أحدٌ جواباً حاسماً عليه، كان لافتاً الغياب الكامل لردّات الفعل السورية على ما نقله ميلز على لسان الشرع في ما يخصّ التطبيع. لم نشهد أي تعليق من السياسيين السوريين، القوميين وغيرهم على هذا العرض، ولم تضج وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات على الكلام المنسوب للشرع، على عكس الضجيج الذي يحدثه أي تصريح سوري لا يعجب فئة ولو قليلة من السوريين. فهل يمكن تفسير هذا الصمت بأن لا اعتراض سورياً على التطبيع، وأن هناك قبولاً في حال نجح هذا التوجه في تخفيف معاناة العقوبات، وأن الأولوية لرفعها بأي ثمن؟ ربما.

العربي الجديد

——————————-

فورين أفيرز: إسرائيل تدفع نحو صراع غير ضروري في سوريا

2025.04.24

نشرت مجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) الأميركية، في عددها الصادر مؤخرا، تقريرا تحليليا موسعا بعنوان: “تجاوزات إسرائيل الخطيرة في سوريا: من صناعة عدو إلى تضييع فرصة لتحالف محتمل”. تناول التقرير، الذي شارك في إعداده الباحثان شيرا إيفرون وداني سيترينوفيتش، تطورات سياسة الاحتلال الإسرائيلي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وانعكاسات التصعيد الإسرائيلي في الجنوب السوري على التوازن الإقليمي.

ويعرض موقع تلفزيون سوريا الترجمة الكاملة لهذا التقرير، في إطار تغطيته للملف السوري وتفاعل القوى الإقليمية والدولية معه، مع التنويه إلى أن ما ورد في التقرير يعكس وجهة نظر مجلة “فورين أفيرز” ومصادرها، ويُقدَّم كمادة تحليلية تهدف إلى تسليط الضوء على كيفية تناول الإعلام الغربي لمسار الصراع السوري، ولا يُعد توثيقا شاملًا للمشهد أو تبنّيًا لأي من استنتاجاته.

فيما يلي الترجمة الكاملة للتقرير:

في الأشهر التي تلت انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ازداد النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا عدوانية، استولى جيش الدفاع الإسرائيلي على المنطقة العازلة التي تشرف عليها الأمم المتحدة والتي تم إنشاؤها بعد حرب يوم الغفران عام 1973، وشن ضربات منهجية ضد البنية التحتية السورية – وقصف شبكات الدفاع الجوي ومستودعات الأسلحة وأنظمة الصواريخ والقدرات الاستخبارية – وقام ببناء تسعة مواقع عسكرية جديدة.

أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس مرارا وتكرارا أن الجيش الإسرائيلي سيبقى في سوريا “إلى أجل غير مسمى”. وفي آذار، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن خطط لإنشاء مناطق نفوذ من خلال إقامة تحالفات مع مجموعات الأقليات، بالإضافة إلى إنشاء منطقة منزوعة السلاح بطول 30 ميلا تمتد من إسرائيل تقريبا إلى دمشق، ويمثل كل هذا قطيعة حادة مع نهج إسرائيل الحذر منذ فترة طويلة تجاه جارتها الشمالية الشرقية.

شعرت إسرائيل أنها تستطيع إدارة نظام الأسد، وبدأت تصرفات الجيش الإسرائيلي بعد كانون الأول لمنع القدرات الاستراتيجية من الوقوع في أيدي أقل شهرة.

انحنت الإدارة السورية الجديدة إلى الوراء للإشارة إلى أنه ليس لديه مصلحة في الصراع مع إسرائيل، بل وطرح إمكانية تطبيع العلاقات. “يجب الحكم على الحكومة السورية الجديدة من خلال أفعالها وليس فقط أقوالها”، لكنه يوفر لإسرائيل فرصة ذهبية محتملة لتعميق عزلة إيران، وتحويل سوريا من عدو إلى جار مسالم، وتحقيق الاستقرار في منطقتها.

على الرغم من أن المخاوف الأمنية القومية هي التي تقود نهج الحكومة الإسرائيلية تجاه سوريا، إلا أن التوق إلى إثبات قوتها وقوة إرادتها لجيرانها وكذلك لمواطنيها، الذين يعانون من ندوب عميقة بسبب فشل حكومتهم في حماية حدود البلاد في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إذا استسلم قادة إسرائيل للدافع لتكثيف توغلاتهم في سوريا، فقد يخلقون عدوا جديدا في حين أنه لا يوجد عدو حاليا. وستضع إسرائيل نفسها على خلاف أكبر مع تركيا، مما يدفع كلا البلدين نحو حافة صراع عسكري جديد غير ضروري. بدلا من ذلك، يجب على إسرائيل أن تنقل أن توغلاتها الإقليمية تهدف إلى أن تكون مؤقتة، وتساعد في تخفيف الأزمة الإنسانية في سوريا، وأن تتوقف عن تقويض محاولات تركيا لمساعدة شرع على تحقيق الاستقرار في البلاد والوقوف في وجه النفوذ الإيراني، يجب على إسرائيل أيضا أن تستعد للعمل مع دمشق طالما أنها لا تتخذ أو تمكن من القيام بإجراءات تهدد أمن إسرائيل.

تغيير القلب

في ظل ربع قرن من حكم الأسد، أصبحت سوريا جزءا لا يتجزأ مما يسمى بمحور المقاومة الإيراني. عمل الأسد على تعميق تحالفه الاستراتيجي مع حزب الله، وساعد في تحويل الجماعة اللبنانية المسلحة إلى جيش إرهابي مهدد من خلال السماح لها باستخدام الترسانات السورية والقدرات الاستراتيجية التي تلقاها الأسد من روسيا، مثل الصواريخ الباليستية المتقدمة وأنظمة الدفاع الجوي. أصيبت إسرائيل بصدمة بسبب حربها ضد حزب الله عام 2006 (التي اعتبرها حزب الله انتصارا)، وقضى الإسرائيليون العقد التالي في الامتناع عن محاولة تعطيل تحالف سوريا مع الجماعة. عندما اندلعت الحرب في سوريا عام 2011، حاولت إسرائيل منع ترسيخ موطئ قدم حزب الله وإيران في سوريا من خلال شن ما سمته “الحملة بين الحروب”، مع التركيز بشكل أساسي على منع إيران من تهريب الأسلحة إلى لبنان. لكن على الرغم من أن إسرائيل لم تدعم رسميا أيا من الجانبين في الحرب الأهلية السورية، إلا أن القادة الإسرائيليين فضلوا الأسد على خصومه، وأشاروا إليه سرا على أنه “الشيطان الذي نعرفه” وتأكدوا من أن جهود إسرائيل لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد لن تخاطر بحكمه.

لم يتغير النهج الإسرائيلي في سوريا على الفور بعد هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، لكن هذا الهجوم المدمر أدى إلى حدوث تغييرات. أوضح الهجوم أن إسرائيل أساءت تقدير نوايا وقدرات الخصم، ومن الواضح أن أجهزة الأمن في البلد اعتمدت أيضا بشكل مفرط على المراقبة الإلكترونية لتأمين الحدود مع غزة. الدرس الذي استخلصه العديد من المسؤولين الإسرائيليين هو أن استراتيجيتهم المتمثلة في “الهدوء مقابل الهدوء” – غض الطرف عن الاستفزازات الصغيرة لتجنب صراع كبير – قد فشلت. ونتيجة لذلك، غير الجيش الإسرائيلي عقيدته على طول جميع حدود إسرائيل، مؤكدا على العمل الاستباقي وأنشأ ما يسمى بالمناطق العازلة في أراضي الخصوم.

على مدى الأشهر الـ18 الماضية، ازدادت شهية إسرائيل لتعزيز المناطق العازلة. في آذار/مارس 2025، قال وزير الدفاع كاتس إن العمليات البرية الموسعة للجيش الإسرائيلي في غزة تهدف جزئيا إلى “الاستيلاء على أراض شاسعة” ستتم “إضافتها بشكل دائم إلى المناطق الأمنية لدولة إسرائيل”.

في لبنان، على الرغم من توقيع وقف إطلاق النار مع حزب الله في تشرين الثاني/نوفمبر 2024– وعلى الرغم من حقيقة أن حكومة جديدة أقل صداقة لحزب الله استولت على بيروت في شباط/فبراير 2025– يحتفظ الجيش الإسرائيلي بوجود في خمس نقاط استراتيجية بالقرب من الحدود، هذا يهدف إلى طمأنة المجتمعات الحدودية الإسرائيلية بأنها لن تترك مرة أخرى بلا حماية.

وعلى الرغم من أن الحملة الإسرائيلية القاتلة ضد حزب الله وجهودها الردعية ضد إيران – فضلاً عن انشغال روسيا في أوكرانيا – تركت الأسد أعزل، إلا أن انهيار نظامه فاجأ إسرائيل. كان على إسرائيل تطوير استراتيجية جديدة لسوريا على الفور. وعلى الفور، تحركت إسرائيل لتدمير قواعد القوات الجوية السورية والطائرات العسكرية ومستودعات الصواريخ، عززت دفاعاتها الحدودية، واستولت على المنطقة العازلة للأمم المتحدة التي تبلغ مساحتها 145 ميلاً مربعاً، أقام الجيش الإسرائيلي مواقع جديدة داخل سوريا، ومهّد الطرق، وحفر الخنادق، ووضع مئات الجنود هناك.

الخطوة الخاطئة

ومع ذلك، وبالنظر إلى أن النظام السوري الجديد لا يمثل لإسرائيل تهديداً وشيكاً، فإن هذا النهج له ميزة استراتيجية أقل بكثير مما هو عليه في لبنان، ظلت الحدود الإسرائيلية السورية سلمية طوال حرب غزة، ولم يضطر الإسرائيليون الذين يعيشون على طولها إلى المغادرة.

وأكد قادة دمشق الجدد مراراً وتكراراً أنهم يخططون لإشراك الأقليات والسوريين العلمانيين في حكومتهم وترسيخ مصداقيتهم لدى الجهات الفاعلة الغربية. تخلت حكومة الشرع عن الخطاب الرسمي القديم المناهض لإسرائيل في سوريا. كما تعهد الشرع بدعم اتفاقية فك الارتباط التي وقعتها سوريا وإسرائيل في عام 1974، والتي نصّت على وقف إطلاق النار إلى أجل غير مسمى، “لا نريد أي صراع، سواء مع إسرائيل أو أي أحد آخر”، أعلن في كانون الأول، مضيفاً أنه “لن يسمح باستخدام سوريا كمنصة انطلاق للهجمات”.

يبقى أن نرى إلى أي مدى ستلتزم حكومة الشرع بهذه العهود، ولكن بدلاً من الانتظار والرؤية، بدأ العديد من القادة الإسرائيليين في التعامل مع حكومة شرع كما لو كان مقدراً لها ببساطة أن تكون خصماً آخر. في أواخر كانون الأول، غزا الجيش الإسرائيلي منطقتين أخريين على الأقل في سوريا خارج المنطقة العازلة وزاد من وتيرة وحجم غاراته في عمق الأراضي السورية، رغم أن الإيقاع تراجع خلال الأسبوعين الماضيين. وتقول إسرائيل إن بعض إجراءاتها تهدف إلى حماية الأقليات وخاصة الدروز الذين هم حلفاء محتملون. ومع ذلك، ينظر العديد من أعضاء الطائفة الدرزية السورية إلى مزاعم إسرائيل بأنها حليفتهم بعين الريبة: ففي منتصف آذار، اندلعت احتجاجات في بلدة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، اتهم خلالها القادة الدروز إسرائيل بتقويض وحدة أراضي سوريا. إن محاولة إسرائيل لإقامة شراكات مع الأقليات المسلمة غير السنية تتعارض مع رغبة معظم السوريين الذين أنهكتهم الحرب في دولة موحدة ومستقرة.

وفي الوقت نفسه، فإن إصرار نتنياهو على أن سوريا بأكملها جنوب دمشق يجب أن تكون “منزوعة السلاح” هو هدف سيصعب على الشرع قبوله، لأنه سيعني على الأرجح التنازل عن السيطرة على هذه المنطقة. كما تعمل إسرائيل على تقويض الشرع من خلال الضغط على الولايات المتحدة للحفاظ على عقوباتها على سوريا والتنسيق الوثيق مع موسكو لمساعدة روسيا في الحفاظ على قواعدها العسكرية. إن انفتاح إسرائيل تجاه روسيا محير، بالنظر إلى أن التدخل الروسي في سوريا لإنقاذ الأسد قبل عقد من الزمن ساعد في ترسيخ النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

يبدو أن القادة الإسرائيليين مصممون على فهم بلادهم على أنها مهددة بالانقراض. يشكل انعدام ثقة إسرائيل في حكومة الشرع مفارقة أخرى. اتهم القادة الإسرائيليون فريق الشرع بإخفاء ألوانه الحقيقية: في آذار، ادعى ساعر أن فريق الشرع “جهادي ولا يزال جهادياً، حتى لو كان بعض قادته يرتدون بدلات”. لكن إسرائيل تعول على موقف شرع المناهض لإيران لمنع إيران من إعادة تأسيس نفوذها الإقليمي. وعلى الرغم من أن تقويض سلطة شرع قد يعزز قبضة إسرائيل على منطقتها العازلة على المدى القصير، إلا أن مصلحة البلاد على المدى الطويل تتمثل في سوريا مستقرة.

وتعمل إسرائيل أيضاً على منع تركيا من تعزيز نفوذها في سوريا. أحبطت إسرائيل الجهود التركية لإعادة بناء قدرات الجيش السوري من خلال قصف القواعد الجوية التي سعت أنقرة للاستيلاء عليها. يتعامل الخطاب الرسمي الإسرائيلي بشكل متزايد مع تركيا كعدو: على سبيل المثال، أشار تقرير صدر في كانون الثاني 2025 عن لجنة عينتها الحكومة حول ميزانية الدفاع، إلى “التهديد التركي”، زاعماً أن تركيا تأمل في جعل الجيش السوري “وكيلاً تركياً كجزء من حلم تركيا بإعادة التاج العثماني إلى مجده السابق”. وهذا بدوره من شأنه أن “يعمّق خطر المواجهة التركية الإسرائيلية المباشرة”. في أواخر آذار، غرد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر على تويتر بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “معاد للسامية” و”تهديد” لـ”المنطقة”.

يبدو أن القادة الإسرائيليين مصممون على تصور بلدهم على أنه مهدد بالزوال، وهم يميلون إلى استبدال التهديد المتضائل الذي يشكله محور المقاومة الإيراني بما يُفترض أنه تهديد تركي جديد. وقد ساهم أردوغان في تدهور العلاقات بين البلدين، إذ شبّه نتنياهو بهتلر عام 2024، واتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة. ترغب أنقرة في ضم سوريا إلى مجال نفوذها، وهو ما قد يُعيق حرية الحركة العسكرية الإسرائيلية ويجلب القوات التركية إلى عتبة حدودها. ومع ذلك، فإن تركيا ليست خصماً لإسرائيل: الدولتان، اللتان تعتبران حليفين للولايات المتحدة، تتشاركان مصالح اقتصادية وأمنية قوية، ولا ينبغي لإسرائيل أن تُغضب أكبر جيش في الناتو بينما تخوض حرباً متعددة الجبهات.

كلفة الفرصة الضائعة

تعكس المواقف الإسرائيلية بالتأكيد عقلية أكثر عدوانية بعد 7 أكتوبر. لكنها تنبع أيضاً من دوافع داخلية. القاعدة السياسية لنتنياهو تستمتع بالمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تُظهر دبابات الجيش الإسرائيلي وهي تجوب سوريا. علاوة على ذلك، من المرجح أن يأمل ائتلاف نتنياهو أن يؤدي عرض الحماية للدروز في سوريا إلى جذب دعم أبناء الطائفة الدرزية داخل إسرائيل، الذين هم مواطنون إسرائيليون مخلصون ويخدمون في الجيش الإسرائيلي، لكنهم يعانون من التمييز مقارنة بالأغلبية اليهودية في البلاد.

لكن نهج إسرائيل في سوريا بدأ يأتي بنتائج عكسية. ففي 2 شباط، قال وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة لصحيفة “واشنطن بوست” إن توغلات الجيش الإسرائيلي “تمثل انتهاكاً ضد الشعب السوري”، وهو تغير عن سياسة نظام الشرع التي امتنعت في البداية عن انتقاد إسرائيل. وأعرب عن أسفه لكون إسرائيل لم تُظهر أي امتنان لما قدّمه استيلاء الشرع على السلطة من ردع لإيران، العدو المشترك: “كان لديهم مشكلة مع إيران؛ نحن أنقذناهم من إيران”. لعدة أشهر، امتنع الشرع عن انتقاد التصعيد الإسرائيلي، وكان يمكن لقادة إسرائيل أن يعتبروا ذلك إشارة إيجابية، لكن في آذار، بدأ الشرع نفسه يُعرب عن غضبه، واصفاً التوغلات الإسرائيلية بأنها “توسعية عدائية”.

في أواخر آذار وأوائل نيسان، تعرضت قوات الجيش الإسرائيلي في سوريا لإطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين. إذا استمرت إسرائيل في موقفها العدواني، يمكن للشرع – الذي كان يغازل الأقليات السورية – أن يسمح، أو حتى يدعم، هجمات مثل هذه الجماعات المسلحة على القوات الإسرائيلية، مما يؤدي إلى تحقيق نبوءة تحقق ذاتها. يمكن أن يؤدي الاستياء من الجيش الإسرائيلي إلى زيادة احتمالات التمرد، الأمر الذي من المرجح أن يجر الجيش الإسرائيلي إلى عمق الأراضي السورية.

النهج الإسرائيلي في سوريا يحقق نتائج عكسية بالفعل

إذا بقيت الحكومة السورية الجديدة معتدلة وتمكنت من تعزيز سلطتها، فإن المكاسب التي يمكن أن تحققها إسرائيل ستكون هائلة. سيكون لديها جار مستقر لا يدين بالفضل لإيران – وجيش يمكنه تأمين البلاد والتعامل مع التهديدات من الجماعات المتطرفة. إسرائيل ليست مجرد متفرج سلبي على مسار السياسة السورية. ويمكنها أن تشجع على اعتدال الشرع من خلال الترحيب بمبادرات دمشق، مثل اعتقال اثنين من كبار قادة الجهاد الإسلامي في 21 نيسان.

علاوة على ذلك، يجب على إسرائيل أن توضح علناً أن تقدمها على الأرض مصمم ليكون مؤقتاً إلى أن تتمكن قوة مسؤولة من تأمين الجانب الآخر من الحدود. وحتى تتمكن دمشق من تحقيق ذلك، يجب على إسرائيل تقليل احتكاكها مع الشعب السوري وحكومته الجديدة من خلال تخفيف وجودها العسكري الظاهر والتواصل مع فريق الشرع عبر قنوات خلفية. وفي الوقت ذاته، ينبغي لإسرائيل أن تستفيد من مكاسبها لتأمين حدودها من خلال المطالبة باتفاق دبلوماسي يحمي الدروز السوريين ويضمن نزع السلاح في مرتفعات الجولان.

يجب على إسرائيل تغيير نهجها تجاه تركيا

خلال اجتماع مع نتنياهو في وقت سابق من هذا الشهر، أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأردوغان ودعا البلدين إلى إصلاح علاقاتهما. لكن نية ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا قد تترك إسرائيل وتركيا تتصارعان على البلاد من دون إشراف الكبار. في 9 نيسان، بدأت جولة من المحادثات بين إسرائيل وتركيا بوساطة أذربيجان. يجب على إسرائيل أن تستخدم هذه المناقشات ليس فقط لإنشاء آلية لتجنب الاشتباك، بل لتقليل التوترات بشكل شامل.

يشبه النهج الإسرائيلي الحالي محاولاتها لإنشاء منطقة أمنية في جنوب لبنان في الثمانينيات والتسعينيات – والتي أدت إلى حرب استنزاف عمّقت الاستياء اللبناني ومهّدت الطريق لحزب الله للسيطرة على البلاد بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي في عام 2000. ويجب على إسرائيل ألا تكرر هذا الخطأ. ينبغي للحكومة الإسرائيلية أن تعمل بشكل وثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين لمنع سوريا من السقوط مجدداً في مدار إيران، وكذلك لتفكيك وإزالة بقايا الأسلحة البيولوجية والكيميائية من عهد الأسد.

يمكن لإسرائيل أيضاً أن تخفف من الأزمة الاقتصادية في سوريا عبر المساعدة في تزويد البلاد بالطاقة والغذاء والماء. هذا – أكثر من مجرد توغلات عسكرية استعراضية من دون استراتيجية دبلوماسية مرافقة – هو ما سيساعد إسرائيل على تحقيق النفوذ الإقليمي الذي تسعى إليه بالفعل.

مقال مُترجم عن مجلة Foreign Affairs – بقلم: شيرا إيفرون وداني سيترينوفيتش

بعنوان: Israel’s Dangerous Overreach in Syria: Making an Enemy of a Potential New Ally

تلفزيون سوريا

—————————-

عضو في الكونغرس الأميركي: الرئيس السوري منفتح على تطبيع العلاقات مع إسرائيل

 تل أبيب: «الشرق الأوسط»

24 أبريل 2025 م

نقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، اليوم الخميس، عن العضو الجمهوري في الكونغرس الأميركي مارلين ستوتزمان قوله إن الرئيس السوري أحمد الشرع منفتح على تطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ شرط بقاء بلاده موحدة وذات سيادة.

وأضاف ستوتزمان في مقابلة مع «جيروزاليم بوست»: «الشرع قال إنه منفتح على الاتفاقات الإبراهيمية، ما يجعل سوريا في وضع جيد مع إسرائيل ومع دول أخرى شرق أوسطية، وبالطبع مع الولايات المتحدة».

وكان عضو الكونغرس الأميركي التقى الشرع قبل أيام في دمشق.

وأكد ستوتزمان أن الشرع يخشى من «تقسيم سوريا إلى أقاليم، ولا يريد أن يحدث ذلك، إنه يريد أن تبقى بلاده موحدة، وأصر على معالجة الانتهاكات الإسرائيلية قرب مرتفعات الجولان وعدم قصف إسرائيل لسوريا».

وأضاف عضو الكونغرس الأميركي أن الرئيس السوري أكد ضرورة وجود مفاوضات ثم خطوات للتطبيع مع إسرائيل، وقال: «أعتقد حقاً أنه منفتح على الحوار».

——————————

قرارات مصيرية تنتظر دروز سوريا.. وإسرائيل مخطئة لو فسرت عدوانها ضد الشرع دعما منهم لها

إبراهيم درويش

نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا عن دروز سوريا وموقفهم من النظام الجديد في دمشق. وأشارت إلى أن الدروز هم أقلية لكنهم يتمتعون بتأثير في منطقة بلاد الشام يتجاوز حجمهم. وقالت: “إن لم يعط منظر البازلت الأسود صورة مباشرة عن خصوصية السويداء، فإن الأعلام الفنزويلية التي ترفرف تشير إلى ذلك. وتحيط الصخور البركانية بالطرق المؤدية إلى هذه المدينة الواقعة جنوب سوريا، حيث يرفرف علم قوس قزح الدرزي إلى جانب العلم الفنزويلي ثلاثي الألوان – تكريما للجالية الدرزية هناك”. وتعتبر السويداء معقل الدروز في سوريا، وهي أقلية انبثقت من الشيعة وتتسم بالانغلاق على نفسها، لكنها في السياسة منفتحة وبراغماتية.

فقد مال الدروز في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى العمل مع القوى الحاكمة، مما منحهم نفوذا لا يتناسب مع أعدادهم. ففي منطقة الجليل، يقاتل الجنود الدروز في صفوف الجيش الإسرائيلي بالحرب ضد غزة وجنوب لبنان. وبالمقابل دعمت الفصائل السياسية الرئيسية للجماعة حزب الله في مواجهته مع الدولة العبرية.

وفي سوريا، كان الضباط الدروز جزءا من الدولة البوليسية في عهد حافظ الأسد ثم ابنه بشار.

    مال الدروز في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى العمل مع القوى الحاكمة، مما منحهم نفوذا لا يتناسب مع أعدادهم

وفي السنوات الأولى للحرب الأهلية السورية، دعمت الميليشيات الدرزية النظام، ومع تراجع قبضته، غير الدروز موقفهم، حيث اندلعت احتجاجات لهم في السويداء.

واليوم، يجد دروز سوريا، الذين يعيشون على طول الحدود مع إسرائيل والأردن، أنفسهم عالقين بين حكومة ذات ميول إسلامية لا يثقون بها وعدوان إسرائيلي متزايد على سوريا.

وترى المجلة أن مواقفهم تعتمد في النهاية على الموقف من أحمد الشرع، الجهادي السابق الذي تحول إلى رئيس للدولة الجديدة في دمشق ويحاول إعادة بناء سوريا.

وتعلق أن الدروز أبدوا حذرا، والسبب مرتبط بعام 2015 عندما ارتكبت جبهة النصرة، وهي فرع من تنظيم القاعدة وسابقة على هيئة تحرير الشام، الجماعة الجهادية الحالية التي ينتمي إليها الشرع، مذبحة راح ضحيتها نحو 20 قرويا درزيا. وفي مقابلة أجريت معه في نفس الفترة تقريبا، قال الشرع إنه ينبغي على الدروز اعتناق الإسلام.

وقد رفض قادتهم الدينيون، وهم ثلاثة شيوخ في السويداء، الإعلان الدستوري الذي كشف عنه الشرع في الشهر الماضي، باعتباره إسلاميا جدا وغير تمثيلي. وفي آذار/مارس وصف أحد الثلاثة، الشيخ حكمت الهجري، إدارة الشرع بأنها “حكومة متطرفة بكل معنى الكلمة”.

في هذه الأثناء، تراقب إسرائيل الأقلية الدرزية، ففي الشهر الماضي، عبر العشرات من القرويين الدروز من سوريا إلى مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل تحت إشراف الجيش الإسرائيلي لزيارة مزار درزي معروف. وفي شباط/فبراير عندما اندلع القتال بين الميليشيات الدرزية والقوات الحكومية في جرمانا، وهي ضاحية ذات أغلبية درزية في دمشق، هدد وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، بالتدخل. وقد ألمح إلى أنه قد يسمح للدروز السوريين بالدخول للعمل في الجولان الذي تحتله إسرائيل.

ومن جهة أخرى، أظهر المجلس العسكري للسويداء مبدأ براغماتيا، حيث قال زعيمه طارق الشوفي إنه لا يعارض “من حيث المبدأ” الدعم الإسرائيلي.

    إسرائيل ستكون مخطئة لو فسرت عدم ثقتها بالشرع على أنه تأييد درزي للاحتلال الإسرائيلي أو التدخل العسكري في سوريا

وقال إن المقاتلين الدروز، المتشككين من حكام سوريا الجدد، يعملون على تجهيز أنفسهم وتنظيم صفوفهم تحسبا لأي مواجهة معهم.

 وحذر رجل أعمال درزي قائلا إن إسرائيل ستكون مخطئة لو فسرت عدم ثقتها بالشرع على أنه تأييد درزي للاحتلال الإسرائيلي أو التدخل العسكري في سوريا.

وقد أبدت بعض الميليشيات الدرزية استعدادها للانضمام إلى الجيش السوري. وتقول المجلة إن شيوخ السويداء المؤثرين واضحون بشأن إسرائيل. ويقول الشيخ يوسف الجربوع، أحد الثلاثة: “تريد إسرائيل أن تظهر أننا تحت حمايتها”. ويؤكد: “إنهم يريدون تجريدنا من هويتنا. لم نقبل يوما وصاية أحد علينا”. ويضيف: “نحن موالون للدولة التي نعيش فيها”. وحذر وليد جنبلاط، الزعيم الدرزي في لبنان الذي اغتيل والده على يد آل الأسد، من أن التقرب من إسرائيل سيجلب كارثة على دروز سوريا.

وقد سارع إلى دعم الشرع بعد سقوط دمشق. ويقول: “أولئك [الذين يدعمون إسرائيل] يسيرون عكس مجرى التاريخ. لا يمكننا أن نتحمل تبعات تنفير المسلمين” منا.

—————————-

زيارة وفد الدروز السوريين إلى إسرائيل.. بين الطقوس الروحية والتطبيع/ ضياء الصحناوي

25 ابريل 2025

دخلت قافلة تضم نحو 600 من مشايخ طائفة الموحدين الدروز في سورية، صباح اليوم الجمعة، إلى أراضي الجولان المحتل عبر معبر “عين التينة”، في زيارة دينية لمقام النبي شعيب في منطقة حطين بالجليل، شمالي فلسطين المحتلة. وتأتي الزيارة، التي يبيت خلالها المشايخ هناك ليلة واحدة لأداء طقوس دينية خاصة، وسط جدلٍ واسعٍ يتعلّق بتبعاتها السياسية واتهاماتٍ بالتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، في وقتٍ تقول فيه مصادر مقرّبة من المنظمين إنها “ممارسة روحانية لا علاقة لها بالسياسة”.

وقال أعضاء من القافلة المتوجهة إلى إسرائيل لمراسل “العربي الجديد” في السويداء جنوبي سورية، إنّ عناصر من قوى الأمن العام السوري رافقوا أفراداً من الوفد في طريقهم من جرمانا وصحنايا قرب دمشق.

    מאות אנשי דת דרוזים מסוריה מבקרים היום בישראל לרגל החג נבי שועייב. מבין שש מאות העולים לקבר יתרו, רבים הגיעו מאזור הר הדרוזים בדרום-מערב המדינה ומפרברי דמשק. זאת בשונה מהביקור הראשון במרץ, אז הגיעו בעיקר אנשי דת מאזור הגולן הסורי בקרבת הגבול. גורם שמעורה בפרטים אמר ל”כאן חדשות”… pic.twitter.com/iKN9utIxfn

    — כאן חדשות (@kann_news) April 25, 2025

وأشارت مصادر أخرى إلى أنّ طلب الزيارة تقدم به مشايخ سوريون عبر وساطة ممثلين عن الطائفة في إسرائيل، مؤكدةً أن السلطات السورية كانت على علم بالحدث ولم تعترض عليه. في المقابل، ندد ناشطون وكتاب سوريون من الطائفة الدرزية، خاصة من دروز الجولان المحتل، بالزيارة. وذكّر معارضو الزيارة بتفاصيل مؤلمة يعيشها السوريون تحت الاحتلال، منتقدين تحوّلها إلى منصة لخطابات عسكرية إسرائيلية.

من ناحية أخرى، يرفض مشايخ ومصادر مقرّبة من الوفد الزائر الربطَ بين الزيارة والتطبيع، مؤكدين أن مقام النبي شعيب هو “أقدس مكانٍ للموحدين الدروز”، وأن الحج إليه واجب ديني لا يتقيد بالحدود السياسية. وقال أحد المشايخ لـ”العربي الجديد” إن المشاركين حذِرون من الانجراف وراء الأجندات الإسرائيلية، وإنهم يحرصون على اقتصار مسار الحافلات على الطريق من الحدود إلى المقام من دون زيارة مناطق أخرى.

وتشير بعض الأصوات الداعمة للزيارة إلى أن انتقادات المعارضين تُغفل الإرث الروحي للطائفة الذي يتجاوز “النزاعات الأرضية”. ويذكّر هؤلاء بمواقف مشايخ دروز سوريين رفضوا سابقاً أي تدخلٍ إسرائيلي، لكنهم يفرقون بين السياسة والممارسة الدينية، معتبرين أن المقام جزء من تراثهم بغضّ النظر عن السيادة على الأرض. 

وفي الخلفية، تطفو إشكالية التعاطي الرسمي السوري مع الزيارة. فبينما أكدت مصادر “العربي الجديد” أن الإدارة في دمشق مطلعة على التفاصيل، يرى معارضون أن عدم الاعتراض يُعتبر إشارةً إلى الضعف أو التواطؤ، خاصةً في ظلّ صعوبة فصل الدين عن السياسة تحت الاحتلال.

يُذكر أنّ هذه الزيارة ليست الأولى من نوعها، فقد سبق لنحو 150 من المشايخ الدروز أن زاروا، في مارس/ آذار الماضي، مقام النبي شعيب، وقرية جولس، حيث مقر الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في الداخل الشيخ موفق طريف، المقرّب من سلطات الاحتلال ويتبنّى سرديتها، عدا زيارتهم قرية البقيعة في الجليل.

——————————

======================

الموقف الأميركي اتجاه سوريا، مسالة رفع العقوبات، الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة الاميركية على الحكومة السورية تحديث 24-25 نيسان 2025

لمتابعة هذا الملف التبع الرابط التالي

العقوبات الأميركية على سوريا الجديدة وسبل إلغائها

—————————–

عن الجهاديين الأجانب في سورية/ طارق عزيزة

25 ابريل 2025

ملف الجهاديين الأجانب من الملفّات المعقّدة التي على السلطة الجديدة في سورية التعامل معها، بعدما فتح الباب أمام انتقادات خارجية وداخلية، فالأمر لا يقتصر على الجانب الأمني، وما يثيره من هواجس ومخاوف لدى بعض العواصم الغربية والعربية، وإنما يستدعي التساؤل عن المشروع الذي تحمله هذه السلطة، ومضمونه الأيديولوجي والسياسي الحقيقي.

تنقسم آراء السوريين حيال ظاهرة “المهاجرين”، وفق التسمية الشائعة في القاموس الجهادي، فأنصار السلطة عموماً يُكبِرون فيهم تضحياتهم في مواجهة نظام الأسد، ولا يرون ضيراً من تجنيسهم ومنحهم الرتب والمناصب العسكرية، “اعترافًا بدورهم في إسقاط النظام”، إلى جانب تبرير عدم إمكانية إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، بالصعوبات السياسية والأمنية التي تعيق ذلك. في المقابل، تعبّر أصوات سوريين آخرين عن مخاوف متزايدة من وجود غير سوريين في مواقع القرار الأمني والعسكري، فضلاً عن سلوك بعض الجهاديين في الأوساط المدنية، وتدخّلهم في خصوصيات الناس، وما لهذه الممارسات من انعكاسات خطرة على السلم الأهلي الهشّ أصلاً، وحقوق المواطنات والمواطنين وحرّياتهم الأساسية. فوق هذا، ما تزال الذاكرة السورية مثقلة بتجربة الحكم الجهادي متعدّد الجنسيات لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في بعض ما كانت تُسمّى “مناطق محرّرة”.

أثار أسلوب تعامل السلطة مع ملفّ الجهاديين الأجانب قلقاً وردوداً سلبية في عواصم أوروبية رئيسية وفي الولايات المتحدة، إذ لم يَرُقها دمج عناصر أجنبية جهادية في بنية التشكيلات العسكرية والأمنية الجديدة، ورأتها خطوةً لا تساعد في تطوير التعاون السياسي والتنموي، وقد تضع عراقيل جدّية أمام مساعي تمويل إعادة الإعمار، والاعتراف السياسي والدبلوماسي الكامل بالوضع الجديد، مشدّدةً على ضرورة بناء مؤسسات وطنية الطابع، لا تخضع لولاءات أيديولوجية متطرّفة أو عابرة للحدود الوطنية.

    ليس من المقبول بعد زوال نظام الأسد أن يُقتل مواطنون سوريون لأسباب طائفية، ويشارك في القتل جهاديون أجانب، ثم يفلتون من العقاب

تعزّزت المخاوف بعد مجازر طائفية استهدفت سوريين علويين مدنيين في الساحل السوري خلال الشهر الماضي (مارس/ آذار)، بعد هجمات نفذها مقاتلون موالون للنظام السابق، راح ضحيتها عناصر من الأمن، فقد كشفت تقارير حقوقية وشهادات ميدانية عن عمليات انتقامية بدوافع طائفية، كان من بين المشاركين فيها جماعات جهادية أجنبية. ورغم اعتراف السلطة بالانتهاكات، وإعلانها تشكيل لجنة تقصي حقائق في “أحداث الساحل”، ثم تمديد مهلة عمل اللجنة، تتزايد الشكوك حيال غياب المساءلة والافتقار إلى النّية الجدّية في كسر حلقة الإفلات من العقاب، مع الإهمال المتعمّد للمناطق المنكوبة، واستمرار الجرائم والانتهاكات، وإنْ متفرّقة.

يمكن تصنيف الجماعات الجهادية الأجنبية في فئتين، كانت الأولى ضمن هيئة تحرير الشام وجزءاً عضوياً منها، وعملت الثانية باستقلالية، وراوحت علاقتها بالهيئة أيام حكم إدلب ما بين التحالف والخصومة، وفق تغيّر الظروف والمصالح. واليوم، أياً تكن دوافع السلطة ومبرّراتها، فيشير الإبقاء على عناصر جهادية أجنبية في سورية، بعضها مصنّف على قوائم الإرهاب، إلى استمرار شيءٍ غير قليل من العقلية الفصائلية والتقاليد السلفية الجهادية لدى حكّام سورية الجدد، رغم محاولاتهم إظهار ابتعادهم عنها والتخفّف من إرثها، لعلمهم أنّها تؤثّر سلباً في علاقاتهم الإقليمية والدولية. ومن ثم، إذا كان الجيش السوري الجديد وطنياً ويعبّر عن الشعب السوري كلّه، كما يزعمون، فلا حاجة عندهم إلى الجهاديين الأجانب، لأنّ المشروع الذي أتى بهؤلاء للقتال في سورية لا ينسجم مع بناء هوية سورية جامعة، تؤسّس وطناً حرّاً كريماً، لجميع مواطناته ومواطنيه.

لقد نادت الثورة السورية بالكرامة والحرية وسيادة الشعب، ضدّ نظامٍ رهن البلاد ومقدّراتها لحلفائه الأجانب، واستقدم مقاتليهم ومنحهم الجنسية والسلاح لينكّلوا بالشعب حفاظاً على الحكم. ليس من المقبول بعد زواله أن يُقتل مواطنون سوريون لأسباب طائفية، ويشارك في القتل جهاديون أجانب، ثم يفلتون من العقاب، ويحظون بالحماية والرعاية والتكريم من السلطة الجديدة، لأن هذا سيعني تضاؤل الفروق بين سلوك النظام البائد وسلوك ورثته في الحكم، الذين ينسبون إلى أنفسهم الفضل في “تحرير” البلاد منه.

    مسألة الجهاديين الأجانب في سورية سياسية بامتياز، وترتبط بمشروعية الحكم

تتأكّد خطورة هذا الملف بإدراجه ضمن شروط الغرب لتخفيف العقوبات الدولية ورفعها، ويبدو أنّه متضمّن في التصريحات الدبلوماسية الغربية عن “اختبار النيات”، ومراقبة سلوك السلطة الانتقالية، ومعنى ذلك أن موضوع العقوبات تجاوز النظام السابق وما ارتبط به من جرائم وانتهاكات، وأصبح رهناً بسلوك السلطة الجديدة وأجنداتها.

ربما يتمكّن الرئيس السوري الانتقالي من تجنّب الضغوط التي يسببها ملف الجهاديين الأجانب، ويكسب بعض الوقت بما عُرفت عنه من براغماتية. لكنّه مضطرٌّ، في النهاية، إلى اتخاذ قرارات حاسمة، فالمسألة لا تحتمل الحلول الوسط، لأنها ليست مشكلة تقنية تُحلّ بمرسوم يمنح الجنسية، ويبرّر دمجهم في التشكيلات العسكرية، بل هي مسألة سياسية بامتياز، وترتبط بمشروعية الحكم وحدود تمثيله. ومن ثم، عليه الموازنة والاختيار بين الفائدة التي يجنيها من التمسك بهم، والاعتماد عليهم قوةً ضاربة شديدة الولاء له، يرهب بها الخصوم، وبين سلبيات وجودهم ودورهم، وما يستتبعه من خسائر لسلطته ومصداقيتها، خصوصاً قدرتها على إنتاج نظام سياسي جديد، يتجاوز إشكالات الحقبة السابقة وتبعاتها الكارثية، فلا يكون استمراراً لها، بذرائع أيديولوجية ودوافع سلطوية من نوع آخر.

————————————–

بين ضغوط أميركية وتباينات داخلية.. معضلة المقاتلين الأجانب في سوريا/ حسام الملحم

يعتبر ملف المقاتلين الأجانب أحد الملفات المعقدة على المستويين الاجتماعي والسياسي في سوريا بعد سقوط نظام الأسد المخلوع، رغم تفاوت أسباب التحاقهم بجبهات القتال ضد النظام السابق، والتي تراوحت بين ما هو أيديولوجي ديني، أو سياسي، ورغبة في نصرة المظلومين، أو الانجذاب إلى “فكرة الجهاد” أو “المغامرة” أو “الخلاص الشخصي”.

وبعد الإطاحة بنظام الأسد، وخروج هؤلاء المقاتلين من إدلب، المدينة التي حوصر وجودهم بها بالإضافة إلى بعض الأرياف المحررة لسنوات سبقت التحرير، وانفتاح الخريطة السورية أمام تحركاتهم على مصراعيها، تفاوتت المواقف الشعبية والاجتماعية من وجودهم، بالتزامن مع تحول سياسي ضاغط في ملفهم نوعاً ما، وتجلى ذلك بتضمين في أولويات الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات الاقتصادية جزئياً عن سوريا، رغم أن تلك العقوبات كانت منوطة بنظام قد سقط أصلاً، وأفرغ هذه العقوبات من مسوغات بقائها.

كفاءات عالية واختلافات عقائدية

ينقسم “المقاتلون الأجانب” كمكون عسكري رفع البندقية بوجه نظام الأسد، إلى عدة أطياف على المستوى العقائدي، فهناك مجموعات تبنت فكراً متشدداً وشكلت فرعاً لتنظيم “القاعدة” وحاربتها كل من “هيئة تحرير الشام” و”التحالف الدولي”، مثل “حراس الدين” (حلّ نفسه في بداية العام)، وهناك فصائل لم تتناغم مع “الهيئة” فانخرطت مع الشيشان، وهناك فصائل تماهت مع “الهيئة ومنحتها قرار السلم والحرب، ومنها كتيبة “الغرباء” الفرنسية، و”المقاتلون الألبان” و”الحزب الإسلامي التركستاني”.

الشيشان هم من الأكثر عدداً وخبرة وتنظيماً بين المقاتلين الأجانب، رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة، ومن فصائلهم “جيش المهاجرين والأنصار” (أسسه صلاح الدين الشيشاني)، و”جند الشام”، بالإضافة إلى المقاتلين القادمين من آسيا الوسطى، كالأوزبك والطاجيك والتركمان والكازاخ، ومن فصائلهم “كتيبة التوحيد والجهاد” (أوزبك)

وهناك أيضاً “أجناد القوقاز”، وهم فصيل من مقاتلين شيشانيين وقوقازيين من داغستان والشيشان، وهي جماعة ركزت على قتال الروس ونظام الأسد من دون غرق في منزلق التكفير أو السياسات الداخلية للفصائل، ونشطت في وقت سابق في جبال الأكراد والتركمان بريف اللاذقية الشمالي على خطوط التماس مع قوات نظام الأسد وحليفه الروسي، ورفضت ممارسات تنظيم “داعش”، ومن مميزاتهم العسكرية قلة العدد والكفاءة العالية والانضباط الصارم والتسليح الجيد، والتركيز على قتال الروس كأولوية لهم.

نظرة المجتمع مرهونة بالزمن والجغرافيا

يمكن تقسيم النظرة الاجتماعية حيال المقاتلين الأجانب في سوريا وفق إطار زمني، فالسنوات الأولى من الثورة السورية شهدت قبولاً نسبياً بوجودهم في إدلب وريفي حماة وحلب (مناطق ظلت خارج سيطرة نظام الأسد حتى سقوطه)، لخبرتهم القتالية العالية جداً مقارنة بقوات الأسد، لكن بعد نحو خمس سنوات من الثورة، وتراجع وتيرة العمل العسكري، طرأت تغيرات على المزاج العام شابتها نظرة سلبية ارتبطت بتحكم بعضهم بالحياة المدنية، مع وجود بعض حوادث التشدد الديني، والخوف من استجلاب القصف الروسي أو الدولي بسبب وجودهم، إلى جانب حالة تصادم ثقافي مرتبطة بالعادات واللغة.

على مدار السنوات الماضية، حاول بعض المقاتلين الأجانب الاندماج بالمجتمعات المحلية، فمنهم من تزوجوا من مواطنات سوريات، وهناك من انخرط بمهن وشكّل علاقات صداقة ومعارف، وإن كانت الثيمة الطاغية هي التجمعات الخاصة وأسلوب الحياة المغلق، فمثلاً عاش مقاتلو “الإسلامي التركستاني” مع عائلاتهم في مناطق مغلقة، خصوصاً في جبل التركمان وجبل الزاوية، وقرى في جسر الشغور بريف إدلب الغربي، ونشطت محال تجارية يديرونها في بيع الخبز ومأكولات مرتبطة بهم، لكن شخصيات منهم بدأت تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي إثر سقوط النظام، وتنقلت بين المناطق السورية من دون غرض الاستقرار.

وفي مخيم معزول ومراقب، قرب حارم، استقرت كتيبة “الغرباء” وشكلت مجتمعاً منعزلاً ومنغلقاً، ويقودها عمر أومسن، والكثير من أفرادها غير متزوجين، وهناك من تزوجوا من سوريات أو أجنبيات.

المدعي العام الفرنسي لمكافحة الإرهاب، أوليفييه كريستين، أشار في وقت سابق خلال مقابلة مع قناة “RTL”، إلى وجود 70 فرنسياً في جيب إدلب، تابعين للمجموعة التي يقودها أومسن، وهي مقربة من “القاعدة”. ويمكن أن تعبر إدارة مقاتل داغستاني لمطعم سوشي شمال غربي سوريا في 2023، عن محاولة اندماج في المجتمع السوري، بعد قتال لخمس سنوات ضد نظام الأسد.

وبعد سقوط الأسد، تنقسم الآراء حيال هؤلاء المقاتلين، فبعض المجتمعات المحافظة ترى فيهم “ثواراً أجانب” ساعدوا في المعركة ضد الأسد، وأسهموا في وضع نقطة النهاية على خط معاناة طويل خطه النظام السابق على امتداد 14 عاماً من حياة السوريين التي تراوحت بين تهجير وتدمير وقتل واعتقال وتعذيب ولجوء ونزوح وسلب ممتلكات.

وخلافاً لهذه الرؤية، فإن سوريين في مناطق أخرى يبدون حالة عدم ارتياح من تشدد بعض “المقاتلين الأجانب” ومحاولتهم فرض رؤى تحمل تطرفاً بنظر منتقديهم، كما أن فئات أخرى تنظر إلى المسألة من زاوية تهديد الاستقرار، ما لم يلق المقاتلون الأجانب سلاحهم، على اعتبار أن البلاد مرهقة بالحرب وترنو إلى مستقبل سياسي مدني.

مديونية أخلاقية وسياسية

لم تصدر أي دراسات تتناول وجود المقاتلين الأجانب في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، لكن دراسة صدرت عام 2023، بعنوان “Foreign Fighters and Transitional Justice in Post-Conflict Syria” (المقاتلون الأجانب والعدالة الانتقالية في سوريا ما بعد الصراع)، شددت على ضرورة تطبيق العدالة والمحاسبة على الأفعال الفردية في سوريا، إذ لا وجود لحلول جماعية عامة، مع مطالبات بمحاكمة من ارتكب جرائم، أو ترحيل من بقي بلا مبرر واضح، بالإضافة إلى ميل للسماح بالاندماج لمن أثبت نواياه السليمة ووجوده الإنساني، من دون أن يتعارض ذلك مع رغبة المجتمع باستعادة الحكم في مجاله المحلي من دون تدخل المقاتلين الأجانب.

الدكتور عبد الرحمن الحاج، الباحث في الجماعات الجهادية، أوضح لموقع تلفزيون سوريا، أن موضوع المقاتلين الأجانب يرتبط بمسألتين، الأولى موقع بعضهم في قيادة الجيش، والآخر منحهم الجنسية السورية ليعيشوا كمواطنين سوريين، فالولايات المتحدة تعارض وجودهم في قيادات الجيش، لا في سوريا، فهذا ليس محل نقاش وهو شأن سيادي بطبيعة الحال، ولكن وجودهم في قيادة الجيش يثير تحفظات دول إقليمية أيضاً، ونقاشاً داخلياً في سوريا بطبيعة الحال.

ومن الناحية القانونية ليس هناك ما يمنع وجود أجانب في الجيش، وبفضل خدماتهم الجليلة للشعب السوري والدولة السورية سيمنحون الجنسية السورية، ويصبحون مواطنين، هذا أمر يتطلب بعض الوقت، بالنظر لوجود مديونية أخلاقية وسياسية تجاه أولئك المقاتلين بسبب إسهامهم في إسقاط نظام الأسد، وفي الوقت نفسه هناك مطالب دولية لمنعهم من الوصول إلى مناصب قيادية.

ويرى الباحث أنه من حيث المبدأ سيصبح المقاتلون الأجانب مواطنين سوريين، ومن الناحية القانونية سيكون من حقهم تولي مناصب مختلفة في الدولة ضمن الإعلان الدستوري ولاحقاً ضمن الدستور الدائم، مع توقعات باستمرار الضغط خلال السنوات الأولى لإبعادهم عن المناصب العليا في قيادة الجيش، مع استبعاد إحداث تغييرات بشأن القيادات التي وليت مناصب رئيسية في الجيش السوري حالياً، لكن سيتم التعامل بإيجابية قدر الإمكان في الفترة المقبلة وبشكل خاص مع التعيينات الجديدة.

محاولة ضغط على الحكومة

كما أن موضوع الأجانب في الجيش الذين لا يتجاوز عددهم ألفي مقاتل بحسب التقديرات، لا يشكل مشكلة كبيرة في جيش تعداده يتجاوز 100 ألف، فالجيش مكلف بالدفاع عن البلاد ولا علاقة له بالمسائل الأمنية الداخلية ما لم يحصل تطور خطير يهدد الدولة، وفق الباحث.

وقد أثيرت قضية المقاتلين الأجانب بعد أحداث الساحل في الأسبوع الثاني من آذار الماضي، لتحقيق ضغط على الحكومة السورية رغم عدم وجود دلائل على دور لهم في الانتهاكات التي حصلت، خصوصاً أن التحقيقات الجارية ستبت بهذه المزاعم.

ولا يجد السوريون بنسبة كبيرة مشكلة في تجنيس المقاتلين الأجانب وعائلاتهم وحمايتهم، كجزء من رد الجميل والوفاء لدورهم في العمليات العسكرية ضد نظام الأسد البائد، وهذا لا يعني عدم وجود خلاف بين السوريين حول هذه النقطة، لكنه اتجاه عام، وفق الباحث. وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، أوضح في وقت سابق أن أعداد المقاتلين الأجانب الذين جرت ترقيتهم عسكرياً، قليلة، وقد قدموا تضحيات في سوريا وهم على درجة عالية من الوعي، مع التأكيد على أهمية التزامهم بالسياسة العامة للبلاد.

وفي 17 نيسان، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” عن ثمانية شروط أميركية قدمتها واشنطن للحكومة السورية كـ”خطوات لبناء الثقة”، للنظر في تخفيف العقوبات عن دمشق، وجاء فيها أن يثبت الرئيس أحمد الشرع قدرته على التخلص من المقاتلين الإسلاميين الأجانب وبقايا “القاعدة” من حكومته.

هذه الشروط تبعها بيومين تقرير نشره موقع “THE ECONOMIC TIMES”، وتحدث عن انتقال مقاتلين أجانب من أصول آسيوية، لعبوا دوراً في تغيير النظام بدمشق، إلى أفغانستان، ما أثار قلق نظام “طالبان” وجمهوريات آسيا الوسطى.

وبحسب التقرير فالمقاتلون القادمون من سوريا موجودون في ولايات هرات وبدخشان وبغلان، في أفغانستان، مع احتمال امتداد تأثيرهم إلى طاجيكستان وأوزبكستان في آسيا الوسطى.

تلفزيون سوريا

——————————-

واشنطن- دمشق.. انفتاح محتمل/ حسن إبراهيم | هاني كرزي | عمر علاء الدين

شروط “غير مجحفة” وطمأنة إسرائيل أولوية

لم تعد الشروط الأمريكية المطلوب تنفيذها من الإدارة السورية الجديدة حبيسة القنوات الدبلوماسية، فالمعلَنة منها والمسربة تدور في فلك أربعة مطالب، يصفها محللون سياسيون بأنها “غير مجحفة”، وهي تدمير أي مخازن متبقية من الأسلحة الكيماوية، والتعاون في مكافحة الإرهاب، وإبعاد المقاتلين الأجانب من مناصب حكومية عليا، وتعيين ضابط اتصال للمساعدة في الجهود الأمريكية للعثور على الصحفي الأمريكي المفقود في سوريا أوستن تايس.

هذه الشروط مقابل تخفيف واشنطن بعض العقوبات المفروضة على سوريا، لكنها تمهد لانفتاح العلاقات بين واشنطن ودمشق، وتؤسس لطي صفحة سوداء وشائكة بدأت منذ فرضت الولايات المتحدة أولى عقوباتها على سوريا، في كانون الأول 1979، عندما أدرجتها على قائمة الدول الراعية للإرهاب.

في المقابل، تبدو ملامح التزام ببعض الشروط من قبل الحكومة السورية الجديدة وعلى رأسها أحمد الشرع، منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 من كانون الأول 2024، مع إبداء المرونة والاستعداد للعمل على بعضها الآخر، بينما تبقى التحديات أمام شرط المقاتلين الأجانب وتكثيف جهود البحث عن الصحفي تايس، مع حذر بتبادل الخطوات مع واشنطن التي لا تزال مترددة ومتحفظة في التعامل مع دمشق.

الأمر ليس بهذه السهولة، وفق دبلوماسيين وسياسيين وخبراء، فالمشهد السوري معقد ومتشابك خاصة مع وجود قوات إقليمية ودولية تتقاطع وتتعارض مصالحها في البلد، لا سيما ملف إسرائيل ذات العلاقة المتينة مع أمريكا، والتي توغلت قواتها في الجنوب السوري، وخلقت ملامح مواجهة مع تركيا على الأراضي السورية.

في هذا الملف، تسلط عنب بلدي الضوء على الموقف الأمريكي تجاه سوريا ما بعد الأسد، والشروط والمطالب التي وضعتها، وتناقش مع دبلوماسيين وخبراء إمكانية تنفيذها، ومدى تأسيسها لمسار انفتاح بين الطرفين، وتأثير إسرائيل في هذا الموقف ومآلات العلاقة معها، ومستقبل العلاقة بين دمشق وواشنطن.

خطوات أمريكية بطيئة نحو دمشق

بدت الخطوات الأمريكية بطيئة تجاه سوريا، فمن حيث التوقيت تزامن سقوط النظام السوري مع تولي دونالد ترامب سدة الحكم في واشنطن، كما أبدى الأخير عدم الاهتمام بما يحصل في سوريا، إذ قال في أول تعليق له قبل هروب الأسد بيوم، إن الولايات المتحدة يجب ألا تتدخل في الصراع في سوريا، مضيفًا، “يبدو أن المعارضة السورية تتحرك بشكل كبير للإطاحة بالأسد”.

وذكر ترامب أن سوريا في حالة من الفوضى، “لكنها ليست صديقتنا ويجب ألا يكون للولايات المتحدة أي علاقة بها. هذه ليست معركتنا.. دعها تستمر.. لا تتدخلوا!”.

عقب ساعات على إعلان هروب الأسد من سوريا، أكدت الولايات المتحدة الأمريكية دعمها الكامل لعملية انتقال سياسي بقيادة وملكية سورية، ونشرت وزارة خارجيتها عدة بنود على عملية الانتقال والحكومة السورية الجديدة أن تلتزم بها وهي:

    حكم موثوق وشامل وغير طائفي يفي بالمعايير الدولية للشفافية والمساءلة، ويتفق مع مبادئ قرار “2254”، واحترام حقوق الأقليات بشكل كامل.

    تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى كل المحتاجين.

    منع استخدام سوريا كـ”قاعدة للإرهاب أو تشكيل تهديد لجيرانها”.

    ضمان تأمين أي مخزونات من الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية وتدميرها بشكل آمن.

في 20 من كانون الأول 2024، كانت أول محادثات رسمية أمريكا وأحمد الشرع، وأول زيارة لدبلوماسيين أمريكيين إلى دمشق منذ عام 2012، وبعد اللقاء بساعات، أوقفت الولايات الأمريكية رصد مكافأة مالية قيمتها 10 ملايين دولار أمريكي لمن يدلي بمعلومات حول أحمد الشرع.

في 6 من كانون الثاني الماضي، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية الترخيص رقم “24” الذي يشمل إعفاءات تهدف لتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وضمان عدم إعاقة العقوبات للخدمات الأساسية، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي، لمدة ستة أشهر، مع مراقبة ما يحصل على الأراضي السورية.

وفي 15 من كانون الثاني، اتخذت الولايات المتحدة إجراءات إضافية لتخفيف العقوبات، فيما يتعلق بالأمر التنفيذي “رقم 13894” الصادر في 14 من تشرين الأول 2019، حول “حظر الممتلكات وتعليق دخول بعض الأشخاص الذين يساهمون بالوضع في سوريا”.

    أبرز الخطوات بعد سقوط الأسد

        بسطت فصائل سورية سيطرتها على دمشق بعد السيطرة على مدن أخرى، وأنهت 53 عامًا من حكم عائلة الأسد.

        أعلنت الإدارة السورية أحمد الشرع رئيسًا للبلاد بالمرحلة الانتقالية، وإلغاء العمل بالدستور، وحل الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية ومجلس الشعب وحزب “البعث”.

        تشكيل لجنة تقصي الحقائق ولجنة لتعزيز السلم الأهلي بعد مواجهات دامية في الساحل السوري.

        توقيع اتفاق بين أحمد الشرع، وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، نص على دمج “قسد” في مؤسسات الدولة السورية، وضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية.

        توقيع إعلان دستوري يحدد المرحلة الانتقالية في البلاد بمدة خمس سنوات.

        تشكيل حكومة جديدة حلت مكان حكومة تصريف الأعمال، وضمت 23 وزيرًا.

    اعتبرت واشنطن تشكيل الحكومة السورية الجديدة “خطوة إيجابية” وشاملة من أجل سوريا شاملة وممثلة، مع التشديد على عدم تخفيف العقوبات قبل تحقيق تقدم في مجموعة أولويات، وهي نفس الشروط المطروحة يضاف إليها منع إيران ووكلائها من استغلال الأراضي السورية، وضمان أمن وحريات الأقليات الدينية والعرقية في سوريا.

جدل تأشيرات أعضاء البعثة السورية

في نيسان الحالي، خفّضت السلطات الأمريكية تأشيرات أعضاء البعثة السورية من “جي 1” المخصصة للدبلوماسيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة إلى “جي 3” الممنوحة لمواطنين أجانب يمثلون في الأمم المتحدة حكومة لا تعترف بها الولايات المتحدة، في خطوة فتحت الباب أمام الجدل حول الهدف منها، ومدى ارتباطها بموقف أمريكا من سوريا، أو حملها لرسائل سياسية.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة قدمت توجيهات إلى البعثة السورية لدى الأمم المتحدة بشأن تعديل وضع تأشيرات أعضاء بعثتها في نيويورك، مضيفًا أن الإجراء اتخذ بقرار إداري بناء على سياسة الاعتراف الأمريكية الحالية، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة لا تعترف في الوقت الحالي بأي كيان كحكومة لسوريا.

وأوضح المتحدث أنه لم يطرأ أي تغيير على امتيازات أو حصانات الأعضاء المعتمدين في البعثة السورية الدائمة لدى الأمم المتحدة.

مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية، أوضح أن الإجراء هو تقني وإداري بحت، يرتبط بالبعثة السابقة، ولا يعكس أي تغيير في الموقف من الحكومة السورية الجديدة، وقال إن وزارة الخارجية على تواصل مستمر مع الجهات المعنية لمعالجة هذه المسألة وتوضيح السياق الكامل لها، بما يضمن عدم حدوث أي التباس في المواقف السياسية أو القانونية ذات الصلة.

وفي هذا السياق، أكد المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن وضع سوريا في الأمم المتحدة لم يتغير جراء قرار تغيير تأشيرات أعضاء البعثة السورية، وأن سوريا لا تزال عضوًا بالمنظمة.

وذكر دوجاريك أن مسألة العضوية تخضع لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، لافتًا إلى أن قرار الدولة المضيفة بتغيير تأشيرات أعضاء البعثة لا يؤثر على وضع سوريا في المنظمة، كما لا يؤثر على مشاركة أعضاء البعثة الدائمين في أعمال الأمم المتحدة.

السياسي السوري المقيم في واشنطن محمد علاء غانم، قال لعنب بلدي، إن الحكومة الأمريكية لا تعترف بالإدارة السورية الجديدة منذ سقوط نظام الأسد، في 8 من كانون الأول 2024، مضيفًا أن تخفيض التأشيرات جاء تماشيًا مع اللوائح الناظمة لإصدارها.

ويرى غانم أن الأمر ليس “عقابًا” على أي شيء وغير مرتبط بأي حدث سياسي جرى مؤخرًا، مشيرًا إلى محاولات اصطياد بالماء العكر، لكن التوضيحات الرسمية حاضرة سواء من الخارجية الأمريكية أو السورية أو الأمم المتحدة.

لا ينفي غانم إمكانية وجود رسائل سياسية من هذه الخطوة، لكنه يؤكد أن ما حدث هو إجراء إداري نابع عن موقف سياسي ليس بجديد.

الإعلامي والسياسي السوري- الأمريكي أيمن عبد النور، قال لعنب بلدي، إن عدم اعتراف أمريكا بالحكومة السورية الحالية، ناجم عن طابع قانوني وليس سياسيًا، فالقانون يقول إن هذه الحكومة امتداد لـ”هيئة تحرير الشام” المصنفة “إرهابية”، وبالتالي لا يمكن الاعتراف بأي جسم تابع لها.

شروط ليست مجحفة.. لكنها قاسية

تعددت الرسائل التي تلقتها الإدارة السورية الجديدة بهذه الشروط، بدءًا بما قاله رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، جيم ريش، مرورًا بما نقلته وكالة “رويترز” عن تسليم مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، ناتاشا فرانشيسكي، قائمة شروط لتخفيف العقوبات، لوزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، على هامش مؤتمر “بروكسل”، وصولًا إلى ما قالته المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، تامي بروس، في 1 من نيسان الحالي.

بما يتعلق بشرط تدمير مخازن الأسلحة الكيماوية، قال وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في 5 من آذار الماضي، إن بلاده ملتزمة بالتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لتدمير بقايا برنامج الأسلحة الكيماوية لنظام الأسد.

وشدد الشيباني على أن التزامات سوريا في هذه المرحلة التاريخية هي تدمير بقايا برنامج الأسلحة الكيماوية الذي تم تطويره في عهد نظام الأسد، ووضع حد لهذا الإرث المؤلم، وتحقيق العدالة للضحايا، وضمان الامتثال للقانون الدولي بشكل قوي، كما شاركت سوريا، في آذار، للمرة الأولى في تاريخها، باجتماع المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية في لاهاي.

بالنسبة لشرط مكافحة “الإرهاب”، فهناك خصومة وعداء وقتال تاريخي بين تنظيم “الدولة الإسلامية” والفصائل وأبرزها “هيئة تحرير الشام”، كما كشف مسؤولون أمريكيون أن الولايات المتحدة شاركت معلومات استخباراتية مع الإدارة السورية الجديدة، أدت إلى إحباط مخطط لتنظيم “الدولة” لتفجير مقام السيدة زينب.

وفي 9 من آذار الماضي، اتفقت سوريا مع الأردن والعراق وتركيا ولبنان على إدانة الإرهاب بكل أشكاله، والتعاون في مكافحته عسكريًا وأمنيًا وفكريًا، وإطلاق مركز عمليات مشترك للتنسيق والتعاون في مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”، ودعم الجهود ومنابر العمل الإقليمية والدولية القائمة، للقضاء على التنظيم وما يمثله من خطر على أمن سوريا والمنطقة والعالم، والتعامل مع سجون عناصره.

الباحث ومدير وحدة المعلومات في مركز “جسور للدراسات”، وائل علوان، يرى أن الشروط الأمريكية في هذا التوقيت التي تحتاج فيها سوريا لرفع العقوبات بشكل أسرع، هي شروط قاسية لكنها ليست مجحفة، وأن ما تطلبه الولايات المتحدة هو جزء من أهداف الشعب السوري وما تسعى الحكومة السورية لتحقيقه.

وتتسم السياسة الأمريكية الحالية تجاه سوريا بالحذر والتجريبية، وفق الدبلوماسي السوري السابق بشار الحاج علي، إذ لم تعترف الولايات المتحدة بعد بشكل كامل بالحكومة السورية الجديدة، رغم تغيّر المعطيات على الأرض.

وقال الحاج علي لعنب بلدي، إن الأشهر الماضية شهدت تحركات سورية في ملفات حساسة مثل الأسلحة الكيماوية، وتقليص النفوذ الإيراني، والانخراط في جهود مكافحة الإرهاب، غير أن الولايات المتحدة، ورغم ترحيبها الحذر ببعض هذه الخطوات، ربطت الانفتاح السياسي بالمعالجة الجدية لملفي الصحفي الأمريكي أوستن تايس، والمقاتلين الأجانب.

ويرى الدبلوماسي السوري أن هذين الملفين في الظاهر لا يبدوان بنفس الثقل الاستراتيجي للملفات الإقليمية الكبرى، إلا أنهما يحملان رمزية سياسية وأخلاقية عالية في الوعي الأمريكي الرسمي والعام، فأوستن تايس، الضابط السابق في سلاح البحرية والمفقود منذ عام 2012، تحوّل إلى رمز لمعركة طويلة تخوضها واشنطن من أجل مواطنيها المفقودين، وترتبط قضيته بحسابات داخلية يصعب تجاهلها في أي مفاوضات.

المقاتلون الأجانب.. ملف قابل للاحتواء

يعد ملف المقاتلين الأجانب من القضايا التي لا تزال شائكة في سوريا، إذ تحدث أحمد الشرع أن منح الجنسية للمقاتلين الأجانب ليس مستحيلًا، ويمكن دمجهم في المجتمع السوري، إذا كانوا يحملون نفس أيديولوجيا وقيم السوريين، وجرى منح بعضهم رتبًا عسكرية، وذهبت ست وظائف عسكرية على الأقل في وزارة الدفاع السورية لأجانب، من أصل 50 أُعلن عنها.

الدبلوماسي بشار الحاج علي يرى أن ملف المقاتلين الأجانب متجذّر في الذاكرة الأمنية الأمريكية، التي لا تزال تتعامل بحذر مع أي مؤشر على إعادة إنتاج ظواهر العبور الجهادي عبر الحدود السورية.

ورجّح الباحث وجود احتمالية كبيرة بأن تتجاوب الإدارة السورية الجديدة مع هذا الملف، خاصة مع تزايد الضغوط الدولية عليه، مع التأكيد أن التعاطي مع ملف المقاتلين الأجانب في إطار شراكة معلوماتية، يعكس التزام دمشق بمحاربة التهديدات العابرة للحدود، لا سيما في المناطق التي لا تزال تشهد نشاطًا لعناصر متطرفة غير سورية.

الباحث وائل علوان، فرّق بين “النص” و”روح النص”، فالأول هو “المقاتلون الأجانب”، أما الثاني فهو “الجهاديون الأجانب”، لافتًا إلى أن الحكومة الجديدة بناء على تجربتها السابقة في إدلب لديها خبرة كافية لإدارة ملف الجهاديين الأجانب عبر من جزءًا من الاستقرار بدل جعلهم جزءًا من المخاطر والتحديات.

وقسم الباحث المقاتلين الأجانب إلى قسمين، الأول مجموعة من الجهاديين الذين يلتحقون بالتنظيمات الجهادية والتنظيمات المتطرفة، وهؤلاء الذين يشكلون قلقًا، يمكن أن يعادوا إلى بلادهم أو ينقلوا إلى مكان آخر، أو العمل على ضبط سلوكهم.

القسم الثاني هم الأجانب خارج معادلة التنظيمات الجهادية والفكر الراديكالي، وهم ليسوا مشكلة، فجميع الدول تعتمد على نخب وأجانب فيها طيف واسع ومتنوع من الجنسيات، وفق علوان.

ماذا عن أوستن تايس؟

بالنسبة لقضية الصحفي الأمريكي المفقود أوستن تايس، التقى أحمد الشرع مع والدة الصحفي، في 19 من كانون الثاني الماضي، وقالت إن “الإدارة السورية الجديدة تعرف ما نمر به وهي تحاول تصحيح الأمور بالنسبة لأشخاص مثلنا”.

يرى الباحث وائل علوان أن قضية تايس فرصة أمام الحكومة وليست تحديًا، معتبرًا أن الحكومة لديها قدرة وفرص للبحث عن معلومات مؤكدة حول الصحفي الأمريكي وغيره، عبر التحقيقات مع فلول النظام وتتبع المعلومات التي يمكن أن تفضي إلى تعاون أمني كبير بين الحكومة السورية والأمريكية.

الدبلوماسي بشار الحاج علي، يقترح على الإدارة السورية فتح تحقيق مستقل وشفاف مع إشراك طرف ثالث دولي حول مصير أوستن تايس، يفضي إلى تقديم رواية دقيقة، سواء أثبت وجوده على قيد الحياة أو لا، مع الاحترام الكامل للمعايير القانونية والإنسانية.

ولفت الحاج علي إلى ضرورة صدور إعلان رسمي بأن دمشق لا تحتجز حاليًا أي مواطن أمريكي، مع فتح قناة تواصل أمنية سواء مباشرة أو غير مباشرة عبر وسيط لتأكيد الجدية في التعامل مع واشنطن على قاعدة المصالح المتبادلة.

إسرائيل عامل مؤثر.. ضوء أخضر أمريكي للتصعيد

برزت إسرائيل كطرف مؤثر في مسار العلاقات بين أمريكا وسوريا، خاصة مع شن إسرائيل حملة قصف مكثفة ضد مواقع عسكرية سورية وتدميرها منذ الإطاحة بالأسد، وتوغلت في الجنوب السوري، وبرز توتر تركي- إسرائيلي إثر الحديث عن انتشار تركي متوقع في قواعد عسكرية داخل سوريا.

إسرائيل التي تواصل إطلاق تصريحات عدائية تجاه السلطات الجديدة في سوريا، تمارس ضغوطًا على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا “ضعيفة ولامركزية”، إذ أبلغ مسؤولون إسرائيليون واشنطن أن “الحكام الإسلاميين الجدد” في سوريا الذين تدعمهم أنقرة يشكلون تهديدًا لحدود إسرائيل، وفق ما نقلته وكالة “رويترز” عن مصادر مطلعة.

الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن عامر السبايلة، قال لعنب بلدي، لا شك أن إسرائيل حصلت على ضوء أخضر أمريكي للتصعيد في سوريا، منذ زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للبيت الأبيض وتزويده بالسلاح الأمريكي، لافتًا إلى ملاحظة أن الولايات المتحدة هي التي تبادر لتهديد إيران، وبدأت باستهداف أدواتها المتمثلة بالحوثي في اليمن، وضرب أي تهديد ضد حليفتها إسرائيل.

وقالت الخبيرة السياسية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط إيفا كولوريوتيس، لعنب بلدي، إن تحركات إسرائيل في سوريا تخضع لتوافق أمريكي- إسرائيلي تجاه سوريا.

وأضافت كولوريوتيس أنه رغم الدعم الأمريكي لإسرائيل في سوريا من حيث “حماية أمنها”، تبقى السياسة الأمريكية منفصلة عن السياسة الإسرائيلية في سوريا، وتجلى ذلك في دعم واشنطن للاتفاق بين “قسد” والإدارة السورية الجديدة، وهو أمر لم ترغب فيه إسرائيل.

بدوره، قال الإعلامي والسياسي السوري- الأمريكي أيمن عبد النور، لعنب بلدي، إن سوريا ليس لها وزن كبير ضمن أولويات الإدارة الأمريكية، لذلك فإن واشنطن لن تعمل من أجل وقف طموحات أي من الدول المجاورة لسوريا سواء إسرائيل أو تركيا أو الدول العربية، طالما أن ذلك لا يؤثر على الأمن القومي الأمريكي.

في السياق ذاته، قال الناشط السياسي السوري في أمريكا محمد علاء غانم، لعنب بلدي، إنه لا يبدو أن هناك أي حركة جدية أمريكية لكبح جماح تنامي النفوذ الإسرائيلي في سوريا، بل على العكس، قال سيباستيان غوركا، رئيس قسم مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض مؤخرًا، إن أمريكا ممتنة لإسرائيل لدورها في إنهاء النفوذ الإيراني في سوريا.

هل تدفع أمريكا نحو سلام بين دمشق وتل أبيب؟

في 25 من شباط الماضي، قال مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إن سوريا يمكن أن تلحق بقطار التطبيع مع إسرائيل خلال الفترة المقبلة، معتقدًا وجود إمكانية لانضمام سوريا ولبنان إلى اتفاقيات “أبراهام” للسلام والتطبيع مع إسرائيل.

اتفاقيات “أبراهام” سلسلة من اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية التي توسط فيها ترامب خلال ولايته الأولى، والتي أسفرت عن تطبيع كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب مع إسرائيل برعاية أمريكية.

وفي 16 من كانون الثاني الماضي، قالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، إن من المتوقع التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وسوريا خلال السنوات المقبلة.

الإدارة الجديدة في سوريا لم تبدِ موقفها بشأن التطبيع مع إسرائيل، لكنها أكدت رغبتها في ألا تمثل سوريا تهديدًا لدول الجوار، كما قال الشرع، إنه لا ينوي خوض صراع مسلح مع إسرائيل، معتبرًا أنها ليست المعركة التي سيخوضها.

ويرى محمد علاء غانم، أن سوريا ليست مهمة بالنسبة لواشنطن، ولكن بما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هو مهندس “الاتفاقات الإبراهيمية”، فبالتالي لو رشحت دوائر السلطة في أمريكا سوريا لتكون هدفًا جديدًا للانضمام لقطار التطبيع مع إسرائيل، فإن ذلك سيستدعي الاهتمام من ترامب بالقضية السورية.

وأضاف غانم أن المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، تحدث بشكل إيجابي عن الرئيس أحمد الشرع، وقال إن شخصيته وأفكاره ربما تغيرت عن الماضي، وبنفس الوقت قام ويتكوف بترشيح سوريا ولبنان كدولتين قد تنضمان أو تعقدان اتفاقيات سلام مع إسرائيل، ولكن هذا لا يعني أن ترامب كشخص مكترث بإنجاز اتفاق السلام الآن، ولكن ربما لاحقًا يضغط في سبيل إنجازه.

من جهته، قال أيمن عبد النور، إن أمريكا تضع عبر مبعوثها للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ونائبته مورغان أورتاغوس، خطة لإنجاز عملية التطبيع بين دمشق وتل أبيب، حيث تعتقد واشنطن أن توقيع مثل هذا الاتفاق سيزيد بشكل كبير عدد الدول العربية التي ستنضم لاتفاقيات “أبراهام”.

وأضاف عبد النور أن توقيع إسرائيل اتفاق سلام مع الحكومة السورية الحالية التي تعبّر عن المسلمين السنة المحافظين، يجعل الاتفاق أقوى مما لو تم توقيعه مع النظام السابق الذي هو علوي أقلوي، لكن إسرائيل لا تريد التوقيع مع الحكومة الحالية، لأنها ترى أن حكومة الشرع لا تمثل السوريين.

مساعٍ لحل التوتر التركي- الإسرائيلي في سوريا

بعد بروز ملامح تصعيد إسرائيلي- تركي في سوريا، تتجه الأمور نحو “الحلحلة” والاتفاق، عقب تصريحات من الطرفين، وتعهد من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بحل التوتر بينهما في سوريا، وذلك خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض.

يرى أيمن عبد النور أن الرئيس ترامب اخترع مدرسة تقوم على مبدأ الحديث عن نقاط معينة تثير زوبعة، من أجل أن تكون هناك اقتراحات مبتكرة جديدة تفتح أفاقًا جديدة للعمل، وبالتالي ليس كل ما يقوله ترامب يكون مقتنعًا به أو أنه سيقوم بتنفيذه، بل يقوله من أجل إثارة المياه الراكدة السابقة لطرح حلول جديدة، وهذا ما فعله عند حديثه عن حل التوتر التركي- الإسرائيلي.

وأضاف عبد النور أن ترامب لديه مصلحة في تخفيف العداء التركي- الإسرائيلي، ويمكن أن يسهم بحل الخلاف عن طريق لقاءات مع مسؤولي أنقرة وتل أبيب، وتقريب وجهات النظر بينهما، لكنه لن يبذل جهدًا كبيرًا بشأن إنجاز ذلك.

محمد علاء غانم، قال لعنب بلدي، إن الرئيس ترامب لديه علاقة جيدة جدًا مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وهذا الأمر أيضًا أكده مبعوثه الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي قال إن ترامب وأردوغان أجريا محادثة “رائعة”، وإن “أشياء إيجابية قادمة”، فلذلك الرئيس ترامب عرض أن يلعب دور الوسيط ما بين إسرائيل وتركيا في سوريا من أجل منع الاصطدام وحل الخلاف بينهما.

وقالت نائبة المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إن الولايات المتحدة “اتخذت بعض الخطوات البطيئة، وتقيم الوضع بصبر في صياغة سياستها تجاه سوريا”.

وأوضحت أورتاغوس أن الولايات المتحدة “كانت واضحة حيال توقعاتها من إدارة أحمد الشرع”، مضيفة أن “للولايات المتحدة مصلحة واضحة في ضمان عدم عودة إيران إلى سوريا، وفي ضمان عدم قدرة تنظيم (الدولة) على إعادة تشكيل نفسه وتهديد أمريكا أو أوروبا أو أي جهة أخرى في الشرق الأوسط”.

وذكرت المسؤولة الأمريكية أن “لدينا مصلحة هناك، لدينا صديقان عزيزان، لدينا حليفتنا في (الناتو) تركيا، ولدينا حليفتنا الأخرى، إسرائيل، وبالطبع، لدينا شراكتنا الوثيقة مع المملكة العربية السعودية، جميع هذه الدول، بما في ذلك لبنان، لديها مصلحة كبيرة لرؤية نتيجة في سوريا”.

هل يتغير الموقف الأمريكي من سوريا؟

يرى أيمن عبد النور أن الحل الوحيد للاعتراف الأمريكي بالحكومة الحالية مستقبلًا، أن يكون هذا الجسم مستقلًا وقويًا وشريكًا في السلطة وليس تابعًا لـ”هيئة تحرير الشام”، عندها ستعترف به الولايات المتحدة، لذا يجب أن يتم تغيير التقييم والوضع القانوني قبل أن يتم تغيير التقييم السياسي من قبل واشنطن.

وأضاف عبد النور أنه في حال أصبح هناك حوار وطني أوسع تنتج عنه صلاحيات أكبر للوزراء، أو اختيار وزراء لا يكون بينهم أشخاص مصنفون على قائمة “الإرهاب” أو قائمة العقوبات الأمريكية للوزراء أو لهم ممارسات سلبية سابقة، حينها تتغير الطبيعة القانونية للحكومة الجديدة، وبالتالي يتم تغيير الواقع والقرار السياسي والاعتراف بها من قبل أمريكا.

ويرى مدير قسم تحليل الدراسات في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، سمير العبد الله، أن واشنطن تراقب سلوك الإدارة السورية الجديدة، وتهدف من خلال سياستها تجاه دمشق لضمان عدم تحول سوريا إلى تهديد لإسرائيل، ومعالجة ملف “قسد” عبر حلول سلمية وتفاوضية، بالإضافة إلى ضمان حماية الأقليات.

وفي حال التزمت الإدارة السورية بهذه الشروط، فمن المرجح أن تُبادر واشنطن إلى تخفيف العقوبات تدريجيًا، وفتح قنوات تواصل جديدة، بما يفضي إلى إعادة تشكيل العلاقات بين الطرفين، لكن ذلك يظل مرهونًا بقدرة الإدارة السورية على التحول من عقلية الجماعات الجهادية إلى عقلية إدارة دولة.

ويعتقد الباحث وائل علوان بإمكانية حدوث تعاون أمريكي- سوري يكون إطاره المبدئي أمنيًا ثم قد يتطور في وقت لاحق إلى أطر أخرى، أما العقوبات والعلاقة السياسية فستبقى ورقة ضغط بيد الإدارة الأمريكية لفترة ليست قليلة لضمان الاستجابة الكاملة من الحكومة السورية الجديدة.

ويرى الدبلوماسي السابق بشار الحاج علي، أنه في حال أرادت الإدارة السورية الجديدة تحويل مقاربتها إلى مسار حوار حقيقي فعلًا، لا بد لها من التعامل مع ملفي “المقاتلين الأجانب وأوستن تايس” كاختبار حتمي لحسن النيات، لا كعبء يمكن تأجيله أو المناورة به.

وقال الحاج علي، إن الإفصاح عن حسن النيات في الشروط، وخاصة في هذين الملفين، لم يعد خيارًا سياسيًا، بل صار شرطًا ضروريًا لأي نقاش مستقبلي مع واشنطن، وربما يجد صانع القرار في دمشق، في هذه اللحظة الدقيقة، فرصة نادرة لتحويل ملف شائك إلى ورقة اعتماد، ومقدمة لتثبيت موقع جديد على الخريطة الدولية.

ويبقى مستقبل العلاقة شائكًا ورهن مسار طويل قائم على الاستجابة والمرونة، فالولايات الأمريكية كانت وما زالت لاعبًا مهمًا ومؤثرًا في سوريا، خاصة خلال الـ14 عامًا الماضية، حيث أسهمت بتغيير معالم السيطرة، سواء عبر دعمها فصائل بالأسلحة وتخليها عنها لاحقًا، أو عبر وجود عسكري، أو توافق مصالحها مع قوى ثانية، أو منح الضوء الأخضر لعمليات وضربات لجهات أخرى، أو امتلاك عصا العقوبات.

عنب بلدي

————————————-

هل تقع سورية في فِخاخ الصناديق الدولية؟/ مالك ونوس

24 ابريل 2025

في وقت منعت واشنطن تدفق أموال المساعدات والاستثمارات إلى سورية من الدول العربية لمساعدة الحكم الجديد في التغلب على مصاعب مرحلة ما بعد نظام الأسد، أجازت لمسؤولين سوريين السفر إلى واشنطن لحضور اجتماعات الربيع التي يعقدها صندوق النقد والبنك الدوليان هذه الأيام، لمناقشة الخطوات الخاصة بإعادة دعم سورية بقروضٍ من الصندوقين. وإذ كان لافتاً أن واشنطن والدول الغربية لم ترفع العقوبات التي فُرِضت على سورية في مرحلة الأسد بعد سقوط النظام، لوحظ نشاط لهذين الصندوقين واهتمام بسورية عبر هذه الزيارة وعبر لقاءاتٍ سابقة عقدها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، مع مندوب صندوق النقد الدولي في دبي على هامش القمة العالمية للحكومات. فهل يمكن القول إن واشنطن سمحت بهذه الاجتماعات لكي تتمكّن من هندسة الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد الأسد وفق متطلباتها وشروطها، هندسة وإقراض يأخذان شكل الفرض لا الاختيار؟

تحتاج سورية الاستثمارات والمساعدات من أجل إعادة بناء البنية التحتية من طرق ومرافئ ومطارات واتصالات وقطاع الطاقة والتعليم، وللتمكّن من إعادة بناء ما هدمته الحرب وإعادة بناء الاقتصاد المنهار من أجل الاستجابة للتحدّيات التي تَحول دون عودة السوريين من دول اللجوء ومخيمات النزوح، وتحسين مستوى معيشة المواطنين وإعادة دمج البلاد بالاقتصاد والنظام المالي العالميين، غير أن التفاؤل الكبير الذي اجتاح البلاد وأهلها وأخوتهم في الدول العربية بعد سقوط النظام، بتوفر فرصة لتغيير واقع البلاد، اصطدم بالعقوبات التي لم تسمح واشنطن برفعها، على الرغم من أنها فُرضت خلال حكم الأسد الذي ارتكب مجازر بحق أبناء شعبه. لذلك حل الإحباط محل التفاؤل، وتكرَّس حين فرض البيت الأبيض شروطاً ثمانية على الحكم الجديد لتلبيتها قبل التفكير برفع أي عقوبات. وزاد هذا الأمر في شلل الاقتصاد، وتسبّب في تردّي الأوضاع المعيشية وإحجام دول عربية وأصحاب رؤوس أموال عن التوجه إلى سورية لتأسيس أعمال في البلاد التي تعتبر واعدة، وتحتاج لجهد الجميع. كما تسبّب في حرمان السوريين من استغلال ثروات بلادهم النفطية والغازية، وغيرها من الثروات الباطنية التي تغنيهم عن القروض وتُعد الضرورية في عملية إعادة البناء وتحسين مستوى المعيشة.

وبالنسبة لاجتماع واشنطن، لم يُطلع الوفد السوري إلى الاجتماع، والذي يضم وزير المالية وحاكم مصرف سورية المركزي، الإعلام على ما يحمله من خطط وأفكار يطرحها خلال الاجتماعات واللقاءات المزمع عقدها مع ممثلي الدول وأصحاب رؤوس الأموال وممثلي المؤسسات المالية المقرضة. لذلك ليس معلوماً ما إذا كان المعنيون قد وضعوا تصوّراً أو رؤية استراتيجية لإصلاح الاقتصاد وإعادة الإعمار، أو أي رؤية أخرى بشأن مستقبل سورية الاقتصادي وهوية اقتصاد البلاد، غير تلك العبارات التي أطلقها رموز النظام الجديد بعد أيام من سقوط نظام الأسد، وركّزت على فكرة الخصخصة سبيلاً للإصلاح الاقتصادي، والمنقذ من أزمات البلاد الاقتصادية والمالية، حسب اعتقادهم. فرؤية مستقبلية متكاملة هي أول ما ستطلبه الأطراف الأخرى في الاجتماعات، لكي تساعدها في وضع خططها لتقديم القروض أو الدعم، إضافة إلى أنها تعدّ ضرورية لأصحاب رؤوس الأموال والاستثمارات الذين يمكن أن يجدوا فيها عوامل جذب تشجّعهم على الاستفادة من فرص إعادة البناء.

لكن، إذا أخذنا بالاعتبار الشروط الثمانية التي قالت مصادر لوكالة رويترز، نهاية مارس/ آذار الماضي، إن واشنطن سلمتها للحكومة السورية واشترطت تنفيذها قبل رفع العقوبات عن البلاد، فإن دعوة الوفد السوري إلى اجتماعات صندوقي النقد والبنك الدوليين تعد بادرة حسن نية تجاه الحكومة السورية، ودافعاً لها من أجل تنفيذ تلك الشروط، غير أن في تنفيذها من الصعوبة، بالنسبة لحكومة الرئيس أحمد الشرع، درجات تجعل التفاؤل برفع العقوبات أمراً ما زال مبكّراً. وعلى الرغم من ذلك، تشير كل إيحاءات واشنطن إلى أنها قد قررت هندسة الاقتصاد السوري وفق شروطها ورؤاها بشكل يجعل نهوض هذا الاقتصاد متوقفاً على تدفق المنح أو القروض الخارجية، لا على مقومات داخلية، وبالتالي تكبيل سورية بشروط الصناديق الدولية التي تسيطر عليها الإدارة الأميركية سنوات وربما عقوداً كما حصل مع دول أخرى.

ولا يمكن معرفة ما يشكله اعتماد سورية على القروض التي قد تحصرها واشنطن في صندوقي النقد والبنك الدوليين من مخاطر آنية ومستقبلية، إلا بعد الاطلاع على التجارب المؤلمة دخلت هذه التجربة، فهذان الصندوقان يُعدّان ذراع واشنطن الاقتصادية والمالية، وأداتين من أدواتها للهيمنة على دول كثيرة. وعادة ما تكون الاقتصادات المتعثرة فريسة لصندوق النقد والبنك الدوليين، فيوحيان للدول المتعثرة أن ثمّة مخاطر كبيرة جرّاء إقراضها، من أجل فرض قيمة فائدة كبيرة، والاستجابة لمطالبهما في تنفيذ وصفات جاهزة. وتتضمن الوصفات في بنودها بنداً أولياً وأساسياً ينصّ على رفع الدعم الذي تقدمه الحكومة للقطاعات الإنتاجية، خصوصا الزراعة، وعن المحروقات والخبز وغيرها من السلع الضرورية، وإلغاء التعليم والطبابة المجانيين، وتخصيص القطاع الاقتصادي المملوك للدولة، أو إعادة تقييم جدواه من أجل إعادة هيكلته، وغالباً ما يجري النصح ببيعه، وطبعاً بأثمان بخسة.

وبسبب تداعيات الاقتراض السيئة من هذين الصندوقين، فإن دولاً كثيرة تتركه خياراً أخيراً، بعد عجز الخيارات البديلة. ونادراً ما تستفيد الدول المقترضة استفادة ملحوظة تنعكس إيجابياً، بسبب تقسيم مبلغ القرض على دفعاتٍ كثيرة، فلا يُلحظ لها أثر تنموي نتيجة عدم ضخ كتلة مالية كبيرة في قطاع يكون في أمسّ الحاجة إليه، فتذهب هذه الدفعات إلى ترقيع هذا القطاع أو إعادة دوران ذاك المصنع الصغير. وكثيراً ما عجزت دولٌ عن الإيفاء بأقساط القروض لضعف مردودها، فتتراكم الفوائد، وتزداد نسبة خدمة الدين حتى تصل إلى مبالغ تفوق القرض نفسه، كما في مصر ولبنان. وفي هذه الحالة، تعود الدول إلى استدانة قرضٍ جديد من أجل إيفاء القرض السابق، فتدخل في دوامة تصعب عليها الخروج منها، وتوصل البلدان إلى مرحلة الفشل الاقتصادي والانهيار وفرض هيمنة الصندوقين على قطاعات سيادية. عندها تبدأ البلاد بالدخول في الصراعات والقلاقل والانتفاضات، لخلع الطبقات الحاكمة التي تسبّبت في انهيار الاقتصاد ورهن البلاد للصناديق الدولية.

وبالنسبة لسورية، يُخشى أن الولايات المتحدة منعت دخول أي مساعدات مالية، وأبقت العقوبات، لمنع دخول الاستثمارات، من أجل جعل الاستدانة من صندوق النقد والبنك الدوليين أولوية للحكومة السورية، عبر استثناءات محدّدة وشروط مجحفة. وليس خافياً أن واشنطن على دراية بصعوبة تنفيذ الحكومة السورية الشروط الثمانية التي فرضتها على دمشق من أجل تخفيف العقوبات. وبالتالي، منع تعافيها اقتصادياً إلى أجلٍ غير مسمّى. لذلك، لا يبقى أمام دمشق سوى انتظار الاستثناءات للحصول على قروض أميركية تحديداً، وبالتالي، تفخيخ المجتمع والاقتصاد السوريين، وجعلهما عرضة للاضطرابات والقلاقل التي تعرف واشنطن تمام المعرفة أنها ستكون تحصيل حاصل.

العربي الجديد

——————————-

من حكم إدلب إلى حكم دمشق/ بكر صدقي

تحديث 24 نيسان 2025

بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى نيويورك وواشنطن، قبل أيام، نقلت وكالة الأنباء الألمانية خبراً عن اعتقال السلطات السورية لمسؤولين مهمين في حركة الجهاد الإسلامي، خالد خالد وأبو علي ياسر. وقد سبق لإسرائيل أن استهدفت مقرات للمنظمة الفلسطينية المعروفة بعلاقتها الوثيقة مع القيادة الإيرانية، على الأراضي السورية عدة مرات. وإذا كانت هذه العلاقة تسهّل على السلطة في دمشق تبرير قرار الاعتقال، فلا جدال في أن هويتها الفلسطينية المقاومة للاحتلال الإسرائيلي مصدر إحراج كبير لها، وهذا ما جعلها، هي وإعلامها الموالي، تتكتم على الخبر.

واضح من التزامن بين زيارة الشيباني لواشنطن وتنفيذ الاعتقال أنه يهدف إلى استرضاء الإدارة الأمريكية التي سبق وقدمت له لائحة شروط، في بروكسل، من بينها شرط إنهاء الأنشطة السياسية للمنظمات الفلسطينية المعادية لإسرائيل.

أما سبب الحرج فيعود إلى ثقافة سياسية مترسخة في المجتمع السوري حول مناصرة الحقوق الفلسطينية ومعاداة إسرائيل. صحيح أن محاربة إيران وأذرعها ضد الثورة السورية ودفاعاً عن نظام الأسد الإجرامي طوال 14 عاماً قد جعلت غالبية كبيرة من السوريين تتخندق نفسياً ضد «محور المقاومة» وصولاً إلى الشماتة بمصير حزب الله، بعد عقود من التأييد، وإحلال إيران محل إسرائيل في موقع العدو الأخطر، لكن مناصرة الحقوق الفلسطينية ما زالت تتمتع بموقع متقدم في انحيازاتهم سواء بفعل الرابطة القومية العربية أو بسبب الأخوّة في المظلومية، فضلاً عن أن الوجود الإيراني في سوريا قد انتهى، في حين تحضر إسرائيل بفظاظة وقوة في اليوميات السورية.

يضاف إلى هذا الجديد موقف إدارة الشرع من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وضمناً احتلال أراض سورية جديدة في الشريط الحدودي جنوب دمشق وتدميرها لمعظم ما تبقى من مقدرات الجيش السوري المنحل ومواقعه ومطاراته العسكرية، وكذلك تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المتعجرفة والاستفزازية تجاه دمشق… فقد تراوحت ردود فعل هذه الإدارة بين الصمت على الاعتداءات والاستفزازات، وإرسال رسائل طمأنة بشأن «عدم وجود أي نوايا معادية تجاه أي دولة مجاورة»، أو في أحسن الأحوال تقديم احتجاجات رسمية للأمم المتحدة بوصفه أضعف الإيمان كما يقال. بالطبع لا أحد في سوريا يتوقع أو يريد مواقف عنترية تجاه إسرائيل من الإدارة الجديدة على غرار ما أدمنه نظام الأسد المخلوع منذ بداية حكمه وصولاً إلى لحظة «طوفان الأقصى». ولكن يبقى أنهم لا يستسيغون أي قول أو عمل من السلطة يهدفان إلى استرضاء إسرائيل كاعتقال القياديين المحليين لحركة الجهاد الإسلامي.

على أي حال ليس هذا التطور وحده ما قد تغص به السلطة الجديدة في دمشق مرغمة على استرضاء جميع القوى الخارجية الفاعلة. فكل إجراء يتعارض مع الأيديولوجية السلفية المتشددة أو الهيمنة السنية ينطوي على مضض وإكراه، كحال استمرار تقديم المشروبات الكحولية في بعض مطاعم العاصمة دمشق، أو استمرار ظهور النساء السافرات في الميدان العمومي، برغم التضييق عليهن، أو وجوب الاعتراف بالأقليات الدينية والمذهبية والتعاطي معها، بما في ذلك إدخال أفراد ينتمون إلى تلك الفئات في الحكومة (امرأة مسيحية ودرزي وعلوي).

هذه الإكراهات التي لا شك أنها تلاقي مقاومة من قواعد «هيئة تحرير الشام» وفصائل إسلامية أخرى وشرعييهم، صامتة إلى الآن، أو تخترق ببساطة بلا ضجيج قدر الإمكان، لكنها مرشحة للتصاعد كلما ارتفعت وتيرة الإكراهات التي يشكل الخضوع لها استجابة الإدارة للضغوط الخارجية أكثر منها للضغوط الاجتماعية الداخلية، بهدف كسب اعتراف المجتمع الدولي بشرعية الحكم الجديد.

لقد توسم السوريون خيراً من قرار حل الفصائل في «مؤتمر النصر» الذي انتخب أحمد الشرع رئيساً للجمهورية، لكن التطورات اللاحقة أظهرت أن الفصائل ما زالت محافظة على حالتها التنظيمية إلى حد كبير، وكذا أساسها الأيديولوجي المتشدد، الأمر الذي رأينا نتيجته الكارثية في المجازر التي ارتكبتها في مدن الساحل وقراه بحق المدنيين العلويين، الأمر الذي قوّض كل الجهود السابقة للإدارة للظهور بمظهر مختلف عن ماضيها العنيف والطائفي.

تتقاطع شهادات عدة في تأكيد أن هيئة تحرير الشام قد فوجئت هي نفسها باستيلائها على السلطة خلال 11 يوماً. صحيح أن ناطقين باسمها يؤكدون أنهم كانوا يعدون العدة منذ سنوات لهجوم عسكري كبير يهدف إلى تحرير سوريا، لكن الشهادات المشار إليها لا تمضي في المنحى ذاته على الأقل فيما خص انهيار نظام الأسد بهذه السهولة. وعلى أي حال لا أحد يجادل اليوم في أن التطورات الإقليمية العاصفة المتمثلة في الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان إنما كانت هي العامل الحاسم في انهيار النظام، في إطار نوع من التفاهمات الدولية والإقليمية حول وجوب التخلص منه ولكن ليس حول البديل. فغياب التفاهمات على هوية البديل هي ما يعقل إلى اليوم استقرار الأوضاع في سوريا ونيل السلطة الجديدة الاعتراف بشرعيتها.

لن نبتعد كثيراً عن الحقيقة إذا افترضنا أن الشرع ورفاقه ربما يلعنون الساعة التي تورطوا فيها بالاستيلاء على السلطة في دمشق، بعد سنوات من الحكم السهل نسبياً في منطقة إدلب حيث حكموا مجتمعاً «متجانساً» إلى حد كبير، مع وجود أعداد قليلة من المسيحيين والدروز كـ»أهل ذمة»، وحياة اقتصادية معقولة بالمقاييس المحلية، وجامعات خاصة تطبق نظام الفصل بين الجنسين وتمنح شهادات تخرج بعيداً عن رقابة مركزية تتجاوز سلطة «الهيئة». صحيح أن السنتين الأخيرتين قد شهدتا حركة احتجاجات نشطة نسبيا ضد الهيئة والجولاني بالذات (هذا كان اسمه هناك) لكنها كانت قابلة للاحتواء بيسر. بسيطرتها على مساحات واسعة من «سوريا الأسد» باتت الهيئة مشتتة جغرافياً وضعيفة الإقناع في مجتمعات متنوعة كان مقاتلوها على جهل تام بها. كما أن الانتقال المطلوب منها من منطق الفصيل العسكري الثوري إلى منطق الدولة هو عملية صعبة تتطلب جهداً ووقتاً لا تملك الهيئة مقوماتها. ربما هذا ما يفسر استعانة إدارة الشرع بجوناثان بأول مستشار الأمن القومي في الحكومة البريطانية الذي يقال إنه موجود في سوريا ويعطي استشارات للإدارة بشأن التعاطي الدبلوماسي والتفاوضي مع الدول الأخرى.

كاتب سوري

القدس العربي

———————————–

بريطانيا ترفع العقوبات عن الدفاع والداخلية والمخابرات السورية

24 ابريل 2025

رفعت بريطانيا اليوم الخميس تجميد الأصول الذي سبق أن فرضته على وزارتي الدفاع والداخلية السوريتين وكذلك عدد من أجهزة المخابرات، في وقت تتصاعد الدعوات لرفع العقوبات الغربية المفروضة بهدف دعم جهود الإعمار وتخفيف المعاناة الإنسانية.

وأظهرت مذكرة نشرتها وزارة المالية البريطانية على الإنترنت، أن وزارة الداخلية السورية ووزارة الدفاع وإدارة المخابرات العامة من بين 12 كيانا لم تعد خاضعة لتجميد الأصول. ولم تشر المذكرة إلى أسباب القرار.

وفي مارس/ آذار الماضي، رفعت الحكومة البريطانية تجميد الأصول عن مصرف سورية المركزي مع 23 كيانا آخر من بينها بنوك وشركات نفط. وفي إشعار نُشر على موقعها الإلكتروني، قالت الحكومة البريطانية إن بعض الكيانات، بما في ذلك البنك المركزي، والمصرف التجاري السوري، والمصرف الزراعي التعاوني، حُذفت من قائمة العقوبات المفروضة على سورية، ولم تعد خاضعة لتجميد الأصول. كذلك شمل القرار الشركة السورية للنفط، وشركتي سورية لتجارة النفط، وأوفرسيز بتروليوم للتجارة. وأكدت لندن من قبل أن العقوبات المفروضة على أفراد من نظام الأسد ستظل قائمة.

وكان الاتحاد الأوروبي قد علق في شهر فبراير/ شباط الماضي مجموعة من العقوبات المفروضة على سورية.

ويأتي ذلك في وقت دعت السيناتورة الديمقراطية البارزة وعضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ جين شاهين، في رسالة رسمية موجهة إلى وزيري الخارجية والخزانة، ماركو روبيو وسكوت بينست، إلى مراجعة شاملة لنهج الولايات المتحدة في سورية وتخفيف العقوبات المفروضة على بعض القطاعات الحيوية. وأكدت شاهين في رسالتها أن سقوط نظام بشار الأسد يمثل “فرصة سريعة الزوال” لحماية المصالح الأميركية، مشددة على ضرورة موازنة السياسة الأميركية بين “الفرصة والمخاطرة بشكل مناسب”، وأضافت: “بينما لا ينبغي أن تندفع الولايات المتحدة إلى سورية بسرعة، يمكننا خلق مساحة لشركائنا الإقليميين وغيرهم للقيام بذلك”.

وتتزايد الدعوات الدولية لرفع العقوبات المفروضة على سورية، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، وذلك بهدف دعم جهود إعادة الإعمار وتخفيف المعاناة الإنسانية. وفُرضت العقوبات الغربية، خصوصاً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على النظام السوري منذ عام 2011 رداً على انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب، إذ شملت هذه العقوبات قيوداً على قطاعات حيوية مثل الطاقة، المالية، الاتصالات، والبنية التحتية، بالإضافة إلى تجميد أصول وحظر سفر على شخصيات بارزة في النظام السابق.

(رويترز، العربي الجديد)

——————————

لغز الانسحاب الأميركي من سوريا يقلق إسرائيل/ بسام مقداد

الثلاثاء 2025/04/22

منذ رئاسته الأولى، وترامب يهدد بالانسحاب من سوريا، ثم تعود تطورات الأحداث في المنطقة لتنفي إمكانية هذا الانسحاب، وتجعل قرار ترامب، كما الكثير من قراراته، أحجية تقلبات مزاجه. وإسرائيل التي تخشى تزايد شهية تركيا في سوريا، وبذلت جهدها لتقنع ترامب بالمحافظة على الوجود القوات الأميركية وفشلت حتى الان، تواصل مفاوضاتها مع الأميركيين لإعادة النظر بالقرار، حسب ما نقلت في 16 الجاري عن صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بالطبعة الأوكرانية من المجموعة الإعلامية الكبيرة RBC.

رأت الصحيفة الإسرائيلية أن انسحاب القوات الأميركية من سوريا، يجعل تركيا وإسرائيل تقتربان من “الخط الأحمر”. وقالت إن إسرائيل قلقة من قرار ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا، لأنه سيسمح لتركيا بتعزيز نفوذها في سوريا والمنطقة. وأشارت إلى أن القرار لم يشكل مفاجأة، إذ أن ترامب كان خلال رئاسته الأولى يؤيد تخفيض الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط. ويعكس هذا الموقف عقيدة السياسة الخارجية الانعزالية التي تنتهجها إدارة ترامب، والتي تشكلت جزئياً على يد نائب الرئيس جيه دي فانس.

تشير الصحيفة إلى أن ترامب صرح أكثر من مرة بأن هذه الحرب “ليست حربنا”. ومن المعروف أن البنتاغون يستعد لهذا السيناريو منذ فترة طويلة. واليوم تنتقل واشنطن إلى المرحلة العملية، حيث تُبلغ الجانب الإسرائيلي بانتظام بالإجراءات المقبلة. وخلال المشاورات، أعرب الممثلون الإسرائيليون مراراً عن قلقهم العميق إزاء العواقب المحتملة لمثل هذه الخطوة.

نقلت يديعوت أحرونوت عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن انسحاب القوات الأميركية لا يمكن أن يكون إلا جزئياً. وتخشى إسرائيل أن يؤدي مثل هذا التطور إلى تعزيز طموحات تركيا لتدعيم وجودها في سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.

تشير الصحيفة إلى أن القوات الأميركية تنتشر الآن في عدة مواقع استراتيجية في شمال وشرق سوريا، وتلعب دوراً مهماً في ضمان الاستقرار الإقليمي. وتخشى إسرائيل من أن تقوم أنقرة بعد الانسحاب بتكثيف محاولاتها للسيطرة على منشآت عسكرية رئيسية، وخصوصاً في منطقة تدمر السورية، بما في ذلك قاعدتي T4 وتدمر.

وتقول يديعوت أحرونوت إن الرئيس التركي يسعى إلى استغلال الوضع الجيوسياسي المتغير لتعزيز مكانته في المنطقة. وقد أدى الخطاب العدواني المتزايد الذي تنتهجه أنقرة تجاه إسرائيل منذ بداية الحرب في قطاع غزة إلى تفاقم المخاوف في تل أبيب، مع أن تركيا ليست دولة معادية رسميًا، ووصفها نتنياهو بأنها شريك “صعب”.

تشير الصحيفة إلى أن إسرئيل سبق أن حذرت الولايات المتحدة وتركيا من أن الوجود الدائم للقوات العسكرية التركية في القواعد المذكورة أعلاه سوف يُنظر إليه على أنه تجاوز “خط أحمر”، وسوف يهدد حرية عمل القوات الإسرائيلية في الاتجاه الشمالي.

وبشأن المفاوضات التركية الإسرائيلية حول الاتفاق على آلية لتفادي المواجهة المسلحة بين الطرفين في سوريا، والتي جرت في 9 الجاري في أذربيجان، ولم تخرج بنتيجة، قالت الصحيفة إن إسرائيل أكدت بأنها تحمل السلطات السورية الجديدة المسؤولية عن التطور اللاحق للأحداث. وأي عمل من شأنه أن يهدد أمن إسرائيل سوف يعتبر سبباً للرد العسكري.

موقع الخدمة الروسية في وكالة الأنباء الكردية ANF التي تصدر في مدينة أمستردام نقلت في 8 الجاري عن أسبوعية الإيكونوميست البريطانية مقتطفات من مقالة رأت فيها أن “تركيا وإسرائيل تتحولان إلى خصمين لدودين في سوريا”. وقالت الأسبوعية بأن الأحداث السياسية العسكرية في سوريا قد تؤدي إلى مواجهة مباشرة بين البلدين.

ونقلت عن وزير الخارجية الإسرائيلي قوله بإن التنازلات التي قدمتها سوريا لتركيا، والتي تشمل “فتح أراض واسعة” و”الاعتراف بنفوذ أنقرة”، تشكل تهديداً خطيراً لأمن إسرائيل. وبدوره، حذر وزير الدفاع الإسرائيلي من أن “سوريا ستدفع ثمناً باهظاً إذا فتحت الباب أمام قوى معادية لإسرائيل”.

وترى الأسبوعية في مقالتها أن لإسرائيل مصلحة في إبقاء سوريا ضعيفة ومنقسمة. ويشار إلى أن الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الطائرات السوفيتية القديمة التابعة لنظام الأسد قد أدت إلى تقويض البنية التحتية العسكرية للجيش السوري.

وفي الوقت نفسه، تسعى الحكومة السورية الحالية إلى إعادة بناء البلاد، وتتعاون بشكل نشط مع تركيا. وتخشى إسرائيل من أن يؤدي هذا إلى ظهور “سوريا تحت النفوذ التركي”.

صحيفة الكرملين VZ رأت في 16 الجاري أن قرار ترامب الانسحاب من سوريا يعني بأن “الولايات المتحدة تفكر بالهروب من دولة محتلة أخرى”. استهلت الصحيفة نصها بالقول إنه يبدو بأن الساعة باتت قريبة لإنهاء احتلال القوات الأميركية للأراضي السورية التي تتواجد فيها منذ عشر سنوات. وقالت إن الولايات المتحدة أبلغت إسرلئيل بخططها لبدء سحب قواتها من سوريا في غضون الشهرين أو الثلاثة المقبلة. ونقلت عن يديعوت أحرونوت قولها إن إسرائيل تحاول تفادي هذا السيناريو، لكنها  لم تتمكن من إقناع الأميركيين بتغييره.

تشير الصحيفة إلى أن تعداد القوات الأميركية التي بقيت في سوريا أثناء محاولة ترامب الأولى سحبها كان حوالى 900 عسكري. لكن تعدادها عاد إلى سابق عهده في عهد بايدن وبلغ 2,2 ألف عسكري. وتنتشر هذه القوات في 10 قواعد عسكرية في سوريا متواجدة في المناطق الزراعية الخصبة. وتقول الصحيفة أن عدد القواعد التي أقامها الأميركيون بين العامين 2015 و 2018 بلغ 12 قاعدة، إضافة إلى أربعة مواقع متقدمة مزودة بمهابط طائرات مروحية، بعضها تم تفكيكه أو تسليمه للأكراد.

نقلت الصحيفة عن نتنياهو تصريحاً ملفتاً إن ثبتت صحته، حين يقول إن أي طرف (تركيا) سيحاول زعزعة استقرار سوريا، “سوف يجد أننا ندعم الحكومة السورية”. وأضاف بالقول “لن نسمح بتقسيم سوريا أو عودتها إلى ما كانت عليه قبل الثامن من كانون الأول/ديسمبر، ومن يسعى لإثارة الصراع في سوريا سنواجهه”.

ترى الصحيفة بأن دعوة إسرائيل للحفاظ على وحدة أراضي سوريا، مردها إلى أن هذه الوحدة هي لصالحها الآن. فظهور القوات التركية على الأراضي السورية، وانفصال المناطق الكردية ووضعها تحت الحماية التركية، يثير قلق تل أبيب.

ترى الصحيفة أن سوريا هي الآن رصيد مضر للولايات المتحدة، ولدرجة أن واشنطن تتجاهل مخاوف تل أبيب. وتعتبر أن سوريا هي المنطقة الوحيدة على خريطة العالم، حيث القوات الأميركية تنخرط في حرب غريبة غير مفهومة، وتدافع فيها عن مصالح لا تخصها. وتنتظم تدريجياً الاتصالات مع الحكومة السورية الجديدة، ويفقد اي معنى تواجد القوات الأميركية  في سوريا. وإضافة إلى ذلك، يتذكر ترامب أيضًا أنه في عام 2018، رفضت بريطانيا وفرنسا وألمانيا استبدال القوات الأميركية بقوات خاصة بها، وبالتالي حالت دون تدويل الوجود العسكري الأجنبي في سوريا. وهذا سبب آخر يستدعي سؤال الأوروبيين، أي حلفاؤهم.

وتستنتج الصحيفة أن قرار سحب القوات الأميركية من سوريا قد أصبح أمراً لا مفر منه الآن. وهذه ليست سوريا التي عرفناها، وترامب على استعداد للسماح للاعبين الإقليميين بترتيب الأمور بأنفسهم. ومن الصعب في هذه المرحلة تقييم عواقب هذه الخطوة، ولكن يجدر القول إن القوات الأميركية لم تكن تتمتع بالفعل بقدر كبير من التأثير على الأحداث. والأميركيون كانوا، في حقيقة الأمر، يحرسون أنفسهم وسجون معتقلي الدولة الإسلامية.

المدن

——————————-

كيف أضعف قطع المعونات الأميركية التحقيق بجرائم الحرب في سوريا؟/ باسل المحمد

24/4/2025

وجهت قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقطع المساعدات الخارجية، ضربة موجعة لعدد من المنظمات الإنسانية والحقوقية العاملة في ملفات العدالة والتحقيق بجرائم الحرب التي ارتكبها نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد وأطراف أخرى.

ومن بين أبرز تلك المنظمات التي تأثرت بهذه السياسة منظمة الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” التي وثقت آثار القصف والدمار طوال سنوات الحرب في سوريا، و”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” التي أسهمت في جمع الأدلة وتسجيل الشهادات المتعلقة بجرائم النظام السوري، والآلية الدولية المحايدة والمستقلة التي تدعم جمع الأدلة حول سوريا، إضافة إلى منظمات أخرى.

ويأتي الإجراء الأميركي بوقف المساعدات في حين لا تزال ذاكرة السوريين مثقلة بصور المجازر، والمقابر الجماعية، وآلاف الصور للمختفين قسرا منذ بداية الثورة السورية، مع أملهم في تحقيق العدالة وملاحقة مرتكبي هذا الانتهاكات بعد سقوط النظام، فكيف ستؤثر هذه السياسة على مسار التحقيق بجرائم الحرب، وما البدائل المتاحة لتعويض التمويل الأميركي لهذه المنظمات؟

واشنطن الممول الأكبر

اعتمدت العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية في سوريا خلال سنوات الثورة على التمويل الأميركي بشكل مباشر عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، أو غير مباشر من خلال برامج ومشاريع تشرف عليها منظمات دولية أخرى، وقد مثل هذا الدعم ركيزة أساسية في استمرار أنشطتها، في مختلف القطاعات الإغاثية والخدمية وتوثيق الانتهاكات.

وبلغت نسبة مساهمة الولايات المتحدة بتمويل الاستجابة الإنسانية والنداء الطارئ المشترك بين الوكالات في سوريا خلال 2024، 24.6%، وفي عام 2023 بلغت 20%، مما يجعلها أكبر جهة مانحة إنسانية منفردة للاستجابة في سوريا، وذلك بحسب تحليل أصدره منتدى المنظمات غير الحكومية العاملة في شمالي سوريا.

وذكر التحليل المنشور في 26 فبراير/شباط الماضي، أن 1,2 مليون شخص لا يتلقون الآن المساعدة المخطط لها نتيجة تعليق الولايات المتحدة مساعداتها، إلى جانب وجود 62% من المنظمات التي شملها الاستبيان ذكرت أن برامجها الممولة من خارج الولايات المتحدة قد تأثرت أيضًا بسبب التجميد الأميركي، الذي كان مشروطًا بمراجعة وزير الخارجية، لكن المراجعة “ليست واضحة ولم يتم الإعلان عنها”.

وتعد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أكبر ممول لمنظمة الدفاع المدني السوري، منذ ما يقارب 10 سنوات، ويشكل الدعم الذي تقدمه نحو 27% من ميزانيتها، وقد أسهم هذا التمويل بإنقاذ أرواح الكثير من السوريين خلال الأعوام الماضية، أما باقي تمويل الخوذ البيضاء فيأتي من تبرعات مساعدات خارجية من حكومات وأفراد آخرين، وذلك حسب تصريح نائب مدير المنظمة فاروق حبيب للجزيرة نت.

ويوم 20 يناير/كانون الثاني، اليوم الأول لعودته إلى البيت الأبيض، وقع ترامب أمرا تنفيذيا قضى بتجميد المساعدات الخارجية الأميركية لمدة 90 يوما، بذريعة “مراجعة الكفاءة والاتساق مع سياسة الخارجية الأميركية”، وصرح ترامب بأنه يريد أن يكون الإنفاق الخارجي أكثر انسجامًا مع أهداف سياسته الخارجية ونهجه “أميركا أولًا”.

توقيت حساس

رغم أن قرار الولايات المتحدة بتخفيض أو إيقاف مساعداتها الخارجية للمنظمات الإنسانية والجهات العاملة في مجال العدالة والإغاثة لم يكن موجها حصرا إلى سوريا، إذ شمل بحسب وزير الخارجية الأميركية ما يقارب 5800 منظمة حول العالم، فإن توقيته شكّل صدمة خاصة في السياق السوري.

ويعود السبب في ذلك إلى تزامن القرار الأميركي مع مرور سوريا بمرحلة انتقالية شديدة التعقيد بعد سقوط نظام الأسد، وتزايد الحاجة فيها إلى مختلف أنواع الدعم، وعلى رأسها جهود المحاسبة والعدالة.

ويرى مراقبون أن التعامل مع ملف العدالة في هذه المرحلة هو أمر حساس جدا، ليس فقط لأنه يرتبط بمحاسبة ضباط ومسؤولي النظام البائد، وإنما لأنه يتقاطع مباشرة مع جهود بناء دولة حديثة تقوم على القانون والمؤسسات.

وفي هذا السياق يقول ستيفن راب، السفير الأميركي السابق المعني بجرائم الحرب، والذي زار سوريا في فبراير/شباط، في تصريحات لإذاعة صوت أميركا “هذه ليست سوى بداية العدالة الانتقالية في سوريا، والمهمة هائلة”، محذرا من أن توقف المساعدات الأميركية يعقّد مهمة جمع الأدلة وأخذ عينات الحمض النووي من الناجين وأسر الضحايا.

ورغم سقوط النظام في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وبدء مرحلة جديدة في سوريا، فلا يزال أكثر من 130 ألف شخص في عداد المفقودين، حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مما يؤكد أن البلاد ما زالت بحاجة ماسّة إلى الدعم الدولي لمواصلة العمل على ملفات المقابر الجماعية، وتحديد هوية الضحايا، ومحاسبة المتورطين.

وفي هذا السياق، يقول فاروق حبيب إن وقف التمويل جاء بمرحلة حرجة تمر بها سوريا، لأنها بأمسّ الحاجة للدعم في ظل الاحتياجات الإنسانية والإغاثية المتزايدة بعد سقوط النظام البائد، وعندما ازدادت الحاجة إلى الخوذ البيضاء بشكل ملحوظ في جميع أنحاء سوريا.

تأثيرات مباشرة على العدالة

اضطرت العديد من المنظمات السورية والدولية العاملة في مجال التوثيق والمساءلة المتعلقة بجرائم الحرب في سوريا إلى تقليص نشاطاتها أو الانسحاب من بعض الملفات بسبب شح التمويل، نتيجة السياسة الأميركية الجديدة، والتي تأمل هذه المنظمات أن تكون مؤقتة.

ومن أبرز تلك المنظمات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” والتي يقول مديرها فضل عبد الغني للجزيرة نت إن التخفيض المفاجئ في الدعم الأميركي أثر بشكل كبير جدا على عملهم، وقال “كنا نخطط هذا العام لتقديم طلب دعم إلى مكتب حقوق الإنسان في الخارجية الأميركية للعمل على ملفات إضافية في مسار المحاسبة، وبشكل أساسي عمليات تحليل المعلومات والبيانات، قبل عملية إيقاف الدعم الأميركي”.

ويضيف عبد الغني “لدينا آلافٌ وآلاف من الوثائق، تحمل تفاصيل كثيرة قد تُساعد العائلات في الكشف عن مصير أحبائها، لأن هذه الوثائق غالبًا ما تحتوي على أسماء المعتقلين، وتاريخ قتلهم أو نقلهم إلى المقابر، بل وحتى أسماء الجناة أيضًا.

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، حسب عبد الغني، خصصت ميزانية لتوظيف باحث جديد هذا العام، وتكريس جهوده لتلك الوثائق، وبعد عملها من المملكة المتحدة وقطر خلال سنوات الصراع السوري، كانت الشبكة تتطلع أيضًا إلى افتتاح مكتب جديد في دمشق، ولكن وقف تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لها أعاق كلا الأمرين.

آثار كارثية

ومن المنظمات الحقوقية المتضررة منظمة “النساء الآن من أجل التنمية”، وهي منظمة نسوية سورية تأسست عام 2012، تدعم المنظمة البحث عن الأشخاص المفقودين، وتقدم الدعم النفسي والاجتماعي للناجين من الاعتقال، إلى جانب أنشطة أخرى.

أحد برامجها الأكثر تأثرا بتجميد التمويل هو الدعم الذي تقدمه لـ6 مجموعات تركز على الاختفاء القسري، وتشمل هذه المجموعات رابطة عائلات قيصر، وعائلات من أجل الحرية، ورابطة المعتقلين والمفقودين في سجن صيدنايا، ومسار.

وتعليقا على ذلك، تقول رؤى الحموي، مديرة برامج العدالة في المنظمة خلال تصريحات صحفية “لقد توقفت جميع أنشطة دعم بناء القدرات لهذه المجموعات من الضحايا”، مشيرة إلى أن “الدعم النفسي والاجتماعي وإدارة الحالات وأنشطة المناصرة كلها توقفت”.

أما بالنسبة لمنظمة “الخوذ البيضاء”، فيشير فاروق حبيب إلى وجود دعم خاص من الخارجية الأميركية يتعلق بملفات المفقودين والاستجابة للمقابر الجماعية، لكنه يقول إن “توقيف الدعم من وكالة التنمية الأميركية له آثار كارثية على عمل المنظمة وعلى الاستجابة الطارئة، ونبذل جهودنا لاستعادة العقد مع الوكالة، لأننا لا نستطيع استبداله سريعا”.

وفي وثائق موجهة إلى الكونغرس الأميركي، أظهرت قائمة بمنح المساعدات الخارجية من الوكالة الأميركية للتنمية إلغاء عقد بقيمة 30 مليون دولار مخصص للخوذ البيضاء، بدأ في فبراير/شباط 2023، وتم إنفاق جزء من أمواله قبل إلغائه، وذلك حسب تقرير لشبكة سي إن إن.

هل من بديل؟

على الرغم من صعوبة إيجاد بدائل كافية لتعويض التمويل الذي كانت تقدمه الوكالة الأميركية للعدالة والتنمية، فإن العديد من الإجراءات والخطوات التي يمكن اتخاذها بديلا لهذا التمويل، أو حلا يمكن أن يساعد في الجهود الرامية إلى التحقيق بجرائم الحرب، وتوثيق الانتهاكات.

وفي هذا السياق، يوضح مدير المركز التعليمي لحقوق الإنسان في ألمانيا، علاء الدين آل رشي، في حديثه للجزيرة نت، أنه إلى جانب الحاجة إلى دعم وتدريب فرق سورية محلية على تقنيات التوثيق، وجمع الأدلة وفق المعايير الدولية، بما يقلل من الاعتماد على الخبرات الأجنبية المكلفة، يمكن اعتماد الحلول التالية بديلا عن التمويل الأميركي:

تنويع مصادر التمويل، عبر بناء شراكات مع الاتحاد الأوروبي، وكندا التي ما تزال تلتزم بدعم حقوق الإنسان والعدالة الدولية. والضغط الحقوقي والدبلوماسي، عبر تكثيف حملات المناصرة لتحفيز الدول على الوفاء بالتزاماتها الأخلاقية والقانونية تجاه ضحايا الحرب، وإنشاء صندوق دولي مستقل، بإشراف الأمم المتحدة لدعم مشاريع البحث عن المفقودين وملاحقة مجرمي الحرب، بعيدا عن مزاجية السياسات المتقلبة للدول الكبرى.

وكانت ألمانيا قد أكدت في 30 ديسمبر/كانون الأول أنها ستدعم مشروعات بقيمة 60 مليون يورو في سوريا، منها 7 ملايين لمنظمات غير حكومية، لتعزيز التعليم وحقوق المرأة ومجالات أخرى في أعقاب الإطاحة بنظام بشار الأسد حسب ما أفادت به وكالة رويترز. ودعا وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال مشاركته في مؤتمر بروكسل يوم 17 مارس/آذار “المجتمع الدولي إلى مواصلة التزاماته تجاه الشعب السوري وعدم السماح للقرارات السياسية بتعطيل جهود المساعدة الأساسية”.

من جانبه، يشدد فضل عبد الغني على أهمية تعدد مصادر الدخل، ويدعو رجال الأعمال السوريين في العالم للعودة إلى فترة الخمسينيات من تاريخ سوريا، عندما كانت البرجوازية السورية تهتم بالشأن العام، وتمول الأنشطة التي لها أبعاد سياسية واجتماعية، كتأسيس المنتديات، ودعم مؤسسات المجتمع المدني الوطنية.

يرى مراقبون أن التعويل على بدائل متعددة أصبح هو الضمانة الوحيدة لمنع ضياع حقوق عشرات الآلاف من الضحايا السوريين الذين ينتظرون العدالة، وسط عالم تتغير فيه الأولويات بتغير الحكومات.

المصدر : الجزيرة

——————————–

هل يقايض أحمد الشرع “الجهاد الإسلامي” برفع العقوبات؟/ رامي الأمين

23 أبريل 2025

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت “سرايا القدس”، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين “دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة”. ودعت إلى “الإفراج” عنهما.

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة “الجهاد الإسلامي” هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: “الإسلام، الجهاد، وفلسطين”: الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ”لاءات ثلاث”: لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه “تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط”، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة.

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى “الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط”. ثم هناك “الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ “الطلائع الإسلامية”، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات.

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن “الجهاد الإسلامي” خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩.

وفي الحالات كلها، تبدو حركة “الجهاد الإسلامي” اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات “تشيّع” داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و”الجهاد” حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في “حضن” النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع “الجهاد” هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في “الجهاد” عن هذا “النهج”، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة “حماس” في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع “الحرة”. بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين.

وإذا كان الشرع في وارد “بيع” حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.

رامي الأمين

الحرة

———————————–

داعش” يهدد الرئيس الشرع… ما مدى قدرة التنظيم على التحرك في سوريا/ عباس شريفة

انتقال التنظيم إلى استراتيجية التخفي

آخر تحديث 23 أبريل 2025

أصدر تنظيم “داعش” يوم 20 أبريل/نيسان 2025 بيانا مصورا هدد فيه الرئيس أحمد الشرع من الانضمام إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بعد أن وجهت الولايات المتحدة طلبا إلى الحكومة السورية بضرورة المشاركة في مكافحة الإرهاب أثار البيان سؤالا عن قدرة التنظيم على تنفيذ تهديداته خصوصا أن سوريا شهدت بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، تغيرات جذرية في المشهد السياسي والعسكري، مما أثر عن وجود تغيير في ديناميكيات التنظيمات المتطرفة، ومن بينها تنظيم “داعش”. وإمكانية محاولة التنظيم استغلال حالة عدم الاستقرار الناتجة عن انهيار النظام لتعزيز وجوده وتنشيط خلاياه في مناطق متفرقة.

وفي هذا المقال استعراض لنشاط “داعش” خلال الفترة الممتدة من ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى أبريل/نيسان 2025، مع التركيز على العمليات قام بها التنظيم والاستراتيجيات التي يتبعها والتحديات التي واجهها وما مدى تأثير الانسحاب الأميركي على قدرة التنظيم في تنفيذ تهديداته ضد الحكومة السورية؟

نشاط “داعش” منذ ديسمبر 2024

بعد سقوط النظام، استغل “داعش” الفراغ الأمني في البادية السورية (مناطق تمتد بين حمص، حماة، الرقة، ودير الزور) لتكثيف هجماته. هذه المنطقة ظلت ملاذا آمنا للتنظيم منذ خسارته الأراضي عام 2019، بفضل تضاريسها الوعرة وصعوبة السيطرة عليها.

وفي ديسمبر 2024، سجلت هجمات بارزة، منها هجوم جنوبي الرقة أسفر عن مقتل شخصين، وهجوم آخر استهدف حقل شاعر للغاز، مما أدى إلى مقتل مدير المحطة. وهناك تقارير أشارت إلى أن التنظيم نفذ ما يقرب من 100 هجوم ضد ميليشيات مدعومة من إيران، و300 هجوم ضد قوات النظام السابق، و300 أخرى ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) خلال عام 2024، مع استمرار وتيرة مماثلة في المناطق غير المستقرة بعد ديسمبر.

من جهته حذر قائد “قسد”، مظلوم عبدي، في 12 ديسمبر 2024، من عودة “داعش” للظهور العلني، مشيرا إلى تحرك خلاياه خارج البادية إلى مناطق سيطرة “قسد” في الجزيرة، مستغلة انشغال الفصائل بإعادة ترتيب الأوضاع بعد انهيار النظام. كما أكد تقرير للأمم المتحدة في فبراير/شباط 2025 أن “داعش” استفاد من سقوط الأسد لتعزيز عملياته، مع تقديرات بوجود 1500 إلى 3000 مقاتل في سوريا والعراق، معظمهم في سوريا. كما لوحظ نشاط استخباراتي متزايد، حيث تسلل عناصر “داعش” إلى مخيم الهول لتحرير مقاتلين مخضرمين وتجنيد شباب، مما يعزز قدرات التنظيم على التخطيط لهجمات معقدة.

وفي 11 ديسمبر 2024، أعلنت الحكومة السورية الجديدة إحباط هجوم مخطط له على مقام السيدة زينب في دمشق، واعتقال خلية تابعة لـ”داعش” وفي 16 ديسمبر 2024، نفذت القيادة المركزية الأميركية غارات جوية قتلت 12 عنصرا وقياديا من “داعش”. وفي 19 ديسمبر، قتل قيادي آخر في دير الزور. كما استهدفت غارة في 23 ديسمبر شاحنة أسلحة تابعة للتنظيم. وفي يناير/كانون الثاني 2025، دعمت الولايات المتحدة عملية لـ”قسد” أدت إلى اعتقال زعيم خلية هجومية، وفي 16 فبراير 2025، أعلنت الحكومة السورية الجديدة اعتقال “أبو الحارث العراقي”، المتهم بالتخطيط لهجمات، بما في ذلك محاولة استهداف مقام السيدة زينب واغتيال قيادي في “هيئة تحرير الشام”.

وبحسب مصادر محلية، انخفض نشاط “داعش” في مناطق سيطرة الحكومة السورية الجديدة بنسبة كبيرة، وبلغت 100 في المئة في بعض التقارير، بينما تراجع في مناطق “قسد” بنسبة 80 في المئة خلال يناير وفبراير 2025، مع تسجيل عمليتين فقط.

هذا التراجع يعزى إلى الضغط العسكري من التحالف الدولي، خاصة الغارات الأميركية، وجهود الحكومة الجديدة في ملاحقة الخلايا. ومع ذلك، يرى مراقبون أن هذا الانخفاض قد يكون مؤقتا نتيجة انتقال التنظيم إلى استراتيجية التخفي ومحاولة نقل نشاطه إلى العراق مجددا.

الولايات المتحدة ترتب المشهد قبل الانسحاب

أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوم 15 أبريل 2025، بأن مسؤولين أمنيين أميركيين أبلغوا المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالانسحاب تدريجيا من سوريا خلال الفترة المقبلة والذي سيبدأ خلال شهرين بعد فشل الجهود الإسرائيلية في ثني الولايات المتحدة عن هذا القرار.

كما تشير بعض المصادر إلى قيام الولايات المتحدة بنقل عتاد عسكري ثقيل من سوريا باتجاه العراق مع توقعات بأن تحتفظ الولايات المتحدة بقاعدتين عسكريتين على الحدود العراقية السورية.

وهنا تطرح التخوفات من عودة نشاط التنظيم بعد الانسحاب الأميركي من سوريا لكن يبدو أن الولايات المتحدة قامت بعدد من الإجراءات الاحترازية لخلق بيئة أمنية تمنع عودة التنظيم، فمع فرار الأسد إلى موسكو في 8 ديسمبر 2024، شنت الطائرات الأميركية ما لا يقل عن 75 غارة على البنية التحتية لمعسكر تدريب “داعش” الواسع في الصحراء الوسطى بسوريا.كما دعمت الولايات المتحدة في منتصف فبراير 2025 اتفاقا بين تركيا والأردن والعراق وسوريا ولبنان على آلية للتعاون المشترك ضد تنظيم “داعش” ترمي أنقرة من خلاله إلى تحقيق هدف آخر يتعلق بوقف الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها ذراع حزب “العمال الكردستاني” في سوريا، والتي تقود قوات سوريا الديمقراطية مقابل الانسحاب الأميركي من سوريا، بحيث يقع عبء مواجهة التنظيم على هذه الدول.

كما ضغطت الولايات المتحدة على “قسد” لإبرام اتفاق بين الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي في 10 مارس 2025 يقضي بضم الأخيرة إلى حكومة دمشق وهو ما يضمن عدم اندلاع مواجهات بين دمشق و”قسد” بعد الانسحاب الأميركي من سوريا يمكن أن يستغله “داعش” لاستعادة نشاطه.

إضافة لفتح خطوط التنسيق الأمني بين التحالف الدولي وحكومة دمشق الجديدة فعندما ألقت قوات الحكومة السورية القبض على القائد الكبير في “داعش” أبو الحارث العراقي في منتصف فبراير 2025، أدت المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها من استجوابه مباشرة إلى مقتل الرجل الثاني في “داعش”، عبد الله مكي الرفاعي (أبو خديجة)، على يد القوات الأميركية والعراقية المشتركة بعد شهر وهو ما يعكس مستوى التنسيق بين الجانبين كما ساهمت المعلومات التي قدمها التحالف الدولي إلى حكومة دمشق يوم 11 يناير 2025 بإجهاض عمليه لـ”داعش” كانت تستهدف مقام السيدة زينب في ريف دمشق واعتقال المتورطين فيها.

قصور استراتيجيات “داعش” في مواجهة التحديات

لم يستطع تنظيم “داعش” العودة إلى شن عمليات حربية نظامية على طريقة تسيير الأرتال والجيوش ولم يستطع السيطرة على مساحات جغرافية أو مدن وبقي يعمل ضمن عدد من الاستراتيجياتمثل الاعتماد على خلايا مبعثرة تعمل بشكل مستقل دون الارتباط بقيادة مركزية تعود لها بالتخطيط والتنفيذ، مما يصعب رصد هذه الخلايا التي تركز على هجمات خاطفة واغتيالات بدلا من السيطرة الجغرافية.

كما استمر التنظيم في استهداف الشباب في مخيمات مثل الهول، مستخدما الإحباط الاجتماعي والاقتصادي لتجنيد أعضاء جدد مما يعكس معاناة التنظيم من نقص الموارد البشرية.

بعد خسائر التنظيم لقاداته، قلل من الظهور العلني لقادته، معتمدا على أسماء حركية مثل “أبو حفص الهاشمي القرشي” للحفاظ على السرية كما يحاول التنظيم استغلال التوترات بين الفصائل السورية الجديدة و”قسد” لتوسيع نفوذه، خاصة في دير الزور والرقة وبعض مناطق حلب لكن كل المحاولات باءت بالفشل حتى الآن.

التحديات التي تواجه “داعش”

يواجه التنظيم عددا من التحديات التي تحد من قدرته على استعادة نشاطه، منها الغارات الأميركية المستمرة، بدعم من “قسد” وبعض الفصائل المحلية، التي أجبرت “داعش” على الانكفاء إلى مناطق نائية، في البادية السورية مما قلل من قدرته على تنفيذ هجمات واسعة النطاق كما تبنت الحكومة السورية الجديدة، سياسة صلبة ضد “داعش”، مع عمليات أمنية ناجحة لإحباط هجمات خصوصا أن الفصائل التي أسقطت النظام تتمتع بخبرات عالية في قتال التنظيم وقدرة كبيرة على اختراق صفوفه، كما ساهم صعود حكومة يغلب عليها المكون السني بما يتناسب مع حجمهم في إضعاف خطاب “داعش” التعبوي تجاه استغلال المظلومية السنية في سوريا، حيث فقد التنظيم مبرراته في مواجهة سلوك النظام السوري الطائفي التي كان يستخدمها لاستقطاب المقاتلين.

رغم قيام تنظيم “داعش” بشن هجمات ملحوظة، فإن الضغط العسكري من التحالف الدولي والحكومة السورية الجديدة، والتنسيق بينهما والاتفاق على دمج “قسد” في الحكومة السورية إلى جانب التحديات الداخلية للتنظيم، ساهم في تقليص قدرته على تحقيق نشاط واسع أو تنفيذ تهديداته.

لكن يبقى التحدي الأكبر في منع “داعش” من إعادة تنظيم صفوفه، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في سوريا والعقوبات الدولية التي تحد من قدرة الدولة على تطوير إمكانياتها في مواجهة التنظيم.

 لكن العمل على تعزيز الأمن من خلال إنجاز بناء المؤسسة الأمنية والعسكرية وتوحيد الجغرافيا السورية وتحقيق مسار الانتقال السياسي بشمولية التمثيل ورفع العقوبات، وإعادة إعمار المناطق المتضررة، ومعالجة قضايا المحتجزين في مخيمات الهول، إضافة لكف العبث الإسرائيلي والإيراني ستكون خطوات حاسمة للحد من خطر عودة التنظيم.

المجلة

——————————–

بيدرسون يدعو لتخفيف العقوبات على سورية وواشنطن “لن تتسرع”/ محمد كركص

25 ابريل 2025

دعا المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون، المجتمع الدولي إلى مضاعفة جهوده لتخفيف العقوبات المفروضة على سورية مشدداً على أهمية تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة، فيما قال مسؤول في الخارجية الأميركية إنّ الحكومة في سورية تقف أمام “فرصة فعلية، وإن كانت مشروطة” لبناء علاقة جديدة مع واشنطن.

وأوضح بيدرسون أنه ناقش مع ممثلي روسيا والصين وتركيا في نيويورك المسار السياسي إضافة إلى التحديات الاقتصادية المتفاقمة داخل البلاد، مؤكداً ضرورة معالجة الهواجس المرتبطة بالإرهاب، خصوصاً ما يتعلق بالمقاتلين الأجانب، لتحسين الوضع العام في سورية. وكان بيدرسون جدّد في 12 إبريل/ نيسان الجاري، خلال مشاركته في جلسة ضمن أعمال منتدى أنطاليا الدبلوماسي في تركيا، دعوته إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، مؤكداً أن استمرار هذه الإجراءات يفاقم من معاناة المدنيين ويعيق جهود التعافي.

من جهته، قال كبير مسؤولي مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية، تيم ليندركينغ، أمس الخميس، إن الحكومة السورية الجديدة تقف أمام “فرصة فعلية، وإن كانت مشروطة” لبناء علاقة جديدة مع واشنطن، لكنّه شدّد على أن الولايات المتحدة “لن تتسرع” في اتخاذ خطوات نحو رفع العقوبات المفروضة على دمشق.

ولفت ليندركينغ، خلال ندوة نظمها المجلس الوطني للعلاقات الأميركية العربية عبر الإنترنت، إلى تزايد النقاشات الداخلية في وزارة الخارجية الأميركية بشأن الملف السوري، مشيراً إلى أن “الموضوع حاضر على نحوٍ شبه يومي في مشاوراتنا، سواءً في مكتبنا أو مع وزير الخارجية روبيو”، وأكد أن مسؤولين عرباً زاروا واشنطن مؤخراً وضعوا القضية السورية على رأس أولوياتهم، مضيفاً أن الإدارة الأميركية “لم تبدأ بعد تواصلاً مباشراً مع القيادة السورية الحالية”، وأنها لا تزال في مرحلة تقييم مدى جدية التغيير في نهجها السياسي.

وبحسب ليندركينغ، فإن بلاده قدّمت مجموعة “مطالب واضحة ومحددة” للسلطات في سورية وصفها بأنها “ليست تعجيزية”، معتبراً أن تنفيذها يمكن أن يفتح الباب لبناء الثقة وربما لاحقاً لرفع تدريجي للعقوبات، ولفت المسؤول الأميركي إلى أنّ بعض الأشخاص القيادة السورية الجديدة، فضلاً عن “هيئة تحرير الشام”، لا تزال مصنفة ضمن قوائم الإرهاب الأميركية، مشيراً إلى أن معالجة هذا الملف “ليست مسألة يمكن حلّها بين ليلة وضحاها”.

كما شدّد المسؤول الأميركي على أهمية إبعاد المقاتلين الأجانب ممّن تولوا مناصب رسمية في الجيش، واصفاً هذا التحدي بأنه من “أكثر العقبات تعقيداً” التي تواجه الحكومة السورية الجديدة، مشيراً إلى أن بلاده تطالب دمشق بإجابات واضحة بشأن مصير الصحافي الأميركي المختطف أوستن تايس، إضافة إلى مواطنين أميركيين آخرين اختفوا في عهد النظام السابق.

———————————–

سورية: عرض التطبيع وتجاهله/ حسام كنفاني

25 ابريل 2025

لا توفر الإدارة السورية الجديدة وسيلة للمساعدة في رفع العقوبات المفروضة بغية تثبيت الاستقرار في البلاد فحسب، لكن يبدو أنها مستعدّة للذهاب إلى أبعد مما كان متوقعاً لتحقيق هذه الغاية. هذا ما كشف عنه عضو الكونغرس الأميركي، كوري ميلز، في حواره مع تلفزيون “العربي” بعد زيارته دمشق ولقائه الرئيس أحمد الشرع.

نقل ميلز عن الشرع انفتاحه على “تحسين العلاقات مع إسرائيل وإجراء حوار معها”، من دون أن يستبعد توسيع “اتفاقيات أبراهام” لتشمل سورية. ويمكن اعتبار أن الذكر الصريح لهذه الاتفاقات، بحسب ما نقل ميلز، هو الأخطر في التوجّه السوري الجديد، خصوصاً أن “أبراهام” التي رعاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، وشملت تطبيع العلاقات بين إسرائيل من طرف، والإمارات والبحرين والمغرب والسودان من طرف آخر، كانت مجّانية ولم تقدم خلالها دولة الاحتلال أي تنازل مقابل الانفتاح عليها وتطبيع العلاقات معها. حتى إن الدول العربية المنضمة إلى الاتفاقات لم تضع أي شروط على تل أبيب في ما يخص قضية فلسطين أو غيرها من القضايا التي تضطلع بها إسرائيل بدور المحتل.

يمكن القول، من دون قبول ذلك، إن هذه الدول المطبّعة، أو المنضوية ضمن الاتفاقات، لا تملك حدوداً مباشرة مع دولة الاحتلال، وليس لها أراضٍ مصادرة بقوة السلاح الإسرائيلي، ومن ثم لم تضع أي طلبات في هذا الشأن على طاولة محادثات “أبراهام”، وعمدت إلى إرضاء ترامب وكسب ودّه. لكن هذا الأمر لا ينطبق على سورية في الوقت الذي تحتل فيه إسرائيل أجزاء من أراضيها منذ سنوات طويلة، واحتلت المزيد بعد سقوط نظام بشّار الأسد، وتنفذ بشكل شبه يومي اعتداءاتٍ في مختلف الأراضي السورية.

لا يمكن للإدارة السورية الجديدة الإتيان على ذكر الانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام” من دون المرور على مطالب من المفترض على إسرائيل تحقيقها، في مقدّمتها الانسحاب من الأراضي السورية ووقف الاعتداءات. وللأسف، من غير الواضح ما إذا كان قد جرى التطرق إلى هذه الأمور في لقاء الشرع وميلز، والذي لم ينقل عن الرئيس السوري أي إشارة إلى ضرورة استعادة الأراضي المحتلة قبل المضي في “تحسين العلاقات” مع إسرائيل.

من المفهوم أن الرئيس السوري يسعى إلى بعث رسائل طمأنة في كل الاتجاهات، لنيل الاعتراف الدولي وتحقيق غاية رفع العقوبات عن سورية، باعتبارها الخطوة الأساسية للسير بالبلاد نحو “العهد الجديد”، ومن دونها قد تحدُث العودة إلى الفوضى والاقتتال. لكن من غير المفهوم القفز إلى تقديم مثل هذا العرض من رئيسٍ يأتي من خلفية عقائدية من المفترض أنها تناصب العداء لإسرائيل. والأكثر غرابة أن العرض ليس من ضمن المطالب الأميركية والغربية، على الأقل وفق ما خرج إلى الإعلام، فما تسرّب عن شروط أميركية للانفتاح على الإدارة الجديدة لم يأت على ذكر التطبيع أو إبرام “اتفاق سلام” مع دولة الاحتلال، إذ إن معظم المطالب داخلية بالدرجة الأولى، ويرتبط جزءٌ منها بالانتهاكات التي شهدتها بعض الأراضي السورية ووضع المقاتلين الأجانب في البلاد. وهنا يمكن لكثيرين أن يتساءلوا: هل هذه القفزة في العروض هي للتحايل على بعض المطالب الغربية؟

وبغض النظر عن هذا التساؤل، والذي لا يملك أحدٌ جواباً حاسماً عليه، كان لافتاً الغياب الكامل لردّات الفعل السورية على ما نقله ميلز على لسان الشرع في ما يخصّ التطبيع. لم نشهد أي تعليق من السياسيين السوريين، القوميين وغيرهم على هذا العرض، ولم تضج وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات على الكلام المنسوب للشرع، على عكس الضجيج الذي يحدثه أي تصريح سوري لا يعجب فئة ولو قليلة من السوريين. فهل يمكن تفسير هذا الصمت بأن لا اعتراض سورياً على التطبيع، وأن هناك قبولاً في حال نجح هذا التوجه في تخفيف معاناة العقوبات، وأن الأولوية لرفعها بأي ثمن؟ ربما.

العربي الجديد

—————————–

 بريطانيا: رفع العقوبات يعيد بناء سوريا واقتصادها ويسمح بمحاسبة الأسد وشركائه

2025.04.25

أكدت المملكة المتحدة أن قرارها بتعديل أنظمتها الخاصة بالعقوبات على سوريا يهدف إلى إعادة بناء سوريا واقتصادها، ويعزز دعم الشعب السوري، ويسمح بمحاسبة نظام الأسد وشركائه.

وفي بيان لها، قالت وزارة الخارجية البريطانية إن التحديثات التي أدخلتها على لوائح العقوبات المفروضة على سوريا “ستساعد الشعب السوري على إعادة بناء بلده واقتصاده بعد سقوط الأسد”، مؤكدة أن “ضمان الاستقرار الطويل الأمد في سوريا أمر ضروري للأمن الإقليمي والبريطاني، وهو أساس لخطة الحكومة للتغيير”.

وأضاف البيان أنه “سيتم دعم النظام المالي السوري لفتح أبوابه وإعادة بنائه بعد سقوط الأسد، حيث أعلنت الحكومة البريطانية أنها تعدل لوائح العقوبات المفروضة على سوريا وترفع العقوبات عن 12 كياناً”.

تدعم استقرار سوريا واقتصادها ومحاسبة الأسد وشركائه

وستؤدي تعديلات أنظمة العقوبات إلى إزالة القيود البريطانية على بعض القطاعات، بما في ذلك الخدمات المالية وإنتاج الطاقة في سوريا، مما يساعد على تسهيل الاستثمار الأساسي في البنية التحتية للطاقة في سوريا ودعم الشعب السوري لإعادة بناء بلده واقتصاده.

وذكر البيان أن التعديلات على التشريعات البريطانية للمملكة المتحدة “ستسمح أيضاً بمحاسبة الأسد وشركائه على أفعالهم الفظيعة ضد الشعب السوري، مع منح المملكة المتحدة مجالاً لفرض عقوبات مستقبلية في سياق سوريا، إذا أصبح ذلك ضرورياً”.

وبالإضافة إلى ذلك، رفعت المملكة المتحدة العقوبات عن 12 كياناً، بما في ذلك وزارة الدفاع السورية ووزارة الداخلية إلى جانب مديرية المخابرات العامة، وشركات إعلامية، في حين ستظل العقوبات المفروضة على أعضاء نظام الأسد والمتورطين في التجارة غير المشروعة في “الكبتاغون” قائمة.

وأكدت الخارجية البريطانية أن هذه التعديلات “ستدعم انتقال سوريا إلى بلد أكثر استقراراً وازدهاراً، وتعزيز الأمن الإقليمي وأمن المملكة المتحدة بما يتماشى مع خطة الحكومة للتغيير”.

بريطانيا ملتزمة بتعزيز استقرار سوريا

وقال وزير شؤون الشرق الأوسط في الحكومة البريطانية، هاميش فالكونر، إن الشعب السوري “يستحق فرصة إعادة بناء بلده واقتصاده، واستقرار سوريا يصب في المصلحة الوطنية للمملكة المتحدة”، معرباً عن “سروره بتعديل العقوبات على سوريا ورفعها عن 12 كياناً لدعم تحقيق ذلك”.

وأكد فالكونر أن المملكة المتحدة “ملتزمة بتعزيز الاستقرار في سوريا والمنطقة ككل”، مشيراً إلى أن ذلك “يمكننا أيضاً من تعزيز الأمن الوطني في الداخل لدعم خطة الحكومة للتغيير”.

وشدد الوزير البريطاني على أن المملكة المتحدة “تظل ملتزمة بالعمل مع الحكومة السورية والشركاء الدوليين لدعم انتقال سياسي شامل في سوريا، بما في ذلك حماية حقوق الإنسان، ووصول المساعدات الإنسانية من دون قيود، والتدمير الآمن لمخزونات الأسلحة الكيميائية، ومكافحة الإرهاب والتطرف”، مشيراً إلى أنه “سنواصل الضغط على الحكومة السورية لضمان وفائها بالتزاماتها”.

ويأتي إعلان الحكومة البريطانية تعديل أنظمة العقوبات في أعقاب قرار اتخذته، في شهر آذار الماضي، يقضي برفع تجميد الأصول عن 24 كياناً سورياً، بما في ذلك البنك المركزي السوري، والخطوط الجوية العربية السورية، وشركات الطاقة.

———————–

 مسؤول أميركي: القيادة السورية أمام فرصة حقيقية ولكن مشروطة لبناء علاقة مع واشنطن

2025.04.25

قال كبير مسؤولي مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية، تيم ليندركينج، إن القيادة السورية الجديدة “أمام فرصة حقيقية، ولكن مشروطة، لبناء علاقة مع الولايات المتحدة”، مؤكداً أن الولايات المتحدة “لن تتعجل في رفع العقوبات عن سوريا”.

وخلال ندوة عبر الإنترنت، نظمها المجلس الوطني للعلاقات الأميركية العربية، قال ليندركينج إن النقاشات حول سوريا باتت حاضرة بشكل يومي داخل أروقة الخارجية الأميركية، مضيفاً أنه “لا يكاد يمر يوم من دون أن يتم الحديث مع مكتبنا ومع الوزير روبيو بشأن سوريا”.

وذكر أن جميع المسؤولين العرب الذين زاروا واشنطن مؤخراً طرحوا المسألة السورية ضمن أولوياتهم، موضحاً أن الولايات المتحدة “لم تصل بعد إلى نقطة التفاعل المباشر مع القيادة السورية الجديدة”.

واعتبر ليندركينج أن الولايات المتحدة “لا تزال في مرحلة استكشاف مدى جدية هذه القيادة في تغيير المسار الأيديولوجي السابق”، مؤكداً أن واشنطن “تتخذ خطواتها تجاه القيادة السورية الجديدة بكثير من التمحيص والحذر”.

شروط واضحة لبناء علاقة جديدة

وقال المسؤول الأميركي إن هناك “مطالب واضحة ومحددة” تم إبلاغها للسلطة السورية الجديدة، مضيفاً أن “مطالبنا ليست تعجيزية، ونريد لهذه العلاقة أن تنجح”.

وأوضح أن “تنفيذ هذه المطالب سيفتح الباب أمام بناء الثقة، وربما يؤدي لاحقاً إلى رفع العقوبات”، مشيراً إلى أنه “إذا أكملت القيادة السورية في بعض المسارات التي ألزمت نفسها بها، فهذا يشكل فرصة حقيقية لبناء الثقة مع الولايات المتحدة”.

وأشار ليندركينج إلى أن “بعض عناصر القيادة السورية الجديدة، إضافة إلى تنظيم هيئة تحرير الشام، ما يزالون على قوائم الإرهاب الأميركية”، مؤكداً أنه “لا يمكن حل هذا الأمر بين ليلة وضحاها”.

وشدد على ضرورة إبعاد جميع المقاتلين الأجانب الذين عيّنوا في مناصب رسمية في الجيش، موضحاً أن “أحد أكبر التحديات أمام سلطة دمشق الجديدة هو ملف المقاتلين الأجانب”.

وطالب ليندركينج السلطات السورية بتقديم إجابات واضحة حول مصير الصحفي الأميركي المختطف في سوريا، أوستن تايس، وبقية الأميركيين المختفين منذ عهد النظام السابق.

وأعرب عن قلق الولايات المتحدة إزاء أحداث الساحل السوري، موضحاً أنه “نتفهم أن فلول الأسد وأذرع إيران قادوا لتلك الأحداث، لكن لماذا تم قتل مدنيين سوريين هناك؟”، مشيراً إلى أن واشنطن تنتظر نتائج التحقيق، وترغب بمحاسبة المتسببين.

واشنطن ليست في عجلة لرفع العقوبات

وفيما يتعلق برفع العقوبات عن سوريا، قال المسؤول الأميركي إن الولايات المتحدة “ليست في عجلة من أمرها لرفع العقوبات عن سوريا”، مؤكداً أنه “لن ترفع هذه العقوبات بين عشية وضحاها، ولن نتعجل ذلك على عكس ما فعلته بعض الدول”.

وأضاف “نرى أن بعض شركائنا في العالم يسعون لإعادة فتح السفارات، ورفع الأعلام في دمشق، نحن لم نصل إلى هذه النقطة بعد”، مشيراً إلى أن واشنطن “تحترم حقيقة أن جميع الدول تتحرك للتواصل مع السلطات السورية الجديدة، وليس من حقها أن تملي على الدول الأخرى كيفية تعاملها بشأن ذلك”.

وشدد ليندركينج على أن الولايات المتحدة “ستنظر في إمكانية تخفيف العقوبات إذا اتخذت السلطات الانتقالية في دمشق خطوات ملموسة في الاتجاهات التي تحدثت عنها سابقاً”.

سيكون لواشنطن دور إيجابي في سوريا

وأعرب المسؤول الأميركي عن ترحيبه بالاتفاق الذي جرى بين الحكومة السورية و”قوات سوريا الديمقراطية” لدمج المناطق في دولة سورية موحدة، معتبراً أن ذلك “تطور بالغ الأهمية”.

كما رحّب ليندركينج بتعاون الحكومة السورية مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، داعياً لاستمرار هذا التعاون حتى ضمان التدمير الكامل لمخزون السلاح الكيميائي في سوريا.

وختم كبير مسؤولي الشرق الأدنى بوزارة الخارجية حديثه بالقول “نعرف السوريين جيداً، وقد عشت بينهم سنوات. هناك سوريون مؤهلون حول العالم وليسوا إرهابيين، ونتمنى أن نراهم في المناصب الحكومية. نريد أن تكون سوريا دولة قوية موحدة تعمل لشعبها وتحميه. وحتماً سيكون لنا دور إيجابي إذا قررت قيادتها العمل من أجل شعبها”.

——————————

 منظمة حظر الأسلحة الكيميائية: دخلنا منشآت حساسة في دمشق وقطر ستمثل سوريا

2025.04.25

تحدّثت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، في تقريرها الشهري، عن تعاون ملحوظ و”فعّال” من الحكومة السورية في ملف الأسلحة، مؤكدة على استمرار عمليات التحقيق.

وأعلن التقرير رقم (139) الصادر عن المنظمة، عن إحراز تقدم في الملف، بعد “أكثر من عقد من الجمود والاتهامات المتبادلة بين المنظمة والنظام السوري السابق”.

“دعم كامل من سوريا”

وأكد التقرير على تقديم الحكومة السورية الدعم الكامل لفريق المنظمة خلال زياراته الميدانية إلى سوريا.

وأشارت المنظمة إلى أن فرقها الميدانية أجرت عمليات تفتيش لعدة مواقع، منها لم تُبلّغ فيها المنظمة مسبقاً، إضافة إلى جمع وثائق ومستندات تم العثور عليها في مواقع مهجورة  خلال الجولة الميدانية للفرق، خلال آذار ونيسان من العام الجاري.

قطر تمثل سوريا

وأفاد التقرير بأن دولة قطر، وبطلب رسمي من وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، أصبحت الممثل الدبلوماسي الرسمي لسوريا لدى المنظمة. 

“ثغرات وتناقضات”

وأوضح التقرير أن إعلان سوريا عن البرنامج الكيميائي “غير دقيق وغير مكتمل”، لوجود ثغرات وتناقضات.

واعتبر أن 19 نقطة جوهرية من أصل 26 تحتاج إلى حلول، منها مسائل تتعلق بكميات غير موثقة من غازات الأعصاب والذخائر الكيميائية.

وأكد التقرير أن “سوريا لم تُكمل الإجراءات المطلوبة وفقًا لقرار المجلس التنفيذي رقم (EC-94/DEC.2) والتي يشمل الإعلان عن منشآت تصنيع وتخزين المواد الكيميائية التي استُخدمت في هجمات وقعت في عام 2017، وتقديم كشف كامل عن ما تبقى من البرنامج الكيميائي”.

دعم بـ 48 مليار يورو

عرّج التقرير عن مجموع التبرعات لصندوق المهام الخاصة بسوريا والبالغة أكثر من 48.4 مليون يورو، بدعم من 25 دولة ومن الاتحاد الأوروبي.

وتُعول المنظمة على دعم إضافي مالي ولوجستي لمواصلة عملها في سوريا خلال العام الجاري، خصوصًا مع بدء إنشاء مكتب دائم للمنظمة في دمشق، وفقاً للتقرير.

واشترط التقرير إعادة الحقوق والامتيازات إلى الحكومة السورية، بعد تعليقها من الدول الأعضاء في العام 2021، مقابل إتمام جميع الالتزامات المفروضة.

وفي الثامن من شباط الماضي، استقبل الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، وفداً من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في دمشق في زيارة هي الأولى من نوعها بعد سقوط نظام الأسد.

وضم الوفد إلى جانب المدير العام للمنظمة فرناندو جونزاليز، فريق تحديد الهوية، المسؤول عن تحديد الجهات والأشخاص الذين استخدموا السلاح الكيميائي في سوريا، ورئيس فريق تقييم الإعلان، المسؤول عن التأكد من امتثال سوريا لبنود اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.

اتفاقية الأسلحة الكيميائية

وانضم النظام المخلوع في 13 من أيلول 2013 إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، وفي الشهر نفسه اعتمد مجلس الأمن الدولي قراره رقم 2118 الخاص بالأسلحة الكيماوية السورية، وارتكب النظام مجزرة الغوطة الشرقية قبل شهر فقط من إعلان انضمامه للمعاهدة.

ودخلت اتفاقية الأسلحة الكيميائية حيز التنفيذ بالنسبة لسوريا في 14 تشرين الأول 2013، وقدم نظام الأسد حينها إعلاناً أولياً عن برنامجه للأسلحة الكيميائية، إلا أن المنظمة الدولية اعتبرت الوثيقة غير كاملة وغير دقيقة، وأنشأت مجموعة خاصة للعمل على إزالة الثغرات والتناقضات في الإعلان الأصلي.

وتوسعت مهمة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في سوريا مع اعتماد قرار، في تشرين الثاني 2016، بإنشاء آلية تحقيق مشتركة مع الأمم المتحدة، بهدف التحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، وتقديم تقارير دورية عن نتائج التحقيقات.

وقالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إنه تم تدمير جميع المنشآت الـ 27 المعلنة لإنتاج الأسلحة الكيميائية في سوريا، في حين ما تزال هناك 19 قضية غير محلولة تتعلق بالبرنامج الكيميائي لنظام الأسد، بما في ذلك وجود آثار لمواد كيميائية تم اكتشافها في مواقع معينة، وهو ما عادت إلى تأكيده في التقرير الحديث.

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أكدت أن النظام السوري هو أكثر من استخدم الأسلحة الكيماوية في القرن الحالي، متسبباً في مقتل ما لا يقل عن 1510 أشخاص، وإصابة قرابة 12 ألفاً، من جراء ما لا يقل عن 217 هجوماً كيماوياً.

تلفزيون سوريا

—————————————-

واشنطن تعلن شروطها المسبقة للتطبيع مع حكومة دمشق

أنقرة: كشفت واشنطن عن أنها قد تخفف العقوبات على سوريا إذا اتخذت حكومة دمشق خطوات في بعض الملفات، بما في ذلك الإفراج عن معتقلين أمريكيين وقضية المقاتلين الأجانب والأسلحة الكيميائية.

جاء ذلك في تصريح لكبير مسؤولي مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأمريكية تيم ليندركينغ، خلال مشاركته بندوة نظمها المجلس الوطني للعلاقات العربية الأمريكية، الخميس.

وأكد ليندركينغ أن العقوبات على سوريا مستمرة، ولكن ثمة إمكانية لتقديم مرونة “في حال أظهرت السلطة الانتقالية في دمشق تغييرا، فنحن نبحث عن فرصة لبناء الثقة”.

ولفت إلى أن “هذه ليست أمورا يمكن إصلاحها بين عشية وضحاها”، وأن واشنطن مستعدة للتفاعل مع المسؤولين السوريين وفهمهم.

وأوضح أن توفير معلومات موثوقة عن المواطنين الأمريكيين المحتجزين أو المفقودين في السجون السورية، بما في ذلك الصحافي أوستن تايس، يعد من المتطلبات الأساسية لواشنطن.

ورحّب ليندركينغ باستقبال الرئيس السوري أحمد الشرع، عائلة تايس في 19 يناير/ كانون الثاني، مؤكدا ضرورة الكشف عن مصير الأمريكيين المفقودين.

وشدد على أن واشنطن “مصممة وحازمة” في منع إيران و”حزب الله” من إعادة توطيد وجودهما في الأراضي السورية، وأنها تطلب ضمانات بهذا الشأن.

ودعا الحكومة السورية إلى مواصلة جهودها في مكافحة الإرهاب بما في ذلك تنظيم “داعش”، معربا عن ارتياح واشنطن لتوقيع اتفاقية تؤكد وحدة الأراضي السورية في مارس/ آذار بين الشرع وفرهاد عبدي شاهين، أحد قادة تنظيم “بي كي كي/ واي بي جي”.

وقال إن واشنطن تدرك بأن تنفيذ هذه الاتفاقيات سيكون محفوفا بالتحديات، داعيا الأطراف إلى التوصل لحل يضمن عدم ظهور “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية مرة أخرى في سوريا.

وأكد ضرورة التخلص من جميع الأسلحة الكيميائية واعتماد مبادئ عدم الاعتداء على الدول المجاورة، مطالبا بمحاسبة مرتكبي “الأعمال الوحشية” التي وقعت خلال الاشتباكات بسوريا وكذلك في محافظة اللاذقية في مارس الماضي، وفق قوله.

وطالب ليندركينغ بعزل “المقاتلين الأجانب” من المناصب الحكومية، مشيرا إلى أن واشنطن مستعدة لإعادة التفاعل مع دمشق في حال تحقق تقدم في هذه المجالات.

وقال: “إذا اتخذت السلطة الانتقالية خطوات قابلة للإثبات تتماشى مع ما ذكرته، فإننا سننظر في تخفيف العقوبات. ونريد أن تحظى سوريا بفرصة ثانية”.

(الأناضول)

————————

عضو في الكونغرس الأميركي: الرئيس السوري منفتح على تطبيع العلاقات مع إسرائيل

 تل أبيب: «الشرق الأوسط»

24 أبريل 2025 م

نقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، اليوم الخميس، عن العضو الجمهوري في الكونغرس الأميركي مارلين ستوتزمان قوله إن الرئيس السوري أحمد الشرع منفتح على تطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ شرط بقاء بلاده موحدة وذات سيادة.

وأضاف ستوتزمان في مقابلة مع «جيروزاليم بوست»: «الشرع قال إنه منفتح على الاتفاقات الإبراهيمية، ما يجعل سوريا في وضع جيد مع إسرائيل ومع دول أخرى شرق أوسطية، وبالطبع مع الولايات المتحدة».

وكان عضو الكونغرس الأميركي التقى الشرع قبل أيام في دمشق.

وأكد ستوتزمان أن الشرع يخشى من «تقسيم سوريا إلى أقاليم، ولا يريد أن يحدث ذلك، إنه يريد أن تبقى بلاده موحدة، وأصر على معالجة الانتهاكات الإسرائيلية قرب مرتفعات الجولان وعدم قصف إسرائيل لسوريا».

وأضاف عضو الكونغرس الأميركي أن الرئيس السوري أكد ضرورة وجود مفاوضات ثم خطوات للتطبيع مع إسرائيل، وقال: «أعتقد حقاً أنه منفتح على الحوار».

——————————

======================

العدالة الانتقالية تحديث 24-25 نيسان 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

العدالة الانتقالية في سوريا

——————————–

عبثٌ بمسارح الجرائم في سورية… مخاوف من تضييع الأدلّة/ فضل عبد الغني

31 يناير 2025

وسط تفاعلٍ واسع في مواقع التواصل الاجتماعي السورية إثر نشر فيديو، في الـ13 من شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، يبيّن مجموعةً ناشطةً تُدعى “سواعد الخير”، تدخل فرع الأمن 325 للمخابرات والأمن العام في مدينة اللاذقية، وتقوم بطلاء جدرانه، والعبث بمحتوياته، إذ صرّح أفراد المجموعة بأنّهم حصلوا على موافقة من حرّاس الموقع. غير أنّ هذا السلوك، الذي وصفه بعضهم بالمبادرة التطوّعية، أثار انتقاداتٍ شديدة من حقوقيين وعائلات ضحايا رأوا فيه تهديداً مباشراً لجهود التحقيق في انتهاكاتٍ يُحتمل أنّها وقعت في هذا الفرع. وبرزت تساؤلاتٌ حول مدى تأثير العبث بالوثائق على مسار البحث عن الحقيقة ومحاسبة الجناة، وعلى سبب سماح السلطات (إن كانت قد أذنت فعلاً) لجهة غير مختصّة بدخول مكان بهذه الحساسية.

وفق روايات متطابقة ومقاطع فيديو منشورة، دخلت مجموعة “سواعد الخير” مقرّ فرع الأمن المذكور بحجّة “إعادة تأهيل المبنى” وتنظيفه، إلا أنّ الشبكة السورية لحقوق الإنسان حذّرت، في بيانٍ رسمي، من تداعيات هذا الدخول غير المنظّم، وأوضحت أنّ المقرّ يُعدّ من أماكن الاحتجاز التي رُصدت فيها اعتقالات تعسّفية وعمليات إخفاء قسري عديدة منذ بداية النزاع، وبالتالي، هو مسرح جريمة. وطالبت السلطات السورية بفتح تحقيق مع مجموعة “سواعد الخير” وكشف نتائجه للرأي العام. وعلى الرغم من محاولات التواصل مع السلطات في محافظة اللاذقية، لم يصدر أيُّ تعليق رسمي واضح يحدّد الجهة المخوَّلة السماح للمجموعة بدخول المبنى، واقتصرت تصريحاتٌ متفرّقة على الدعوة إلى “التعاون في ما ينفع أهالي المدينة”، من دون بيان أيّ ضوابط للمحافظة على الوثائق المودعة في الفرع.

الأهمية والسياق العام

لا تنحصر إشكالية دخول مجموعات مدنية مراكز أمنية حسّاسة في أنها “عمل تطوّعي” وحسب، بل المشكلة في أنّ هذه المواقع قد تحتوي أدلّةً توثّق انتهاكات جسيمة، كالاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري. وأي عبثٍ أو إتلافٍ للوثائق، حتى لو لم يكن متعمّداً، قد يعرقل وصول الضحايا وعائلاتهم إلى حقيقة ما جرى، كما يهدّد صدقية التحقيقات أمام المحاكم الوطنية أو الدولية. في هذا الإطار، يُلقي الخبراء بالمسؤولية على السلطات الانتقالية أو المحلّية التي يفترض أنّها المكلّفة بتأمين المواقع الحسّاسة وإدارة دخولها وفق قواعد قانونية واضحة. ويُحذّر ناشطون حقوقيون من أنّ تساهل الجهات الرسمية في هذه الحادثة قد يشجّع مجموعات أخرى على تكرار التصرّف نفسه، ما يزيد من خطر اختفاء أدلّة ذات أهمية بالغة للعدالة.

ضوابط الدخول إلى مسارح الجرائم

تُحاط عملية الدخول إلى مسارح الجرائم بمجموعةٍ من البروتوكولات الدولية الصارمة، منها بروتوكول بورنموث لحماية المقابر الجماعية والتحقيق فيها، الذي يهدف إلى توحيد المعايير القانونية والإجرائية لضمان حماية هذه المواقع الحسّاسة من أيّ تدخّل غير قانوني، والحفاظ على الأدلة التي تحتويها، وبروتوكول إسطنبول الخاص بالتحقيق في مزاعم التعذيب، وبروتوكول مينيسوتا المعني بالتحقيق في الوفيات غير المشروعة، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي ينصّ على تجريم أيّ فعلٍ يعرقل سير العدالة، بما في ذلك تدمير الأدلّة أو تغيير أماكنها على نحوٍ قد ينال من قيمتها الإثباتية. وبموجب هذه البروتوكولات، لا يُسمَح بالوجود في الموقع إلا للفئات المخوَّلة قانونياً، مثل ضبّاط إنفاذ القانون، وخبراء الطبّ الشرعي، والأطباء الشرعيين والمدّعين العامّين. وتُحدّد هذه الفئات بناءً على دور كلٍّ منها في توثيق الأدلة وتحليلها، وكذلك في ضمان الالتزام بالمعايير القانونية الراسخة في جمع المعلومات. على سبيل المثال، يتولّى ضبّاط إنفاذ القانون إعلان الموقع مسرحاً للجريمة، وضبط حدوده، والسيطرة على حركتَي الدخول والخروج، بينما يتمتّع خبراء الطبّ الشرعي بالأدوات والخبرات اللازمة لجمع الأدلّة بطريقة تحافظ على صلاحيتها أمام المحاكم. وتشدّد هذه البروتوكولات على ضرورة الحصول على موافقات رسمية مسبقة قبل دخول الموقع، بما في ذلك استصدار أوامر تفتيش في الحالات التي تخضع لحقوق ملكية خاصّة، أو وجود دواعٍ أمنية تقتضي حماية الأدلة من العبث والضياع. علاوةً على ذلك، تولي هذه الإجراءات عنايةً خاصّةً للمواقع الحسّاسة كالمقابر الجماعية ومراكز الاحتجاز، إذ تتطلّب معايير دولية إضافية لفرض رقابةٍ دقيقة على الدخول ومنع تسريب الأدلة أو نقلها بطرق غير منظمة.

تدابير الحفاظ على سلامة مسرح الجريمة

يكتسي الالتزام بضوابط تأمين مسرح الجريمة أهميةً قصوى في ظلّ المخاطر المتكرّرة بفقدان الأدلّة أو تلويثها، خصوصاً في الحالة السورية التي شهدت طوال قرابة 14 عاماً كمّيةً هائلةً من الانتهاكات، خلّفت وراءها أعداداً ضخمةً من الضحايا، وبحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ما زال هناك قرابة 115 ألف مواطن سوري مختفٍ قسراً بسبب نظام الأسد وحده. ولا يمكن تخيّل مدى معاناة أهالي هؤلاء عند مشاهدتهم العبث في مسارح الجريمة. ولذا توصي الهيئات الدولية المعنية، وكذلك منظّمات حقوقية عديدة، باعتماد إجراءات محدّدة لمنع الوصول غير المصرّح به، من بينها تقييد الدخول وإحاطة الموقع بحواجز مادّية واضحة، إضافة إلى توثيق هُويَّة كلّ فرد يدخل أو يغادر المنطقة. وفي حالات الطوارئ، قد يُسمح لفرق الإسعاف الطبّي بالوصول المباشر لإنقاذ الأرواح، شريطة الالتزام بتوثيق كلّ خطوة لمنع فقدان الأدلّة أو تشويه معالمها. كما تصرّ هذه البروتوكولات على وجوب تخصيص حراسة مدرَّبة للمواقع الحساسة، والحرص على إنشاء سجلّ خاص بسلسلة العهدة (Chain of Custody)، يسجّل فيه اسم كلّ شخص يتعامل مع الأدلة، ووقت استلامه لها، والجهة التي سُلِّمت إليها بعد ذلك. ويُفترض أن تواكب هذه التدابير منظومةً أشمل تهدف إلى ضمان فعّالية المسار القضائي في محاسبة مرتكبي الانتهاكات، بما في ذلك تطبيق الممارسات الفضلى في الطبّ الشرعي وحفظ العينات البيولوجية والوثائق الرسمية. ونتيجة للانتهاكات الواسعة التي شهدتها البلاد، تضطلع المنظمات الحقوقية السورية والدولية بدورٍ جوهري في التوعية بضرورة هذه الإجراءات، فضلًا عن دعم السلطات الانتقالية أو المحلّية بتوفير الموارد اللازمة، وتطوير قدرات الكوادر الميدانية، وتثبيت إطارٍ قانوني واضح يفرض عقوبات صارمة على كلّ من يتعدّى على حرمة هذه المواقع أو يعبث بالأدلة بأيّ صورة كانت.

المسؤوليات القانونية

لا يجرى التعامل، في سورية، صراحة مع العبث بمسرح الجريمة أو تغييره باعتباره جريمةً قائمةً بذاتها بموجب قانون العقوبات الحالي. ومع ذلك، تُجرَّم مثل هذه الأفعال بشكل غير مباشر من خلال أحكام قانونية أوسع نطاقًا تتعلّق بعرقلة العدالة وإخفاء الأدلّة وتقويض التحقيقات، فيتضمّن قانون العقوبات السوري أحكاماً تجرّم الأفعال التي تعرقل العدالة أو تدمّر الأدلة. على سبيل المثال، تنصّ المادة 535 على عقوبات شديدة، بما في ذلك عقوبة الإعدام، للجرائم المتعمّدة التي تنطوي على العبث بالأدلة لإخفاء جرائم أخرى.

ويُعدّ العبث بمسرح الجريمة جريمةً جنائيةً خطيرةً في العديد من الأنظمة القانونية في العالم. ففي الولايات المتحدة، يعاقب القانون الفيدرالي (18 U.S.C. § 1519) على التلاعب بالأدلة بالسجن مدداً تصل إلى 20 عاماً، علماً أنّ بعض القوانين الولائية، كقانون تكساس (§37.09)، يشدّد العقوبات في حال تدمير أدلة تتضمن جثثاً بشرية لتصل إلى 20 عاماً سجناً. وفي ألمانيا، يعالج القانون الجنائي (Strafgesetzbuch) هذه الجريمة تحت مواد أبرزها المادة 136 الخاصّة بتدمير الأشياء الخاضعة للمصادرة، والمادّة 258 التي تجرّم عرقلة العدالة. أمّا في فرنسا، فتنصّ المادة 434-4 من قانون العقوبات على أنّ تغيير الأدلة أو إخفاءها بقصد تضليل التحقيقات يؤدي إلى عقوبات بالسجن والغرامة، فيما تشدّد المادة 222-33-3 على تجريم تسجيل أو نشر الصور المرتبطة بالجريمة بصورة تضرّ بكرامة الضحايا. وفي هولندا، تُصنَّف عرقلة العدالة من طريق التلاعب بالأدلة جريمةً تحت المادة 189 من قانون العقوبات، مع إمكانية الحكم بالسجن مدّة تصل إلى ستّ سنوات تبعاً لظروف القضية. وفي كندا، يحظر القسم 137 من القانون الجنائي تلفيق الأدلة بقصد التضليل، مع عقوباتٍ تصل إلى 14 عاماً من السجن، كما يجرّم القسم 129 (أ) عرقلة واجبات الشرطة في موقع الجريمة. وعلى نحوٍ مشابه، ينصّ قانون الجرائم في أستراليا (القسم 317 من قانون الجرائم لعام 1900) على معاقبة التلاعب بالأدلة بالسجن حتى عشر سنوات. وأخيراً، تفرض نيوزيلندا بموجب قانون الجرائم لعام 1961 (القسم 113) عقوبةً قد تصل إلى سبع سنوات لمن يزوّر الأدلة لتضليل الإجراءات القضائية.

تضع القوانين السابقة مسؤوليةً مباشرةً على السلطات (حكومية أو محلية انتقالية) في الحيلولة دون دخول غير المخوّلين إلى هذه المواقع، وفي محاسبة الجهات المسؤولة بتهمة التقاعس أو حتى التواطؤ في طمس حقائقٍ تهمّ الضحايا وذويهم.

الأحداث الماضية: الآثار والتداعيات

1- تأثير على مسار التحقيقات الجنائية: يرى خبراء القانون أنّ دخول غير المتخصّصين إلى موقع يحتمل أن يكون مسرحاً لجريمة دولية قد يعبث بالأدلّة أو يخلّ بسلسلة العهدة اللازمة لضمان قبول هذه الأدلة في أيّ محاكمة.

2- خطر ضياع الأدلة أو تلوّثها: قد يحتفظ المبنى بوثائق وأوامر اعتقال وسجّلات لأسماء معتقلين، الأمر الذي يجعل ضياعها أو نقلها من مكانها الأصلي، من دون اتباع إجراءات سليمة، تهديداً خطيراً لإمكانية كشف الحقيقة. ويعني هذا ضياع فرصة ثمينة لمعرفة كيفية تنفيذ الاعتقالات وطبيعة الانتهاكات، فضلاً عن تحديد المسؤولين عنها.

3- انعكاس على حقوق المعتقلين وعائلات المفقودين: يمثّل كشف مصير المعتقلين ومعرفة ما تعرّضوا له أولويةً كبرى لأهالي الضحايا. وأيّ تدخّل عشوائي في المقرّ الأمني يحرم أهالي المعتقلين من نافذة محتملة نحو إنصافهم، خاصّةً إذا انقضت هذه الفرصة، ولم تعد هناك أدلّة تدعم مطالبهم أو تساعد على إثبات تعرّضهم أو ذويهم لأيّ انتهاك.

خاتمة

تشكّل حادثة طلاء نشطاء جدران فرع أمني نموذجاً لصراعٍ متكرّر بين الدور الحيوي للإعلام والنشطاء في الكشف عن الانتهاكات، والحاجة الملحّة للحفاظ على مسارح الجرائم، كالسجون والأفرع الأمنية، والمقابر الجماعية في سورية. ففي حين تسهم التغطية الإعلامية في إماطة اللثام عمّا خفي من جرائم محتملة، فإنّ التسرّع في استعراض المكان أو تصويره من دون قواعد دقيقة قد يُلحق الضرر بالأدلة الجنائية. وفي سياق العدالة الانتقالية التي تهدف إلى ملاحقة مرتكبي الجرائم وترميم النسيج المجتمعي، تصبح حماية أدلّة الجرائم أولوية قصوى. لذا، قد ينعكس أيّ عمل عشوائي سلباً على حقوق الضحايا، ويقوّض جهود المصالحة المبنية على قاعدة “توثيق وتثبيت الحقائق” قبل مرحلة المحاسبة.

في ضوء هذه التطوّرات، تبدو الحاجة ماسّة إلى قيام الحكومة السورية الحالية بوضع ضوابط واضحة تحكم دخول مسارح الجرائم، وتحديد جهة قضائية تُشرف على ذلك. إنّ نجاح أي عملية عدالة انتقالية في سورية يتطلّب احترام مسارح الجرائم والمحافظة على محتوياتها، وإن لم تتحمّل السلطات الحاكمة أو الانتقالية مسؤولياتها فوراً، فقد تجد نفسها أمام تراكم من الحوادث المشابهة، ما يُعقّد أكثر فأكثر مهمّة الكشف عن الحقيقة وإنصاف الضحايا، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.

العربي الجديد،

————————————

العدالة الانتقالية إلى متى؟/ جمال الشوفي

2025.04.25

لطالما كان سؤال اليوم التالي سؤالاً سورياً نظرياً محمولاً على أبعاد متعددة سياسية وقانونية واقتصادية تصل لدرجة الأبعاد النفسية والاجتماعية والبنيوية. سؤال اليوم التالي مثل إشكالية سوريّة نظرية قبل سقوط النظام تنفتح على توجهات عديدة لدرجة التباين الأيديولوجي الحاد، أما وقد بات السؤال اليوم واقع قائم يرهق كاهل السوريين بكل تعقيداته وصعوباته ومتطلباته الإجرائية والإدارية، فأجوبته الملحة يفترض أن تكون هاجساً لحظياً للعمل عليها تحقيقاً للعدالة وإنصافاً للقهر السوري الذي دام 14 عاماً، وقبلها لعقود من حكم أشد أنواع الدكتاتورية في هذا العصر.

السوريون لليوم، ورغم ضبط دقات قلوبهم على الساعة 6:18 صباح يوم 8/12/2024 يعدهم بانفراجات واسعة تنصف مظالمهم وتشفي أرواحهم العطشى للحرية والحياة الكريمة وتواسي أوجاع قلوب الأمهات السوريات المفجوعة على فلذات كبدها، لكن، وهذه الـ”لكن” مكررة ألفاً ومرة، هذه المرة نقدية محمولة على حسرة عميقة لم تزل عالقة في الحناجر، لكن:

    لم يزل ملايين السوريين يعيشون في خيام النزوح، وقلما يتم تسليط الضوء على معاشهم وحياتهم وأحلامهم بالعودة لبيوتهم وديارهم. فإن كانت المعطيات الاقتصادية تشير إلى ضرورة بدء الإعمار لتجاوز صعوباته وأمواله الطائلة غير المتاحة لليوم، لكن حتى أجور النقل للعودة لا يستطيعون تأمينها، وحياتهم لليوم حياة ضنك وعوز، ونادراً ما يتم إفراد المواد الإعلامية حول أوضاعهم المأساوية، وهذه حسرة كبرى.

    رغم الإعلان عن إزالة مذكرات منع السفر والملاحقات الأمنية والحجز على الأملاك والفصل التعسفي التي طالت غالبية السوريين المصنفين معارضة لدى النظام السابق، لكن لليوم لم تزل مثل هذه المذكرات غير معممة وموجودة في صفيحة معظمنا –فقد أثبتت وقائع عدة ذلك سواء من السوريين الذين زاروا سوريا أو ممن بقي بالداخل طوال هذه الفترة وشخصياً أنا منهم- ما يؤدي لانتقاص حقنا كسوريين بإزالة الضرر الذي ألحقه النظام البائد بحقنا، واستمرار تعطيل شؤون حياتنا العملية والحياتية والمادية أيضاً، في حين يتجول المحسوبون على النظام براحتهم لكونهم بلا ملفات أمنية سابقة، وهذه مقارنة فاقعة!

    رغم إقرار وطلب السوريين باختلاف تصوراتهم السياسية على البدء بتطبيق العدالة الانتقالية وفق أسس قضائية وإدارية محددة تفيد بضرورة محاسبة رموز النظام الساقط أمنياً وسياسياً وعسكرياً ممن ارتكبوا شتى أنواع المظالم والمجازر بحقنا كسوريين تصل لجرائم الحرب والإبادة الواسعة، لكن لليوم لم تطبق هذه الإجراءات بعد. وأقلها الإجراءات الإدارية الممكنة سواء بإصدار القرارات الإدارية المتعقلة بجبر ضرر المفصولين من عملهم تعسفياً، وتوثيق دمار البيوت والمنازل، أو إصدار مذكرات الاعتقال ومنع السفر بحق مرتكبي الجرائم تلك. فإن كان تشكيل هيئة العدالة الانتقالية يتطلب أن تكون سيادية مستقلة يقرها مجلس الشعب وهذا ما لم ينجز بعد لليوم، لكن الإجراءات الإدارية ممكنة ومتاحة، خاصة وأننا الذين تعرضنا لانتهاك حقوقنا من قبل النظام البائد نقف بمقارنة مريرة أمام عدم إنصافنا لليوم إدارياً وقانونياً وأمنياً، في حين نرى أن الفئة الأخرى يتاح لها مساحات واسعة من الحركة والسفر وغيره من دون محاسبة!

    رغم أن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني لم تكن على قدر طموح السوريين عامة، لكنها مثلت بالنسبة لنا، ممن ندرك ضرورة البدء بالعمل في بناء مؤسسات الدولة، خطوة هامة في بناء الدولة توجت بالإعلان الدستوري والحكومة الانتقالية، بغض النظر عن نقد مضامينها. فإن كانت الشؤون الاقتصادية والخدمية قيد البدء بها ومصابة بعطالة العقوبات الدولية، لكن علاج التشتت السوري والتحريض الطائفي وعدم التعامل معه قانونياً لليوم يضع مؤسسات الدولة أمام حالة شعبية يسودها التململ وعدم الرضا عن آليات عملها، خاصة في ملفات العدالة الانتقالية والقرارات الإدارية المفترضة للإنصاف والعدالة والبدء بعلاج مشكلات النازحين السوريين.

في مقالات سابقة تناولنا الفرق بين الحكم بالقانون وسيادة القانون، إذ إنها ليست فروقا لغوية وحسب، بل فروق جوهرية تصل إلى حد التناقض البّين. فسيادة القانون هو المصطلح المرافق لتحقيق الدولة استقرارها وفصل سلطاتها السياسية والتنفيذية والقضائية، وهو الخلاصة التعاقدية دستورياً ونصياً لتحقيق الإنصاف والعدالة ومنع الأفراد والمؤسسات والجهات الرسمية الحكومية وغير الحكومية من الاعتداء على حريات الآخرين جبراً أو إكراهاً. سيادة القانون هي التطبيق العصري والحديث لمقولة الفاروق عمر بن الخطاب “العدل سيد بين الناس”، في حين الحكم بالقانون هو تمثيل واضح لقدرة السلطة على سن القوانين والتشريعات لتمتين سطوتها، وهو ما كان يمارسه النظام السابق كمخاتلة ومكر سياسي للترويج على أنها دولة عصرية يحكمها القانون سيادياً، في حين أن حقيقة الواقع ومجرياته أثبتت زيف ادعاءاته. وبالضرورة أليس الأولى على سلطة وحكومة التحرير اليوم أن تبادر بتحقيق سيادة القانون ونفي الأحكام التي نفذها النظام السابق بطرق إجرائية سريعة؟ وهنا يتوجب التنبيه على أنه في السنوات الأخيرة درج نظام الأسد على الترويج للحكم بالقانون الوضعي والمدني وادعاء عدم وجود معارضين له، فعمل على تحويل ملفات السوريين السياسية والأمنية لملفات جنائية وملفات إرهاب عامة، وهذه يمكن التحقق منها بسهولة خاصة وأنها طالت السوريين المعارضين لحكمه بطرق عدة، إذ اكتفى بالتعامل مع بطانته بعقوباته المالية والطرد والاستبدال. في حين أن مطلب سيادة القانون اليوم يتطلب:

    البدء بتحقيق العدالة الانتقالية قضائياً وإدارياً وذلك للحد من العمل بالهوى الشخصي وممارسة الأعمال الفردية الانتقامية والانتقائية المتزايدة والضارة بجسد الحكومة والدولة الناشئة.

    إزالة الظلم الذي تعرض له السوريين من الأحكام المسماة قانونية بظل النظام السابق، سواء كانت منع سفر أو الفصل التعسفي من العمل أو حجز الأملاك، إذ يتوجب رفع جميع ملفات وبلاغات الأجهزة الأمنية السابقة بحقنا كسوريين والموقعة قبل 8/12/2024 مباشرة ومن دون تأخير.

    تفعيل الضابطة العدلية ودور القضاء المستقل وإصدار مذكرات الاعتقال ومنع السفر والحجز الاحتياطي بقادة النظام السابق الأمنية والسياسية والمشتبه بتلوث أيديهم بالفساد المالي والإداري والعمل على تحويلهم للقضاء العادل.

    ضبط الخطاب الإعلامي السوري ومراقبته وإصدار قانون تجريم التحريض الطائفي.

    التوجه ناحية خيام النازحين السوريين وتسليط الضوء على معاناتهم اليومية ومحاولة تذليل صعابها وتحدياتها.

العدالة الانتقالية خطوة هامة ومحورية للوصول لدولة سيادة القانون وهذه تختلف كلية عن الحكم بالقانون، الذي يحول القانون إلى أداة ذات مصلحة معينة في خدمة المتنفذين والمنتفعين وحسب. وهذا ما يجب أن يُسمع بحرص ومسؤولية من الحقوقيين والقانونيين وناشطي المجتمع المدني الباحثين عن موقع وجداني لفهم للقانون وسيادته وتطبيقه، وليس فقط، بل بوابة واسعة لتمتين جسور الثقة وتهيئة البيئة السورية الآمنة للعمل التشاركي والتعاوني ونبذ التطرف والشعور بالاحتقان وعدم الرضا ومصدرها البيّن عدم الإنصاف وتحقق العدالة المرجوة. فالبنية السياسية والهوية الوطنية هي حوار سوري منفتح يتناول شتى قضايانا الراهنة والمستقبلية، وهذه تحتمل شتى أنواع الاختلاف بطبيعتها لكنها محكومة ببوصلة الوطنية السورية وما يستحقه السوريين وتضحياتهم الجسام، في حين أن تحسين الوضع الاقتصادي وارتباطه برفع العقوبات مرتبط دولياً بمدى تحقيق الاستقرار والعدالة في الوضع السوري وأولى خطواتها البدء بالعدالة الانتقالية اليوم قبل الغد.

تلفزيون سوريا

—————————-

ضمانة سوريا في حسن اختيار قضاتها وضمان استقلالهم/ ميشال شماس

2025.04.25

يُقاس اليوم تطور الدول بمدى سيادة القانون فيها واستقلال قضائها ونزاهته وكفاءته، ولا يمكن أن تتحق سيادة القانون إلا بالإقرار بحقوق الناس واحترامها، وأن يحمي هذه الحقوق نظام قانوني وقضائي مستقل وكفء وعادل، حتى لا يكون المرء مضطراً في النهاية إلى الثورة.

يُقاس اليوم تطور الدول بمدى سيادة القانون فيها واستقلال قضائها ونزاهته وكفاءته، ولا يمكن أن تتحق سيادة القانون إلا بالإقرار بحقوق الناس واحترامها، وأن يحمي هذه الحقوق نظام قانوني وقضائي مستقل وكفء وعادل، حتى لا يكون المرء مضطراً في النهاية إلى الثورة.

أهمية القضاء اليوم لا تقتصر على المعالجات القانونية الصرفة كحل النزاعات وإيقاع العقاب أو تقرير البراءة، بل أصبح يلعب دوراً مجتمعياً هاما يقوم على حفظ الاستقرار والسلم الاجتماعي وامتصاص التوترات المجتمعية التي يمكن أن تحدث.

وما أحوجنا اليوم في سوريا المنهكة والمدمرة، إلى قضاء مستقل وكفؤ وعادل يساعدنا على تهدئة النفوس، يساعدنا على استقرار الأوضاع في البلاد، وهو الضمانة الوحيدة لنهوض الدولة من بين هذا الخراب، وهو الضمانة لحماية حريات الناس وحقوقهم ولإعلاء قيمة العدالة في المجتمع، وهو الضمانة لمكافحة الفساد وتوفير بيئة مناسبة لتحقيق تنمية متوازنة وجذب الاستثمارات الخارجية التي نحن اليوم بأمس الحاجة إليها.

ونظراً لأهمية القضاء ودوره في المجتمع والدولة علينا أن نولي أهمية قصوى لطريقة اختيار الأشخاص المرشحين لتولي مهمة القضاء في سورية وفق المعايير التالية:

    أن يتمتع المرشحون للعمل القضائي بالسيرة الحسنة والأخلاق الحميدة والخبرة القانونية الكافية، وأن لا يكون في سيرتهم المهنية أية شائبة.

    إلزام القضاة وقبل مباشرة مهامهم التصريح خطياً عن أموالهم وممتلكاتهم، تحت طائلة حرمان القاضي الذي لا يصرح عن أمواله وممتلكاته من حقه في التعيين، وفعل ذلك أيضاً بعد انتهاء مهمة القاضي ولأي سبب كان.

    يشترط فيمن يولى قضاء الحكم أو النيابة العامة أن لا يقل عمره عن ثلاثين عاماً إضافة لممارسة الخدمة خمس سنوات إذا كان التعيين في وظيفة معاون قاضي أو نيابة عامة.

    وعن خمسة وثلاثين عاماً إضافة لممارسة الخدمة مدة 8 سنوات على الأقل إذا كان التعيين في وظيفة قاضي صلح أو قاضي بدائي أو قاضي شرعي أو وكيل نيابة.

    وعن أربعين سنة إضافة لممارسة الخدمة مدة 16 سنة على الأقل إذا كان التعيين في وظيفة قاضي تحقيق أو مستشار استئناف أو محام عام.

    وعن خمسين سنة إضافة لممارسة الخدمة مدة 25 سنة على الأقل في باقي الوظائف الأخرى. مع مراعاة الشروط المتعلقة بكيفية اختيار المرشح لعضوية مجلس القضاء الأعلى.

    تعديل طريقة القبول في المعهد القضائي المحدث بالمرسوم التشريعي رقم 42/ 2000، ولاسيما المادة السادسة منه بحيث تصبح كما يلي:

     رئيس مجلس القضاء الأعلى رئيساً. وباقي الأعضاء: (عميد المعهد نائباً للرئيس، يتم اختياره من بين قضاة الحكم أو النيابة لا تقل ممارسته العمل القضائي عن عشرين عاماً. ورئيس إدارة التفتيش القضائي .ومحام لا تقل ممارسته المهنة عن عشرين عاماً ).

    استبدال كلمة وزير العدل أينما وجدت في هذا القانون برئيس مجلس القضاء الأعلى.

    يجري قبول المتقدمين، ليس على أساس مجموع علاماتهم فقط، وإنما أيضاً على أساس دراسة يجريها مجلس القضاء الأعلى يتحرى فيها عن المتقدمين، آخذاً بعين الاعتبار كفاءتهم العلمية والقانونية والسيرة الحسنة في حياتهم شرط أن لا تشوبها أية شائبة، ويعيد المجلس نفس الدراسة للناجحين في نهاية مدة الدراسة في المعهد، وبعدها يتخذ قراراً بتعيينهم.

ثانياً- الاهتمام بالقضاة من حيث الرواتب والتعويضات والتدريب والتأهيل:

    إعادة النظر بموضوع اللصيقة القضائية التي حولت القاضي إلى جابي، وذلك من خلال تخصيص بند في الموازنة العامة للدولة خاص بالسلطة القضائية، على أن يقوم مجلس القضاء الأعلى بتحديد النفقات والإيرادات التي تحتاجها السلطة القضائية، بما يوفر لأعضائها دخلاً مناسباً يراعى فيه المسكن والانتقال وغلاء المعيشة، ويؤمن في النهاية حياة حرة كريمة لأسرة القضاء.

    تدريب القضاة ومعاوينيهم، والعناية بتأهيلهم علمياً وتطبيقياً لممارسة العمل القضائي والعاملين بالجهات المعاونة للهيئات القضائية عبر المحاضرات والندوات والدورات التدريبية والبعثات الخارجية، تحت إشراف مجلس القضاء الأعلى.

    زيادة عدد القضاة بما يتناسب وحجم القضايا التي ترد يوميا إلى دواوين المحاكم، منعاً لتراكم الدعاوى، وعدم إطالة أمد التقاضي، فالعدالة البطيئة أشد أنواع الظلم.

    الاهتمام الدائم بقصور العدل ودور المحاكم، وتحديثها بما يليق بالقضاة والمتقاضين.وإدخال الأتمتة إليها لتسهيل العمل القضائي وربطها بشبكة معلومات مركزية.

    تفعيل المكتب الفني بمحكمة النقض ورفده بالكوادر المهنية والفنية وإدخال الأتمتة إليه، لتسهيل عمله في حفظ الأحكام القضائية والمعلومات القانونية لتسهيل لرجوع إليها عند الحاجة، أي جعله بنك معلومات.

    الاهتمام بدور التوقيف في قصور العدل وجعلها تليق بالموقوفين وتحترم آدميتهم كبشر.

    رفد المحاكم ودواوينها بالموظفين بما يتناسب والحجم الهائل للدعاوى.

رابعا- الاهتمام بالموظفين في المحاكم ووزارة العدل فهم الذين يساعدون القضاة ويسهلون عملهم . فالعمل الذي يقوم به رئيس ديوان المحكمة أو كاتب المحكمة أو المنفذ وناسخ القرارات والمحضر والمستخدم والمراسل..الخ، هو عمل مهم ومكمل لعمل القاضي الذي لا يستطيع إنجاز عمله في دراسة القضايا المعروضة عليه من دون وجود هؤلاء الموظفين، وهذا يتطلب توفير الشروط الملائمة لهم لتحفيزهم على العمل باستقامة ونزاهة من خلال:

    زيادة رواتب الموظفين.

    توفير الرعاية الصحية والضمان الصحي.

    تأمين وسائط لنقل الموظفين.

وختام القول، ماقاله أفلاطون: (أعطني قاضياً جيداً وقانوناً سيئاً، خيرٌ من أن تعطني قاضياً سيئاً وقانوناً جيداً)، وهذا يعني أن تعيين أشخاص لا علاقة لهم بالقضاء ولم يدرسوا القانون ولم يتدربوا جيداً على التقاضي هو كمن يعبث بالمجتمع وحياة الناس وأمنهم.  فالقضاء الكفء العادل والنزيه يلعب دورًا حيويًا ومركزيًا في أي مجتمع، فهو من جهة يسهم في تنظيم العلاقات بين الأفراد والمؤسسات ويراقب عمل السلطات ويحافظ على النظام العام والاستقرار في البلاد، ومن جهة أخرى يعزز ثقة الناس بالدولة ومؤسساتها ويشجع التنمية ويجذب الاستثمارات ويحمي حريات الناس وحقوقهم. باختصار يمثل القضاء ركنا أساسيا في بناء مجتمع متوازن ومستقر، ومن دونه لن يكون هناك مجتمع ولا دولة.

تلفزيون سوريا

——————————-

كيف أضعف قطع المعونات الأميركية التحقيق بجرائم الحرب في سوريا؟/ باسل المحمد

24/4/2025

وجهت قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقطع المساعدات الخارجية، ضربة موجعة لعدد من المنظمات الإنسانية والحقوقية العاملة في ملفات العدالة والتحقيق بجرائم الحرب التي ارتكبها نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد وأطراف أخرى.

ومن بين أبرز تلك المنظمات التي تأثرت بهذه السياسة منظمة الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” التي وثقت آثار القصف والدمار طوال سنوات الحرب في سوريا، و”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” التي أسهمت في جمع الأدلة وتسجيل الشهادات المتعلقة بجرائم النظام السوري، والآلية الدولية المحايدة والمستقلة التي تدعم جمع الأدلة حول سوريا، إضافة إلى منظمات أخرى.

ويأتي الإجراء الأميركي بوقف المساعدات في حين لا تزال ذاكرة السوريين مثقلة بصور المجازر، والمقابر الجماعية، وآلاف الصور للمختفين قسرا منذ بداية الثورة السورية، مع أملهم في تحقيق العدالة وملاحقة مرتكبي هذا الانتهاكات بعد سقوط النظام، فكيف ستؤثر هذه السياسة على مسار التحقيق بجرائم الحرب، وما البدائل المتاحة لتعويض التمويل الأميركي لهذه المنظمات؟

واشنطن الممول الأكبر

اعتمدت العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية في سوريا خلال سنوات الثورة على التمويل الأميركي بشكل مباشر عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، أو غير مباشر من خلال برامج ومشاريع تشرف عليها منظمات دولية أخرى، وقد مثل هذا الدعم ركيزة أساسية في استمرار أنشطتها، في مختلف القطاعات الإغاثية والخدمية وتوثيق الانتهاكات.

وبلغت نسبة مساهمة الولايات المتحدة بتمويل الاستجابة الإنسانية والنداء الطارئ المشترك بين الوكالات في سوريا خلال 2024، 24.6%، وفي عام 2023 بلغت 20%، مما يجعلها أكبر جهة مانحة إنسانية منفردة للاستجابة في سوريا، وذلك بحسب تحليل أصدره منتدى المنظمات غير الحكومية العاملة في شمالي سوريا.

وذكر التحليل المنشور في 26 فبراير/شباط الماضي، أن 1,2 مليون شخص لا يتلقون الآن المساعدة المخطط لها نتيجة تعليق الولايات المتحدة مساعداتها، إلى جانب وجود 62% من المنظمات التي شملها الاستبيان ذكرت أن برامجها الممولة من خارج الولايات المتحدة قد تأثرت أيضًا بسبب التجميد الأميركي، الذي كان مشروطًا بمراجعة وزير الخارجية، لكن المراجعة “ليست واضحة ولم يتم الإعلان عنها”.

وتعد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أكبر ممول لمنظمة الدفاع المدني السوري، منذ ما يقارب 10 سنوات، ويشكل الدعم الذي تقدمه نحو 27% من ميزانيتها، وقد أسهم هذا التمويل بإنقاذ أرواح الكثير من السوريين خلال الأعوام الماضية، أما باقي تمويل الخوذ البيضاء فيأتي من تبرعات مساعدات خارجية من حكومات وأفراد آخرين، وذلك حسب تصريح نائب مدير المنظمة فاروق حبيب للجزيرة نت.

ويوم 20 يناير/كانون الثاني، اليوم الأول لعودته إلى البيت الأبيض، وقع ترامب أمرا تنفيذيا قضى بتجميد المساعدات الخارجية الأميركية لمدة 90 يوما، بذريعة “مراجعة الكفاءة والاتساق مع سياسة الخارجية الأميركية”، وصرح ترامب بأنه يريد أن يكون الإنفاق الخارجي أكثر انسجامًا مع أهداف سياسته الخارجية ونهجه “أميركا أولًا”.

توقيت حساس

رغم أن قرار الولايات المتحدة بتخفيض أو إيقاف مساعداتها الخارجية للمنظمات الإنسانية والجهات العاملة في مجال العدالة والإغاثة لم يكن موجها حصرا إلى سوريا، إذ شمل بحسب وزير الخارجية الأميركية ما يقارب 5800 منظمة حول العالم، فإن توقيته شكّل صدمة خاصة في السياق السوري.

ويعود السبب في ذلك إلى تزامن القرار الأميركي مع مرور سوريا بمرحلة انتقالية شديدة التعقيد بعد سقوط نظام الأسد، وتزايد الحاجة فيها إلى مختلف أنواع الدعم، وعلى رأسها جهود المحاسبة والعدالة.

ويرى مراقبون أن التعامل مع ملف العدالة في هذه المرحلة هو أمر حساس جدا، ليس فقط لأنه يرتبط بمحاسبة ضباط ومسؤولي النظام البائد، وإنما لأنه يتقاطع مباشرة مع جهود بناء دولة حديثة تقوم على القانون والمؤسسات.

وفي هذا السياق يقول ستيفن راب، السفير الأميركي السابق المعني بجرائم الحرب، والذي زار سوريا في فبراير/شباط، في تصريحات لإذاعة صوت أميركا “هذه ليست سوى بداية العدالة الانتقالية في سوريا، والمهمة هائلة”، محذرا من أن توقف المساعدات الأميركية يعقّد مهمة جمع الأدلة وأخذ عينات الحمض النووي من الناجين وأسر الضحايا.

ورغم سقوط النظام في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وبدء مرحلة جديدة في سوريا، فلا يزال أكثر من 130 ألف شخص في عداد المفقودين، حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مما يؤكد أن البلاد ما زالت بحاجة ماسّة إلى الدعم الدولي لمواصلة العمل على ملفات المقابر الجماعية، وتحديد هوية الضحايا، ومحاسبة المتورطين.

وفي هذا السياق، يقول فاروق حبيب إن وقف التمويل جاء بمرحلة حرجة تمر بها سوريا، لأنها بأمسّ الحاجة للدعم في ظل الاحتياجات الإنسانية والإغاثية المتزايدة بعد سقوط النظام البائد، وعندما ازدادت الحاجة إلى الخوذ البيضاء بشكل ملحوظ في جميع أنحاء سوريا.

تأثيرات مباشرة على العدالة

اضطرت العديد من المنظمات السورية والدولية العاملة في مجال التوثيق والمساءلة المتعلقة بجرائم الحرب في سوريا إلى تقليص نشاطاتها أو الانسحاب من بعض الملفات بسبب شح التمويل، نتيجة السياسة الأميركية الجديدة، والتي تأمل هذه المنظمات أن تكون مؤقتة.

ومن أبرز تلك المنظمات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” والتي يقول مديرها فضل عبد الغني للجزيرة نت إن التخفيض المفاجئ في الدعم الأميركي أثر بشكل كبير جدا على عملهم، وقال “كنا نخطط هذا العام لتقديم طلب دعم إلى مكتب حقوق الإنسان في الخارجية الأميركية للعمل على ملفات إضافية في مسار المحاسبة، وبشكل أساسي عمليات تحليل المعلومات والبيانات، قبل عملية إيقاف الدعم الأميركي”.

ويضيف عبد الغني “لدينا آلافٌ وآلاف من الوثائق، تحمل تفاصيل كثيرة قد تُساعد العائلات في الكشف عن مصير أحبائها، لأن هذه الوثائق غالبًا ما تحتوي على أسماء المعتقلين، وتاريخ قتلهم أو نقلهم إلى المقابر، بل وحتى أسماء الجناة أيضًا.

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، حسب عبد الغني، خصصت ميزانية لتوظيف باحث جديد هذا العام، وتكريس جهوده لتلك الوثائق، وبعد عملها من المملكة المتحدة وقطر خلال سنوات الصراع السوري، كانت الشبكة تتطلع أيضًا إلى افتتاح مكتب جديد في دمشق، ولكن وقف تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لها أعاق كلا الأمرين.

آثار كارثية

ومن المنظمات الحقوقية المتضررة منظمة “النساء الآن من أجل التنمية”، وهي منظمة نسوية سورية تأسست عام 2012، تدعم المنظمة البحث عن الأشخاص المفقودين، وتقدم الدعم النفسي والاجتماعي للناجين من الاعتقال، إلى جانب أنشطة أخرى.

أحد برامجها الأكثر تأثرا بتجميد التمويل هو الدعم الذي تقدمه لـ6 مجموعات تركز على الاختفاء القسري، وتشمل هذه المجموعات رابطة عائلات قيصر، وعائلات من أجل الحرية، ورابطة المعتقلين والمفقودين في سجن صيدنايا، ومسار.

وتعليقا على ذلك، تقول رؤى الحموي، مديرة برامج العدالة في المنظمة خلال تصريحات صحفية “لقد توقفت جميع أنشطة دعم بناء القدرات لهذه المجموعات من الضحايا”، مشيرة إلى أن “الدعم النفسي والاجتماعي وإدارة الحالات وأنشطة المناصرة كلها توقفت”.

أما بالنسبة لمنظمة “الخوذ البيضاء”، فيشير فاروق حبيب إلى وجود دعم خاص من الخارجية الأميركية يتعلق بملفات المفقودين والاستجابة للمقابر الجماعية، لكنه يقول إن “توقيف الدعم من وكالة التنمية الأميركية له آثار كارثية على عمل المنظمة وعلى الاستجابة الطارئة، ونبذل جهودنا لاستعادة العقد مع الوكالة، لأننا لا نستطيع استبداله سريعا”.

وفي وثائق موجهة إلى الكونغرس الأميركي، أظهرت قائمة بمنح المساعدات الخارجية من الوكالة الأميركية للتنمية إلغاء عقد بقيمة 30 مليون دولار مخصص للخوذ البيضاء، بدأ في فبراير/شباط 2023، وتم إنفاق جزء من أمواله قبل إلغائه، وذلك حسب تقرير لشبكة سي إن إن.

هل من بديل؟

على الرغم من صعوبة إيجاد بدائل كافية لتعويض التمويل الذي كانت تقدمه الوكالة الأميركية للعدالة والتنمية، فإن العديد من الإجراءات والخطوات التي يمكن اتخاذها بديلا لهذا التمويل، أو حلا يمكن أن يساعد في الجهود الرامية إلى التحقيق بجرائم الحرب، وتوثيق الانتهاكات.

وفي هذا السياق، يوضح مدير المركز التعليمي لحقوق الإنسان في ألمانيا، علاء الدين آل رشي، في حديثه للجزيرة نت، أنه إلى جانب الحاجة إلى دعم وتدريب فرق سورية محلية على تقنيات التوثيق، وجمع الأدلة وفق المعايير الدولية، بما يقلل من الاعتماد على الخبرات الأجنبية المكلفة، يمكن اعتماد الحلول التالية بديلا عن التمويل الأميركي:

تنويع مصادر التمويل، عبر بناء شراكات مع الاتحاد الأوروبي، وكندا التي ما تزال تلتزم بدعم حقوق الإنسان والعدالة الدولية. والضغط الحقوقي والدبلوماسي، عبر تكثيف حملات المناصرة لتحفيز الدول على الوفاء بالتزاماتها الأخلاقية والقانونية تجاه ضحايا الحرب، وإنشاء صندوق دولي مستقل، بإشراف الأمم المتحدة لدعم مشاريع البحث عن المفقودين وملاحقة مجرمي الحرب، بعيدا عن مزاجية السياسات المتقلبة للدول الكبرى.

وكانت ألمانيا قد أكدت في 30 ديسمبر/كانون الأول أنها ستدعم مشروعات بقيمة 60 مليون يورو في سوريا، منها 7 ملايين لمنظمات غير حكومية، لتعزيز التعليم وحقوق المرأة ومجالات أخرى في أعقاب الإطاحة بنظام بشار الأسد حسب ما أفادت به وكالة رويترز. ودعا وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال مشاركته في مؤتمر بروكسل يوم 17 مارس/آذار “المجتمع الدولي إلى مواصلة التزاماته تجاه الشعب السوري وعدم السماح للقرارات السياسية بتعطيل جهود المساعدة الأساسية”.

من جانبه، يشدد فضل عبد الغني على أهمية تعدد مصادر الدخل، ويدعو رجال الأعمال السوريين في العالم للعودة إلى فترة الخمسينيات من تاريخ سوريا، عندما كانت البرجوازية السورية تهتم بالشأن العام، وتمول الأنشطة التي لها أبعاد سياسية واجتماعية، كتأسيس المنتديات، ودعم مؤسسات المجتمع المدني الوطنية.

يرى مراقبون أن التعويل على بدائل متعددة أصبح هو الضمانة الوحيدة لمنع ضياع حقوق عشرات الآلاف من الضحايا السوريين الذين ينتظرون العدالة، وسط عالم تتغير فيه الأولويات بتغير الحكومات.

المصدر : الجزيرة

———————————-

«ربيع دمشق» يزهر ثانية: «منتدى الحوار السوري الديمقراطي» يبدأ جلساته/ جانبلات شكاي

تحديث 24 نيسان 2025

في أول جلسة تم تخصيصها عن «السلم الأهلي والعدالة الانتقالية» مع إطلاق «منتدى الحوار السوري الديمقراطي»، عبّر السياسي ورجل الأعمال السوري رياض سيف عن «فخره» للتحاور مع أصحاب القضايا الذين حضروا، داعيا إياهم إلى اعتماد أسلوب الحوار لأنه الوسيلة التي «توصلنا إلى حلول سهلة من دون ان ندفع المزيد من الخسائر والأثمان»، وموضحا أن إغلاق ملف المقاتلين الأجانب لا يكون بإبعادهم كما يرى البعض، وإنما «باستيعابهم كما فعلت ألمانيا مع مليون من اللاجئين السوريين إليها، شريطة أن لا يحتلوا المراكز العليا في الدولة».

ووسط حضور مكثف من النشطاء السياسيين والصحافيين المحليين والأجانب، تم إطلاق «منتدى الحوار السوري الديمقراطي» من منزل في ضاحية قدسيا شمال غرب دمشق، كما كان حال سلفه «منتدى الحوار الوطني» الذي كان قد أطلقه رياض سيف عام 2000 من منزله في بلدة صحنايا جنوب غرب دمشق.

وفي صدر صالة المنزل وحول طاولة بسيطة، أمام الحضور الذي امتد إلى الفناء الخارجي، جلس المشاركون في جلسة «السلم الأهلي والعدالة الانتقالية»، وهم في الواقع كانوا أعضاء إدارة المنتدى إلى جانب الكاتب والباحث السوري في المركز العربي في واشنطن رضوان زيادة، ومن بينهم طبعا كان رياض سيف.

وأدار الجلسة المدير التنفيذي لـ»مؤسسة اليوم التالي لدعم الانتقال الديمقراطي في سوريا» والمتحدث الرسمي باسم المنتدى معتصم السيوفي، وأوضح أن «منتدى الحوار السوري الديمقراطي» سيديره عدد من الأصدقاء، وهم الحقوقية والسياسية ورئيسة المنتدى جمانة سيف، إلى جانب الكاتبة والباحثة السورية والمتحدثة الرسمية للمنتدى خولة دنيا، والداعية الإسلامي محمد العمار، ومدير مؤسسة الآغا خان في سوريا الطبيب ماهر أبو ميالة، والكاتب والصحافي السوري كمال شيخو.

وفي حديثه المقتضب أمام الحضور، وعبر صوته الذي ظهرت عليه علائم المرض الواضحة، عبر سيف عن «الفخر في لقائه مع هذه الوجوه الذين تجمعهم القيم وأصحاب القضايا الذين جاؤوا ليبحثوا عن حل لقضاياهم».

وقال: «الحوار هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن توصلنا إلى حلول سهلة من دون أن ندفع المزيد من الخسائر والأثمان»، وبين أن «الأمر لا يجب أن يقتصر على ندوة نتشارك فيها مرة كل أسبوعين، بل علينا أن نفتح ملفات يمكن لنا أن نتابعها بعد انتهاء الجلسات وخلال أيام الأسبوع كافة إلى حين انعقاد الندوة التالية».

وضرب سيف مثالا بالعناوين التي يمكن فتح حوار حولها لإيجاد حل لها مثل «مشكلة الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب الثوار السوريين خلال إسقاط نظام الأسد»، وتابع: «هناك مطالب خارجية لاستبعاد هؤلاء من صفوف الجيش السوري الجديد، وهناك من السوريين من يقول إن الأمر في غاية البساطة وليس علينا سوى إعادة الأجانب إلى الدول التي جاؤوا منها أو حتى تسليمهم لها وتنتهي المشكلة السورية».

وأضاف: «أرى أن الأمر لا يجب أن يذهب في هذا الاتجاه وإنما أن نقتدي بما فعلته ألمانيا مثلا مع مشكلة السوريين الذي لجأوا إليها فقامت باستيعاب أكثر من مليون منهم، ويمكن التفكير بمخارج مشابهة من دون استبعاد الأجانب لكن شريطة أن لا يحتلوا المراكز العليا ولا أن يظهروا في الصفوف الأولى والثانية والثالثة».

وأكد سيف انه «سيبقى خادما لأي نشاط يمكن أن يفيد مستقبل سوريا»، مشدداً على أن «هذا المكان سيبقى مفتوحاً أمام كل من يريد أن يتناقش ويتحاور للوصول إلى حياة أفضل للسوريين».

بدوه أوجز الداعية وعضو مجلس إدارة المنتدى محمد العمار وجهة نظر المنتدى ورسالته عبر إعادة تجديد نفسه بعد تحرير سوريا من الاستبداد، وقال: «نسأل الله أن يوفقنا في البناء والتعمير لوطن جديد تحكمه قيم جديدة تنهي مملكة القمع وتزهر فيه نبتة الحرية والديمقراطية لتصبح شجرة باسقة يتفيأ في ظلالها جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والطائفية والاثنية»، وتابع: «تعيش دمشق اليوم عودة ربيعها التي نطمع أن يصبح فضاء للتعبير الحر المسؤول وبما يعيد بناء الدولة كما نحبها ونتمناها». وبين أن المنتدى هو «مساحة في الزمان والمكان يمكن فيها تبادل الهموم والمواجع وبحث أفق مواجهة التحديات والصعاب وبناء التوافقات على وسائل خدمة المشروع الوطني وتعزيز العمل المشترك وبناء المستقبل»، مؤكدا أنه وعبر الحوار نذهب في اتجاه «استراتيجيات التوافق وآليات العمل الوطني التي نطلع إليها، حيث يتبادل الناس الأفكار بطريقة تعاونية تجسد استكشاف الحلول والأساليب لمواجهة التحديات وإنجاز المهام الوطنية».

وقال إن «الحوار هو طريقنا للعبور إلى توافق القلوب والعقول وبناء الرؤى المشتركة».

وفي بروشور الدعوة الذي تم توزيعه لحضور الجلسة الأولى، قالت إدارة المنتدى «رأينا إحياء جهد أسسه في ليل الاستبداد، البرلماني رياض سيف، أحد الأصوات التي ارتفعت في مملكة الصمت، راجين خلق فسحة لنقاش سوري سوري بنّاء ومثمر»، مشيرين إلى أن «الأوضاع المتغيرة في سوريا والمنطقة والعالم تفرض على جميع السوريين يقظة تامة وجهداً متصلاً يضمن أن يسلك البلد سكة المستقبل بأمان، من خلال ترسيخ دولة المواطنة العادلة، التي تكافئ التضحيات الجسام التي قدمها السوريون». ويعدّ رياض سيف من أبرز الأسماء التي شاركت بما عرف بـ«ربيع دمشق» بداية حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد حين نشطت شخصيات معارضة لإحياء الحياة السياسية والمجتمع المدني في دمشق.

وأسس سيف الذي كان عضواً في مجلس الشعب، مع بداية عهد بشار الأسد، «منتدى الحوار الوطني» في منزله في صحنايا، وطالب بوضع حدٍّ لاحتكار حزب البعث للسلطة وكان من أبرز محاربي هيمنة وتسلط ابن خالة الرئيس رامي مخلوف على مقدرات البلاد وخصوصا على شركة سيرتيل للاتصالات الخليوية، ما أدى للحجز على أمواله ومنشآته الصناعية بعد فرض غرامات كيدية عليه، ومن ثم تجريده من الحصانة البرلمانية وصولا إلى اعتقاله والحكم عليه بالسجن خمس سنوات حتى 2006.

وفي نهاية شباط/ فبراير الماضي تحدثت تقارير إخبارية عن منع الإدارة السورية الجديدة سيف من إعادة فتح منتداه، الأمر الذي نفته ابنته جمانة، مشددة عبر منشور لها على صفحتها على فيسبوك بأن «الخبر غير صحيح في المطلق، لأنه لم يتم في الأصل تقديم أي طلب بخصوص إعادة الافتتاح أو الترخيص»، موضحة أن «سبب تأجيل الافتتاح يعود للتأخير في إنهاء أعمال الصيانة الضرورية والتي تطلبت وقتاً أكثر من المتوقع ومنها توفير التدفئة الضرورية ولو بالحد الأدنى»، ومشيرة إلى أنها «ستنشر إعلان الافتتاح الذي تتمناه قريباً».

القدس العربي

———————————–

الأمم المتحدة: البحث عن المفقودين في سوريا مهمة هائلة لكننا نمضي قدماً

2025.04.25

أكدت المحامية المكسيكية كارلا كينتانا، رئيسة الهيئة المستقلة للأمم المتحدة المعنية بالمفقودين في سوريا، أن البحث عن المفقودين في سوريا “مهمة هائلة”، مشددة في الوقت نفسه على أن الهيئة “تمضي قدماً”.

وفي حوار مع موقع “معلومات العدالة

“، المتخصص بتغطية مبادرات العدالة في مناطق الحروب، قالت كينتانا إن دور الهيئة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا “بات أكثر إلحاحاً من أي وقت” مضى بعد السقوط المفاجئ لنظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد، في كانون الأول الماضي.

وأضافت أن “الواقع قبل وبعد 8 كانون الأول مختلف تماماً، ليس فقط بالنسبة لنا بل لكل السوريين”، موضحة أنه “بات بإمكاننا الآن العمل ميدانياً، وهذه فرصة كبيرة ولكنها تتطلب مجهوداً ضخماً”.

وذكرت المسؤولة الأممية أن هيئة المفقودين أطلقت بالفعل بعثتها الأولى إلى سوريا في شباط الماضي، وتسعى لتنظيم زيارات شهرية، كما طلبت رسمياً فتح مكتب دائم في دمشق، مضيفة أنه “طلبنا من وزير الخارجية السوري، خلال اجتماع المانحين في بروكسل، تقديم تصور رسمي لما يمكننا أن نقدمه، ونحن بانتظار رد الحكومة الجديدة”.

السوريون يقودون البحث ونحن شركاء في الدعم

وأكدت كينتانا أن السوريين يجب أن يقودوا بأنفسهم عملية البحث عن مفقوديهم، مشيرة إلى تجربتها السابقة في المكسيك “لا يمكن لأي جهة أن تفعل ذلك بمفردها، هناك أكثر من 130 ألف مفقود، والعدد الحقيقي قد يكون أكبر بكثير”.

وشددت على أن الهيئة تقدم الخبرات الدولية من مناطق مثل البلقان، والأرجنتين، وغواتيمالا، وقبرص، بالإضافة إلى الدعم المالي والتقني لبناء آلية سورية مستقلة للبحث.

وأشارت إلى أهمية إشراك عائلات المفقودين بشكل مباشر، معتبرة أن “العائلات لديها معلومات أكثر من أي جهة أخرى، وإذا لم تثق بك، فلن تعطيك هذه المعلومات. هذا ليس فقط مسألة أخلاقية، بل جوهرية في البحث”.

ولفت رئيسة هيئة المفقودين إلى أنه “حين كنا في سوريا، كل من التقيناه، من سائق التاكسي إلى النادل، كان لديه قريب مفقود”.

تمويل محدود وبداية مشجعة

وعن ميزانية الهيئة المستقلة للمفقودين، كشفت كينتانا أن ميزانية الهيئة لعام 2025 تبلغ نحو 11 مليون دولار، في ظل تجميد عام للتوظيف بالأمم المتحدة.

وقالت إن الهيئة لديها حالياً 28 موظفاً فقط من أصل 47 مخططاً، إلا أنها أشارت إلى أخبار إيجابية، مثل إنشاء صندوق تمويل طوعي، تلقت فيه الهيئة دعماً مبدئياً من ألمانيا ولوكسمبورغ بقيمة 1.2 مليون دولار، مع وعود بمساهمات إضافية.

وأكدت كينتانا وجود علاقة رسمية مع الحكومة السورية الانتقالية، بعد أن كان الأمر مستحيلاً في عهد الأسد، موضحة أنه “التقيت وزير الخارجية أسعد شعيباني مرتين، وشرحنا له طبيعة عملنا وضرورة أن يكون سورياً بقيادة محلية وبدعم دولي، وقال لي صراحة: نعم، يمكنكم القول إننا سنعمل معاً”.

تعاون أممي مع فصل الأدوار

وعن التعاون مع المنظمات الأممية الأخرى، قالت كينتانا إن الهيئة تعمل بتنسيق مستمر مع اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق والآلية الدولية المحايدة، لكنها شددت على “فصل الأدوار”، حيث تعمل هيئة المفقودين في المجال الإنساني، بينما تعمل الآليات الأخرى في مجال المحاسبة القضائية.

وأشارت المسؤولة الأممية إلى أنه “نتبادل المعلومات بما يسمح به التفويض، ولكن لا نتشارك المكاتب نفسها كي لا نربك الضحايا”.

فيما يتعلق بولاية الهيئة التي تشمل تقديم دعم كافٍ لذوي الضحايا، قالت رئيسة هيئة المفقودين إن “الدعم لا يُحدده موظفو الأمم المتحدة، بل يجب أن يُحدد وفق احتياجات العائلات في أماكن مختلفة من سوريا ومن الشتات”، مؤكدة أن الهيئة تعمل مع الدول المضيفة للاجئين على بناء شبكة دعم نفسي ومجتمعي.

————————–

الأمن السوري يلقي القبض على متورطين في جرائم حرب واعتداءات ضد مدنيين

محمد كركص

24 ابريل 2025

أعلنت وزارة الداخلية السورية، اليوم الخميس، إلقاء القبض على عدد من المطلوبين المتورطين في جرائم حرب واعتداءات بحق المدنيين، وذلك في إطار ما وصفته بـ”العمل المتواصل لتعقب مجرمي الحرب وملاحقة كل من تورّط في سفك دماء الأبرياء”. وقال مدير مديرية أمن دمشق، المقدم عبد الرحمن الدباغ، إن الأجهزة الأمنية تمكنت من إلقاء القبض على المدعو تيسير محفوض في مدينة طرطوس، شمال غربي سورية، وذلك بعد ورود معلومات استخباراتية دقيقة عن مكان وجوده، وبالتعاون مع مديرية أمن طرطوس نُفّذ كمين محكم أفضى إلى توقيفه.

وأوضح الدباغ أن محفوض كان يعمل ضمن فرع الأمن العسكري 215 (سرية المداهمة)، وهو متهم بارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين في أحياء المزة وكفرسوسة بدمشق، إضافة إلى مسؤوليته عن تغييب أكثر من 200 شخص، معظمهم من أبناء تلك المناطق، في سجون النظام السابق. كما ألقى جهاز الأمن العام في العاصمة دمشق، مساء أمس الأربعاء، القبض على محمد تيسير عثمان، المسؤول السابق عن قسم الدراسات في سرية المداهمة 215 التابعة لمخابرات النظام المخلوع، والمتورّط في ملفات اعتقال وتصفية آلاف السوريين خلال سنوات الحرب.

وجاء الاعتقال بعد عملية أمنية استمرت أكثر من عشرة أيام من الرصد والتحقيق، بمشاركة جهات مختصّة، حيث جرى توقيفه دون وقوع أي إصابات. ويعتبر فرع الأمن العسكري “215” المعروف باسم “سرية المداهمة”، والذي كان ينتمي إليه تيسير محفوض، أحد أكثر الأفرع الأمنية شهرة بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، خاصة خلال السنوات الأولى من الثورة السورية في 2011، حيث وُثقت فيه حالات تعذيب واعتقال تعسفي واختفاء قسري طاولت آلاف الأشخاص، بحسب تقارير حقوقية سورية ودولية.

وأكدت وزارة الداخلية عزمها على الاستمرار في ملاحقة كل من “تلطّخت يداه بدماء الشعب السوري حتى ينال جزاءه العادل”، بحسب البيان.

وفي سياق متصل، أعلنت مديرية أمن اللاذقية إلقاء القبض على المدعو عروة سليمان، المتهم بارتكاب جرائم قتل بحق مدنيين، ومشاركته في الحملة العسكرية على مناطق الشمال السوري عام 2019، بالإضافة إلى ضلوعه في الهجوم على مواقع تابعة للجيش والأمن في مارس/ آذار الماضي. وأُحيل سليمان إلى النيابة العامة لاستكمال التحقيقات.

وشهدت الحملة العسكرية على الشمال السوري عام 2019، والتي يُتهم عروة سليمان بالمشاركة فيها، ارتكاب انتهاكات ميدانية واسعة النطاق، شملت قصفاً مكثفاً على مناطق مدنية ونزوح مئات الآلاف من السكان، في إطار سعي نظام بشار الأسد المخلوع وحلفائه حينها للسيطرة على آخر معاقل المعارضة المسلحة في إدلب وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية.

    فرحة اهالي المزة بعد اعتقال المجرم تيسير عثمانالذي كان يخدم في فرع 215 والمتهم بعمليات اجرامية وتغييب5000 الاف مدني سوريالقليل من العدالة الإنتقالية هكذا تكون النتيجةف مابالكم بتحقيقها بشكل اكبر !شكراً للجهات المعنية التي تسعى لتحقيق العدل #سوريا pic.twitter.com/cwlkfzyFSr

    — نور حلبي (@NoorHalabi95) April 23, 2025

كما كشفت الوزارة أن إدارة الأمن العام في ريف اللاذقية ألقت القبض، يوم الثلاثاء الماضي، على مجموعة مسلحة يقودها سموأل وطفة، بعد اشتباك مسلح أسفر عن اعتقال اثنين من أفرادها وضبط أسلحة بحوزتهم. وتُتهم المجموعة بالمشاركة في الهجوم على نقاط للجيش والأمن خلال شهر مارس/ آذار، وبارتكاب جرائم سلب وسطو بحق المدنيين. وتمت إحالة المعتقلين إلى النيابة العامة لاستكمال التحقيقات معهم.

    المجرم المدعو ابومحمد تيسير الذي أودى بحياة المئات من المدنيين والنساء والاطفال بيد جهاز الامن العام pic.twitter.com/EhttijU8zO

    — جميل الحسن (@Jamil_Alhasaan) April 23, 2025

ومنذ الإعلان عن سقوط نظام بشار الأسد، دخلت سورية مرحلة جديدة من التعامل مع إرث ثقيل من القمع والانتهاكات التي امتدت لأكثر من عقد، إذ يتصدر ملف العدالة الانتقالية مشهد ما بعد النظام السابق، وتتصاعد المطالبة بمحاسبة رموزه والمتورطين في الجرائم ضد المدنيين.

وتواصل السلطات الجديدة، التي تسلمت زمام الأمور بعد انهيار مؤسسات النظام السابق، تنفيذ حملات أمنية وعمليات ملاحقة دقيقة تستهدف كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين الذين لعبوا أدواراً محورية في قمع الثورة السورية منذ انطلاقتها في عام 2011، وشملت هذه الاعتقالات ضباطاً بارزين من فروع أمنية مثل الفرع 215 والمخابرات الجوية والمخابرات العسكرية.

العربي الجديد

—————————-

كان وحشا يتلذذ بالرعب”.. معتقلة سورية سابقة تروي ما حدث معها عند دخول الشبيح “تيسير أبو محمد” زنزانتها

وت معتقلة سورية سابقة قصتها مع تيسير عثمان محفوظ، المعروف ب “تيسير أبو محمد” أبرز قيادات ما يسمى “فرع 215” في سجون مخابرات النظام السابق بعد القبض عليه.

فرع الأمن العسكري

وقالت المعتقلة السابقة في سجون الأسد، مروة الغميان في منشور على حسابها على الفيسبوك: “في اعتقالي الثاني، اقتادوني إلى فرع الأمن العسكري 215. كنت أهبط أدراجاً لا تنتهي، أدراجاً وأنا غارقة بالظلام بسبب الطماشة، حتى فقدت القدرة على عدّ الطوابق أو تمييز الاتجاهات. شعرت وكأنني أنحدر ببطء نحو قاعٍ سحيق، قاع لا رجعة منه، ولا ضوء في نهايته”.

هول المجهول

وتابعت: “أدخلوني إلى زنزانة فارغة، موحشة، صامتة كالقبر، لا ينقضي فيها الوقت. جلست وحدي، لا أعلم ما ينتظرني، ولا ما يُراد بي. كنت هناك، جسداً معلقاً بين الجدران، وروحاً تتخبط في العتمة، يرتجف كل ما فيّ من هول المجهول”.

تيسير المجرم

وأردفت: “وفجأة، انفتح الباب بعنف، ودخل تيسير، المجرم الذي لا تزال ملامحه تطل من شقوق ذاكرتي، لا كما يظهر في هذه الصورة، بل كما كان في ذروة سطوته، متجبراً متلذذاً بالرعب الذي يزرعه. لم يكن إنسانا، كان وحشاً في هيئة بشر، خطواته تسحق الصمت، وصوته يشق الروح قبل أن يمس الجسد. في تلك اللحظة، لم أرتجف برداً ولا ألماً، بل رعباً خالصاً تسلل إلى صدري حتى خنق أنفاسي”.

الخوف الذي لا يرحم

وأكملت: “لا تسعفني الكلمات لوصف ذلك الرعب، كيف زحف كالدخان في جوفي، كيف شعرت أنني عارية من كل شيء سوى الخوف، ذاك الخوف الذي لا يرحم، الذي ينزع عنك جلدك طبقة طبقة، ويتركك تهمس في داخلك، متى ينتهي هذا الكابوس”.

عدالة تأخرت كثيراً

وأضافت: “أقول له الآن: جاء دورك لتدخل تلك الزنزانة، لتعرف كيف يهوي القلب في كل لحظة، كيف ينتظر الإنسان شيئاً لا يعرفه، لكنه يعلم أنه مؤلم الآن، ستفهم كيف يرتجف الجسد قبل أن تُمسّه يد، وكيف ينام الخوف في روحك فلا يغادرها، إنها ليست شماتة، إنها عدالة تأخرت كثيراً، لكنها حين وصلت، داوت شيئاً مما تهشّم في داخلي”.

اعتقال تيسير أبو محمد

وأفادت مصادر سورية بأن جهاز الأمن العام في دمشق اعتقل المساعد أول في قوات النظام السابق تيسير عثمان، مسؤول الدراسات في “فرع 215” التابعة لمخابرات النظام السابق، بعد نصب كمين له في حي “المزة”، وتلاحقه اتهامات بقتل وإخفاء عدد كبير من السوريين إلى جانب ارتكابه عمليات سطو.

———————–

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى