عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 26-27 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة
——————————–
عن دخول شيوخ (دروز) سوريين إلى إسرائيل للمرّة الثانية/ وائل طربية
ما عاد يفيد الكلام بلغة السياسة.. ولا الكلام عن مجد التاريخ يغري – المندلقين من دروز سوريا عند أقدام إسرائيل – حتى على الاصغاء..
ثمّة خلطة عجيبة من التناقضات.. بلادة وصلف وتعالي على أبناء الوطن من جهة، وانسياق وتبعية ودونية واستصغار للذات أمام المحتل، من جهة ثانية..
فما هي اللغة التي يمكن أن تخترق الجدران الصماء لعقول المشاركين، من أصحاب العمائم، بالزيارة، التي ستنطلق بعد ساعات قليلة، إلى مقام النبي شعيب في حطين؟
لنجرب..
بعيداً عن المعاني السياسية لهذه الزيارة وبعيداً عن التعابير التي يتم تسفيهها هذه الأيام، كالالتزام والانتماء والأخلاق الوطنية.. بعيداً عن الكلام عن انتهاك سيادة البلد وسرقة موارده المائية وتدمير بنيته الدفاعية واحتلال أراضيه والاعتداءات اليومية عليه… بعيدا عن كل هذا النقاش السقيم..
لنتكلم في التفاصيل والأشياء الصغيرة..
بعد قليل ستدخل قوات من جيش الاحتلال إلى الأراضي السورية التي احتلتها مؤخراً.. سيكون مئات المشايخ الدروز بانتظارهم، بكامل أناقتهم، وبلباقتهم المعهودة سيلاقون جنود جيش الاحتلال وقواته الأمنية بابتسامات الصباح وبكلمات الشكر والامتنان.. ثم يصعدون الباصات التي ستنقلهم إلى حطين.
يا لروعة هذا المشهد..
كم سيكون مثيراً لو ان طريقهم تمر بجانب القرى السورية المحتلة مؤخراً، ولو يقُيِّض لهم أن يشاهدوا طرقاتها التي جرّفها الجنود الذين يرافقونهم..
أو لو يتاح لهم أن يشاهدوا التخريب في البنى التحتية من شبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي والمرافق العامّة..
أو رؤية الخنادق التي يحفرها جيش دولة الاحتلال الاستيطاني، الذي يقود رحلتهم، لكي يمنع جيرانهم السوريين من الوصول إلى أراضيهم، بعد أن قام بقطع أشجارها..
أو أن يشاهدوا ركام البيوت التي دمرها وأحرقها جنود الاحتلال في بعض القرى الواقعة في المنطقة العازلة.. أو أن يشموا رائحة الجيف المتفسخة لقطعان الماعز التي أعدمها جنود الاحتلال فقط للتنكيل وقطع أرزاق أقرانهم من المدنيين السوريين (من غير الدروز طبعاً) ..
لا نعرف إذا كان بعض هؤلاء الحجاج، إلى مقام النبي شعيب، قد شارك مؤخراً ضمن وفد المعزّين بشهداء مدينة نوى، الذين سقطوا برصاص جيش دولة الابارتهايد الذي يؤمن “الحماية” لهذه الرحلة الميمونة!!!
وكم سيكون الأمر مدهشاً لو أنهم يمرون بساحة الرفيد ليشاهدوا رماد طرود المساعدات الغذائية التي وزّعها جنود الاحتلال الكرماء.. فقام أهالي الرفيد بحرقها.. مع أنهم يؤمّنون قوت يومهم بشق الأنفس.. (هنالك شيء اسمه الكرامة وعزّة النفس).
يصعب تصديق أن الشيوخ المعروفيين لا يعرفون شيئاً عن التنكيل الذي يتعرض له جيرانهم وأهلهم السوريون في القرى المجاورة على يد الجنود الصهاينة – اللطفاء مع الدروز دون غيرهم – أو عن محاولات التضييق على سكان القرى لتهجيرهم ودفعهم إلى مغادرة بيوتهم وأراضيهم..
على كل حال، لن تنجح هذه “التفاصيل الصغيرة” في تعكير صفاء الشيوخ “الروحانيين” ورضاهم عن أنفسهم، فزيارتهم، كما يُرَوَّج لها، دينية بحتة.. أي أنها تقع خارج التاريخ.. خارج كل السياقات..
من ضمن “الأمور الصغيرة” والمثيرة التي يمكن التفكير فيها، ما إذا كان المضيفون، من دروز إسرائيل، قد وضعوا المشايخ الضيوف، من دروز سوريا، في صورة الطقوس التي تجري على أرض الواقع خلال الزيارة..
فمنذ سنوات بدأت “عسكرة” هذه الزيارة.
المعنى أنها لم تعد مجرد زيارة وطقس ديني خاص، وإنما تحولت إلى منصة لخطابات جنرالات الجيش الاسرائيلي ومناسبة لإعادة التأكيد على “حلف الدم” الذي تعاقد عليه بعض دروز اسرائيل مع جيش الاحتلال.
طبعا سيكون تقليلا ًمن ذكاء الشيوخ أن نشرح أكثر عن هذا الحلف، وضد من يتحالف الطرفان..
لا نعلم على وجه الدقة، إن كان الضيوف السوريون سيحظون بشرف الاستماع لخطابات جنرالات جيش الاحتلال صبيحة يوم الزيارة، أو إن كان المضيفون قد فطنوا إلى موضوع الترجمة خلال الاعداد اللوجستي.
وبما أن الشيءَ بالشيءِ يُذكر، فإن الكثير من الشيوخ الوطنيين، من إخوانكم في الجولان السوري المحتل منذ 58 عاماً، درجوا منذ سنوات على الذهاب إلى مقام النبي شعيب في هذه المناسبة، حيث يقضون الليلة السابقة على الزيارة في القراءة والعبادة والخلوة الروحية، ويغادرون المكان قبل شروق الشمس، وقبل أن تصل وفود المشاركين.. وذلك كي يتجنبوا إقحامهم في الطقوس القسرية الدخيلة التي أسرلت وأدلجت وعسكرت ما يفترض أنها ممارسة دينية خالصة.
هذه الزيارة لن تكون الأخيرة في مسلسل تدخلات إسرائيل ووكلائها، واستغلالها لبؤس الناس وشرائها لولاءات بعض المرتزقة الدروز ، والأدوار الملتبسة لبعض القيادات الدينية في السويداء حيالها.
قتامة المشهد الحالي مؤقتة ولا تخلخل الثقة بأن الكلمة الفصل في نهاية هذا المخاض ستكون سوريةً خالصة..
ستكون للوطنيين السوريين من بنات وأبناء السويداء.
الفيس بوك
————————————-
من الشرع إلى الشرع.. هل يُزهر خريف التطبيع السوري مع إسرائيل؟/ رامي الأمين
25 أبريل 2025
مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠.
تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون.
يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون “عادلاً وشاملاً”.
التطبيع بين سوريا وإسرائيل
كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها “الحر” حتى ارتطمت بالأرض.
كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠.
وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.
كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع.
ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.
الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا.
وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة “جيروزاليم بوست”، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.
لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، “فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها”.
وينقل مراسل موقع “الحرة” في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.
المقداد رأى في حديث مع “الحرة” أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل “تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات”.
والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن “سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل”.
تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل.
وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.
بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل “تزهر” المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟
رامي الأمين
الحرة
—————————————
كيف ردت سوريا على شروط تخفيف العقوبات الأمريكية؟
26/4/2025
ردت سوريا كتابيا على قائمة شروط أمريكية لرفع جزئي محتمل للعقوبات، قائلة إنها طبقت معظمها لكن البعض الآخر يتطلب “تفاهمات متبادلة” مع واشنطن.
كانت الولايات المتحدة قد سلمت سوريا، الشهر الماضي، قائمة بـ8 شروط تريد من دمشق الوفاء بها، منها تدمير أي مخزونات متبقية من الأسلحة الكيميائية، وضمان عدم منح أجانب مناصب قيادية في الحكم.
وتحتاج سوريا إلى تخفيف العقوبات حتى يتعافى اقتصادها الذي انهار تحت وطأة حرب امتدت 14 عاما فرضت خلالها الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا عقوبات صارمة في محاولة للضغط على نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وأصدرت الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني إعفاء لمدة 6 أشهر من بعض العقوبات لتشجيع المساعدات، لكن تأثير هذا الإجراء كان محدودا.
وقالت مصادر لوكالة “رويترز” في مارس/آذار إن واشنطن ستمدد هذا التعليق لمدة عامين إذا جرت تلبية المطالب الأمريكية جميعها، وربما تصدر إعفاء آخر.
إجراءات لبناء الثقة
كانت ناتاشا فرانشيسكي نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون بلاد الشام وسوريا قد سلمت قائمة الشروط لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في لقاء جمعهما على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل في 18 مارس/آذار.
وسعى الشيباني في أول كلمة له أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أمس الجمعة، إلى إظهار أن سوريا تلبي بالفعل هذه المطالب، بما في ذلك ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية، والبحث عن أمريكيين مفقودين في سوريا.
وجاءت كلمة الشيباني متوافقة مع محتوى رسالة سوريا الخاصة إلى الولايات المتحدة، التي تتعهد سوريا فيها بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية مهمته البحث عن الصحفي الأمريكي المفقود أوستن تايس.
وأوردت الوثيقة بالتفصيل إجراءات تعتزمها سوريا للتعامل مع مخزونات الأسلحة الكيميائية، ومنها تعزيز روابط الاتصال مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.
لكن الرسالة لم تورد الكثير من التفاصيل عن مطالب رئيسة أخرى مثل إبعاد المقاتلين الأجانب، ومنح الولايات المتحدة الإذن بشن ضربات لما تسميه “مكافحة الإرهاب”.
وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن تلقت ردا من السلطات السورية على طلب أمريكي باتخاذ “تدابير محددة ومفصلة لبناء الثقة”.
وأضاف “نقيم الآن الرد، وليس لدينا ما نقوله في الوقت الحالي”، وأردف قائلا إن الولايات المتحدة “لا تعترف بأي كيان بوصفه الحكومة السورية، وأي تطبيع للعلاقات في المستقبل سيحدَّد بناء على الإجراءات التي تتخذها السلطات المؤقتة”.
المقاتلون الأجانب
جاء في الرسالة أن المسؤولين السوريين ناقشوا مسألة المقاتلين الأجانب مع المبعوث الأمريكي السابق دانيال روبنستاين، لكن المسألة “تتطلب جلسة مشاورات أوسع”، وأن ما يمكن تأكيده في الوقت الحالي هو أن إصدار الرتب العسكرية تم تعليقه.
وحول طلب الولايات المتحدة التنسيق في مسائل “مكافحة الإرهاب والقدرة على تنفيذ ضربات على أهداف إرهابية”، قالت الرسالة إن “الأمر يتطلب تفاهمات متبادلة”.
وشملت الرسالة تعهدا بأن الحكومة السورية الجديدة لن تتسامح مع أي تهديدات للمصالح الأمريكية أو الغربية في البلاد، وتعهدا باتخاذ “الإجراءات القانونية المناسبة”، دون ذكر تفاصيل.
وفي مقابلة في وقت سابق من هذا العام، قال الرئيس السوري أحمد الشرع إن القوات الأمريكية المنتشرة في سوريا موجودة دون موافقة الحكومة، مضيفا أن أي وجود من هذا النوع يجب أن يتم الاتفاق عليه مع الدولة.
عدم تهديد إسرائيل
وذكرت سوريا في رسالتها أنها تأمل في أن تؤدي الإجراءات المتخذة، التي وصفتها بأنها “ضمانات”، إلى اجتماع لمناقشة كل نقطة بالتفصيل، بما في ذلك إعادة فتح السفارات ورفع العقوبات.
وفيما يتعلق بالمسلحين الفلسطينيين في سوريا، قالت الرسالة إن الشرع شكل لجنة “لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية”، وإنه لن يُسمح بوجود فصائل مسلحة خارج سيطرة الدولة.
وجاء إرسال الرسالة قبل أيام فقط من اعتقال سوريا لفلسطينيين اثنين من قياديي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.
وذكرت الرسالة أنه “في حين يمكن أن تستمر المناقشات حول هذه المسألة، فإن الموقف العام هو أننا لن نسمح بأن تصبح سوريا مصدر تهديد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل”.
وأقرت الرسالة أيضا بوجود “تواصل مستمر” بين سلطات مكافحة الإرهاب السورية وممثلي الولايات المتحدة في العاصمة الأردنية عمّان بشأن مكافحة تنظيم الدولة، وقالت إن سوريا تميل إلى توسيع هذا التعاون.
المصدر : رويترز
—————————————–
في ظل الشروط الأميركية.. هل تفرض إسرائيل “سلام الخاسر” على سوريا؟/ محمد سليمان
26 أبريل 2025
تزداد وتيرة النقاش حول شكل العلاقة المستقبلية بين سوريا وإسرائيل، لا سيما في ظل التصريحات التي أدلى بها عضو الكونغرس الأميركي، كوري ميلز، إثر زيارته إلى دمشق، وكذلك تصريحات الرئيس السوري، أحمد الشرع، في حديثه لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وفتحت هذه التصريحات الباب واسعًا أمام التحليل والتأويل، خاصةً مع ارتباطها بالسياق الإقليمي والدولي، وبالمطالب الأميركية وشروط التطبيع. وفي هذا السياق، نقدّم ثلاث مقاربات لثلاثة متحدثين من خلفيات مختلفة: الناشط الحقوقي رامي عزيزة، والناشط السياسي سميح سمرة، والمحلل السياسي بسام السليمان.
فشل الضم وتثبيت الفوضى
الناشط الحقوقي رامي عزيزة أكد أن إسرائيل، على الأرجح، غير مهتمة بضم الأراضي السورية التي تحتلها بشكل رسمي إلى كيانها، باستثناء منطقة القنيطرة. ويُرجع ذلك إلى عجز إسرائيل الديموغرافي عن إشغال هذه المناطق بالسكان، موضحًا أن ضمها دون إجراء تغييرات ديموغرافية أمر غير متوقع، لأن إسرائيل لا ترغب في تحميل جيشها أعباءً أمنية إضافية.
ويتابع عزيزة حديثه قائلًا إن إسرائيل، من وجهة نظره، لا تسعى حاليًا إلى توسيع رقعتها الجغرافية على حساب الأراضي السورية، بل تركّز أولًا على ضم كامل فلسطين التاريخية، وتصفية الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويرى أن الهدف الإسرائيلي في سوريا هو خلق دولة فاشلة وضعيفة، لا تجد أمامها خيارًا سوى التطبيع الأمني كسبيل وحيد لبقاء السلطة وحل أزماتها المعيشية والاقتصادية المتفاقمة.
ويشير عزيزة إلى أن هذا النوع من “السلام”، الذي يسميه بـ “سلام الخاسر”، يشكّل خطرًا كبيرًا على سيادة سوريا ووحدتها، لأنه يجعل من إسرائيل صاحبة القرار في استقرار سوريا أو زعزعة أمنها مستقبلًا. كما يوضح أن إسرائيل لا تكترث بتطبيع العلاقة بين الشعوب أو تحسين صورتها في وعي السوريين، بل تسعى إلى تطبيع أمني يضمن حدودها وسلامة مستوطناتها من أي تهديد مقاوم في المستقبل.
ويختم عزيزة بالقول إن الخطر الأكبر يكمن في أن تتحول الدولة السورية، كما حدث في بعض الدول المجاورة، إلى حارسة لأمن إسرائيل، ما يضعف شرعية أي إدارة سورية مستقبلية أمام شعبها الرافض للتطبيع، ويجعلها تعتمد على شرعية خارجية مفروضة تخدم مصالح قوى كبرى لا تعنيها مصلحة سوريا.
بدوره، يقول الناشط السياسي سميح سمرة لـ”الترا سوريا” إن توقيع اتفاق سلام بين سوريا والاحتلال الإسرائيلي يُعد مسألة قانونية وغير قانونية في آن معًا. ويوضح أن الحكومات الانتقالية، بحسب الأعراف، لا تقوم بإبرام معاهدات سلام، بل تقتصر مهامها على تهيئة الأرضية القانونية والدستورية والشعبية للانتقال إلى دولة دائمة ومتماسكة، دون التورط في تعقيدات الاتفاقات الدولية.
لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن الإعلان الدستوري الصادر منتصف آذار الماضي منح رئيس الجمهورية، في المادة 37، صلاحية تمثيل الدولة وتولي التوقيع النهائي على الاتفاقات مع الدول والمنظمات الدولية. ومن هنا، يرى سمرة أن مسألة توقيع اتفاق سلام مع الاحتلال الإسرائيلي تظل مفتوحة على التأويل، لأن النص لم يُجز صراحةً إبرام اتفاقات سلام، لكنه لم يستثنها أيضًا، إذ إن اتفاقات السلام تندرج ضمن الاتفاقات الدولية التي يملك الرئيس صلاحية توقيعها.
رسائل مزدوجة في تصريحات الشرع
وحول التصريحات الأخيرة للرئيس أحمد الشرع في صحيفة “نيويورك تايمز”، يؤكد سمرة أنها تنطوي على رسائل مزدوجة. ويشرح أن المسار الأول لفهمها يتمثل في كونها ورقة ضغط على الإدارة الأميركية لتعديل شروطها تجاه دمشق، خاصة عبر التلويح باستمرار التزود بالسلاح الروسي، والتحذير من بقاء الفوضى في سوريا، وخاصة أن هذا الأمر تسعى إسرائيل إلى ترسيخه، كما يشير إلى أن التلميح بعدم السماح لأي وجود أجنبي في سوريا بإلحاق الأذى بدول الجوار، يعكس محاولة لطمأنة الأطراف الإقليمية، خصوصًا في ظل التجاذب الحاصل بين أنقرة وتل أبيب.
أما المسار الثاني، كما يتحدث سمرة، فيكشف عن استعداد دمشق لتقديم ما يلزم من أجل الحفاظ على الهدوء الأمني في الإقليم، بما في ذلك أمن إسرائيل من أي تهديد ينطلق من الأراضي السورية. ويربط سمرة ذلك بتصريحات سابقة للرئيس الشرع التي أكد فيها أن دمشق لن تشكل تهديدًا لأحد. كما يستشهد بما أعلنه عضو الكونغرس الأميركي كوري ميلز خلال زيارته لدمشق، حين قال إن الرئيس الشرع أبدى انفتاحًا على تحسين العلاقات مع إسرائيل والدخول في حوار معها.
ويختصر سمرة هذه المقاربة بأن الرئيس الشرع يحاول تمرير ضمانات أمنية لواشنطن وتحالفها، مقابل الحصول على تعديل في شروطهم، لاسيما في ملفي العقوبات والمقاتلين الأجانب.
وعن شكل العلاقة المتوقعة بين سوريا وإسرائيل، في حال تم توقيع اتفاق مستقبلًا، يتحدث سمرة عن نموذج شبيه بالنمط المصري بعد اتفاقية كامب ديفيد، أي سلام وتطبيع دائمين، وليس حالة مؤقتة كما في اتفاق فصل القوات عام 1974. لكنه يُحذر من أن الواقع السوري الداخلي بعد سنوات الحرب والثورة على نظام الأسد لا يمنح دمشق حاليًا موقع قوة تفاوضي، ما سيجعل الاحتلال قادرًا على فرض شروط قاسية، ليس فقط في المجال الأمني، كإقامة نقاط إنذار مبكر أو الحد من الوجود العسكري السوري جنوبًا، بل أيضًا في المجال الاقتصادي.
ويؤكد سمرة أن دروس تجربتي مصر والأردن مع الاحتلال توضح حجم الضرر الاقتصادي الذي لحق بالبلدين من خلال اتفاقيات اقتصادية غير متكافئة، لم تنعكس على الداخل بأي انتعاشة حقيقية، وهو ما يُخشى أن يتكرر في الحالة السورية.
الجولان خارج المعادلة؟
وفيما يتعلق بقضية الأراضي السورية المحتلة، يلفت سمرة إلى أن الكيان الإسرائيلي يصرح بوضوح أن الجولان بات جزءًا من كيانه بشكل دائم، وهو ما يجعل إمكانية التفاوض على هذه الأراضي أمرًا معقدًا للغاية. ويستدرك قائلًا إن ما يمكن التفاوض عليه فعليًا يتعلق ببعض النقاط التي احتلتها إسرائيل بعد انهيار سلطة الأسد، والتي قد تتخلى عنها لاحقًا مقابل ضمانات أمنية ترتبط بشكل الوجود العسكري السوري في الجنوب، من حيث العدد والتوزيع والتسليح.
وفي سياق متصل يرى المحلل السياسي بسام السليمان أن التصريحات الأخيرة للرئيس أحمد الشرع التي نُشرت في صحيفة “نيويورك تايمز” موجّهة بشكل رئيسي إلى الجمهور الأميركي، ومن خلاله إلى صناع القرار في الغرب، لكونها صادرة عن منبر أميركي مؤثر.
ويؤكد السليمان أن القرار السوري في ما يتعلق بعلاقة محتملة مع الكيان الصهيوني، مرتبط بالمسار الإقليمي الأوسع. ويشير إلى أن سوريا لن تخرج عن إطار الإجماع العربي، وخاصة عن التفاهمات الإقليمية التي ترسمها الرياض والدوحة في المرحلة المقبلة.
ويتحدث السليمان عن الأراضي السورية المحتلة، فيرى أنه من غير المرجح أن تستعيد سوريا هذه الأراضي بسهولة، معتبرًا أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم بعض المناطق كورقة تفاوض مستقبلية، في حين يسعى إلى البقاء في مناطق أخرى لتعزيز ما يسميه “الحزام الأمني” حول حدوده.
بين قراءة قانونية متأنية، وتحليل سياسي يستند إلى الواقع الإقليمي والدولي، تتقاطع وجهات النظر حول أن شكل العلاقة السورية مع إسرائيل لن يكون إلا نتيجة موازين قوى تفرض شروطها، ويبقى السؤال مفتوحًا: هل السلام السوري المحتمل سيكون ضرورة وطنية، أم ثمنًا يُطلب دفعه مقابل البقاء؟
الترا سوريا
———————————-
نيوزويك: خفض القوات الأميركية في سوريا يثير انقسامات بين حلفاء واشنطن/ ربى خدام الجامع
2025.04.27
ذكرت صحيفة “نيوزويك” الأميركية في تقرير موسع أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتقليص عدد القوات الأميركية في سوريا أثار ردود فعل متباينة بين حلفاء واشنطن المحليين، بينما عبر شركاء الولايات المتحدة عن استمرار التهديدات الأمنية، وسط تشكيك بعض الأطراف بجدوى هذا القرار.
يورد موقع تلفزيون سوريا هذه الترجمة لتسليط الضوء على تطورات الموقف الأميركي في سوريا وانعكاساته على الداخل السوري، ويؤكد أن ما ورد في التقرير يعبر عن وجهة نظر صحيفة “نيوزويك” ومصادرها ولا يتبنى بالضرورة كل ما جاء فيه.
فيما يلي الترجمة الكاملة للتقرير:
استقطب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب والقاضي بتقليص عدد القوات الأميركية في سوريا ردود فعل متباينة بين الفصائل المحلية، في حين أعرب شركاء الولايات المتحدة عن بقاء التهديدات على حالها، ورأى منتقدو هذا القرار بأنه لم يحقق إنجازاً كبيراً في ذلك الاتجاه.
بعد مرور أشهر من التوقعات بشأن إمكانية تحرك ترمب لتنفيذ هدفه الذي وضعه خلال ولايته الرئاسية الأولى، والمتمثل بسحب قواته من سوريا، أعلن البنتاغون يوم الجمعة الماضي عن البدء بتعزيز الوجود العسكري الأميركي في سوريا، وبحسب الأخبار الواردة، فإن هذه الحركة قد تؤدي إلى إغلاق ثلاث قواعد وخفض عدد الجنود ليصل إلى ما دون ألف جندي، ليقترب ذلك العدد من عدد القوات التي نشرت في سوريا قبل أن يزيدها الرئيس السابق جو بايدن ليصل عدد الجنود إلى 2500 وذلك بحسب ما أعلن عنه في شهر كانون الأول الماضي.
وجود عسكري غير مشروع
ينقسم الوجود الأميركي في سوريا ما بين الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا والتي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي يترأسها الكرد، وبين حامية عسكرية موجودة في المنطقة الجنوبية الشرقية من البادية السورية ضمن منطقة تعرف باسم التنف، ويقوم على خدمة تلك القاعدة عناصر تعرف باسم جيش سوريا الحرة.
أعلنت كلتا الجماعتين المدعومتين أميركياً عن مواصلتهما لدعم الوجود الأميركي الحليف لهما على الرغم من أن كلتيهما تسعيان للاندماج ضمن التحالف الذي يقوده إسلاميون والذي عمل على إسقاط الدكتاتور بشار الأسد في شهر كانون الأول الفائت.
ولكن ماتزال هنالك تساؤلات تحيط بأهداف الوجود العسكري الأميركي في سوريا، بما أن الحكام الجدد لهذا البلد يعتبرون الوجود الأميركي بمنزلة احتلال غير مشروع لبلدهم، بعد أن تبنى النظام البائد للبلد ومؤيدوه الرأي نفسه.
في ظل الأخبار التي رشحت عن الانسحاب الأميركي، علقت على ذلك سينام محمد من واشنطن، وهي ممثلة الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، أي المجلس الديمقراطي السوري، وذلك عندما تحدثت عن القيمة الكبيرة والمستمرة للوجود الأميركي في سوريا، وذلك نظراً لاستمرار التهديد المتمثل بوجود جماعة تنظيم الدولة الإسلامية المقاتلة، وصرحت عن ذلك بقولها: “إن وجود القوات الأميركية مهم عندما نرى في عودة تنظيم الدولة تهديداً للمنطقة بأكملها، فهنالك السجون التي تؤوي الآلاف من مقاتلي تنظيم الدولة، ناهيك عن المخيمات التي تضم أهالي عناصر تنظيم الدولة والتي مابرحت تمثل خطراً وتهديداً، بما أننا نؤمن بأن القوات الأميركية لابد لها أن تمد يد العون ضد أي تهديد من تنظيم الدولة”.
مايزال مصير تلك السجون موضع تساؤل بعد أن أبرمت قوات سوريا الديمقراطية خلال الشهر الفائت اتفاقية تقضي بانضمامها إلى الحكومة المركزية التي يترأسها رئيس سوريا أحمد الشرع، بيد أن محمد ترى بأن الاتفاقية “تسير نحو الأمام على الطريق الصحيح” حتى اللحظة، وتضيف: “نتمنى إقامة نظام لامركزي في سوريا لنحافظ على السلام والاستقرار بشكل دائم”.
إلا أن قوات سوريا الديمقراطية ما فتئت تدخل في صراعات واشتباكات مع غيرها من الجماعات التي كانت في السابق تتبع للمعارضة، والتي أسهمت في إسقاط الأسد، وخاصة الجيش الوطني السوري المدعوم تركياً. ولذلك وقعت أحداث عنف على الرغم من توصل أنقرة إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار خلال الشهر الماضي مع حزب العمال الكردستاني ذي النزعة الانفصالية، والذي يتمتع بعلاقات طيبة مع قسد.
كما أن جيش سوريا الحرة، الذي أعلن قائده في كانون الثاني من هذا العام بأن القوات الأميركية بقيت تلعب دوراً مهماً في محاربة تنظيم الدولة، أعلن عن عزمه على الانضمام إلى الحكومة الجديدة التي يترأسها الشرع يوم الجمعة الماضي، على الرغم من مواصلته للتدريب مع الجنود الأميركيين.
وفي الوقت الذي سعى الشرع لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة منذ أن قاد الهجوم الذي أسقط الأسد، أعلن هذا الرجل بأن الوجود الحالي للقوات الأميركية لا يعبر عن التزام بالقانون الدولي، نظراً لعدم وجود اتفاقيات موقعة بهذا الشأن بين دمشق وواشنطن.
يذكر أن الولايات المتحدة لعبت دوراً في مجال الإشراف على توقيع الاتفاق بين حكومة الشرع الجديدة وبين قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، على الرغم من أن الشرع مايزال مصنفاً كشخصية إرهابية من طرف واشنطن وذلك بسبب ارتباطه في السابق بهيئة تحرير الشام والجماعات التي سبقت تشكلها والتي بايعت تنظيم القاعدة.
هذا وقد جرى التواصل مع وزارة الإعلام السورية ومع جيش سوريا الحرة من أجل التعليق على الموضوع.
تصعيد ينتهي بالتراجع عن القرار
تبنت جهات أخرى موقفاً أقوى ضد الوجود العسكري الأميركي، فالجماعة التي تعرف باسم أولي البأس، أو جبهة المقاومة الإسلامية السورية، والتي شاركت في عمليات ضد القوات الإسرائيلية التي سيطرت على مزيد من الأراضي في الجنوب السوري عقب إسقاط الأسد، شككت بتلك الخطوة الأميركية وبكونها تعبر عن تغير أكبر في الاستراتيجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط، إذ أعلن المكتب السياسي لجماعة أولي العزم بأنه: “بداية، فإن فهم أفاعيل الإدارة الأميركية يوضح حقيقة هذا القرار ويظهر وبكل جلاء الدور الذي لعبته الإدارات الأميركية المتعاقبة في سوريا كما يظهر حجم التنسيق والتوجيه الذي قدمته السلطات الحاكمة في دمشق… ثم إن ترمب اتخذ قراراً مماثلاً تماماً خلال فترة ولايته الأولى، إلا أن تنفيذه يعتمد على الوقائع السياسية وعلى اعتبارات تخص المصالح الأميركية”.
أعلن ترمب في أواخر عام 2018 عن عزمه على البدء بسحب القوات الأميركية بشكل كامل من سوريا، إذ بعد سنة من الهزيمة المنكرة التي مني بها تنظيم الدولة بفضل الحملات المنفصلة التي شنتها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً والحملات التي شنها نظام الأسد الذي كانت إيران وروسيا تدعمانه، بدأ ترمب بإصدار أوامره التي تقضي بإجلاء القوات الأميركية عن عدد من المواقع العسكرية المقامة في الشمال السوري وذلك بموجب الاتفاقية الموقعة مع تركيا في عام 2019.
ولكن في العام نفسه، وقعت اشتباكات بين القوات الأميركية الموجودة في سوريا وجارها العراق وبين الميليشيات المحلية المتحالفة مع إيران، وقد حدث تصعيد إثرها دفع ترمب إلى إصدار أوامره التي تقضي بقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وهو الجنرال قاسم سليماني، وذلك في بغداد عام 2020.
ظهر التوتر من جديد أيام إدارة بايدن، وذلك عند مشاركة ميليشيات موجودة في المنطقة في تحالف محور المقاومة الذي تتزعمه إيران والذي بدأ باستهداف المواقع الأميركية إثر دعم واشنطن لإسرائيل في حربها على حركة حماس الفلسطينية في غزة.
غير أن حركة أولي البأس تعتبر نفسها مستقلة عن أي عناصر فاعلة سواء أكانت محلية أم خارجية، على الرغم من أنها تصف نفسها بأنها جزء من محور المقاومة. إذ بعد الضرر الذي مني به هذا التحالف الذي تتزعمه إيران بسبب سقوط الأسد، والضربات القاصمة التي تعرض لها حزب الله في لبنان عند خوضه لحرب مع إسرائيل، ترى حركة أولي البأس بأن الولايات المتحدة تسعى بشكل مقصود لإبقاء سوريا في حالة فوضى، إذ أعلنت في بيان لها بأن: “سحب أقل عدد من الجنود وإغلاق ثلاث قواعد فقط يمثل حالة توازن جغرافية جديدة في سوريا على حساب استقلال هذا البلد ووحدة أراضيه… لأن النظام الأميركي يعمل على سرقة ثروات سوريا وتأمين الإمدادات الضرورية للكيان الإسرائيلي مع فرض واقع قائم على الفوضى يخدم مصالح الدول الوصائية”.
عبرت حركة أولي العزم عن المزاعم نفسها التي لطالما أعرب عنها النظام السوري البائد والتي تتصل بنهب الولايات المتحدة للموارد الطبيعية السورية، بما أن معظم الوجود الأميركي يتركز في مواقع بشمال شرقي سوريا حول حقول النفط والغاز. أما الآن، فترى هذه الجماعة بأن الولايات المتحدة أضحت في موقف أضعف من أن يساعدها على تعزيز موقفها، وذلك بسبب الصراعات السياسية التي تدور في الداخل الأميركي، وهذا ما توضح من خلال قولها: “إن كل ادعاء تطلقه الإدارة الأميركية ما هو إلا استعراض لصورة غير واقعية عن الأهداف والمطامح التي يسعى المشروع الأميركي لتحقيقها، ليس فقط في سوريا، ولكن في عموم المنطقة.. وإننا نعتقد بأن الوجود الأميركي بات أضعف مما كان عليه في السابق، وذلك بسبب الاحتياجات الأميركية التي ظهرت في الداخل، وبسبب العوامل الجديدة التي لابد لها أن تغير النهج الأميركي الساعي للهيمنة وفرض التفوق العرقي على شعوب المنطقة، وعلى رأسها سوريا”.
وبخلاف قسد وجيش سوريا الحرة، لم تعلن أولي البأس عن سيطرتها بشكل رسمي على أي منطقة سورية، على الرغم من تكثيفها لعملياتها ضد الجنود الإسرائيليين خلال الأسابيع القليلة الماضية.
ومنذ فترة قريبة، أكد مسؤول عسكري إسرائيلي وقوع عدد من الاشتباكات بين الجنود الإسرائيليين والميليشيات الموجودة في الجنوب السوري، وذلك عندما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، خلال الأسبوع الماضي، بأن قواته ستبقى هناك إلى أجل غير مسمى، كما أنها ستبقى في أجزاء من غزة ولبنان، وذلك في ظل النزاع الإقليمي الدائر حالياً.
كما أكد مسؤولون إسرائيليون بأن ما يمارسونه في سوريا هدفه الحد من أي خطر يمكن للحكومة السورية الجديدة أن تشكله، بيد أن الغارات الإسرائيلية التي استهدفت سوريا أثارت انتقادات واسعة في عموم الشرق الأوسط.
اتهامات وتحالفات
وفي الوقت الذي دان الشرع الوجود الإسرائيلي وتكرر الغارات التي تشنها طائرات حربية إسرائيلية في سوريا، لم يصدر أي أوامر رسمية بالرد على تلك الغارات، وقد دفع ذلك التقاعس حركة أولي البأس إلى اتهامه بالتواطؤ مع إسرائيل في عملياتها ضد سوريا، وخاصة بعد إلقاء حكومته القبض على عنصرين من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية يوم الثلاثاء الماضي، بما أن الجهاد الإسلامي يعتبر فصيلاً آخر تابعاً لمحور المقاومة، والذي شارك بشكل مباشر في الحرب ضد إسرائيل.
فما كان من الشرع إلا أن عزز علاقاته مع تركيا، والتي قامت بدورها بتصعيد تحذيراتها ضد إسرائيل وعملياتها في سوريا، مما قد يفسح المجال لظهور تصعيد أكبر بين هاتين الدولتين الحليفتين للولايات المتحدة الأميركية.
ففي مؤتمر صحفي مشترك عقده ترمب في مطلع الشهر الماضي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يشار إليه في بعض الأحيان باسمه الحركي، وهو بيبي، أبدى الرئيس الأميركي إعجابه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعرض الوساطة بين رئيسي الدولتين، شريطة التزام كل منهما بالتعقل والمنطقية.
وخلال ذلك المؤتمر، ورداً على سؤال أحد الصحفيين، قال ترمب: “لقد سبق أن قلت له: “بيبي، إن كانت لديك مشكلة مع تركيا، فأعتقد بأنه بوسعي حلها، إذ كما تعرفون، تربطني علاقة طيبة جداً جداً بتركيا ورئيسها، وأعتقد بأننا بوسعنا حل تلك المشكلة”.
كما أشاد ترمب بأردوغان وبدوره المباشر في إسقاط الأسد وكذلك لأنه “أخذ سوريا” على حد وصفه، على الرغم من إنكار الرئيس التركي ضلوع بلاده بأي دور مباشر في الهجوم المظفر الذي شنه الثوار السوريون لتحقيق ذلك الهدف.
بيد أن إدارة ترمب على مايبدو مايزال يقلقها أمر التدخل المباشر بحكومة الشرع، حتى في الوقت الذي يطالب عدد من أهم الشخصيات في واشنطن بتخفيف العقوبات التي فرضت على سوريا خلال حقبة الأسدين، وعلى رأسهم جين شاهين وجيمس ريش رئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ.
كما أجرى عضوان آخران من الكونغرس وهما كوري ميلز من فلوريدا ومارلين ستوتزمان من إنديانا زيارة غير رسمية لسوريا يوم الجمعة الفائت، أي في اليوم نفسه الذي أكد البنتاغون تقليص الوجود العسكري الأميركي في سوريا، وهناك التقيا بممثلين عن الحكومة السورية المؤقتة.
وفي اليوم نفسه، حذرت السفارة الأميركية في سوريا والتي أغلقت منذ أن قطعت واشنطن علاقاتها مع دمشق بعد عام من اندلاع الحرب السورية في عام 2011 من أن: “وزارة الخارجية الأميركية تتبع معلومات موثوقة تتصل باحتمال وقوع هجمات وشيكة على مقار تشمل أماكن يرتادها السياح”، وأضافت في بيان لها بأنه: “لا يمكن اعتبار أي جزء من سوريا آمناً من العنف، ولذلك تذكر الوزارة المواطنين الأميركيين بأن السياح مايزالون يخططون لعمليات خطف وتفجير وغيرها من الهجمات في سوريا، وقد يشن هؤلاء هجمات من دون سابق إنذار أو بعد تحذير بسيط، ليستهدفوا من خلالها المناسبات العامة والفنادق والنوادي والمطاعم ودور العبادة والمدارس والحدائق ومراكز التسوق ووسائط النقل العامة والمناطق التي تجتمع فيها حشود عريضة… وقد تشتمل أساليب تلك الهجمات على سبيل المثال لا الحصر الاعتماد على مهاجمين أفراد، أو على مسلحين، أو الاستعانة بعبوات ناسفة”.
المصدر: The Newsweek
تلفزيون سوريا
—————————-
مسؤولة أميركية سابقة: الشرع تعهد بألا تشكل سوريا تهديداً لإسرائيل
2025.04.26
قالت باربرا ليف، المساعدة السابقة لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، إن الرئيس السوري أحمد الشرع تعهّد بأن بلادَه “لن تشكل تهديداً لإسرائيل”.
وأضافت المسؤولة الأميركية السابقة، في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية، السبت، أن الرئيس السوري أبدى تفهماً كبيراً للمخاوف الإسرائيلية.
وأوضحت ليف أن الشرع أكد خلال لقاء جمعه بها أنه “لن يسمح لأي جهة أو دولة باستخدام الأراضي السورية لتهديد إسرائيل”.
وتابعت أن الشرع يريد علاقات جيدة مع جميع الأطراف الإقليمية، معتبرةً أن هناك أملاً في فتح “فصل جديد” بين سوريا وإسرائيل في ظل قيادته للمرحلة الانتقالية.
وختمت ليف حديثها بالإشارة إلى أن الشرع كان يثير إعجاب المسؤولين الأميركيين السابقين ببراغماتيته ومصداقيته، مضيفةً: “الزمن وحده كفيل بكشف ما إذا كان قد غيّر بالفعل نهجه السياسي”.
الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا
تصاعدت اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على سوريا بشكل كبير عقب سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول الماضي، حيث شنّت قواته مئات الغارات على المواقع العسكرية التابعة للجيش السوري بهدف تدميرها ومنع إعادة تأهيل بنيتها التحتية.
وتزامنت تلك الهجمات مع عمليات توغل برّي في أرياف دمشق والقنيطرة ودرعا، حيث سيطرت قوات الاحتلال على المنطقة العازلة، ثم انتقلت لتنفيذ عمليات مداهمة في المناطق الحدودية.
وخلال الأيام الماضية، باتت عمليات جيش الاحتلال تأخذ منحى جديداً، إذ لم تعد تقتصر على استهداف المواقع العسكرية، بل بدأت تطول المدنيين أيضاً. ففي 17 من آذار الماضي، قُتل أربعة مدنيين بقصف على درعا، كما قُتل ستة آخرون قبل ذلك بأيام من جرّاء قصف على بلدة كويا في منطقة حوض اليرموك.
ويزعم الاحتلال الإسرائيلي أن هذه العمليات لا تهدف إلى غزو سوريا أو السيطرة على أراضيها، بل تهدف إلى إزالة “التهديدات” من على حدوده الشمالية ومنع “حزب الله” من الحصول على أسلحة جديدة من إيران. ويؤكد مراقبون أن سقوط نظام الأسد غيّر الواقع على الأرض، خصوصاً فيما يتعلق بوجود إيران وميليشياتها.
———————————
تجاوزات إسرائيل الخطرة في سوريا/ شيرا عفرون و داني سيترينوفيتش
هناك رغبة واضحة لدى قيادة تل أبيب في إثبات القوة والعزيمة سواء أمام جيرانها أو جمهورها الداخلي
الأحد 27 أبريل 2025
توسعت العمليات الإسرائيلية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، بهدف إنشاء مناطق نفوذ وضمان أمنها، رغم أن النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع أبدى استعداداً للتعاون وتطبيع العلاقات. استمرار التصعيد الإسرائيلي دون رؤية إستراتيجية يهدد بتأجيج تمرد محلي، ويفوّت على إسرائيل فرصة عزل إيران وتحقيق استقرار إقليمي فعلي.
ازداد النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا عدوانية في الأشهر التي أعقبت انهيار نظام الرئيس بشار الأسد. فقد استولى الجيش الإسرائيلي على المنطقة العازلة التي أنشئت بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 والتي كانت تخضع لرقابة الأمم المتحدة. كذلك نفذ أيضاً ضربات ممنهجة ضد البنية التحتية السورية، إذ قصف شبكات الدفاع الجوي، ومستودعات الأسلحة، وأنظمة الصواريخ، والقدرات الاستخباراتية، وأقام تسعة مواقع عسكرية جديدة. وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، مراراً أن الجيش الإسرائيلي سيبقى في سوريا “إلى أجل غير مسمى”. وفي مارس (آذار) الماضي أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن خطط لإنشاء مناطق نفوذ من خلال عقد تحالفات مع الأقليات داخل سوريا، إضافة إلى إقامة منطقة منزوعة السلاح بطول 30 ميلاً تمتد من الحدود الإسرائيلية إلى دمشق.
يمثل كل هذا تحولاً جذرياً عن نهج إسرائيل الحذر تجاه جارتها الشمالية الشرقية. كثيراً ما رأت إسرائيل أن بإمكانها التعايش مع نظام الأسد والسيطرة على سلوكه. وحين بدأ الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية بعد انهيار النظام في ديسمبر (كانون الأول) 2024، كان الهدف منها في البداية منع وقوع القدرات العسكرية الحساسة في أيدي جهات غير معروفة أو غير موثوقة. أما اليوم، فإن مخاوف إسرائيل من الزعيم السوري الجديد، أحمد الشرع، تبدو مفهومة، نظراً إلى تاريخه السابق مع جماعات إرهابية، ولا سيما أن لقبه العسكري السابق، “الجولاني”، قد يعكس رغبته في تحرير مرتفعات الجولان من الاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك يبدو أن إسرائيل باتت تبالغ في تدخلها. فبعد دخوله دمشق، سارع النظام السوري الجديد إلى تأكيد عدم رغبته في الدخول في صراع مع إسرائيل، بل وطرح احتمال تطبيع العلاقات. صحيح أن من الواجب الحكم على هذا النظام من خلال أفعاله لا أقواله فحسب، لكنه في الوقت الراهن يقدم لإسرائيل فرصة ثمينة لعزل إيران، وتحويل سوريا من خصم إلى جار مسالم، وتحقيق قدر من الاستقرار الإقليمي.
وعلى رغم أن المخاوف الأمنية الحقيقية هي من بين دوافع السلوك الإسرائيلي في سوريا، فإن هناك أيضاً رغبة واضحة لدى القيادة الإسرائيلية في إثبات القوة والعزيمة، سواء أمام جيرانها أو أمام جمهورها الداخلي الذي لا يزال يعاني صدمة فشل الحكومة في حماية حدود البلاد في السابع من أكتوبر 2023. وإذا انساقت القيادة الإسرائيلية خلف رغبة التصعيد والتوسع العسكري، فإنها قد تخلق عدواً جديداً لا وجود له حالياً. كذلك فإنها ستفاقم التوتر مع تركيا، مما قد يدفع البلدين إلى حافة مواجهة عسكرية لا داعي لها. وبدلاً من ذلك، ينبغي على إسرائيل أن توضح أن تدخلها الميداني موقت، وأن تسهم في التخفيف من الأزمة الإنسانية في سوريا، وتتوقف عن تقويض الجهود التركية الهادفة إلى مساعدة الشرع في دعم استقرار البلاد ومواجهة النفوذ الإيراني. كذلك ينبغي على إسرائيل أن تكون مستعدة للعمل مع دمشق، ما دامت الأخيرة لا تقوم بأعمال أو تدعم أطرافاً من شأنها تهديد أمنها.
تحول في التوجه
على مدى نحو ربع قرن من حكم الأسد، أصبحت سوريا جزءاً لا يتجزأ مما يعرف بـ”محور المقاومة” الذي تقوده إيران. عمل الأسد على توثيق تحالفه الإستراتيجي مع “حزب الله”، وأسهم في تحوله إلى قوة مسلحة خطرة من خلال منحه الوصول إلى ترسانة الأسلحة السورية والقدرات الإستراتيجية التي حصل عليها من روسيا، بما في ذلك صواريخ باليستية متقدمة وأنظمة دفاع جوي. وقد تركت حرب عام 2006 ضد “حزب الله” أثراً عميقاً في الوعي الإسرائيلي، إذ اعتبر الحزب تلك الحرب انتصاراً له، بينما قضت إسرائيل العقد التالي وهي محجمة عن محاولة تفكيك هذا التحالف. ومع اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، سعت إسرائيل إلى منع ترسيخ موطئ قدم لإيران و”حزب الله” داخل الأراضي السورية من خلال ما سمته “الحملة بين الحروب”، وهي سلسلة من العمليات العسكرية التي ركزت أساساً على منع تهريب الأسلحة إلى لبنان. وعلى رغم أن إسرائيل لم تعلن دعمها أياً من أطراف الصراع، فإن قادتها فضلوا بقاء الأسد، واعتبروه في أحاديثهم الخاصة “الشيطان الذي نعرفه”، وحرصوا على ألا تؤدي جهودهم في مواجهة النفوذ الإيراني إلى زعزعة حكمه.
لم يتبدل نهج إسرائيل في سوريا على الفور في أعقاب هجوم “حماس” في السابع من أكتوبر 2023. غير أن هذا الهجوم المدمر أطلق العنان للتغيير. فقد كشف الهجوم عن أن إسرائيل أساءت تقدير نيات وقدرات الخصم، وكان من الواضح أن أجهزة الأمن في البلاد اعتمدت أيضاً بصورة مفرطة على المراقبة الإلكترونية لتأمين الحدود مع غزة. وكان الدرس الذي تعلمه كثير من المسؤولين الإسرائيليين هو أن إستراتيجيتهم “الهدوء مقابل الهدوء”، أي غض الطرف عن الاستفزازات الصغيرة لتجنب الصراع الكبير، قد منيت بالفشل. ونتيجة لذلك، غير الجيش الإسرائيلي عقيدته على طول حدود إسرائيل، فراح يركز على العمل الاستباقي وإيجاد ما يسمى المناطق العازلة داخل أراضي الخصوم.
وعلى مدار الـ18 شهراً الماضية، ازدادت رغبة إسرائيل في ترسيخ المناطق العازلة. في مارس الماضي، صرح وزير الدفاع كاتس بأن العمليات البرية الموسعة للجيش الإسرائيلي في غزة تهدف، جزئياً، إلى “الاستيلاء على أراض واسعة” تضاف بشكل دائم إلى “المناطق الأمنية لدولة إسرائيل”. وفي لبنان، وعلى رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع “حزب الله” في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، ومع أن حكومة جديدة أقل تأييداً لـ”حزب الله” قد تولت زمام الأمور في بيروت في فبراير (شباط) الماضي، فإن الجيش الإسرائيلي لا يزال متمركزاً في خمس نقاط إستراتيجية قرب الحدود، بهدف طمأنة المجتمعات الإسرائيلية الحدودية بأنها لن تترك من دون حماية مرة أخرى.
على رغم أن حملة إسرائيل الفتاكة ضد “حزب الله” وجهودها الرادعة ضد إيران، إضافة إلى انشغال روسيا في أوكرانيا، قد تركت الأسد بلا حماية، فإن انهيار نظامه فاجأ إسرائيل. واضطرت إسرائيل إلى تطوير إستراتيجية جديدة حول سوريا على الفور. فتحركت حالاً لتدمير قواعد سلاح الجو السوري والطائرات العسكرية ومستودعات الصواريخ، وعززت تحصيناتها الحدودية، واستولت على المنطقة العازلة التي تراقبها الأمم المتحدة والبالغة مساحتها 145 ميلاً مربعاً. كذلك أقام الجيش الإسرائيلي مواقع جديدة داخل سوريا، وشق طرقاً للوصول إليها، وحفر خنادق، ونشر مئات الجنود هناك.
بداية خاطئة
وعلى رغم ذلك، فإن هذا النهج لا يحمل كثيراً من القيمة الإستراتيجية في الحال السورية، بخلاف ما هو عليه في لبنان، إذ إن النظام السوري الجديد لا يشكل تهديداً وشيكاً لإسرائيل. فقد ظلت الحدود السورية الإسرائيلية هادئة طوال فترة الحرب على غزة، ولم تجبر المجتمعات الإسرائيلية القريبة منها على النزوح. كما شدد القادة الجدد في دمشق مراراً على نيتهم إشراك الأقليات والعلمانيين في الحكم، وبذلوا جهوداً لكسب ثقة الأطراف الغربية. وتخلى نظام الشرع عن الخطاب الرسمي المعادي لإسرائيل، بل تعهد باحترام اتفاق فصل القوات الذي أبرمته سوريا مع إسرائيل عام 1974، والذي نص على وقف إطلاق نار مفتوح الأجل. وقال الشرع في ديسمبر: “لا نريد أي صراع، لا مع إسرائيل ولا مع غيرها”، مضيفاً أنه لن “يسمح باستخدام سوريا كنقطة انطلاق لأية هجمات”.
ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى سيلتزم الشرع هذه الوعود، لكن عوضاً عن التريث وتقييم الموقف، بدأ كثير من القادة الإسرائيليين بالتعامل مع حكومته كما لو أنها عدو محتمل لا محالة. ففي أواخر ديسمبر 2024 غزت قوات الجيش الإسرائيلي منطقتين إضافيتين في الأقل داخل الأراضي السورية، خارج نطاق المنطقة العازلة، ورفعت وتيرة وقوة ضرباتها في عمق سوريا، على رغم أن وتيرة الهجمات انخفضت خلال الأسبوعين الأخيرين. وتقول إسرائيل إن بعض هذه العمليات تهدف إلى حماية الأقليات، ولا سيما الدروز، الذين يعتبرون حلفاء محتملين. لكن كثراً من أبناء الطائفة الدرزية السورية يشككون في صدق نيات إسرائيل، ففي منتصف مارس اندلعت احتجاجات في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، اتهم خلالها قادة دروز إسرائيل بتقويض وحدة الأراضي السورية. ويبدو أن مساعي إسرائيل إلى بناء تحالفات مع الأقليات غير السنية تتعارض مع تطلعات معظم السوريين المنهكين من الحرب، الذين يطمحون إلى بلد موحد ومستقر.
في غضون ذلك، يصر نتنياهو على ضرورة “نزع السلاح” من كامل الأراضي السورية الواقعة جنوب دمشق، وهو هدف يصعب على الشرع قبوله، إذ إن تحقيقه يعني عملياً التخلي عن السيطرة على تلك المنطقة. وتسعى إسرائيل إلى تقويض سلطة الشرع عبر الضغط على الولايات المتحدة للإبقاء على العقوبات المفروضة على سوريا، والتنسيق الوثيق مع موسكو لمساعدة روسيا في الحفاظ على قواعدها العسكرية هناك. ويبدو هذا الانفتاح الإسرائيلي على روسيا محيراً، نظراً إلى أن التدخل الروسي لإنقاذ الأسد قبل عقد من الزمن كان من أبرز العوامل التي عززت النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
ويمثل انعدام ثقة إسرائيل بحكومة الشرع مفارقة أخرى. فقد اتهم القادة الإسرائيليون فريق الشرع بإخفاء نياته الحقيقية، ففي مارس الماضي، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بأن أعضاء فريق الشرع “كانوا جهاديين ولا يزالون جهاديين، حتى لو ارتدى بعض قادتهم البدلات الرسمية”. ومع ذلك فإن إسرائيل تعول على موقف الشرع المعادي لإيران في منع طهران من إعادة ترسيخ نفوذها الإقليمي. وعلى رغم أن تقويض سلطة الشرع قد يعزز سيطرة إسرائيل على المنطقة العازلة في المدى القصير، فإن مصلحتها الإستراتيجية على المدى البعيد تكمن في وجود سوريا مستقرة.
كذلك تعمل إسرائيل على إحباط محاولات تركيا لترسيخ نفوذها في سوريا، إذ أفشلت جهود أنقرة لإعادة بناء قدرات الجيش السوري من خلال قصف قواعد جوية كانت تركيا تسعى إلى السيطرة عليها. وتصاعد في الخطاب الرسمي الإسرائيلي تصوير تركيا كخصم. فقد أشار تقرير حكومي صدر في يناير (كانون الثاني) الماضي عن لجنة مكلفة مراجعة موازنة الدفاع إلى “التهديد التركي”، مدعياً أن تركيا تسعى إلى تحويل الجيش السوري إلى “وكيل تركي في إطار حلمها بإعادة تاج الدولة العثمانية إلى سابق عهده”، وهو ما “يزيد من خطر نشوب مواجهة مباشرة بين تركيا وإسرائيل”. وفي أواخر مارس الماضي، نشر ساعر تدوينة على وسائل التواصل الاجتماعي وصف فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه “معادٍ للسامية” و”يشكل تهديداً للمنطقة”.
يبدو أن القادة الإسرائيليين مصرون على تصور بلادهم كدولة مهددة، ويميلون إلى استبدال تهديد تركي جديد مفترض بالتهديد المتراجع الذي تمثله إيران وحلفاؤها. وقد أسهم أردوغان في توتير العلاقات، إذ شبه نتنياهو بهتلر عام 2024، واتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة. تسعى أنقرة إلى ضم سوريا إلى دائرة نفوذها، مما قد يحد من حرية الحركة العسكرية الإسرائيلية، ويقرب القوات التركية من حدود إسرائيل. ومع ذلك فتركيا ليست خصماً لإسرائيل، فكلا البلدين حليف للولايات المتحدة، ويجمع بينهما تعاون اقتصادي وأمني قوي، وعلى إسرائيل أن تتجنب استعداء أكبر قوة عسكرية في الـ”ناتو” في وقت تخوض فيه حرباً متعددة الجبهات.
تكلفة الفرصة الضائعة
يعكس موقف إسرائيل بالتأكيد عقلية البلاد الأكثر عدوانية على الصعيد الخارجي في مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر 2023. إلا أن ثمة دوافع داخلية أيضاً لهذا الموقف. فقاعدة نتنياهو السياسية تستمتع برؤية منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر دبابات الجيش الإسرائيلي وهي تجوب سوريا. علاوة على ذلك، من المرجح أن ائتلاف نتنياهو يأمل في أن يؤدي توفير الحماية للدروز في سوريا إلى استمالة أفراد من الطائفة الدرزية الإسرائيلية، وكسب تأييدهم. وهؤلاء الدروز مواطنون إسرائيليون مخلصون يخدمون في الجيش الإسرائيلي ومع ذلك يعانون التمييز مقارنة بالغالبية اليهودية في البلاد.
—————————
=========================