العدالة الانتقالية تحديث 29 نيسان 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي
—————————-
العدالة الانتقالية في سورية لا تقبل التأجيل/ أحمد مظهر سعدو
29 ابريل 2025
يقول ياسين الحافظ: “برميل بلا قعر لا يُراكم”، وهو ما نستقي منه الكثير لنقول إنه في حالات الثورات والحروب الكبرى، وإبّان تغيّرات مهمّة تحدُث في الواقعين الاجتماعي والسياسي، فإن من أولويات عمليات إعادة البناء، والمسير في طريق التغيير نحو الأفضل، البدء بحيثيات إصلاحات كبرى وضرورية، تُبنى على أساسها ملاذات الحالة الجديدة المنبثقة من التغيير الكبير الحاصل. ولعلّ من أولويات ذلك عملية الاشتغال حثيثاً وسريعاً من أجل إعلاء وتشييد أساسات صلبة ومتينة، تقوم عليها تلك السياقات العامّة للمجتمع والدولة.
ولا يقوم ذلك أبداً إلا وفق وعي الضرورة، وبناء صرح السلم الأهلي، إذ يؤكّد فقهاء القانون والعدل الإنساني أن أسّ السلم الأهلي المراد إفساح المجال له كي يسود، سيكون بالضرورة انبثاق محددات متينة وقانونية وعادلة، لما يمكن تسميته أممياً بمسألة “العدالة الانتقالية”. ويبدو أن تأخّر إصدار وتشكيل الهيئة العليا للعدالة الانتقالية في سورية، بعد الحدث الكبير في الساحة السورية المتمثّل بإسقاط نظام الاستبداد الأسدي، في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، هو الذي يعيق اليوم مسيرة السلم الأهلي في سورية، ويفتح الباب على مصراعيه لانفلاتات أمنية قد تساهم بشكل عكسي في تهديم أسوار المجتمع، وتفتح الباب لمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان والمجتمع، إذ تتبدّى هذه الانتهاكات وتتمظهر بين الفينة والأخرى، في غير مكانٍ من المدن والأرياف السورية، سواء في الساحل أو الداخل السوريين، كما هو ملاحظ، بسبب تأخّر تشكيل هيئات العدالة الانتقالية، التي تحول (بشكل مباشر وغير مباشر) من دون تحقيق العدالة، للانتقال ميدانياً إلى ما يمكن تسميتها “العدالة الانتقامية”، التي كثرت تجلّياتها ومفاعيلها أخيراً، وهو ما يؤشّر إلى وجود فراغ كبير كانت قد أحدثته حالة التأخير في تشكيل بناءات قانونية لهيئة سورية للعدالة الانتقالية، وهو الأمر الذي لم يعد يقبل التأجيل مطلقاً، وليس هناك ما هو ضروري يسبقه من بناء هيئات أو مؤسّسات سورية اليوم.
الإسراع حالياً في إنتاج هيئة (أو هيئات) للعدالة الانتقالية بات ضرورةً مجتمعية، يتحدّث عنها معظم الشارع السوري، ويتطلّع إلى محاسبة الجاني والمجرم الذي ما زال طليقاً، قبل أن يتعثّر به أهل الضحايا، ويقيمون عليه الحدّ على طريقتهم، أي بطريقة الثأر الشعبية البدائية، التي لا ترتقي أبداً إلى مرتبة سيادة القانون، ولا تواكب حالة التغيّر الكبير الثوري الذي حصل، بل إنها تعيد إنتاج حالة التصادم والاستعداء والاصطدام والتعدّي مرّات أخرى، وهي سوف تتراكم من جديد إن لم توقف مباشرةً واقعة نزيف مزيدٍ من الضحايا، حتى لو كان معروفاً عنهم أنهم مجرمون، إذ إن ما يحدّدهم مجرمين صدور قرار قضائي بعد محاكمة عادلة يريدها الجميع.
لعلّ الاستمرار في عملية المماطلة في تشكيل هيئة العدالة الانتقالية في سورية، بعد كلّ ما جرى، بات غير مفهوم، وهو لن يبني وطناً حرّاً، كما أنه إن تأخّر أكثر، سوف يعوق كثيراً أيّ حالة لإنتاج دولة المواطنة وسيادة القانون، التي حلم بها السوريون منذ خُطف الوطن السوري من الأدوات الأمنية، والعسكرتاريا السورية، تحت حكم آل الأسد، الذين فسدوا وأفسدوا البلد ونهبوا خيراته، مع صبيحة 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1970.
ويبدو أن الوقت لا يزال ملحّاً لإصدار تشكيلات قانونية للعدالة الانتقالية منتقاة من أهل العدل والحقّ والوعي والعقلانية السياسية، ليتم بذلك إنجاز الخطوة الأهم في طريق بناء الوطن السوري والدولة السورية المدنية، قبل أن يفوت الوقت، ويجري العبث بالسلم الأهلي ممّن له المصلحة كلّها في بعثرة (وتشتيت) الواقع السوري الجديد وتخريب السلم الأهلي. وإذا كانت هناك خطوات مهمّة قد جرت في سورية، على كثير من الأصعدة، نحو إقامة الدولة الوطنية السورية، فإن هناك الكثير الكثير من المتطلّبات والضرورات التي لا يزال مطلوباً تحقيقها، وما زالت سورية في مرحلة البناء التي تحتاج مزيداً من الوعي والإدراك، وتخطّي المعوقات، التي ما انفكّت تعتبر تحدّيات كبرى ومهمّة وصعبة المراس، ليس آخرها موضوع العدالة الانتقالية، كما ليس أوّلها تعدّيات إسرائيل على مجمل الجغرافية السورية، ثمّ العزف على الوتر الطائفي ومسألة الأقليات، التي تدّعي إسرائيل أنها حامية لها، فهناك تحديات وطنية سورية كثيرة، وهناك ما يتراكم من مسارات للعديد من المتطلبات الداخلية والخارجية، وصولاً إلى حالة الوقوف على ذؤابة الفعل الوطني الممكن، وتهيئة الظروف الواقعية والحقيقة لإقامة الدولة السورية الوطنية الديمقراطية، المندمجة في الواقع العربي المحيط، وألا تبقى في حالة تنافر معه بأيّ شكل من الأشكال.
باتت صيغة العدالة الانتقالية ضروريةً ومطلوبةً بحقّ، وبسرعة، وهي وحدها (فيما لو أنجزت) يمكن أن تضع القضايا كلّها في مساراتها الوطنية الصحية، وتنتج واقعياً محدّدات العدالة الانتقالية المطلوبة والمعروفة أممياً، ومنها ما هو أهم، أيّ عبر جبر الضرر، وتحقيق العدل وإعادة الحقوق إلى أصحابها الذين وقع عليهم الظلم والحيف، وسيكون ذلك بالقانون، وليس بأساليب البلطجة، أو التعدّيات بقوة السلاح وقوة امتلاك السلطة، وهي وحدها التي سوف تهدئ النفوس وتنتج حالات المسامحة المطلوبة، بعد وصول الحقّ إلى أصحابه، ولولا ذلك، وعلى غير هذين الهدي والمسار، لا يمكن أن نخرج (نحن السوريين) في هذه اللحظة الزمنية الصعبة من عنق الزجاجة، ولا يمكن أن تشيّد بناءات الوطن الديمقراطي المبتغى، الذي ضحّى السوريون في طريقهم إليه، بما ينوف على مليون شهيد، على مذبح الحرية، وأكثر من 900 ألف معتقل، وأزيد من مليون ونصف المليون معوّق حرب، سقطوا بيد الجلّاد المستبدّ.
العربي الجديد
————————-
مواجهة الأشباح… السلم الأهلي وبناء الثقة/ سمر يزبك
29 ابريل 2025
يُستخدم مصطلح “السلم الأهلي” في سورية كما لو أنه علامة على عودة الحياة إلى طبيعتها، لكنّه توصيفٌ مُضلِّل، لا لأنه غير دقيق فحسب، بل لأنه يتغافل عن سؤال أعمق: ما معنى “الحياة الطبيعية” بعد كلّ ما جرى قبل سقوط النظام وبعده؟ وهل الصمت المتبادل بين السوريين استقرار، أم خوف مؤجَّل؟
الرهان اليوم لا يتعلّق بمنع السلاح، بل بكيفية التعامل مع ما خلّفه من انقسامات في الوعي، فما حدث لم يكن بين غرباء، بل بين أبناء الوطن الواحد، وقد ارتكز على تصنيفاتٍ حادّة: خائن، عميل، شهيد، طائفي، وطني، شبّيح. هذه المفردات، وإن تراجعت من الخطاب الرسمي بعد سقوط النظام، ما تزال حاضرةً في الأحاديث، في النظرات العابرة، وفي صمت القرى الصغيرة وخوفها المتراكم. السلم لا يُفرض من أعلى. لا تصنعه اللجان، بل يُبنى من الأسفل: من تفكيك الخوف، ومساءلة السرديات التي شرعنت العنف، وترميم الثقة بين الأفراد والمجتمعات. وحتى اليوم، لم يشهد السوريون مراجعةً حقيقيةً لما حدث، ولا اعترافاً متبادلاً بالخطأ، ولا حتى بدايةً لمسار عدالة انتقالية، ولو رمزية. الدولة والمجتمع معاً يتعاملان مع الذاكرة كأنّها عبء يُستبدل به الصمت.
في مناطق كثيرة، يُختزل “التعايش” إلى مجاورة حذرة. يتفادى الناس الصدام لا لأنهم تصالحوا، بل لأنهم أُنهكوا من الخسارات. الخوف لم يغادر، بل غيّر وجهه: هناك من يخاف من السلطة الجديدة، من الجار، من الكلمة، من نفسه. والسلطة بدل أن تكون وسيطاً راعياً للثقة، تكتفي بدور الرقيب الصامت الذي يمنع الانفجار من دون أن يزيل أسبابه. في الأحياء المختلطة طائفياً، أو تلك التي شهدت تبدّلاً في السيطرة، يظهر توتّر صامت يشبه هدنةً غير معلنة. كأن الناس اتفقوا على قاعدة ضمنية: لا نتحدّث عن الماضي، لا ننبش، لا نُكثر من الأسئلة. لكن هذا “السلام” القائم على النسيان القسري سرعان ما ينهار عند أول احتكاك، لأن ما لم يُقل لا يموت، بل يُكنس تحت البساط. ورغم تكرار مصطلح “السلم الأهلي”، تغيب أدواته الحقيقية: لا برامج لإعادة دمج وتعويض الضحايا، ولا حتى البحث عنهم بالحدّ الأدنى؛ لا إعلام يعترف بتعدّد الروايات؛ لا حوارات تشاركية، ولا نقاش عام، ولا سردية وطنية مشتركة عمّا جرى. والأسوأ أن من يطرح هذه الأسئلة يُتّهم بإثارة الفتنة، وكأنّ المشكلة في مَن يُشير إلى الجرح، لا في الجرح ذاته.
السوريون اليوم عالقون في ما يشبه “الزمن المؤجَّل”: لا عودة ممكنة إلى ما كان، ولا أدوات لتجاوز ما حدث. حالة من التجميد الرمزي تُغذّي غياب الثقة، ليس فقط بين الفرد والدولة، بل بين السوريين أنفسهم.
ليست المصالحة نصاً قانونياً، بل عملية لإعادة صياغة العلاقة بين الذات والآخر، بين الفرد والمجموعة، وبين الجماعة وسرديتها عن نفسها. في هذا السياق، تصبح الذاكرة عبئاً شخصياً. لا أحد يريد أن يسمع من الآخر ما رآه أو عاشه. ومع الوقت، يُستبدل بالألم الصمت، ثمّ التأقلم القسري. وهكذا، يتحوّل السلم الأهلي غلافاً هشّاً، أشبه بواجهة بناء مرمّمة، تخفي خلفها شقوقاً داخلية تواصل التمدّد.
بناء الثقة لا يتم بالشعارات، بل من خلال الممارسة اليومية؛ في المدرسة، حين يُسمح بتعدّد الروايات؛ في الإعلام، حين يُتخلّى عن خطاب الغلبة؛ في القضاء، حين تُفتح أول نافذة للعدالة؛ وفي السياسة، حين يُعترف بالعمق الاجتماعي للنزاع. السلم ليس غياب الحرب، بل حضور عقد اجتماعي جديد، يعترف بما جرى، ويعيد تعريف معنى العيش المشترك. وهذا لا يتحقّق من دون سياسة عامّة تجاه الذاكرة، تُقرّ بأن الوطن لا يُبنى بالنسيان، بل بالجرأة على القول. لأنّ العنف، في النهاية، لا يبدأ بالسلاح، بل بالمعنى الذي لا يُقال، وبالتاريخ الذي لا يُسأل.
العربي الجديد
——————————
ماذا وراء إفراج دمشق عن مسؤولين بنظام الأسد؟/ باسل المحمد
28/4/2025
في الوقت الذي يطالب فيه السوريون بتحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة المتورطين بجرائم الحرب والانتهاكات بحق أبناء الشعب السوري، لا تزال الإدارة السورية الجديدة تتبع نهجا حذرا في إقرار آليات واضحة للعدالة الانتقالية.
وفي حين تتوالى إعلانات الأمن العام القبض على عدد من المسؤولين الأمنيين والعسكريين المتهمين بارتكاب جرائم في عهد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، أطلقت خلال الأشهر الماضية سراح عددٍ منهم أو أبرمت تسويات معهم.
ويشير المنتقدون إلى أن هذه الإفراجات لم تُسبق بأي خطوات قضائية معلنة، ولم تتبعها تبريرات رسمية.
ويعد فادي صقر أحد قادة مليشيا الدفاع الوطني من أبرز الأسماء التي أفرج عنها النظام، إضافة إلى محمد حمشو الذي يعد الذراع الاقتصادية للرئيس المخلوع، واللواء طلال مخلوف القائد السابق في الحرس الجمهوري، الذي ظهر في أحد مراكز التسويات.
كما تفاجأ السوريون بظهور وزير الداخلية الأسبق محمد الشعار على شاشة إحدى القنوات التلفزيونية بعد أيام من تسليم نفسه للأمن العام، دون معرفة ما إذا كان قد أطلق سراحه.
وترى شريحة واسعة من السوريين أن إطلاق سراح هذه الشخصيات يمثل نكسة للعدالة، ويعيد إنتاج ثقافة الإفلات من العقاب التي اتهم بها النظام المخلوع.
ويتساءل آخرون هل هذه المصالحات ضرورة أمنية أم تسوية سياسية على حساب دماء الضحايا؟ وما الذي يدفع الحكومة الجديدة لتجاوز المحاسبة في مرحلة يفترض أنها تأسيس لدولة العدالة والقانون؟
عدالة انتقامية
رغم تأكيد الرئيس السوري أحمد الشرع خلال مؤتمر النصر أنه منذ إطلاق العمليات العسكرية، لم يصدر عفواً عمن ارتكب جرائم منظمة، وأن الحكومة مستمرة بملاحقة “الرؤوس الكبيرة المجرمة”، فإن غياب المحاكمات العادلة لرموز النظام، وعدم وجود مسار واضح لتطبيق “العدالة الانتقالية” لحد الآن رغم النص عليه في الإعلان الدستوري، أدى إلى تعاظم مشاعر النقمة بين السوريين الذين فقدوا أحباءهم وتعرضوا لانتهاكات جسيمة، مما يفتح الباب واسعا لعمليات الثأر الفردي.
ويحذر مراقبون من أن سياسات العفو إن لم تقترن بمحاسبة ومكاشفة قد تتحول إلى شرارة جديدة لصراعات داخل المجتمع، مما يسهم في تقويض جهود المصالحة الوطنية، خصوصاً في مناطق لا تزال تعاني من انقسامات عميقة نتيجة لسنوات من العنف والانتهاكات.
وفي هذا السياق، كشف معهد دراسة الحرب في واشنطن، عن تصاعد لافت في وتيرة العمليات التي تنفذها مجموعات معارضة سابقة ضد عناصر من نظام بشار الأسد، في ما وصفه المعهد بـ”العدالة الانتقامية”، وذلك رداً على فشل الحكومة الانتقالية السورية في محاكمة ومحاسبة المتورطين في جرائم بحق السوريين.
ووفق التقرير الصادر في 21 أبريل/نيسان الجاري، شكّل مقاتلون معارضون سابقون في مدينة حلب “قوة مهام خاصة” هدفها اغتيال عناصر من النظام السابق، وبدأت هذه القوة بتعقبهم في أنحاء من المحافظة.
ويذكر التقرير عدداً من عمليات الانتقام منها ما وقع في محافظة حمص، عندما أقدم مقاتل (معارض سابق) في 20 أبريل/ نيسان الجاري على قتل قناص من جيش النظام، قال إنه تسبب بمقتل أفراد من عائلته خلال سنوات الحرب، حيث ذكر المقاتل أنه قدّم سابقاً شكوى رسمية ضد القناص، لكن تجاهل السلطات لقضيته دفعه لـ”أخذ العدالة” بيده.
ويشير المعهد إلى أن هذه العمليات -مهما كانت دوافعها- تعكس غياب آليات العدالة الانتقالية، وتؤكد أن تجاهل ملفات المحاسبة يعيد إنتاج دائرة العنف.
وفي 11 يناير/كانون الثاني الماضي تداول ناشطون صوراً لإعدام ميداني بحق مختار حي دمر بدمشق مازن كنينة، المتهم بالتعاون مع سرية المداهمة 215 المسؤولة عن اعتقال وقتل العشرات، إلا أن وكالة الصحافة الفرنسية ذكرت أنها لم تتمكن من التحقق من صحة الصورة والمقطع بشكل منفصل.
أولويات داخلية
يبدو واضحا من خلال مراقبة تعامل الحكومة السورية مع ملف أتباع النظام المخلوع أنها تعمل على تحقيق توازن دقيق بين ضرورات العدالة من جهة، ومتطلبات الاستقرار الأمني والاجتماعي في المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا من جهة أخرى.
وبناء على ذلك، يرى مراقبون أن إطلاق سراح بعض الشخصيات، لا يعكس تجاهلاً لجرائم المرحلة السابقة بقدر ما يعبر عن محاولة لاحتواء التوترات الداخلية.
وتعليقاً على ما سبق، يوضح الباحث في مركز الحوار السوري نورس العبد الله، أن النهج العام للسلطة حالياً يتوجه نحو تحقيق الاستقرار، وتقديم أولويات القضايا الحالية على معالجة انتهاكات النظام المخلوع.
وتتمثل دوافع الحكومة السورية لاتباع هذه السياسة -بحسب حديث العبد الله للجزيرة نت- في معالجة المناطق الملتهبة والشرائح الاجتماعية التي كانت حاضنة للنظام، مما يشجع مسلحي نظام الأسد، كتلاً وأفراداً، على ترك السلاح وتسليمه، ويساعد على حقن الدماء مقابل عدم الملاحقة.
ويستدرك العبد الله أن هذا النهج قد يكون مفهوماً ومقدراً من قبل السوريين بشرط أن يستثني المسؤولين عن الجرائم الكبيرة والانتهاكات الجسيمة، وأن يكون مؤقتاً لحين البدء بمسار العدالة الانتقالية.
من ناحيته، أفاد مصدر سياسي خاص في دمشق للجزيرة نت بأن غاية الحكومة من كل هذه الإجراءات هو تثبيت أركان الحكم في هذه المرحلة، وبحسب المصدر فإن الشرع شدد في لقاءته على أهمية إعطاء الأمان لرؤوس الأموال الكبيرة التي كانت مؤيدة للنظام في سبيل تشجيعها لمتابعة عملها مقابل دعم الدولة بنسبة معينة.
وأضاف المصدر أن العفو عن بعض الشخصيات الكبيرة جاء في سياق سعي الحكومة لاستقطاب الحاضنة الشعبية التي تنتمي إليها هذه الشخصيات، لترسيخ دعائم السلم الأهلي.
وكان الرئيس الشرع أوضح في تصريحات سابقة أن هناك خيطًا رفيعًا مهمًا جدًا بين العدالة الانتقالية والسلم الأهلي، مضيفاً “إن فرطنا في حقوق الناس، فهذا سيؤثر على السلم الأهلي، وإن تشددنا بالمطالبة في حقوق الناس، أيضًا سيؤثر على السلم الأهلي، وستحصل حالة من الفزع”.
رسائل خارجية
لا تقتصر حسابات العفو عن بعض رموز النظام المخلوع على التوازنات الداخلية فقط، إذ يرى مراقبون أنها تحمل رسائل خارجية أيضاً، تسعى من خلالها الحكومة إلى تقديم نفسها للعالم كدولة تتجنب سياسات الانتقام وتحترم مبادئ العدالة الانتقالية من جهة، وتعكس صورة سوريا الجديدة البعيدة عن أن تكون نسخة عن ممارسات النظام السابق من جهة أخرى.
وبعد سقوط النظام، أعلنت الإدارة السورية الجديدة عفواً عاما عن جميع العسكريين المجندين في صفوف قوات النظام، إلى جانب إنشاء “مراكز تسوية” في جميع المحافظات لتسليم الأسلحة وتسوية أوضاعهم، بشرط عدم تورطهم في مجازر أو جرائم حرب.
وفي هذا السياق، يرى عميد كلية الحقوق في جامعة حلب، إسماعيل الخلفان، أنه بالإضافة إلى سعي الحكومة لكسب كل أطياف الشعب السوري من خلال حالات العفو عن بعض رموز النظام، فإن هذه الإجراءات تحمل رسائل سياسية خارجية، تخاطب من خلالها المجتمع الدولي.
وتستخدم سياسة العفو هذه، بحسب حديث الخلفان للجزيرة نت، كأداة دبلوماسية لتقديم الحكومة الجديدة كسلطة مسؤولة ومتسامحة مع كل فئات وطوائف المجتمع السوري، مما يعزز جهودها في الحصول على الدعم وتوسيع الاعتراف الدولي بها.
وينفي الخلفان وجود أي ضغوط دولية في هذا المجال بشكل رسمي، لأن هؤلاء الأشخاص ارتكبوا جرائم ومسؤولون عن انتهاكات، “لكن ربما يكون هناك مطالبات بشكل غير مباشر من بعض الأطراف لتقصي الحقائق وتهدئة الوضع، والتريث بالمحاسبة ليس إلا”.
ومنذ سقوط النظام، تكررت مطالبات المنظمات الحقوقية الدولية لتحقيق العدالة، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، إذ أكد رئيس لجنة التحقيق الأممية بشأن سوريا باولو بينيرو أن اللجنة مستعدة للتعاون مع الإدارة السورية الجديدة لملاحقة مرتكبي الجرائم في عهد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد ومحاكمتهم أمام القضاء الدولي.
وأضاف، في مقابلة صحفية في 11 يناير/كانون الثاني، أن هناك آلافا من مرتكبي الجرائم في عهد الأسد يجب محاسبتهم.
من ناحيته، قال المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، في إحاطة له أمام مجلس الأمن، في 12 فبراير/ شباط الماضي، إنه أوضح للسلطات المؤقتة في دمشق أن بعثته مستعدة لتقديم المشورة والدعم في مختلف المجالات، وأشار المبعوث الأممي إلى أن من مسؤولية السلطات العمل على إطار شامل لإحقاق عدالة انتقالية في سوريا.
معوقات في طريق العدالة
رغم المطالبات الشعبية بمحاكمة رموز النظام المخلوع وأتباعه من المتورطين في الانتهاكات والجرائم، فإن خبراء قانونيين يشيرون إلى وجود عقبات تواجه سوريا الجديدة في طريق تحقيق العدالة خلال هذه المرحلة، وتتمثل هذه العقبات بغياب المؤسسات القضائية المستقلة، وافتقار المنظومة القانونية إلى بنية متماسكة وموثوقة.
وفي حديثه للجزيرة نت يلخص المحامي والباحث في القانون الدولي، محمد الحربلية، هذه التحديات بالنقاط التالية:
فساد المنظومة القضائية، إذ لا يخفى على السوريين أن المحاكم الوطنية كانت أدوات في يد أجهزة الأمن لشرعنة جرائمها بحق السوريين، ولذلك فإن هذه المنظومة لا يمكن أن تؤتمن على ملف العدالة ولا تحظى أصلا بثقة السوريين.
ويتمثل التحدي الثاني بإنشاء محكمة جنائية خاصة، لأن الجرائم التي ارتكبها رموز النظام تصنف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية.
ويحتاج النظر في هذه الجرائم -يضيف الحربلية- إلى قانون إنشاء محكمة جنائية خاصة لمحاكمة كبار المسؤولين، وهو ما يتعذر حصوله في الوقت الراهن في ظل عدم وجود سلطة تشريعية لسن هذا القانون.
بدورها، أنشأت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قاعدة بيانات شاملة تتضمن تفاصيل الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد ومسؤولوه طيلة 14 عاما، وتضمنت القوائم أسماء 16 ألفا و200 شخص ثبتت مسؤوليتهم عن الجرائم أو ارتباطهم بها.
وفي سياق متصل، يوضح عميد كلية الحقوق في جامعة حلب، المحامي الخلفان، أن الحكومة الحالية غير قادرة على إصدار قوانين؛ لأن رئيس الجمهورية بموجب الإعلان الدستوري لا يملك صلاحية تشريعية، كما لا يوجد حالياَ مجلس شعب من أجل سن التشريعات.
لكن الخلفان شدد في هذه الحالة على ضرورة أن تطمئن الحكومة الشعب بعزمها على المحاسبة والمحاكمة لكل المجرمين، خاصة وأن الإعلان الدستوري نص على العدالة الانتقالية وعلى آلياتها، إذ كلما تأخرت معالجة هذا الملف، تزعزعت الثقة بهذه الحكومة.
وكان وزير الدفاع، مرهف أبو قصرة أكد في لقاء مع تلفزيون “العربي”، على أن التسويات لا تلغي عملية المحاسبة القانونية اللاحقة، وهي لضبط الأوضاع وعدم السماح بالفوضى، وتثبيت الوضع الحالي ريثما يتم التعاطي مع هؤلاء الأشخاص عن طريق السلطات المختصة، مؤكدا أن “من عليه قضايا جنائية أو تعذيب يجب محاسبتهم عن طريق المؤسسات القضائية”.
المصدر : الجزيرة
—————————–
نشوة العدالة الغائبة.. سيكولوجيا أهالي ضحايا النظام في سوريا/ حمدان العكله
2025.04.28
طالما كانت العدالة تطلعاً إنسانياً نبيلاً، لا ينطفئ وهجه حتى في أحلك الظروف، فهي تعبير عن التوق الإنساني للكرامة والمعنى، وقد شغلت موقعاً مركزياً في الفكر الفلسفي، منذ أفلاطون الذي رأى فيها انسجاماً بين عناصر النفس، إلى كانط الذي اعتبرها تجسيداً للإرادة الأخلاقية الحرة، فالإنسان، بطبيعته، يتوق للعدل كما يتوق للحياة، لأن غيابه يربك المعنى ويقوض التماسك النفسي والمجتمعي، وفي السياق السوري، حيث ارتُكبت جرائم ممنهجة لعقود، تتحول العدالة الانتقالية من مطلب قانوني إلى ضرورة وجودية ونفسية لأهالي الضحايا، إنهم لا ي
طالما كانت العدالة تطلعاً إنسانياً نبيلاً، لا ينطفئ وهجه حتى في أحلك الظروف، فهي تعبير عن التوق الإنساني للكرامة والمعنى، وقد شغلت موقعاً مركزياً في الفكر الفلسفي، منذ أفلاطون الذي رأى فيها انسجاماً بين عناصر النفس، إلى كانط الذي اعتبرها تجسيداً للإرادة الأخلاقية الحرة، فالإنسان، بطبيعته، يتوق للعدل كما يتوق للحياة، لأن غيابه يربك المعنى ويقوض التماسك النفسي والمجتمعي، وفي السياق السوري، حيث ارتُكبت جرائم ممنهجة لعقود، تتحول العدالة الانتقالية من مطلب قانوني إلى ضرورة وجودية ونفسية لأهالي الضحايا، إنهم لا يسعون فقط إلى إدانة الجناة، بل إلى ترميم الكرامة المهدورة واستعادة ثقتهم بعالم يعترف بالألم الإنساني، وهنا، تصبح العدالة فعل مقاومة للعبث، وأداة لإعادة بناء الذات والمجتمع، من خلال المحاسبة والاعتراف العلني بالمعاناة.
في لحظة الإعلان عن اعتقال أحد رموز النظام السوري المتورطين في جرائم ضد الإنسانية، لا تنبثق مجرد ردة فعل وجدانية بسيطة لدى أهالي الضحايا، إنما تنفجر سلسلة مركبة من التفاعلات النفسية العميقة التي تعكس تعقيد التجربة الإنسانية في مواجهة الظلم المستمر، تتقاطع في تلك اللحظة مشاعر الفرح المباغت، بوصفه بارقة من الأمل، مع الحزن العميق الذي يرسّخ استذكار الفقد، والغضب الكامن الذي يعيد إحياء صدمة الإفلات من العقاب، وأخيراً الريبة التي تطرح تساؤلاً مؤلماً: هل هذه الخطوة فعلاً بداية لمسار عدالة حقيقي، أم مجرد إجراء شكلي لا يتجاوز كونه استجابة دعائية مؤقتة؟
إنَّ هذه المشاعر المتضاربة تنبع من قاع الوعي الجمعي المثقل بجراح تاريخية لم تندمل، وكما أشار عالم النفس كارل يونغ(Carl Jung): “الظل لا يختفي، بل يواجهك حين لا تتوقعه”، إن هذه المقولة تعبّر بدقة عن حالة أهالي الضحايا الذين، في تلك اللحظة، يواجهون ظلال القهر والخذلان المتراكم، إنها لحظة اصطدام نفسي بين الماضي والمستقبل، حيث يعود المقموع إلى السطح ليطالب بالاعتراف، كما تُضيء الطبيبة النفسية إليزابيث كوبلر روس (Elisabeth Ross) هذا المشهد من خلال نظريتها حول مراحل الحزن، حيث تشير إلى مرحلة “الأمل الخادع” التي تلي مشاعر الحزن العميق، وتُغري المصاب بأن شيئاً من الإنصاف قد يتحقق، في الحالة السورية، تتجسد هذه المرحلة بوضوح في تجربة أهالي الضحايا الذين يجدون أنفسهم عالقين بين رغبة مُلحة في تصديق إمكانية العدالة، وخوف دفين من أن تكون هذه النشوة مجرد سراب، هذه المفارقة النفسية تُحدث ارتباكاً داخلياً: بين التصديق والشك، بين الرغبة في النشوة وبين الخوف من تكرار الخذلان.
وهنا تكتسب مقولة الفيلسوف الفرنسي بول ريكور أهمية خاصة، حين يقول: “العدالة هي ذاكرة المستقبل”، فالعدالة، من هذا المنظور، ليست فقط تسوية قانونية للماضي، بل هي أيضاً الضامن الرمزي لمستقبلٍ لا يتأسس على النسيان أو الإنكار، لذلك، فإن اللحظة التي يُعتقل فيها أحد الجناة يمكن أن تفهم على أنها إجراء عقابي، وفعل رمزي يحمل في طياته محاولة لاستعادة المعنى في وجه عبثية الألم. إنَّ نشوة أهالي الضحايا في هذه اللحظة ليست إذاً تعبيراً عن انتقام، بل هي استعادة رمزية لمعنى الفقد، وتأكيد على أن الغياب لم يكن بلا جدوى، كما لو أن صوت الضحية يعود في تلك اللحظة ليهمس في ضمير العالم: “أنا لم أمت عبثاً”، بهذا المعنى، تتحول لحظة الاعتقال إلى تجربة وجودية تتجاوز بعدها الإجرائي، وتغدو محطة محورية في رحلة طويلة نحو إعادة الاعتراف بالكرامة البشرية المهدورة، واستعادة الأمل بعد طول إنكار.
إنَّ الاعتقال الفردي أو المحاسبة الرمزية، مهما بدت للوهلة الأولى مشجعة، إلا أنها لا تمثل نهاية الطريق نحو تحقيق العدالة، إنما هي مجرد خطوة تمهيدية لا تكتسب معناها الكامل إلا إذا اندرجت ضمن إطار عدالة انتقالية شاملة ومتكاملة، فالمساءلة الحقيقية لا تقتصر على محاكمة الأفراد، إذ إنها تتطلب بنية مؤسساتية تكرّس الاعتراف الرسمي بالضحايا، وتضمن استمرارية المساءلة، وتُحدث تحولاً عميقاً في البنية القانونية والسياسية، لترميم الشرخ المجتمعي وإعادة بناء الثقة في مفهوم الدولة والعدالة، وإن غياب هذا المسار الشمولي يُبقي الجراح النفسية مفتوحة، ويحول دون تحقيق التعافي الفردي والجماعي، فكما يقول الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين(Giorgio Agamben): “ما لم يُقال، يعود بطريقة أخرى”، وبالمثل، فإن الألم الذي لم يُعترف به علناً يتحول إلى عبء داخلي مزمن، يعيد إنتاج ذاته في صيغ اجتماعية ونفسية معقدة، في هذا السياق، تصبح لحظة “نشوة العدالة” — أي تلك الاستجابة العاطفية الأولى التي تعقب خبر المحاسبة — مجرد ومضة عابرة، لا تملك القوة الكافية لتغيير البنية النفسية العميقة التي تشكلت على مدار سنوات القمع والخذلان.
وقد أكدت الدراسات النفسية المعاصرة، لا سيما في حقل علم النفس الصدمي(Trauma Psychology)، أن غياب العدالة المستقرة والمُعترف بها مؤسسياً يؤدي إلى ما يُعرف بـالصدمة المستمرة أو الصدمة المعقدة (Complex Trauma)، وهي حالة يعيش فيها الأفراد في حالة دائمة من الترقب واللايقين الوجودي، مما يؤثر على توازنهم النفسي، وسلوكهم الاجتماعي، وحتى رؤيتهم لذاتهم والعالم من حولهم، فالعدالة المؤجلة لا تشفي الجرح، بل تُعيد إنتاجه في أشكال أكثر خفاءً، لأنها تُخفيه خلف أقنعة جديدة من الإنكار أو الإنهاك أو الانفصال العاطفي.
ختاماً، إن نشوة أهالي الضحايا ليست سوى لحظة مركبة من الانفجار العاطفي الذي ينطوي على عمق تاريخي وشخصي شديد التعقيد، هي لحظة قد تحمل في طياتها بوادر شفاء، لكنها لن تكون كافية من دون خطوات مؤسسية عادلة، صادقة، ودائمة، كما قال أرسطو: “العدالة هي الفضيلة الكاملة، لأنها تمارس لا من أجل الذات، بل من أجل الآخر”، وبهذا المعنى، فإن تحقيق العدالة في سوريا هي من أجل الضحايا، ومن أجل إنسانية الجميع، وهي وضرورة نفسية وأخلاقية لا غنى عنها من أجل ضمان سلام داخلي حقيقي، وإعادة نسج علاقة صحية بين المواطن والدولة، وبين الفرد وتاريخه الشخصي والجمعي.
تلفزيون سوريا
—————————–
سوريا المرعوبة من العنف الطائفي تحلم بالعدالة الانتقالية/ عبد الحليم سليمان
50 قتيلاً في حمص وحدها خلال شهر واستمرار عمليات الانتقام بأرياف اللاذقية وطرطوس وحماة
الثلاثاء 29 أبريل 2025
منذ بداية مارس الماضي دخلت سوريا نفق الانتقام الطائفي، خصوصاً بعد الأحداث التي شهدها الساحل السوري، فيما تجري أعمال عنف في مناطق أخرى بصورة انتقائية، وسط غياب تشكيل هيئة خاصة بالعدالة الانتقالية في البلاد، مما يزيد من مخاوف شرائح سورية مختلفة من تداعيات تلك الجرائم على الصعيدين الداخلي والخارجي.
حينما بدأت إدارة العمليات العسكرية التي قادتها “هيئة تحرير الشام” بزعامة الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع بشن العملية العسكرية تجاه ريف حلب والسيطرة على المدينة ثم حماة وحمص وانهيار النظام في العاصمة وبقية المناطق التي كان يسيطر عليها قبل قرابة ستة أشهر، كان التسامح وعدم الانتقام الفوري سمة عامة لتحرك لتلك الفصائل السورية المنضوية ضمن تلك الغرفة العسكرية المعارضة.
الرئيس السوري عند وصوله إلى سدة الحكم وبقصد بث الطمأنينة بين السوريين رفع شعار تحقيق العدالة الانتقالية من خلال كلمته في مؤتمر “الحوار الوطني”، معلناً نيته تشكيل هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية في البلاد، لكن عقب ذلك بأيام وبالتحديد في السادس من مارس (آذار) الماضي شهد الساحل السوري عمليات قتل واسعة طاولت المدنيين في ما عرف بـ”أحداث الساحل” التي غلب عليها طابع القتل الطائفي للسوريين العلويين من قبل الفصائل المسلحة إثر تعرض عناصر قوى الأمن العام الحكومية للاعتداء من قبل مسلحي “فلول النظام السابق”.
تقدر التقارير الحقوقية ومراكز الرصد والتوثيق عدد القتلى جراء الأحداث التي وقعت في بدايات مارس الماضي بنحو 1700 شخص بينهم شيوخ ونساء وأطفال، بل إن عائلات كاملة قضت نحبها جراء تلك الهجمات، خصوصاً في أرياف الساحل السوري، في حين أن الآلاف من العلويين فروا إلى لبنان، وآخرون التجأوا إلى القاعدة الروسية في حميميم، وفريق ثالث ترك منازله وتوارى في الأحراش والغابات المجاورة لقُراه.
الانتقام الانتقائي يتسع
كذلك توالت عمليات القتل في الأيام التالية، إذ سجل المرصد السوري مقتل نحو 50 شخصاً خلال شهر أبريل (نيسان) الجاري فقط في مدينة حمص ومناطقها، وذلك على خلفية الانتماء الطائفي، وجاء في تقرير صادر عنه السبت الماضي، أنه “مع غياب العدالة الانتقالية تحولت الهوية الطائفية أداة للصراع والتحريض مما يسهم في خلق بيئة خصبة للعداوات المستمرة، ويعرقل جهود بناء سلام مستدام قائم على العدل والمواطنة المتساوية”. وأوضح أن المرصد السوري وثق منذ مطلع الشهر الجاري مقتل 49 مواطناً، هم 42 رجلاً و6 سيدات وطفل في محافظة حمص نتيجة استمرار العمليات الانتقامية على أساس طائفي في حق أبناء الطائفة العلوية، وفي ظل التجييش الطائفي الذي يؤدي إلى تأجيج الانقسامات وفتح الباب أمام عمليات انتقامية مدمرة تعصف بالحياة المدنية.
وعلى رغم تشكيل لجنة تحقيق مستقلة بقرار من الرئاسة السورية في التاسع من مارس الماضي للتحقيق في أحداث الساحل، فإن نتائج هذه التحقيقات لم تعلن بعد، لا سيما أن الرئاسة مددت مهمة عمل اللجنة لثلاثة أشهر تالية على أمل أن تنهي أعمالها خلال هذه الفترة.
وتطالب الأطراف الدولية دمشق بالتسريع في إعلان نتائج التحقيقات والحد من أعمال العنف التي تحدث على أساس طائفي، وخصوصاً في الساحل السوري، وبرزت تلك المواقف الدولية بصورة جلية في جلسة مجلس الأمن الخاصة بالملف السوري في الـ25 من الشهر الجاري، والتي حضرها وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وقدم فيها المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسون إحاطة عن مجمل الأوضاع، وركز فيها على أحداث العنف التي حدث في الساحل، وقال إنه التقى أفراداً من الطائفة العلوية أثناء وجوده في دمشق خلال الفترة الماضية، وسمع منهم روايات مروعة عن العنف الذي حدث.
من جهتها قالت القائمة بأعمال المندوب الدائم للولايات المتحدة في مجلس الأمن دوروثي شيا إنهم يتوقعون جراء قرار السلطات الموقتة تمديد ولاية لجنة التحقيق المستقلة في شأن أعمال عنف الساحل، استغلال هذا الوقت في زيارة جميع المواقع التي ارتكبت فيها “الفظائع” ومقابلة أكبر عدد ممكن من الناجين وإعداد تقرير شامل يفضي إلى اتخاذ إجراءات من قبل السلطات الموقتة، كما يتوقعون أيضاً محاسبة جميع الجناة، وبخاصة الشخصيات البارزة أو الذين يشغلون مناصب قيادية، موضحة أن “هذا سيرسل رسالة واضحة إلى جميع السوريين مفادها ألا أحد فوق القانون في سوريا الجديدة”.
وأشار الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا إلى أن المناطق الساحلية في سوريا لم تتعافَ بعد من الأحداث المأسوية الأخيرة، موضحاً أن نتائج عمل لجنة التحقيق وتقصي الحقائق “ستشكل أساس العلاقات المستقبلية بين دمشق والمجتمع العلوي، وكذلك الأقليات العرقية والدينية الأخرى”.
تأخر نحو المجهول
إلى جانب هذه المواقف الدولية تنتاب السوريين الخشية من استمرار دوامة العنف في حال استمرار عمليات الانتقام كالتي تحدث في مناطق مختلفة في البلاد، وقال مصدر سوري رفض الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية، إن حالات انتقاء انتقامية تحصل في مناطق عدة في سوريا، بما فيها أحياء في العاصمة دمشق من عناصر غير معروفة، وغالباً تحدث في ساعات الليل، وغالبية هؤلاء من المتورطين في أحداث عنف مع النظام السابق، في حين ترفض الجهات الحكومية التعليق على مثل هذه الأحداث.
لكن الأكثر إثارة لمخاوف السوريين هو استمرار عمليات الانتقام في المناطق التي يقطنها العلويون، لا سيما في أرياف اللاذقية وطرطوس وحماة وحمص، بخاصة أن هذه الأعمال تجري بصورة متكتمة ومن دون الكشف عن ملابساتها لوسائل الإعلام، وفي حادثة في العاصمة دمشق قتل أربعة أشخاص بمسدسات كاتمة للصوت، وكشف نشطاًء المرصد السوري لحقوق الإنسان تفاصيل الحادثة المريبة، حيث دخل مسلحون مجهولون يستقلون سيارة من نوع “سنتافيه” إلى حي “عش الورور” في دمشق، واجتازوا حواجز الأمن العام عند المدخلين الرئيسين للحي، واغتالوا أربعة مواطنين من الطائفة العلوية، وهم أعضاء مجلس صلح لحل النزاعات الصغيرة في الأحياء، من دون استدعاء الأمن العام، بحسب المرصد.
ووفق إحصاءات المرصد، فقد بلغ عدد ضحايا السلوكيات الانتقامية والتصفية منذ مطلع عام 2025 في محافظات سورية متفرقة 558 شخاصاً لدواعٍ طائفية في الغالب.
هذه الأعمال تشكل عقبة كبيرة أمام سوريا الجديدة في مجالات عدة، لا سيما الاجتماعية والسياسية، فما جرى في الساحل السوري يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، حيث تسلمت النيابة العامة الفرنسية في بداية أبريل الجاري دعوى قضائية ضد رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع وعدد من وزرائه بتهمة “الإبادة الجماعية والتطهير العرقي” وارتكاب جرائم ضد الإنسانية بسبب تلك الأحداث، وهي مقدمة من قبل المحامي بيدرو أندروجار نيابة عن “التجمع الفرنسي – العلوي”، وفي حال قبول الدعوى من قبل القضاء الفرنسي وتمكُّن المحققين من إثبات الأدلة فإن من شأن ذلك فتح الباب أمام الولاية القضائية العالمية للمحاكم الفرنسية.
يقول الكاتب الصحافي السوري سلام حسن لـ”اندبندنت عربية” إن تأخر العمل على العدالة الانتقالية ربما يفاقم من سوء الأوضاع، ومع غياب القانون وغياب وجود سلطة مركزية للدولة على كافة المساحة السورية، إضافة إلى وجود السلاح المنفلت وغير المنضبط والفصائلية، سيتأخر اللجوء إلى المحاكم، معتقداً أن السير نحو العدالة الانتقالية سيترافق عكسياً مع نسبة الجرائم أو الانتهاكات أو الأفعال الانتقامية والثأرية، “فكلما اتجهنا نحو القانون والدولة والعدالة الانتقالية ستقل هذه الأفعال في المدى المنظور لأن العنف لا يولد إلا العنف والأحقاد”.
———————————–
الجالية السورية في واشنطن: موافقة أميركية مبدئية على دراسة تعليق العقوبات على سوريا
28 أبريل 2025
كشف عضو الجالية السورية في الولايات المتحدة، محمد غانم، أن رئيس لجنة العلاقات الخارجية وعضو لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي، جيم ريش، وافق على دراسة تعليق العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، وذلك في إطار دعم جهود التعافي الاقتصادي خلال المرحلة الانتقالية التي تشهدها البلاد.
وأوضح غانم في منشور عبر حسابه الرسمي على “إكس” أن هذا الاجتماع هو الثاني من نوعه مع المشرع الجمهوري خلال نيسان/أبريل الجاري، مضيفًا أنه نُظم بمشاركة “مجموعة شخصيات من خلفيات عدة مسلمة ومسيحية، نساءً ورجالًا”. كما تخلل الاجتماع مشاركة عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب كوري ميلز، الذي تحدث عن “انطباعاته الإيجابية ومشاهداته واجتماعاته مع الرئاسة والحكومة في سورية وما دار بينهما من نقاشات”، خلال زيارته التي أجراها مؤخرًا إلى دمشق.
وأضاف غانم أن الجالية السورية في واشنطن شددت “على ضرورة رفع العقوبات بشكل كامل” عن سوريا، مؤكدًا أن هذه الخطوة ستسهم في “إعادة الاستقرار لبلد شهد تدميرًا ممنهجًا”، حيثُ جرى التنويه خلال الاجتماع إلى الأوضاع الاقتصادية والإنسانية المأساوية في سوريا.
وشدّد المشاركون على أهمية تبني واشنطن سياسة داعمة لإعادة بناء سوريا، بالإضافة إلى تسهيل عودة اللاجئين بتأمين السكن وفرص العمل والتعليم، مؤكدين على ضرورة “الحفاظ على مكاسب طرد إيران وحزب الله وتقليص النفوذ الروسي”، فيما أكد المشرع الجمهوري على أهمية ربط تخفيف العقوبات بالتزام الإدارة السورية الجديدة بتعهداتها الدولية.
وبحسب منشور غانم، فإن ريس وافق خلال الاجتماع على “دراسة تعليق كافة العقوبات على سوريا”، وذلك بهدف “إعطاء البلد الفرصة التي تحتاجها حاليًا”، لافتًا إلى أن هذا “هو التغيير الثاني” الذي تحققه الجالية السورية في التأثير على موقف المشرع الجمهوري خلال شهر واحد.
وبالإضافة إلى ملف العقوبات الأميركية، بحث المجتمعون أيضًا “استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإعادة افتتاح السفارات والقنصليات”، حيثُ أكد ريش أنه سيتم مناقشة جميع هذه القضايا خلال اجتماعه مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.
وكان ميلز قد قال في مقابلة مع “التلفزيون العربي” إنه ناقش مع الرئيس السوري، أحمد الشرع، مجموعة من المسائل الأمنية لفهم طبيعة الانتقال السياسي في سوريا نحو الحوكمة والديمقراطية الحرة في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد.
كما كشف أنهما تطرّقا إلى علاقة سوريا مع إسرائيل، موضّحًا أن الرئيس السوري عبّر عن انفتاحه على تحسين العلاقات مع إسرائيل، والانخراط في حوار معها، وربما الانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام”.
وبحسب ميلز، فإن الشرع أبدى استعداده لاتخاذ خطوات تحول دون نقل الأسلحة عبر الأراضي السورية لمهاجمة إسرائيل، مؤكدًا سعيه إلى بناء علاقات جيدة مع جميع الدول المجاورة. وفي السياق ذاته، أشار إلى أن الشرع أعرب عن مخاوفه من محاولات إيران زعزعة استقرار سوريا.
ولفت ميلز إلى أنه تطرق خلال المحادثات مع الشرع إلى العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا في عهد النظام السابق، مؤكدًا أن رفع العقوبات مسألة تعود إلى إدارة ترامب، وترتبط بجملة من المعايير يجب على الإدارة السورية ضمانها.
وشملت هذه المعايير، وفقًا لميلز، ضمان ألا تصبح سوريا أداة بيد النظام الإيراني، وأن تكون واشنطن قادرة على تنفيذ العمليات في الإقليم، بالإضافة إلى وقف أشكال الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي، والمعتقد الديني. وأضاف مشددًا على أن الوصول إلى “شرق أوسط مستقرّ، يستلزم وجود دول مثل سوريا على طاولة المفاوضات”.
———————————
مستقبل سوريا: هل يحكم “الشرع” الفراغ بعد إسقاط “الأسد”؟/ أحمد منصور
سوريا ما بعد “الأسد” و”الشرع”: تقاطع المصالح الدولية وتحديات السلطة الفصائلية في المرحلة الانتقالية
2025-04-28
يمثل سقوط نظام الأسد وتنصيب أحمد الشرع على رأس السلطة الانتقالية منعطفاً حاسماً، إلا أن طبيعة هذه السلطة المنبثقة عن تحالفات فصائلية هي بذاتها متباينة من حيث إختلاف التكوين والمصالح، تثير تساؤلات جوهرية حول شرعيتها ومدى استقرارها وقدرتها على إدارة المرحلة الانتقالية المعقدة، تستطيع أنْ تحكم الفراغ بعد إسقاط الأسد.
إذا بدلاً من سلطة مركزية قوية تعيد هيكلة مؤسسات الدولة، وتنقل ولاءها من مراكز النفوذ في الدولة إلى الدستور والحكومة، مع مراعاة ضرورة تطوير أدائها لخدمة واقع إداري جديد يضمن استقرار سوريا، نجد أن سوريا تم وضعها أمام وبين سلطة حديثة العهد، مدعومة بتحالفات فصائلية، لكل منها أجندتها ومصالحها الخاصة.
هذا الواقع الجديد يفرض تحديات مضاعفة. فالسلطة الجديدة تفتقر إلى التجربة الإدارية والسياسية اللازمة لحكم البلاد، وبالتالي قد تكون عرضة للانقسام والتناحر الداخلي بين الفصائل المكونة لها. كما أن شرعيتها قد تكون موضع شك من قبل قطاعات واسعة من المجتمع السوري، التي لم تشارك في عملية إختيارها و تنصيبها أو ترى فيها ممثلاً حقيقياً لتطلعاتها.
في هذا السياق، يزداد تعقيد تفاعل الجهات الدولية والإقليمية. فبدلاً من التعامل مع سلطة مركزية منتخبة واضحة المعالم، أصبح يتعين عليهم التعامل مع ائتلاف هش من الفصائل، لكل منها دعم محلي وإقليمي ودولي مختلف. وقد يؤدي هذا إلى نشوب صراعات بالوكالة وتصعيد التوترات الإقليمية.
ووفق تباين المصالح الدولية لا بدَّ من تسليط الأضواء على دور تلك الدول ومنها:
الولايات المتحدة، التي تصر على الإبقاء على العقوبات، قد تنظر إلى هذه السلطة الفصائلية بعين الريبة، خشية من عدم قدرتها على فرض الاستقرار أو تحقيق تغيير حقيقي، أو من وقوعها تحت نفوذ أطراف لا تتوافق مع مصالحها.
روسيا، من جهتها، قد ترى في هذا الواقع فرصة لتعزيز نفوذها من خلال دعم فصائل معينة أو لعب دور الوسيط بينها.
الصين، كعادتها تركز على ضمان مصالحها الاقتصادية، وقد تتعامل بحذر مع سلطة غير مستقرة.
الاتحاد الأوروبي، يقدم مساعدات إنسانية، قد يجد صعوبة في توجيه هذه المساعدات بشكل فعال في ظل وجود سلطة فصائلية غير مركزية.
دول الخليج متناقضة المصالح، التي قد تكون دعمت بعض هذه الفصائل في السابق، قد ترى في هذه السلطة الجديدة فرصة لتحقيق أهدافها الإقليمية وفي منأى عن مصالح جيرانها، لكنها قد تخشى أيضاً من عدم استقرارها.
تركيا، التي لها نفوذ مباشر على فصائل معينة على الأرض السورية، ستلعب دوراً حاسماً في تشكيل مستقبل هذه السلطة. فدعمها أو معارضتها لفصائل معينة يمكن أن يحدد مسار المرحلة الانتقالية بأكملها.
نقاط التوافق بين هذه الأطراف ستكون أكثر صعوبة في التحقق في ظل وجود سلطة ذات خلفية فصائلية . فلكل طرف أجندته الخاصة فيما يتعلق بالفصائل التي تدعمها أو تعارضها.
مواقف دولية وإقليمية
رفض الولايات المتحدة رفع العقوبات سيضاعف من التحديات التي تواجه هذه السلطة الفصائلية، حيث ستجد صعوبة أكبر في الحصول على الموارد اللازمة لإدارة البلاد وتلبية احتياجات الشعب.
وبالنسبة إلى المساعدات الأوروبية والإماراتية قد تكون حاسمة في هذه المرحلة، لكنها قد تكون مشروطة بمدى قدرة السلطة الجديدة على تحقيق الاستقرار وإظهار قدرتها على الحكم.
في الختام
يبقى مستقبل سوريا في ظل هذه السلطة الفصائلية يبدو أكثر غموضاً. حيث هناك خطر حقيقي من تفكك الدولة أو استمرار حالة عدم الاستقرار مع إمكانية نشوء الصراع بين الفصائل. ومدى قدرة هذه السلطة على تجاوز نقاطها الخلافية و خلافاتها وبناء تقاطع المصالح مع عموم المجتمع السوري، وكسب ثقة الشعب السوري والمجتمع الدولي، تلك المسائل سوف تكون حاسمة في تحديد مسار البلاد نحو الاستقرار أو الفوضى.
ضمن هذا التصور، أعتقد أنه يتوجب على السياسيين ورجال الاقتصاد والأعمال والنخب الفكرية والثقافية دراسة ديناميكيات وأبعاد وحيثيات هذه السلطة الفصائلية بعناية، من حيثية وطنية حيادية بعيداً عن الانحياز والمواربة، وتأثيرها على المصلحة السورية، وهل تتجه نحو الاستقرار أم لا. ويتخلل ذلك وضع استراتيجيات مرنة للتعامل مع هذا الواقع المعقد، مع التركيز على تركيا والحوار الشامل الذي يضمن تمثيل جميع أطياف الشعب السوري. وهذا أهم ما تحتاجه سوريا اليوم:
——————————–
تحولات الملف السوري من أوباما لترامب/ رياض معسعس
تحديث 29 نيسان 2025
انطلاق الثورة السورية في آذار 2011 كان لها أكبر الأثر في التحولات الكبرى التي شهدتها سوريا على مستويات متعددة.
النظام البائد الذي كان مطمئنا برسوخ حكمه لها، كونه أنشأ 14 جهازا استخباراتيا يعدون أنفاس كل مواطن سوري عدا، وأرهب الناس بمجازر ومعتقلات لم تشهد حتى العصور الوسطى لها مثيلا، وإطلاق شعاره بثقة وثبات: «الأسد إلى الأبد»، لكن الأبد الأسدي كان وهما، فبعد نصف قرن ونيف من حكم سوريا بالحديد والنار، سقطت ورقة التوت عن عورته وهوى واندثر. فما عاشته سوريا خلال هذه الفترة ستدخل كفترة سوداء قاتمة السواد في تاريخ سوريا، لكن الفترة منذ بداية الثورة ولغاية يوم النصر في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024 تعتبر أكثر قتامة، وإجراما، وإيلاما، وتشريدا، وتجويعا. وخلال هذه الفترة التي تعاقب عليها ثلاثة رؤساء للولايات المتحدة اتخذ كل واحد منهم مسارا يختلف عن الآخر ولو أن الثلاثة لم يغيروا في الواقع السوري بشيء يذكر.
في 31آب/ أغسطس فاجأ نظام الأسد العالم أجمع باستخدامه الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية في مجزرة مروعة راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص جلهم من الأطفال، وقد أثارت موجة سخط عالمية، وتهديدا من الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن استخدام الأسلحة الكيميائية خط أحمر وكانت تستدعي تدخلا عسكريا. ورغم محاولة النظام إنكارها وإلصاق التهمة بالمعارضة المسلحة (صرحت مستشارة المخلوع ـ التي كانت أولى الهاربين بعد سقوطه ـ بأن المعارضة خطفت 500 طفل من جبال العلويين وساقتهم إلى الغوطة ورمتهم بالسلاح الكيماوي) إلا أن الدلائل لم تكن تخطئها عين بصيرة للتأكيد على مسؤولية النظام الأسدي. لكن تهديدات أوباما كانت كلام ليل سرعان ما محاه النهار. وذريعته في ذلك هو أن سياسته لا ترغب توريط أمريكا في الشرق الأوسط بعد فضيحة حرب العراق التي تسبب فيها سلفه جورج بوش الابن. لكن في واقع الأمر كان اهتمامه منصبا على توقيع اتفاق نووي مع إيران ولا يريد أن يغضبها بضربة عسكرية على حليفها الأسدي الذي طلب من إيران جلب كل الميليشيات الطائفية لحماية نظامه، بمن فيها فيلق القدس من الحرس الثوري، وحزب الله اللبناني اللذان كانا يعلنان أن مقاومتهما هي لتحرير القدس، وتبين أنهما تاها الطريق فوجدا أنها تمر من دمشق قبل القدس. (وهذا الخطأ القاتل الذي ارتكبه حزب الله في المشاركة في مقتلة الشعب السوري، وأودى به في نهاية الأمر إلى ما نراه اليوم). وقد نجح أوباما في توقيع الاتفاق مع إيران في العام 2015، وأخفق استراتيجيا في ردع النظام السوري ومعاقبته، وإفساح المجال أمام روسيا لتكون الفاعل الأهم في المعضلة السورية، من ناحية أخرى تردد أوباما في اختيار الطرف الصحيح على الأرض لدعم الثورة السورية، ففي البداية قامت الإدارة الأمريكية بدعم الجيش السوري الحر بخطة لتدريب وتجهيز 15 ألفا من عناصره، لكنه ألغي أيضا في العام 2015 لصالح دعم قوات سوريا الديمقراطية «قسد» بحجة مواجهة «داعش» التي انتشرت سريعا واحتلت مساحات واسعة في العراق والشام. وهذا ما أدى إلى ضربة كبيرة لوحدة الأراضي السورية بعد أن قامت قسد ببسط سيطرتها على ربع مساحة سوريا تقريبا شرق الفرات الغنية بالنفط والغاز والمياه، وتسببت بمواجهات مسلحة مع قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا التي لا ترغب في قيام دولة كردية على حدودها، ولا تزال القوات الأمريكية إلى اليوم متمركزة في سوريا في 17 قاعدة عسكرية، ويخطط الرئيس الحالي دونالد ترامب بسحبها بعد الاتفاق المعلن بين قسد والحكومة السورية في دمشق.
لم يكن ملفّ سوريا من اهتمامات دونالد ترامب في نسخته الأولى في البيت الأبيض، وبدا أنّ أولوياته في السياسة الخارجية لا تأخذ بعين الاعتبار أهميّة التحوّلات السورية وتداعياتها على التوازنات الدولية. بل عبّر عن ضيق من المسألة السورية برمّتها، وتبرّم من وجود قوات أمريكية هناك، وكان على وشك سحبها في العام 2018. ولم يكن بأفضل من أوباما بالتزام أمريكا بخطوطها الحمراء فيما يخص استخدام الأسلحة الكيميائية في مقتلة الشعب السوري، ففي صباح يوم الثلاثاء في 4 نيسان/أبريل، قام النظام الأسدي بارتكاب ثاني أكبر مجزرة بالسلاح الكيماوي (غاز السارين) في مدينة خان شيخون بقصف بطائرات سوخوي 22 بأربعة صواريخ محملة بالغاز القاتل فسقط ما لا يقل عن 91 شخصا، وإصابة أكثر من 520 آخرين جلهم من الأطفال والنساء فاجأهم الغاز السام وهم نيام. وأكدت لجنة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة مسؤولية النظام عنها. عندما تلقى ترامب النبأ لم يجد في جعبته سوى تشبيه الأسد بـ«الحيوان»، وفي جعبة أمريكا سوى رد فعل – لحفظ ماء الوجه ـ بقصف مطار الشعيرات الذي انطلقت منه الطائرات المغيرة والذي لم تتضرر منه سوى بعض الطيور المتواجدة حول أحد المدارج. فترامب لم يكن يرغب بفتح جبهة جديدة في سوريا من ناحية، وإغضاب صديقه فلاديمير بوتين حليف الأسد الأول الذي مد إليه يد العون في مقتلة السوريين. ولم يمكن لترامب التهرب من الجرائم الأسدية الفاقعة التي فجرها «قيصر» (وهو الاسم المستعار للمصور فريد المذهان الذي سرب أكثر من 50 ألف صورة لجثث ضحايا قتلوا تحت التعذيب) هذه الصور دفعت مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأمريكي للموافقة على قانون «قيصر» في 17 كانون الأول/ديسمبر 2019 الذي بموجبه تطبق أمريكا عقوبات على النظام السوري وحلفائه الاقتصاديين والعسكريين، واضطر ترامب للتوقيع عليه، والذي لا يزال ساريا حتى اليوم. لكن بالمقابل قدم الهدية الثمينة لدولة الاحتلال باعتراف أمريكا لسيادتها على الجولان السوري وكأن الجولان ملك لأمريكا تماما كما يدعو اليوم لاحتلال غزة وتحويلها إلى ريفيرا كأي مشروع عقاري.
ما بين النسخة الترامبية الأولى، والنسخة الترامبية الثانية مرت مرحلة جو بايدن كمرحلة باهتة فيما يخص الملف السوري بل أبدى بايدن بعض التسهيلات للنظام الأسدي، وبغض الطرف عن بعض الانتهاكات التي ارتكبتها بعض الدول العربية التي كانت تسعى للتطبيع مع نظام الأسد وتعويمه، وإعادته إلى حضن الجامعة العربية، متغاضيا عقوبات «قيصر»، وعقوبات (كبتاغون1 وكبتاغون2 وهي عقوبات ضد النظام السوري الذي كان أكبر مصدر لصنع وتصدير مخدرات الكبتاغون) مع عودة ترامب إلى البيت البيضاوي وجد أن سلفه بايدن قد ترك له أربعة ملفات ساخنة: (سقوط نظام الأسد، وفرار «الحيوان» إلى موسكو، وحرب أوكرانيا، وحرب غزة، ومواجهة الصين). ترامب يحافظ على عدم اكتراثه بالملف السوري إذ صرح على الفور:» لا ينبغي للولايات المتحدة أن تكون لها أيّ علاقة بما يحدث، هذه ليست معركتنا، لندع الأمور تجري، دون أن نتدخّل».
وفي واقع الأمر فإن سقوط النظام المخلوع سهل عليه المواجهة مع إيران بعد خسارة مواقعها في سوريا، وهزيمة حزب الله، وفي تغير لافت بدأ بسحب نصف القوات الأمريكية وتفكيك بعض القواعد العسكرية، ودفع قوات سوريا الديمقراطية لإبرام اتفاق مع إدارة دمشق الجديدة، والاتفاق مع صديقه رجب طيب أردوغان، الذي دعم الإدارة الجديدة في سعيها لإسقاط الأسد، بأن يدع له الشأن السوري، واليوم الإدارة السورية الجديدة بانتظار قرار ترامب برفع العقوبات المفروضة على النظام المخلوع التي ليس للإدارة الجديدة فيها ناقة أو جمل لكنه لايزال يماطل، ولا يرى في الاعتداءات التي تقوم بها دولة الاحتلال على سوريا أية غضاضة بل يلتزم الصمت كما يلتزمه في مقتلة الشعب الفلسطيني في غزة.
كاتب سوري
———————-
ما المطلوب من النظام السوري الجديد؟/ محمد عايش
تحديث 29 نيسان 2025
النظام الجديد في سوريا يُقدم التنازلات المجانية يومياً منذ توليه السلطة، وكلما انتقد أحدٌ هذه التنازلات، فإن الرد الوحيد لا يتجاوز عبارة «لن ندخل في حرب من أجل أحد»، في إشارة بطبيعة الحال إلى إسرائيل التي تشنُ اعتداءات يومية على سوريا ولبنان وأماكن أخرى من العالم العربي، إلى جانب الضفة الغربية وغزة.
وواقع الحال أنه لا أحد يريد من سوريا الجديدة أن تدخل في حرب، لا مع إسرائيل ولا مع غيرها، ولكنَّ الغاضبين في المقابل ينتقدون التنازلات المجانية اليومية، التي يُقدمها النظام الجديد، من دون أي مقابل، والتي وصلت إلى إبداء الموافقة على التطبيع مع إسرائيل، على الرغم من أن هذه الأخيرة تحتل مساحات واسعة من الأراضي السورية، وتشن ضربات يومية ضد مواقع في العمق السوري، بما في ذلك العاصمة دمشق، من دون أن يصدر أي تعليق من النظام الجديد.
ثمة مساحة واسعة بين التنازل الكامل (الانبطاح) والحرب الشاملة، وثمة مساحة واسعة للحركة بعيداً عن الحرب، بل إن العديد من دول المنطقة التي تقيم علاقات مباشرة مع إسرائيل، قدمت المساندة والدعم للفلسطينيين في هذه الحرب، مما لم يقدمه نظام أحمد الشرع في سوريا، وهو ما يدفع الكثيرين لتوجيه سهام النقد. خلال أسبوع واحد تلا سقوط نظام بشار الأسد، احتلت إسرائيل من الأراضي السورية ما تزيد مساحته عن قطاع غزة كاملاً، كما توغلت في مناطق استراتيجية وسيطرت عليها بشكل كامل، بما فيها قمة جبل الشيخ، واجتازت إسرائيل خطوط الهدنة المتفق عليها منذ عام 1974، كما قامت إسرائيل بتدمير القوة الجوية السورية بشكل كامل، ونحو 80% من القدرات العسكرية الإجمالية للدولة السورية، وهذه اعتداءات غير مسبوقة ضد السوريين، ولم يصدر أي تعليق بهذا الصدد عن النظام السوري؛ بل إن ما تسرب هو، أن دمشق أصبحت مستعدة لإبرام اتفاق سلام مع تل أبيب، حسبما أعلن عضو في الكونغرس الأمريكي مؤخراً.
ليس مطلوباً من النظام السوري الجديد، أن يخوض حرباً مع أحد، ولا أن يبني علاقات متوترة مع الدول الغربية، ولا أن يظل حبيس العقوبات الأجنبية، ولا أن يكون في مواجهة مع الدول العربية؛ لكن المطلوب منه أن يُعلن رفضه واستنكاره للتوسع الإسرائيلي الاستعماري، وأن يتبنى موقفاً حازماً وواضحاً بأن أي اتفاق سلام مع إسرائيل لا يُمكن إنجازه، إلا بالكف عن الاعتداءات التي تتعرض لها الأراضي السورية، ويتعرض لها المواطنون السوريون داخل بلدهم، وأن يكون أي تطبيع مع إسرائيل مشروطاً بالانسحاب من الأراضي السورية المحتلة، والتخلي عن سياسة الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة. يُضاف إلى ذلك أنه من المعيب أن تقوم أجهزة الأمن السورية باعتقال شخصيات فلسطينية من قيادات الصف الأول للاجئين، الذين يعيشون في ضيافة الشعب السوري بأمان وإكرام منذ ستة أو سبعة عقود، وأغلب هؤلاء من المولودين داخل سوريا، والذين عاشوا مع الشعب السوري في مراحل حياته كافة، بحلوها ومُرها، حتى أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي للبلاد.
ثمة تحول في سوريا يتفهمه الجميع، وثمة التفات لإعادة بناء الدولة السورية وإعادة صياغة علاقاتها الخارجية، ومحاولة للخروج من الوضع الذي أوجده النظام السابق، وهذا كله طبيعي، لكن بناء دولة قوية في سوريا لا يُمكن أن يحدث من دون التوصل إلى صيغة تردع العدوان الإسرائيلي وتوقف توسعه وهيمنته وتتصدى لاستغلاله هذه المرحلة الانتقالية. يجب على الجميع في سوريا أن يُفكر كيف ينقل البلاد من عصر إلى عصر، من دون أن يكون الثمن غالياً، ومن دون أن يتم تقديم البلاد قربانا للإسرائيليين، فسوريا هي بارقة الأمل في هذه المنطقة التي تعاني، ويجب لهذه البارقة أن لا تنطفئ.
كاتب فلسطيني
القدس العربي
————————————-
كيف تعمل أميركا، حين يتعلق الأمر بسياستها الخارجية؟ وإلى أين نسير بعد (الرد السوري) على مطالبها؟ هذا نموذجٌ مثالي للفهم.
فقد نقلت وكالة رويترز اليوم مضامين خطاب (الرد السوري) على (مطالب) #الولايات_المتحدة_الأميركية، وهو الخطاب الذي أشرنا إليه في يوم تسليم الرد منذ قرابة أسبوعين (انظر الصورة تحت). وقد قام الصديق بسام بربندي، اليوم، بتلخيص الخطاب بشكل واضح ومرتب، فيمكن الاطلاع عليه كما هو وارد أدناه.
ولكن، بغض النظر عن هذه التفاصيل، قد يهمُّ السوريين معرفة الإجابة على هذين السؤالين: هل يعتمد موقف الإدارة الأميركية حقاً على تفاصيل هذه الشروط؟ وهل تجهل تلك الإدارة الموقف النهائي للإدارة السورية بخصوصها؟
الجواب على السؤالين هو: لا، كبيرة!
كيف ولماذا؟ يتعلق تفسير هذه المفارقة بحقيقةٍ يعرفها كل من يعرف طبيعة العلاقات الدولية، خاصةً في مثل هذه القضايا الحساسة، وخاصةً أكثر، عندما يتعلق الأمر بـ #أميركا. فهؤلاء يعرفون أن تلك العلاقات تشبه (جبل الجليد). بمعنى أن ماهو ظاهر منهُ، فوق الماء، أصغر بكثير مما هو مخفي تحت الماء. هذا ليس (تفسير مؤامرات). وإنما هو واقع تعرف تفاصيله كلما اقتربت من الموضوع بالعلم والممارسة.
من هنا، ولمن يريد أن يفهم الصورة الحقيقية. كل (الشروط) الأميركية التي يجري الحديث عنها هي مسائل (جانبية) لشراء الوقت. ويمكن لسوريا أن تستجيب لها وتنفذها في وقتٍ قصير. ومسألة الردود في الرسالة تندرج في أن تسير سوريا هويناً، خطوة خطوة، مع آليات السياسة الأميركية في سياق علاقاتها الخارجية مع العالم. فما هي هذه الآليات؟
ألف باء السياسة الأميركية الخارجية أنها تتعامل مع القضايا الدولية على مستويين: الأول هو المُعلن، ويتمثل في (حرتقات) دبلوماسية خارجية وبيروقراطية داخلية تُستخدم كعصا وجزرة. والثاني هو المستور، ويتمثل في (الترتيبات) الاستراتيجية المطلوبة (يعني الجغرافيا السياسية التي تتضمن الاقتصاد). وقبل ذلك وبعده، يبقى القرار النهائي بخصوص تلك القضايا، بشكل عام، في يد الرئيس الأميركي، وشخصيته وطريقة أخذ القرار لديه (يعني 70-80%). وفي حالة الرئيس ترامب الفريدة في المنظومة الأميركية السياسية، فالقرار لديه بنسبة 110%.
وإذا تمت الترتيبات بالشكل المناسب، يصبح التعامل مع قضايا الدبلوماسية والبيروقراطية الأميركية سهلاً وسريعاً. أما إذا لم تتم، فتبقى (الأضواء) مُسلطةً على (حركشات) الدبلوماسية والبيروقراطية، حتى يفرجها الله!
ومايجري بخصوص (المطالب الأميركية) لجهة تسليمها لسوريا، ورد #سوريا عليها، وكل الكلام الإعلامي والدبلوماسي عنها يدخل في إطار المسار الأول. ولكي تحكم بنفسك: اقرأ الشروط، وفكِّر بهدوء، ماهو وضعها الحقيقي حالياً؟ وما أهمية القضايا التي تتحدث عنها لمستقبل سوريا؟ وأهم من هذا وذاك: إلى أي درجة لايستطيع شخص مثل الرئيس الشرع تنفيذ أيٍ منها؟؟
ومايجب أن يعرفه السوريون، بشكلٍ جيد، ويطمئنوا إليه، أن سوريا الجديدة تُدرك تلك المعادلة بوضوح. من هنا، أرسلت لأميركا، رسمياً، ردّها الإيجابي الأولي الذي يتعلق بـ (إمكانية) تنفيذ كل الشروط. لأنه، ليس من السياسة في شيء، أن تقوم بتنفيذها كلها فعلياً، فور أن يُطلبَ منك ذلك، فتفقد كل الأوراق المتعلقة بها. كل هذا على المستوى الأول.
أما على المستوى الثاني، فالترتيبات المتعلقة بالمنطقة، وكل ملفاتها، تجري على قدم وساق. ومن خلالها، وخلال اللاعبين فيها، يتم التواصل الجوهري والحقيقي، مع أميركا، ومع ترامب إما شخصياً، أو من خلال وزير خارجيته، ومندوبه ويتكوف. وليس مع المسؤولين الأميركيين الذين يسربون الأخبار لصحيفةٍ هنا وموقعٍ إخباريٍ هناك.
ومايهم #السوريين_الطيبين_النبلاء أن يعرفوه هو أن (الترتيبات) تسير في الاتجاه المطلوب، وبما يحقق أمنهم واستقرارهم، ثم ازدهارهم وعِزّهم، بإذن الله أولاً وأخيراً!
========================
النقاط الرئيسية من رد سوريا على مطالب الولايات المتحدة
1. إنشاء مكتب ارتباط:
– تعهدت سوريا بإنشاء مكتب ارتباط في وزارة الخارجية للمساعدة في العثور على الصحفي الأمريكي المفقود أوستن تايس.
– يهدف المكتب إلى تسهيل التواصل والتعاون في القضايا ذات الصلة.
2. الأسلحة الكيميائية:
– توضح سوريا جهودها لمواجهة الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك تعزيز العلاقات مع هيئة مراقبة الأسلحة العالمية.
– التزام بالشفافية والتعاون في نزع السلاح.
3. المقاتلون الأجانب:
– تناقش الرسالة المقاتلين الأجانب ولكن تشير إلى أن حل هذه القضية يتطلب مشاورات أوسع.
– تم تعليق إصدار الرتب العسكرية للمقاتلين الأجانب، ولكن لم يتم تقديم تفاصيل إضافية حول الإجراءات المستقبلية.
4. تنسيق مكافحة الإرهاب:
– تعترف سوريا بالحاجة إلى تفاهمات متبادلة بشأن الضربات الأمريكية لمكافحة الإرهاب.
– تعهدت الحكومة الجديدة بعدم التسامح مع التهديدات للمصالح الأمريكية أو الغربية في سوريا.
5. وجود القوات الأمريكية:
– يؤكد الرئيس المؤقت لسوريا أحمد الشارع أن القوات الأمريكية موجودة في سوريا بدون موافقة الحكومة.
– يجب أن يتم الاتفاق على أي وجود مستقبلي مع الدولة السورية.
6. مكافحة التطرف:
– يستكشف المسؤولون السوريون طرقًا بديلة لمكافحة التطرف دون منح إذن صريح للضربات الأمريكية.
– تعكس هذه المقاربة الحساسية الناتجة عن التدخلات العسكرية الأجنبية السابقة في سوريا.
7. الرد على إسرائيل:
– تعهدت سوريا بعدم تهديد إسرائيل وتؤكد أن الجماعات المسلحة خارج السيطرة الحكومية لن تُسمح بها.
– تم تشكيل لجنة لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية داخل سوريا.
8. التواصل المستمر مع الولايات المتحدة:
– الاعتراف بالتواصل المستمر بين السلطات السورية لمكافحة الإرهاب وممثلي الولايات المتحدة في عمان.
– الميل لتوسيع التعاون في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.
9. المشاركة المستقبلية:
– تعبر سوريا عن أملها في أن تؤدي الإجراءات المتخذة إلى مزيد من المناقشات حول القضايا الرئيسية، بما في ذلك إعادة فتح السفارات ورفع العقوبات.
– تعكس الرسالة رغبة في الانخراط الدبلوماسي على الرغم من المطالب المعلقة.
10. الخطوات التالية:
– يؤكد مسؤول سوري ومصادر أمريكية أنه من المتوقع إجراء مناقشات حول رسالة سوريا خلال الاجتماعات المقبلة في نيويورك.
– قد يشكل نتيجة هذه المناقشات العلاقات والتعاون بين الولايات المتحدة وسوريا في المستقبل.
النص الكامل لتقرير “رويترز” عن رد سوريا على المطالب الأميركية الثمانية الى دمشق:
– ردت سوريا على ثمانية مطالب أمريكية في رسالة أبريل
– رسالة تتعهد بعدم تهديد إسرائيل، وتفصّل العمل على الأسلحة الكيميائية
– تقدم أقل في إبعاد المقاتلين الأجانب عن المناصب العليا
– في التعليقات، المقال عن قائمة العقوبات:
– بيروت، 26 أبريل (رويترز)
– ردت سوريا كتابيًا على قائمة شروط أمريكية لتخفيف جزئي محتمل للعقوبات، قائلة إنها نفذت معظمها، لكن بعضها الآخر يتطلب “تفاهمات متبادلة” مع واشنطن، وفقًا لنسخة من الرسالة اطلعت عليها رويترز.
سلمت الولايات المتحدة سوريا الشهر الماضي قائمة بثمانية شروط تريد من دمشق الوفاء بها، بما في ذلك تدمير أي مخزونات متبقية من الأسلحة الكيميائية، وضمان عدم منح أجانب مناصب قيادية في الحكم.
سوريا بحاجة ماسة إلى تخفيف العقوبات لإنعاش اقتصادها المنهار جراء 14 عامًا من الحرب، فرضت خلالها الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا عقوبات صارمة في محاولة للضغط على الرئيس السابق بشار الأسد.
في يناير/كانون الثاني، أصدرت الولايات المتحدة إعفاءً لمدة ستة أشهر لبعض العقوبات لتشجيع المساعدات، لكن هذا كان له تأثير محدود.
في مقابل تلبية جميع المطالب الأمريكية، ستمدد واشنطن هذا التعليق لمدة عامين، وربما تُصدر إعفاءً آخر، حسبما أفادت مصادر لرويترز في مارس/آذار.
كانت رويترز أول من أفاد بأن المسؤولة الأمريكية البارزة ناتاشا فرانشيسكي سلمت قائمة الشروط لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في اجتماع شخصي على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل في 18 مارس/آذار.
سعى الشيباني، في أول خطاب له أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الجمعة، إلى إظهار أن سوريا تُعالج بالفعل المطالب، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية والبحث عن الأمريكيين المفقودين في سوريا.
كانت تعليقاته العلنية متوافقة مع محتوى رسالة سوريا الخاصة إلى الولايات المتحدة، والتي اطلعت رويترز على نسخة غير مؤرخة منها. ولم يُنشر محتوى الرسالة سابقًا.
قال مسؤولان غربيان ومسؤول سوري مُطلع على الرسالة إنها تتوافق مع النسخة التي اطلعت عليها رويترز.
في الوثيقة المكونة من أربع صفحات، تتعهد سوريا بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية للعثور على الصحفي الأمريكي المفقود أوستن تايس، وتفصّل عملها لمعالجة مخزونات الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك توثيق العلاقات مع هيئة مراقبة الأسلحة العالمية.
لكنها لم تُقدّم الكثير من التفاصيل بشأن مطالب رئيسية أخرى، بما في ذلك إبعاد المقاتلين الأجانب ومنح الولايات المتحدة الإذن بشن ضربات لمكافحة الإرهاب، وفقًا للرسالة.
وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن تلقت ردًا من السلطات السورية على طلب أمريكي باتخاذ “تدابير محددة ومفصلة لبناء الثقة”. وقال المتحدث: “نقوم الآن بتقييم الرد وليس لدينا ما نُشاركه في الوقت الحالي”، مُضيفًا أن الولايات المتحدة “لا تعترف بأي كيان كحكومة سورية، وأن أي تطبيع مُستقبلي للعلاقات سيُحدد بناءً على إجراءات السلطات المؤقتة. ولم تُرد وزارة الخارجية السورية فورًا على طلب للتعليق.
—– المقاتلون الأجانب——
ذكرت الرسالة أن مسؤولين سوريين ناقشوا مسألة المقاتلين الأجانب مع المبعوث الأمريكي السابق دانيال روبنشتاين، لكن القضية “تتطلب جلسة تشاورية أوسع”. وتقول الرسالة: “ما يمكن تأكيده حتى الآن هو تعليق إصدار الرتب العسكرية عقب الإعلان السابق بشأن ترقية ستة أفراد”، في إشارة واضحة إلى تعيين مقاتلين أجانب في ديسمبر/كانون الأول، من بينهم أويغور وأردني وتركي، في مناصب في القوات المسلحة السورية.
ولم توضح الرسالة ما إذا كانت الرتب المعينة قد أُزيلت من المقاتلين الأجانب، ولم تُحدد الخطوات المستقبلية التي سيتم اتخاذها. وقال مصدر مُطلع على نهج الحكومة السورية تجاه هذه القضية إن دمشق ستؤجل معالجتها قدر الإمكان نظرًا لرأيها بضرورة معاملة المتمردين غير السوريين الذين ساعدوا في الإطاحة بالأسد معاملة حسنة.
وحول طلب أمريكي للتنسيق في مسائل مكافحة الإرهاب والقدرة على تنفيذ ضربات على أهداف إرهابية، قالت الرسالة إن “الأمر يتطلب تفاهمات متبادلة”.
تعهدت الحكومة السورية الجديدة بعدم التسامح مع أي تهديدات للمصالح الأمريكية أو الغربية في سوريا، وتعهدت باتخاذ “الإجراءات القانونية المناسبة”، دون الخوض في تفاصيل.
وكان الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع قد صرّح في مقابلة سابقة هذا العام بأن القوات الأمريكية المنتشرة في سوريا موجودة هناك دون موافقة الحكومة، مضيفًا أن أي وجود من هذا القبيل يجب أن يتم بالاتفاق مع الدولة.
وقال مسؤول سوري مُطلع على الرسالة إن المسؤولين السوريين يبحثون سبلًا أخرى لإضعاف المتطرفين دون منح الولايات المتحدة إذنًا صريحًا بتنفيذ ضربات، معتبرين ذلك خطوة مثيرة للجدل بعد سنوات من قصف القوات الجوية الأجنبية لسوريا خلال حربها.
يتعهد بعدم تهديد إسرائيل صرح دبلوماسي كبير وشخص آخر مُطلع على الرسالة لرويترز بأنهما يعتبرانها تُعالج خمسة مطالب بالكامل، لكن المطالب المتبقية تُركت “معلقة”. وقالوا إن الرسالة أُرسلت في 14 أبريل/نيسان – قبل 10 أيام فقط من وصول الشيباني إلى نيويورك لإلقاء كلمة أمام مجلس الأمن.
ولم يتضح ما إذا كانت الولايات المتحدة قد أرسلت ردًا على رسالة سوريا.
صرح مسؤول سوري ومصدر أمريكي مُطلع على الرسالة أن الشيباني سيناقش محتواها مع مسؤولين أمريكيين خلال زيارته إلى نيويورك.
وأعربت سوريا في رسالتها عن أملها في أن تُفضي الإجراءات المُتخذة، والتي وصفتها بـ”الضمانات”، إلى اجتماع لمناقشة كل نقطة بالتفصيل، بما في ذلك إعادة فتح السفارات ورفع العقوبات.
وفيما يتعلق بالمسلحين الفلسطينيين في سوريا، ذكرت الرسالة أن الشرع شكّل لجنة “لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية”، وأنه لن يُسمح للفصائل المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة بالعمل.
وقد أُرسلت الرسالة قبل أيام قليلة من اعتقال سوريا لمسؤولين فلسطينيين من حركة الجهاد الإسلامي. وأضافت الرسالة: “في حين أن المناقشات حول هذا الموضوع قابلة للاستمرار، فإن الموقف الشامل هو أننا لن نسمح لسوريا بأن تُصبح مصدر تهديد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل”.
وأقرت الرسالة أيضًا بـ”التواصل المستمر” بين سلطات مكافحة الإرهاب السورية وممثلي الولايات المتحدة في عمان بشأن مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وقالت إن سوريا تميل إلى توسيع هذا التعاون.
لم تُنشر أي تقارير سابقة عن المحادثات المباشرة بين سوريا والولايات المتحدة في عمّان
——————-
تقرير: تيمور أزهري ومايا جبيلي؛ تقرير إضافي: ميشيل نيكولز من نيويورك وحميرة باموق من واشنطن؛ تحرير: دانيال واليس)
——————————–
ملامح باردة لسياسة ترامب السورية/ سام هيلر
تحديث 29 نيسان 2025
من أخطر التحديات التي تواجه سوريا خلال انتقالها السياسي، وفي هذا الزمن الحساس، موقف الولايات المتحدة من سوريا. ولقد أفادت لقاءات قمت بها في واشنطن مؤخرًا بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب أكثر برودًا من سابقتها تجاه سوريا ما بعد الأسد، بل أنها متشككة جدًا في أمر القيادة السورية الجديدة، مما يصعّب على دمشق كسب الود الأمريكي الرسمي ورضا واشنطن بدعم الدول الأخرى لسوريا.
وتواجه سوريا مخاطر عديدة في هذه المرحلة الدقيقة، منها التوترات بين مكونات الشعب السوري والدعوات للانتقام والثأر، والتقسيم الفعلي للأراضي السورية بين مناطق سيطرة لأطراف مسلحة، والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة من الجو وعلى الأرض في الجنوب السوري. ومع ذلك، فإن الخطر الأعظم في رأيي الشخصي يظل الوضع المنهار للاقتصاد السوري والذي ورثته قيادة سوريا الجديدة من الرئيس المخلوع بشار الأسد. فلا بد للحكومة السورية الجديدة، من أجل إنجاح انتقال سوريا السياسي، أن تحقق أيضًا درجة من الاستقرار الاقتصادي تمهيدًا للتعافي والازدهار مستقبلًا. وتُعتبر السياسة الأمريكية من بالغ الأهمية في هذا الصدد، نظرًا للتأثير الواسع للعقوبات الأمريكية ولضرورة رفعها لإفساح المجال أمام شركاء أمريكا الإقليميين لدعم سوريا اقتصاديًا.
ولقد قمت خلال النصف الأول من شهر نيسان بزيارة إلى واشنطن، حيث التقيت بمسؤولين أمريكيين من جهات حكومية مختلفة وبمصادر في الكونجرس للبحث في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، مما تركني، في ختام زيارتي، متشائمًا بشأن موقف إدارة ترامب من سوريا وإمكانية إزالة العقوبات في المستقبل القريب.
وسمعت خلال هذه اللقاءات ما يتطابق مع بعض التقارير الإعلامية الأخيرة التي تفيد بأن الآراء حول سوريا داخل إدارة ترامب منقسمة بين شخصيات تؤيد الانخراط المشروط مع الإدارة السورية الجديدة وبين شخصيات أخرى (منها سيباستيان غوركا، مسؤول مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي) ترى أن القيادة السورية الجديدة “جهاديين” وعناصر “قاعدة” فعليًا، فكان يبدو لي أن هذا الفريق الأخير هو السائد حاليًا داخل الحكومة. كما سمعت أنه للموقف الإسرائيلي، المعادي للقيادة السورية الجديدة والداعي لإبقاء سوريا متفككة وضعيفة، تأثير كبير على تفكير إدارة ترامب حول سوريا.
ومع ذلك، وهذا قد يكون أهم من أي تباين في الآراء داخل الإدارة، سمعت أن الإدارة، بشكل عام، ليست مهتمة بسوريا، وأنها غير مكترثة لتداعيات تعثر الانتقال السياسي الحالي في سوريا، والذي لن تؤثر تبعاته على الولايات المتحدة بقدر ما يؤثر على أوروبا والدول الإقليمية. فلم تكن تصدر عن الإدارة، وأنا كنت في واشنطن، أي سياسة واضحة بشأن سوريا ولا توجيهات تنفيذية لأجهزة الدولة الأمريكية بهذا الخصوص.
من سوء حظ سوريا أنها دخلت في انتقالها من حقبة الأسد تزامنًا مع انتقال أمريكا من بايدن إلى ترامب، وذلك لسببين: أولهما الانقطاع الذي سيحصل تلقائيًا في أي انتقال من إدارة أمريكية إلى أخرى، مع ضرورة تشكيل فريق جديد وصياغة سياسة جديدة، وثانيهما، الموقف المتغاير والأكثر سلبية تجاه سوريا لدى إدارة ترامب.
فبدأت الإدارة بقطع التواصل الدبلوماسي مع القيادة السورية، بعد أن كانت إدارة بايدن ترسل عدة وفود إلى دمشق، ترأست واحدًا منها مساعدة وزير الخارجية باربرا ليف. فكان اجتماع نائبة مساعد الوزير ناتاشا فرانشيسكي مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على هامش مؤتمر بروكسل في شهر آذار، والذي نقلت خلاله فرانشيسكي ورقة مطالب أمريكية للطرف السوري، أول لقاء رسمي بين واشنطن ودمشق منذ وصول ترامب للرئاسة، وذلك بعد شهرين تقريبًا من الانقطاع. ومن الملفت أيضًا صياغة إدارة ترامب لبياناتها وتصريحاتها بشأن سوريا، حيث أصرّت على وصف القيادة السورية بمصطلحات أمثال “سلطات سوريا المؤقتة” وذلك لعدم الإيحاء بالاعتراف السياسي بهذه الحكومة السورية.
تبدو فرص رفع العقوبات الأمريكية قليلة. وقد عرضت إدارة ترامب مقابل مطالبها من القيادة السورية إجراءات من شأنها أن تخفف من وطأة العقوبات على الاقتصاد السوري، ولكن بشكل محدود. فلا حديث عن خطوات أمثال رفع لـ”قانون قيصر”؛ وحتى التمديد للرخصة التي أعلنت عنها إدارة بايدن في شهر كانون الثاني غير مضمون، ومشروط بالإيفاء بالمطالب التي قدمتها واشنطن.
أما الكونجرس الأمريكي، فقالت لي مصادر إن الأقلية الديمقراطية في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ في الأغلب تدعم الانخراط مع الحكومة السورية والتخفيف للعقوبات، بينما كانت الأغلبية الجمهورية أقلّ حماسة عن أي إجراءات قد تفيد “إرهابيين” في سوريا. فقد أصبح النائب الجمهوري جو ويلسن الراعي لقانون “مناهضة التطبيع مع الأسد” سابقًا ينشط الآن لرفع العقوبات عن سوريا، إلا أن مصادر قالت لي إن ويلسون لا يمثّل بهذا الموقف إلا عددًا محدودًا من نواب الحزب الجمهوري، والذي يميل معظم نوابه أكثر إلى الرواية الإسرائيلية حول سوريا وقيادتها الجديدة. ولقد زرت واشنطن قبل سفر النائبين الجمهوريين كوري ميلز ومارلين ستاتسمان إلى دمشق، وسنرى إذا كان لزيارتهما تأثيرًا على موقف زملائهم الجمهوريين في واشنطن.
وبالخلاصة، أرى أن سوريا وقيادتها الجديدة أصبحت في موقف حرج. فمن الصعب تصور طريق لتحقيق الاستقرار والبدء بالتعافي من دون رفع للعقوبات الأمريكية، ولو جزئيًا، ولكن إدارة ترامب قد وضعت شروط صعبة جدًا حتى لأبسط الإجراءات للتخفيف من أثر العقوبات. ورغم محاولات الحكومة السورية لأن تستجيب لبعض المطالب الأمريكية، توجد مطالب تمسّ فعلًا بالسيادة السورية، مثل إعلان دمشق عن دعمها الصريح للضربات العسكرية الأمريكية ضد أهداف “إرهابية” على الأراضي السورية.
وكانت بعض الأوساط السورية- الأمريكية ترجّح دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ظنًا منها بأنه سوف يكون أكثر تأييدًا لقضيتهم، وذلك نظرًا لسجله في ولايته الأولى. إلا أن إدارة ترامب في نسختها الثانية ليست صديقة لسوريا وشعبها. ولقد استنتجت من لقاءاتي في واشنطن أن السوريين يواجهون واقعًا أمريكيًا صعبًا، وأن فرص تحقيق اختراق ما محدودة.
عنب بلدي
———————-
كيف تتعامل الحكومة السورية مع الشروط الأميركية لرفع العقوبات؟/ أيهم الشيخ
28 أبريل 2025
قدمت الإدارة الأميركية لحكومة الرئيس السوري، أحمد الشرع، قائمة مطالب تمثل الأساس لأي انفتاح سياسي ودبلوماسي، وتُعد شرطًا مبدئيًا للنظر في رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا. تركّز هذه المطالب على خمسة محاور تهدف إلى ضمان الاستقرار الداخلي وتحقيق انتقال سياسي مستدام يمنع عودة الإرهاب أو ترسيخ النفوذ الإيراني.
الشروط الأميركية الخمسة:
1. رفض الإرهاب ومحاربته بوضوح:
تطالب واشنطن بإعلان رسمي من الحكومة السورية المؤقتة ترفض فيه الإرهاب بكل أشكاله، مع التزام عملي بمنع تغلغل الجماعات المتطرفة واستبعاد العناصر الأجنبية المتشددة من المناصب الرسمية.
2. منع النفوذ الإيراني:
يشترط الجانب الأميركي اتخاذ خطوات ملموسة لمنع استخدام الأراضي السورية كمنصة للنفوذ الإيراني أو لتحركات الميليشيات المدعومة من طهران.
3. إزالة الأسلحة الكيميائية:
دعت واشنطن الحكومة إلى التخلص من بقايا الترسانة الكيميائية التي استخدمها النظام السابق، وضمان عدم استخدامها مستقبلًا تحت أي ظرف.
4. مكافحة الإرهاب بالتعاون الدولي:
تطلب الولايات المتحدة تنسيقًا كاملًا في مكافحة الإرهاب، مع منع تسلّم متشددين أجانب لأي مناصب أمنية أو سياسية، حتى لو كانوا خصومًا لداعش أو للنظام السابق.
5. تعيين منسق لقضية أوستن تايس:
طالبت واشنطن بتعيين جهة رسمية تتعاون في ملف الصحفي الأميركي المختفي منذ عام 2012، والذي يُعتقد أنه لا يزال على قيد الحياة.
في هذا السياق، أكد الرئيس السوري، أحمد الشرع، أن حكومته مستعدة للحوار مع المجتمع الدولي، مشددًا في الوقت ذاته على ضرورة احترام السيادة السورية. وأوضح أن بعض القضايا، مثل منح الجنسية للمقاتلين الأجانب، تستدعي نقاشًا داخليًا معمقًا، وأن الحكومة تعمل على مراجعة شاملة للسياسات الأمنية والعسكرية بما يخدم مصلحة الشعب السوري ويؤسس لعلاقات متوازنة خارجيًا.
من جانبه، يرى المحلل السياسي، مازن موسى، أن المطالب الأميركية واقعية ويمكن قبولها من قبل الحكومة السورية، مشيرًا إلى أن التوجهات الجديدة تسعى لتغيير الصورة النمطية التي خلّفها النظام السابق، وإعادة سوريا إلى دورها الإقليمي. وأوضح أن الطمأنة التي قدمتها دمشق الجديدة لجيرانها، خصوصًا فيما يتعلق بكبح النفوذ الإيراني، لعبت دورًا في تهدئة الأوضاع الإقليمية، مما ساهم في دفع بعض الدول للمطالبة برفع العقوبات.
وأضاف موسى أن الزيارات الإقليمية الأخيرة للرئيس الشرع، خصوصًا إلى السعودية والإمارات، تؤشر إلى تطور في العلاقات الإقليمية. وأكد أن الحكومة السورية تراهن على وساطة دول مثل تركيا والسعودية لإقناع واشنطن برفع العقوبات، في إطار مشروع وطني لإعادة الاستقرار وبناء مستقبل جديد.
وكان كبير مسؤولي شؤون الشرق الأدنى في الخارجية الأميركية قد صرح بأن واشنطن تعترف بحق سوريا في بناء جيش وبنية أمنية، وأنها تتابع كيف يتم ذلك، مؤكدًا أن المقاتلين الأجانب أحد أكبر التحديات أمام قيادة سوريا. وقال: “لا نريد أن نرى أي دور للمقاتلين الأجانب في الحكومة السورية”، مشيرًا إلى أنهم يريدون من قيادة سوريا طرد المقاتلين الذين مُنِحوا مناصب في الجيش.
وأضاف: “ننتظر نتائج التحقيق الذي تجريه سلطات سوريا في أحداث الساحل”، مضيفًا: “نريد أن نرى المتسببين في أحداث الساحل يُحاسبون”. وأشار إلى أنهم يرحبون بتعاون سلطات سوريا مع مفتشي حظر الأسلحة الكيميائية، لافتًا إلى أنهم يريدون استمرار التعاون حتى التدمير الكامل لمخزون سوريا الكيميائي. ونوه إلى أن واشنطن ليست في عجلة من أمرها لرفع العقوبات عن سوريا، مشيرًا إلى أنهم لم يصلوا بعد إلى نقطة إعادة فتح السفارة في دمشق.
وفي تحليله لطريقة التعاطي مع المطالب الدولية، يقول الكاتب والصحفي مضر الشرع، لـ”الترا سوريا”، إن الحكومة السورية تتعامل مع الملفات الشائكة بعقلانية، وترى في تقاطع المصالح مع الولايات المتحدة فرصة لبناء تواصل سياسي، خصوصًا في ملفات الإرهاب، والنفوذ الإيراني، وتهريب السلاح. وأشار إلى أن دمشق لا تسعى لفرض شروط مضادة، بل تعتمد الواقعية كمنهج تفاوضي، وتسعى لتوظيف الملفات التفاوضية، مثل ملف اللاجئين، ضمن إطار متزن وكجزء من رؤية استراتيجية أوسع.
ورفض مضر الشرع الاعتماد على تغير الإدارة الأميركية في انتخابات 2028 كعامل حاسم، معتبرًا أن انتظار نتائج الانتخابات ليس خيارًا واقعيًا للشعب السوري، مع إمكانية الاستفادة من علاقات ترامب الإقليمية لتحريك الموقف الدولي. كما أشار إلى أن روسيا تُمثل ورقة تفاوضية مهمة أمام أوروبا، خصوصًا مع استمرار وجودها العسكري في الساحل السوري.
من جهته، لا يتوقع الكاتب والباحث عبد الله الخير أن يكون هناك انفراجات قريبة في طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والإدارة الجديدة، خصوصًا أن ” هيئة تحرير الشام” لا تزال على لائحة الإرهاب، وحديث الشرع عن منح الجنسية للأجانب يعمق الخلافات كثيرًا في المفاوضات بين الطرفين.
وأضاف، في حديث لـ”الترا سوريا”، أن وجود المقاتلين الأجانب ومنحهم جنسية يعني أن السوريين أصبحوا يشكلون خطرًا على أي بلد يذهبون إليه، خصوصًا أن المجتمع يصنف المقاتلين الأجانب على أنهم إرهابيون، لذلك يجب أن تكون هناك خطوات واضحة من الحكومة السورية.
المشهد السوري يشهد تحولًا تدريجيًا نحو انفتاح سياسي محتمل. ومع تزايد المؤشرات الإيجابية من أطراف دولية، يبقى على الحكومة السورية المؤقتة أن توازن بين احترام السيادة، وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة دوليًا، واستثمار الدعم الإقليمي لبناء أرضية مشتركة تُفضي إلى إنهاء العقوبات والانطلاق في عملية إعادة إعمار شاملة.
الترا سوريا
—————————-
يهود سوريا جزء من المعادلة… حكومة الشرع “تلاعب” أمريكا أو “تغازلها”؟/ جعفر مشهدية
الثلاثاء 29 أبريل 2025
جاءت الأيام الأخيرة مليئةً بالأخبار والتصريحات حول سوريا وموقف الإدارة الأمريكية من إدارتها الجديدة، خاصّةً في ما يتعلّق بالعلاقة بين سوريا والولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وسوريا وإسرائيل من جهة أخرى، وذلك على لسان شخصيات بارزة معنية بهذه الملفات.
وتضمّنت كلمة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في جلسة مجلس الأمن، الجمعة 25 نيسان/ أبريل الجاري، عبارات عدة لافتة عن علاقة دمشق بالمنطقة، خاصّةً تل أبيب، حيث قال: “أعلننا مراراً عن التزامنا بأن سوريا لن تشكّل تهديداً لأي من دول المنطقة والعالم، بما فيها إسرائيل”. وفي موضع آخر، أقدم على ذكر يهود سوريا في تصريحٍ لافت، بقوله: “عاد بعض اليهود السوريين إلى الوطن لأول مرة، وتفقّدوا معابدهم”.
وفي سياق لعبة تبادل الرسائل بين دمشق وواشنطن، في ما يخصّ “شروط” رفع العقوبات عن سوريا والاعتراف بالإدارة الجديدة، فإنّ سوريا ردّت عبر رسالة مكتوبة على طلب أمريكي سابق باتخاذ تدابير لبناء الثقة يتضمّن قائمة شروط لرفع جزئي محتمل للعقوبات، قائلةً إنها طبّقت معظمها، لكن البعض الآخر يتطلّب “تفاهمات متبادلة”، وذلك بحسب وكالة “رويترز”.
وفي الرسالة المكوّنة من أربع صفحات وفق مصادر الوكالة العالمية، تتعهّد دمشق بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية مهمّته البحث عن الصحافي الأمريكي المفقود أوستن تايس، وتورد بالتفصيل إجراءاتها للتعامل مع مخزونات الأسلحة الكيميائيّة، ومنها تعزيز روابط الاتصال مع منظّمة حظر الأسلحة الكيميائيّة، لكن الرسالة لم تذكر الكثير من التفاصيل عن مطالب رئيسة أخرى، مثل إبعاد المقاتلين الأجانب الذين جاء الحديث عنهم في سياق أنّ الحكومة الجديدة علّقت إصدار الرتب العسكريّة للمقاتلين الأجانب مع طلب جلسة تشاوريّة أوسع حول هذه القضية مع الولايات المتحدة، كما لم يتم ذكر تفاصيل عن منح الإذن لواشنطن لشنّ ضربات لمكافحة الإرهاب في سوريا.
وأشارت الوكالة، إلى أنّ الرسالة تضمّنت أيضاً أنّ الحكومة الجديدة لن تتسامح مع أي تهديدات للمصالح الأمريكيّة أو الغربيّة في سوريا، فضلاً عن تشكيل لجنة لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينيّة، مع عدم السماح بوجود فصائل مسلّحة خارج سيطرة الدولة، كما لن يُسمح بأن تصبح سوريا مصدر تهديد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل.
بدوره، أكد متحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأمريكيّة، أنّ واشنطن تلقّت ردّاً من دمشق على طلب أمريكي باتخاذ تدابير محدّدة ومفصّلة لبناء الثقة، وأشار إلى أنه يجري حالياً تقييم الردّ السوري، وليس لديهم ما يعلنونه في الوقت الحالي، مردفاً أن الولايات المتحدة “لا تعترف بأي كيان بوصفه الحكومة السورية، وأي تطبيع للعلاقات في المستقبل سيحدَّد بناءً على الإجراءات التي تتخذها السلطات المؤقّتة”.
ما سبق، خلق حالة انقسام لدى المعنيين بالتطورات في سوريا، فأيّد فريق منهم تصريحات الشيباني وأسلوب تعامل الإدارة الجديدة مع واشنطن، بينما عدّ فريق آخر هذه التصريحات وتلك المواقف تنازلات وإن أقرّ بها كجزء من لعبة الدهاء السياسي والدبلوماسي، مع وجود تيار ثالث يرى فيها أخطاء قد تؤثّر على مستقبل البلاد.
“الهدف إحراج إسرائيل”
من وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي نور الدين البابا، فإنّ “النظام السابق عمل طوال عشرات السنوات على تدمير كل مقوِّمات قوّة سوريا في مواجهة أعدائها، ومكّن إسرائيل من أراضيها برّاً وجوّاً، وتالياً ورثت الحكومة الجديدة بلداً مدمّراً، منزوع الإمكانات الدفاعية والأمنية. وفي الوقت ذاته، وتحت ستار ‘المقاومة والممانعة’، تمكّنت المليشيات الإيرانية من سوريا، وعاثت فيها إفساداً وتقتيلاً، فسلّمت منها إسرائيل، ولم يسلم منها الشعب السوري”.
وينبّه البابا، في حديثه إلى رصيف22، إلى أنّ “الحكومة الجديدة قرّرت منذ اليوم الأول أن الأولويّة هي لمصلحة سوريا الوطنيّة، ولإعادة بناء اقتصادها، وبنيتها التحتيّة، ورفع العقوبات عنها، وهذا لا يتم في ظلّ استمرار حالة العداء مع المحيط، الموروثة من النظام الساقط، والتي كانت أقرب إلى البروباغندا منها إلى العداء القائم على أسباب وطنية حقيقية”.
وحول تصريحات الوزير الشيباني، يلفت البابا إلى أن الأمر “لا يخلو من إحراج دبلوماسي كبير لإسرائيل في ما يتعلّق بعدوانها ضد سوريا، خاصّةً أن كثيراً من المشكلات الداخليّة السوريّة تحرّكها إسرائيل بشكل أو بآخر. وبالنسبة إلى كلام الوزير عن اليهود السوريين، فتاريخياً الوجود اليهودي في سوريا يرجع إلى ما قبل قيام إسرائيل بزمان طويل، وكثر منهم بعد قيام إسرائيل بقوا في سوريا، وتعرّضوا لانتهاكات وتضييق من قبل نظام البعث دون وجه حق، ما دفع كثيرين منهم إلى الهجرة خارج سوريا، والأصل أنهم مواطنون سوريون انتُهِكت حقوقهم على أيدي نظام البعث البائد، ولن تسقط حقوقهم لمجرد أنهم يهود”.
“التعامل بواقعية”
من جهتها، توضح المتخصّصة في العلوم السياسيّة سميرة عرابي، لرصيف22، أنّ الموضوع “من دون شكّ، متعلّق بتسليم الإدارة السورية بموازين القوى على الأرض حالياً، وسط صعوبة فرض أي توازنات عسكريّة تجبر الإسرائيليين على الخروج من الأراضي التي احتلّوها في الجنوب السوري. ومن الواضح أنّ الإدارة الجديدة تعلم صعوبة أي عمل عسكري ضد إسرائيل بسبب فارق القوة الشاسع، والتخبطات الأمنيّة والداخليّة المتفاقمة، لذلك لجأت إلى أكثر الأشياء إغراء للأمريكيين، وهو بث التطمينات لصالح إسرائيل، سواء بالتصريح المباشر بعدم السماح بتشكيل أي تهديد ضد إسرائيل، أو بالإشارة إلى موضوع اليهود السوريين وحرّية عودتهم إلى بلدهم، وذلك لعجز الإدارة عن تلبية بعض الطلبات الأخرى المفروضة من واشنطن، خصوصاً موضوع إبعاد المقاتلين الأجانب، الأمر الذي يمنح الإدارة السوريّة فرصةً لتخفيف العقوبات، ويمنحها أوراق قوة مع بداية بروز الصدام مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والسويداء”.
“محاولة لكسب الودّ”
“بعد الذي جرى من انتهاكات إسرائيلية في الساحل السوري، وما صاحبها من غضب دولي عكّر صفو العلاقة مع الإدارة السوريّة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، لم تبقَ لدمشق أي وسيلة لإبعاد خطر العقوبات عنها وعدم الاعتراف بإدارتها الجديدة، سوى اللعب بورقة إسرائيل لكسب ودّ واشنطن، فتارةً يُلمّح الشرع إلى أنّ أي فوضى في سوريا ستضُرّ العالم أجمع وليس دول الجوار فحسب، وتارةً أخرى يخرج تصريح عن عضو الكونغرس الأمريكي مارلين ستوتزمان، الذي زار دمشق مؤخراً، يؤكد فيه أنّ سوريا الجديدة منفتحة على الحوار والتطبيع مع إسرائيل”، يقول الباحث السياسي باسل خطاب، لرصيف22.
كما يشدّد خطاب على أنّ “كلام الوزير الشيباني أمام مجلس الأمن الذي اتكأ خلاله على عدم تهديد إسرائيل والتلويح بعودة اليهود السوريين إلى بلدهم كجزء من صورة الأمان والوئام التي تروّج لها الإدارة الجديدة، يؤكد لعب الإدارة الجديدة على ورقة إسرائيل في التعامل مع أمريكا، لعلمها بأنّ أمان تل أبيب، بوصلة العمل الأمريكي وغايته في الملف السوري”، متوقعاً أن “إرسال مؤشّرات تتعلّق بالانفتاح على العلاقة مع تل أبيب يجعل أمريكا أكثر ليونةً في باقي الطلبات بما فيها موضوع المقاتلين الأجانب الذين ترى دمشق أنها عاجزة عن حلّ ملفّهم كما تشترط واشنطن، ولذلك ترغب في كسب الوقت والفرصة للتفاوض أكثر على هذا الشرط، بالإضافة إلى موضوع العقوبات”.
“كلام صادم”
إلى ذلك، يرى الناشط السياسي قيس البشير، في حديثه إلى رصيف22، أنّ كلام الشيباني أمام مجلس الأمن، ويخصّ حديثه عن عودة يهود سوريا إلى دمشق، “محاولة مبالغ فيها لتلطيف الأجواء مع واشنطن”، إذ لم يسبق أن ذكر مسؤول سوري على مدار عقود هذه النقطة التي لا يمكن فهمها إلا كمحاولة “تمسيح جوخ” لواشنطن وتل أبيب.
ويردف البشير: “نفهم عدم قدرة الدولة السورية الجديدة على مجابهة إسرائيل عسكرياً، فما جرى في سوريا في 14 عاماً مضت كفيل بتدمير أي قدرة عسكريّة. يضاف إلى ذلك انشغال الشارع السوري بهمومه الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ولكن هذا ليس حجةً لإظهار هذا الإقدام المبالغ فيه لـ’التطبيع’ مع إسرائيل”، مضيفاً: “ما خرج على لسان الوزير الشيباني أو أي مسؤول سوري آخر لا يمكنني قراءته إلا على أنه كلام صادم ويقلّل من حظوظ البلاد في تحصيل اتفاق سلام مُشرِّف في حال الذهاب في هذا الاتجاه مستقبلاً”.
في النهاية، يجد المواطن السوري البسيط نفسه مجبراً على الانخراط في لعبة التصريحات وما وراءها، ليس حبّاً في الشأن السياسي، ولا لامتلاكه أي رفاهية تؤهّله للتعامل مع هذه الأخبار، ولكن لأنّ رغيف الخبز اليومي أصبح بحاجة إلى إحلال الوفاق الوطني وحلّ القضايا الإقليمية.
رصيف 22
——————————–
==================