منوعات

“طريق” على ضفة بردى: فنّ التفكّر في الواقع…للشارع والمارّة/ سوزان المحمود

الإثنين 2025/04/28

“إننا هنا، وما زلنا هنا، ومن هنا”، طريق من تسع وعشرين حكاية تشبه قصصنا نحن السوريين …” دمشق نيسان 2025. هكذا كُتِبَ على تذكرة الدخول لمعرض “طريق”.

قدّم فنانون وفنانات معرضاً تفاعلياً، على أرض معرض دمشق الدولي القديم على ضفة نهر بردى، وفي مبنى الوردة الدمشقية الذي توقف العمل عليه، ولم يستكمل منذ سنوات طويلة بسبب الحرب الدائرة في البلاد وبقي ككتلة خرسانية بلا روح. تحاول هنا مجموعة من الفنانين الشباب بعث الحياة في أوصالها، في مساء كل يوم من شهر نيسان الجاري وفي تمام الساعة السادسة يسمح للزوار بدخول أرض المعرض القديمة، ليشاهدوا أعمالاً فنية تعتمد على تفاعل المتلقين معها. من الفنون التفاعلية، كالتجهيز في الفراغ، إلى الرسم على الجدران، وتصاميم لأعمال نحتية مختلفة الخامات، وأعمال أخرى مثل الفيديو آرت، وتعتمد جميعها على خبرة الفنانين في التعامل مع الفضاء العام كفضاء بديل عن الغاليريهات، حيث تقدموا خطوة في اتجاه الشارع والناس العاديين، ليتحدثوا، من خلال فنهم، مع المارة، عن مشاعرهم وأفكارهم تجاه المخاض الذي تعيشه بلادهم…

تسعة وعشرون عمل فني تعتمد على تفاعل المتلقين معها ومع الجمهور، ونجح الفنانون والفنانات في نقل هواجسهم الإنسانية والاجتماعية والسياسية بطرق غير مباشرة للمتلقي اليومي. نتحدث هنا عن عدد من هذه الأعمال، ومع بعض الفنانين المتواجدين لحظة تواجدنا في المعرض.

أحد الأعمال كان تحت عنوان “صندوق العجايب” للفنان حذيفة حورية، صمم على شكل صندوق الدنيا، وهو أول آلة عرض سينمائية في دمشق، يعتمد على تحريك الصور يدوياً، وغالباً ما كانت تعرض فيه صور الحج ومكة وقصص من التراث الشعبي. اليوم صُمم العرض ليحاكي مأساة السوريين التي تكشّف معظمها بعد سقوط النظام الديكتاتوري، إذ تمثل الصور مستويين. مستوى أول ،فيه طريق عام وشخصية الديكتاتور يقف بجانبه غراب كبير المنقار، وشخصيات تعبر الشارع من دون أن تعرف أن تحت هذا الطريق وتحت هذه الأرض هناك معتقلات ضخمة، يُعذَب فيها المعتقلون حتى الموت. فكان هناك مستويان، مستوى الحياة المشوهة في الأعلى مع مشاهد دمار الأبنية ومستوى الاعتقال والقهر والموت في الأسفل.

أيضاً هناك عمل تجهيز في الفراغ بعنوان “رقم” لآلاء حبوس. يصور الأشخاص كأرقام بلا ملامح، وكتب في تعريفه “أبيض 34 50. هو اسمك الجديد، تخلص من ملفك القديم، واحفظه جيداً، سيحالفك الحظ إن حصلت عليه. فهو آخر إثبات لوجودك!” العمل عبارة عن غرفة بيضاء وصور بيضاء بلا ملامح، عليها أرقام فقط مع إضاءة وصوت. هناك أيضاً عمل لأنوار الأخضر بعنوان “أن تشفى”، يبدو كرحم وفيه جنين، وتطلب منك الملاحظة الملصقة على الحائط أن تضغط الكرة الزجاجية فيضيء الطفل، وهو طريقة لتواصل الإنسان مع الطفل الذي بداخله.

وهناك عمل بعنوان “خزان سوري” لماسة الدبس، وهو ملصق بصري يمثل مشهداً من مدينة، مرآة تعكس أرواح ساكنيها وأحلامهم تقول بطاقتها: “هل نحن مختلفون أم نحن مجرد وجوه مختلفة لنفس القصة؟!”. عمل آخر فيه شخصيتان: الأولى بيضاء والثانية سوداء تحمل وردة، يقفان مقابل المرآة، معظم المارة التقط صوراً معهما ومع انعكاس وجهوهم في المرآة. عمل آخر لرالة طرابيشي بعنوان “أغراس”، عبارة عن عدد كبير من السيوف الصغيرة المدلاة من السقف، ويمكن للمشاهد قراءة السيوف كصلبان أو كشواهد قبور أو كسرب طيور، أيضاً التقط المارة صوراً معها وبينها. وهناك عمل آخر لفؤاد خطار بعنوان “ابحار بالعاصفة”، تجهيز نحت ورقي يمثل قارباً كبيراً يحمل قوارب صغيرة، محاطاً بعدد كبير من المِدى أو السكاكين التي تنغرس في جسد الفضاء. يمكن إسقاطها جميعها على الواقع المؤلم الذي تتخبط فيه البلاد بعد سقوط نظام ديكتاتوري.

وهناك عمل لدلع جلنبو عنوانه “تراكم” وهو عبارة عن ثلاث لوحات جدارية كتبت في بطاقته: “نور محمل الحب، يشتعل شوقاً للغفران، يغلق الماضي ليخلق السلام” وهو عبارة عن مواد مختلطة على قماش مع شمع مشتعل.

الفنان إياد ديوب، صاحب عمل بعنوان “معبر” وهو نحت شبكي كُتب في بطاقته: “بلدي هي جرحي المفضل لم… ولن يلتئم. هي معبري. أخوض فيه الواقع لعالم في خيالي! هربنا منها وإليها”. ويقول ديوب لـ”المدن”: “عملي يمثل جبل قاسيون، شبّهت البلد كلها بجبل قاسيون، الكتلة ككل هي كتلة واحدة، يمكننا تشبيهها بقطعة لحم تتفسخ وتنفصل عن بعضها البعض، لكنها تحمل نفسها بنفسها من طريق نقاط متعددة، وضعت الخطافات المعدنية التي تشبه ما يعلق به اللحام الذبيحة، لأنهم يغرسونها في لحم البلد وفي لحمنا في الوقت نفسه، فبقينا معلقين لا نستطيع أن نتركها ونغادر ولا نستطيع أن نبقى ونحب بعضنا البعض كما يجب، أحببت أن أخرج شيئاً إيجابياً منها فخرج معي طير، خياله خيال طير يحلق في السماء، لكنه في الحقيقة طير بجناح واحد لا يستطيع الطيران”. يضيف: “استخدمت هذه المادة المعدنية لأنها تشبه الشباك التي يصطادون بها السمك في البحر والتي تصطاد عادة عدداً كبيراً من الأسماك في وقت واحد وفي وقت قصير، كما يحدث معنا في هذه البلد، ربما برضانا وربما لا”.

ويختم ديوب: “لكن هناك حبّاً أكيداً وهناك علاقة مريضة وغير صحية بيننا وبين البلد، علاقة عاطفية غير منضبطة، حاولت أن أضع كل التكوين في إطار أبيض نظيف ومرتب حتى اضبط العمل لكنني لم أتمكن من ذلك وفقدت السيطرة على المنحوتة التي عربشت على الحائط وصنعت مدينة أخرى حتى خيالها صنع قاسيون آخر ومدينة أخرى”.

وتقول الفنانة آية زبيدة لـ”المدن”: “اسم عملي “استكان بخفة”، بمعنى أن الإنسان يستسلم أو يخضع أو يُجبر بخفة على شيء لا يريده، ولا يريد مواجهته، أنا اخترت ثلاثة مشاعر من أصعب المشاعر التي يمكن للإنسان أن يتقبلها في حياته، ومنها الإحباط والتعلق والفقدان، كما يحدث عندما نفقد شيئاً أو نفقد أشخاصاً أو نتعلق بذكريات لم نستطع استرجاعها، والإحباط يولد اكتئاباً. من خلال هذا العمل أحاول أن أجعل الناس تواجه مشاعرها هذه، وتتقبلها رويداً رويداً وتعطيها هذا الوقت حتى تسمح للجوهرة التي بداخلها أن تخرج وتضيء وتجعل هذه المشاعر الحزينة تتلاشى في المكان مثل الضوء الذي يأتي على قطع الكريستال فتعكسه وتشتته شيئا فشيئاً”.

وتضيف زبيدة: “هذه الكريستالة كان شكلها عشوائياً لأن كل إنسان داخله جوهرة تختلف عن الجوهرة داخل انسان آخر وكانت مضغوطة وقاسية وأحجارها من أحجام مختلفة، نحن تعرضنا في هذه الحياة لمشاعر قاسية جداً وتجارب كثيرة لم نستطع تحملها وصبرنا وبعدما تقبلناها انفجرنا وأضأنا”.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى