تشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعنقد ومقالات

وزارة الإعلام السورية تقنّن الانفتاح على العالم…والتجربة/ نوار جبور

الخميس 2025/04/24

أصدرت وزارة الإعلام السورية تعليمات جديدة تُلزم الناشرين بالحصول على موافقة رسمية من مديرية التقييم الإعلامي – دائرة المطبوعات والنشر – على جميع الكتب المزمع نشرها. ولا يقتصر القرار على الإصدارات المرتقبة فحسب، بل يشمل أيضًا الكتب التي طُبعت من دون موافقة منذ تاريخ 8 كانون الأول 2024.

شكل هذا القرار صدمة في الأوساط الثقافية السورية، إذ يُعيد إلى الواجهة أنماط الرقابة القديمة التي لطالما ميّزت النظام البائد، ويكشف  رغبة النظام الجديد في التموضع داخل كل حيز ثقافي، من دون أن يتيح أي هامش فعلي لحرية المعرفة والكلمة. فالسوريون أرهقهم طويلاً شكل الدولة المتضخمة، المتموضعة في كل مفاصل الحياة اليومية، من الاقتصاد والتعليم إلى الدين والثقافة؛ دولة لا تكتفي بإدارة المؤسسات أو الفضاء السياسي، بل تتجاوز ذلك إلى محاولة إنتاج المعاني ذاتها، والتحكم في اللغة والخطاب، بما يخدم تصورها للواقع.

القرار، وإن بدا إجرائيًا إلا أنه يحمل خفايا تتقاطع مع تصرفات كثيرة للسلطة السورية الجديدة، إلا أنه إعلان عن عودة الترويض المؤسسي للحقل الثقافي، حيث يُجبر الكتّاب والناشرون مجددًا على الدخول في دوائر التكيّف الخانقة، التي لطالما دفعت بكثيرين إلى مغادرة البلاد، بحثًا عن حرية التعبير في فضاءات أكثر انفتاحًا، من لبنان إلى أوروبا. بعض موالي السلطة يدفعون باتجاه أن السلطة تعمل على “حماية المجتمع”، بل تُعيد تشكيل ما يمكن قوله وما لا يمكن، ما يُنشر وما يُطمس.

وهكذا، تتحوّل دور النشر من مؤسسات مستقلة للإبداع والمعرفة إلى أدوات تُعيد إنتاج الخطاب المقيد والمُراقب، ليس فقط عبر ما يُمنع، بل بما يُطلب تمريره وترويجه. إنها رقابة لا تهدف فقط إلى المنع، بل إلى إعادة هندسة الذوق الثقافي والمخيلة العامة، وفقًا لما يناسب خريطة السلطة ورؤيتها للواقع.

ولا يمكن لهذا القرار أن يكون مطمئنًا للسوريين، إذ يكشف عودة الأثر المؤسسي للرقابة، حيث تتصرّف المؤسسات وكأن الرقابة جزء طبيعي من بُنيتها. إنّ الشغف لدى كثير من الناشرين السوريين بالعودة وافتتاح دور نشر في دمشق سيكون مشروطًا مجددًا، كما في الماضي، بما يسمح به النظام، لا بما يطمح إليه الناشرون. القرار لم يخلق فقط حالة من الخوف، بل طرح سؤالًا سوريًا عميقًا حول ما إذا كان النظام قد سقط فعلًا، أم أن آلياته الرقابية ما زالت حيّة تُمارس بأسماء جديدة.

ويشعر الكثيرون أن الرقابة لم تعد فقط مفروضة من فوق، بل إن الرقابة الذاتية داخل المجتمع ذاته تفاقمت، خصوصاً حينما يختلف السوريون على إجراءات رقابية وإجراءات مشدّدة هدفها رقابي، وأن تفكيك هذه الثقافة المتراكمة من الخوف والتقييد قد يحتاج إلى أكثر من سقوط النظام… إنه يحتاج إلى ثورة ثقافية داخلية، تعيد تعريف العلاقة بين المجتمع والحرية، وأدوات ومناهج دخول الأفراد إلى العمل الاجتماعي والوعي الحقوقي.

ورقابة الكتب، في أحلك أوقات حاجة سوريا إلى عودة الفضاء العام للعمل والتداول الحر، تُصبح تمهيدًا لولادة نظام واسع من الضبط الرمزي، بدلاً من الانفتاح على كل أشكال المعرفة الممكنة، وتُظهر في الساحة السورية بوضوح أن هناك معرفة مسموحاً بها وأخرى محظورة. وذلك بينما تسمح السلطة لبيئات دينية متشدّدة بنشر كتب دينية ذات طابع خصوصي، وتغضّ النظر عن دعوات تبشير سلفية يراها كثيرون غريبة عن المجتمع السوري، وتملك من الحرية في التحرك في الشارع خلافً لجهات أخرى عديدة، رغم خطورة تلك الكتب على انسجام وطمأنة المكوّنات السورية. سعي السلطة إلى حماية القراء من مناخ حرية تداول الكتب، ليس بدافع الخوف على الأرجح.. فهل يكون لإنتاج معرفة بديلة تحمي مصالح الحكم وتعيد تنظيم الحقول الرمزية والمعرفية لصالح السلطة.

وإذا كانت السيطرة على المنشور والمكتوب تبدأ من بوابة وزارة الإعلام، فالسؤال الأخطر: كيف سيتجلّى هذا الجوهر الخفي للرقابة داخل المناهج التربوية، وكتب المدارس والجامعات؟ ما يُمنع في النشر اليوم، قد يُعاد إنتاجه كـ”معرفة رسمية” في مؤسسات التعليم غدًا، ويُزرع كحقيقة جاهزة في أذهان الأجيال القادمة.

فالرقابة على الكتب ليست فقط قرارًا إجرائيًا، بل هي قرار منع وتقييد للفهم والتأويل، يظهر في صورة ترشيد وتنميط للسوريين، وإقصاء مكرّر لهم عن إمكانية فهم العالم بحرية، عبر فضاء مفتوح للمنشور والمقروء. هي تقييد لتجربة الفهم التي لا تتحقق إلا بالتعدد والاختلاف، والتجريب الذي يحتاجه السوري في الداخل ليُعيد تكوين علاقته بالمعرفة والنص من دون خوف. وحتى تجربة النشر نفسها — في مناخ حر داخل سوريا — ليست ترفًا، بل ضرورة، لتوسيع المدارك والانفتاح، لا لخنق النص والكتاب أمام القارئ.

وبشكل مبكر، وقبل أن يُعاد تشكيل مفاهيم المواطنية ومشاركة الأفراد في صنع نطاق حكمهم، تظهر السلطة بجهازها الأيديولوجي لتُحدد ما هو صحيح وما يجب أن يُقال، وما يُمنع أن يُقرأ أو يُفكّر به. نحن، إذًا، أمام رقابة لا تضبط الورق والحبر فقط، بل تضبط الخيال، واللغة، وإمكانية أن يكون الإنسان فاعلًا حرًّا في فضائه الرمزي.

جُلّ ما يحتاجه السوريون اليوم هو انكشافهم على العالم، وانكشاف العالم عليهم. أن يُمنحوا الحق في أن يقرأوا ويشاهدوا ويختاروا ما حُرِموا منه لسنوات طويلة من المنع والعزل والوصاية. أن يُتاح لهم أن يختاروا، في كل تفصيل من حياتهم، لا أن يُفرض عليهم ما يُسمح بقراءته وما يُمنع، أن يُخترقوا لا بالقمع بل بالانكشاف على الحرية، وحرية الوصول، لا تقييدها. الكتاب، والعاملون في النشر، لا يختلفون عن الصناعيين والتجار الذين تحاول السلطة استقطابهم اليوم للعودة والاستثمار.

الناشرون السوريون أسسوا، في منافيهم، اسمًا سوريًا ناصعًا في مجال انتقاء الترجمة الرصينة، ونشر نصوص مفصلية في الفكر العربي والمعرفة النقدية. هم ليسوا أدوات خضوع، بل فاعلين رمزيين في بناء وطن حرّ، يحتاج إلى الكلمة بقدر حاجته إلى الخبز والسكن والدواء. ولعل إعادة فرض الرقابة عليهم، ليست فقط تقييدًا لعملهم، بل هي إعلان عن رفض لعودتهم كفاعلين، وإعادة إنتاج لمنطق قديم يرى الثقافة تهديدًا لا أفقًا للشفاء والخيال والانفتاح.

المدن

الرقابة السورية المسبقة في مرايا “فايسبوك”: قفزة هائلة للوراء

الرقابة السورية المسبقة في مرايا "فايسبوك": قفزة هائلة للوراء

هنا بعض مما جاء في منشورات فايسبوك رداً على قرار وزارة الإعلام السورية بإلزام الناشرين بالحصول على موافقة رسمية من مديرية التقييم الإعلامي – دائرة المطبوعات والنشر – على جميع الكتب المزمع نشرها. ولا يقتصر القرار على الإصدارات المرتقبة فحسب، بل يشمل أيضًا الكتب التي طُبعت من دون موافقة منذ تاريخ 8 كانون الأول 2024.

Tamim Hnaidi

معيب أن يصدر بيان كهذا عن اتحاد الناشرين السوريين، لكن رداءة النص والأخطاء اللغوية لا يمكن أن تكون غطاءً لما هو أهم: وزارة الإعلام باتت تشترط موافقة مسبقة على كل الكتب المنشورة. هذا الشرط الرقابي كان موجودًا في عهد الأسد، ولا يزال قائمًا في العديد من الدول حتى اليوم؛ لكننا الآن في مرحلة بناء، نُجرّب الإدارة الجديدة وكوادرها كما يُجرّبوننا، ولدينا فرصة أخيرًا لأن نطالب بسوريا جديدة ومختلفة، لا تفرض رقابة على الكلمة، ولن نفرّط بها.

Soubhi Halimeh

السيد رئيس اتحاد الناشرين السوريين جانب الصواب في حق أراده، فتسبب بـ “ترند” جديد “ما له طعمة”. ما فهمته شخصياً من البيان الذي أثار حفيظة من حفيظته مثارة مسبقاً: على الناشرين السوريين الحصول على موافقة (روتينية لن يعوقها أحد)، للتمكن من المشاركة في معارض الكتاب الخارجية (خارج سوريا) التي تشترط وجود هذه الموافقات بحسب قوانينها الموجودة منذ ولادة مطبعة غوتنبرغ. إذا حدا عنده قراءة مغايرة للبيان غير العودة للقرار 2254 يا ريت تنورونا. مع التأكيد على أن وجود وزارة الاعلام برمتها، خطأ ينبغي تصحيحه، ولكن بدون أن يصبح وجودها ذريعة لإنشاء ممر داوود.

د. أحمد جاسم الحسين    

هل رقابة الكتب في سوريا الجديدة مجدية؟

انتشرت قبل ساعات رسالة موجهة من رئيس اتحاد الناشرين السوريين إلى دور النشر حول ضرورة أخذ موافقة على كل كتاب يطبع من مديرية التقييم الإعلامي بوزارة الإعلام، كذلك بأثر رجعي خلال فترة عدم وجود مديرية للرقابة في الشهور الأخيرة.

هذا يثير عدداً من الأسئلة:

– ما جدوى رقابة طباعة الكتب في ظل وجود فضاء الإنترنت المفتوح؟

– كيف تضع معايير للرقابة؟ ومن سيقوم بها؟ وما هي حدود المسموح والممنوع في كل المجالات؟

-كيف نزيل تلك الذكريات السلبية للرقابة في أنفس الكتاب ودور النشر والسوريين عامة؟

– كانت بعض الكتب تحول إلى القيادة القطرية، إلى أين ستحول الآن؟

– هل سيبقى التعاون موجوداً بين اتحاد الكتاب ووزارة الأوقاف من جهة ووزارة الإعلام من جهة أخرى؟

– كيف تحمي الدول الأخرى فضاءها الاجتماعي والحياتي العام من الكتب السيئة؟

– هل من الأفضل أن تكون الكتب بلا. رقابة ويكون الكاتب ودار النشر مسؤولاً عما ينتج؟

– كيف نمنع الكتب الطائفية وخطاب الكراهية والتحريض والعنصرية والتنمر؟

– هل من الأفضل تفعيل رقابة ما بعد الطباعة؟

كل ما سبق يشير إلى أن الرقابة قضية متشابكة، وهي قد لا تكون مشكلة في حد ذاتها، بل في آلياتها وطرقها وحدودها ومن يقوم بها… والخوف من تحولها إلى أداة قمع… بدلاً من كونها آلية تنظيم!

#وبالحب_بدنا_نعمرها

لي أكثر من كتاب تم رفضه من الرقابة في التسعينات من القرن الماضي فاضطررت لحذف نصوص منه وتغيير عنوانه كي يمرق…

ما وجهة نظركم في ضرورة الرقابة أو عدمها؟

Fayez Allam

أما بعد،

غير أنه التعميم مكتوب بلغة ركيكة، ومليان أغلاط، وما تخلّص من لغة حزب البعث….

1- النقابات والاتحادات شغلتها تدافع عن مصالح الي بتمثّلهن، مو تنقل “أوامر” السلطة. وكان المفروض من اتحاد الناشرين السوريين يقاتل منشان إلغاء الرقابة، ووقت يفشل بهالشي، هو وعم ينقل (أوامر) السلطة، يعتذر من الناشرين ويخبرهم أنه حاول بكل وسيلة ممكنة ليحقق مصالحهم، وما طلع بإيده… وبعدين يقلهم أنه هاد الي (انفرض) علينا، بدل ما يتشكر الوزارة وتعاونها!!

2- المفروض تلتغى الرقابة بكل أشكالها، ببلد طلعت ثورة فيه عم تنادي بالحرية.

النظام السابق كان حافظ الأسد معتبر نفسه (الأب القائد)، والأب بيفرض وصاية على ولاده، لأنه هن جاهلين وهو بيعرف مصلحتهن أكتر منهم… فبالتالي من ضمن مليون مصيبة أو جريمة عملها، فهو كمان: فرض رقابة على المطبوعات…

بعتقد نحن خلصنا من زمن “الأب” وفرض الوصاية ونحن منعرف مصلحتك أكتر منك… مو؟ أو مو “مو”…؟

3- في داعي عيد الجملة المكررة أنه بعصر الانترنت، صار منع كتاب شي مضحك؟

مهما كان الكتاب بيحتوي أفكار بتشوفها خطيرة على المجتمع/ على الإنسان/ على الدين/ على أي شي بدك ياه…. فالواحد فينا كل يوم بيتعرض بالسوشال ميديا لأفكار أخطر بمليار مرة وبطريقة أبسط وأسهل وأشد تأثيراً…

ثم أنه أي كتاب عم يتحول لملف (بي دي اف) مجاني، وينزت بمليون مكان على الانترنت، والحصول عليه أسهل بكتير من الحصول على الورقي، ومتاح أمام الجميع…

4- ماذا يحدث عندما تمنع كتاب في سورية؟

بيروح الكاتب بينشر كتابه الممنوع بسورية… بأي بلد آخر…

الناس لما بيعرفوا أنه الكتاب ممنوع بيصير عندهم فضول أعلى تجاهه…

بعرف كاتب نشر روايته بطبعتها الأولى بسورية وما نجحت كتير، وما كانت ممنوعة، بعدين عمل طبعة تانية منها بدار نشر لبنانية وصار يروّج أنها ممنوعة… وصدق أو لا تصدق: بنى مجده الأدبي كاملاً على هالكذبة…

وتخيّل يا رعاك الله أنه روايته باعت بطبعتها التانية أكتر بكتير من طبعتها الأولى الي كان في منها نسخ هائلة وقت انعملت الطبعة التانية!!

المهم، بعد ما ينشر الكاتب روايته ببلد تاني والناس يصير عندهم فضول تجاه الكتاب أكبر مما لو لم يكن ممنوعاً… فأنت ما فيك شو ما عملت تمنع الكتاب فعلياً من الوجود بالسوق…

رواية “القوقعة” لمصطفى خليفة مثالاً… انباعت بسورية -وقت النظام البائد- كميات مهولة منها… مع أنها مو بس كانت ممنوعة… كان ما حدا بيسترجي يحكي عنها مجرد حكي!

رواية “آيات شيطانية” لسلمان رشدي مثالاً آخر… في حدا ترجمها وطبع نسخة منها وصارت هالنسخة تتصور… وهالنسخ المصورة تدور بين الناس… يعني أنا مثلاً وقت قرأتها أعارها لي صديق كان قد أعارها له صديق… هذا أعارها له صديق ثالث… (بوقتها ما كان الانترنت آخد مجده متل اليوم، وبالتالي كانت الوسيلة هي التصوير الورقي لنسخ قليلة وأنه تتداول هالنسخ بين أيدي القراء بحيث يقرأها الشخص ويمررها لشخص آخر…)

الناس عندا فضول دائماً تعرف الأشياء الي منعتها الرقابة، أو الي صار عليها إشكالية ما… أكتر من فضولها تجاه أي شي غير ممنوع… فالمنع بمطرح من المطارح بيجيب نتائج عكسية للهدف الي الأنظمة بدها ياه.

فمنشان هيك، الذكاء بيقول أنه الدولة ما تفوت بطابوسة “المنع” وفرض الرقابة على المطبوعات… لأنه هي ما بتجيب أي نتيجة، إلا أنه بينقال عنها “دولة قمعية وما فيها حرية تعبير”… يعني: لا بتطول عنب الشام ولا بلح اليمن…

Jan Dost

لا يمكن ولا يجوز أن تعاد سيرة البعث في سوريا ما بعد الأسد. الرقابة على الكتب مرفوضة تحت أية ذريعة. يمكن مصادرة كتاب فيه قدح وذم وإهانة لكن لا يجوز بأي حال وضع رقابة على الكتاب قبل صدوره. هذا تمهيد لمصادرة الرأي وبناء دولة بوليسية. بصفتي كاتباً ومواطناً كردياً سورياً أدين هذا القرار التعسفي.

محمد أمير ناشر النعم

قضيت ردحاً من الزمان ناشراً وأنا أردح في وزارة الإعلام جيئة وذهاباً من أجل الحصول على موافقات نشر الكتب التي كنت أود نشرها. وكنّا، نحن الناشرين، نبصق دائماً على هذه السلطة التي تلزمنا بهذه الموافقة ونقارن بين سوريا وبين بقية البلدان العربية التي لا يتطلب النشر فيها أية موافقة رسمية. يبدو أن السلطة الحالية ما زالت تستعذب بعض قرارات السلطة الأسدية، ولا تستطيع أن تخلع عنها عباءة تلك السلطة البائدة في إجراءاتها وقراراتها الرقابية.

وأظن أن أولى مهمات اتحاد الناشرين السوريين هو الاعتراض على هذا القرار بدلاً من تبليغه.

Samar Haddad

اليوم العالمي للكتاب والحقوق

موضوع هذا العام لليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف هو “دور الأدب في تحقيق أهداف التنمية المستدامة”، حيث يسلط الضوء على الدور المحوري للأدب في دفع عجلة التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وهو يركز على دور الأدب في إلهام العمل والتوعية بالقضايا العالمية الرئيسية مثل الفقر والجوع وعدم المساواة وغيرها. يتم الاحتفال بهذا اليوم عبر نشاطات عديدة تحتفي بالكتاب حيث تتعاون كيانات متنوعة للتشجيع على القراءة وزيادة الوعي بحقوق الملكية الفكرية. مصادفة حزينة أن يتحفنا اليوم “رئيس اتحاد الناشرين السوريين” بكتابه المتعلق بالرقابة!


Marwan Adwan

قفزة هائلة إلى الوراء…

في الوقت الذي تتجه فيه معظم الدول العربية نحو تخفيف إجراءات الرقابة، أسوة ببقية دول العالم، فإن أحد أول قرارات وزارة “الإعلام” الجديدة هو فرض رقابة مسبقة على الكتب، سواء للتداول داخل سوريا أو خارجها.

على الحكومة الأولى بعد الثورة التي كانت “الحرية” أولى هتافاتها، والتي دفع السوريون ثمناً باهظاً من أجلها، أن تضمن أبسط حقوق الناس في حرية التعبير والنشر.

وعلى اتحاد الناشرين السوريين ألا يكون ذراعاً تنفيذياً لهذا القرار، بل أن يقف في وجهه، ويعارض أي إجراء يعيد الرقابة المسبقة أو يقيّد حرية النشر. يجب أن يوجّه الاتحاد كتاباً رافضاً للقرار إلى وزارة “الإعلام”، لا أن يشكرها ويدعو إلى الالتزام بتعميمها!

دعم صناعة النشر في سوريا لا يكون بتضييق الخناق على الكتّاب والناشرين، بل برفع القيود عن الكتب، وعدم التدخّل في المحتوى، والمطالبة بإلغاء وزارة الإعلام نفسها، واستبدالها بهيئة ناظمة للعمل الإعلامي.

لا للرقابة على النشر

لا لعودة #مملكة_الصمت

————————–

رقابة مسبقة وأكثر تشددا على الكتب تثير سجالاً في دمشق/ سامر محمد إسماعيل

 قرار “بعثي” جديد يدعو إلى إعادة تقييم ما صدر سابقاً ولم ينل الموافقة الرسمية

الجمعة 25 أبريل 2025

أثار القرار التحذيري الذي أصدره اتحاد الناشرين السوريين في شأن المراقبة المسبقة على الكتب جدلاً واسعاً في أوساط المثقفين، ووجدوا فيه عودة إلى القرارت “البعثية” التي كانت تصدر خلال الحكم السابق.

كان هيثم الحافظ رئيس اتحاد الناشرين السوريين، طالب في قراره الأخير جميع دور النشر المحلية بتقديم الكتب التي لم تحصل على الموافقة الرسمية من وزارة الإعلام إلى مديرية التقييم الإعلامي في الوزارة، وذلك من أجل أخذ موافقة تداول داخل البلاد أو من أجل شحنها للمشاركة في معارض الكتب الدولية. وشمل القرار الذي اكتظ نصه بالأخطاء الإملائية والنحوية جميع الكتب التي صدرت بعد تاريخ الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، وقبل هذا التاريخ. أثار هذا الأمر غضب عدد من المثقفين، وأطلق سجالاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، فأعاد إلى الذاكرة مخاوف عدد من الناشرين والكتاب بالرجوع إلى الوضع السابق زمن سلطة “البعث”. وللوقوف عند هذا الموضوع استفتت “اندبندنت عربية” آراء بعض المثقفين والناشرين السوريين.

“قفزة هائلة إلى الوراء”، هكذا عنون مروان عدوان مؤسس ومدير دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع في ما كتبه على صفحته الشخصية عبر “فيسبوك”، وقال “في وقت تتجه فيه معظم الدول العربية نحو تخفيف إجراءات الرقابة أسوة ببقية دول العالم، فإن أحد أول قرارات وزارة الإعلام الجديدة كان فرض رقابة مسبقة على الكتب، سواء للتداول داخل سوريا أو خارجها. أعتقد أن على الحكومة الأولى بعد الثورة التي كانت الحرية أول هتافاتها، والتي دفع السوريون ثمناً باهظاً من أجلها، أن تضمن أبسط حقوق الناس في حرية التعبير والنشر”.

وعلى اتحاد الناشرين السوريين ألا يكون ذراعاً تنفيذية لهذا القرار، بل يجب أن يقف في وجهه ويعارض أي إجراء يعيد الرقابة المسبقة أو يقيد حرية النشر، وفق عدوان. ويضيف “يجب أن يوجه الاتحاد كتاباً رافضاً للقرار إلى وزارة الإعلام، لا أن يشكرها ويدعو إلى الالتزام بتعميمها. إن دعم صناعة النشر في سوريا لا يكون بتضييق الخناق على الكتاب والناشرين، بل برفع القيود عن الكتب وعدم التدخل في المحتوى، والمطالبة بإلغاء وزارة الإعلام نفسها واستبدالها بهيئة ناظمة للعمل الإعلامي. لا للرقابة على النشر، لا لعودة مملكة الصمت”.

إعدام الكتب

جدل واسع يدور اليوم بين وزير الإعلام حمزة مصطفى ورئيس اتحاد الناشرين أخبرنا عنه أحد الناشرين السوريين (فضل عدم ذكر اسمه)، إذ طالب الوزير السوري رئيس الاتحاد بتقديم اعتذار عن قراره، لكن الحافظ رفض ذلك متذرعاً بأن الوزارة هي من طالبته شفهياً بإصدار هذا البيان، ويمكن أن تشكل العودة عنه فرصة للنيل من صدقية الاتحاد لدى أعضائه. وبدوره أوضح مؤسس ومدير “دار التكوين” سامي أحمد رأيه في القرار الأخير، فتحدث لـ”اندبندنت عربية”، “حاولنا طوال 30 عاماً أن نلغي الرقابة المسبقة على الكتاب السوري أسوة بالبلاد المجاورة، وحلمنا كناشرين أن نصبح بلداً متحضراً يحترم حرية التعبير، وأن تكون الرقابة على الكتب بعد صدورها لا قبله، تماماً كما هي الحال في بيروت والقاهرة. والمشكلة الحاصلة اليوم بحسب نص القرار الذي صدر عن مسير أعمال اتحاد الناشرين هي تغييب قانون المطبوعات، فهو الفيصل بين الجهة المدعية والمدعى عليها في أي كتاب يصدر عن دار نشر محلية”.

وهذا القرار سيجعل كثيراً من الناشرين يغادرون البلاد، وفق سامي أحمد، مضيفاً “هي طريقة لتهجير الناشرين الحقيقيين. المشكلة بدأت قبل ثلاثة أشهر بقرار صادر أيضاً عن اتحاد الناشرين فرض فيه الاتحاد مبلغاً وقدره 400 دولار أميركي على كل واحد طن من الكتب التي تُشحن إلى المعارض الخارجية. هذا ما عدا أجور الشحن، مع أن الكتاب في سوريا لم يكن خاضعاً للرسوم الجمركية، حالنا كحال أية دولة عربية، والآن الجمارك تعوق عملية إنتاج الكتاب وإيصاله إلى القارئ العربي”.

 “لا نعرف فعلاً أين ستصل بنا التنازلات للرقابة الجديدة، يقول مدير دار التكوين الدمشقية ويضيف “بحسب القرار الأخير، يقولون إنهم سيعيدون قراءة الكتب الصادرة قبل تاريخ سقوط النظام وبعده، وهذا يعني أن كثيراً من هذه الكتب ستُعدم لعدم وجود موافقة رسمية عليها. كنا نأمل في عهد انتصار الثورة على الطغيان أن تلغى الرقابة المسبقة على الكتب، لكن من أسف لم يحدث ما تمنيناه بل على العكس، إذ تصرفوا أخيراً معنا في دار التكوين بتفتيش جميع الصناديق التي كنا نقوم بشحنها إلى معرض الدوحة الدولي للكتاب. وحدثت وقتها عدة إشكالات انتهت بالإذعان والموافقة على الشحن، لكننا اليوم في مشكلة كبيرة مع الرقابة الجديدة، فأيام النظام البائد كنا نعلم محظورات النشر، وعلى رغم ذلك كنا نضطر أحياناً لطباعة كتب ’دار التكوين‘ في بيروت وفي دول أخرى للتهرب من الرقابة ’البعثية‘. واليوم لا نعرف مع هذه الرقابة المدعومة بالجمارك على الكتب إلى أين نحن ذاهبون”.

سلطة متشددة

الكاتب والناشر محمد أمير ناشر النعم سرد قصته مع الرقابة عبر حسابه الشخصي على الموقع الأزرق، وقال “قضيت ردحاً من الزمان ناشراً وأنا أردح في وزارة الإعلام جيئة وذهاباً من أجل الحصول على موافقات نشر الكتب التي كنت أود نشرها، وكنا نحن الناشرين نبصق دائماً على هذه السلطة التي تلزمنا بهذه الموافقة ونقارن بين سوريا وبقية البلدان العربية التي لا يتطلب النشر فيها أية موافقة رسمية”.

 وأضاف “يبدو أن السلطة الحالية ما زالت تستعذب بعض قرارات السلطة الأسدية، فالسلطة الحالية لا تستطيع أن تخلع عنها عباءة السلطة البائدة في إجراءاتها وقراراتها الرقابية، وأظن أن أولى مهام اتحاد الناشرين السوريين هي الاعتراض على هذا القرار بدلاً من تبليغه”.

ويرى الأكاديمي والحقوقي السوري حمزة رستناوي أن “الرقابة المسبقة على النشر انتهاك لمبدأ حرية التعبير”، داعياً عبر حسابه على “فيسبوك” إلى إطلاق حملة وطنية يشارك فيها الكتاب والمثقفون والصحافيون السوريون لرفض قرار اتحاد الناشرين. ويضيف “تقييد الأفكار هو مقدمة لتقييد الأوطان، إذ إن الرقابة المسبقة على النشر من ممارسات النظام الأسدي البائد. وفي كل دول العالم الحر لا توجد رقابة مسبقة على النشر. الرقابة هي رقابة الضمير، والأصل هو إبداء الآراء المختلفة دون تنميط، وذلك لتوسيع مجال ودائرة النقاش الفكري والسياسي في الشأنين السوري والإنساني (…) نناشد الحكومة السورية وقف العمل بهذا القرار”.

وللرقابة المسبقة على الكتب السورية حكاية تعود إلى عام 1971، وهو تاريخ انعقاد المؤتمر الأول لاتحاد الكتاب العرب برئاسة الأديب الراحل صدقي إسماعيل. رفع المؤتمر وقتها شعار “لا رقابة على الفكر إلا رقابة الضمير”، وبموجب هذا الشعار رُفعت رقابة الكتب المؤلفة والمترجمة من وزارة الإعلام، وأنيطت المهمة باتحاد الكتاب العرب، فصار الأذى الأكبر يأتي من رقابة الكتاب لمخطوطات بعضهم، إذ تعرض عدد من الكتب للمنع، وتعرض عدد من الكتاب لحملات اعتقال”.

ويروي نبيل سليمان الروائي ومؤسس دار “الحوار” قصته مع الرقابة، قائلاً “في أحد مؤتمرات اتحاد الكتاب خلال تسعينيات القرن الماضي تقدمت أنا وحسين العودات ووليد إخلاصي باقتراح لإلغاء صلاحية الاتحاد في هذا الشأن، وإعادة رقابة الكتب والمخطوطات لتكون من صلاحية وزارة الإعلام، وفعلاً نجح المقترح عندها بتصويت غالبية أعضاء مؤتمر الاتحاد، ولكن رئيس الاتحاد السابق علي عقلة عرسان نجح في الالتفاف على هذا القرار، إذ جرت العادة زمن نظام الأسد البائد أن تكون الرقابة مسبقة من قبل وزارة الأوقاف على الكتب ذات الطابع الديني أو التي لها علاقة بالدراسات الصوفية، فلم تكن وزارة الإعلام تنظر في هذه النوعية من المخطوطات”.

ويتابع الروائي نبيل سليمان “في سوريا زمن ’البعث‘ كان دائماً هناك رقابتان على الكتب، الأولى رقابة مسبقة على المخطوط والثانية رقابة لاحقة تتم بعد إيداع الكتاب في المكتبة الوطنية، إذ يتقدم الناشر بخمس نسخ مطبوعة مع المخطوطة الأصلية لوزارة الإعلام حتى تُعطى موافقة السماح بالتداول، أما الكتب المنشورة خارج سوريا فكانت زمن النظام البائد تحتاج إلى موافقة تداول، وهذا لم يرد بعد في قرار رئيس اتحاد الناشرين الجديد. وكل الخشية أن تعاد الرقابة أيضاً على مسألة استيراد الكتب من الخارج”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى