الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 29 نيسان 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

—————————-

ملاحظات حول “الرؤية الكردية المشتركة” الصادرة عن مؤتمر “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي في روجآفايي كردستان”/ مهند الكاطع

🔹قبل كل شيء، دعونا نتأمل في عنوان المؤتمر ذاته ليتبين لنا حجم التناقض بين الشعار والمضمون:

فالمؤتمر، الذي يدّعي سعيه نحو “الوحدة الوطنية السورية”، انعقد تحت عنوان واضح الدلالة:

“وحدة الصف والموقف الكردي في روجآفايي كردستان” — أي “كردستان الغربية”، وهو مصطلح انفصالي صريح لا يحتاج إلى كثير عناء لقراءته مبني على الإيمان أن مناطق معينة من سورية هي جزء من كردستان الكبرى (خطاب تتبناه معظم أدبيات الأحزاب الكردية يمكنكم مراجعتها للتحقق).

فكيف يُعقل أن يدعو مؤتمر ما إلى (وحدة وطنية سورية وشراكة وطنية)، في حين يسبغ على مناطق سورية كاملة هوية قومية خاصة لاتعكس أصلاً الواقع الديموغرافي ولا الهوية التاريخية  لهذه المناطق؟

🔹وما يوضح النزعة السلبية في هذا الخطاب، أن القائمين على هذه الرؤية اعتمدوا كعادة الخطاب الحزبي الكردي استخدام مصطلحات وتسميات كردية (دخيلة) على الأسماء الأصلية التاريخية للمدن الجزراوية، من قبيل: تسمية رأس العين بـ “سري كاني”، وتحويل تل أبيض إلى “كري سبي” في معرض الحديث عن عودة النازحين وإغفال موضوع “المهجّرين قسراً” من ناحية #الشيوخ بأكملها (60 ألف نسمة) في منطقة عين العرب منذ عشر سنوات حتى يومنا هذا.

وبذلك، لا تقتصر المحاولات على المطالبة بحقوق قومية فحسب، بل تمتد كذلك إلى إعادة هندسة الجغرافية السورية لغوياً، ضمن سياق رمزي يهيئ لتكريس انفصال ثقافي وقومي عن الإطار الوطني الجامع.

أما نص الوثيقة (الرؤية)، فيواصل السير على هذا الخط المتذبذب؛ إذ تبدأ بمطالب “شراكة وطنية” متساوية، لكنها سرعان ما تنتقل إلى مطالبة بحزمة امتيازات حصرية للأكراد:

▪️ إعادة رسم الحدود الإدارية للمناطق التي يقطنها الأكراد لصناعة اقليم كردي يتناسب مع مصطلح (روجافاي كردستان)  حتى مع استحالة ذلك ديموغرافيا وعملياً!

▪️حكم وإدارة ذاتية

 ▪️لغة كردية رسمية في الدستور.

▪️مؤسسات ثقافية مستقلة وإعلام رسمي خاص .

▪️إدارة ذاتية منفصلة عن السلطة المركزية▪️

▪️ مبادئ فوق دستورية.

كل ذلك تحت عنوان “الوحدة الوطنية”، مما يجعل المرء يتساءل: عن أي وحدة يتحدثون؟ وحدتهم هم، أم وحدة سورية؟ وإذا كانت هذه الوحدة فما هو الانفصال إذن ؟

🔹وتغفل الرؤية حقيقة بالغة الأهمية: أن المناطق التي يصرون على تسميتها “مناطق كردية”، مثل الحسكة والقامشلي ورأس العين وتل أبيض وعين العرب والرقة، هي في حقيقتها مناطق ذات أغلبية عربية تاريخياً وحاضراً، ولا ننفي كذلك أصالة وجود العشائر الكردية منذ مرحلة ما قبل العمران عندما كانت منطقة رعوية موسمية لعشائر مختلفة، لكن كذلك لا يجب إنكار أن المناطق هذه شهدت منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين (في زمن الانتداب الفرنسي) هجرات كردية كثيفة من تركيا والعراق بفعل ظروف أمنية و سياسية واقتصادية معروفة، وحصل معظمهم على أراضي و حقوق مدنية تدريجية وليس العكس، ولم يتم التعامل معهم كغرباء أو محتلين!

🔹 كما تتجاهل الوثيقة أيضاً أن إحصاء 1962، الذي يوصف بـ “إجراءً استثنائياً ظالماً”، لم يكن سوى محاولة تنظيمية من حكومة العظم (حكومة الانفصال عن مصر)  لمواجهة تسلل سكاني غير شرعي، حيث باتت الجزيرة بمثابة محطة لالتقاء كل مهاجري القرن العشرين حينها ومن كل الأطياف، هددت تلك التغييرات آنذاك التوازن الديموغرافي المحلي في الجزيرة السورية وضاعف أعداد السكان خلال عشر سنوات للضعف، مما جعل شروط منح الجنسية اثناء الاحصاء للأشخاص الذين يثبتون وجودهم في سورية قبل عام 1945 وكان يكفي شاهدين لاثبات ذلك لكن الكثير وقتها خشية الذهاب للعسكرية وبتحريض من ملاكين الأراضي الذين خشيوا من مقاسمة أراضيهم اقنعوا الكثير  بمحاولة اثبات مجيئهم بعد 1945 فتم تقييد اكثر من 25 الف وقتها ضمن سجلات الاجانب وظهرت هذه المسألة والتي سعى بشار الاسد استثمارها في بداية الثورة بمنح الجنسية لهم، وعليه يجب أن تراجع هذه الاجراءات كلها والحذر من تجنيس مقاتلين حزب العمال الكردستاني بحجة انهم من ضحايا ذلك الإحصاء  .

🔹تطالب الرؤية بإلغاء جميع “الإجراءات الاستثنائية” التي تمس الأكراد، ومن بينها ما تسميه (الحزام العربي) ذلك المشروع الذي بقي حبراً على ورق لانه كان يقضي بنقل الأكراد جميعهم من المناطق الحدودية لمناطق داخل سورية وإسكان عشائر عربية من الجزيرة بمكانهم، وهذا لم يحدث البتة، واستحضار إسكان 40 قرية لمن تضرروا من سد الفرات وغمرت قراهم واراضيهم وتعويضهم من املاك الدولة في الجزيرة حتى لو كانت الاهداف سياسية، لكنها لم تحدث الأثر الذي يتم تصويرها على أنها مآسي طالت الكرد دون غيرهم! علماً أن معظم الملاكين في الجزيرة الذين ذهبت أراضيهم بقوانين الاصلاح الزراعي كانت لملاكين عرب بالأصل.

بعبارة أخرى: يريدون من خلال تلك السرديات وموضوع قرى المغمورين الإيحاء بأن الوجود العربي كله طارئ وهو من منجزات الحركة التصحيحية المجيدة!  وبالتالي يجب محو تاريخ المنطقة وإعادة كتابة “قصة سكان أصليين” حسب رواية جديدة منسوخة من مؤلفات أربيل أو قنديل، وربما قريبا ينتجون فيلماً بعنوان: “روجآفاي كردستان في العصر البرونزي”

🔹وفي مفارقة لافتة، الوثيقة مع مطالبتها بالغاء “الاجراءات الاستثنائية” التي تمس الأكراد،  تطالب بإجراءات استثنائية جديدة لصالحهم:

إدارة ذاتية، خصوصية قومية، مبادئ فوق دستورية، حصة من الثروات الطبيعية، وتعويضات جماعية،  وفق موازين قومية لا وطنية، بما يوحي بأن المساواة المطلوبة هي مساواة من طرف واحد:

[كل الحقوق لنا… والبقية يتقاسمون ما تبقى].

أو

[ ماهو لنا فهو لنا لوحدنا.. وماهو لكم فهو لنا ولكم]

♦️ختاماً،

لا يمكن بناء وطن عبر تفكيك هويته الوطنية الحضارية والثقافية المشتركة إلى جزر قومية متناثرة بحجة وجود طيف من الاثنيات والطوائف. ولا يمكن تحقيق العدالة عبر توهّم إمكانية فرض وقائع سياسية  وجغرافية جديدة تتجاهل التاريخ والمجتمع والتوازنات السياسية والاجتماعية.

سورية ببساطة، ليست تركة استعمارية فرنسية ولا أمريكية ولا إيرانية حتى يتم التعويل بأخذ قطعة منها، وليست سجلاً عقارياً يمكن تغييره بإرادة طرف واحد مهما كانت مبرراته العاطفية أو السياسية.

وسورية بتاريخها الحضاري العريق والقديم والأسطوري، أكبر من أن تختزلها خطابات المحاصصة العرقية أو أن تقسمها خرائط الهوى الطائفي و القومي المستحدث.

وسكان سورية بعض كل تضحياتهم وما قدموه، لن يكونوا كومبارس في مسرحية قومية كردية.

—————————-

الكرد في منتصف طريق إلى دمشق/ سميرة المسالمة

الإثنين 2025/04/28

تفيد الحالة السورية شبه المستقرة حالياً، بعد تحريرها من النظام السابق، بإمكانية العودة لفتح كل القضايا المسكوت عنها، ومنها المسألة الكرديّة التي لها وجهان: الأول يتعلق بحقوق المواطنة ومكانتها في الدولة والمجتمع السوري، بحكم طبيعة السلطة السابقة التي كرست العداء بين المكونات السورية. والثاني، يتعلق بكونها قضية قومية، مما يستوجب مناقشتها الآن -من كل الأطراف المختلفة معها، والمتوافقة عليها- باحترافية سياسية، ومداخلة وطنية تؤكد وحدة الأراضي السورية، وقدرة شعبها على العيش السلمي المشترك، بحقوق مواطنة متساوية، وعابرة إلى الحقوق الجمعية، لتحقيق أكبر قدر من احترام الخصوصيات الثقافية لمختلف المكونات السورية، وتقاسم الواجبات تجاه عملية إعادة بناء الدولة السورية، وخلق إجماعات وطنية تؤسس للجمهورية السورية الجديدة.

ومن هنا، تكمن أهمية ما جرى في مؤتمر “وحدة الموقف والصف الكردي” في القامشلي، يوم السبت الماضي، من مناقشة الاختلافات التي تجمهرت الأحزاب الكردية خلفها، وتسببت في انشقاقاتها، وتفريق وحدة صفها، وصولاً لوثيقة مشتركة تثبت الخطوط العريضة لتفاهماتهم، وتنطلق منها أساسيات حواراتهم مع السلطات السورية، لحل القضية الكردية التي بقيت عالقة بين إرادة الانضواء تحت راية سوريا الواحدة، والمطالبات بحكم ذاتي، أو دولة كونفدرالية، ما كان من شأنه ان يثير الشكوك حول نية الانفصال مستقبلاً.

فبينما استبعدت بعض الاقتراحات المتعلقة بمطالب غير واقعية، وجدت الحلول الوسطية مكانها في الوثيقة، التي كانت حصيلة جمع الأحزاب تحت سقف واحد بجهود دولية متعددة، فالحديث عن سوريا اللامركزية (التي طالما أشرت إليها في مقالاتي كحل تنموي واقتصادي لكل المناطق السورية)، يعد مقاربة منطقية للحلول التي يمكن طرحها مع سلطة دمشق، والتي اعتمدت الواقعية خلال الاتفاق الأولي بين الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية (أحمد الشرع)، والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (مظلوم عبدي).

ويمكن القول: إن الاتفاق سرّع من عملية المصالحة الكردية- الكردية، نظراً لما تمتع به الطرفان الموقعان عليه، من برغماتية إيجابية تجاه مطالب مشروعة من كليهما، وهو الاتفاق الذي يمكن من خلاله استكشاف إرادة السلطة السورية الجديدة بالحفاظ على الحوار، كأداة لحل المسائل العالقة، والحفاظ على وحدة سوريا.

ولعلّ هذا الاتفاق بما يوحي من إمكانية إنهاء الصراع العربي- الكردي في سوريا والمنطقة عموماً، هو ما شجع أيضاً على تكثيف الوساطات الدولية لجمع الأحزاب والخروج بورقة عمل واحدة يمكن اعتبارها أساساً للمصالحة الداخلية، ووثيقة للإجابة عن أسئلة محورية على خلفية الطروحات الكردية غير المتناسقة، وبعضها كان قد جنح إلى ما هو غير ممكن التحقيق، على الأقل في المرحلة الحالية، ما كان يقودنا إلى استمرار حالة التشتت، واللا حل، التي تعطل مسيرة إعادة بناء مشروع الدولة السورية، ولعل شبه الاجماع الكردي الحاصل اليوم على سوريا لا مركزية، تضعهم في منتصف الطريق إلى دمشق، بديلا عن طروحات الاتحادية أو الكونفدرالية التي تتركهم بعيداً عنها، نتيجة ما اعتاد بعضهم على طرحه كنموذج للدولة السورية.

قدمت الوثيقة رؤيتهم الخاصة لشركائهم السوريين، وللمحيط الإقليمي والدولي، فأجابت عن أسئلة مهمة وأساسية كنت ذكرتها في مقالة في جريدة “العربي الجديد” في آذار من عام 2017، وهي “كيف ينظر السوريون الكرد إلى المشهد العام للحل في سوريا؟ وهل يعتبرون قضيتهم جزءاً من هذا المشهد؟ أم يرون أن لهم مشهداً مستقلاً تماماً؟ هل يرون أنفسهم كسوريين معنيين بالتغيير نحو المواطنة والديمقراطية في البلد؟ أم يرون أنفسهم ككرد فقط؟ أم يرون أنفسهم في تقاطع بين هاتين العمليتين، وَفْقَ صيغة دولة فدرالية أو لا مركزية؟

وعليه، فإن مجموع المطالبات التي أجمعت عليها الأحزاب الكردية، تؤكد انصهارهم بالقضية السورية ككل، رغم ميلها للتركيز على خصوصية مناطقها، إلا أنها في الوقت نفسه، يؤخذ عليها أنها تحمل السلطة الحالية تبعات أخطاء نظام الحكم السابق، والوحدة السورية- المصرية، وحالة الفساد والفوضى التي عمت البلاد خلال الحكم الفاسد في عهدي الأسد الأب والابن، وفي ظل الحرب الهمجية التي شنها نظام بشار الأسد على الشعب السوري، منذ عام 2011 وحتى فراره من سوريا في 8 كانون اول/ديسمبر 2024.

ما يعني أن المطالب قد تحتاج إلى تقنين من جهة، وإلى امتلاك المرونة الكافية لمن يفاوض بشأنها من جهة مقابلة، لتكون حكومة الرئيس الشرع قادرة على التعامل معها، وفق منطق الممكن والمتاح والقابل للتطبيق، سواء لأنه يستدعي بنية تحتية مؤسساتية تحمله، أو بنية تشريعية تتعامل مع التغيير وفق إرادة الشعب السوري بكامل أطيافه، بكل الأحوال فإن التقاط الإشارات الإيجابية من الطرفين الحكومي والكردي، وتوظيفها في مشروع وطني جامع، يضع سوريا على سكة الطريق الصحيحة، نحو المستقبل الذي يستحقه كل السوريين على اختلاف قومياتهم وطوائفهم.

المدنية

——————————-

اتفاق الشرع وعبدي في مهب التجاذبات السياسية/ محمد أمين و سلام حسن

29 ابريل 2025

دخل الاتفاق بين الإدارة السورية الجديدة، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، المبرم في مارس/آذار الماضي، الموقع بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، في مهب التجاذبات السياسية التي طفت على سطح الأحداث في البلاد. يأتي ذلك بعد صدور وثيقة من قوى سياسية سورية كردية رأت دمشق أنها تهدد وحدة البلاد ولا تتماشى مع مضامين اتفاق الشرع وعبدي أخيراً، والذي كان الهدف منه تجنيب البلاد دورات عنف جديدة.

واتهمت الرئاسة السورية، “قسد” بعدم الالتزام ببنود اتفاق الشرع وعبدي. وأشارت في بيان أول من أمس الأحد، إلى أن التصريحات الصادرة أخيراً عن “قسد” تتعارض بشكل صريح مع مضمون الاتفاق و”تهدد وحدة البلاد وسلامة ترابه”. كما أكدت الرئاسة رفضها القاطع “أي محاولات لفرض واقع تقسيمي، أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفيدرالية، أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل”، مشددة على أن وحدة سورية خط أحمر، وأي تجاوز لذلك يعد خروجاً عن الصف الوطني ومساساً بهوية سورية الجامعة. وأوضحت أنه لا يمكن لقيادة “قسد” أن تستأثر بالقرار في منطقة شمال وشرق سورية، محذرة من تعطيل عمل مؤسسات الدولة السورية في المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، وتقييد وصول المواطنين إلى خدماتها واحتكار الموارد الوطنية وتسخيرها خارج إطار الدولة.

نظام لامركزي

وحمل البيان نبرة حادّة لأول مرة تجاه هذه القوات وقوى سياسية سورية كردية دعت بعد اجتماع عقدته، يوم الجمعة الماضي، في القامشلي إلى إقرار دستوري بوجود قومي للأكراد، وضمان حقوقهم دستورياً، وتوحيد المناطق الكردية بوصفها وحدة سياسية إدارية متكاملة في إطار سورية اتحادية. كما طالبت تلك القوى بنظام حكم برلماني في سورية يتبنى التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وفصل السلطات، ويعتمد مجالس المناطق في إطار النظام اللامركزي. وكان لافتاً مطالبة المجتمعين بـ”توحيد المناطق الكردية بوصفها وحدة سياسية إدارية متكاملة في إطار سورية اتحادية”، وهو ما يُنظر إليه على أنه شكل من أشكال التمهيد لتقسيم البلاد. كما طالبوا بـ”تشكيل هيئة دستورية برعاية دولية تضم ممثلي كافة المكونات السورية لصياغة مبادئ ديمقراطية، وتشكيل حكومة من كافة ألوان الطيف السوري ومكوناته بصلاحيات تنفيذية كاملة”، في نسف واضح للإعلان الدستوري الذي أعلنته الإدارة السورية، منتصف الشهر الماضي.

ونص اتفاق الشرع وعبدي على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي. كما نص على “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري”، و”ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وجميع مؤسسات الدولة، بناءً على الكفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية”. وشُكلت بالفعل لجان متخصصة للتفاوض في كل الملفات لتمهيد الطريق أمام استعادة الدولة السورية السيطرة على الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه “قسد”، ووضع حد لمحاولات حثيثة لفرض واقع يفتح الباب أمام مشروعات لتقسيم البلاد. ولكن يبدو أن اتفاق الشرع وعبدي بات في مهب تجاذبات سياسية حادة بين الإدارة السورية الجديدة والقوى الكردية.

ويشي البيان الذي أصدرته الرئاسة السورية إلى أن دمشق تشكك في جدية “قسد” بالمضي في تنفيذ بنود الاتفاق على ضوء المطالب التي أعلنت عنها القوى السياسية الكردية الجمعة. وتبدو القوى السياسية الكردية، خصوصاً حزب الاتحاد الديمقراطي وهو المسيطر على “قسد”، والمجلس الوطني الكردي، تتمرس خلف هذه المطالب، لا سيما لجهة المطالبة بنظام لامركزي. وترفض دمشق نظاماً لامركزياً وتعده خطوة واسعة باتجاه شرذمة البلاد على أسس عرقية وطائفية، وتطرح بالمقابل فكرة المواطنة الكاملة لكل السوريين بغض النظر عن العرق والدين والمذهب “دون الحاجة لأي تدخل خارجي أو وصاية أجنبية”. وجرى تنفيذ عدة اتفاقات فرعية عن اتفاق الشرع وعبدي الأساسي، فـ”وحدات حماية الشعب” الكردية انسحبت أخيراً من حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب بعد ترتيبات مع الأمن العام في المدينة. كما توصل الطرفان لتفاهمات تخص سد تشرين على نهر الفرات في ريف منبج، فضلاً عن استمرار التفاوض حول ملف التعليم والنفط. ورغم مرور أكثر من 40 يوماً على توقيع الاتفاق، إلا أنه لم تحدث حتى اللحظة اختراقات مهمة خصوصاً في الملفات الأكثر أهمية من قبيل دمج “قسد” في الجيش السوري وتسليم المعابر والسجون وموارد النفط.

صمود اتفاق الشرع وعبدي

لكن الباحث السياسي المقرب من الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية، إبراهيم مسلم، رأى في حديث مع “العربي الجديد” أن اتفاق الشرع وعبدي “غير معرض للانهيار”، مضيفاً أن “الجانبين يحتاجان هذا الاتفاق”. وأوضح أن “دمشق بحاجة إلى قسد لتحسين العلاقة مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تحتاج قسد إلى الاتفاق لتخفيف حدة التهديد التركي”. وبرأيه هناك “سوء قراءة” للوثيقة التي صدرت عن اجتماع القوى الكردية في القامشلي، مضيفاً أن “الوثيقة أكدت على وحدة سورية. كل طرف من حقه طرح رؤيته لسورية المستقبل والإجماع الوطني هو من يحدده. أعتقد ان ما جاء في الوثيقة يتوافق مع مضامين اتفاق الشرع وعبدي”. وحظي الاتفاق بين الإدارة السورية و”قسد” برضى إقليمي ودولي، فالولايات المتحدة دفعت الجانبين إلى ردم هوّة الخلاف بينهما وحسم مصير الشمال الشرقي من سورية سلماً، وتجنّب الحلول العسكرية. وبعد إبرام الاتفاق بدأت واشنطن بسحب جانب من قواتها المتمركزة في شمال شرق سورية.

وفي هذا الصدد، رأى القيادي في المجلس الوطني الكردي، شلال كدو، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “اتفاق الشرع وعبدي سيستمر”، معرباً عن اعتقاده أن معظم بنوده ستطبّق “لكونه أبرم بإشراف أميركي وموافقة تركيا ورضى عربي وإقليمي ودولي واسع”. لكنه لفت إلى أن الاتفاق يواجه عدة تحديات في طريق تنفيذه فـ”الملفات كثيرة ومعقدة ومتشابكة بين الطرفين سواء كانت عسكرية أو إدارية أو مالية أو ما يتعلق بمصادر النفط”. لكن أبرز تحد، وفق كدو، هو “مخرجات مؤتمر (اجتماع القوى الكردية) وحدة الصف الكردي، فحكومة دمشق أبدت امتعاضها الكبير والشديد من هذا المؤتمر ومخرجاته”. وبرأيه “ربما يكون هذا البيان أو هذه الرؤية السياسية المشتركة الذي صدر عن المؤتمر يشكل عائقاً أمام تنفيذ هذا الاتفاق، ولكنني أعتقد أنه سيجد طريقه إلى النور شيئاً فشيئاً”. وباعتقاده “هناك مصلحة مشتركة للطرفين اللذين وقّعا على هذا الاتفاق”، مضيفاً أن “قسد يجب أن يندمج في النهاية مع وزارة الدفاع السورية ولا بد للسلطات السورية الجديدة أن تعمل على احتوائها كونها قوة عسكرية كبيرة وربما أكبر من الجيش السوري الجديد، ومدعومة أميركياً وشعبياً في المناطق الشرقية وبالتالي لا مناص من تنفيذ هذه الاتفاقية”.

أما المحلل السياسي فريد سعدون، فقال في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن اتفاق الشرع وعبدي “عسكري أكثر من كونه سياسياً”، مضيفاً أنه “لا بد من تنفيذه لتجنّب أي صدام يمكن أن تستغله جهات متطرفة”. ولفت إلى أن ما تم التوصل إليه في حلب وسد تشرين يؤكد أن الجانبين بصدد تنفيذ الاتفاق. وأضاف: “لا أعتقد أن الحكومة في دمشق ستغامر بدخول حرب مع قوات قسد في ظل وجود القوات الأميركية في البلاد”، مشيراً إلى أن القوى الإقليمية والدولية “لا ترغب بالفوضى في سورية، لذا ستلعب دوراً إيجابياً في تنفيذ اتفاق دمشق مع الجانب الكردي”. وبرأيه فإن المطالب الكردية خاضعة للتفاوض في دمشق.

العربي الجديد

—————————–

3 نقاط تثير مخاوف دمشق وأنقرة من تحركات أكراد سوريا/  د. سعيد الحاج

28/4/2025

دعا مؤتمر أكراد سوريا إلى سوريا ديمقراطية لا مركزية يتمتع فيها الأكراد بحقوق سياسية وثقافية ضمن رؤية لسوريا اتحادية أو فدراليّة، ما استدعى ردًا من الرئاسة السورية، وسيستدعي اهتمامًا تركيًا بعدّه نكوصًا عن الاتفاق بين الإدارة السورية، وقوات سوريا الديمقراطية.

السياق

كان أكراد سوريا في مقدمة الأطراف المستفيدة من التطورات اللاحقة للثورة السورية، ولا سيما ضعف قوة وقدرات الحكومة المركزية، فأعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الإدارة الذاتية بداية عام 2014، على ثلاثة كانتونات في الشمال السوري، وبدأ الحديث عن فكرة دولة/ دُويلة كردية.

وكانت تركيا في مقدمة الرافضين لذلك من باب التأثير السلبي المتوقع على الملف الكردي الداخلي، إذ إن حزب الاتحاد الديمقراطي هو الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة إرهابية وانفصالية في تركيا. وقد أدى ذلك فعلًا لنكوص الأخير عن المسار السياسي الداخلي، واستئناف الهجمات، وإعلان الإدارات الذاتية في جنوب وجنوب شرقي تركيا.

نفذت أنقرة عدة عمليات عسكرية للحيلولة دون إنشاء كيان سياسي على حدودها الجنوبية يرتبط بالكردستاني، وبقي الدعم الأميركي للمليشيات الكردية الملف الخلافي الأبرز بين أنقرة وواشنطن، ولم يخفف منه سعي الأخيرة لتحويل وحدات حماية الشعب – الذراع العسكرية لحزب الاتحاد – إلى قوات سوريا الديمقراطية “قسَد” بتطعيمها بعناصر إضافية. وبقيت أنقرة تلوّح بعملية عسكرية إضافية ضد قسد ما لم تتخلَّ عن مشاريعها الانفصالية ذات الطابع الإقليمي.

مع إطلاق عملية “ردع العدوان” ورصد تحركات لقسد، تحرّكت الفصائل المنضوية تحت الجيش الوطني السوري المقرب من تركيا ضد الأخيرة.

ومع سقوط النظام، تحوّلت مناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها قسد إلى مصدر القلق الأبرز لكل من دمشق وأنقرة بعدِّها التهديد المحتمل لوحدة أراضي سوريا، خصوصًا بعد تصريحات من كل من الحكومة “الإسرائيلية” وقيادات في قسد بخصوص التعاون المحتمل، ولا سيما ضد تركيا.

جددت أنقرة تلويحها بعملية عسكرية جديدة ضد قسد، لكنها أبدت ارتياحها لأي مساعٍ داخلية سورية – سورية تمنع سيناريوهات التقسيم، ولذلك فقد عبّرت عن ارتياحها للاتفاق الذي عقده الرئيس السوري أحمد الشرع مع قائد قسد مظلوم عبدي في مارس/ آذار الفائت، خصوصًا أنه أتى بعد نداء عبدالله أوجلان بحل العمال الكردستاني، وإلقاء السلاح، وإن ظل ترحيب أنقرة حذرًا ومصحوبًا بتأكيد متابعتها للتنفيذ وإبقائِها جميع الخيارات على الطاولة.

المؤتمر

يوم السبت الفائت، نظمت قوى وأحزاب كردية سورية في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة مؤتمرًا للحوار الوطني الكردي تحت عنوان “مؤتمر وحدة الموقف والصف الكردي”، شارك فيه أكثر من 400 شخصية سياسية من ممثلي الأحزاب الكردية في مقدمتها حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي. كما شارك في المؤتمر قياديون في أحزاب كردية من العراق وتركيا، فضلًا عن ممثلين عن الولايات المتحدة، وفرنسا والتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة.

وقد جاء المؤتمر الذي هدف لبلورة موقف موحد للقوى الكردية السورية نتاجًا لسنوات من التفاوض بين التيارين الرئيسين في المشهد السياسي الكردي السوري: حزب الاتحاد الديمقراطي، والمجلس الوطني الكردي، وبوساطة مباشرة من القيادي الكردي العراقي مسعود البارزاني، وكذلك برعاية فرنسية وأميركية.

جاء توقيت المؤتمر لافتًا، إذ عقد بعد الاتفاق المشار له بين الشرع وعبدي والذي قضى بدمج قسَد في مؤسّسات الدولة، وتأكيد وحدة الأراضي السوريّة، ورفض التقسيم، وتضمن مدة للتنفيذ حتى نهاية العام، ثم بعد مواقف لقسد انتقدت الإعلان الدستوري، ثم تشكيلة الحكومة الأخيرة اللذَين رأت أنهما لا يعكسان التنوع السوري.

في ختام المؤتمر، أعلن عن وثيقة سياسية تأسيسية من 26 بندًا موزعة على محورين رئيسين: المجال الوطني السوري، والمجال القومي الكردي، بعدِّها منطلقًا للحوار “مع جميع الأطراف” الكردية منها والإدارة السورية. وقد دعت الوثيقة إلى حقوق سياسية وثقافية للأكراد ضمن رؤيتها لسوريا ديمقراطية ولا مركزية.

وفي تعقيبها على مخرجات المؤتمر، أصدرت الرئاسة السورية بيانًا دعا قسَد للالتزام الصادق بالاتفاق المبرم مع الإدارة، وانتقد ما أسماه تكريس واقع فدرالي أو إدارة ذاتية دون توافق، وحذّر من توجهات نحو تغيير ديمغرافي في بعض المناطق، مؤكدًا على أن “وحدة سوريا أرضًا وشعبًا خط أحمر”، وأن تجاوز ذلك يُعدُّ “خروجًا عن الصف الوطني، ومساسًا بهوية سوريا الجامعة”.

مؤشرات مقلقة

يؤكد بيان رئاسة الإدارة السورية أنها ترى في مخرجات المؤتمر نكوصًا عن اتفاق مارس/ آذار بين الشرع وعبدي، لا سيما أنه تزامن مع تعثّر تطبيق الاتفاق الخاصّ بسدّ تشرين.

شكّل المؤتمر في بعض تفاصيله ومخرجاته مصدر قلق لدمشق، وهو قلق تشاركها فيه أنقرة. ففي المقام الأول، لم يكن المؤتمر “كرديًا سوريًا” صرفًا، فكان البعد الكردي الإقليمي حاضرًا بشكل لافت في الحضور والكلمات الرئيسة، وتحديدًا حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وممثل مسعود البارزاني من العراق، وحزب ديمقراطية ومساواة الشعوب من تركيا. كما أن مشاركة ممثلين عن واشنطن وباريس والتحالف الدولي منحت المؤتمر بعدًا دوليًا لا تحبّذه دمشق.

لم تقف الرمزيات عند هذا الحد، بل حضر العلم السوري ضمن عدة أعلام أخرى في منصة المؤتمر، ما يقدح من وجهة نظر دمشق في “سوريّة” المؤتمر، والتزام السقف الوطني المحلي، فضلًا عن الإشارة في مخرجات المؤتمر للإدارة السياسية كأحد الأطراف التي سيُتوجه لها للحوار حول الوثيقة السياسية التأسيسية.

في المضمون، ثمة ثلاث نقاط رئيسة تثير قلق دمشق بشكل كبير:

    أولاها الدعوة الضمنية للفدرالية (أو الإدارة الذاتية؟)، رغم الحديث المتكرر على لسان أكثر من متحدث وفي الوثيقة عن وحدة سوريا. حيث ينص البند الرابع من المحور الأول (الوطني السوري) على “سوريا لا مركزية” تتضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة “بين المركز والأطراف”.

كما أن البند الأول من المحور الثاني (القومي الكردي) يدعو إلى “توحيد المناطق الكردية كوحدة سياسية إدارية متكاملة في إطار سوريا اتحادية”. وهي بنود ترى دمشق أنها لا تتفق ووحدة سوريا أرضًا وشعبًا ونظامًا سياسيًا.

    أما الثانية فهي السعي لإقحام أطراف خارجية في ملفات داخلية، مثل الدعوة “لتشكيل هيئة دستورية برعاية دولية” تضم ممثلي كافة المكونات السورية، وتشكيل حكومة من كافة ألوان الطيف السوري “بصلاحيات تنفيذية كاملة”، وهو ما لا يكتفي بنسف الإعلان الدستوري الذي أعلنته الإدارة السورية، وإنما يدعو لدور خارجي “يرعى” هذا المسار.

    وأما النقطة الثالثة فهي الدعوة لنظام حكم برلماني بما يتعارض مع توجهات الإدارة السورية الانتقالية، وإن كان أقل إزعاجًا من البنود المتعلقة بالنظام السياسي، ومكان المكوّن الكردي منه.

هذه النقاط تثير قلق تركيا كذلك، أولًا من حيث هي تراجع عن اتفاق قسد مع الإدارة السورية، وثانيًا لأنها بهذا المعنى تعيد إحياء هواجس الفدرالية والإدارات الذاتية وسيناريوهات التقسيم، وثالثًا بسبب ما تردد عن دعوات لإنهاء الوجود التركي العسكري في سوريا، وإلغاء اتفاق أضنة، وغير ذلك مما يلي أنقرة بشكل مباشر، وإن لم يُنص على ذلك في الوثيقة فيما نشر.

لم يصدر تعقيب رسمي مباشر من أنقرة على المؤتمر، لكن يتوقع أن يكون موقفها محذرًا من المسارات الانفصالية ومشاريع الفدرالية والإدارات الذاتية والنكوص عن اتفاق مارس/ آذار الفائت، وخصوصًا في جزئية اندماج قوات قسد في المؤسسة العسكرية الرسمية.

وبالتالي، سيعود الخطاب الرسمي التركي للتلويح بالتدخل المباشر في حال نكصت قيادة قسد عن الاتفاق ورفضت حل نفسها و/أو الاندماج، ما يعني عودة العملية العسكرية ضمن خيارات أنقرة، بشكل منفرد أو – وهو الأرجح – بالتعاون مع دمشق.

لا شك أن قرار عملية عسكرية جديدة لن يكون سهلًا في ظل الظروف الحالية والتطورات الأخيرة، لكن تركيا ترى أنها أمام فرصة تاريخية لا ينبغي التفريط فيها وإلا صير إلى تثبيت حقائق يمكن لها الإضرار بها على المدى البعيد، كما أنها تنظر لقرار سحب بعض القوات الأميركية من سوريا كعنصر ضغط إضافي على قسد سيعمل لصالحها وصالح دمشق.

وهو الأمر الذي تدركه قسد بالتأكيد، ولذلك فقد كان من اللافت تأكيد أكثر من قيادي كردي لوسائل الإعلام على أن الوثيقة السياسية هي منطلق (وليست نهاية) للحوار مع دمشق، وأن هناك مرونة عالية ورغبة حقيقية في التوصل لاتفاق معها.

حتى ذلك الحين، ستطالب أنقرة الإدارة السورية بالتعامل بحزم وحسم مع هذا الملف، وستعرض بالتأكيد دعمها وإمكانية المساعدة في أي مسار تنتهجه دمشق إزاءه. ما يعني أن القرارات النهائية لكل من أنقرة ودمشق ستتبلور بشكل أوضح بعد الحوار المفترض أن يجرى بين الإدارة السورية والقوى الكردية بخصوص الوثيقة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

كاتب وباحث فلسطيني

الجزيرة

——————————

مع تصاعد التوترات الميدانية.. هل بات اتفاق دمشق و”قسد” مهددًا بالانهيار؟/ أغيد حجازي

في تطور ينذر بتعقيد المشهد في شمال شرق سوريا، كشفت مصادر متابعة عن “تعليق العمل” بالاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية وبني زيد في حلب، مؤكدةً أن اللجنة المشتركة المكلفة بتطبيق الاتفاق تواجه تحديات كبيرة، كما أن تعثر التوصل إلى حل حول سد تشرين يعمق الخلافات المتزايدة، في ظل توترات ميدانية تهدد بانفجار الوضع مجددًا.

ويواجه الاتفاق، الذي وقّع في 10 آذار/مارس 2025 بين الرئيس السوري أحمد الشرع، والقائد العام لـ”قسد” مظلوم عبدي، والذي عُدّ خطوة مفصلية نحو إعادة توحيد الأراضي السورية تحت إدارة موحدة؛ اختبارًا قاسيًا مع تفاقم الخلافات حول آلية التنفيذ، وتزايد التدخلات الإقليمية.

خريطة السيطرة: المساحة الجغرافية والقوة الاقتصادية والعُدّة العسكرية

تسيطر “قسد”، المدعومة من التحالف الدولي، على ما يقارب 60 ألف كم مربع (30% من مساحة سوريا)، تضم مناطق متعددة المكونات: كردية، وعربية، وسريانية، وآشورية، ومجموعات صغيرة تركمانية وأرمنية ويزيدية. تشمل هذه السيطرة كامل محافظتي الرقة والحسكة (عدا رأس العين وتل أبيض)، وأجزاء واسعة من محافظة دير الزور، وريف حلب، بالإضافة إلى تواجدها داخل مدينة حلب نفسها في حيّي الشيخ مقصود والأشرفية.

الأهمية الاستراتيجية لهذه المناطق لا تقتصر على الجغرافيا فقط، بل تمتد إلى احتوائها على 95% من احتياطي النفط والغاز السوري، بما في ذلك أهم الحقول مثل “الجفر” و”عمر” و”التنك” و”التيم”، ما يجعلها ورقة ضغط اقتصادية وسياسية بيد “قسد”.

ومن الناحية العسكرية، حسب تصريح سابق لعبدي، تمتلك “قسد” أكثر من 100 ألف مقاتل. هذه القوة تحظى بدعم عسكري أميركي مباشر، ولا يقتصر هذا الدعم على الأسلحة وتقديم الخبراء والمستشارين، إذ تقوم قوات التحالف والقوات الأميركية بشكل خاصّ بعمليات تدريب مستمرة لعناصر “قسد”، تُقام غالبيتها ضمن قاعدة “هيمو” الواقعة على طرف مدينة القامشلي.

عثرات التنفيذ: الأسرى وسد تشرين

بدأت الخلافات بين الحكومة السورية و”قسد” بعد يومين من توقيع الاتفاق، بسبب الإعلان الدستوري الذي جاء دون إشارة صريحة إلى الحقوق الكردية، كما كانت تريد “قسد”، مما أثار غضبها؛ لأنها ترى أن الاعتراف الدستوري بالحكم الذاتي هو ضمانة لوجودها، وأن الدستور المقترح لا يتماشى مع الاتفاق الذي وُقِّع مع الحكومة السورية، حسب تصريحات “قسد”.

كما ظهرت تعقيدات في مراحل التنفيذ الأولى للاتفاق، خاصة في مسألة تبادل الأسرى، حيث طالبت “قسد” بتسليم أسرى مُعتقلين لدى الجيش الوطني، بينما طالبت الحكومة السورية بالأسرى لدى “قسد”. وأدى اتساع الخلاف ليشمل قضايا أخرى تتعلق بالإدارة الأمنية لسد تشرين، حيث تصر الحكومة على السيطرة الكاملة، بينما تطالب “قسد” بإدارة مشتركة.

يرى الباحث السوري، سامر الأحمد، وجود فشل في الاتفاق بسبب اختلاف التفسيرات حول بنوده من قبل الأطراف المعنية. وفيما يخص قضية سد تشرين، يقول الأحمد حسب معلومات متوفرة له: “إن الحكومة تسعى للسيطرة الإدارية والأمنية على السد، بينما يطالب الطرف الآخر ببقاء الموظفين في مواقعهم لتشغيل السد، ووافقت الحكومة بشرط أن يتبع الموظفون إلى وزارة الطاقة. إلا أن بعض الأطراف في قسد تُصر على أن يتبع الموظفون للإدارة الذاتية الكردية”.

يضيف الأحمد: “تم الاتفاق مبدئيًا على أن تتولى الحكومة الإدارة الأمنية للسد، مع انسحاب الفصائل العسكرية غير التابعة لها. لكن الطرف الكردي تراجع لاحقًا وطالب بوجود سيطرة أمنية مشتركة، بحيث تسيطر الحكومة على المنطقة غرب السد، بينما تتحكم “قسد” في المنطقة شرقه، مما زاد من تعقيد الموقف”.

وبحسب معلومات الأحمد، فإن “اجتماعًا قريبًا سيكون بين الأطراف لتسليم السد إلى الحكومة السورية، وإن لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن الوضع قد ينفجر مما يؤدي إلى انهيار الاتفاق بالكامل”.

يشير الكاتب والباحث السياسي، حسين عمر، إلى أن الاتفاق بين حكومة دمشق و”قسد” يتضمن تحييد سد تشرين، لكن تنفيذ ذلك يرتبط بموافقة تركيا، التي كانت تدعم هجمات الجيش الوطني على السّد، وأن السيطرة على السد ستعود بالكامل إلى الدولة السورية، التي ستشرف على تشغيله كجزء من سيادتها بعد إعلان أنقرة وقف إطلاق النار.

وفيما يخص تبادل الأسرى، جرى تبادل نحو 250 أسيرًا بين مديرية الأمن الداخلي في حلب و”قسد” كمرحلة أولى ضمن ما وصف بعملية “تبييض السجون” إلا أن خلافات أدت إلى تعثر باقي المراحل.

في هذا السياق، يؤكد عمر عدم وجود أسرى من الجانب الكردي لدى حكومة دمشق لعدم وقوع اشتباكات منذ عام 2016 بين ما كان يعرف بـ”هيئة تحرير الشام” وبين “قسد”، وإنما الأسرى هم بيد الجيش الوطني، وأن سبب التأخير في عملية تبادل الأسرى يعود إلى رفض “الجيش الوطني” تسليم الأسرى الذين بحوزته إلى الأمن العام، ما يجعل حل هذه الإشكالية مسؤولية الحكومة السورية، التي يجب أن تفرض إرادتها.

اتفاق حيي الأشرفية والشيخ مقصود

وقعت الإدارة السورية الجديدة، ممثلة بلجنة مكلفة من “رئاسة الجمهورية”، اتفاقًا، 1 نيسان/أبريل، مع “المجلس المدني لحيي الأشرفية والشيخ مقصود” في مدينة حلب. ونص الاتفاق على 14 بندًا بهدف “تعزيز العيش المشترك، والحفاظ على السلم الأهلي، وتحقيق أهداف الثورة السورية في الحرية والكرامة، وانطلاقًا من الإيمان بأن التوافق بين مختلف مكونات الشعب السوري هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات الراهنة”.

وأكد الاتفاق على انسحاب القوات العسكرية من الحيين إلى منطقة شمال شرقي سوريا، وحظر المظاهر المسلحة فيهما. كما نص الاتفاق على “تبييض السجون من قبل الطرفين في محافظة حلب، وتبادل جميع الأسرى الذين تم أسرهم بعد التحرير”، و”تشكيل لجان تنسيقية لتسهيل الحركة بين مناطق حلب وشمال شرقي سوريا، ولجان داخل الحيين لتطبيق الاتفاقية على أرض الواقع”.

إلا أن التوتر في الحيين عاد بعد حملات دهم نفذتها قوى الأمن التابعة لـ “قسد”، وعمليات اعتقال استهدفت وافدين جددًا إلى المنطقة، ما أعاد إلى الأذهان أجواء ما قبل الاتفاق. ورغم خروج دفعتين من وحدات حماية الشعب الكردية من الحيين منذ مطلع نيسان الجاري، لا تزال الأخيرة تحتفظ بمئات المقاتلين فيهما لفرض سيطرتها عبر قوات الأمن الداخلي.

يعتبر الأحمد أن “نجاح اتفاقية الشيخ مقصود هو اختبار حاسم لمدى جدية الالتزام الكامل بالاتفاقيات، وأن العقبات لا تزال قائمة، حيث تسعى ‘قسد’ للضغط على الحكومة لإدراج تفاصيل دمج المؤسسات الخدمية والتعليمية والقضائية ضمن الاتفاق، بينما تركز الحكومة على الأولويات الأمنية والعسكرية أولًا، باعتبارها الأساس لتحقيق الاستقرار”.

ويقول الأحمد: “إن الاعتراف بالمؤسسات الخدمية الكردية (كالتعليم والقضاء) سيعزز وضع ‘قسد’ كسلطة حكم ذاتي داخل الدولة، مما يخلق وضعًا معقدًا يشبه حكومة داخل الحكومة. ورغم الصعوبات، فإن هناك دعمًا دوليًا لنجاح الاتفاق، لكن يبقى السؤال: هل ستنجح الضغوط الدولية في إجبار حزب العمال الكردستاني على الانخراط الجدي في التنفيذ الفعلي للاتفاق؟ الأمر لا يزال غامضًا، والجميع في انتظار التطورات القادمة”.

من جهته، يعتقد حسين عمر بوجود “جهات تُريد إنهاء هذه الاتفاقية والقضاء عليها، بسبب عدم رضا هذه الأطراف منذ اليوم الأول عنها، مما سيشكل عبئًا على الطرفين في الأيام القادمة”. ويشير إلى أن “هناك جهات أو شخصيات داخل الحكومة نفسها، أو داخل ما يُسمى ‘المجاميع المسلحة’ التي لم تُشكّل بعدُ ضمن الجيش السوري الجديد، تؤثر بشكل كبير في الموقف”.

وبحسب عمر، فإن “تعليق الاتفاق أو إنهاءه لن يحصل، بل توجد إشكاليات محدودة سيتم حلها بالتفاهم بين الطرفين، إذا توافرت الإرادة الحقيقية لديهما”.

يؤكد عمر استنادًا إلى مصادر مقربة من قيادة “قسد” التزامها الكامل ببنود الاتفاقية، وأن العمل على الأرض مستمر. كما أكدت مصادر من داخل الحيّيْن أن “الحواجز المشتركة بين قوات الأسايش وقوات الأمن العام التابعة لحكومة دمشق لا تزال قائمة حتى الآن، وتُدار الأمور بتفاهم دون صراع أو تراجع من أي طرف”.

ضغوط إقليمية ودولية

التطورات الميدانية ترافقت مع تصعيد عسكري تركي، حيث استهدفت ضربات جوية مقرًّا لوحدات حماية الشعب في ديرك، ما أثار موجة توتر داخل “قسد”.

من جهة أخرى، يسعى الجانب الكردي إلى حشد دعم دولي. فقد التقى مظلوم عبدي بوفد من الخارجية الفرنسية في أربيل، حيث أكد الطرفان أهمية التوصل إلى اتفاق سلمي مع دمشق.

ورغم نفي مصادر كردية رسمية تعليق الاتفاق، وإصرارها على استكمال الحوار، فإن مراقبين يرون أن التحركات الميدانية، مواصلة حفر الأنفاق وحشد القوات وتنفيذ عمليات انتشار، تشير إلى تجهيز لمعركة آتية، ويقول المراقبون إن “التعثر في تطبيق بنود حيوية يشير إلى هشاشة الاتفاق، في ظل وجود عوامل إقليمية معقدة وضغوط متعارضة قد تؤدي إلى انهيار الاتفاق بالكامل، خاصة بعد تخفيض قسد كمية النفط المرسلة إلى الحكومة السورية بنسبة 50%، بعد بروز خلافات بين الطرفين حول تطبيق بنود الاتفاقات كما كشفت بعض المصادر”.

في ظل هذا المشهد، يبقى السؤال الأبرز: هل سينجح الضغط الدولي، خصوصًا من الولايات المتحدة وفرنسا، في إبقاء الاتفاق حيًا، أم أن سوريا مقبلة على جولة جديدة من الصراع في الشمال الشرقي؟

الترا سوريا

—————————–

كيف سيتعامل الشرع مع مخرجات مؤتمر الأكراد؟/ عمر كوش

29/4/2025

ما تزال تحديات وملفات عديدة تواجه السلطة الجديدة في سوريا، وذلك على الرغم من سقوط نظام الأسد البائد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، حيث عقدت في 26 من أبريل/ نيسان الجاري، غالبية القوى السياسيّة الكردية مؤتمر “وحدة الصف والموقف الكردي” في مدينة القامشلي السورية.

ثم ظهر منشور نسب إلى رامي مخلوف، أبرز رموز الفساد في عهد النظام الاستبدادي، متحدثًا عن “مجزرة الساحل”، ومبشرًا بولادة “فتى الساحل”، و”إعادة تنظيم قوات النخبة” التي ادعى أنها تضم نحو 150 ألف عنصر، إلى جانب تشكيل لجان شعبية قوامها مليون شخص. وذهب إلى حدّ مطالبة المجتمع الدولي، وروسيا بوضع إقليم الساحل تحت رعايتهما المباشرة.

لم يتأخّر الناشطون من الساحل السوري في الرد على مخلوف والتبرؤ منه، كونه “لا يمثل العلويين، بل يمثل الفاسدين الذين استغلوا الطائفة، وسرقوا قوت السوريين”، وأكدوا أن الطائفة العلوية “تتبرأ من هذا الخطاب الطائفي الانقسامي”، ولن تنجر وراء الأكاذيب والمؤامرات الاستخباراتية.

ما يثير السخرية المرّة هو حديث مخلوف عن “نصرة المظلومين”، كونه يشكل إهانة لذاكرة السوريين الذين ذاقوا ويلات نظام الاستبداد الأسدي، وكان شريكًا أساسيًا فيه.

ولعل الخطير في الأمر هو أن الجهات المعادية للتغيير السوري تصعد من خطاب الانقسام الطائفي، والتفتيت المناطقي في مرحلة دقيقة تمر بها سوريا الجديدة، وتحاول التعافي من تبعات نظام الأسد، فيما توجه تلك القوى سهامها نحو ما تبقى من النسيج الوطني السوري، محاولة إعادة إشعال بؤر التوتر الطائفي والمناطقي.

غير أن ما يستحق التوقف عنده هو مؤتمر “وحدة الصف والموقف الكردي”، الذي خرج بمطالب وتوصيات أثارت جدلًا واسعًا بين عموم السوريين، واستدعى ردًا سريعًا من الرئاسة السورية، رفضت فيه أي محاولات فرض واقع تقسيمي، أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفدرالية أو “الإدارة الذاتية”، دون توافق وطني شامل، معتبرة أن وحدة سوريا أرضًا وشعبًا خطّ أحمر، وأي تجاوز يعدّ خروجًا عن الصف الوطني، ومساسًا بهُوية سوريا الجامعة.

بداية، لا يعدُّ مؤتمر القامشلي هو الأوّل من نوعه بين القوى الكردية السورية، التي يشكّل كل من حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي قطبَيها الأساسيّين، فقد سبق أن عقدت مؤتمرات واجتماعات بين الطرفين في مدينة أربيل بإقليم كردستان العراق، وبرعاية الزعيم الكردي العراقي مسعود البارزاني، ونتجت عنها اتفاق “هولير 1″ الذي وقّعه في 11 يونيو/ حزيران 2012، كل من المجلس الوطني الكردي، و”مجلس شعب غربي كردستان” اللذين شكلهما حزب الاتحاد الديمقراطي، وحركة المجتمع الديمقراطي. وكانت غايته بلورة مشروع سياسي وقيادة الصف الكردي، والتواصل مع قوى المعارضة السورية للوصول إلى سوريا ديمقراطية وفدرالية.

ونتج عن الاتفاق تشكيل لجان أمنية وخدمية وسياسية، لكنه بقي حبرًا على ورق. ثم حاول مسعود البارزاني استيعاب الخلافات الحاصلة بين الطرفين، وتمكن من عقد لقاءات واجتماعات بينهما، أفضت إلى اتفاقية أخرى بينهما تحت مسمى اتفاقية “هولير 2” في ديسمبر/ كانون الأول 2013، ونصّت على شراكة الطرفين في إدارة المناطق السورية الكردية عسكريًا وسياسيًا.

بيدَ أنّ “مجلس شعب غربي كردستان” تنصّل بعد أشهر قليلة من الاتفاق، لتنتهي الهيئة الكردية العليا فعليًا مع انضمام “المجلس الوطني الكردي” إلى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، فيما أعلن “حزب الاتحاد الديمقراطي” عن “إدارة ذاتية” للمناطق الكردية، مؤلفة من ثلاثة كانتونات، هي: عفرين، وكوباني، (عين العرب) والجزيرة. ثم جرى توقيع اتفاقية في دهوك العراقية في 22 أكتوبر/تشرين الأوّل 2014، لكنها لم تنفّذ على الأرض.

تولت كل من الولايات المتحدة، وفرنسا رعاية الحوار بين القوى الكردية في سوريا بعد فشل جهود مسعود البارزاني، ونجحتا هذه المرّة في عقد اجتماع القامشلي، الذي حضره ممثلون عن حزب العمال الكردستاني التركي، وتمّ رفع علمه في المؤتمر وبمستوى أعلى من مستوى الأعلام الأخرى بما فيها العلم الوطني السوري.

لا شك أن عقد مؤتمر للقوى والأحزاب السياسية الكردية السورية مرحّب به إن كانت غايته إنهاء ما خلّفته السنوات من توترات في الشارعين الكردي والعربي، والخروج بورقة عمل واحدة من أجل الانخراط في الجسد السوري الجديد، وإعادة بناء الدولة السورية، وفق مبادئ المواطنة المتساوية، ودولة الحق والقانون، وضمان حقوق كافة المكوّنات السورية وتمثيلها سياسيًا.

كما أنه لا خلاف على إقرار المشاركين في المؤتمر، وثيقة تأسيسية تعبّر عن إرادة جماعية، وتقدّم مقاربة واقعية لحلّ عادل وشامل للقضية الكردية في إطار سوريا موحّدة، “بهويتها متعددة القوميات والأديان والثقافات، ويضمن دستورها الحقوق القومية للشعب الكردي، ويلتزم بالمواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، ويصون حرية المرأة وحقوقها ويمكنها من المشاركة الفاعلة في المؤسسات كافة”.

ولا خلاف أيضًا على أن يطالب المشاركون في المؤتمر الكردي بأن يكون نموذج الحكم في سوريا لا مركزيًا، بوصفه بديلًا عن الأطروحات الاتحادية أو الكونفدرالية التي تنادي بها أحزاب كردية، ما يعني جنوح قوى المؤتمر إلى النهج الواقعي الذي باتت تتعامل به بعض القوى الكردية مع الحالة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد البائد.

لكن المستغرب هو تفسير بعض الأحزاب السياسية الكردية بأن اللامركزية المقصودة هي لا مركزية سياسية وإدارية، ما يعني إعادة الأمور مجددًا إلى المطالب الفدرالية والحكم الذاتي، خاصة أن وثيقة المؤتمر تدعو إلى “توحيد جميع المناطق الكردية ضمن وحدة سياسية إدارية متكاملة، في إطار سوريا اتحادية”، في وقت تحرص فيه الإدارة السورية الانتقالية على التعامل برؤية سياسية جامعة مع التحديات التي تواجه وحدة البلاد.

لذلك فضّلت الحوار مع قوات سوريا الديمقراطية (قسَد)، وجرى توقيع اتّفاق بين الرئيس أحمد الشرع، ومظلوم عبدي في العاشر من مارس/ آذار الماضي، أقرّ بأن “المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وكل حقوقه الدستورية”، وذلك في خطوة سياسية غير مسبوقة في تاريخ البلاد، تعكس تركيز الإدارة السورية على استعادة وحدة البلاد، وانفتاحها على منح الأكراد لا مركزية إدارية في المناطق التي يشكلون فيها أكثرية، وصون حقوقهم الثقافية والقانونية، مع حرصها على دمج قوات “قسد” في الجيش السوري الجديد.

وبالتالي تقتضي الوطنية السورية بألا تذهب الأحزاب الكردية التي اجتمعت في القامشلي إلى المطالبة بـ”تشكيل جمعية تأسيسية برعاية دولية تضم ممثلي كافة المكونات السورية لصياغة دستور بمبادئ ديمقراطية، وتشكيل حكومة من كافة ألوان الطيف السوري ومكوناته بصلاحيات تنفيذية كاملة”، لأنها تحيل إلى عهود الوصاية الدولية المرفوضة من طرف غالبية السوريين، بمن فيهم غالبية السوريين الأكراد.

أخيرًا، تعكس مخرجات مؤتمر وحدة الموقف الكردي بعض الاستقواء، وانعدام الثقة بالحكومة المركزية، لذلك رفعت الأحزاب الكردية سقف مطالبها كي تساومها، ويكون لها حصة في السلطة، لكن المرفوض سوريًا هو ما يشكل تهديدًا يمسّ وحدة البلاد وسيادتها. والسؤال المطروح: هو كيف ستتعامل الحكومة السورية مع مخرجات هذا المؤتمر؟

لن تخرج الإجابة عن أن الحكومة السورية ليس أمامها سوى بذل مزيد من الجهود، وانتهاج لغة الحوار للتعامل مع التحديات التي طرحتها أحزاب المؤتمر، وكذلك لمواجهة التحديات الأخرى التي تواجهها في منطقة الساحل السوري والجنوب أيضًا، لأن بناء سوريا الجديدة يتطلب صدرًا واسعًا، وعقلًا سياسيًا جامعًا يؤمن بضرورة إشراك الجميع، وبمرجعية المواطنة والقانون فوق الاعتبارات الطائفية والفئوية والمناطقية، لأن الدولة ليست امتيازًا حصريًا لأي طائفة أو حزب أو هيئة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

كاتب وباحث سوري

الجزيرة

———————————-

بيان مؤتمر القامشلي وتداعياته على مفاوضات قسد مع الحكومة السورية/ حسن النيفي

2025.04.29

استقبل كثير من السوريين بمزيد من الارتياح والغبطة نبأ اتفاق العاشر من آذار الماضي الذي وقعه الرئيس أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” ( قسد ) مظلوم عبدي، ولم يكن مبعث هذا الارتياح الشعبي قائماً على توقّع نتائج مباشرة يمكن أن تتمخّض عن هكذا اتفاق، بقدر ما هو منبعث من شعور يحتاجه السوريون جميعاً، وهو الترجمة الحقيقية لضرورة حلّ الخلافات السورية – السورية عن طريق الحوار واستبعاد العنف.

كانت هكذا خطوة تفاوضية من طرف الجانبين الشرع – عبدي من شأنها أن تؤسس لمسيرة من الحوار الوطني ليس بين العرب والكورد فحسب، بل بين جميع الأطراف السورية التي  اختلفت فيما بينها طوال السنوات السابقة، ثم تعزّز شعور السوريين بمزيد من التفاؤل حين تلت اتفاق آذار تفاهمات أخرى بين دمشق وقوات “قسد” حول حَيّي ( الأشرفية والشيخ مقصود) وعلى إثر تلك التفاهمات تم تبادل الإفراج عن الأسرى والمعتقلين من كلا الجانبين، في خطوة كان لها تداعيات اجتماعية وإنسانية طيبة، وحين استمرّت التفاهمات بين الجانبين لتشمل ( سد تشرين) لتعزّز الاعتقاد لدى غالبية السوريين بأن هكذا تفاهمات إنما تمضي نتيجة لوصول الطرفين (الحكومة وقسد ) إلى القناعة بأن قدرة السوريين على بناء دولتهم الجديدة مرهونة بقدرتهم على حل خلافاتهم الداخلية عن طريق الحوار وتغليب المصلحة الوطنية العامة على الإرث السابق من التنافر، وكذلك مرهون بقدرة كلا الطرفين على تلمّس حاجات السوريين وتقدير حجم مأساتهم طوال أكثر من عقد من الزمن، وأن الواقع المأسوي الذي أفرزته سنوات الحرب ينبغي أن يعزّز في نفوس المتفاوضين وأذهانهم معاً إحساساً عالياً بالمسؤولية يجعلهم يرون الأولويات الوجودية للشعب السوري (حق الحياة والعيش الكريم وتوفر الخدمات واستبعاد الحرب والعنف والحصول على الأمان ) هدفاً مشتركاً ينبغي الوصول إليه.

في الثالث عشر من آذار الماضي أعلنت رئاسة البلاد عن توقيعها على إعلان دستوري ليكون مرجعية دستورية للمرحلة الانتقالية، وقد أثار مضمون الإعلان جملةً من الملاحظات والانتقادات ليس من جانب الكورد فحسب، بل من جميع السوريين، وهذا أمر طبيعي جداً، إذ ليس من اليسير أن يتناسخ جميع السوريين القناعات والأفكار، ولكن يبدو أن مواقف “قسد” من الإعلان لم تتوقف في حدود النقد والمطالبة بتعديل الإعلان الدستوري أو تغييره، بل كان لها تداعيات مباشرة على سيرورة التفاوضات الجارية مع الحكومة والتفاهمات التي أُبرمت سواء في العاشر من آذار أو فيما يخص حيّي ( الأشرفية والشيخ مقصود) أو فيما يتعلق بمسألة تحييد سدّ تشرين عن الخلافات ودائرة العنف، وبات واضحاً أن عملية التفاوض ما تزال ملغومةً بالمزيد من الريبة وعدم الثقة، بل هي قابلة للانتكاسة في أية لحظة يشعر بها أحد الأطراف بالغبن أو أنه لم يحقق ما يتطلع إليه.

واقع الحال يؤكّد أن ثمة مسائل أساسية ثلاثاً  كانت غائبة  عن مشهد المفاوضات، تتمثل الأولى بوجوب قناعة الأطراف المتفاوضة بأن تحقيق الأهداف المرجوّة من التفاوض لا يمكن أن يتحقق دفعةً واحدة، وأن عملية التفاوض تقتضي بالأصل المزيد من المرونة والاستعداد لتفهّم مطالب الطرف الآخر، وأن أي عقبة تعترض التوافقات يمكن أن يعاد النظر فيها، وبالمجمل فإن الوصول إلى توافقات نهائية حول أية مسألة إنما هي نتيجة لمسار تراكمي من الحوار وتبادل وجهات النظر وتدوير الزوايا ولا يمكن أن تتحقق كمنجزٍ جاهز مفاجئ. وتتمثل المسألة الثانية بتعدد مسائل الخلاف وموضوعات التفاوض، ذلك أن الاتفاق حول بعض منها والاختلاف حول بعضها الآخر لا ينبغي أن يثني الجميع عن المضي بالحوار، فما تمّ الاتفاق حوله ينبغي التمسّك به كمنجز مشترك، يكون حافزاً للمضي في تذليل الخلافات حول المسائل الأخرى. في حين تتمثّل المسألة الثالثة بوجوب الاعتقاد لدى جميع الأطراف المتفاوضة بأن الحوار الوطني والتفاوض بين الأطراف السورية – السورية يوجب على الجميع استبعاد مفهوم ( الربح والخسارة) لأن أي تفاهمات تفضي إلى تعزيز المصالح السورية العامة هي ربح عائدٌ إلى الجميع وليس فوزاً يحققه طرفٌ على آخر. وانطلاقاً من ذلك، كان يمكن لـ”قسد” أن تحتج أو تسجّل ما تشاء من ملاحظات على فحوى الإعلان الدستوري، وتطالب  كما يطالب غيرها من السوريين بتعديل الإعلان أو تغييره، ومن حق الحكومة – في هذه الحال – القبول أو الاعتراض، أي أن العملية لا يمكن اعتبارها صراع إرادات أو ليّا للأذرع، بقدر ما هي مسار تفاوضي يخضع للأخذ والردّ وتقليب وجهات النظر والاحتكام إلى مبدأ الصالح العام قبل أي مكاسب فئوية أو حزبية.

في السادس والعشرين من نيسان الجاري أصدر مؤتمر القوى الكردية الذي انعقد في مدينة القامشلي وثيقة سياسية، أكّد أنها تمثل كافة أطياف الشعب الكوردي في سوريا، كما تضمنت هذه الوثيقة تصوّراً شاملاً عن رؤية القوى الكوردية للدولة السورية المستقبلية وفقاً للبيان الصادر عن المؤتمر، وبعيداً عمّا انطوت عليه بنود البيان النهائي من تصورات، إلّا أنه يمكن الإشارة إلى ثلاثة منها، باعتبارها تُجهِز على أية عملية حوار مستقبلية، وتسهم في تعزيز الفجوات التي ظن كثير من السوريين أنها قد رُدِمت:

    إصرار “قسد” على الذهاب إلى الفدرالية والتي أسمتها باللامركزية، من دون تحديد ملامح هذه اللامركزية ولكن استيفاء مضامين بقية البنود التي تضمنها البيان يفصح بأن الفيدرالية هي خيار قسد الأخير.

    تنظر “قسد” إلى تموضعها الحالي في الجزيرة السورية وحيازتها قوة عسكرية ومادية، وسيطرتها على مساحات من الجغرافيا السورية وكذلك سطوتها على موارد اقتصادية سورية هامة، على أنه مكسبٌ لـ”قسد” يجب الحفاظ عليه، بل هو الورقة الأقوى لها في أي عملية تفاوضية مع الحكومة السورية، وما لا تريد ذكره “قسد” هو أن تلك الجغرافيا التي تسيطر عليها هي أرض سورية لجميع السوريين وليست لـ”قسد” وحدها، ذلك أن معيار السطوة العسكرية الذي أتاحته سيرورة الحرب في سوريا لا يمكن اعتماده كمرجعية قانونية في التفاوض، وأن موارد تلك المناطق التي تسيطر عليها قسد هي موارد وطنية لجميع السوريين وليست لمن حاز السيطرة عليها.

    يبدو أن مسألة الاستقواء بالخارج لن تكون عاملاً مطمئناً لمن أراد أن يكون شريكاً حقيقياً في بناء الدولة وليس وافداً إليها أو ضيفاً يحل على أرضها، فالمطالبة بتشكيل جمعية تأسيسية مطلب سوري عام، ولكن لماذا ينبغي أن يكون تحت حماية دولية؟.

لعله من المفيد لقسد، ولسواها من القوى الكردية السورية الأخرى، الوقوف عند أمرين اثنين:

    إن معظم الأطراف الدولية النافذة في الشأن السوري، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها المظلة العسكرية لـ”قسد”، إنما تكمن مصالحها في سوريا حين تكون موحدة ، وقد بدا ذلك واضحاً في جميع مواقف تلك الدول، ولم تدع أي دولة من الاتحاد الأوربي أو تركيا أوروسيا أو أمريكا إلى تقسيم سوريا.

    لعله من الصحيح أن معظم الأطراف الإقليمية والدولية تدفع باتجاه إيجاد حل للمسألة الكردية في سوريا، بما في ذلك الدول التي حضر ممثلون عنها في المؤتمر، وأيضاً بما في ذلك السوريون من باقي المكونات العرقية، إلّا أن هذا الدعم الإقليمي والدولي للمطلب الكوردي لا ينبغي ترجمته وفقاً للرغبات والأجندات الخاصة لـ”قسد” فحسب، بل يجب فهمه في ضوء مصالح تلك الدول والأطراف الإقليمية أيضاً.

ولئن كانت “قسد” تدين بالشكر والامتنان وتشيد بدور رئيس إقليم كوردستان السابق مسعود برزاني في مساعيه التي أسهمت بإقامة مؤتمر القامشلي، فقد كان أولى بها – في الوقت ذاته – أن تستفيد من تجاربه السابقة أيضاً بخصوص أي مشروع انفصالي، ولعل تجربة التصويت على انفصال كوردستان العراق لم تزل في الأذهان.

———————————-

نعم للفيدرالية في سوريا/ عبد الرحمن الناصر

قد تحتاج سوريا اليوم إلى فيدرالية ولكن ليس وفق الهوية الطائفية أو القومية كما يخطط دعاة التقسيم

28 نيسان 2025

في السادس والعشرين من نيسان 2025، عقدت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مؤتمراً جديداً تحت شعار “سوريا لا مركزية”، معلنةً رؤيتها السياسية التي تنادي مجدداً بما تسميه “التوزيع العادل للسلطة والثروة بين المركز والأطراف”. خلف هذا الشعار البرّاق تخفي قسد مشروعاً انفصالياً يسعى إلى تثبيت أمر واقع قائم على تقسيم سوريا على أسس قومية، تنذر بفتح أبواب صراعات لا نهائية.

لكن، لمَ لا نقلب الطاولة على الجميع؟ لماذا لا نذهب أبعد مما تطالب به قسد ونطرح الفدرالية الشاملة، ولكن بشكلها الصحيح، الجغرافي الجامع لا القومي أو الطائفي المفرّق؟ نعم، أقولها بوضوح: نعم للفدرالية في سوريا، ولكن على أساس وحدة الجغرافيا، لا تشرذم الهويات.

في العالم اليوم، تُعد الفدرالية، ليست التي على الطريقة القسدية، تُعد خياراً ناجحاً لضمان وحدة الدول مع احترام تنوعها المحلي، دون الحاجة إلى تقسيمها على أسس عرقية أو مذهبية. الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا الاتحادية وسويسرا، جميعها نماذج ناجحة لدول موحدة بنظام فدرالي جغرافي، حيث تُقسم البلاد إلى ولايات أو كانتونات بناءً على اعتبارات إدارية وتنموية لا على هوية سكان كل إقليم. فلماذا لا نتعلم من هذه التجارب، بدلاً من الوقوع في فخ التجزئة التي تنصبها لنا المشاريع الانفصالية؟

وقد رأينا نتائجه الكارثية واضحة في العراق.

قد تحتاج سوريا اليوم إلى فدرالية تضمن توزيع السلطات والثروات، وتمنع عودة الاستبداد المركزي، ولكن ليس وفق الهوية الطائفية أو القومية كما يخطط دعاة التقسيم، بل عبر إقامة ثلاثة أقاليم رئيسية:

إقليم الشرق: ويضم الرقة، الحسكة، دير الزور وتدمر، ليكون امتداداً اقتصادياً طبيعياً للبادية السورية وثرواتها الزراعية والنفطية.

إقليم الشمال: يشمل حلب، إدلب، حماة واللاذقية، مع ما تحمله هذه المدن من ثقل صناعي وزراعي واستراتيجي.

إقليم الجنوب: يجمع حمص، طرطوس، دمشق، السويداء، درعا والقنيطرة، بوصفه القلب السياسي والتاريخي لسوريا.

بهذا التقسيم الجغرافي، يتم تحقيق العدالة الإدارية بين الأقاليم، مع الحفاظ الكامل على وحدة الأراضي السورية وشعبها. كما يتم سحب البساط من تحت دعاة الفدراليات العرقية والطائفية، سواء أكانوا من “قسد” في الشرق، أو “حكمت الهجري” ومحيطه الطائفي في الجنوب، أو فلول النظام الذين قد يجدون في مشروع قسد فرصة لتقسيم الساحل تحت يافطة الحماية الطائفية.

ليست الفدرالية حلاً سحرياً لكل مشكلاتنا، ولكن بشكلها الصحي والصحيح الذي أشرت له، يمكن أن يقطع الطريق أمام الانفصال والتشظي. عبر فدرالية قائمة على الجغرافيا والمصالح المشتركة.

أما محاولات قسد لترويج “اللامركزية” بوصفها حلاً وسطاً، فما هي إلا قناع شفاف لإضعاف سلطة الدولة، الهشة أصلا، ومقدمة لمشروع انفصال تدريجي يبدأ بالحكم الذاتي وينتهي بالاستقلال. هذه اللعبة يجب أن تُفهم جيداً. اللامركزية كما تطرحها قسد، ليست مجرد توزيع إداري للسلطات، بل شرعنة لكيان قومي خاص، يخالف روح الثورة السورية التي قامت من أجل دولة لجميع أبنائها، بلا تمييز ولا إقصاء.

كذلك لا يمكن تجاهل أن قسد، رغم حديثها عن الديمقراطية والتمثيل، قامت على فرض سلطتها عبر القوة العسكرية، لا عبر انتخابات نزيهة أو تفويض شعبي حقيقي، مما يجعل ادعاءاتها الديمقراطية فاقدة لأي مصداقية سياسية أو أخلاقية.

من هنا تبدو الفدرالية الجغرافية خياراً تنظيمياً مهماً في حال تعذر تطبيق دولة ذات سلطة مركزية قوية، وتصبح الضمانة الوحيدة لمنع تفكك سوريا تحت شعارات براقة تخفى خلفها مشاريع خطيرة.

ختاماً: لا بد من التأكيد أن القبول بفدرالية جغرافية يجب أن يكون جزءاً من حل سياسي شامل يعيد للسوريين جميعاً حقهم في تقرير مصيرهم عبر انتخابات حرة ونزيهة، دون تدخلات عسكرية أو وصاية أجنبية. وفدرالية قائمة على الجغرافيا لا تمنع بناء هوية وطنية سورية موحدة.

كما أن معركة المستقبل ليست معركة حدود داخلية، بل معركة هوية وطنية. وكلما أسرعنا في تبني مشروع سياسي موحد، يقوم على فكرة المواطنة لا على العصبيات، كلما اختصرنا طريق الآلام نحو سوريا الجديدة التي نحلم بها جميعاً.

نعم، نعم للفدرالية الجغرافية في سوريا… لا لفدراليات العرق والطائفة والمليشيا.

العربي القديم

—————————

مؤتمر كردي برعاية فرنسية.. انقلاب على “قسد” أم دفعها إلى مسار جديد؟/ أحمد الكناني

28 أبريل 2025

أثار المؤتمر الذي عُقد تحت عنوان “وحدة الموقف والصف الكردي” في مدينة القامشلي، 26 نيسان/أبريل 2025، واختتم أعماله بمشاركة واسعة من القوى الكردية، ردود فعل مختلفة، لا سيما أنه جاء برعاية غير مباشرة من فرنسا، وتمخض عنه موقف سياسي موحد للتفاوض مع دمشق.

ولقد جمع المؤتمر مختلف الأطياف السياسية والحزبية الكردية في سوريا، حيث وضعت القوى المشاركة سلسلة من البنود والمطالب الموحدة لتقديم حل سياسي شامل للقضية الكردية، مع التركيز على إقرار دستور يضمن الحقوق القومية للشعب الكردي ضمن إطار إدارة لامركزية.

واعتبر مراقبون أن “الرؤية السياسية المشتركة”، التي أقرتها القوى الكردية المشاركة، بمثابة تحول جذري، متسائلين ما إذا كان هذا المؤتمر يمثل “انقلابًا سياسيًا” على نهج مظلوم عبدي، أم بداية مسار جديد للتفاوض مع دمشق؟

دور فرنسي في تعزيز اللا مركزية

لا يمكن إغفال الدور المحوري الذي لعبته فرنسا في تهيئة الأرضية السياسية لهذا المؤتمر، فقد استضافت أربيل لقاءً سياسيًا بارزًا جمع قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، مع وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الذي وضع أسسًا لتوجيه “مؤتمر الوحدة الكردية”. وتُعتبر باريس من أبرز الداعمين الدوليين للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، حيث سعت إلى حشد الدعم الدولي لتعزيز هذا النموذج كجزء من حل سياسي أوسع للأزمة السورية.

يرى الأكاديمي والباحث في الشؤون الكردية، مروان حمي، أن فرنسا تتبنى استراتيجية طويلة الأمد في دعم الملف الكردي بسوريا، من خلال إحياء مفهوم اللامركزية كإطار لاستقرار المنطقة. يتماشى هذا التوجه مع المطالب الكردية التاريخية، حيث تسعى باريس لتطوير نموذج الإدارة الذاتية الكردية كأساس قابل للتعميم في سوريا، وذلك عبر تعاون وثيق مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، مضيفًا أن فرنسا ربطت دعمها الإنساني والاقتصادي لسوريا بتحقيق إصلاحات سياسية تكفل اللامركزية، ما يوفر للكرد ضمانات نسبية بعيدًا عن هيمنة دمشق أو التهديدات التركية المستمرة.

من جهته، يؤكد الكاتب الصحفي والباحث في الشأن الكردي، جوان سوز، أن باريس اتخذت خطوات عملية ملموسة لدعم هذا المسار، منها تعيين ممثل رسمي للإدارة الذاتية في فرنسا، وتنظيم سلسلة لقاءات دبلوماسية في وزارة الخارجية الألمانية مع مسؤولين من الإدارة الذاتية، كما ساهمت فرنسا في توحيد الموقف الكردي السوري للحوار مع دمشق، بما يشمل أحزاب المجلس الوطني الكردي، وذلك في إطار تفاهمات أربيل التي حظيت برعاية أميركية.

مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي: تفاصيل المشاركة والأهداف

شارك في “مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي” أكثر من 400 شخصية سياسية واجتماعية وثقافية من مناطق مختلفة في سوريا وخارجها، وشملت المشاركة أحزابًا سياسية رئيسية مثل حزب الاتحاد الديمقراطي، المجلس الوطني الكردي، حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، والمؤتمر القومي الكردستاني، إلى جانب منظمات المجتمع المدني، وحركة المرأة الكردية، وممثلين عن الشباب، وشخصيات ثقافية وفنية، وزعماء عشائر من مناطق مثل حلب، دمشق، الباب، وأعزاز.

في هذا السياق، يشير الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، أسامة الشيخ علي، إلى أن فرنسا مارست ضغوطًا مباشرة على مظلوم عبدي لإتمام اتفاق شامل بين مختلف المكونات الكردية، لا سيما المجلس الوطني الكردي، لافتًا إلى أن باريس أكدت دعمها للقضية الكردية بكافة أطيافها، وليس لـ”قسد” فقط، وهو ما تجلى في تصريحات وزير الخارجية الفرنسي خلال لقاءاته مع عبدي.

ورأى الباحث الشيخ علي أن الدعم الفرنسي لمسارات إقليم كردستان العراق الساعية لتوحيد الموقف الكردي السوري، عزز من شرعية المؤتمر وأعطاه زخمًا إقليميًا، حيث أشاد رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان برزاني، بالمؤتمر واعتبره “خطوة تاريخية”.

ملء الفراغ العسكري: الدور الفرنسي المتنامي

تشير التحليلات السياسية إلى أن اللقاءات التي جرت في أربيل تناولت بشكل أساسي الدور العسكري المستقبلي للقوات الفرنسية في سوريا، خاصةً في ظل تقليص الوجود العسكري الأميركي. وفي هذا الصدد، يوضح الباحث جوان سوز أن فرنسا تسعى لتوسيع دورها العسكري في الحرب ضد تنظيم “داعش” من خلال دعم قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على الأرض. وقد بدأت فرنسا منذ أواخر عام 2024 بشن غارات جوية مكثفة على مواقع “داعش” في سوريا، بعد انقطاع دام سنوات. كما أطلقت برامج تدريب عسكري لقوات “قسد”، تشمل تزويدهم بمعدات دفاعية متطورة لمواجهة التهديدات.

لكن الأكاديمي مروان حمي يرى أن هذا التوسع الفرنسي يواجه تحديات معقدة، منها ضرورة التنسيق مع روسيا وسوريا، والتوتر المستمر مع تركيا التي تعارض أي دعم للكرد، إضافةً إلى محدودية القدرات العسكرية الفرنسية مقارنة بالوجود الروسي، ويضيف حمي أن الاستثمار الفرنسي في القضية الكردية قد يكون جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد لتشكيل شراكات إقليمية بديلة، لكنه لن يتمكن من تعويض الانسحاب الأميركي بالكامل.

مخاوف دمشق وتداعيات المؤتمر

على الرغم من رفض دمشق لمخرجات المؤتمر الكردي، معتبرةً إياه خطوة نحو فرض واقع تقسيمي دون توافق وطني شامل، ما يهدد مسار التفاهمات القائمة بينها وبين “قسد”؛ تشير التحليلات إلى أن أبرز مخاوف دمشق تتمحور حول قرار قائد “قسد” مظلوم عبدي، تعليق حواره مع الحكومة السورية، وتفويض الوفد الكردي الجديد بالتفاوض نيابةً عن الكرد، ما يعيد المفاوضات بين دمشق و”قسد” إلى نقطة الصفر، ويزيد تعقيد العلاقة بين الطرفين في ظل الضغوط الدولية المتصاعدة.

الترا سوريا

——————————–

حقوق الأقليات في سورية…/ شفان إبراهيم

28 ابريل 2025

تنتقد النُّخب السورية مطالبة الأقليات القومية بحقوقها، وتصفها بالطرح الغربي الساعي إلى تفتيت البلاد، من دون البحث في جذر غياب أيّ مادة دستورية تصون حقوق تلك القوميات وفقاً للأبعاد الوطنية. علماً أن قمع الأقليات القومية وسحقها كانا من بين أسباب الدمار والخراب في أوروبا. لذلك من المهم دراسة أوضاع القوميات وتوثيقها في سورية بصورة متكاملة، وسيلةً لتقدير حجمها وحقوقها الحقيقية، والبحث في أفضل السبل لحل مشكلاتها وتقليص المعاناة التي تواجهها تلك الأقليات.

تاريخياً، ارتبطت هيمنة الدول بعضها على بعض في القرن الـ19 بالاستعمار، ثمّ بالقوة العسكرية، وفي القرن العشرين بالهيمنة الاقتصادية، وفي القرن الحادي والعشرين من خلال الثقافة كياناً مركّباً ينتقل اجتماعياً من جيلٍ إلى جيل، عبر المعرفة واللغة والمعتقد الديني والفنون والقانون. لكن الأنظمة، في العالم العربي، تتطلّب، عوضاً عن حلّ مشكلة الأقليات، واعتبارها قضايا محلّية وطنية وجودية، الحلّ الجذري، وإبعادها عن أيّ مفهوم غربي، تلجأ إلى محاولات الصهر والابتلاع.

حقوق الأقليات بعد الحربين العالميتين

استقر التوجّه الدولي بعد الحرب العالمية الأولى، على أن المسائل المتعلّقة بدراسة حقوق الأقليات القومية والدينية موضع اهتمام دولي مشروع، وليست شأناً داخلياً في أيّ دولة. علماً أن هذا الافتراض اعتمد منذ عام 1900، لتبرير صياغة معايير وآليات رقابية جديدة.

وخلال العقود الأولى للقرن العشرين، نُظر إلى المشكلة أنّها قصة الأقليات الانضمامية، فمع اقتسام إمبراطورية هابسبرغ التي حكمت النمسا والمجر، وإمبراطورية روسيا القيصرية التي انتهت عام1937، والإمبراطورية العثمانية التي حكمت تركيا وسورية والعراق وفلسطين وأجزاء من شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا وشبه جزيرة البلقان. وتقسيم تلك الإمبراطوريات إلى عدة بلدان مستقلة حديثاً، تركّزت مشكلة الأقليات في أولئك الذين انتهوا إلى الجانب الخاطئ من الحدود الدولية، وهذا الأمر شمل الكرد في سورية وباقي القوميات في أغلب الدول العربية، إضافة إلى الدول الغربية، مثل الهنغاريين الذين وجدوا أنفسهم يعيشون في رومانيا، أو ألمانيين انضمّوا إلى بولندا، والأقارب في الطرف الآخر. لكن الفرق أن الدول الغربية عقدت معاهدات لضمان حماية متبادلة للقوميات التي تعيش في دول متجاورة، مثلاً منحت ألمانيا بعض الحقوق والامتيازات للسلالات البولندية التي تعيش داخل حدودها، ما دامت بولندا توفّر حقوقاً متبادلة للسلالات الألمانية التي تعيش في بولندا، ليتطوّر الأمر أكثر إلى معاهدات لحماية الأقليات، ومنح ضمانات أكثر على أساس دولي وقانوني في ظلّ عصبة الأمم المتحدة.

في حين أسس بناء النظام الدولي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، مقاربة بديلة، فجرى استبدال الحقوق الخاصة بالأقليات بحقوق الإنسان الشاملة. أي بدلاً من الحماية المباشرة للجماعات الضعيفة من خلال حقوق خاصة بهم، لحمايتهم عبر ترسيخ حقوق سياسية ومدنية لجميع الأفراد، جرى استبدالها بحقوق الإنسان الأساسية، مثل حرية التعبير والتجمّع والضمير، وتصويرها حماية جماعية للأقليات، بحجّة أنه حيثما كانت هذه الحقوق الإنسانية الفردية محميّة لن نحتاج إلى حقوق للأقليات.

بطريقة أكثر لطفاً، يمكن القول إن الاتجاه العام لحركات ترويج حقوق الإنسان، في ما بعد الحرب العالمية الثانية، تمثل في إدراج مشكلة الأقليات القومية تحت مشكلة أوسع لضمان الحقوق الفردية الأساسية لجميع الأفراد، ومن دون الرجوع إلى عضويتها في الجماعات العِرقية. وطرح مبدأ حقوق الإنسان بديلاً، مفهوم حقوق الأقليات، في إشارةٍ قويةٍ إلى أن الأقليات التي يتمتّع أعضاؤها بمساواة فردية في المعاملة لا يحقّ لها المطالبة بتسهيلات للحفاظ على خصوصياتها العرقية، لتتحوّل حقوق الأقليات بعد الحرب العالمية الثانية إلى شيءٍ معيبٍ وقضيةٍ غير ضرورية ومزعزعة للاستقرار. وخلال بضع سنوات قليلة اختفت حقوق الأقليات فعلياً من قاموس المفردات الدولية، أو كما صورها جوزيف كونز في عبارة شهيرة عام 1954: “في أواخر الحرب العالمية الأولى، كانت الحماية الدولية للأقليات موضة عظيمة، حيث وفرة معاهدات ومؤتمرات وناشطي عصبة الأمم المتحدة، وكم هائل من الكتّابات. أما الآن فقد عفا الزمن على هذه الموضة، أصبح الزي الذي يرتدي المحامي الدولي هو حقوق الإنسان”.

النقطة المرجعية التي أحدثت تغيراً في الموقف الدولي إزاء حقوق الأقليات كانت واحدة من شروط العهد الدولي للسياسة والمدنية، الذي أعلنته الأمم المتحدة في العام 1966، فورد في البند 27 أنه “في الدول التي توجد فيها أقليات عرقية أو دينية أو لغوية، فإن الذين ينتمون إلى مثل هذه الأقليات لا يُنكر حقّهم في الاجتماع مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم والاستمتاع بثقافتهم الخاصة، وممارسة طقوس دينهم الخاص، واستخدام لغتهم الخاصة”. لم يخصّص هذا البند أيَّ حقوق خاصة للأقليات، بل كان إعادة تأكيد الالتزام بحقوق الإنسان الشاملة، ودعوة إلى الدول إلى ضمان حصول أعضاء جماعة الأقليات على الحرّيات المدنية نفسها التي يملكها غيرهم من المواطنين، أي دعوة إلى عدم التفرقة، ولكن من دون خصوصياتٍ على أساس اللغة والعرق.

إعادة أحياء حقوق الأقليات

تغيرت المواقف منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي تجاه حقوق الأقليات، وأعيد بالتدريج تفسير المادة 27 لتشكّل الحقوق الإيجابية للأقليات. ففي 1994 أعيد النظر في تلك المادة، وأكّدت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن تلك المادّة لا تفرض واجب عدم التفرقة لحماية الحرّيات المدنية، بل لا بدّ من تبنّي تدابير إيجابية لتمكين الأقلية وتهيئتها لممارسة هذا الحقّ بالاستمتاع بثقافتها. ثمّ تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلاناً لحقوق الأشخاص الذين ينتمون إلى أقليات قومية أو عرقية أو دينية أو لغوية، وتأكيد إعادة صياغة العبارات الرئيسية للمادة “27” ليوضّح أنها تفرض التزامات إيجابية تمكّن الأقليات من الاستمتاع بثقافتهم.

انعكست إعادة صياغة المادة “27” في إيجاد مؤسّسات وإجراءات مختلفة خاصة بالأقليات، مثل إنشاء جماعة عمل للأقليات تابعة للأمم المتحدة في العام 1995، برعاية لجنة فرعية من حقوق الإنسان تابعة للجنة حقوق الإنسان، وتعيين خبير مستقلّ من الأمم المتحدة لموضوع الأقليات في عام 2005. أي، أصبح هناك طريق خاصة للأقليات للاستمتاع بثقافتهم وحقوقهم القومية الخاصة، وجاءت نتيجة وثمرة عمل ثلاث من أقوى المنظمات الأوروبية الحكومية: المجلس الأوروبي، والاتحاد الأوروبي، والمنظمة الأوروبية للأمن والتعاون.

لم يقترن الحديث عن حقوق الأقليات بالفعل والتطبيق، والإلزام القضائي، لكن قرار جعلها أحد مقاييس انضمام أيّ دولة إلى الاتحاد الأوروبي، شكّل تأثيراً واضحاً ومباشراً في سياسات كثير من دول ما بعد الشيوعية. كما أن مفهوم الدولة الحديثة تغيّر كثيراً خلال العقود الماضية، وفي الخطاب الدولي المعاصر نجد أن فكرة الدولة المركزية أو الموحّدة، توصف على أنها تحتوي مفارقات تاريخية تُلغي غير المنتمين إلى دوائر السلطة أو ذوي الهويات الخاصة. في حين يُنظر إلى الدول متعدّدة اللغات والمستويات، وذات البناءات الداخلية المستعدّة للاعتراف بالمناطق الإقليمية والأقليات وتمكينها، على أنها تمثل المنظور الأكثر حداثة. والدول التي تمسّكت بشدة بالنموذج الوحدوي والمركزي القديم، وواصلت إنكار وجود الأقليات توصف على نحو متزايد بأنها رجعية، وعاجزة عن التعرف والتعامل مع تعقيدات العالم الحديث وتعدديته المتأصلة.

واقع القوميات في سورية

لعبت حركات التحرّر العالمية للأقليات، وتأثيرها في النزاع الدائم، وبالإضافة إلى انهيار سور برلين، وتفكّك الاتحاد السوفييتي، ورغبة الدول العظمى في خلق الاستقرار والأمان، إضافة إلى الدراسات الأنثروبولوجية والثقافية، دوراً مهماً في رفض المبادئ الكلية التي تعتمد عليها الدول المركبة في مقارباتها مع القوميات والأقليات ومنع وصولهم إلى دوائر رسم السياسات والقرار، خاصة أن التبريرات التي قدمتها المنظمّات الدولية لتبني حقوق الأقليات تتسق مع هذه الدراسات نفسها. وما تغير هو التأكيد أن تكيف التنوع العرقي شرط مسبق للمحافظة على نظام دولي شرعي. ويبدو واضحاً أن جميع أهداف وقيم المجتمع الدولي تعتمد على الاعتراف بحقوق الأقليات.

لم تكن سورية مؤلفة أبداً من قومية أو ديانة واحدة منذ نشأتها. ومنذ سيطرة حزب البعث على مقاليد الحكم، نجح في تفتيت المجتمع السوري، وعمق من العسف السياسي، مع سيولة كبيرة للمشكلات التي جاءت بها القرارات والمراسيم التي طُبقت بحق الكرد، مثل عدم الاعتراف الدستوري، والتجريد من الجنسية والحزام العربي وقانون الإصلاح الزراعي، ومنع الأسماء الكردية وتعريب أسماء القرى والبلدات، ومنع اللغة الكردية، ومنع وصول الكرد إلى البرلمان قدر المستطاع، والتمييز في الوظائف والمناصب السياسية والإدارية العليا.

ورغم كلّ ما جرى للأقليات القومية والدينية، لم تتلاشَ، ولم تقبل أن تصهر مع الأكثرية، ولم تفقد وعيها بذاتها وبنشاطها السياسي، ولم تتخلّ عن موروثها الثقافي والهوية الوطنية السورية الجامعة، تحت الضغوط والمواجهات، وآن الأوان للاعتراف بأن النموذج القديم للدولة والنظام السوري لم يعد يتناسب مع الظروف التاريخية التي أفضت إلى نشوء سورية، والواقع السكّاني الجديد. وهناك ثلاث مشكلات محورية لقضية حقوق القوميات في سورية:

الأولى مشكلة التعددية القومية والثقافية والدينية، والصراع ما بين معايير وقواعد يمكن تطبيقها على الجميع من دون خصوصيات، مع منح حق الأولوية تفوق جماعة على أخرى، أو صياغة قواعد مختلفة لأنواع متعدّدة من القوميات والأقليات.

الثاني: مشكلة الظروف والديمقراطية في سورية التي يمكن تنفيذها في دولة ذات نهج ديمقراطي يؤمن بالتعددية بأشكالها، بعكس البلاد ذات الديمقراطيات الضعيفة التي من الطبيعي أن تتحول قضية حقوق القوميات ساحةَ صراع ونزاع، لتصبح سورية أمام خيارين، إما صياغة قواعد وقوانين ناظمة؛ يتحقق فيها مستوىً معيّن من الديمقراطية، تعيش فيه جميع المكونات بالقدر ذاته والمساواة وفقاً للمواد الدستورية، وإما كبح جماح الصراع العرقي عبر العنف، لتكون البلاد ذات مستويات ضعيفة أو متفاوتة في الديمقراطية.

ثالثاً، عجزت جميع الحكومات (تاريخياً)، وبتوجيه من النظام السوري البائد، عن توفير العدالة والأمن، وعدم الاعتراف بالأقليات القومية والعرقية على أنهم ممثلون شرعيون وشركاء متساوون في الحكم في المجتمع السوري، سيقود حتماً إلى الهلاك.

المشكلة العميقة بخصوص حقوق القوميات، هي في الأصوات والتوجهات التي تنظر إلى علاقة الدولة السورية الحالية مع القوميات، من ناحية “ابتكار” الأخطار الناجمة عن منحهم حقوقهم، وهي نظرة تشاؤمية وإقصائية معاً. والأكثر غرابةً عدم ربط أبرز أوجه الاستقرار والسلام بحلّ قضية القوميات. الواضح أن الوضع القائم في سورية غير قابل للاستقرار والاستمرار بشكله الحالي، فالمثالب ظهرت بالفعل، وتحتاج إلى تفكير طويل وبعمق، في الأهداف والمكاسب التي سيجنيها السوريون من خطاب وممارسات التعددية السياسية الثقافية، القومية والإثنية. فالإقرار بوجود قوميات وأعراق، وتضمين مواد دستورية لحقوقها، سيقود إلى التعايش القومي والإثني والثقافي، ويعني جمعاً بين المثل العليا طويلة الأمد والتوصيات البراغماتية التي تحمي البلاد.

الادعاء أن قضايا حقوق الأقليات بدعة ودعم غربي وخروج عن التقاليد والسيادة الوطنية، هو مناقض لعقود طويلة لتأسيس الدول، ومن بينها سورية، التي كانت تمتلك كامل الوسائل والطرائق لمعالجة التنوع القومي والعرقي. في المقابل بقيت القوميات والأقليات، سواء في سورية أو في غيرها من الدول، تحت تأثيرات العنف والتهميش ضدّها. ولعلّ ما قاله وودرو ويلسون عام 1919: “لا يمكن للمرء أن يغامر بقول شيء يدعو إلى اضطراب السلام في العالم أكثر من الحديث عن المعاملة التي تتلقاها الأقليات تحت ظروف معينة” هو دليل على دور الأقليات في تقويض أركان الحكم أو تثبيتها.

المطلوب من السوريين البحث عن أفضل الممارسات ضدّ التصدّعات والنزاعات الجديدة، والاستفادة من تكثيف الجهود والمعايير الدولية لحقوق الأقليات خلال السنوات الماضية، ففشل الدولة في حماية حقوق الأقليات يقود إلى سلسلة من الأزمات المتراكمة، فالدولة الطبيعية والحديثة هي التي تعترف بحقوق الأقليات وحقوق جميع المكوّنات، وإلا فستستمرّ محاولات الجماعات القومية في التحرّك سياسياً للمطالبة بحقوقها وتمثيلها في المحافل الدولية أو في السياسات المحلية، خاصة أن البيئة الدولية تتعاطف مع مطالب الأقليات، أكثر مما كانت تفعل منذ 30 أو 40عاماً مضت.

العربي الجديد

—————————-

الأحزاب الكردية تتراجع عن الفيدرالية: واقعية أم ضغوط خارجية؟/ مصطفى محمد

الإثنين 2025/04/28

تعكس مطالبة مؤتمر الحوار الوطني الكردي الذي عقد السبت في الحسكة بالدولة اللامركزية بدلاً من الفيدرالية، حالة من الواقعية التي باتت تتعامل بها الأحزاب الكردية مع الحالة السورية الجديدة بعد سقوط النظام السوري، وبروز تركيا كأحد أبرز الفاعلين في الملف السوري.

وكان من المتوقع من المؤتمر الذي جمع أحزاب الوحدة الوطنية الكردية والمجلس الوطني الكردي، وشخصيات كردية، أن يتبنى في وثيقته الختامية مطلب الفيدرالية التي دأبت هذه الأحزاب في غالبيتها على المطالبة بها، لكن حسابات عدة غلّبت مطلب اللامركزية.

وعند النظر في أبرز الفروقات بين النظام الفيدرالي واللامركزي، ومنها خضوع المناطق أو الولايات لرقابة ووصاية الحكومة المركزية في الحالة الأخيرة (اللامركزية)، بعكس النظام الفيدرالي الذي لا تخضع فيه المناطق لوصاية المركز، وعدم تحديد اختصاصات المناطق في النظام اللامركزي في الدستور الدائم، وإنما في القوانين العادية، يتبين أن الأحزاب الكردية قد تنازلت كثيراً.

حوار كردي

وتُفسر معلومات الحالة بالضغط الأميركي على الأحزاب الكردية، حيث تعتقد واشنطن أن حكومة دمشق لن توافق على مطلب الفيدرالية، خصوصاً أن أنقرة حليفة الدولة السورية الجديدة شددت في أكثر مرة على رفضها القاطع إقامة أي نظام فيدرالي في سوريا.

لكن عضو الهيئة الرئاسية والناطق الرسمي للمجلس الوطني الكردي فيصل يوسف، قال لـ”المدن”: “لم تُمارس علينا أي ضغوط، والوثيقة هي نتاج حوار كردي استمر شهوراً عدة”.

وأضاف أن الأحزاب الكردية تؤكد على خيار اللامركزية المناسبة للوحدة السياسية والإدارية للمناطق الكردية وفي إطار سوريا ديمقراطية، تحترم وتضمن حقوق الشعب الكردي وكل المكونات السياسية.

وتُعبّر وثيقة المؤتمر التي أقرت بإجماع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والفعاليات المستقلة، عن تطلعات الشعب الكردي للخلاص من آثار المركزية والاستبداد، ورأت الوثيقة أن اعتبار المناطق الكردية وحدة إدارية وسياسية ضمن “سوريا لا مركزية” هي الخيار الأنسب، لأنه يحافظ على حقوقه القومية، بحسب القائمين على المؤتمر.

تخفيف وقع الفيدرالية

ويدرج الباحث المختص بالشأن الكردي بدر ملا رشيد، عدم ذكر الوثيقة للفيدرالية في إطار محاولة “إفساح المجال من الأحزاب الكردية أمام تسمية شكل الحكم الذي يمكن الاتفاق عليه مع دمشق”.

ويوضح لـ”المدن” أن الأحزاب الكردية تجنبت استخدام الفيدرالية لتخفيف وقعها على السوريين، فالمصطلح يُثير هواجس الانفصال، علماً أن الوثيقة اعتبرت أن المناطق الكردية “وحدة إدارية وسياسية”، وهذا في حد ذاته يشير إلى “لامركزية جغرافية”، وذلك يعني شكلاً من أشكال الفيدرالية.

وقال ملا رشيد إن توحيد المناطق سيؤدي إلى إعادة تنظيم المحافظات السورية، وأضاف: “مع ذلك لا يمكن تلمّس الشكل التطبيقي (حدود اللامركزية، توحيد المناطق الكردية) النهائي لبنود وثيقة الأحزاب الكردية، والأمر يبدو أنه تُرك للنقاش مع دمشق”.

التماهي مع مطالب الأقليات

وثمة من يرجع تجاوز الأحزاب الكردية مطلب الفيدرالية إلى السعي لإضفاء الشرعية على مطلبها الجديد (اللامركزية)، الذي يناسب أكثر الأقليات السورية، وخاصة السويداء التي ترفض أوساط منها الدولة المركزية، في ظل المعلومات عن تنسيق قائم بين حزب “الاتحاد الديمقراطي” الذي يقود الأحزاب الكردية، وتيارات في السويداء ذات الغالبية الدرزية.

الكاتب الكردي شيرزان علو يتفق مع هذه القراءة ويقول لـ”المدن”: “الواضح أن مطلب اللامركزية، جاء نتيجة توافق بين الأكراد والأقليات السورية”.

والأمر الأهم الذي يجب التوقف عنده وفق الكاتب هو أن النظام اللامركزي لا يُزعج تركيا، كما الفيدرالية، ويقول: “في العراق حصل الأكراد على الفيدرالية، لكن في سوريا الحال يختلف، بمعنى أن الحلول هنا مرتبطة بالدول الإقليمية في هذه المرحلة”.

بهذا المعنى، يعتقد علو، أن مطلب اللامركزية جاء بعد حوارات مكثفة أجراها “الاتحاد الديمقراطي” وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مع القيادة السورية، والدول الإقليمية والدولية بوساطة حكومة إقليم كردستان العراق.

المدن

—————————-

انسحاب واسع لقوات التحالف الدولي من قواعد دير الزور شمال شرق سورية/ محمد كركص

28 ابريل 2025

تواصل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية تنفيذ عملية انسحاب واسعة من قواعدها في شمال شرق سورية، مع تسجيل خروج أكثر من 60 ناقلة محملة بالعتاد العسكري واللوجستي من قاعدة حقل العمر النفطي، أكبر قواعد التحالف شرقي محافظة دير الزور.

وأفادت مصادر عسكرية مطلعة لـ”العربي الجديد”، أن عمليات الانسحاب التي بدأت منذ منتصف إبريل/ نيسان الجاري، شملت حتى الآن سبع دفعات رئيسية من العتاد والمعدات، غالبيتها من حقل كونيكو للغاز وحقل العمر النفطي، بالإضافة إلى سحب دفعتين من قاعدة الشدادي بريف الحسكة الجنوبي، واحدة منها جواً. وشملت عمليات الانسحاب آليات عسكرية ثقيلة ومعدات لوجستية، مع الإبقاء على بعض العتاد والجنود في بعض المواقع.

في المقابل، لم يتم تسجيل أي انسحابات من قاعدة التنف بريف حمص الشرقي، الواقعة ضمن منطقة الـ55 كيلومتراً عند المثلث الحدودي بين الأردن والعراق وسورية، ولا من قاعدتي الرميلان (مطار خراب الجير)، وتل بيدر في ريف الحسكة. وتُعتبر قاعدة حقل العمر النفطي أكبر قواعد التحالف الدولي في سورية، تليها قاعدة الرميلان، ثم قاعدة كونيكو، فالتنف.

ويأتي هذا التحرك الميداني في سياق الخطة الأميركية المعلنة للانسحاب التدريجي من سورية، عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، لا سيما أن الإدارة الأميركية قد أوضحت في بيانات متتالية أن وجودها العسكري في سورية لم يكن دائماً، وأن هدفه الأساسي كان مكافحة تنظيم “داعش” ودعم الاستقرار الإقليمي، مؤكدةً التزامها بعملية انسحاب “منظم وتدريجي” لضمان عدم حدوث فراغ أمني قد تستفيد منه الجماعات المتطرفة أو الأطراف الإقليمية الأخرى.

ومن المتوقع أن تستمر عملية إعادة التموضع وسحب المعدات الثقيلة خلال الأشهر المقبلة، مع بقاء عدد محدود من القوات في مواقع استراتيجية حتى استكمال ترتيبات الانتقال الأمني مع “الشركاء المحليين” في شمال وشرق سورية، بحسب تصريحات صحافية لمسؤولين أميركيين.

—————————–

«اتفاق 10 آذار» يترنّح: الأكراد يتوحّدون… والشرع يكسر صمته

لم يتأخر رد العاصمة السورية على انعقاد «المؤتمر القومي الكردي» السوري الأول في مدينة القامشلي؛ إذ جاء الرفض الرسمي لمخرجات المؤتمر سريعاً، بإعلان التمسك بما سمّته دمشق «أحقية المطالب الكردية ضمن الإطار الوطني السوري الجامع»، وتأكيد وجود خلافات مع «قسد» حول تطبيق اتفاق العاشر من آذار، والموقّع بين الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، والقائد العام لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، مظلوم عبدي. وأتى هذا عبر «رئاسة الجمهورية»، التي أصدرت بياناً أكّدت فيه أن «التحركات والتصريحات الصادرة عن قيادة قسد، والتي تدعو إلى الفيدرالية وتكرّس واقعاً منفصلاً على الأرض، تتعارض بشكل صريح مع مضمون الاتفاق (المشار إليه)»، و«تهدّد وحدة البلاد وسلامتها».

وأشارت إلى أن «الاتفاق يمثّل خطوة بناءة إذا ما نُفّذ بروح وطنية جامعة بعيداً عن المشاريع الخاصة أو الإقصائية»، معلنةً رفض «أي محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية من دون توافق وطني شامل»، ومشدّدة على أن «وحدة سوريا أرضاً وشعباً خط أحمر».

كما عبّرت «الرئاسة» عن بالغ القلق من «الممارسات التي تشير إلى توجّهات خطيرة نحو تغيير ديمغرافي في بعض المناطق»، محذّرة من «تعطيل عمل مؤسسات الدولة في المناطق التي تسيطر عليها قسد، وتقييد وصول المواطنين إلى خدماتها، واحتكار الموارد الوطنية وتسخيرها خارج إطار الدولة، بما يسهم في تعميق الانقسام وتهديد السيادة الوطنية».

وشدّد البيان على أنه «لا يمكن لقيادة قسد أن تستأثر بالقرار في شمال شرق سوريا، حيث تتعايش مكوّنات أصيلة من عرب وأكراد ومسيحيين وغيرهم»، مضيفاً أن «حقوق الأكراد، كما حقوق جميع مكوّنات الشعب السوري، مصونة ومحفوظة ضمن إطار الدولة السورية الواحدة».

ودعا البيان «شركاء الاتفاق، وعلى رأسهم قسد، إلى الالتزام الصادق بالاتفاق المُبرم وتغليب المصلحة الوطنية العليا على أي حسابات ضيقة أو أجندات خارجية». وكان «المؤتمر القومي الكردي» أعلن، في بيانه الختامي، التوافق على تشكيل وفد يمثّل أكراد سوريا في وقت قريب، بهدف تطبيق الرؤى السياسية ومناقشتها مع دمشق، مع المطالبة بحل عادل للقضية الكردية ضمن إطار سوريا موحّدة، وإقرار دستوري لحقوق الشعب الكردي السياسية والثقافية.

وبحسب «الورقة الكردية المشتركة»، والتي لم تُنشر رسمياً وتمكنت «الأخبار» من الحصول على نسخة منها، جاءت طموحات المؤتمر ضمن شقين: الأول، معنيّ بالشأن الوطني السوري، والثاني، مخصّص للمطالب الكردية من الإدارة السورية الجديدة.

وتضمّن الشق الوطني، تأكيد «التوافق على أن تكون سوريا دولة متعدّدة الأديان والثقافات والطوائف، يضمن دستورها حقوق جميع المكوّنات السورية، عبر نظام حكم برلماني بغرفتين، يقوم على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وفصل السلطات، مع اعتماد مجالس للمناطق في إطار النظام المركزي».

واعتبر معدّو الورقة أن «سوريا اللامركزية تضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة بين المركز والأطراف»، مشدّدين على «ضرورة أن يعبّر اسم البلاد ونشيدها الوطني عن التعدّد القومي والثقافي للمجتمع السوري، وضمان المساواة الدستورية بين الرجل والمرأة، مع إعادة النظر في التقسيمات الإدارية الحالية بما يراعي الكثافة السكانية والمساحة الجغرافية».

كما شدّدوا على ضرورة «إلغاء نتائج التغيير الديمغرافي وإيقافه في المناطق الكردية وكلّ المناطق السورية، وتأمين عودة المهجّرين قسراً إلى ديارهم من أبناء عفرين ورأس العين وتل أبيض»، مطالبة بـ«تشكيل جمعية تأسيسية برعاية أممية لصياغة دستور جديد بمبادئ ديمقراطية، وتشكيل حكومة جامعة من كلّ أطياف المجتمع السوري».

أما في المجال القومي الكردي، فقد طالبت الورقة بـ«الاعتراف الدستوري باللغة الكردية كلغة رسمية – إلى جانب اللغة العربية -، وضمان تمثيل الأكراد في مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية والأمنية، وتقدير تضحيات قسد واعتبار القتلى من مقاتليها شهداء ومساندة عوائلهم وضمان حقوقهم». كما نصّت المطالب على «إنشاء مراكز وإدارات تهتم باللغة والتراث والتاريخ والثقافة الكردية، وفتح قنوات إعلامية ناطقة بالكردية، واعتماد عيد النوروز عيداً رسمياً في البلاد». وشدّدت على «إلغاء كلّ الإجراءات والقوانين الاستثنائية التي طُبّقت بحق الكرد، مثل مشروع الحزام العربي، وإعادة الجنسية السورية إلى المواطنين الكرد المجرّدين منها بموجب إحصاء عام 1962، وتطوير البنى التحتية للمناطق الكردية، وتخصيص نسبة من عائدات ثرواتها للتنمية والإعمار، بسبب تهميشها الممنهج وإهمالها المتعمّد في المراحل السابقة».

وفي السياق نفسه، قال فيصل يوسف، الناطق باسم «المجلس الوطني الكردي»، في تصريحات إعلامية، إن «العمل جارٍ على تنفيذ خطوات المرحلة التالية لما بعد مؤتمر وحدة الصف الكردي»، موضحاً أن «أولى هذه الخطوات تتمثّل في دراسة الملاحظات الإيجابية التي طُرحت خلال المؤتمر من قبل المشاركين، وضمّها إلى الرؤية المشتركة».

وأكّد يوسف أن العمل سيبدأ على «تشكيل وفد كردي مشترك للتحاور مع حكومة دمشق وكل الأطراف السورية الأخرى»، مشيراً إلى أن ثمّة «جدولاً زمنياً دقيقاً لم يتم تحديده بعد، لكنه سيكون قريباً نظراً إلى عدم وجود عراقيل أو خلافات تُعيق تشكيل الوفد»، موضحاً أن «ما تبقّى هو مجرّد عقد لقاءات لتحديد الشكل النهائي للوفد وعدد أعضائه».

وعن ردود الفعل حيال المؤتمر، أفاد يوسف بأن «الكونفرانس لم يتلقّ حتى الآن أي رسائل تهنئة من حكومة دمشق أو من أطراف سورية أخرى»، آملاً «أن يتم ذلك باعتبار أن الكونفرانس خطوة سورية بامتياز، ويشكّل لبنة أساسية نحو بناء سوريا جديدة ديمقراطية ولا مركزية».

ومن جهته، أكّد مصدر كردي أن «الرد الرسمي السوري كان متوقّعاً، في ظل توجه الإدارة الجديدة نحو مركزية مشدّدة، وهو ما ظهر من خلال تشكيل الحكومة والإعلان الدستوري»، لافتاً، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «المؤتمر القومي الكردي جاء بغطاء أميركي – غربي، وكان خطوة ضرورية لدفع الحوار مع دمشق إلى الأمام». ورجّح المصدر أن «الأكراد سيواصلون التمسك باللامركزية كحل وحيد ودائم لسوريا، يضمن وحدة البلاد واستقرارها».

الأخبار»

——————————

تعزيزات ضخمة للجيش السوري نحو مناطق سيطرة «قسد» في ريف حلب

 دمشق: «الشرق الأوسط»

28 أبريل 2025 م

قال تلفزيون «سوريا»، الاثنين، إن الجيش السوري أرسل تعزيزات ضخمة نحو محاور القتال ضد «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» في سد تشرين بريف حلب الشرقي.

وقال تلفزيون «سوريا»، الاثنين، إن قوات الجيش دخلت إلى منطقة سد تشرين في منبج بمحافظة حلب وأقام نقاطا عسكرية؛ تمهيداً لتولي السيطرة على السد.

وشهدت المنطقة التي يقع بها سد تشرين على نهر الفرات اشتباكات عنيفة بين «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» وفصائل مسلحة موالية لتركيا منذ سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول).

وتوصلت الإدارة السورية الجديدة الشهر الماضي لاتفاق مع «قوات سوريا الديمقراطية»، وافقت بموجبه «قسد» التي يقودها الأكراد وتسيطر على مساحة كبيرة من الأراضي في شمال شرقي سوريا، على دمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة لها ضمن مؤسسات الدولة السورية.

وكانت الرئاسة السورية قد قالت، الأحد، إن مواقف قيادة «قوات سوريا الديمقراطية» بشأن «الفيدرالية» تتعارض مع مضمون الاتفاق الموقَّع معها وتهدّد وحدة البلاد وسلامتها.

وأضافت الرئاسة، في بيان، أن الاتفاق مع «قسد» يمكن أن يكون خطوة بنَّاءة «إذا نُفّذ بروح وطنية، بعيداً عن المشاريع الخاصة»، مشددة على رفض أي محاولات للتقسيم أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية.

    بيان حول مستجدات الاتفاق مع قيادة “قسد”#رئاسة_الجمهورية_العربية_السورية pic.twitter.com/aUccaiCR2X

    — رئاسة الجمهورية العربية السورية (@SyPresidency) April 27, 2025

وحذَّرت الرئاسة السورية من تعطيل عمل مؤسسات الدولة في مناطق سيطرة «قسد»، واحتكار الموارد، وقالت إنه «لا يمكن لقيادة (قسد) الاستئثار بالقرار في شمال شرقي سوريا؛ لأنه لا استقرار ولا مستقبل دون الشراكة الحقيقية».

كان مظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، قد قال، في تصريح نقله التلفزيون السوري، السبت، إن «سوريا الجديدة تحتاج إلى دستور لا مركزي، يضم جميع المكونات»، مشدداً على أن واجب «قسد» حماية المكتسبات الموجودة في شمال شرقي سوريا. وتابع أن مؤتمر «وحدة الصف والموقف الكردي»، الذي عُقد في مدينة قامشلو بروجافا، لا يهدف إلى التقسيم، بل هو من أجل وحدة سوريا.

—————————

==================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى