جواز سفر مستعجل وسيلة السوريين تحسبا للمجهول/ طارق علي

واقع أمني واقتصادي وسياسي هش ومواطنون يفتشون عن سبل للهجرة
الجمعة 25 أبريل 2025
إقبال غير مسبوق في سوريا للحصول على جوازات السفر، وأكثر من 160 ألف جواز سفر حصل عليها مواطنون منذ سقوط نظام الأسد، ما الأسباب والدوافع؟
منذ سقوط نظام بشار الأسد وحتى الآن، أي في فترة أربعة أشهر، استحصل السوريون على 160 ألف جواز سفر جديد، عدا مئات آلاف آخرين يمتلكون هذه الجوازات، أي إن هناك ما لا يقل عن 40 ألف جواز سفر تُصدر شهرياً، و1300 جواز سفر يومياً، باعتراف وزير الداخلية أنس خطاب وفق منشور على منصة “إكس”، مما يؤشر إلى موجة هجرة جديدة تحاكي نظيراتها التي خبرها السوريون خلال أعوام حربهم الماضية، والجوازات محور البحث تستثني تلك المطلوبة بقصد الحج والعمرة،
فما الأسباب وراء تهافت السوريين للحصول على جوازات سفر؟
مخاوف النصر
لا يمكن إنكار حال القلق التي يعيشها السوريون بعد سقوط نظام بشار الأسد، والأمر لا يعني أنهم غير مستبشرين خيراً بالحكم الجديد، والأمثلة بالنسبة إلى هؤلاء كثيرة، في بلدان عدة، حيث لم يكن سقوط الأنظمة فيها كافياً لتغيير حياة الشعوب نحو الأفضل، بل دخلت تلك البلدان في صراعات محلية وأهلية وعشائرية وأحياناً مذهبية أفضت إلى تقسيمات قائمة على أسس مناطقية لا يسودها القانون، كذلك فإنها عانت ويلات التدخل الخارجي.
البلد الهش
في السياق، وصف الخبير السياسي مفيد تلي سوريا اليوم بـ”البلد الهش الذي يبدو كطفل صغير ما زال يحبو، وقد فقد معظم أحبته وعائلته في مجزرة استمرت أعواماً طويلة، مما يجعل البلد بيئة خصبة للتدخلات الإقليمية والدولية والمناكفات المحلية المبنية على نشوة الانتصار الذي يجب اقترانه بأفعال حقيقية غير إقصائية على الأرض”، وأضاف “الناس متخوفون الآن من الصراعات الداخلية أكثر من الشروط الخارجية، وتأخير تطبيق العدالة مفتاح أي انفلات محتمل، وقد شاهد السوريون في اليومين الماضيين فيديو لعنصر ملثم، اسمه حسن النعيمي كما يعرّف عن حاله، وهو يتحدث أنه بجهاز الأمن، وسيقتل كل متورط بدماء الناس، لأن الدولة لا تقوم بواجبها، وإن تطورت هذه الحال من جديد فهي تعني إخفاقاً أمنياً مجتمعياً يقود نحو مزيد من التفكك، ورأينا مقتل الآلاف من أهل الساحل، الشهر الماضي، في إطار منطلق العدالة الانتقائية والانتقامية المحمولة على عنصري الجهاد والتمرد”.
مزيد من الانتظار
تاريخياً لم تتمكن المعارضة من بناء جسور ثقة مع المواطنين السوريين في الداخل، وتجلى ذلك في أعوام الحرب وما انبثق عنها من مجالس وائتلافات ومكاتب سياسية وعسكرية في الداخل والخارج، وكلها لم تلبِّ طموح السوريين في تحقيق المطلوب على مدى 14 عاماً من الثورة، قبل أن تتمكن “هيئة تحرير الشام” بقيادة رئيس الجمهورية الحالي أحمد الشرع من إطاحة نظام بشار الأسد خلال أيام معدودة، ومن ثم كان الأمر نقطة تحول باتجاه توحيد السوريين، إلا أن هذا الإنجاز ما زال منقوصاً لأسباب عدة من بينها هشاشة البلد ومؤسساته علاوة على قرارات ارتجالية صدرت من الحكم الجديد وفاقمت، في بعض الأحيان، مسار التقدم الذي يحتاج أساساً إلى أعوام للتحديث والتطوير.
على “كف عفريت”
“سوريا الجديدة لنا اليوم، لم تعد مقاطعة لآل الأسد، لكنني أريد تربية أولادي بأمان، والأمان هو كلمة السر لكل هذا الازدحام في مراكز الهجرة والجوازات”، هذا ما قاله الطبيب علي سلمان، الذي حصل على أربعة جوازات سفر مستعجلة له ولزوجته ولولديه، مضيفاً “تكلفة الجواز المستعجل نحو 200 دولار للشخص الواحد، ويصدر خلال أيام قليلة، صحيح أن معظم دول العالم أقفلت تأشيراتها في وجهنا، لكن من يعلم متى تفتح من جديد، وإخراج الجواز الآن متاح، من يدري ماذا يحصل لاحقاً والبلد على كف عفريت”.
ثمن الحياة رصاصة
الأكاديمي والمختص في العلوم السياسية موسى رائد تحدث عن بعض الأسباب التي دفعت السوريين إلى التهافت للحصول على جوازات سفر مستعجلة “من بينها هشاشة الواقع الأمني الذي ما زال يحتكم إلى العرف الثوري الفصائلي المحمول على الأيديولوجية والعشيرة والثأر في كثير من الأحيان، في ظل تهميش نسبي لدور النقابات ومؤسسات العدل والقضاء”، مع خشية متنامية لدى سكان مناطق “الحكومة السابقة” (مناطق نظام الأسد) “من اعتبارهم فلولاً للنظام، ومن ثم فإن استمرار احتكام الشارع إلى السلاح هو مصدر خوف، ومدينة حمص أبرز الأمثلة حيث يقتل المدنيون هناك كل يوم من دون ذنب أو تهم في تصفية شبه ممنهجة يقودها مجرمون وعناصر غير منضبطة يُعقدون الأمر على السلطات الجديدة”.
وتابع رائد “الفوضى الاقتصادية لا تقل خطورة عن تلك الأمنية، فالعملة الوطنية ما زالت منهارة ولا تساوي شيئاً، والأسواق من دون حسيب أو رقيب، مع غياب الاستثمار، أو نية وجود مستثمرين أساساً في ظل هذه الظروف، والبطالة متنامية، وفصل آلاف الموظفين، واستمرار الاعتماد على الحوالات الخارجية مع حبس السيولة الذي يمارسه البنك المركزي، وبقاء العقوبات الدولية، كلها عوامل تزيد من هواجس الناس في البقاء والانتظار بعد أن بات ثمن حياة الإنسان رصاصة لا يساوي ثمنها ليرات قليلة”.
إرث متشابك
في منتصف فبراير (شباط) الماضي عاد المواطن عبدالحميد. ك من الأردن بعد لجوء دام 13 عاماً، وخرج عبدالحميد من سوريا مهجّراً من ريف دمشق عام 2012، وبعد عودته عقب سقوط النظام السابق حاول الحصول على جواز سفر له ولأسرته، لكنه لم يتمكن من ذلك لأنه مطلوب أمنياً من النظام السابق.
وكان عبدالحميد مطلوباً بموجب مذكرات لفرع أمن الدولة في حمص، و”فرع فلسطين” بدمشق، والمحكمة العسكرية بتهم التخابر وتمويل الإرهاب ووهن نفسية الأمة، وهي تهم كانت توضع جزافاً لجميع المعارضين، وحين راجع النيابة العامة والشرطة وسائر المؤسسات المعنية حول أن هذه المذكرات لم يعد لها سند قانوني، ومن ثم فقد سقطت مع سقوط النظام وأجهزته، وعلى رغم ذلك رفضت الهجرة والجوازات منحه جواز سفر حتى تسوية وضعه الذي يجهل مع من يسوّيه في ظل انتفاء وجود الأفرع الأمنية التي أصدرت مذكرات في حقه.
ويطلب عبدالحميد، ومثله كثر، النظر في أمرهم سريعاً والسماح لهم بحرية الحركة والتنقل والعيش وفق القوانين السارية بعد سقوط نظام الأسد، وبأن ما يحصل معهم سواء لجهة عدم تمكنهم من الحصول على جوازات سفر أو تجديد أوراق رسمية أمور غير قانونية.
“لم يعد في العمر أكثر مما مضى”
“هناك ازدحام لا يصدق في مراكز الهجرة والجوازات، قد تنتظر يوماً بأكمله لتحجز دوراً ثم لا تظفر به، فتعود في اليوم التالي”، يقول مدرس اللغة العربية عمران صقر مبرراً قراره بالحصول على جواز سفر “بأن الوضع في سوريا غير مستقر”، لذا سيعمل جاهداً للحصول على عقد عمل في الخارج والسبب تخوفه من “حالات القتل والخطف والتدهور الاقتصادي”.
تشارك المترجمة يارا الرفاعي صقر في مخاوفه من التفلت الحاصل في البلد “كان سقوط النظام أمراً عظيماً، لكن الثورة لم تنتصر بالكامل بعد، ما زالت تحتاج إلى وقت طويل، هي اليوم أمام مرحلة البناء من الصفر، مما قد يتطلب عقوداً لتعود سوريا كما كانت، وأخشى أنه لم يعد في العمر أكثر مما مضى”.
الخيارات الضيقة
خلال الحرب السورية وزمن نظام الأسد أغلق معظم دول العالم أبواب تأشيراته في وجه السوريين، وعلى رغم ذلك نجح الملايين في العبور كلاجئين نحو دول الجوار، أو البر الأوروبي من خلال رحلات الموت البحرية أو الغابات التركية والأوروبية، فيما بقيت دول عدة تستقبل السوريين، لكن الحال تغيرت مع سقوط النظام السابق، وأغلقت دول عدة، وعلى رأسها دول الخليج أبوابها ولو موقتاً، ليتبقى أمام السوريين خيارات أقل من محدودة، غير مرغوبة ومكلفة للغاية وبمعظمها الحصول على تأشيرات سفر سياحية قصيرة الأجل.
وبحسب مصدر في وزارة الخارجية السورية، فإن الدول التي تستقبل السوريين اليوم من دون تأشيرة أو مع تأشيرة عند الوصول هي ماليزيا لمدة 90 يوماً، وإيران 90 يوماً، والدومينيكان 21 يوماً، وجزر كوك 31 يوماً، وساموا 60 يوماً، أما الدول التي تمنح تأشيرة لدى الوصول إليها فهي كمبوديا وقيرغيزستان والمالديف وباكستان وتوفالو وبابوا غينيا الجديدة وسورينام وزامبيا وأوغندا وجنوب السودان وتوغو والصومال ورواندا وموزمبيق ومدغشقر وغينيا وأنغولا وفيتنام.
وغالبية هذه الدول غير مرغوبة للسفر خلاف أوروبا والخليج لقلة فرص العمل أو منع العمل أساساً، إضافة إلى الاصطدام بحواجز اللغة والثقافة وصعوبة الانخراط في المجتمع والكلفة المادية العالية للوصول إليها.