العدالة الانتقاليةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

العدالة الانتقالية تحديث 24-25 نيسان 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

العدالة الانتقالية في سوريا

——————————–

عبثٌ بمسارح الجرائم في سورية… مخاوف من تضييع الأدلّة/ فضل عبد الغني

31 يناير 2025

وسط تفاعلٍ واسع في مواقع التواصل الاجتماعي السورية إثر نشر فيديو، في الـ13 من شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، يبيّن مجموعةً ناشطةً تُدعى “سواعد الخير”، تدخل فرع الأمن 325 للمخابرات والأمن العام في مدينة اللاذقية، وتقوم بطلاء جدرانه، والعبث بمحتوياته، إذ صرّح أفراد المجموعة بأنّهم حصلوا على موافقة من حرّاس الموقع. غير أنّ هذا السلوك، الذي وصفه بعضهم بالمبادرة التطوّعية، أثار انتقاداتٍ شديدة من حقوقيين وعائلات ضحايا رأوا فيه تهديداً مباشراً لجهود التحقيق في انتهاكاتٍ يُحتمل أنّها وقعت في هذا الفرع. وبرزت تساؤلاتٌ حول مدى تأثير العبث بالوثائق على مسار البحث عن الحقيقة ومحاسبة الجناة، وعلى سبب سماح السلطات (إن كانت قد أذنت فعلاً) لجهة غير مختصّة بدخول مكان بهذه الحساسية.

وفق روايات متطابقة ومقاطع فيديو منشورة، دخلت مجموعة “سواعد الخير” مقرّ فرع الأمن المذكور بحجّة “إعادة تأهيل المبنى” وتنظيفه، إلا أنّ الشبكة السورية لحقوق الإنسان حذّرت، في بيانٍ رسمي، من تداعيات هذا الدخول غير المنظّم، وأوضحت أنّ المقرّ يُعدّ من أماكن الاحتجاز التي رُصدت فيها اعتقالات تعسّفية وعمليات إخفاء قسري عديدة منذ بداية النزاع، وبالتالي، هو مسرح جريمة. وطالبت السلطات السورية بفتح تحقيق مع مجموعة “سواعد الخير” وكشف نتائجه للرأي العام. وعلى الرغم من محاولات التواصل مع السلطات في محافظة اللاذقية، لم يصدر أيُّ تعليق رسمي واضح يحدّد الجهة المخوَّلة السماح للمجموعة بدخول المبنى، واقتصرت تصريحاتٌ متفرّقة على الدعوة إلى “التعاون في ما ينفع أهالي المدينة”، من دون بيان أيّ ضوابط للمحافظة على الوثائق المودعة في الفرع.

الأهمية والسياق العام

لا تنحصر إشكالية دخول مجموعات مدنية مراكز أمنية حسّاسة في أنها “عمل تطوّعي” وحسب، بل المشكلة في أنّ هذه المواقع قد تحتوي أدلّةً توثّق انتهاكات جسيمة، كالاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري. وأي عبثٍ أو إتلافٍ للوثائق، حتى لو لم يكن متعمّداً، قد يعرقل وصول الضحايا وعائلاتهم إلى حقيقة ما جرى، كما يهدّد صدقية التحقيقات أمام المحاكم الوطنية أو الدولية. في هذا الإطار، يُلقي الخبراء بالمسؤولية على السلطات الانتقالية أو المحلّية التي يفترض أنّها المكلّفة بتأمين المواقع الحسّاسة وإدارة دخولها وفق قواعد قانونية واضحة. ويُحذّر ناشطون حقوقيون من أنّ تساهل الجهات الرسمية في هذه الحادثة قد يشجّع مجموعات أخرى على تكرار التصرّف نفسه، ما يزيد من خطر اختفاء أدلّة ذات أهمية بالغة للعدالة.

ضوابط الدخول إلى مسارح الجرائم

تُحاط عملية الدخول إلى مسارح الجرائم بمجموعةٍ من البروتوكولات الدولية الصارمة، منها بروتوكول بورنموث لحماية المقابر الجماعية والتحقيق فيها، الذي يهدف إلى توحيد المعايير القانونية والإجرائية لضمان حماية هذه المواقع الحسّاسة من أيّ تدخّل غير قانوني، والحفاظ على الأدلة التي تحتويها، وبروتوكول إسطنبول الخاص بالتحقيق في مزاعم التعذيب، وبروتوكول مينيسوتا المعني بالتحقيق في الوفيات غير المشروعة، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي ينصّ على تجريم أيّ فعلٍ يعرقل سير العدالة، بما في ذلك تدمير الأدلّة أو تغيير أماكنها على نحوٍ قد ينال من قيمتها الإثباتية. وبموجب هذه البروتوكولات، لا يُسمَح بالوجود في الموقع إلا للفئات المخوَّلة قانونياً، مثل ضبّاط إنفاذ القانون، وخبراء الطبّ الشرعي، والأطباء الشرعيين والمدّعين العامّين. وتُحدّد هذه الفئات بناءً على دور كلٍّ منها في توثيق الأدلة وتحليلها، وكذلك في ضمان الالتزام بالمعايير القانونية الراسخة في جمع المعلومات. على سبيل المثال، يتولّى ضبّاط إنفاذ القانون إعلان الموقع مسرحاً للجريمة، وضبط حدوده، والسيطرة على حركتَي الدخول والخروج، بينما يتمتّع خبراء الطبّ الشرعي بالأدوات والخبرات اللازمة لجمع الأدلّة بطريقة تحافظ على صلاحيتها أمام المحاكم. وتشدّد هذه البروتوكولات على ضرورة الحصول على موافقات رسمية مسبقة قبل دخول الموقع، بما في ذلك استصدار أوامر تفتيش في الحالات التي تخضع لحقوق ملكية خاصّة، أو وجود دواعٍ أمنية تقتضي حماية الأدلة من العبث والضياع. علاوةً على ذلك، تولي هذه الإجراءات عنايةً خاصّةً للمواقع الحسّاسة كالمقابر الجماعية ومراكز الاحتجاز، إذ تتطلّب معايير دولية إضافية لفرض رقابةٍ دقيقة على الدخول ومنع تسريب الأدلة أو نقلها بطرق غير منظمة.

تدابير الحفاظ على سلامة مسرح الجريمة

يكتسي الالتزام بضوابط تأمين مسرح الجريمة أهميةً قصوى في ظلّ المخاطر المتكرّرة بفقدان الأدلّة أو تلويثها، خصوصاً في الحالة السورية التي شهدت طوال قرابة 14 عاماً كمّيةً هائلةً من الانتهاكات، خلّفت وراءها أعداداً ضخمةً من الضحايا، وبحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ما زال هناك قرابة 115 ألف مواطن سوري مختفٍ قسراً بسبب نظام الأسد وحده. ولا يمكن تخيّل مدى معاناة أهالي هؤلاء عند مشاهدتهم العبث في مسارح الجريمة. ولذا توصي الهيئات الدولية المعنية، وكذلك منظّمات حقوقية عديدة، باعتماد إجراءات محدّدة لمنع الوصول غير المصرّح به، من بينها تقييد الدخول وإحاطة الموقع بحواجز مادّية واضحة، إضافة إلى توثيق هُويَّة كلّ فرد يدخل أو يغادر المنطقة. وفي حالات الطوارئ، قد يُسمح لفرق الإسعاف الطبّي بالوصول المباشر لإنقاذ الأرواح، شريطة الالتزام بتوثيق كلّ خطوة لمنع فقدان الأدلّة أو تشويه معالمها. كما تصرّ هذه البروتوكولات على وجوب تخصيص حراسة مدرَّبة للمواقع الحساسة، والحرص على إنشاء سجلّ خاص بسلسلة العهدة (Chain of Custody)، يسجّل فيه اسم كلّ شخص يتعامل مع الأدلة، ووقت استلامه لها، والجهة التي سُلِّمت إليها بعد ذلك. ويُفترض أن تواكب هذه التدابير منظومةً أشمل تهدف إلى ضمان فعّالية المسار القضائي في محاسبة مرتكبي الانتهاكات، بما في ذلك تطبيق الممارسات الفضلى في الطبّ الشرعي وحفظ العينات البيولوجية والوثائق الرسمية. ونتيجة للانتهاكات الواسعة التي شهدتها البلاد، تضطلع المنظمات الحقوقية السورية والدولية بدورٍ جوهري في التوعية بضرورة هذه الإجراءات، فضلًا عن دعم السلطات الانتقالية أو المحلّية بتوفير الموارد اللازمة، وتطوير قدرات الكوادر الميدانية، وتثبيت إطارٍ قانوني واضح يفرض عقوبات صارمة على كلّ من يتعدّى على حرمة هذه المواقع أو يعبث بالأدلة بأيّ صورة كانت.

المسؤوليات القانونية

لا يجرى التعامل، في سورية، صراحة مع العبث بمسرح الجريمة أو تغييره باعتباره جريمةً قائمةً بذاتها بموجب قانون العقوبات الحالي. ومع ذلك، تُجرَّم مثل هذه الأفعال بشكل غير مباشر من خلال أحكام قانونية أوسع نطاقًا تتعلّق بعرقلة العدالة وإخفاء الأدلّة وتقويض التحقيقات، فيتضمّن قانون العقوبات السوري أحكاماً تجرّم الأفعال التي تعرقل العدالة أو تدمّر الأدلة. على سبيل المثال، تنصّ المادة 535 على عقوبات شديدة، بما في ذلك عقوبة الإعدام، للجرائم المتعمّدة التي تنطوي على العبث بالأدلة لإخفاء جرائم أخرى.

ويُعدّ العبث بمسرح الجريمة جريمةً جنائيةً خطيرةً في العديد من الأنظمة القانونية في العالم. ففي الولايات المتحدة، يعاقب القانون الفيدرالي (18 U.S.C. § 1519) على التلاعب بالأدلة بالسجن مدداً تصل إلى 20 عاماً، علماً أنّ بعض القوانين الولائية، كقانون تكساس (§37.09)، يشدّد العقوبات في حال تدمير أدلة تتضمن جثثاً بشرية لتصل إلى 20 عاماً سجناً. وفي ألمانيا، يعالج القانون الجنائي (Strafgesetzbuch) هذه الجريمة تحت مواد أبرزها المادة 136 الخاصّة بتدمير الأشياء الخاضعة للمصادرة، والمادّة 258 التي تجرّم عرقلة العدالة. أمّا في فرنسا، فتنصّ المادة 434-4 من قانون العقوبات على أنّ تغيير الأدلة أو إخفاءها بقصد تضليل التحقيقات يؤدي إلى عقوبات بالسجن والغرامة، فيما تشدّد المادة 222-33-3 على تجريم تسجيل أو نشر الصور المرتبطة بالجريمة بصورة تضرّ بكرامة الضحايا. وفي هولندا، تُصنَّف عرقلة العدالة من طريق التلاعب بالأدلة جريمةً تحت المادة 189 من قانون العقوبات، مع إمكانية الحكم بالسجن مدّة تصل إلى ستّ سنوات تبعاً لظروف القضية. وفي كندا، يحظر القسم 137 من القانون الجنائي تلفيق الأدلة بقصد التضليل، مع عقوباتٍ تصل إلى 14 عاماً من السجن، كما يجرّم القسم 129 (أ) عرقلة واجبات الشرطة في موقع الجريمة. وعلى نحوٍ مشابه، ينصّ قانون الجرائم في أستراليا (القسم 317 من قانون الجرائم لعام 1900) على معاقبة التلاعب بالأدلة بالسجن حتى عشر سنوات. وأخيراً، تفرض نيوزيلندا بموجب قانون الجرائم لعام 1961 (القسم 113) عقوبةً قد تصل إلى سبع سنوات لمن يزوّر الأدلة لتضليل الإجراءات القضائية.

تضع القوانين السابقة مسؤوليةً مباشرةً على السلطات (حكومية أو محلية انتقالية) في الحيلولة دون دخول غير المخوّلين إلى هذه المواقع، وفي محاسبة الجهات المسؤولة بتهمة التقاعس أو حتى التواطؤ في طمس حقائقٍ تهمّ الضحايا وذويهم.

الأحداث الماضية: الآثار والتداعيات

1- تأثير على مسار التحقيقات الجنائية: يرى خبراء القانون أنّ دخول غير المتخصّصين إلى موقع يحتمل أن يكون مسرحاً لجريمة دولية قد يعبث بالأدلّة أو يخلّ بسلسلة العهدة اللازمة لضمان قبول هذه الأدلة في أيّ محاكمة.

2- خطر ضياع الأدلة أو تلوّثها: قد يحتفظ المبنى بوثائق وأوامر اعتقال وسجّلات لأسماء معتقلين، الأمر الذي يجعل ضياعها أو نقلها من مكانها الأصلي، من دون اتباع إجراءات سليمة، تهديداً خطيراً لإمكانية كشف الحقيقة. ويعني هذا ضياع فرصة ثمينة لمعرفة كيفية تنفيذ الاعتقالات وطبيعة الانتهاكات، فضلاً عن تحديد المسؤولين عنها.

3- انعكاس على حقوق المعتقلين وعائلات المفقودين: يمثّل كشف مصير المعتقلين ومعرفة ما تعرّضوا له أولويةً كبرى لأهالي الضحايا. وأيّ تدخّل عشوائي في المقرّ الأمني يحرم أهالي المعتقلين من نافذة محتملة نحو إنصافهم، خاصّةً إذا انقضت هذه الفرصة، ولم تعد هناك أدلّة تدعم مطالبهم أو تساعد على إثبات تعرّضهم أو ذويهم لأيّ انتهاك.

خاتمة

تشكّل حادثة طلاء نشطاء جدران فرع أمني نموذجاً لصراعٍ متكرّر بين الدور الحيوي للإعلام والنشطاء في الكشف عن الانتهاكات، والحاجة الملحّة للحفاظ على مسارح الجرائم، كالسجون والأفرع الأمنية، والمقابر الجماعية في سورية. ففي حين تسهم التغطية الإعلامية في إماطة اللثام عمّا خفي من جرائم محتملة، فإنّ التسرّع في استعراض المكان أو تصويره من دون قواعد دقيقة قد يُلحق الضرر بالأدلة الجنائية. وفي سياق العدالة الانتقالية التي تهدف إلى ملاحقة مرتكبي الجرائم وترميم النسيج المجتمعي، تصبح حماية أدلّة الجرائم أولوية قصوى. لذا، قد ينعكس أيّ عمل عشوائي سلباً على حقوق الضحايا، ويقوّض جهود المصالحة المبنية على قاعدة “توثيق وتثبيت الحقائق” قبل مرحلة المحاسبة.

في ضوء هذه التطوّرات، تبدو الحاجة ماسّة إلى قيام الحكومة السورية الحالية بوضع ضوابط واضحة تحكم دخول مسارح الجرائم، وتحديد جهة قضائية تُشرف على ذلك. إنّ نجاح أي عملية عدالة انتقالية في سورية يتطلّب احترام مسارح الجرائم والمحافظة على محتوياتها، وإن لم تتحمّل السلطات الحاكمة أو الانتقالية مسؤولياتها فوراً، فقد تجد نفسها أمام تراكم من الحوادث المشابهة، ما يُعقّد أكثر فأكثر مهمّة الكشف عن الحقيقة وإنصاف الضحايا، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.

العربي الجديد،

————————————

العدالة الانتقالية إلى متى؟/ جمال الشوفي

2025.04.25

لطالما كان سؤال اليوم التالي سؤالاً سورياً نظرياً محمولاً على أبعاد متعددة سياسية وقانونية واقتصادية تصل لدرجة الأبعاد النفسية والاجتماعية والبنيوية. سؤال اليوم التالي مثل إشكالية سوريّة نظرية قبل سقوط النظام تنفتح على توجهات عديدة لدرجة التباين الأيديولوجي الحاد، أما وقد بات السؤال اليوم واقع قائم يرهق كاهل السوريين بكل تعقيداته وصعوباته ومتطلباته الإجرائية والإدارية، فأجوبته الملحة يفترض أن تكون هاجساً لحظياً للعمل عليها تحقيقاً للعدالة وإنصافاً للقهر السوري الذي دام 14 عاماً، وقبلها لعقود من حكم أشد أنواع الدكتاتورية في هذا العصر.

السوريون لليوم، ورغم ضبط دقات قلوبهم على الساعة 6:18 صباح يوم 8/12/2024 يعدهم بانفراجات واسعة تنصف مظالمهم وتشفي أرواحهم العطشى للحرية والحياة الكريمة وتواسي أوجاع قلوب الأمهات السوريات المفجوعة على فلذات كبدها، لكن، وهذه الـ”لكن” مكررة ألفاً ومرة، هذه المرة نقدية محمولة على حسرة عميقة لم تزل عالقة في الحناجر، لكن:

    لم يزل ملايين السوريين يعيشون في خيام النزوح، وقلما يتم تسليط الضوء على معاشهم وحياتهم وأحلامهم بالعودة لبيوتهم وديارهم. فإن كانت المعطيات الاقتصادية تشير إلى ضرورة بدء الإعمار لتجاوز صعوباته وأمواله الطائلة غير المتاحة لليوم، لكن حتى أجور النقل للعودة لا يستطيعون تأمينها، وحياتهم لليوم حياة ضنك وعوز، ونادراً ما يتم إفراد المواد الإعلامية حول أوضاعهم المأساوية، وهذه حسرة كبرى.

    رغم الإعلان عن إزالة مذكرات منع السفر والملاحقات الأمنية والحجز على الأملاك والفصل التعسفي التي طالت غالبية السوريين المصنفين معارضة لدى النظام السابق، لكن لليوم لم تزل مثل هذه المذكرات غير معممة وموجودة في صفيحة معظمنا –فقد أثبتت وقائع عدة ذلك سواء من السوريين الذين زاروا سوريا أو ممن بقي بالداخل طوال هذه الفترة وشخصياً أنا منهم- ما يؤدي لانتقاص حقنا كسوريين بإزالة الضرر الذي ألحقه النظام البائد بحقنا، واستمرار تعطيل شؤون حياتنا العملية والحياتية والمادية أيضاً، في حين يتجول المحسوبون على النظام براحتهم لكونهم بلا ملفات أمنية سابقة، وهذه مقارنة فاقعة!

    رغم إقرار وطلب السوريين باختلاف تصوراتهم السياسية على البدء بتطبيق العدالة الانتقالية وفق أسس قضائية وإدارية محددة تفيد بضرورة محاسبة رموز النظام الساقط أمنياً وسياسياً وعسكرياً ممن ارتكبوا شتى أنواع المظالم والمجازر بحقنا كسوريين تصل لجرائم الحرب والإبادة الواسعة، لكن لليوم لم تطبق هذه الإجراءات بعد. وأقلها الإجراءات الإدارية الممكنة سواء بإصدار القرارات الإدارية المتعقلة بجبر ضرر المفصولين من عملهم تعسفياً، وتوثيق دمار البيوت والمنازل، أو إصدار مذكرات الاعتقال ومنع السفر بحق مرتكبي الجرائم تلك. فإن كان تشكيل هيئة العدالة الانتقالية يتطلب أن تكون سيادية مستقلة يقرها مجلس الشعب وهذا ما لم ينجز بعد لليوم، لكن الإجراءات الإدارية ممكنة ومتاحة، خاصة وأننا الذين تعرضنا لانتهاك حقوقنا من قبل النظام البائد نقف بمقارنة مريرة أمام عدم إنصافنا لليوم إدارياً وقانونياً وأمنياً، في حين نرى أن الفئة الأخرى يتاح لها مساحات واسعة من الحركة والسفر وغيره من دون محاسبة!

    رغم أن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني لم تكن على قدر طموح السوريين عامة، لكنها مثلت بالنسبة لنا، ممن ندرك ضرورة البدء بالعمل في بناء مؤسسات الدولة، خطوة هامة في بناء الدولة توجت بالإعلان الدستوري والحكومة الانتقالية، بغض النظر عن نقد مضامينها. فإن كانت الشؤون الاقتصادية والخدمية قيد البدء بها ومصابة بعطالة العقوبات الدولية، لكن علاج التشتت السوري والتحريض الطائفي وعدم التعامل معه قانونياً لليوم يضع مؤسسات الدولة أمام حالة شعبية يسودها التململ وعدم الرضا عن آليات عملها، خاصة في ملفات العدالة الانتقالية والقرارات الإدارية المفترضة للإنصاف والعدالة والبدء بعلاج مشكلات النازحين السوريين.

في مقالات سابقة تناولنا الفرق بين الحكم بالقانون وسيادة القانون، إذ إنها ليست فروقا لغوية وحسب، بل فروق جوهرية تصل إلى حد التناقض البّين. فسيادة القانون هو المصطلح المرافق لتحقيق الدولة استقرارها وفصل سلطاتها السياسية والتنفيذية والقضائية، وهو الخلاصة التعاقدية دستورياً ونصياً لتحقيق الإنصاف والعدالة ومنع الأفراد والمؤسسات والجهات الرسمية الحكومية وغير الحكومية من الاعتداء على حريات الآخرين جبراً أو إكراهاً. سيادة القانون هي التطبيق العصري والحديث لمقولة الفاروق عمر بن الخطاب “العدل سيد بين الناس”، في حين الحكم بالقانون هو تمثيل واضح لقدرة السلطة على سن القوانين والتشريعات لتمتين سطوتها، وهو ما كان يمارسه النظام السابق كمخاتلة ومكر سياسي للترويج على أنها دولة عصرية يحكمها القانون سيادياً، في حين أن حقيقة الواقع ومجرياته أثبتت زيف ادعاءاته. وبالضرورة أليس الأولى على سلطة وحكومة التحرير اليوم أن تبادر بتحقيق سيادة القانون ونفي الأحكام التي نفذها النظام السابق بطرق إجرائية سريعة؟ وهنا يتوجب التنبيه على أنه في السنوات الأخيرة درج نظام الأسد على الترويج للحكم بالقانون الوضعي والمدني وادعاء عدم وجود معارضين له، فعمل على تحويل ملفات السوريين السياسية والأمنية لملفات جنائية وملفات إرهاب عامة، وهذه يمكن التحقق منها بسهولة خاصة وأنها طالت السوريين المعارضين لحكمه بطرق عدة، إذ اكتفى بالتعامل مع بطانته بعقوباته المالية والطرد والاستبدال. في حين أن مطلب سيادة القانون اليوم يتطلب:

    البدء بتحقيق العدالة الانتقالية قضائياً وإدارياً وذلك للحد من العمل بالهوى الشخصي وممارسة الأعمال الفردية الانتقامية والانتقائية المتزايدة والضارة بجسد الحكومة والدولة الناشئة.

    إزالة الظلم الذي تعرض له السوريين من الأحكام المسماة قانونية بظل النظام السابق، سواء كانت منع سفر أو الفصل التعسفي من العمل أو حجز الأملاك، إذ يتوجب رفع جميع ملفات وبلاغات الأجهزة الأمنية السابقة بحقنا كسوريين والموقعة قبل 8/12/2024 مباشرة ومن دون تأخير.

    تفعيل الضابطة العدلية ودور القضاء المستقل وإصدار مذكرات الاعتقال ومنع السفر والحجز الاحتياطي بقادة النظام السابق الأمنية والسياسية والمشتبه بتلوث أيديهم بالفساد المالي والإداري والعمل على تحويلهم للقضاء العادل.

    ضبط الخطاب الإعلامي السوري ومراقبته وإصدار قانون تجريم التحريض الطائفي.

    التوجه ناحية خيام النازحين السوريين وتسليط الضوء على معاناتهم اليومية ومحاولة تذليل صعابها وتحدياتها.

العدالة الانتقالية خطوة هامة ومحورية للوصول لدولة سيادة القانون وهذه تختلف كلية عن الحكم بالقانون، الذي يحول القانون إلى أداة ذات مصلحة معينة في خدمة المتنفذين والمنتفعين وحسب. وهذا ما يجب أن يُسمع بحرص ومسؤولية من الحقوقيين والقانونيين وناشطي المجتمع المدني الباحثين عن موقع وجداني لفهم للقانون وسيادته وتطبيقه، وليس فقط، بل بوابة واسعة لتمتين جسور الثقة وتهيئة البيئة السورية الآمنة للعمل التشاركي والتعاوني ونبذ التطرف والشعور بالاحتقان وعدم الرضا ومصدرها البيّن عدم الإنصاف وتحقق العدالة المرجوة. فالبنية السياسية والهوية الوطنية هي حوار سوري منفتح يتناول شتى قضايانا الراهنة والمستقبلية، وهذه تحتمل شتى أنواع الاختلاف بطبيعتها لكنها محكومة ببوصلة الوطنية السورية وما يستحقه السوريين وتضحياتهم الجسام، في حين أن تحسين الوضع الاقتصادي وارتباطه برفع العقوبات مرتبط دولياً بمدى تحقيق الاستقرار والعدالة في الوضع السوري وأولى خطواتها البدء بالعدالة الانتقالية اليوم قبل الغد.

تلفزيون سوريا

—————————-

ضمانة سوريا في حسن اختيار قضاتها وضمان استقلالهم/ ميشال شماس

2025.04.25

يُقاس اليوم تطور الدول بمدى سيادة القانون فيها واستقلال قضائها ونزاهته وكفاءته، ولا يمكن أن تتحق سيادة القانون إلا بالإقرار بحقوق الناس واحترامها، وأن يحمي هذه الحقوق نظام قانوني وقضائي مستقل وكفء وعادل، حتى لا يكون المرء مضطراً في النهاية إلى الثورة.

يُقاس اليوم تطور الدول بمدى سيادة القانون فيها واستقلال قضائها ونزاهته وكفاءته، ولا يمكن أن تتحق سيادة القانون إلا بالإقرار بحقوق الناس واحترامها، وأن يحمي هذه الحقوق نظام قانوني وقضائي مستقل وكفء وعادل، حتى لا يكون المرء مضطراً في النهاية إلى الثورة.

أهمية القضاء اليوم لا تقتصر على المعالجات القانونية الصرفة كحل النزاعات وإيقاع العقاب أو تقرير البراءة، بل أصبح يلعب دوراً مجتمعياً هاما يقوم على حفظ الاستقرار والسلم الاجتماعي وامتصاص التوترات المجتمعية التي يمكن أن تحدث.

وما أحوجنا اليوم في سوريا المنهكة والمدمرة، إلى قضاء مستقل وكفؤ وعادل يساعدنا على تهدئة النفوس، يساعدنا على استقرار الأوضاع في البلاد، وهو الضمانة الوحيدة لنهوض الدولة من بين هذا الخراب، وهو الضمانة لحماية حريات الناس وحقوقهم ولإعلاء قيمة العدالة في المجتمع، وهو الضمانة لمكافحة الفساد وتوفير بيئة مناسبة لتحقيق تنمية متوازنة وجذب الاستثمارات الخارجية التي نحن اليوم بأمس الحاجة إليها.

ونظراً لأهمية القضاء ودوره في المجتمع والدولة علينا أن نولي أهمية قصوى لطريقة اختيار الأشخاص المرشحين لتولي مهمة القضاء في سورية وفق المعايير التالية:

    أن يتمتع المرشحون للعمل القضائي بالسيرة الحسنة والأخلاق الحميدة والخبرة القانونية الكافية، وأن لا يكون في سيرتهم المهنية أية شائبة.

    إلزام القضاة وقبل مباشرة مهامهم التصريح خطياً عن أموالهم وممتلكاتهم، تحت طائلة حرمان القاضي الذي لا يصرح عن أمواله وممتلكاته من حقه في التعيين، وفعل ذلك أيضاً بعد انتهاء مهمة القاضي ولأي سبب كان.

    يشترط فيمن يولى قضاء الحكم أو النيابة العامة أن لا يقل عمره عن ثلاثين عاماً إضافة لممارسة الخدمة خمس سنوات إذا كان التعيين في وظيفة معاون قاضي أو نيابة عامة.

    وعن خمسة وثلاثين عاماً إضافة لممارسة الخدمة مدة 8 سنوات على الأقل إذا كان التعيين في وظيفة قاضي صلح أو قاضي بدائي أو قاضي شرعي أو وكيل نيابة.

    وعن أربعين سنة إضافة لممارسة الخدمة مدة 16 سنة على الأقل إذا كان التعيين في وظيفة قاضي تحقيق أو مستشار استئناف أو محام عام.

    وعن خمسين سنة إضافة لممارسة الخدمة مدة 25 سنة على الأقل في باقي الوظائف الأخرى. مع مراعاة الشروط المتعلقة بكيفية اختيار المرشح لعضوية مجلس القضاء الأعلى.

    تعديل طريقة القبول في المعهد القضائي المحدث بالمرسوم التشريعي رقم 42/ 2000، ولاسيما المادة السادسة منه بحيث تصبح كما يلي:

     رئيس مجلس القضاء الأعلى رئيساً. وباقي الأعضاء: (عميد المعهد نائباً للرئيس، يتم اختياره من بين قضاة الحكم أو النيابة لا تقل ممارسته العمل القضائي عن عشرين عاماً. ورئيس إدارة التفتيش القضائي .ومحام لا تقل ممارسته المهنة عن عشرين عاماً ).

    استبدال كلمة وزير العدل أينما وجدت في هذا القانون برئيس مجلس القضاء الأعلى.

    يجري قبول المتقدمين، ليس على أساس مجموع علاماتهم فقط، وإنما أيضاً على أساس دراسة يجريها مجلس القضاء الأعلى يتحرى فيها عن المتقدمين، آخذاً بعين الاعتبار كفاءتهم العلمية والقانونية والسيرة الحسنة في حياتهم شرط أن لا تشوبها أية شائبة، ويعيد المجلس نفس الدراسة للناجحين في نهاية مدة الدراسة في المعهد، وبعدها يتخذ قراراً بتعيينهم.

ثانياً- الاهتمام بالقضاة من حيث الرواتب والتعويضات والتدريب والتأهيل:

    إعادة النظر بموضوع اللصيقة القضائية التي حولت القاضي إلى جابي، وذلك من خلال تخصيص بند في الموازنة العامة للدولة خاص بالسلطة القضائية، على أن يقوم مجلس القضاء الأعلى بتحديد النفقات والإيرادات التي تحتاجها السلطة القضائية، بما يوفر لأعضائها دخلاً مناسباً يراعى فيه المسكن والانتقال وغلاء المعيشة، ويؤمن في النهاية حياة حرة كريمة لأسرة القضاء.

    تدريب القضاة ومعاوينيهم، والعناية بتأهيلهم علمياً وتطبيقياً لممارسة العمل القضائي والعاملين بالجهات المعاونة للهيئات القضائية عبر المحاضرات والندوات والدورات التدريبية والبعثات الخارجية، تحت إشراف مجلس القضاء الأعلى.

    زيادة عدد القضاة بما يتناسب وحجم القضايا التي ترد يوميا إلى دواوين المحاكم، منعاً لتراكم الدعاوى، وعدم إطالة أمد التقاضي، فالعدالة البطيئة أشد أنواع الظلم.

    الاهتمام الدائم بقصور العدل ودور المحاكم، وتحديثها بما يليق بالقضاة والمتقاضين.وإدخال الأتمتة إليها لتسهيل العمل القضائي وربطها بشبكة معلومات مركزية.

    تفعيل المكتب الفني بمحكمة النقض ورفده بالكوادر المهنية والفنية وإدخال الأتمتة إليه، لتسهيل عمله في حفظ الأحكام القضائية والمعلومات القانونية لتسهيل لرجوع إليها عند الحاجة، أي جعله بنك معلومات.

    الاهتمام بدور التوقيف في قصور العدل وجعلها تليق بالموقوفين وتحترم آدميتهم كبشر.

    رفد المحاكم ودواوينها بالموظفين بما يتناسب والحجم الهائل للدعاوى.

رابعا- الاهتمام بالموظفين في المحاكم ووزارة العدل فهم الذين يساعدون القضاة ويسهلون عملهم . فالعمل الذي يقوم به رئيس ديوان المحكمة أو كاتب المحكمة أو المنفذ وناسخ القرارات والمحضر والمستخدم والمراسل..الخ، هو عمل مهم ومكمل لعمل القاضي الذي لا يستطيع إنجاز عمله في دراسة القضايا المعروضة عليه من دون وجود هؤلاء الموظفين، وهذا يتطلب توفير الشروط الملائمة لهم لتحفيزهم على العمل باستقامة ونزاهة من خلال:

    زيادة رواتب الموظفين.

    توفير الرعاية الصحية والضمان الصحي.

    تأمين وسائط لنقل الموظفين.

وختام القول، ماقاله أفلاطون: (أعطني قاضياً جيداً وقانوناً سيئاً، خيرٌ من أن تعطني قاضياً سيئاً وقانوناً جيداً)، وهذا يعني أن تعيين أشخاص لا علاقة لهم بالقضاء ولم يدرسوا القانون ولم يتدربوا جيداً على التقاضي هو كمن يعبث بالمجتمع وحياة الناس وأمنهم.  فالقضاء الكفء العادل والنزيه يلعب دورًا حيويًا ومركزيًا في أي مجتمع، فهو من جهة يسهم في تنظيم العلاقات بين الأفراد والمؤسسات ويراقب عمل السلطات ويحافظ على النظام العام والاستقرار في البلاد، ومن جهة أخرى يعزز ثقة الناس بالدولة ومؤسساتها ويشجع التنمية ويجذب الاستثمارات ويحمي حريات الناس وحقوقهم. باختصار يمثل القضاء ركنا أساسيا في بناء مجتمع متوازن ومستقر، ومن دونه لن يكون هناك مجتمع ولا دولة.

تلفزيون سوريا

——————————-

كيف أضعف قطع المعونات الأميركية التحقيق بجرائم الحرب في سوريا؟/ باسل المحمد

24/4/2025

وجهت قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقطع المساعدات الخارجية، ضربة موجعة لعدد من المنظمات الإنسانية والحقوقية العاملة في ملفات العدالة والتحقيق بجرائم الحرب التي ارتكبها نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد وأطراف أخرى.

ومن بين أبرز تلك المنظمات التي تأثرت بهذه السياسة منظمة الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” التي وثقت آثار القصف والدمار طوال سنوات الحرب في سوريا، و”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” التي أسهمت في جمع الأدلة وتسجيل الشهادات المتعلقة بجرائم النظام السوري، والآلية الدولية المحايدة والمستقلة التي تدعم جمع الأدلة حول سوريا، إضافة إلى منظمات أخرى.

ويأتي الإجراء الأميركي بوقف المساعدات في حين لا تزال ذاكرة السوريين مثقلة بصور المجازر، والمقابر الجماعية، وآلاف الصور للمختفين قسرا منذ بداية الثورة السورية، مع أملهم في تحقيق العدالة وملاحقة مرتكبي هذا الانتهاكات بعد سقوط النظام، فكيف ستؤثر هذه السياسة على مسار التحقيق بجرائم الحرب، وما البدائل المتاحة لتعويض التمويل الأميركي لهذه المنظمات؟

واشنطن الممول الأكبر

اعتمدت العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية في سوريا خلال سنوات الثورة على التمويل الأميركي بشكل مباشر عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، أو غير مباشر من خلال برامج ومشاريع تشرف عليها منظمات دولية أخرى، وقد مثل هذا الدعم ركيزة أساسية في استمرار أنشطتها، في مختلف القطاعات الإغاثية والخدمية وتوثيق الانتهاكات.

وبلغت نسبة مساهمة الولايات المتحدة بتمويل الاستجابة الإنسانية والنداء الطارئ المشترك بين الوكالات في سوريا خلال 2024، 24.6%، وفي عام 2023 بلغت 20%، مما يجعلها أكبر جهة مانحة إنسانية منفردة للاستجابة في سوريا، وذلك بحسب تحليل أصدره منتدى المنظمات غير الحكومية العاملة في شمالي سوريا.

وذكر التحليل المنشور في 26 فبراير/شباط الماضي، أن 1,2 مليون شخص لا يتلقون الآن المساعدة المخطط لها نتيجة تعليق الولايات المتحدة مساعداتها، إلى جانب وجود 62% من المنظمات التي شملها الاستبيان ذكرت أن برامجها الممولة من خارج الولايات المتحدة قد تأثرت أيضًا بسبب التجميد الأميركي، الذي كان مشروطًا بمراجعة وزير الخارجية، لكن المراجعة “ليست واضحة ولم يتم الإعلان عنها”.

وتعد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أكبر ممول لمنظمة الدفاع المدني السوري، منذ ما يقارب 10 سنوات، ويشكل الدعم الذي تقدمه نحو 27% من ميزانيتها، وقد أسهم هذا التمويل بإنقاذ أرواح الكثير من السوريين خلال الأعوام الماضية، أما باقي تمويل الخوذ البيضاء فيأتي من تبرعات مساعدات خارجية من حكومات وأفراد آخرين، وذلك حسب تصريح نائب مدير المنظمة فاروق حبيب للجزيرة نت.

ويوم 20 يناير/كانون الثاني، اليوم الأول لعودته إلى البيت الأبيض، وقع ترامب أمرا تنفيذيا قضى بتجميد المساعدات الخارجية الأميركية لمدة 90 يوما، بذريعة “مراجعة الكفاءة والاتساق مع سياسة الخارجية الأميركية”، وصرح ترامب بأنه يريد أن يكون الإنفاق الخارجي أكثر انسجامًا مع أهداف سياسته الخارجية ونهجه “أميركا أولًا”.

توقيت حساس

رغم أن قرار الولايات المتحدة بتخفيض أو إيقاف مساعداتها الخارجية للمنظمات الإنسانية والجهات العاملة في مجال العدالة والإغاثة لم يكن موجها حصرا إلى سوريا، إذ شمل بحسب وزير الخارجية الأميركية ما يقارب 5800 منظمة حول العالم، فإن توقيته شكّل صدمة خاصة في السياق السوري.

ويعود السبب في ذلك إلى تزامن القرار الأميركي مع مرور سوريا بمرحلة انتقالية شديدة التعقيد بعد سقوط نظام الأسد، وتزايد الحاجة فيها إلى مختلف أنواع الدعم، وعلى رأسها جهود المحاسبة والعدالة.

ويرى مراقبون أن التعامل مع ملف العدالة في هذه المرحلة هو أمر حساس جدا، ليس فقط لأنه يرتبط بمحاسبة ضباط ومسؤولي النظام البائد، وإنما لأنه يتقاطع مباشرة مع جهود بناء دولة حديثة تقوم على القانون والمؤسسات.

وفي هذا السياق يقول ستيفن راب، السفير الأميركي السابق المعني بجرائم الحرب، والذي زار سوريا في فبراير/شباط، في تصريحات لإذاعة صوت أميركا “هذه ليست سوى بداية العدالة الانتقالية في سوريا، والمهمة هائلة”، محذرا من أن توقف المساعدات الأميركية يعقّد مهمة جمع الأدلة وأخذ عينات الحمض النووي من الناجين وأسر الضحايا.

ورغم سقوط النظام في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وبدء مرحلة جديدة في سوريا، فلا يزال أكثر من 130 ألف شخص في عداد المفقودين، حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مما يؤكد أن البلاد ما زالت بحاجة ماسّة إلى الدعم الدولي لمواصلة العمل على ملفات المقابر الجماعية، وتحديد هوية الضحايا، ومحاسبة المتورطين.

وفي هذا السياق، يقول فاروق حبيب إن وقف التمويل جاء بمرحلة حرجة تمر بها سوريا، لأنها بأمسّ الحاجة للدعم في ظل الاحتياجات الإنسانية والإغاثية المتزايدة بعد سقوط النظام البائد، وعندما ازدادت الحاجة إلى الخوذ البيضاء بشكل ملحوظ في جميع أنحاء سوريا.

تأثيرات مباشرة على العدالة

اضطرت العديد من المنظمات السورية والدولية العاملة في مجال التوثيق والمساءلة المتعلقة بجرائم الحرب في سوريا إلى تقليص نشاطاتها أو الانسحاب من بعض الملفات بسبب شح التمويل، نتيجة السياسة الأميركية الجديدة، والتي تأمل هذه المنظمات أن تكون مؤقتة.

ومن أبرز تلك المنظمات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” والتي يقول مديرها فضل عبد الغني للجزيرة نت إن التخفيض المفاجئ في الدعم الأميركي أثر بشكل كبير جدا على عملهم، وقال “كنا نخطط هذا العام لتقديم طلب دعم إلى مكتب حقوق الإنسان في الخارجية الأميركية للعمل على ملفات إضافية في مسار المحاسبة، وبشكل أساسي عمليات تحليل المعلومات والبيانات، قبل عملية إيقاف الدعم الأميركي”.

ويضيف عبد الغني “لدينا آلافٌ وآلاف من الوثائق، تحمل تفاصيل كثيرة قد تُساعد العائلات في الكشف عن مصير أحبائها، لأن هذه الوثائق غالبًا ما تحتوي على أسماء المعتقلين، وتاريخ قتلهم أو نقلهم إلى المقابر، بل وحتى أسماء الجناة أيضًا.

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، حسب عبد الغني، خصصت ميزانية لتوظيف باحث جديد هذا العام، وتكريس جهوده لتلك الوثائق، وبعد عملها من المملكة المتحدة وقطر خلال سنوات الصراع السوري، كانت الشبكة تتطلع أيضًا إلى افتتاح مكتب جديد في دمشق، ولكن وقف تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لها أعاق كلا الأمرين.

آثار كارثية

ومن المنظمات الحقوقية المتضررة منظمة “النساء الآن من أجل التنمية”، وهي منظمة نسوية سورية تأسست عام 2012، تدعم المنظمة البحث عن الأشخاص المفقودين، وتقدم الدعم النفسي والاجتماعي للناجين من الاعتقال، إلى جانب أنشطة أخرى.

أحد برامجها الأكثر تأثرا بتجميد التمويل هو الدعم الذي تقدمه لـ6 مجموعات تركز على الاختفاء القسري، وتشمل هذه المجموعات رابطة عائلات قيصر، وعائلات من أجل الحرية، ورابطة المعتقلين والمفقودين في سجن صيدنايا، ومسار.

وتعليقا على ذلك، تقول رؤى الحموي، مديرة برامج العدالة في المنظمة خلال تصريحات صحفية “لقد توقفت جميع أنشطة دعم بناء القدرات لهذه المجموعات من الضحايا”، مشيرة إلى أن “الدعم النفسي والاجتماعي وإدارة الحالات وأنشطة المناصرة كلها توقفت”.

أما بالنسبة لمنظمة “الخوذ البيضاء”، فيشير فاروق حبيب إلى وجود دعم خاص من الخارجية الأميركية يتعلق بملفات المفقودين والاستجابة للمقابر الجماعية، لكنه يقول إن “توقيف الدعم من وكالة التنمية الأميركية له آثار كارثية على عمل المنظمة وعلى الاستجابة الطارئة، ونبذل جهودنا لاستعادة العقد مع الوكالة، لأننا لا نستطيع استبداله سريعا”.

وفي وثائق موجهة إلى الكونغرس الأميركي، أظهرت قائمة بمنح المساعدات الخارجية من الوكالة الأميركية للتنمية إلغاء عقد بقيمة 30 مليون دولار مخصص للخوذ البيضاء، بدأ في فبراير/شباط 2023، وتم إنفاق جزء من أمواله قبل إلغائه، وذلك حسب تقرير لشبكة سي إن إن.

هل من بديل؟

على الرغم من صعوبة إيجاد بدائل كافية لتعويض التمويل الذي كانت تقدمه الوكالة الأميركية للعدالة والتنمية، فإن العديد من الإجراءات والخطوات التي يمكن اتخاذها بديلا لهذا التمويل، أو حلا يمكن أن يساعد في الجهود الرامية إلى التحقيق بجرائم الحرب، وتوثيق الانتهاكات.

وفي هذا السياق، يوضح مدير المركز التعليمي لحقوق الإنسان في ألمانيا، علاء الدين آل رشي، في حديثه للجزيرة نت، أنه إلى جانب الحاجة إلى دعم وتدريب فرق سورية محلية على تقنيات التوثيق، وجمع الأدلة وفق المعايير الدولية، بما يقلل من الاعتماد على الخبرات الأجنبية المكلفة، يمكن اعتماد الحلول التالية بديلا عن التمويل الأميركي:

تنويع مصادر التمويل، عبر بناء شراكات مع الاتحاد الأوروبي، وكندا التي ما تزال تلتزم بدعم حقوق الإنسان والعدالة الدولية. والضغط الحقوقي والدبلوماسي، عبر تكثيف حملات المناصرة لتحفيز الدول على الوفاء بالتزاماتها الأخلاقية والقانونية تجاه ضحايا الحرب، وإنشاء صندوق دولي مستقل، بإشراف الأمم المتحدة لدعم مشاريع البحث عن المفقودين وملاحقة مجرمي الحرب، بعيدا عن مزاجية السياسات المتقلبة للدول الكبرى.

وكانت ألمانيا قد أكدت في 30 ديسمبر/كانون الأول أنها ستدعم مشروعات بقيمة 60 مليون يورو في سوريا، منها 7 ملايين لمنظمات غير حكومية، لتعزيز التعليم وحقوق المرأة ومجالات أخرى في أعقاب الإطاحة بنظام بشار الأسد حسب ما أفادت به وكالة رويترز. ودعا وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال مشاركته في مؤتمر بروكسل يوم 17 مارس/آذار “المجتمع الدولي إلى مواصلة التزاماته تجاه الشعب السوري وعدم السماح للقرارات السياسية بتعطيل جهود المساعدة الأساسية”.

من جانبه، يشدد فضل عبد الغني على أهمية تعدد مصادر الدخل، ويدعو رجال الأعمال السوريين في العالم للعودة إلى فترة الخمسينيات من تاريخ سوريا، عندما كانت البرجوازية السورية تهتم بالشأن العام، وتمول الأنشطة التي لها أبعاد سياسية واجتماعية، كتأسيس المنتديات، ودعم مؤسسات المجتمع المدني الوطنية.

يرى مراقبون أن التعويل على بدائل متعددة أصبح هو الضمانة الوحيدة لمنع ضياع حقوق عشرات الآلاف من الضحايا السوريين الذين ينتظرون العدالة، وسط عالم تتغير فيه الأولويات بتغير الحكومات.

المصدر : الجزيرة

———————————-

«ربيع دمشق» يزهر ثانية: «منتدى الحوار السوري الديمقراطي» يبدأ جلساته/ جانبلات شكاي

تحديث 24 نيسان 2025

في أول جلسة تم تخصيصها عن «السلم الأهلي والعدالة الانتقالية» مع إطلاق «منتدى الحوار السوري الديمقراطي»، عبّر السياسي ورجل الأعمال السوري رياض سيف عن «فخره» للتحاور مع أصحاب القضايا الذين حضروا، داعيا إياهم إلى اعتماد أسلوب الحوار لأنه الوسيلة التي «توصلنا إلى حلول سهلة من دون ان ندفع المزيد من الخسائر والأثمان»، وموضحا أن إغلاق ملف المقاتلين الأجانب لا يكون بإبعادهم كما يرى البعض، وإنما «باستيعابهم كما فعلت ألمانيا مع مليون من اللاجئين السوريين إليها، شريطة أن لا يحتلوا المراكز العليا في الدولة».

ووسط حضور مكثف من النشطاء السياسيين والصحافيين المحليين والأجانب، تم إطلاق «منتدى الحوار السوري الديمقراطي» من منزل في ضاحية قدسيا شمال غرب دمشق، كما كان حال سلفه «منتدى الحوار الوطني» الذي كان قد أطلقه رياض سيف عام 2000 من منزله في بلدة صحنايا جنوب غرب دمشق.

وفي صدر صالة المنزل وحول طاولة بسيطة، أمام الحضور الذي امتد إلى الفناء الخارجي، جلس المشاركون في جلسة «السلم الأهلي والعدالة الانتقالية»، وهم في الواقع كانوا أعضاء إدارة المنتدى إلى جانب الكاتب والباحث السوري في المركز العربي في واشنطن رضوان زيادة، ومن بينهم طبعا كان رياض سيف.

وأدار الجلسة المدير التنفيذي لـ»مؤسسة اليوم التالي لدعم الانتقال الديمقراطي في سوريا» والمتحدث الرسمي باسم المنتدى معتصم السيوفي، وأوضح أن «منتدى الحوار السوري الديمقراطي» سيديره عدد من الأصدقاء، وهم الحقوقية والسياسية ورئيسة المنتدى جمانة سيف، إلى جانب الكاتبة والباحثة السورية والمتحدثة الرسمية للمنتدى خولة دنيا، والداعية الإسلامي محمد العمار، ومدير مؤسسة الآغا خان في سوريا الطبيب ماهر أبو ميالة، والكاتب والصحافي السوري كمال شيخو.

وفي حديثه المقتضب أمام الحضور، وعبر صوته الذي ظهرت عليه علائم المرض الواضحة، عبر سيف عن «الفخر في لقائه مع هذه الوجوه الذين تجمعهم القيم وأصحاب القضايا الذين جاؤوا ليبحثوا عن حل لقضاياهم».

وقال: «الحوار هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن توصلنا إلى حلول سهلة من دون أن ندفع المزيد من الخسائر والأثمان»، وبين أن «الأمر لا يجب أن يقتصر على ندوة نتشارك فيها مرة كل أسبوعين، بل علينا أن نفتح ملفات يمكن لنا أن نتابعها بعد انتهاء الجلسات وخلال أيام الأسبوع كافة إلى حين انعقاد الندوة التالية».

وضرب سيف مثالا بالعناوين التي يمكن فتح حوار حولها لإيجاد حل لها مثل «مشكلة الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب الثوار السوريين خلال إسقاط نظام الأسد»، وتابع: «هناك مطالب خارجية لاستبعاد هؤلاء من صفوف الجيش السوري الجديد، وهناك من السوريين من يقول إن الأمر في غاية البساطة وليس علينا سوى إعادة الأجانب إلى الدول التي جاؤوا منها أو حتى تسليمهم لها وتنتهي المشكلة السورية».

وأضاف: «أرى أن الأمر لا يجب أن يذهب في هذا الاتجاه وإنما أن نقتدي بما فعلته ألمانيا مثلا مع مشكلة السوريين الذي لجأوا إليها فقامت باستيعاب أكثر من مليون منهم، ويمكن التفكير بمخارج مشابهة من دون استبعاد الأجانب لكن شريطة أن لا يحتلوا المراكز العليا ولا أن يظهروا في الصفوف الأولى والثانية والثالثة».

وأكد سيف انه «سيبقى خادما لأي نشاط يمكن أن يفيد مستقبل سوريا»، مشدداً على أن «هذا المكان سيبقى مفتوحاً أمام كل من يريد أن يتناقش ويتحاور للوصول إلى حياة أفضل للسوريين».

بدوه أوجز الداعية وعضو مجلس إدارة المنتدى محمد العمار وجهة نظر المنتدى ورسالته عبر إعادة تجديد نفسه بعد تحرير سوريا من الاستبداد، وقال: «نسأل الله أن يوفقنا في البناء والتعمير لوطن جديد تحكمه قيم جديدة تنهي مملكة القمع وتزهر فيه نبتة الحرية والديمقراطية لتصبح شجرة باسقة يتفيأ في ظلالها جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والطائفية والاثنية»، وتابع: «تعيش دمشق اليوم عودة ربيعها التي نطمع أن يصبح فضاء للتعبير الحر المسؤول وبما يعيد بناء الدولة كما نحبها ونتمناها». وبين أن المنتدى هو «مساحة في الزمان والمكان يمكن فيها تبادل الهموم والمواجع وبحث أفق مواجهة التحديات والصعاب وبناء التوافقات على وسائل خدمة المشروع الوطني وتعزيز العمل المشترك وبناء المستقبل»، مؤكدا أنه وعبر الحوار نذهب في اتجاه «استراتيجيات التوافق وآليات العمل الوطني التي نطلع إليها، حيث يتبادل الناس الأفكار بطريقة تعاونية تجسد استكشاف الحلول والأساليب لمواجهة التحديات وإنجاز المهام الوطنية».

وقال إن «الحوار هو طريقنا للعبور إلى توافق القلوب والعقول وبناء الرؤى المشتركة».

وفي بروشور الدعوة الذي تم توزيعه لحضور الجلسة الأولى، قالت إدارة المنتدى «رأينا إحياء جهد أسسه في ليل الاستبداد، البرلماني رياض سيف، أحد الأصوات التي ارتفعت في مملكة الصمت، راجين خلق فسحة لنقاش سوري سوري بنّاء ومثمر»، مشيرين إلى أن «الأوضاع المتغيرة في سوريا والمنطقة والعالم تفرض على جميع السوريين يقظة تامة وجهداً متصلاً يضمن أن يسلك البلد سكة المستقبل بأمان، من خلال ترسيخ دولة المواطنة العادلة، التي تكافئ التضحيات الجسام التي قدمها السوريون». ويعدّ رياض سيف من أبرز الأسماء التي شاركت بما عرف بـ«ربيع دمشق» بداية حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد حين نشطت شخصيات معارضة لإحياء الحياة السياسية والمجتمع المدني في دمشق.

وأسس سيف الذي كان عضواً في مجلس الشعب، مع بداية عهد بشار الأسد، «منتدى الحوار الوطني» في منزله في صحنايا، وطالب بوضع حدٍّ لاحتكار حزب البعث للسلطة وكان من أبرز محاربي هيمنة وتسلط ابن خالة الرئيس رامي مخلوف على مقدرات البلاد وخصوصا على شركة سيرتيل للاتصالات الخليوية، ما أدى للحجز على أمواله ومنشآته الصناعية بعد فرض غرامات كيدية عليه، ومن ثم تجريده من الحصانة البرلمانية وصولا إلى اعتقاله والحكم عليه بالسجن خمس سنوات حتى 2006.

وفي نهاية شباط/ فبراير الماضي تحدثت تقارير إخبارية عن منع الإدارة السورية الجديدة سيف من إعادة فتح منتداه، الأمر الذي نفته ابنته جمانة، مشددة عبر منشور لها على صفحتها على فيسبوك بأن «الخبر غير صحيح في المطلق، لأنه لم يتم في الأصل تقديم أي طلب بخصوص إعادة الافتتاح أو الترخيص»، موضحة أن «سبب تأجيل الافتتاح يعود للتأخير في إنهاء أعمال الصيانة الضرورية والتي تطلبت وقتاً أكثر من المتوقع ومنها توفير التدفئة الضرورية ولو بالحد الأدنى»، ومشيرة إلى أنها «ستنشر إعلان الافتتاح الذي تتمناه قريباً».

القدس العربي

———————————–

الأمم المتحدة: البحث عن المفقودين في سوريا مهمة هائلة لكننا نمضي قدماً

2025.04.25

أكدت المحامية المكسيكية كارلا كينتانا، رئيسة الهيئة المستقلة للأمم المتحدة المعنية بالمفقودين في سوريا، أن البحث عن المفقودين في سوريا “مهمة هائلة”، مشددة في الوقت نفسه على أن الهيئة “تمضي قدماً”.

وفي حوار مع موقع “معلومات العدالة

“، المتخصص بتغطية مبادرات العدالة في مناطق الحروب، قالت كينتانا إن دور الهيئة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا “بات أكثر إلحاحاً من أي وقت” مضى بعد السقوط المفاجئ لنظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد، في كانون الأول الماضي.

وأضافت أن “الواقع قبل وبعد 8 كانون الأول مختلف تماماً، ليس فقط بالنسبة لنا بل لكل السوريين”، موضحة أنه “بات بإمكاننا الآن العمل ميدانياً، وهذه فرصة كبيرة ولكنها تتطلب مجهوداً ضخماً”.

وذكرت المسؤولة الأممية أن هيئة المفقودين أطلقت بالفعل بعثتها الأولى إلى سوريا في شباط الماضي، وتسعى لتنظيم زيارات شهرية، كما طلبت رسمياً فتح مكتب دائم في دمشق، مضيفة أنه “طلبنا من وزير الخارجية السوري، خلال اجتماع المانحين في بروكسل، تقديم تصور رسمي لما يمكننا أن نقدمه، ونحن بانتظار رد الحكومة الجديدة”.

السوريون يقودون البحث ونحن شركاء في الدعم

وأكدت كينتانا أن السوريين يجب أن يقودوا بأنفسهم عملية البحث عن مفقوديهم، مشيرة إلى تجربتها السابقة في المكسيك “لا يمكن لأي جهة أن تفعل ذلك بمفردها، هناك أكثر من 130 ألف مفقود، والعدد الحقيقي قد يكون أكبر بكثير”.

وشددت على أن الهيئة تقدم الخبرات الدولية من مناطق مثل البلقان، والأرجنتين، وغواتيمالا، وقبرص، بالإضافة إلى الدعم المالي والتقني لبناء آلية سورية مستقلة للبحث.

وأشارت إلى أهمية إشراك عائلات المفقودين بشكل مباشر، معتبرة أن “العائلات لديها معلومات أكثر من أي جهة أخرى، وإذا لم تثق بك، فلن تعطيك هذه المعلومات. هذا ليس فقط مسألة أخلاقية، بل جوهرية في البحث”.

ولفت رئيسة هيئة المفقودين إلى أنه “حين كنا في سوريا، كل من التقيناه، من سائق التاكسي إلى النادل، كان لديه قريب مفقود”.

تمويل محدود وبداية مشجعة

وعن ميزانية الهيئة المستقلة للمفقودين، كشفت كينتانا أن ميزانية الهيئة لعام 2025 تبلغ نحو 11 مليون دولار، في ظل تجميد عام للتوظيف بالأمم المتحدة.

وقالت إن الهيئة لديها حالياً 28 موظفاً فقط من أصل 47 مخططاً، إلا أنها أشارت إلى أخبار إيجابية، مثل إنشاء صندوق تمويل طوعي، تلقت فيه الهيئة دعماً مبدئياً من ألمانيا ولوكسمبورغ بقيمة 1.2 مليون دولار، مع وعود بمساهمات إضافية.

وأكدت كينتانا وجود علاقة رسمية مع الحكومة السورية الانتقالية، بعد أن كان الأمر مستحيلاً في عهد الأسد، موضحة أنه “التقيت وزير الخارجية أسعد شعيباني مرتين، وشرحنا له طبيعة عملنا وضرورة أن يكون سورياً بقيادة محلية وبدعم دولي، وقال لي صراحة: نعم، يمكنكم القول إننا سنعمل معاً”.

تعاون أممي مع فصل الأدوار

وعن التعاون مع المنظمات الأممية الأخرى، قالت كينتانا إن الهيئة تعمل بتنسيق مستمر مع اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق والآلية الدولية المحايدة، لكنها شددت على “فصل الأدوار”، حيث تعمل هيئة المفقودين في المجال الإنساني، بينما تعمل الآليات الأخرى في مجال المحاسبة القضائية.

وأشارت المسؤولة الأممية إلى أنه “نتبادل المعلومات بما يسمح به التفويض، ولكن لا نتشارك المكاتب نفسها كي لا نربك الضحايا”.

فيما يتعلق بولاية الهيئة التي تشمل تقديم دعم كافٍ لذوي الضحايا، قالت رئيسة هيئة المفقودين إن “الدعم لا يُحدده موظفو الأمم المتحدة، بل يجب أن يُحدد وفق احتياجات العائلات في أماكن مختلفة من سوريا ومن الشتات”، مؤكدة أن الهيئة تعمل مع الدول المضيفة للاجئين على بناء شبكة دعم نفسي ومجتمعي.

————————–

الأمن السوري يلقي القبض على متورطين في جرائم حرب واعتداءات ضد مدنيين

محمد كركص

24 ابريل 2025

أعلنت وزارة الداخلية السورية، اليوم الخميس، إلقاء القبض على عدد من المطلوبين المتورطين في جرائم حرب واعتداءات بحق المدنيين، وذلك في إطار ما وصفته بـ”العمل المتواصل لتعقب مجرمي الحرب وملاحقة كل من تورّط في سفك دماء الأبرياء”. وقال مدير مديرية أمن دمشق، المقدم عبد الرحمن الدباغ، إن الأجهزة الأمنية تمكنت من إلقاء القبض على المدعو تيسير محفوض في مدينة طرطوس، شمال غربي سورية، وذلك بعد ورود معلومات استخباراتية دقيقة عن مكان وجوده، وبالتعاون مع مديرية أمن طرطوس نُفّذ كمين محكم أفضى إلى توقيفه.

وأوضح الدباغ أن محفوض كان يعمل ضمن فرع الأمن العسكري 215 (سرية المداهمة)، وهو متهم بارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين في أحياء المزة وكفرسوسة بدمشق، إضافة إلى مسؤوليته عن تغييب أكثر من 200 شخص، معظمهم من أبناء تلك المناطق، في سجون النظام السابق. كما ألقى جهاز الأمن العام في العاصمة دمشق، مساء أمس الأربعاء، القبض على محمد تيسير عثمان، المسؤول السابق عن قسم الدراسات في سرية المداهمة 215 التابعة لمخابرات النظام المخلوع، والمتورّط في ملفات اعتقال وتصفية آلاف السوريين خلال سنوات الحرب.

وجاء الاعتقال بعد عملية أمنية استمرت أكثر من عشرة أيام من الرصد والتحقيق، بمشاركة جهات مختصّة، حيث جرى توقيفه دون وقوع أي إصابات. ويعتبر فرع الأمن العسكري “215” المعروف باسم “سرية المداهمة”، والذي كان ينتمي إليه تيسير محفوض، أحد أكثر الأفرع الأمنية شهرة بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، خاصة خلال السنوات الأولى من الثورة السورية في 2011، حيث وُثقت فيه حالات تعذيب واعتقال تعسفي واختفاء قسري طاولت آلاف الأشخاص، بحسب تقارير حقوقية سورية ودولية.

وأكدت وزارة الداخلية عزمها على الاستمرار في ملاحقة كل من “تلطّخت يداه بدماء الشعب السوري حتى ينال جزاءه العادل”، بحسب البيان.

وفي سياق متصل، أعلنت مديرية أمن اللاذقية إلقاء القبض على المدعو عروة سليمان، المتهم بارتكاب جرائم قتل بحق مدنيين، ومشاركته في الحملة العسكرية على مناطق الشمال السوري عام 2019، بالإضافة إلى ضلوعه في الهجوم على مواقع تابعة للجيش والأمن في مارس/ آذار الماضي. وأُحيل سليمان إلى النيابة العامة لاستكمال التحقيقات.

وشهدت الحملة العسكرية على الشمال السوري عام 2019، والتي يُتهم عروة سليمان بالمشاركة فيها، ارتكاب انتهاكات ميدانية واسعة النطاق، شملت قصفاً مكثفاً على مناطق مدنية ونزوح مئات الآلاف من السكان، في إطار سعي نظام بشار الأسد المخلوع وحلفائه حينها للسيطرة على آخر معاقل المعارضة المسلحة في إدلب وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية.

    فرحة اهالي المزة بعد اعتقال المجرم تيسير عثمانالذي كان يخدم في فرع 215 والمتهم بعمليات اجرامية وتغييب5000 الاف مدني سوريالقليل من العدالة الإنتقالية هكذا تكون النتيجةف مابالكم بتحقيقها بشكل اكبر !شكراً للجهات المعنية التي تسعى لتحقيق العدل #سوريا pic.twitter.com/cwlkfzyFSr

    — نور حلبي (@NoorHalabi95) April 23, 2025

كما كشفت الوزارة أن إدارة الأمن العام في ريف اللاذقية ألقت القبض، يوم الثلاثاء الماضي، على مجموعة مسلحة يقودها سموأل وطفة، بعد اشتباك مسلح أسفر عن اعتقال اثنين من أفرادها وضبط أسلحة بحوزتهم. وتُتهم المجموعة بالمشاركة في الهجوم على نقاط للجيش والأمن خلال شهر مارس/ آذار، وبارتكاب جرائم سلب وسطو بحق المدنيين. وتمت إحالة المعتقلين إلى النيابة العامة لاستكمال التحقيقات معهم.

    المجرم المدعو ابومحمد تيسير الذي أودى بحياة المئات من المدنيين والنساء والاطفال بيد جهاز الامن العام pic.twitter.com/EhttijU8zO

    — جميل الحسن (@Jamil_Alhasaan) April 23, 2025

ومنذ الإعلان عن سقوط نظام بشار الأسد، دخلت سورية مرحلة جديدة من التعامل مع إرث ثقيل من القمع والانتهاكات التي امتدت لأكثر من عقد، إذ يتصدر ملف العدالة الانتقالية مشهد ما بعد النظام السابق، وتتصاعد المطالبة بمحاسبة رموزه والمتورطين في الجرائم ضد المدنيين.

وتواصل السلطات الجديدة، التي تسلمت زمام الأمور بعد انهيار مؤسسات النظام السابق، تنفيذ حملات أمنية وعمليات ملاحقة دقيقة تستهدف كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين الذين لعبوا أدواراً محورية في قمع الثورة السورية منذ انطلاقتها في عام 2011، وشملت هذه الاعتقالات ضباطاً بارزين من فروع أمنية مثل الفرع 215 والمخابرات الجوية والمخابرات العسكرية.

العربي الجديد

—————————-

كان وحشا يتلذذ بالرعب”.. معتقلة سورية سابقة تروي ما حدث معها عند دخول الشبيح “تيسير أبو محمد” زنزانتها

وت معتقلة سورية سابقة قصتها مع تيسير عثمان محفوظ، المعروف ب “تيسير أبو محمد” أبرز قيادات ما يسمى “فرع 215” في سجون مخابرات النظام السابق بعد القبض عليه.

فرع الأمن العسكري

وقالت المعتقلة السابقة في سجون الأسد، مروة الغميان في منشور على حسابها على الفيسبوك: “في اعتقالي الثاني، اقتادوني إلى فرع الأمن العسكري 215. كنت أهبط أدراجاً لا تنتهي، أدراجاً وأنا غارقة بالظلام بسبب الطماشة، حتى فقدت القدرة على عدّ الطوابق أو تمييز الاتجاهات. شعرت وكأنني أنحدر ببطء نحو قاعٍ سحيق، قاع لا رجعة منه، ولا ضوء في نهايته”.

هول المجهول

وتابعت: “أدخلوني إلى زنزانة فارغة، موحشة، صامتة كالقبر، لا ينقضي فيها الوقت. جلست وحدي، لا أعلم ما ينتظرني، ولا ما يُراد بي. كنت هناك، جسداً معلقاً بين الجدران، وروحاً تتخبط في العتمة، يرتجف كل ما فيّ من هول المجهول”.

تيسير المجرم

وأردفت: “وفجأة، انفتح الباب بعنف، ودخل تيسير، المجرم الذي لا تزال ملامحه تطل من شقوق ذاكرتي، لا كما يظهر في هذه الصورة، بل كما كان في ذروة سطوته، متجبراً متلذذاً بالرعب الذي يزرعه. لم يكن إنسانا، كان وحشاً في هيئة بشر، خطواته تسحق الصمت، وصوته يشق الروح قبل أن يمس الجسد. في تلك اللحظة، لم أرتجف برداً ولا ألماً، بل رعباً خالصاً تسلل إلى صدري حتى خنق أنفاسي”.

الخوف الذي لا يرحم

وأكملت: “لا تسعفني الكلمات لوصف ذلك الرعب، كيف زحف كالدخان في جوفي، كيف شعرت أنني عارية من كل شيء سوى الخوف، ذاك الخوف الذي لا يرحم، الذي ينزع عنك جلدك طبقة طبقة، ويتركك تهمس في داخلك، متى ينتهي هذا الكابوس”.

عدالة تأخرت كثيراً

وأضافت: “أقول له الآن: جاء دورك لتدخل تلك الزنزانة، لتعرف كيف يهوي القلب في كل لحظة، كيف ينتظر الإنسان شيئاً لا يعرفه، لكنه يعلم أنه مؤلم الآن، ستفهم كيف يرتجف الجسد قبل أن تُمسّه يد، وكيف ينام الخوف في روحك فلا يغادرها، إنها ليست شماتة، إنها عدالة تأخرت كثيراً، لكنها حين وصلت، داوت شيئاً مما تهشّم في داخلي”.

اعتقال تيسير أبو محمد

وأفادت مصادر سورية بأن جهاز الأمن العام في دمشق اعتقل المساعد أول في قوات النظام السابق تيسير عثمان، مسؤول الدراسات في “فرع 215” التابعة لمخابرات النظام السابق، بعد نصب كمين له في حي “المزة”، وتلاحقه اتهامات بقتل وإخفاء عدد كبير من السوريين إلى جانب ارتكابه عمليات سطو.

———————–

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى