ثلاث أوراق ألغيت في انتخابات سوريا عام 1955، كانت إحداها باسم نوري السعيد/ سامي مروان مبيض
كثيرة هي الكتب والدراسات التي تحدثت عن الانقلابات العسكرية المتتالية في سوريا منذ سنة 1949، ولكن لا يوجد أي بحث عن الانتخابات النيابية والرئاسية التي جاءت قبلها وبعدها. وعندما يرد ذكر هذه الانتخابات، يكون الحديث دوماً عن الفائزين ولا يأتي أحد على ذكر الخاسرين فيها أو المنسحبين منها. في هذا المقال نحاول، ولو بشكل سريع ومختصر، تسليط الضوء على هؤلاء الذين سقطت تجربتهم من كتب التاريخ، ولم يتمكنوا من الوصول إلى سدة الرئاسة.
انتخابات عام 1932
كانت هذه الانتخابات هي الأولى من نوعها بعد تبني النظام الجمهوري في سوريا وانتخاب مجلس نواب تكون أولى مهامه عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. قبلها ومنذ فرض الانتداب سنة 1920 كان رؤساء سوريا يأتون بالتعيين من قبل المفوضية الفرنسية العليا في بيروت، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُنتخب فيها رئيس جمهورية من قبل السلطة التشريعية. وقد ترشح للرئاسة الأولى يومها الأسماء التالية:
• رئيس الدولة الأسبق صبحي بركات (الذي كان يشغل رئاسة البرلمان حينها).
• رئيس دولة دمشق الأسبق حقي العظم.
• رئيس الحكومة الأسبق رضا باشا الركابي (مرشح حزب الأمة الملكي).
• رئيس الحكومة الأسبق هاشم الأتاسي (مرشح الكتلة الوطنية).
• رئيس الحكومة الأسبق تاج الدين الحسني.
• السفير والوزير محمد علي العابد.
بركات والعظم والشيخ تاج كانوا مدعومين من قبل فرنسا، بدرجات متفاوتة، أمّا رضا الركابي فكان مدعوماً من قبل الأسرة الهاشمية الحاكمة في عمّان وبغداد. وكان الأتاسي ممثلاً عن الحركة الوطنية في سورية، والعابد مستقلاً، لا حزب سياسياً له أو “جماعة”.
انسحب الأتاسي من المعركة وقرر وضع أصوات كتلته النيابية (17 مقعداً) في خدمة العابد، كما انسحب الركابي بعد هزيمته في الانتخابات النيابية، وكذلك فعل حقي العظم، لتصبح المعركة النهائية بين بركات والعابد، الذي فاز وانتخب رئيساً في 11 حزيران/يوليو1932. وقد تمّت مكافأة العظم من قبل الفرنسيين بتعيينه رئيساً للحكومة وبقي صبحي بركات رئيساً للبرلمان، لكونه زعيم أكبر كتلة نيابية مؤلفة من 28 نائباً. أمّا الركابي، فقد اعتزل الحياة
انتخابات عام 1936
لا شيء يذكر فيها لأن هاشم الأتاسي وقف منفرداً ولم يترشح ضده أحد في الانتخابات التي جرت في كانون الأول/ ديسمبر 1936. وقد رفض كل السياسيين الوقوف في وجه الأتاسي نظراً لشعبيته الكبيرة ومكانته في المجتمع السوري، ودوره في إبرام أول معاهدة استقلال في أيلول/سبتمبر 1936.
انتخابات عام 1943
كانت هذه أول انتخابات تتم خلال الحرب العالمية الثانية، وقد جاءت بعد وفاة رئيس الجمهورية المُعين تاج الدين الحسني في كانون الثاني/يناير 1943. ترشح يومها شكري القوتلي للرئاسة باسم الكتلة الوطنية، وحاول حقي العظم منافسته بعد انسحابه مجبراً من انتخابات عام 1932. ولكنه لم يتمكن من الحصول لا على دعم فرنسي أو على تأييد عدد كاف من النواب، فقرر الانسحاب.
كما حاول خالد الأيوبي، نجل رئيس الدولة المؤقت حينها عطا الأيوبي، جمع توقيع عدد من النواب لترشح أبيه، دون علمه. نجح خالد الأيوبي بجمع 72 توقيعاً، فوصل الأمر للقوتلي الذي اتصل بالرئيس الأيوبي معاتباً، وعرض عليه سحب ترشيحه في حال كان الأيوبي راغباً بالرئاسة الأولى. اعتذر الأيوبي عن تصرف ابنه وقال: “إن مصلحة الوطن تقضي بأن يكون شكري القوتلي رئيساً للجمهورية وحده دون غيره، وأنا لا يمكن أن أتقدم عليه”. وبالفعل، ذهبت رئاسة الجمهورية يومها إلى شكري القوتلي يوم 17 آب/أغسطس 1943.
استفتاء عام 1949
بعد أشهر من نجاح انقلابه على الرئيس القوتلي، أعلن حسني الزعيم عن إجراء استفتاء شعبي حول رئاسة الجمهورية وعدم الذهاب إلى انتخابات عن طريق مجلس نواب كما جرت العادة في كل العهود السابقة. وكان هذا طبعاً بعد أن قام الزعيم بتعطيل الدستور وحلّ مجلس النواب في 1 نيسان/ أبريل 1949. كان حسني الزعيم هو رجل سورية الأقوى يومها، ولم يكن عاقل يتجرأ على منافسته، إلا أن سياسياً مغموراً من حلب قرر خوض التجربة “الانتحارية”، وهو بشير كمال رئيس حزب الله (حزب صغير لا علاقة له بحزب الله اللبناني).
وقد وصفه مدير مكتب الزعيم نذير فنصة في مذكراته بأنه “أحد مهابيل الشوارع في دمشق،” وبذلك اعتُبر بشير كمال مجنوناً وتم اعتقاله وسوقه إلى سجن المزة العسكري. وقد شُطب اسمه من قوائم الاستفتاء وترشح الزعيم منفرداً ليفوز بنسبة %116 من الأصوات. توفي بشير كمال في حلب يوم 20 آب/أغسطس 1951، بعد سنتين فقط من مقتل حسني الزعيم، وقد وصفته جريدة الفيحاء الدمشقية أنه كان من الظرفاء ومن أصحاب الظلّ الخفيف والنكتة الحاضرة.
انتخابات عام 1955
لعل هذه الانتخابات الأشهر في تاريخ سوريا الحديث، لكونها الأولى بعد سقوط عهد أديب الشيشكلي، وقد اكتسبت شهرة إضافية بسبب مكانة وقوة المرشحين، وهما الرئيس الأسبق شكري القوتلي ورئيس الحكومة الأسبق خالد العظم. وما لا يعرفه كثيرون أن المنافسة في بدايتها لم تكن بين القوتلي والعظم، بل بين العظم ولطفي الحفار، أحد قادة الكتلة الوطنية الذي كان رئيساً للحكومة سنة 1939.
كان الحفار من أعيان دمشق ونائباً لرئيس غرفتها التجارية في العشرينيات، وله أفضال على المدينة وأهلها بسبب مشروع جر مياه عين الفيجة الذي قام به. ولكنه انسحب من المعركة بعد قرار القوتلي الترشح وكرر ما قاله عطا الأيوبي قبل سنوات، إنه مصلحة سورية تقتدي عودة القوتلي إلى الحكم، وإنه (أي لطفي الحفار) لن يقبل أن يقف في وجه رئيس البلاد المنتخب والشرعي، الذي أقصي عن الحكم ظلماً وبشكل غير دستور يوم الانقلاب الأول سنة 1949. انسحب الحفار من المعركة التي دارت داخل مجلس النواب يوم 18 آب/ أغسطس 1955.
في الجلسة الأولى، حصل العظم على 42 صوتاً من أصل 139 صوتاً، ونال القوتلي 89 صوتاً. ولكن غالبية مطلقة لم تحقق فأرجئت الجلسة لمدة نصف ساعة وعاد النواب ليصوتوا مرة ثانية. في هذه المرة، حصل القوتلي على 91 صوتاً مقابل 41 لخالد العظم، وقد سجلت أربع أوراق بيضاء وتم إلغاء ثلاث. واللافت أن الأوراق التي ألغيت كتب على إحداها “قيس ابن الملوح” في إشارة إلى “مجنون ليلى” (وكانت زوجة العظم تدعى ليلى).
أما الورقة الثانية فكتب عليها “أبو حسان” وهو الاسم الشعبي الذي كان يُعرف به القوتلي، وقد كتب على الورقة الثالثة اسم رئيس وزراء العراق “نوري السعيد.” النتيجة كانت فوز القوتلي بالرئاسة وتعويض العظم بمنصب وزاري، لم يرقَ طبعاً إلى طموحه السياسي.
انتخابات عام 1961
قرر خالد العظم ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية التي جرت بعد الإطاحة بجمهورية الوحدة مع مصر نهاية عام 1961. وقد تشجع على ذلك بعد فوزه بأعلى الأصوات في الانتخابات النيابية التي سبقت انتخابات الرئاسة (33279 صوتاً مقارنة مع عدد أصواته سنة 1954 وهو 23 آلفاً).
وقد دخل السباق الرئيسي رئيس الحكومة الأسبق الدكتور ناظم القدسي، ممثلاً عن حزب الشعب، والدكتور مأمون الكزبري، رئيس مجلس النواب الأسبق. في مذكراته، يقول العظم إن اتفاقاً تمّ بين الرجلين لإبعاده عن الرئاسة، بدعم من المؤسسة العسكرية، حيث انسحب الكزبري لصالح القدسي، مقابل وعد بتعيينه رئيساً للسلطة التشريعية. فقرر العظم سحب ترشيحه في 13 كانون الأول/ديسمبر 1961 وعلّق في مذكراته: “كانت لي تجربة 1955 كدرس لمعرفة أخلاق الناس وشدة تمسكهم بوعودهم”.
رصيف 22