تسريب بيانات يكشف حجم تدخّل دولة الإمارات في فرنسا
كشف تحقيق أجرته “ميديابارت”، استناداً إلى بيانات وشهادات مسربة، عن شبكة نفوذ تعمل في فرنسا لحساب قوة أجنبية ما فتئ نفوذها يتعاظم في باريس: إنها الإمارات العربية المتحدة.
كشف موقع “ميديابارت” الفرنسي، عما يدور في الكواليس من استراتيجيات التأثير والضغط، التي تمارسها دولة الإمارات العربية المتحدة في فرنسا، استناداً الى تسريب وثائق ونشر الكثير من الشهادات. نجد ضمن هذه الشبكة، عميل مخابرات إماراتياً، ومحققين سويسريين، وباحثين، وصحافيين فرنسيين مشهورين، من دون أن ننسى بطبيعة الحال المواطن الفرنسي ألكسندر بنعلا، ذائع الصيت.
لم يكن “فريق خورخي/ Team Jorge”، وهو الطاقم الإسرائيلي المعروف بتقديم خدمات القرصنة ونشر عمليات التضليل الإعلامي على نطاق واسع، من خلال التلاعب بمحتوى المعلومات على الإنترنت، والذي زادت شهرته منذ الكشف عن “القصص المحرمة” (Forbidden Stories) في قضية BFMTV، فاعلاً منعزلاً في صناعة المعلومات المضلّلة.
كشف تحقيق أجرته “ميديابارت”، استناداً إلى بيانات وشهادات مسربة، عن شبكة نفوذ تعمل في فرنسا لحساب قوة أجنبية ما فتئ نفوذها يتعاظم في باريس: إنها الإمارات العربية المتحدة.
تتولى عملية تنسيق أنشطة هذه الشبكة، شركة استعلامات اقتصادية مقرها سويسرا، وهي شركة “ألب سيرفيسيز”، وقد سبق لها أن نفذت مهاماً استخباراتية خاصة لحساب عملائها. وفي صلة مع باحثين، يدّعي أحدهم ارتباطه مباشرة مع إيمانويل ماكرون، نُقلت مجموعة من المعلومات الى عميل استخبارات إماراتي، استطعنا تحديد هويته.
نشرت هذه المجموعة الغامضة أيضاً معلومات – استُخدمت خلالها هويات مزيّفة على الإنترنت – بهدف إلحاق الأذى بخصوم الإمارات، وتقف المجموعة أيضاً في ما يبدو، خلف النسخة الإنكليزية والعربية من كتاب “أوراق قطر | Qatar Papers“، من تأليف الصحافيّين كريستيان شيسنو (راديو فرنسا) وجورج مالبرونو (من صحيفة لو فيغارو)، الذي كشف عن تمويل قطر، العدو اللدود لدولة الإمارات، الجمعيات الإسلامية في أوروبا.
تندرج المعلومات التي كشفها موقع “ميديابارت” في إطار حرب الظل المشتعلة بين الجارتين الخليجيتين، والتي بلغت ذروتها بين عامي 2017 و2021، عندما نفَّذ التحالف بقيادة الإمارات والسعودية ومصر حصاراً على قطر.
تُعد كل من قطر والإمارات من كبار المشترين للأسلحة الفرنسية، وتستثمر هاتان الدولتان بسخاء في مجال العقارات والرياضة (فريق كرة القدم PSG) والثقافة (متحف اللوفر أبو ظبي)، فضلاً عن إنفاقهما مبالغ طائلة في توكيل شركات علاقات عامة ووكالات متخصصة في الاستخبارات الخاصة والتضليل الإعلامي للتأثير في القادة السياسيين والرأي العام في الدول الغربية. وفوق ذلك كله، تستخدم الدولتان سياسة الضغط ونشر مقالات صحافية كاذبة، وحتى أعمال القرصنة. وكانت الإمارات قد نفذت عملية “الغراب الأسود Raven” لاختراق القطريين بمساعدة جواسيس إلكترونيين أميركيين سابقين، بينما يُشتبه في قيام قطر بالتجسس على معارضين بمساعدة قراصنة هنود.
كانت الأعمال التي اقترفتها قطر في فرنسا وأوروبا في قلب فضيحة الفساد الأخيرة في البرلمان الأوروبي، وقد تم توثيقها على نطاق واسع. في المقابل، فُضحت حركات دولة الإمارات، في مجال ممارسة الضغوط المكثفة في الولايات المتحدة – لا سيما بعد اختراق صندوق البريد الإلكتروني لسفيرها – لكن ظلت أنشطتها على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي غير معروفة حتى ذلك الحين.
المحقق السويسري والعميل الإماراتي
للمرة الأولى، تكشف “ميديابارت”، ما يدور خلف الكواليس من عمليات نفوذ في فرنسا وأوروبا، تحت الإشراف المباشر لأجهزة المخابرات الإماراتية. استند جواسيس أبو ظبي في أداء هذه المهمة إلى شركة “ألب سيرفيسيز” للاستخبارات والتأثير السويسرية، التي أسسها أحد الخبراء المخضرمين في هذا القطاع في عام 1989، ماريو بريرو، 76 عاماً، المعروف بأساليبه المثيرة للجدل.
وقد أصدرت العدالة في فرنسا بحقه حكماً قضائياً لحصوله بشكل غير قانوني في عام 2011، على سجلات المكالمات الهاتفية لزوج آن لوفرجون، رئيسة شركة “أريفا” آنذاك، التي وصفته بـ “بالجاسوس”.
تُظهر عملية تسريب بيانات سابقة، قامت بها شركة “ألب سيرفيسيز” وكشف عنها موقع Heidi News على الإنترنت في عام 2021، أن ماريو بريرو، كان وراء تحفيز جهات على تحرير مقالات صحافية تهدف إلى انتقاد المدعي العام في جنيف بناءً على طلب عشيقة ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس. وفي تسجيل صوتي له، يبدو أن ماريو بريرو يتحدث عن إمكان بيع أبحاث أجْرِيت لحساب أحد زبائنه، وهو تاجر الأعمال الفنية إيف بوفيي، إلى خصمه الرئيسي الملياردير الروسي دميتري ريبولوفليف، بحجة أن بوفيي لم يدفع مستحقات شركة “ألب سيرفيسيز”.
هذا السيل المتدفق من المعلومات المسربة المُضر بالنسبة الى رجل الظل، جعل ماريو بريرو يشعر بالتوجس المفرط تجاه مساعديه. وقد شهد مكتبه الكثير من الاستقالات في السنوات الأخيرة، في حين تشير مصادر عدة الى أن أسلوب تسيير الأعمال بالمكتب أصبح قاسياً في بعض الأحيان. في عام 2021، حُكم عليه بتهمة إجبار إحدى الموظّفات على توقيع وثيقة تحت الإكراه، فيما كان يُعِد للتخلص منها. وقد كشفت الضحية عن “وجود برنامج تجسس في جميع حواسيب الموظفين”، وفقاً للحكم الصادر في هذه القضية.
في محاولات متكررة للاتصال به، لم يرغب ماريو بريرو في الإجابة على أسئلتنا. وتوضيحاً لهذا الرفض من موكلهم، قال محاموه كريستيان لوشر ويوان لامبر، أن شركة “ألب سيرفيسيز” “ملزَمة بالسرية المهنية الصارمة، بجميع أشكالها […]، تجاه عملائها إزاء المعلومات التي تعالجها لحسابهم”.
أضاف محامو شركة “ألب سيرفيسيز”، الذين أبلغونا إخطاراً رسمياً يقضي بواجب “إتلاف جميع البيانات” المتعلقة بموكّلهم والإحجام عن أي عملية نشر للمعلومات تم الحصول عليها من خلال أعمال غير مشروعة”، أنه بالنظر إلى “العناصر المُتضَمنة في بريدكم الإلكتروني، يبدو واضحاً أنكم تسلمْتم بيانات محمية بموجب هذه الأسرار وحصلّتم عليها بطريقة غير مشروعة”.
اتهمتنا أطرافٌ أخرى بأننا نتحامل على دولة الإمارات لخدمة مصلحة دولة قطر، وكان ردنا على هذه الاتهامات، تذكيرهم بأن موقع “مديابارت”، كان مصدر تحقيقات في الكثير من القضايا، لا سيما المتعلقة بالفساد، ومن هذه القضايا، ما يشير تحديداً إلى توّرط شخصيات قطرية في هذه القضايا، وأن الكشف عن هذه المعلومات أدى، وفقًا لوسائل الإعلام البريطانية The Sunday Times ومكتب الصحافة الاستقصائية إلى استهداف “ميديابارت” من قطر في عملية قرصنة عالمية.
أفيزا بارتنرز وعضوة مجموعات الضغط سهام سويد تحت الأنظار
كشفت وثائق داخلية جديدة خاصة بشركة “ألب سيرفيسيز”، حصل عليها موقع مديابارت، أن ماريو بريرو قد تصرف بطريقة متهوّرة عند تقديمه، في إطار نزاع عادي أمام المحكمة الخاصة بشؤون العمل، وثائق وصوراً تكشف معلومات عن مُزودي المشاريع وزبائن شركة “ألب سيرفيسيز”، وتوجد من بين هؤلاء، شخصية بالغة الحساسية: عميل سري إماراتي.
هذا الرجل الذي تمكنا من تحديد هويته، ونطلق عليه اسم “محمد” (انظر عمودنا على مديابارت ‘الصندوق الأسود’)، هو ضابط مخابرات كبير في أبو ظبي، وكان قد استعان بخدمات ماريو بريرو لمدة أربع سنوات على الأقل.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، أعرب رئيس “ألب سيرفيسيز” في رسالة نصية قصيرة عن ابتهاجه، كتب فيها إنه “يتناول العشاء في لقاء ثنائي حصري مع محمد”، الذي عهد إليه للتو بـ “3 مهام مهمة بمبلغ إجمالي قدره … مليون يورو”. وسيتم توقيع عقد آخر بعد ذلك، يقدر بنحو 1.2 مليون فرنك سويسري (المبلغ نفسه باليورو) كل ستة أشهر.
تميزت هذه المهمة بحساسية بالغة، الى درجة أن الاتصالات كانت تمر حصرياً من خلال عنوانين مجهولين اثنين مكوّنين من ستة أرقام، تم فتحهما على خدمة البريد الإلكتروني المشفرة Protonmail: العنوان الأول لشركة “ألب سيرفيسيز”، والثاني لوكيلها الإماراتي المعتمد، الذي نطلق عليه في هذه المقالة اسم 842943@protonmail.com. وكان ماريو بريرو ومعاونوه يلتقون أيضاً سراً، في سويسرا أو في أبو ظبي، بالوكيل “محمد” ورئيسه داخل مصالح الاستخبارات، الملقب باسم “سعادة الملاكم”.
وفقًا للوثائق التي اطلعت عليها مديابارت، ينص أحد العقود على أن تُجري شركة “ألب سيرفيسيز” تحقيقات مكثفة على وجه الخصوص حول “شبكات التأثير” و”جماعات الضغط والمؤثرين والصحافيين” من قطر في الاتحاد الأوروبي.
في عرض تجاري مقدم إلى العميل الإماراتي، تقترح الشركة استهداف، على وجه الخصوص، سهام سويد (ضابطة شرطة سابقة ومستشارة وزارية اشتراكيّة، أصبحت مكلفة في مجال الاتصال والتأثير لحساب قطر في فرنسا)، من خلال التحقيق في كل ما له علاقة بها ومحيطها “زوجها وشركتهما”، لاصطياد “المعلومات السلبية”.
تعتزم شركة “ألب سيرفيسيز” أيضاً التحقيق في وكالة “أفيزا بارتنرز”، التي تعمل لحساب قطر، مثلما سبق أن أشارت إلى ذلك ميديابارت. إن هدف شركة “ألب سيرفيسيز” كان “واضحاً”، وفقًا للوثيقة ذاتها: “التصدي لأعمال التأثير والضغط التي تمارسها قطر على مستوى الاتحاد الأوروبي”، من خلال “الكشف عن […] وشجب البنية التحتية العاملة في الظل” التي يقيمها “عملاء شرسون مثل “أفيزا بارتنرز” وسهام سويد”.
الوضع يزداد إثارة، مثلما يتضح من مساعي “أفيزا بارتنرز” واستعدادها للشراء المحتمل لخدمات شركة “ألب سيرفيسيز”، وفقًا لمعلوماتنا. في ردها على اتصال من “ميديابارت”، رفضت الشركة الفرنسية، التي تقول إنها لم تعد تعمل لحساب قطر “منذ سنوات”، التعليق على هذا الموضوع، مثلها مثل شركة “ألب سيرفيسيز”.
وفي اقتراحها المُقَدم إلى دولة الإمارات، تنوي وكالة ماريو بريرو السويسرية، القيام أيضاً بإجراءات “الضغط المضاد” التي تستهدف قطر، وتشمل نشر المعلومات المناهضة لقطر وتسريبها إلى “السياسيين الأصدقاء” وإعداد ملفات بهدف رفع دعوى قضائية.
الهدف: تحرير 100 مقالة دعائية في السنة
يصبو الهدف المنشود أيضاً إلى التأثير في الصحافة ونشر مقالات كاذبة تهاجم قطر والحركات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، المدعومة إعلامياً ومالياً من قطر. هذه الجماعة التي نشأت في مصر، وتوجد في الكثير من البلدان، تدعو إلى الإسلام السياسي، وتتبنى أيديولوجية معادية للغرب، ولها نظرة صارمة في مجال الأخلاق والأدب.
توجد جماعة الإخوان المسلمين في قلب التوترات الملتهبة بين دول الخليج منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي، عندما عززت قطر علاقاتها بالجماعة، فيما تبنت دولتا الإمارات العربية والسعودية مواقف معاكسة تماما، زاد هذا الصراع حدة في عام 2010 خلال الربيع العربي، الذي تميّز بوصول أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في تونس ومصر، مما أثار فزع ديكتاتوريات الخليج، وخشيتها من مواجهة حركات مماثلة عندها. ومنذ ذلك الحين، تبذل المملكة العربية السعودية والإمارات مساعي حثيثة من خلال وسائل التأثير والضغط، في محاولة منهما لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
وكان من بين أهداف “ألب سيرفيسيز” حسب الوثائق الموجودة في حوزتنا، نُشرت 100 مقال سنوياً أو التأثير في محتواها لحساب دولة الإمارات . وقد نُشِر البعض منها عبر حسابات مزيفة، بخاصة في “نادي مديابارت” (Mediapart Club)، وهو عبارة عن فضاء مفتوح لمشاركة القراء في الصحيفة، ومن جملة هذه الحسابات المزيفة، يظهر اسم مستعار “تانيا كلاين | Tanya Klein”. في الفترة ما بين عامي 2018 و2021، نشرت هذه المدَونة الافتراضية خمسة عشر منشوراً، جميعها موّجهة ضد الإخوان المسلمين وقطر.
وقد حامت شبهات كبيرة حول هذه المنشورات، إلى درجة أن عملية التضليل تم فضحها من الفريق المشرف على إدارة هذه الصفحة، حتى قبل إجراء هذا التحقيق، الأمر الذي دفع “مديابارت” إلى سحب المقالات من الموقع وإلغاء حقوق مشاركة “تانيا كلاين” (اقرأ فقرتنا ‘الصندوق الأسود’ على مديابارت). في الماضي، تم استخدام العملية التضليلية نفسها الهادفة إلى التسلل عبر الفضاء التشاركي للصحيفة، لخدمة الزبائن الأثرياء، على غرار وكالات أخرى، مثل أفيزا بارتنرز، أو ماجوريل، (شركة يملكها المستشار الإعلامي الفرنسي السابق جان إيف لودريان).
على رغم حذف أحد الأعمدة المحررة باسم “تانيا كلاين”، تم الاستشهاد به في مقال لا يزال منشوراً على الإنترنت، ونُشر في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 على موقع المجلة الأسبوعية اليمينية المتطرفة “فالور أكتويل”. هذا المقال على المجلة اليمينية الموّقع باسم الصحافي نيكولاس كليمان، يصف مجلس المسلمين في أوروبا بـ “البيت الأم للأخطبوط الإسلامي […] الذي غرس جذوره في الأراضي الفرنسية”، ويزعم صاحب المقال بأن (الأخطبوط الإسلامي) “قد نجا من رد الحكومة” في أعقاب عملية اغتيال صمويل باتي، الذي حدث قبل شهر.
يستند الصحافي مرتين على تصريحات “تانيا كلاين” التي كتبت، قبل شهرين في نادي ميديابارت، بأن جماعة الإخوان المسلمين تعتمد “استراتيجية معروفة” تقوم على “تغيير اسم إحدى منظماتها، عندما تصير مثيرة للجدل وتسيل الكثير من الحبر”.
في اتصال بتوغدوال دينيس، نائب رئيس تحرير مجلة “فالور أكتويل”، أكد هذا الأخير أن الصحافي قد اطلع على عمود المدوِنة الخاصة “بتانيا كلاين” بمفرده، وقال في رده “أضمن لكم أن الأمر لا يتعلق بأي حال من الأحوال بمقالة تحت الطلب والإشراف، وأن الصحافي قد أجرى تحقيقه من مصادره المختلفة، وبعضها مفتوح. وأنا أصرّ على أنه لم يكن لدينا أي اتصال بشركة “ألب سيرفيسيز”.
غير أنه في اليوم التالي لنشر المقال، أعلنت فِرق “ألب سيرفيسيز” أن المنشور يعود إليها، وكتبت في رسالة إلكترونية موّجهة إلى العنوان 842943@protonmail.com، المستخدم من العميل الإماراتي “محمد”، ما نصه: “خبر رائع، لدينا أخيراً مقالنا العظيم في فرنسا، والذي تم نشره للتو في مجلة فالور أكتويل. […] وهذا أمر مدمر بالنسبة الى شبكات جماعة الإخوان المسلمين الفرنسيين ومحرج للسلطات التي تجاهلت التركيز على مجلس مسلمي أوروبا”.
ثم تضيف الوكالة السويسرية أن “المقال يتم تشاركه والتعليق عليه مئات المرات على مواقع التواصل الاجتماعي”، وتعلن أنها “ستعمل الآن على ممارسة ضغط إضافي على وسائل الإعلام الأخرى والتأثير الخفي لحظر مجلس مسلمي أوروبا في فرنسا أو على الأقل إخضاعه للتحقيق”.
في رسالة إلكترونية أخرى موجّهة إلى العنوان البريدي 842943@protonmail.com، تفاخرت “ألب سيرفيسيز” بأنها نجحت في نشر مقال، على الموقع البلجيكي Histoiresroyales.fr المتخصص في أخبار الملوك، يروّج لاتهامات بالقتل والتعذيب ضد أحد أعضاء العائلة المالكة القطرية. كتبت “ألب سيرفيسيز” إلى عميلها المعتمد، تقول “صديقي العزيز، ها هي المقالة التي نشرناها للتو عن شقيق الأمير”. وينفي نيكولاس فونتين، رئيس تحرير Histoiresroyales.fr، أن يكون “المنشور من النوع الذي يحظى برعاية”، ويضيف أن المقال “كُتب بالكامل استناداً إلى ثلاثة مصادر”، التي هي عبارة عن مقالات صحافية باللغة الإنكليزية.
تفكيك شبكات الإخوان المسلمين في أوروبا
تضمنت مهمة “ألب سيرفيسيز” أيضاً إجراء تحقيقات مُعمَقة في عام 2020 حول جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا، بخاصة في فرنسا وبلجيكا والنرويج. حرر عملاء سويسريون تقارير عن شخصيات ومنظمات تنتمي إلى جماعة الإخوان أو تعتبر قريبة منها، ليس ذلك فحسب، بل أنتجوا أيضًا رسوماً بيانية كبيرة حسب كل بلد، تربط عشرات الأسماء – من الشخصيات العامة وكذلك من أسماء أشخاص مجهولين – يُعتقد أنها تدور في فلك جماعة الإخوان المسلمين.
وقدَمت فِرق “ألب سيرفيسيز” هذه الوثائق إلى “محمد”، عميل أجهزة المخابرات الإماراتية، خلال اجتماعات عمل جرت في أبو ظبي، مثلما تظهره الصورة أدناه. كيف استخدمت هذه القوائم؟ حاولنا الاتصال بحكومة الإمارات، عبر سفاراتها في باريس، لكن لم نحصل على أي رد منها.
أثناء أداء مهمتها، استعانت “ألب سيرفيسيز” أيضًا بخدمات باحثين، بدءاً من الباحث الجامعي الإيطالي – الأميركي لورنزو فيدينو، مدير برنامج التطرف الديني في جامعة جورج واشنطن. في كانون الثاني/يناير 2018، وقّع لورنزو فيدينو، الذي يكتب بإسهاب عن جماعة الإخوان المسلمين، عقداً استشارياً مع الشركة السويسرية بقيمة آلاف عدة من اليورو. “غالباً ما أقدم استشارتي إلى هيئات مثل مكاتب المحاماة والشركات الاستشارية وشركات العلاقات العامة والمؤسسات الخاصة، وبالتالي مثل هذا العمل عادي جداً (مثل ما يقوم به الكثير من الباحثين غيري)”، يوضح لورنزو فيدينو في محاولة منه للتهوين من الأمر، مؤكداً أنه لا يعرف هوية العميل النهائي، ثم يضيف “كانت علاقتي مع “ألب سيرفيسيز” وليست لدي أي فكرة عما فعلوه بأبحاثي”، ويعتبر أن الأموال التي تلقاها من وكالة الاستعلامات الخاصة لا تمس شيئاً من “استقلاليته”.
“الخبير” رولان جاكار يتباهى أمام الإماراتيين بوصوله إلى الرئيس ماكرون
في صميم العلاقة بين شركة “ألب سيرفيسيز” والمصالح الاستخباراتية الإماراتية، يظهر اسم مستشار آخر، مواطن فرنسي هذه المرة: رولان جاكار. كان هذا الصحافي السابق، كثيراً ما تستضيفه القنوات التلفزيونية، باعتباره “خبيراً” في التطرف الإسلامي، وذلك بعد ترؤسه منصب رئيس المرصد الدولي للإرهاب. لكن وراء هذا الاسم البراق، يختبئ في الواقع، وفقًا لصحفية “لو موند” هيكل فارغ، “من دون منشورات، من دون موقع ويب، من دون عنوان بريدي ومن دون أي وجود قانوني”، العضو الوحيد فيه هو رولان جاكار.
رولان جاكار، رجل التدخلات المسرحية، أشهر في تموز 2010، خلال حلقة نقاش في برنامج “C à vous” على قناة France 5، دليلاً مزعوماً عن كيفية حماية القاعدة نفسها من مصالح المخابرات على الإنترنت. في اليوم التالي، كشف موقع Arrêt sur images أن ما قدمه رولان جاكار هو في الواقع دليلًا بسيطاً لبرمجة الكمبيوتر، يمكن تنزيله مجانًا …
في الفترة نفسها، وصفه مسؤول سابق في المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي DGSE، في مدونته على موقع “لو موند”، بأنه “متخصص وطني في السبق الصحافي المتعفن”. في عام 2001، كشف رولان جاكار عن رقم هاتف يعمل عبر الأقمار الصناعية يسمح له، حسب قوله، بالوصول إلى قيادة القاعدة. يقول عميل DGSE، الذي كان لا يزال آنذاك في الخدمة، أنه راجع قاعدة بيانات المصلحة، وتحقق أن الرقم المشار إليه هو في الواقع رقم المنظمة الدولية للاتصالات اللاسلكية البحرية عن طريق الأقمار الصناعية التي استخدمها … الصليب الأحمر في المنطقة الباكستانية – الأفغانية. على رغم هذه النكسات، يمتلك المستشار رولان جاكار شبكة مهمة في الدوائر السياسية والعسكرية والدبلوماسية. وفقاً لمعلوماتنا، كان جاكار هو مَن جلب العميل الإماراتي إلى “ألب سيرفيسيز”، بالإضافة إلى زبائن آخرين مرتبطين بأنغولا أو موناكو.
في إطار العقد المبرم مع “ألب سيرفيسيز”، كان رولان جاكار يكتب مباشرةً إلى العنوان 842943@protonmail.com، الذي استخدمه العميل الإماراتي “محمد”. في رسائله الإلكترونية هذه، يدعي جاكار أنه يقدم معلومات مصدرها الأجهزة الأمنية والإليزيه، بل والرئيس ماكرون نفسه.
في 30 تشرين الأول/أكتوبر 2020، كتب أن “ EM” (إيمانويل ماكرون) أجرى محادثة هاتفية مع أنجيلا ميركل يوم “أمس بشأن تركيا”. في تلك الفترة، شنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هجوماً لاذعاً ضد نظيره الفرنسي، إلى درجة التشكيك في قدراته العقلية. “كانت المحادثة (غير العلنية) جد متوترة”، حسب اعتقاد السيد جاكارد، قبل أن يوضح أن “ميركل قررت التفاوض مباشرة مع أردوغان والضغط على الكثير من الدول الأوروبية وحثهم على الانتظار حتى كانون الأول/ديسمبر قبل اتخاذ عقوبات اقتصادية ضد تركيا”.
في رسالة إلكترونية أخرى، بتاريخ 10 أيلول/سبتمبر 2020، أكد رولان جاكار لمحاوره الإماراتي، أنه عقد اجتماعاً “خاصاً” الأسبوع الماضي مع مستشاري الرئيس إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء جان كاستكس، ووزير الداخلية جيرار دارمانين، ووزير العدل إريك دوبون-موريتي، لإعداد قانون ضد الإسلام الراديكالي “معهم” – يتعلق الأمر بالقانون الذي يهدف إلى “مكافحة الانفصالية” الذي سيتم التصويت عليه في العام المقبل.
أخبر رولان جاكار العميل الإماراتي بأن الحكومة ستفرض رقابة على الجمعيات التي يُحتَمل أن تكون مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين. وكان إيمانويل ماكرون قد تحدث علناً عن عملية إعداد هذا القانون المستقبلي بعد شهر، في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر 2020، خلال خطاب مورو (إقليم لي زيفلين). في رسالته الإلكترونية، زعم رولاند جاكار أنه تلقى دعوة، في بداية الشهر نفسه، هذه المرة من الرئيس ماكرون شخصياً، لتبادل الرؤى حول هذا الموضوع.
في رسالة إلكترونية بتاريخ 27 تشرين الأول 2020 موّجهة إلى العنوان 842943@protonmail.com، زعم المستشار أيضاً أنه “قدم” تقارير إلى “وزير الداخلية” بشأن منظمة غير حكومية مستهدفة من العدالة لعلاقاتها المفترضة بالحركة الإسلامية. “بعد عمليات تفتيش، رفضت المنظمة غير الحكومية تقديم شفرات الكمبيوتر، وهم الآن يقبعون في السجن، في حين تواصل المخابرات الفرنسية محاولاتها للحصول على الشفرات” حسب تأكيد المستشار، إلا أن هذه المعلومات كان قد نُشرت في صحيفة “لو باريزيان” قبل أسبوع، وهو ما لم يرغب رولان جاكار في الإشارة إليه. في 31 تشرين الأول 2020، يقول صراحةً إنه سيتوّجه إلى العمل، يوم الإثنين، 2 تشرين الثاني/نوفمبر، كعضو في “مركز الأزمات” في الإليزيه، من دون أن نجد أي عنصر يدعم قوله.
رداً على أسئلتنا حول هذه التصريحات، أجاب الإليزيه بأنه ليس لديه “علم بالوقائع المذكورة”، بينما كانت ردود مكاتب جيرار دارمانين وإريك دوبوند موريتي أكثر وضوحاً، إذ أشارت الوزارتان أنه ليس لديهما أي اتصال برولان جاكار.
وبعد مكالمات هاتفية عدة، لم يرغب رولان جاكار في نهاية المطاف في الرد على اتصالنا، وهددنا بمتابعات قضائية. وقد علق محاميه باتريك ميزونوف، “ألاحظ أن معلوماتكم صادرة عن عنوان مخصص @ protonmail.com”، و”يبدو واضحاً أنه تم اختراقه، مما يشكل جريمة جنائية”.
شركة “ألب سيرفيسيز” وألكسندر بنعلا وسفارة الإمارات
هناك شخصية فرنسية أخرى، لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار قربها هذه المرة من إيمانويل ماكرون، وتظهر هذه الشخصية هي الأخرى في محيط “ألب سيرفيسيز”. ألكسندر بنعلا، الذي أصبح يقيم حالياً في سويسرا، شارك في الكثير من الأحداث التي نظمتها وكالة ماريو بريرو. وفقاً لمعلوماتنا، بدأ الرجلان العمل معاً منذ عام 2018، بعد إقالة ألكسندر بنعلا من وظيفته في الإليزيه.
المستشار السابق للرئيس إيمانويل ماكرون لم يبخل في الإطراء على ماريو بريرو، “إنه شخص ساحر، له كاريزما ومهني للغاية. لا يوجد الكثير من المكاتب التي يمكنها منافسته في مجال الاستخبارات الاقتصادية. ويمكن اعتباره بمثابة البابا، والمرجع في اختصاصه في قارة أوروبا”.
بعد تحوّله للعمل في مجال الاستشارة والأمن الخاص، لا سيما في القارة الأفريقية، يعترف ألكسندر بنعلا “من المحتمل، بناءً على طلبات معقدة وصلتني ولم أتمكن من معالجتها شخصياً أو الاستعانة بمصادر خارجية، أرسلت أشخاصاً إلى ماريو بريرو”. يتعلق الأمر حسب قوله “برجال أعمال أو قادة مؤسسات” يرفض الكشف عن أسمائهم. يضيف ألكسندر بنعلا أنه لم يتقاض راتبه أبداً من “ألب سيرفيسيز”، وأضاف أن ما قام به كان فقط من باب الصداقة وفي سياق التبادل المهني للخدمات المتبادلة”، ويؤكد أنه لم يكن يعلم أن الوكالة كانت تعمل لصالح الإمارات.
لكن رغم هذه التصريحات، تدخل العضو السابق في مكتب إيمانويل ماكرون بالفعل في إطار عقد آخر مع هذه الدولة، ومثلما كشفت عنه ميديابارت، شارك بنعلا في صيف عام 2021، في إنشاء الفريق الأمني للسفيرة الإماراتية الجديدة في باريس، هند العتيبة. ويظهر في الصورة، ألكسندر بنعلا في الخلف وعلى رأسه خوذة سكوتر، أثناء إشرافه على العمليات.
كان قد أخبرنا حينذاك، أنه “لم يتقاض أجراً أبداً”، ولم يكن لديه دور “تشغيلي”، وأنه اكتفى بتزكية أشخاص يمكنهم العمل في هذه المهمة إلى “صديق” حاصل على العقد الإماراتي، ، ثم إجراء حصة تقييم ومتابعة حول عملية تشغيل الجهاز الأمني، قبل “السماح لهم بالتحليق بمفردهم”.
مذكرة استخباراتية خاصة بفرانسوا فيون
ورد اسم مراسل آخر ضمن المتصلين بالعنوان 842943@protonmail.com، الذي استخدمه الجاسوس الإماراتي “محمد”، وهو الصحافي الفرنسي من أصل جزائري عثمان تازاغارت، المقرب من رولان جاكار.
عمل تازاغارت كرئيس تحرير سابق لهيئة تحرير قناة فرنسا 24 التلفزيونية الناطقة بالعربية، قبل فصله في عام 2016 بسبب تصريحات مثيرة للجدل، أدلى بها قبل ثلاث سنوات على التلفزيون اللبناني الموالي لإيران، حيث وصف حينها التدخل العسكري الغربي في ليبيا “بالحرب التي يموّلها الصهاينة”. وادعى تازاغارت أنه كان ضحية مؤامرة دبرها صحافي من فرانس 24 مقرب من الإخوان المسلمين، وأنه حصل على حكم يدين القناة أمام محكمة شؤون العمل.
بعد ذلك، كتب عثمان تازاغارت مقالات في مجلة “ماريان”، وتعاون مع “سيمو”، وهو “مركز أبحاث” باريسي، مجمد النشاط حالياً، كان ينشر مقالات تنتقد جماعة الإخوان المسلمين وقطر، تحت إشراف عبد الرحيم علي، النائب البرلماني المصري المقرب من الرئيس عبد الفتاح السيسي، الحليف لدولة الإمارات العربية المتحدة، الذي يحكم بلاده بعد انقلاب 2013 الذي أطاح بالرئيس الإسلامي محمد مرسي، أحد أعضاء الإخوان.
في 28 كانون الأول 2019، بعث تازاغارت رسالة بريد إلكتروني، تحت عنوان “فيون” إلى العنوان الإلكتروني 842943@protonmail.com . تحتوي الرسالة على مذكرة تخص رئيس الوزراء السابق للرئيس نيكولا ساركوزي والمرشح الرئاسي لعام 2017، الذي أنهى مسيرته السياسية عقب قضية الوظيفة الوهمية لزوجته بينيلوبي. في رسالته، ادعى تازاغارت أنه “نجح في جمع” معلومات عن صلات فرانسوا فيون المالية المزعومة بقطر، من دون تقديم أي دليل ملموس، ووّجه الاتهامات نفسها ضد دبلوماسي فرنسي، من دون أن يقدم هنا أيضاً أي مصدر موثوق منه.
بدت على محاوره الإماراتي علامات الاهتمام البالغة، فطلب منه تزويده بمعلومات إضافية عن الدبلوماسي المعني. وجاء رد تازاغارت في 14 أيار/مايو 2020 “صديقي، لقد سبق لي أن تحدثت إليك عنه في التقرير أدناه، الخاص بفرانسوا فيون وسأرسل لكم غداً تقريراً أكثر تفصيلاً إن شاء الله”.
وفي رده على اتصال من ميديابارت، أعرب الصحافي السابق في فرانس 24 عن استيائه، لكوننا حصلنا حسب قوله على رسائل بريد إلكتروني، ناتجة من عملية قرصنة كمبيوتر كان هو ضحيتها، والتي ينسبها إلى شخص مقرب من جماعة الإخوان المسلمين، ويضيف، “رسائل البريد الإلكتروني التي تذكرونها تأتي من بياناتي المخترقة، وقد تم الحصول عليها بشكل غير قانوني، من دون موافقتي. […] ومعروف أن حيازة أو نقل أو الكشف عن هذه البيانات المسروقة، تندرج ضمن جرائم الإخفاء، وسيُلاحق مقترفوها عن طريق القضاء”. وأبلغنا تازاغارت كتابياً بأنه “لا يرغب في التعليق على أي تفاصيل أو معلومات تتعلق بـ[هذه] القرصنة”، لكنه مع ذلك وافق على التعليق على نقاط معينة.
وأكد أنه لا يعرف العميل الإماراتي، الذي تمكنا من إثبات أنه يستخدم عنوان البريد الإلكتروني 842943@protonmail.com، وادعى أن هذا العنوان يعود الى مركز أبحاث إماراتي باسم “تريندز للبحوث والاستشارات”، الذي يتعاون معه، مقابل رسوم مالية منذ عام 2019.
يدير مركز “تريندز” محمد عبد الله العلي، خبير واختصاصي في الاتصالات وقريب من سلطات أبو ظبي، التي صمم لها “نظاماً متطوراً لرصد وتقييم وتحليل جميع المعلومات المتعلقة بالإمارات، والتي تنشرها وسائل الإعلام المحلية والدولية“. وليست ثمة أي مفاجأة، حيث يخصص مركز “تريندز” جزءاً كبيراً من منشوراته لجماعة الإخوان المسلمين.
يؤكد تازاغارت أن رسالته الإلكترونية الخاصة بفرانسوا فيون، لم تكن عملاً استخباراتياً بل كانت مجرد “مذكرة موجزة”، كان مركز الأبحاث الإماراتي قد طلبها منه “عشية انعقاد المنتدى”، لتقرير ما إذا كان من المناسب توجيه “دعوة أو لا” إلى رئيس الوزراء السابق. “لم يكن الأمر تحقيقاً، ولا يوجد شيء سري أو جديد بهذا الشأن. […] وهذه المعلومات كلها سبق نشرها “في وسائل الإعلام، حسب قوله، على رغم أنه لا يوجد أي مقال صحافي يذكر تمويل فرانسوا فيون من قطر.
يشير تازاغارت أيضاً، إلى أنه لم يرسل أبداً تقريراً عن الدبلوماسي المذكور بالاسم، خلافًا لما كان قد أشار إليه إلى محاوره في أيار 2020. لكن تبريرات الصحافي تثير التساؤلات، حيث لم يظهر اسمه في أي مكان على صفحة الويب الخاصة بمركز “تريندز”، حيث يحصي قائمة طويلة من الخبراء الأجانب الذين تعاونوا مع المركز. ونجد هناك اسم لورينزو فيدينو -الأكاديمي الإيطالي – الأميركي الذي يتقاضى أجراً من شركة “ألب سيرفيسيز” – لكن القائمة تدرج أيضًا الكثير من أسماء الفرنسيين، من بينهم الباحث الجيوسياسي باسكال بونيفاس، مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS).
رداً على سؤال ميديابارت، أكد باسكال بونيفاس أنه كتب بالفعل مقالاً لحساب مركز “تريندز”، لكنه أشار إلى أنه لم يكتب أبداً إلى محاوريه داخل المركز، على عنوان بروتون مجهول، موضحاً “كنتُ أراسلهم عبر عناوين بريدهم الإلكتروني المهنية بأسمائهم”.
قال تازاغارت بأنه يذهب فعلاً إلى مقر “تريندز” في أبو ظبي “كل شهرين إلى ثلاثة أشهر” ليساهم على وجه الخصوص مع خبراء آخرين، في إعداد موسوعة حول الإخوان المسلمين التي ينشرها المركز.
وإذا كان مركز “تريندز” يستخدم بريداً إلكترونياً مجهولاً، ولا يذكر أسماء مؤلفي الموسوعة على موقعه، فالأمر يعود في نظره الى أسباب تتعلق “بالسرية” و”الأمان”، نظراً الى “التهديدات التي يتعرض لها الباحثون الذين يشتغلون بالقضايا المثيرة للمشاكل المتعلقة بالإسلاموية”، وهم ضحايا بامتياز “للهجمات الإلكترونية وحملات التشهير”.
هل يستخدم مركز “تريندز” حقًا عنوان البريد الإلكتروني المجهول هذا؟ أم أن المركز الجامعي يُستعمل، بالإضافة إلى أنشطته البحثية، غطاءً لعمليات مصالح المخابرات الإماراتية؟ حول هذا السؤال الموجه من ميديابارت، رفض مركز “تريندز” تقديم أي رد”.
آثار الإمارات غير بعيدة من مبادرة ترجمة كتاب الصحافيين كريستيان شيسنو وجورج مالبرونو
نجد اسم تازاغارت مورطاً في عملية مشبوهة أخرى، ترتبط بثنائي الصحافيين كريستيان شيسنو (راديو فرنسا) وجورج مالبرونو (من صحيفة لو فيغارو)، مؤلفي كتب عدة عن قطر.
يستند كتابهم الأخير “أوراق قطر”، الذي نُشر في نيسان/أبريل 2019 عن دار النشر الفرنسية “ميشال لافون”، إلى وثائق مسربة من منظمة قطر الخيرية غير الحكومية، وتم تخزين الوثائق في ذاكرة وميضية قبل إرسالها بالبريد إلى جورج مالبرونو (في مقر لو فيغارو)، وفقاً للقصة التي أوردها الصحافي عندما صدر الكتاب. هذه الوثائق تقدم تفاصيل دقيقة لعملية تمويل قطر لمائة وأربعين مشروعاً تشمل مساجد أو مراكز إسلامية أو مدارس في أوروبا، معظمها بمبادرة من منظمات مرتبطة بالإخوان المسلمين.
بعد فترة وجيزة من نشر الكتاب، اتصل تازاغارت بدار النشر “ميشال لافون”، وأبرم عقداً مع الناشر في حزيران/يونيو 2019، يقضي بشراء حقوق الكتاب بهدف نشر ترجمات باللغتين العربية والإنكليزية. لم يدفع الصحافي مبلغ الصفقة، ووقّع العقد “على أساس توكيل رسمي”، نيابة عن شركة النشر كانتري ريبورتس البريطانية.
المشكلة: إن شركة “كانتري ريبورتس البريطانية” هي شركة صورية، يقع مقرها الرئيسي على عنوان مكتب توطين، تم إنشاؤه في الضاحية الشمالية للندن. لا توجد لدى شركة النشر مكاتب أو موقع ويب أو رقم هاتف، وليس لديها سوى موظف واحد. يختبئ المستفيد الحقيقي من المؤسسة خلف شخصية صوريّة، باسم توماس أشمان، الذي أدار عشرات الشركات الأخرى.
من أين أتت الأموال التي دفعتها شركة “كانتري ريبورتس” البريطانية لشراء الحقوق الأجنبية لكتاب “أوراق قطر”؟ يجيب جورج مالبرونو لميديابارت: “عليكم طرح السؤال على تازاغارت، لكني أتصوّر أنهم أناس من دبي أو أبو ظبي”. يضيف كريستيان شيسنو: “مع جورج، لم نكن سذج بطبيعة الحال، لأننا كنا نعلم بالفعل أنه من المحتمل أن يكون المال من الإمارات، أو حتى من المملكة العربية السعودية”. يوضح الصحافيان، ودار نشر الكتاب أيضاً “ميشال لافون”، أنهم مع ذلك لم يكلفوا أنفسهم إجراء تحقيقات بشأن شركة “كانتري ريبورتس” البريطانية ومصدر أموالها.
يشير كريستيان شيسنو أنه لا يعرف تازاغارت إلا معرفة “قليلة”: “[إنه] معادٍ جداً للإخوان المسلمين. […] كنت أعرف أنه قريب من السعوديين والإماراتيين. ويضيف زميله من صحيفة “لو فيغارو”، “لقد فهمنا بالطبع أن لعثمان روابط، على الأرجح، بل بالتأكيد، مع الإمارات”.
ومع ذلك، أعطى الصحافيان الضوء الأخضر لبيع الحقوق، طالما أنهما (في نظرهما) كتبا كتابهما “بطريقة مستقلة تماماً”. يوضح جورج مالبرونو، “أن يتم استخدام المعلومات غير المواتية لقطر من الإمارات، فهذه ممارسة معتادة، والشيء مثله في الاتجاه المعاكس، نحن لسنا ساذجين، نقوم بتغطية أخبار هذه المنطقة منذ خمسة وثلاثين عاماً، ونعلم أن المعلومات المعادية لدولة ما يستغلها عدوها […] هذا لم يمثل مشكلة بالنسبة إلينا، ما دامت الترجمات دقيقة ووفية ولم يحدث فيها تشويه للمعلومات”.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن الصحافيين تلقيا شخصياً، بصفتهما مؤلفي كتاب ينتقد قطر، جزءاً من الأموال التي دفعتها شركة “كانتري ريبورتس” البريطانية، في حين كانت لديهما شكوك في أن الأموال جاءت من الإمارات. ألا يمثل ذلك مشكلة أخلاقية؟ عند إلحاحنا على طرح هذه النقطة بالذات، لم يقدما إجابة.
أما عثمان تازاغارت فقد رفض إخبارنا من يقف وراء الشركة البريطانية المزيفة. بعد الاتصال عبر شركات التوطين التي تأويهم، لم ترد شركة “كانتري ريبورتس البريطانية” ولا الشخص الذي يديرها، من خلال اسم مستعار.
قامت “كانتري ريبورتس” الغامضة أيضاً، بتمويل الأنشطة المهنية لعثمان تازاغارت. في تموز 2019، أطلقت موقعًا على شبكة الانترنت، باسم غلوبال ووتش أناليسيز، حيث ينشر هذا الموقع أيضاً مجلة تسمى “سكرين سايفر”. هذه المنشورات، التي تزعم أنها “مخصصة للاستشراف الجيوستراتيجي والرقابة الأمنية ومكافحة الإرهاب والتطرف والتعصب بجميع أشكاله”، تخصص جزءاً كبيراً من مقالاتها لانتقاد الإخوان المسلمين.
في حين تبين، بين شهري تموز وتشرين الثاني 2019 ، أن شركة نشر “غلوبال ووتش أناليسيز” هي الشركة الواجهة لشركة “كانتري ريبورتس” التي تم استبدالها لاحقاً بشركة فرنسية تسمى “غلوبال ووتش أناليسيز”، التي يملكها عثمان تازاغارت وزوجته. مع الإشارة إلى أن الشركة البريطانية الغامضة “كانتري ريبورتس” تدفع لـ “غلوبال ووتش أناليسيز” مبلغ 46000 يورو سنوياً، وفقًا للموقع المخصص للتأثير “لا لاتر أ | La Lettre A“.
لم نتمكن من التحقق من هذه المعلومات، لأن “غلوبال ووتش أناليسيز” تقدم حساباتها وفق “بيان الخصوصية” لمنع الجمهور من الاطلاع عليها. يقول تازاغارت إن هذا الإجراء لم نتخذه من باب “التعتيم”، ولكن “لحماية” المجتمع من “التهديدات المتعددة” من الإسلاميين.
بالإضافة إلى استعادة مسؤولية الموقع الذي يحمل الاسم نفسه، فإن الشركة الفرنسية “غلوبال ووتش أناليسيز” هي أيضاً دار نشر. في نهاية المطاف، فإن شركة “غلوبال ووتش أناليسيز” هي التي نشرت بالاتفاق مع شركة “كانتري ريبورتس البريطانية” الواجهة، بعض الطبعات الإنكليزية والعربية لكتاب كريستيان شيسنو وجورج مالبرونو. وقد تم الترويج لإصدار النسخة الإنكليزية خلال مؤتمر صحفي في كانون الثاني 2020 في فندق باريسي بحي الشانزليزيه، بحضور المؤلفين وتازاغارت.
بالصدفة، نشرت “غلوبال ووتش أناليسيز” أيضاً، النسخة الفرنسية من الكتاب الأخير عن جماعة الإخوان المسلمين للأكاديمي لورنزو فيدينو، وهو العمل نفسه الذي مُوِّل أيضًا من وكالة الاستخبارات الخاصة “ألب سيرفيسيز”.
وأخيراً، نشرت “غلوبال ووتش أناليسيز”، في نيسان/أبريل 2022، كتاب التهديد العالمي للإخوان المسلمين، وهو ترجمة لتقرير من الكونغرس الأميركي حول الموضوع، مرفقاً بتحليلات قام بها الكثير من الخبراء، من بينهم رولان جاكار، المرتبط أيضاً بوكالة “ألب سيرفيسيز” ويتواصل، مثله مثل تازاغارت، على العنوان البريدي 842943@protonmail.com.
عند سؤاله حول هذا الأمر، قال تازاغارت إن لا صلة له بوكالة “ألب سيرفيسيز”، وأنه فقط اختار أن يتم التعليق على التقرير من “الأشخاص الأكثر إلماماً بالموضوع في فرنسا”، ومنهم رولان جاكار، الذي يعرفه منذ وقت طويل ويقدّر عمله.
يان فلبين وأنتون روجي
درج