شعر

مختارات من الشعر التركي – ملف من اعداد “صفحات سورية”

————————–

مختارات من الشعر التركي الحديث/ تقديم وترجمة : محمد آيت لعميم

إن التصنيف الذي وضعه الجاحظ في القرن الثالث الهجري للضائع لدى الأمم, وخص فيه العرب وحدهم بصناعة الشعر اصبح اليوم مجالا للشك خاصة وأن الترجمة في اللحظة  الراهنة كشفت لنا أن الامم حتى المهمشة, منها تشعر وأحيانا تشعر بعمق.

لقد عملت الترجمة اليوم على كشف شعوب وقارات شعرية, وكشفت لنا اشكالا من التعبير الشعري لم تألفها الذائقة الشعرية العربية القديمة, ولقد عمل هذا الشعر المنقول عن لغات العالم دورا أساسيا في فتح مسالك جديدة أمام الشعراء العرب المحدثين والمعاصرين والراهنين.

هناك عوامل عديدة وراء هذا الانفتاح على التجارب التي ظلت مهمشة وغير معروفة لدينا; أبرزها نضوب منابع الشعر في المراكز الثقافية في الغرب الراهن. وظهور شعوب كانت مطمورة ومغيبة لاسباب سياسية. فبعد التحولات التي عرفها العالم في العقد الأخير طغت على الساحة مجموعة من الاثنيات. وقد كان من الضروري التشوق لآداب هذه الشعوب ومعرفة طرق التعبير لديها. هذا ما يفسر لنا اهتمام مجموعة من المجلات والدوريات والاصدارات بترجمة آداب هذه الامم ونقله إما من لغته أو من لغات أخرى ترجم اليها, وكما لا يخفى فقد انفتح الغرب على هذه الثقافات منذ القرن 18 19 إما لاسباب سياسية- استعمارية او ثقافية. وقد ترجم الى الانجليزية والفرنسية آداب كثيرة لشعوب الشرق.

أيضا ظهرت رغبة لدى الشعراء في التفاعل والتقارب والتعارف, والبحث عن سبل لعولمة الشعر من خلال بعض اللقاءات والمهرجانات في فرنسا وسويسرا والغرب ناهيك عن ان الثورة المعلوماتية لعبت دورا كبيرا في كسر الحواجز بين الأمم في طرق تداول الشعر, وان ظلت بعض اللغات عائقا فان المسألة محتاجة فقط لبعض الوقت لتجد حلولا مجدية.

في هذا السياق بدا لي أن اساهم ولو بقسط ضئيل في نقل مجموعة من التجارب الشعرية لدى الشعراء الاتراك المحدثين.

ومن عجائب الاتفاق ان الشاعر العربي الكبير ((امرؤ القيس)) قد قضى نحبه في تركيا ودفن بأنقرة لما كان راجعا من عند ملك الروم حين  استجار به ليثأر لأبيه. ويروى انه مات بحلة مسمومة قرحت جلده اهداه اياها ملك الروم. وأيضا فالشاعر الصوفي الكبير جلال الدين الرومي المشهور بمثنوياته هو الآخر قضى نحبه بهذه الأرض.

إن أرضا تضم في ترابها شاعرين من هذا العيار جدير بها ان تنبت شعراء كبارا, وقد فعلت, فهي اليوم تعرف بشاعرها الثائر ناظمت حكمت الذي الهم مجموعة من الشعراء الذين اختاروا درب الالتزام والنضال والدفاع عن الحق.

ويبقى ناظمت حكمت الشجرة الوارفة الظلال التي تخفي الغابة, فقد نبت الى جانبه مجموعة من الاصوات الشعرية التي انفتحت هي الأخرى على التراث الشعري برموزه وأساطيره وعلى تجارب الشعراء في الشرق والغرب.

وسيجد القارئ في تجارب الشعراء الذين اخترناهم من بين مجموعة شعراء نكهة شعرية مختلفة وتجريبا شعريا يتسم بالجرأة والمصداقية.

إن القواسم المشتركة بين هذه النصوص الشعرية هي نزعتها النثرية وتقشفها الجمالي وابتعادها عن الدسامة التي تضر بالجوهر الشعري وتصيب النص بالترهل, أيضا هناك نوع من التعفف والتنحي عن الاغراق في الغنائية.

إنها نصوص عارية إلا من عمقها وبساطتها التي تقبض على تحولات الكائن وعلى لا نهائية احاسيسه; إنها نصوص تقصد مباشرة ما تريد البوح به, وتقربنا من شعراء اختاروا البساطة والعمق في تناول الوجود, هذا الوجود الذي كلما أردنا القبض عليه بلغة القواميس المهجورة أو الهذيان اللغوي أو البلاغة المستهلكة إلا وتوارى بالحجاب.

أحمت ارهان Ahmet Erhan (1958)

كالظل 

كسرت أجنحة الكلام. آه أيها العالم,  انني متعب جدا, يلاحقني الناس بنظراتهم, أثر عيونهم فوق وجهي. حصنت معقلي الداخلي. في برج الوحدة الأخير, ابتعد في صمت وحيدا كالظل في سفح حائط الوجود. لقد ادركت أن هذا العالم لا يقوى أبدا على اسئلتي. لا يوجد أدنى غصن لأقبض عليه حتى أستطيع التوقف وارتاح. لا ينبغي أن أتكلم, ينبغي أن ألوذ بالصمت.

فإذا توجب علي أن اكتب انطلاقا من آخر بيت في أشعاري الكاملة. من الأفضل أن أتوقف. أن اكتفي بالوجود, أن أؤجل الخلود الى المابعد. أنا أحب أن أمشي واثقا معتنقا هذه الحياة التي أدركها وانتصر عليها الموت.

إس ايهان Ece Ayhan (1938)

قط اسود بلا عينين

ها هو هذا بهلوان مرح أتى. من البحر في ساعة متأخرة من الليل. أطفأ القنديل. ينام بالجهة التي بكيت فيها. من أجل النبي دانيال. في الأسفل, امرأة عمياء. من عائلتي, تهذي بلغة لا أفهمها. فراشة ثقيلة على الصدر. أدراج مهشمة بالداخل, السيدة كآبة تشرب الكحول في العلية. تشتغل حياكة, مطرودة من مدارس الانسانية. قط أسود بلا عينين يمر في الطريق. في كيس يوجد طفل مات للتو. أجنحته ظلت خارج الكيس. سقطتي عجوز يصرخ. سفينة كورسيكية دخلت الخليج.

ارول بهراموت Araol Behramoghu (1942)

كآبة المساء في القرى

كآبة المساء في القرى

هي نفسها في زوايا العالم الأربعة

السماء صافية وأشباح البيوت

ونظرة النساء الحزينة.

في قرى قصية

تنشر الريح صوت السماء

تختفي رويدا رويدا

أجساد الجبال

في العتمة

لقد أمضيت حياتي في القرى

هذا الحزن الرمادي للمساء

ظل في قلبي

سنين عديدة وأنا أعيش هذا الحزن

افتقد, آه كم افتقد

اسمي حينما تنطق به أمي عندما كانت تناديني

قصيدة صينية

إذا كان الشاكي غنيا والخصم فقيرا

يختار القانون الغني

إذا كان الشاكي فقيرا والخصم غنيا

تعود الدعوى للخصم

إذا كانا غنيين

اعتذر القاضي وخلص نجيا

إذا كانا فقيرين

إذاك تنشغل العدالة.

———————-

هيلمي يافيز Hilmi Yavuz (1936)

مهجور

كل قصيدة من البداية حتى النهاية

                ليست سوى عزلة

تصير الابيات مهجورة أكثر فأكثر

هل شتاء الكلمات مستعد

ليصير نثر الآلام?

حكايا الحب! عاش من كتبها

شقراء.

الصيف) على الأوراق الساتانية

كما لو أننا نقرأ الأشجار في الخريف

انت سواء صمت أم لا فالأمر سيان

لليوتوبيا التي تتملكك وتوهجك

ببطء الورود الكبيرة والبنفسجات

حلمك يسقط في الحزن.

ومن جديد الكآبة – لكي تقرأها

سيصير العالم كتابا.

كل قصيدة من البداية حتى النهاية

                ليست سوى عزلة

تصير الأبيات مهجورة أكثر فأكثر

) الصيف (في اللغة التركية كلمة الصيف والكتابة متجانسة).

———————————

أحمد عارف Ahmed Arif (1927)

حبك

حبك لم يغادرني

بقيت جوعانا وعطشانا

الليل أسود وغادر

الروح غريبة الأطوار. الروح حذرة

الروح ألف شظية

يدي مغلولة في الاصفاد

بقيت محروما من النوم والتبغ

                حبك لم يغادرني

—————————-

كمال سوريا Cemal sureya (1990- 1931)

صباغة

حرب: اوتلو كبلي)

زرقة ما: سبارتاكوس

سؤال: لماذا سبارتاكوس?

طائر: الى أين تمضي أيها الطائر?

زهرة: الزهرة لا ادري

ماء: مرتاب

عقد: عقد الموثقين

موثقي العاصمة بالضبط

شاعر: أحمد عريف

يضم رياح الجبال

يوزعها على الاطفال بالخصوص

طفل: ذو أنف رقيق

يا طفل الجنوب ذو الانف الرقيق

تسأل عما تسأل عنه بعد

آلة موسيقية: عربة خفيفة

مشروب: راكي) لافودكا

مسدس: مليء بالطبع

قصة: موتي قريب

توقيع: غير مرئي

(* اسم معركة عام 2741 )

(* كحول تصنع في تركيا والشرق الأدنى).

—————————–

ميتيو لالهول Mettiu Alhole (1940)

المنفي

1 – أنا شخص غريب

منفي عن ذاته?

يعطي  صباح مساء توقيعه

تعلمت أشياء

ما كان ينبغي أن أتعلمها

ادركت أن الزمن

محايد

———————————-

2 – طرحت أسئلة

ما كان ينبغي أن اطرحها

قطعت كفنا من جلدي

لقد منعت

من تجاوز حدودي

قلبي المسكين

هو مقهاي الأكثر عزلة

———————————–

3 – أنا زخرفة للألم

قافية من صدى الحزن

انا الذي

يزين بالكحل

عيون العزلة

انا الذي ينصت للآبار

عبر ليالي الأرق

هنا لقبت

بالساحر.

———————————–

4 – انا شخص غريب

منفي عن ذاته.

إلهان برك Ilhan Berk (1916)

ربما أنا نص نثري أيضا

وجهك الطرقات التي تنحدر نحو البحر

ملتقيات الطرق عدادات المياه وجهك

حينما انحني على وجهك أنا

وجهك الاسواق فاتحة مبكرة

أنت أيها النيلوفر بلا وزن ولا قافية

افهمي, ابيض  وأزرق تماما, إنني استهلمك

لنفترض أنني اشتغل على قصيدة طويلة جدا أنا

فوجهك يهبها القوافي البديعة

من يدري منفيا عن وجهك

قد أكون نصا نثريا انا.

تقديم وترجمة : محمد آيت لعميم

———————————

قصائد من الشعر التركي المعاصر

عزيز لقمان قايسي

ولد الشاعر عزيز لقمان قايسي ببور بتركيا سنة 1949. خريج المدرسة العليا للفنون الصناعية  بدبلوم هندسة داخلية سنة 1975. تصميماته الهندسية لاقت نجاحا كبيرا ونشرت بأهم المجلات المتخصصة. خلال مرحلة التجنيد العسكري ساهم في إنقاذ عدد من التحف الفنية التي عرضت فيما بعد بمتحف ماران ببسيكتاس.

كتب الشعر والقصة منذ الرابعة عشرة ونشرت في مختلف المجلات والجرائد. كما اهتمت جميع الأنطلوجيات التركية والأجنبية بأشعاره وخصصت لها حيزا مهما. كما شهد الشاعر التركي الكبير أوميت يسار أغوزكان بموهبته الشعرية الكبيرة . نشر سنة  1975 ديوانه الأول تحت عنوان: «موقف المساءات» وسيرة ذاتية سنة 1989 . ومن بين دواوينه التي صدرت منذ سنوات: لست متهما، يا صديقي». كما نشر رواية: «انتزعوا مني ابني عنوة» …

اسطنبول

طيور الشاطئ

تسحبني نحو البحار

كما لو أني أركض نحو الأوجاع

اسطنبول تتلوى من الألم

 وشيئا فشيئا تسحقني

الوحدة بدونك …

في هذه المدينة المظلمة

حيث يتخثر دمي

أراود أحلامي

الشوارع فارغة بغيابك

اسطنبول تأخذك من مدينة الى مدينة …

 هذه المدينة العظيمة المهروقة في آلامي

وطيور الشاطئ تسحبني

إلى  لياليها المتعبة

وهناك اسطنبول تهرب هروبا شاملا

لأني وحيد بدونك.

مقصوم الظهر

أحمل عبء الماضي فوق ظهري

عابرا هذه الطرقات

من أين أتيت وإلى أين أسير؟

بينما كروم  الشعر

التي تغطيها ثلوج الانتظار

تعامل كالدانتيلا

أنا لا أعرف كيف

ضحكت من شدة الأحزان! …

بينما تحوم حولي

كل الأشياء المقلقة

في هذا الوقت بالذات

أنا غرست القصائد

في حقول الحب…

ورغم العقارب

والأفاعي

كنت دائم العطش

لحياة  إنسانية كريمة

تخترق الحيطان

التي شيدت بيننا…

رغم المكائد

التي أصابتني بشدة

في كل مرة

كان يبدو لي جسيما

أن تصبح أعمى الأفكار

على أن تكون أعمى الألوان.

مقصوم الظهر

أحمل عبء الماضي فوق ظهري

عابرا هذه الطرقات

من أين أتيت

وإلى أين أسير؟

—————————-

أتاول بهرام أوغلو

ولد الشاعر أتاول بهرام أوغلو سنة 1942 بـ«كاتالكا» إحدى محافظات إسطنبول. شاعر وكاتب ومترجم. درس الأدب الروسي بجامعة أنقرة. في سنة 1965 أصدر ديوانه الأول ، ثم الثاني تحت عنوان: «في أحد الأيام، بالتأكيد». برز كمترجم لكتاب عالميين من لغاتهم الأصلية إلى اللغتين الانجليزية والتركية. أغنى المكتبة الأدبية العالمية بما يزيد عن خمسين كتابا بين شعر ودراسة وقصة وترجمة. اعتقل سنة 1982 بسبب تأسيسه لجمعية السلام التركية. أطلق سراحه  بعد عشرة أشهر من الاعتقال. حاز جائزة اللوتس، وجائزة بوشكين الروسية. يعتبر أتاول بهرامو أوغلو من الشعراء المرجعيين في الشعر التركي المعاصر. ترجمت أعماله إلى مختلف لغات العالم.

يوم الزيارة

 وضعوا  حاجز الحديد بيني وبين طفلي

ابني في الثانية والنصف

طفلي يريد أن ينضم إلي

مثل طائر في قفص هزاز

وضعوا الأسلاك الشائكة بيني وبين طفلي

فاصلا مضاعفا

«لا تختبئ يا بابا»، قال طفلي

يعاتبني بنظرة مقاومة

في لهجة اللوم. مع نظرتي التي كانت تكافح …

وضعوا هوة بيني وبين طفلي

هوة بين الفرح والكراهية

وأنا مثل الأحمق – ما زلت اعتقد

أنه من المستحيل أن نصبح

لا إنسانيين إلى هذه الدرجة.

السجن العسكري بمالتيب 1982

نهاية الصيف

إصفرُّ السفرجل والشمس

والنجوم أكثر بريقا

والقمر مازال أكثر برودة.

عندما ينسحب بحر الخريف

صافعا الشاطئ

يزمجر حبا ضائعا

  تمتلئ أعماقي بالأسف

على الصيف الماضي

كما تمتلئ الورقة

البيضاء بالحبر.1992

الأصوات

أسير متشبثا بأصوات الناس

ذراعي كبيرتان وحضني شاسع

كي لا أهلك في الهاوية

أسير متشبثا بأصوات الناس

كي لا يضيع مني صوتي

بين الظلمة المخيفة

صوت ابنتي يقول: « ماما»

تخلط بين صوت « إ» بصوت « أ»

عندما بالكاد تنطق: «حبيبي بابا»

مازجة الأفعال الأولى التي تعلمتها

هذا الصوت الشبيه بفاكهة خضراء في غصن

منفعل وهش يرتفع فجأة عاليا.

صوت زوجتي كابتسامة

متخمة بالتفاؤل

زخم بحنان أخت

صوت والدي على الهاتف

خافت، بعيد، لكنه

قريب كقلب.

أصوات إخوتي

في المنافي

تحييني فجأة

بهاؤها ينير الطفولة

وأشياء وأشياء أخرى

صوت أمي الذي نسيته

يرن أحيانا في أحلامي

أصوات أصدقائي المسحوقة

أريد أن أسمعها وألمسها

كي لا أفقد صوتي

ولا أتلاشى  وأضمحل. 

أصوات تقول :

« أهتم بنفسك جيدا»

أصوات تقول :

« كيف حالك؟»

قلقة، مترعة بالصداقة، عالية،

جسيمة، خشنة أو خارقة

عندما أكون محبطا

 أحب أن أسمع هذه الأصوات

التي تمنحني ثقة كبيرة

لاختراق هذه الظلمة

التي نعبرها جميعا.

 1981

——————————–

أحمد غوكسينور سلبيو أوغلو

ولد الشاعر أحمد غوكسينور سلبيو أوغلو في إسطنبول عام 1971، قضى طفولته في عدد من المدن التركية. تخرج جامعة إسطنبول الفنية للهندسة الكهربائية.أصبح بعد تخرجه من أعضاء هيئة التدريس. حاصل أيضا على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة اسطنبول.

بدأ نشر قصائده في المجلات التركية وفي دواوين منذ عام 1990 وتميزت بأسلوب معاصر يمزج بين السوريالية والنثرية الشعرية .

وقد حضر العديد من ورش العمل والشعر والمهرجانات في ريغا، فيلنيوس، اسطنبول، أثينا، بلجراد، لوديف، صوفيا وزغرب وكندا .ترجمت قصائده إلى الإنجليزية، الألمانية، الفرنسية، اليونانية، البلغارية، السويدية، البرتغالية، اليابانية، الرومانية، اللاتفية، الليتوانية، المقدونية، الصربية، الكرواتية، والعبرية ونشرت في المجلات الأدبية المهمة.

كما قام بترجمة والاس ستيفنز، وبول أوستر وأنجز ترجمة مختارات من الهايكو الياباني الحديث إلى اللغة التركية، ويستعد حاليا لإصدار مختارات من الشعر الأمريكي الحديث.

أحمد غوكسير سلبيوغلو

لوتنيستا

1ـ الثامن والثلاثون من يوليو

(بالأمس أحرقت المعاجم جميعها في الشرفة

لا أحد منها يحتوي اسمك)

كتب أن يوليو شهر أطول من الصيف

وأن اسمك أطول من شَعرك.

لن أكتب اسمك هنا.

2ـ يوليو أطول من الصيف.

(إذا كان الشهر الذي كان شعرك قصيرا جدا)

قلنا: « قلموا شجرة العنب» فقلمناها

«مجدوا ظل شجرة العنب» فمجدناها

السماء ترشح

وتتحدث عن الموتى

وهذا يكفي

لتطهير المعاني جميعها

الظهيرة تبحث عن مكان لها

بين الجمل

كحرف جر مضطرب

نحن قلمنا أسماء الظهيرة والحجارة المبللة

(فعلنا ذلك كي تعيش طويلا)

قلنا: « اطووا أوراق الكرمة» فطويناها

وطبخناها

3ـ الصيف جرذ مبلل، يوليو قرية في الحجز الصحي.

(ينتشر المطر كجملة بلا نهاية لكتاب تحت عنوان

« استحالة الذهاب إلى المدينة»…)  

مدينتي هايكو

بأربعة  أبيات شعرية

تقف وسط السهل

كتبت لك ذلك الصيف: «اضطررت لمغادرة المدرسة،  لأنهم يرغموننا على تغيير أسمائنا»

ذلك الصيف كتبت لك: « سيجندونني في الخدمة العسكرية

دراستي للمسرح لن تكتمل، انتهى التمثيل على خشبة المسرح» ذلك الصيف كتبت لك ثلاث قصائد هايكو إضافية في ذلك الصيف كتبت لك على وردة الأزالية ، وكيف ونحن في نخيم فوق هضبة البرقوق للمرة الأولى بدونك ومادام الناشر قد رفض كتابي فقد كتبت «الأيام عادية جدا، كل شيء جنون

لكننا اعتدنا عليها «

وكتبت «فتحنا زجاجة النبيذ على حاجز الأمواج، واحتفلنا بذكرى اكتشاف الطبعة الأولى من كتاب «معهد ضبط الساعات» قط عمتي تفاقم التهاب مفاصله خلال الخريف فأجبرنا على ترك بيوتنا» وكتبت «في جميع أنحاء بلادي انهيارات، لكن أفكاري كلها من أجلك» لم أستطع الكتابة «أخذوا أخاك  إلى الملجأ» اللغة معسكر اعتقال، وبلادي  منجم فارغ ستبقى دراستي للمسرح  متوقفة إلى الأبد.

4ـ ثلاث قصائد هايكو

(الصيف عرض في حانة تفوح منها رائحة العرق، الخريف طفلة صغيرة تدلك قدميها وهي تكرر عرضها منتظرة دورها)

حليب يوليو

في ظل التين

تتناسل النحلة بالجندب

شربت ثلاثة أكواب

 الثانية كانت هايكو

الماء حي

عيناك عسليتان

لن يكون هذا الصيف هادئا

تهمس الكستناء الهندية والرياح.

5- Lutenitsa

(اللغة تعض يوليو، الجِمَال الزرقاء تعبر

ليل الصحراء، تفترسها الغيرة من شعرك)

لوتنيتسا، لوتنيتسا

اسمك يعني صلصة الفلفل الحلو مع العسل

لكنني عرفت ذلك،  بعد فوات الأوان.

شرفة البرج

«أنا لا أخشى الأموات» قال الرجل، «ولا من العدم، ولا من الجراد الذي قفز على لحم الصيف، من الأمطار المفاجئة، ومن سيرك النمل الأحمر تحت ظل الصخرة.

يرعبني كثيرا غياب الكلمات

لهذا أكتب، بلا نهاية أكتب، أكتب بنفس الطريقة التي أشيد بها هذا البرج

بدل البئر القديمة، هذه البئر الملعونة حيث سقط أبي ودق عنقه»

كان فصل الشتاء. قطار يقطع الأراضي المنخفضة مثل غاز بياض الثلج داخل مصباح زيتي مسودّ. كان الجنود المقتادون إلى الجبهة  يتطلعون من نوافذ عربة القطار ويحيون بقبعاتهم قطيع الخيول البرية الراكضة بجانب القطار.

أطفال يقطعون الخشب في الفناء. عربة التسوق

مغروسة بين الثلوج، وصوت المرأة الضجر

وهي تعانق الرجل في الشرفة قائلة: « يجب أن ترحل» أقصد من رتابة الشتاء.

في اليوم التالي سقط الرجل من برج وانكسرت رقبته.

طرقت المرأة باب البرج مرارا وتكرارا وفي الوقت المعتاد،

في اليد الأولى فانوس، وفي اليد الأخرى مظلة،

لم تستطع الحفاظ على قصائده المخطوطة جافة

بين أسنانها.

خلف الرياح يختبئ الخوف الذي تستنشقه المرأة.  

نزوى

——————————-

(مختارات من الشعر التركي المعاصر)

ترجمة: أحمد عثمان

لم يعرف القارئ العربي من الأدب التركي المعاصر سوى ناظم حكمت شاعرا، وعزيز نيسين وياشار كمال في السرد القصصي والروائي، رغم ان تركيا، هذا البلد الشرقي المجاور، قد يكون الاقرب الينا ثقافيا وحضاريا. فما سر قلة الترجمة العربية من هذا الأدب؟ سؤال نطرحه على المترجمين الذين قدموا لنا الاسماء والتجارب المذكورة أعلاه.

هنا، في هذه العجالة نقدم ثلاثة من شعراء تركيا المعاصرين الذين يتناولون هموم الانسان والوجود على نحو يرتبط بالحياة المعاصرة واشكالياتها.

*****

عطاء الله بهرام أوغلو

ولد في مدينة كاتلكا عام 1942. حاصل على دبلوم في اللغة الروسية والشهادة العليا في الآداب من جامعة أنقرة. عضو مجلس إدارة المسرح البلدي في اسطنبول. مدير تحرير العديد من المطبوعات. يعيش أغلب الوقت في باريس.

من دواوينه : “الجنرال الأرمني”، “في يوم ما بالتأكيد”، “قصائد الرحلة، الشجاعة، المعركة”، “لا المطر ولا القصيدة”، “نبحث عن مواطن طيب”، “ابريل الأخير”.

يوم البهو

وضعوا شبكة معدنية بيني وبين طفلي،

طفلي يبلغ من العمر عامين ونصف.

*

طفلي يرغب في ملاقاتي

كعصفور يرتطم بعشه.

*

وضعوا شبكة أسلاك شائكة بيني وبين طفلي،

سميكة للغاية على صفين.

*

“لا تختف يا والدي”، قال طفلي

في نبرة لائمة وبنظرة مقاومة…

*

وضعوا هوة بيني وبين طفلي،

هوة تفصل بين السعادة والنفور.

*

وأنا – كالغبي – أفكر في

أنه من الصعب أن أكون قاسيا إلى هذه الدرجة.

******

عطيلة الهان

ولد في “مرمرة” 1925 درس الحقوق في اسطنبول. عمل صحافيا. من دواوينه : “الحائط”، “لا أستطيع الكلام معك”، “الحب في مواجهة الممنوع”، “يوميات سجين” و”حزننا تحت اليد”.

الحزن تحت اليد

تحدثنا،

في ما مضى، في الأماكن الضائعة

نضحك ملء حناجرنا المشرعة

وقد طابت أجنحة العصافير بضحكنا

النرجيلة ذات الفحم تقص كثيرا من الحكايات

تبدلت الأزمنة

العزلة سكنتنا

حتى العذاب انقض علينا

آه! أين شبابنا

حيث تتكسر لفائف الدخان على الشاطئ الرملي

حيث تتقابل السماء والأرض في قصائد الغزل

حزننا تحت اليد

لكن كيف ننسى، في طرف المدينة،

النيران المتلألئة كعناقيد مبرقشة في الليل

آلات الساز عاشقة في جنون

للأكواب المجمعة شرف القمر

تقريبا كالأعراس

لا تترك الحياة آثارا على الزمن

تسقط من عدم إلى عدم

حتى كأننا نرتد إلى جديد

حزننا تحت اليد.

********

بهجت نساتيجل

1916-1979

درس اللغة والآداب التركية في المدرسة العليا للتربية، قبل أن يحترف ممارسة التدريس في قارس وزنجولداك واسطنبول. موضوعه المفضل هو وحدة الإنسان وقلقه الوجودي. من دواوينه : “البازار”، “الأرض القديمة”، “فصل الصيف”، و”السادة”.

الصوت

غالبا، نرى جيدا

ما يتبقى في العام تحت الجرف الثلجي.

*

غالبا، نرى جيدا

أن امرأة واقفة هناك

تنتحب شيئا ما،

أن رجلا يصرخ،

ينادي أحدا لا مرئياً.

*

لكنا لا نسمع أبدا.

– الصوت

بقدر ما هناك غياب لكل الأصوات بقدر ما لا يوجد أي شيء.

*******

دائرة

بما أن التدمير والبناء لا يقعان في نفس اليوم

في الظهيرة دفنت صديقا، في المساء أقمت حفلا.

أهو ذنبي أم ذنب الزمن؟

*

ثم سقطت على كفي وركبتي

وانتصبت واقفا كالزاوية القائمة.

أهو ذنبي أم ذنب الزمن؟

*

حلمت كثيرا بالفضيلة، ربما.

وبما أنها حاضرة دوما في المسجد

يتعلق الأمر بكتاب واضح، وهذا جلي،

أهو ذنبي أم ذنب الزمن؟

————————

 إلهان بيرك: عدو من يغني ويتجول بارتياح

    نصرت مردان

نصرت مردان: ولد الشاعر التركي إلهان بيرك (1916- 2008) بمدينة (مانيسا).تخرج في العام 1945 من قسم اللغة الفرنسية في معهد التربية.عمل كمدرس للغة الفرنسية ومترجما في المصرف الزراعي باسطنبول. من أعماله: تحية للذين أحرقوا الشمس، إسطنبول، صباح الخير أيتها الأرض، أغنية تركيا، كور أوغلو، بحر غاليليه، الخط المسماري، عرش الحب، صوب المساء، اوتوبيوغرافي، رجل طويل، كتاب الأعشاب الشافية، الحصان الطائر. كما اصدر انطولوجيات شعرية عديدة: مختارات من ازرا باوند، مختارات من رامبو، انطولوجيا الشعر الفرنسي، انطولوجيا الشعر العالمي. من أعمله التي ترجمت إلى لغات أجنبية: اسطنبول، اللغة الاسبانية 1988، قصائد، مدريد 1992، النهر الجميل، مدريد 1995، مختارات شعرية، نيويورك 2004. توفي في 28 آب / أغسطس 2008.

قضى الشاعر إلهان بيرك حياته في مطاردة المفردات الشعرية واللغوية ليعيد اكتشافها على ضوء قاموسه اللغوي. تقرب من تيار (التغريب) الشعري في بداياته الشعرية وكان من فرسانه الثلاثي: اورهان ولي، اوقتاي رفعت ومليح جودت آنداي في منتصف القرن العشرين، كرد فعل على نهج ناظم حكمت الشعري، ثم وجد نفسه في تيار (التجديد الثاني) في الستينات، والذي ظهر احتجاجا على المفهوم الشعري لجماعة (التغريب). لكنه وجد فيما بعد ضالته في السريالية وقد تمكن من التوغل في عالم الرؤى والأحلام والوصول إلى ضفاف التجريد في (بحر غاليليه) واللامعنى الذي حدده كهدف في ديوانيه (الخط المسماري) و(المصريات). حيث بذل جهودا فائقة لتحرير قصائده من حدود الفهم، ودفعها نحو الغموض وضفاف المنطق.

وهو في كل ذلك يبدو متابعا عن كثب وبدقة متناهية في رصد التحولات في جسد الشعر في العالم كله. حيث عاش بدوره طوال هذه الرحلة تغييرات في قصائده وانتقالات من رمزية (أحمد هاشم) الى اشتراكية (ناظم حكمت) في دواوينه (اسطنبول)، (أغنية تركيا)، (صباح الخير أيتها الأرض) في بداياته ليصل من ثم في فترة نضجه الشعري إلى دهاليز الرمزية واللامعنى جامعا في اسلوبه الشعري بين الشاعرين النقيضين أحمد هاشم وناظم حكمت. ليعود إلى اكتشاف خارطته الشعرية وذاته المتمردة قائلا quot; أنا أيضا عدو من يغني ويتجول بارتياح quot;. لكن ذلك لا يمنعه من أن يكتب أحيانا شعرا quot; للأرض المستديرة مثل فخار صيني quot;. لتستمر رحلته مع الشعر مع زيادة حجم السؤال في ذاته كل مرة، وعقب كل مغامرة شعرية. ليكتشف أنه لم يكتشف ذاته، وأنه في كل هذا يبدو مبتهجا ومستمتعا بخيبته وبحثه الدائم. لذلك يعوّد القاريء عند صدور ديوان جديد له في كل مرة على تقييمه مجددا كشاعر، وكأن قصيدة ديوانه متممة لقصائده في الديوان السابق.

في الفترة 1945- 1955 عمل من خلال التجريب للوصول إلى حدود التطرف، ليخرج في رحلة مع التجريد وليمارس أقصى مايستطيعه في التعامل من مقامرة مع اللغة والشكل والمضمون، في سبيل أن يبدأ ببناء وتأسيس مايريد كتابته من نقطة الصفر، مع حرض شديد للابتعاد عن كل مايتعلق بالطبيعة والمجتمع والقصيدة الشعاراتية، لينفصل الى الأبد من كل مايتعلق بناظم حكمت.

شجرة تعمل على إصلاح هذا البيت وعش الطيور

ويبدو غير مبال عندما تحمل قصائد (الخط المسماري) لغة أقرب إلى النثر من خلال قوله:

quot; اهتممت في (الخط المسماري) باللغة التجريدية. بحيث أستطيع أن أقول بأنها لغة مضادة تماما للغة اليومية. وقد لجأت إلى ذلك خشية ان يكون ما أكتبه مفهوما. أود القول: ان اللغة اليومية مرتبطة بشكل جذري بالفهم، ومواجهة المعنى تعني من وجهة أخرى الوقوع في حالة تضاد مع اللغة اليومية..quot;.

وهو في كل هذا مخلص فيما يقول دون ان تفوته الإشارة إلى كبار أساتذة اللغة الشعرية في العالم من أمثال أبوللونير ورامبو وماكس جاكوب وازرا باوند ومالارميه ورينيه شار، الذين قضوا حياتهم في بحث دائم عن لغتهم الشعرية.

في ديوان (بحر غاليليه) يعود للاهتمام بالأزمنة القديمة والحياة في الحضارات اليونانية والسومرية والمصرية والآشورية والفينيقية والرومانية. حيث يبدأ في كراسين كبيرين الحديث عن حياته في تلك العصور قائلا عن نفسه quot; مهمتي أن أخلق التوتر quot; مضيفا بأنه لا يفكر قط بالنقاد والقراء على الإطلاق. وأن ابتعاده عن المجتمع لا يعني بأي حال من الأحوال ابتعاده عن عصره.

كما لايتردد إلهان بيرك متن التأكيد عن عدم أهمية المشاعر والأفكار أو المضمون. حيث يمكن العثور على كل ذلك في النثر:

quot;.. ان مايسحرنا في القصيدة هو التوافق في بنيانها، فهو الذي يحير العقل والمنطق. المهم هو الإفصاح عن شيء.. لكن المهم هو تجاوزه وبالسرعة الممكنة. فالشكل يتأسس ويبقى بعد تجاوز المضمون..quot;.

لكنه رغم ذلك لا يتردد في ديوانه (عشقنامه) من التعامل بمهارة وحرفية مع اللغة والتناغم بل وحتى من اللجوء إلى القافية في بعض الأحيان. وهو الديوان الذي أخذ ثمانية أعوام من عمره. وفيه كتب القصيدة الجنسية بدون تحفظ مضيفا عليها رشات من الإثارة. وهو يبدو في قصائد الديوان متطلعا إلى التاريخ والميثولوجيا والطبيعة والبحر من نافذة الشهوة الجنسية. لذلك يفتتح ديوانه بعبارة لوالت ويتمان (الجنس يستوعب كل شيء). وفي سبيل ذلك يكتب قصائد غزل على نمط الشعر التقليدي العثماني (شعر الديوان).

لم يجد بيرك التعامل مع الشعر فحسب بل كان يجيد التعامل معه، وجس نبضه، ولاغرابة في ذلك فقد كان يحترف الشعر.

قال عنه الشاعر جمال ثريا (1931- 1990): quot; لقد أثر فينا جميعا.. فهو يؤمن بأنه يعيش ليكتب الشعر. وهو لاينظر إلى القدح بشكله المجرد بل لكونه موضوعا للكتابة..quot;.

لقد ظل إلهان بيرك يكتب حتى آخر يوم من حياته، ولم يعترف بمفهوم الشيخوخة quot;..لم تتجذر عندي الشيخوخة. اليوم عندما أنظر الى العالم الذي شخت فيه، أحس وكأنني عدت مجددا الى الدنيا و الموت ليس عندي أكثر من كلمة. أنا مغلق على الموت. الموت بالنسبة لي اسم مثل بقية الأسماء: شجر، طير، عشب. يخيل لي أنه مجرد صفحة من كتاب أو انه نسخة سوداء سلبية من صورة، او قدح فارغ..quot;.

نماذج من شعره

التسمية تعني الموت

كل شيء في بابل التي تحتضن القمر

عند الاتفاق كل شيء يبعث على السأم

وينقلب ميزان الصمت

الصمت الكبير.

تقول لايمكن مصادفة أسماء

الحيوانات في التاريخ

وكذلك أسماء الأزهار والأصوات

الأصوات التي هي كل شيء.

في الطرف الآخر من العالم

رأيت الزمن مجهولا بعد أن تم تسميته

كان ثمة طير ينسى اسمه باستمرار

أما بالنسبة لسلسة الجبال فكانت تجهل أسماءها.

ما أجمل كل ذلك!

تسمية الشيء يعني موته

كل شيء يفسر نفسه

محمد الفاتح قصير القامة

الفارابي كان أسمر اللون

آه، كان يجب أن لا نتعرف على الأسماء

فالعالم الذي ترونه من خلال الأسماء، ليس عالما

من أجل هذا نرحل دون أن نرى وجه الأرض.

ليس ثمة من لا يملك ثقلا.

كان يجب أن نبدأ من هنا.

نفي الزمن الطائش في الخارج

انشطرنا.

في واقع الحال نحن نكتب عن الموت، الموت والمرض.

لماذا أقرأ الشعر عموديا

جربوا أنتم أيضا

فالأمر يستحق ذلك.

سمعت أن عشبة تتحدث لنفسها

سأكون حاضرا في عيد ميلاد الطيور

الليل ينتظرني

نحن نعرف الطريق.

————————-

مصريات

السماء القابعة فوق البيت عاشت مساءا صينيا

أنتِ يانوافذ السأم، واللحية البيضاء هلموا الى الملاجئ!

بحر هائج يقع في الحدود الجنوبية من وطني

هل تموتون، وأنا أكبر؟

انتظركم في ذيل الصباح

قبل قليل ولجنا الى الحب. يد الرياح حمراء

دوق أبيض البشرة.

أيها المطر، أيتها الطبيعة هيا الى الملاجئ

فأنا سأكتب عن القمع.

منحوتة 1

إليك الألف، الدال، والزاي ياشعر الليل،

بيتي المتأخر، يانهر زمني القديم

أنا في مكان ما، انحدر منه

أطهر نفسي في مراياه المفتوحة

ماذا قلت لكم ياجياد الريح

كي أرتفع الى هناك

تعالوا وقفوا في محوري

لتخرجوا من بيوت الموت الكبيرة.

منحوتة 2

كان المساء الأول للسماء في العالم

أقبلت مفتتحا مساءك الذهبي الخالص

كنا في المكان الأبيض الذي يجب أن نكون فيه

استولوا على أسواري وضفافي ودفاتري

جمعتنا الخيمة في أقدم الأزمنة

أين زمن أمرائي وكهوفي؟

أنا المتقادم أعبر برعب

طيوري وجنودي وسير حياتي.

استيقظت لأنني أحبك ثلاث مرات

استيقظت لأنني أحبكِ ثلاث مرات

قمت في النهاية لسقي الأزهار

كانت ثمة سحابة ترحل بخطى حثيثة، كنت أراها

كان وجهي يبدو وكأنه سقط من مكان ما من النهار

قذفت بقصيدة لم تكتمل أزقتها وشرفاتها

أصابني السأم، أعددت لنفسي طعاما وجففت أعشابا

كان وجهكِ مثل أيام الجمهورية الأولى

قمت وأخذت أذرع المكان

قرأت الأشعار بعد أن وصلت الى السن المذكورة فيها

أحسست فوقي بأنفاسكِ الفواحة بالقرنفلِ واللبلاب

أنقص وأنقص رغم ذلك، كم أنتِ جميلة!

لم أر حبا ولافراقا على هذه الشاكلة

كلما تذكرتكِ

ينحدر غزال ليشرب من ينبوع

أرى الأعشاب وهي تكبر

في كل مساء أقضيه معك

تقودني حبة زيتون خضراء

وحفنة من سماء زرقاء

الى مكان ما

كلما تذكرتكِ

أغرس وردة في المكان الذي تمسه يدي

أروي ظمأ الخيول

وأغرم بالجبال أكثر.

رسم

كانا مثل رسم، الثعلب الجميل، والأرنب الماكر،

الدلتا والصبي!

———————-

أروهان ولي نورس الشعر  الغريب ونديم النجوم

في بقعة ظليلة على ساحل “روملي حصار” باسطنبول، يجلس تمثال أورهان ولي، حاملا بيده كتاب، ورانيا ببصره الى البسفور، وبقربه عمود حجري يعتليه نورس لا يفارقه فهو الآخر نحت في حجر حافظا لذكرى شاعر من أهم شعراء تركيا.  الشاعر الذي شرح تيار ” غريب ” ليس بما كتبه فقط، وانما بمواقفه تجاه الحياة والابداع. ويعتقد صديق أيامه الأخيرة ” صباح الدين أيوب أوغلو” ان اورهان ولي عاش حياته وفقا لشعره ، وليس لكون شعره نتاج حياته، وهو الذي أسس تيارا غريبا بحياته اليومية، وعلاقاته العاطفية، والشائعات التي أطلقت عنه وعن سماته الشخصية.

وصفه صديقه سعيد فائق عباسي بقوله : ” كان يمتلك ساقين رفيعتين للغاية، معطفا قصيرا، وشاحا للرقبة يميل الى  اللون الأصفر الكناري، وجها مثلثا، ظهرا يشبه الصدر المنفوخ، ووجها أفسدته فترة المراهقة “

خلال حياته القصيرة عمل دون توقف، باحثا ومجددا لنفسه، خائضا مغامرات شعرية، اصبحت منهجا لعدد من الشعراء الاتراك والفرنسيين.

في سنوات قليلة حقق أورهان ولي ما كان يحتاج إلى أجيال متعاقبة لتحقيقه، مكرسا حياته كلها لتحويل وجهة الشعر التركي الحديث الى قصيدة النثر. ..مقتربا من خلال شعره من الناس، ومقربا الشعر اليهم بواسطة اللغة اليومية لحياتهم.

ولد الشاعر أورهان ولي قانيق في مدينة اسطنبول بتاريخ 13 نيسان عام 1914. وأثناء دراسته الثانوية تعرف على ( أوقطاي رفعت ) و ( مليح جودت ) في أنقرة حيث انتقل عمل والده الى هناك، بعد ها عاد مرة اخرى الى اسطنبول لدراسة الفلسفة ، لكنه ترك الجامعة وعاد الى أنقرة عام 1936 ليعمل موظفا في المديرية العامة للبريد والبرق والهاتف، وبعد انتهاء مدة خدمته “الجندية” كضابط احتياط عمل مدة عامين في مكتب الترجمة التابع لوزارة التربية حتى استقال عام 1947، وبدأ باصدار صحيفة نصف شهرية مؤلفة من صفحتين بعنوان (الورقة) والتي استمرت بالصدور حتى منتصف حزيران عام 1950.

تنقل بين انقرة واسطنبول .. وفي احدى زياراته لأنقرة سقط في حفرة في الطريق، ثم ساءت حالته فجأة وهو عند أحد اصدقائه، وتوفي مصابا بنزيف دماغي عام 1950. وسبب موت شاعر شاب في السادسة والثلاثين من عمره مفعما بالحب والفرح للحياة  حزنا عميقا في الوسطين الثقافي والشعبي فهو مؤسس مدرسة في الشعر التركي المعاصر، فقد دعم موقف قصيدة النثر بشعره البسيط والمختزل والذي تناول فيه التفاصيل الحياتية الصغيرة مقربا الشعر من هموم الانسان البسيط بلغة بسيطة، مما ساهم في انتشار الشعر شعبيا.

قام اورهان ولي بنشر ديوانٍ شعريٍ مع مليح جودت وأوقطاي رفعت بعنوان ( الغريب ) عام 1941 وكتب بنفسه مقدمة الكتاب التي أوضح فيها أفكاره حول الشعر، وتعتبر هذه المقدمة بيانا رسميا لتيار الغريب، كان المثقفون في تلك الأيام يلمزون الى اورهان ولي على انه غريبٌ بسبب مفهومه الشعري، وقد جاءت تسمية هذا التيار الشعري من وجهة النظر هذه،  وكان هذا التيار ردة فعل على المفاهيم الشعرية القديمة.

ومن أهم ما جاء في بيان تيار الغريب:

علينا أن نقبل قبل كل شيء بأن الوزن والقافية عبارة عن قيدين، وهما يحكمان أفكار الشاعر وحساسيته، ويغيران شكل اللغة، لقد ولدّت ضرورات الوزن والقافية غرائب لغة النظم، ولعل هذه الغرائب كانت مفيدة من أجل الشعر باعتبارها موسعة للتعبير، ولكن هذا البناء جلب الى عقول البعض مفهوما ضيقا بأن للغة الشعر بنية خاصة.

يقول صنف الناس هذا  أثناء  رفضهم للشعر المختلف انه يشبه لغة الكلام، أصحاب هذا الفهم المستمد جذوره من الوزن والقافية لا يريدون ايجاد الغرابة الإضافية النسبية نفسها في الشعر الباحث عن مجراه الحقيقي،  ولا قبوله طالما استفادت فنون اللفظ والمعنى من خاصية الذكاء التغييرية المخربة للعادي. ليس هناك أكثر طبيعية من هذا بالنسبة لمدان بمعلوماته وتربيته للعصور الماضية، التشبيه هو إجبار على رؤية الأشياء على غير ما هي عليه.

الإنسان الذي يعمل هذا لا يقابل بغرابة،  لا تلتصق به صفة غي الطبيعي. مع أن الهاربمن التشبيه والإستعارة،  والمعبر عما يراه بكلمات يستخدمها الجميع يراه مثقفو اليوم غريبا،  خطأه هو انطلاقه من مفهوم شعري مبني على أسس مختلفة. لقدظهر مئات الآلاف من الشعراء منذ وجود الكتابة حتى الآن، وكل منهم قدم آلاف التشبيهات.  ترى اذا أضاف اولئك الذين نعجب بهم بعض تشبيهات أخرى ماذا سيكسبون الأدب ؟ آمل أن تكون التشبيهات والإستعارات وغنى الخيال الناجم عن جمعها قد اشبعت عين التاريخ الجائعة.

كل تيار جديد في تاريخ الأدب جلب حدودا جديدة للشعر وصار من نصيبنا توسيع هذه الحدود الى حدها الأقصى، أو على الأصح تخليص الشعر من الحدود. ترجمة عبد القادر عبد اللي

حاول أوقطاي رفعت في إحدى رسائله شرح هذه الفكرة من خلال مفهوم المدرسة،  يقول : فكرة المدرسة كانت عبر هذا الزمن تمثل فصلا وموقفا، وهي مغايرة لمفهوم السرعة والحركة وما يتدفق مع تدفق الحياة، والتدفق غير المتناقض مع الذهنية الجدلية هو التدفق اللامدرسي.

وهل يمكن أو يوجد وصف اللاحدود أو اللامدرسية في الشعر وحده وبشكل مغاير؟ مما لاشك فيه أنه من غير الممكن، هذا الوصف سيجعل الإنسان يكتشف ساحات جديدة،  ويعتبر أنه من الطبيعي إغناء الشعر بكثير من الغنائم،  البساطة والبراءة من أهم الغنائم التي غنمناها من أجل توسيع الشعر وفق حساباتنا. رغبتنا باستخراج جماليات الشعر تقودنا الى الإحتكاك عن قرب مع عالم هو الخزينة الأكبر للشعر، وهذا العالم هو عالم ما وراء الشعور.

اتهم التقليديون أورهان ولي واصدقاءه بجعل الشعر شغل من لا علاقة له بالشعر، وبأنهم يهدفون الى اعاقة الشعر الإجتماعي وجعله منحلا، أما مؤرخو الأدب فاعتبروا أن حركة غريب هي بداية الحداثة ذلك أن أورهان ولي  واصدقاءه أغنوا الشعر التركي بامكانيات “شكل وسرد” جديدة بانفتاحهم على نحو كسب إعجاب إنسان الشارع بتناول التفاصيل اليومية لحياته.

استطاعت حركة غريب جذب عدد من الشباب المتبعين لها، فقد أثرت في شعراء ذلك العصر بانتهاجها لاسلوب ايجاد التعابير الشعرية داخل طبيعة لغة الحديث والإنكباب على قضايا الحياة اليومية، والتخلص من أجواء الخطابة، وعدم استمداد التزيين من التلاعب بالكلمات، وعدم السقوط في فخ الوزن والقافية، والكتابة بحرية.

كان عمر أورهان ولي 25  عاما عندما كتب البيان الأول لحركة غريب. ..الحركة التي عارضت الشعر القديم، بل وحتى عارضت شعر ناظم حكمت.

الطبعة الثانية من كتاب “غريب” والتي صدرت عام 1945  اقتصرت على أشعار أورهان ولي فقط،  وأضيف لها مقدمة ثانية  بعنوان ( من أجل غريب )،  وفيما بعد ارتبط اسم حركة غريب باسم أورهان ولي فقط،  وذلك نتيجة ابتعاد صديقيه واتباعهما  نهجين مختلفين.

إن شعر أورهان ولي يُعنى بضرورة إعادة النظر بمفهومه للفن، في الطبعة الثانية من كتاب غريب، اتخذ موقفا أكثر مرونة من التقاليد الشعرية ومن الشكل ولوحظ هذا اعتبارا من العام 1945  في كتابه الثاني ” لم أتراجع “، فكان ثمة انزلاق من النهج العقلاني الى النهج الشعوري، وابتعاد عن السخرية والإدهاش،  واستفاد من تكرار الكلمات والموسيقى، واعتنى بلغة الشعر الشعبي ومقولاته، وكان التغير الأغرب في شعره هو اقترابه من الشعر الاجتماعي.

مقدمة مجموعة غريب للطبعة الثانية

بقلم أورهان ولي

الإنسان الذي يواجه الصعوبات، ولو كان وحده، يجب أن يكون قويا.  أنا أدركت هذا بشكل أفضل حين بقيت وحدي وسط اليأس.  مع هذا، لطول وحدتي على مدى سنوات، اعتدت على هذه الحالة، حتى انني بحثت عن الوحدة في بعض الأحيان لكي أشعر بالأعتزاز الناجم عن الشعور بالقوة.

هذا الشعور الذي أسميه اعتززا كان في البداية طريقا للسلوان. أمثالي الذين يعتقدون أن حياتهم مليئة بالعذاب وجدوا للسلوان مخارج تشبه هذا.  هذه المخارج هي صداقات لحظات الوحدة لمن يشعر بالوحدة.  بواسطة هذه الصداقات يمكننا الصمود في مواجهة الحياة، وحتى في مواجهة الموت.

لدي صداقات عدة تشبه ما سميته اعتزازا، لوكان لدي وقت لحدثتكم عنها.  يا لجمال هذا ! ولكنني إذا أفضيت لكم بهمومي في هذه المقالة التي اكتبها من أجل غريب يمكن أن تغضبوا مني،  لهذا السبب أعرج على واحدة فقط من هذه الصداقات.

هل قررتم ذات مرة ألا تندموا على ما تفعلون ؟ أنا قررت، واستفدت كثيرا.  لو أنني لم أقرر قرارا مثل هذا من قبل زمن طويل فمن المؤكد أن أيامي الحزينة ستكون أكثر عددا.

تذمرت دائما من نشري كتابا بعنوان غريب عام 1941،  لم أكن راضيا عن إعادة نشر ذلك الكتاب. حين كان يطبع كتاب غريب مرة أخرى كان يسطر عل شعور يجعلني أقول لنفسي : لأبقي المروءة داخلي. واذا كتبت الآن ما كتبته قبل خمس سنوات  فلماذا عشت؟ أليس من الممكن أن أكون قد مت ذلك اليوم ؟

انظروا الى ما أكتبه اليوم، والى “غريب” الذي نشرته في ذلك الوقت، سترون أن الفرق كبير جدا.

احذروا من تحميلي مسؤولية هذا الفرق بالكامل،  طبقوا التجربة نفسها على كتاب آخرين.  ستدركون أن أمر التغيير، الذهاب الى الأمام، الى الأجمل،  هو عمل جماعي.  من المؤكد أن تجدوا أناسا لم يتماشوا مع هذا التغيير، ولكن ألا يترك أي تقدم مجموعة من البقايا المتهالكة ومن التوالف ؟بعد هذا ألا تعلق هذه البقايا في أقدامنا معوقة مسيرنا ؟

مع استمراري في هذه الكتابة أنتبه الى انني بدأت محاولة الدفاع عن غريب.  انني لا أريد أن أدافع عن غريب أمام أحد.  أريد أن اداع عنه أمام نفسي قبل دفاعي عنه أمام الآخرين وهذا نابع من معرفتي للنواقص فيه.  ومن الكتابات النقدية عن غريب  هناك كتابة نقدية واحدة تستحق الوقوف عندها وهي لصديق أثق بأفكاره، قال : لا يمكن ربط الحالة النفسية للفرد بفن يرتبط بالمجتمع، أنا لم أدع أن الحالة النفسية منفصلة تماما عن المجتمع.  هل وصل الأمر لصديقي على هذا النحو ؟وهو من أنصار عدم المصالحة بين النظريات.  ليس ثمة فرويدي يستطيع ادعاء ان العمليات المدفوعة الى ما وراء الوعي يدفعها المجتمع، لهذا عليه ألا يقبل بأن للمجتمع مساهمة كبيرة جدا في تشكيل ما وراء الوعي. وذا لم أقل بأن ما وراء الوعي هو ليس وجودا، بل مفهوما طرح من أجل تفسير ما، فأنا أقول هذا الآن.

عندما كتبت غريب شغل تفكيري سبب مجيء الغربة، ولم أقف الى ذلك الحد عند قيمة الشعر.  في الحقيقة لم أن أعرف تلك القيم في ذلد الوقت، ولكنني لست كذلك اليوم.  اصبح لدي تجربة أكبر في الشعر، ومعلومات أكثر، وتجاربي تمنحني الآن قوة أكبر من تلك التي كانت في ذلك اليوم لشرح هذه المعلومات، على الأصح، أعتقد أنني أقوى لجعلها مفهومة أكثرمن توضيحها.  اذا لم يكن هذا فلا أرى بماذا تفيد الكلمات التي سأقولها.

تاريخ الفكر ليس سوى تاريخ محتالين.لقد قيل الكثير حتى اليوم،  ولكن مالذي قيل وهو حقيقة؟

مرة قال صديق : ” ليس ثمة ما لا يمكنني إثبات عكسه في الفن “.  وإمكانتي إثبات العكس في الفن تعني عدم إمكانية وجود ما يثبت.  اذا كان ليس ثمة ما يمكن إثباته فلماذا نفكر، ونتكلم، ونكتب ؟ أم أن الحديث في الفن مثل العمل،  مرض لا مفر منه، ولا منه شفاء ؟

أعمال الشاعر أورهان ولي ، ما نشر منها اثناء حياته أو بعد موته

كتبه الشعرية

الغريب  1914

لم أستسلم  1945

مثل الأسطورة  1946

لاحقا  1947

المقابل 1949

أعماله الكاملة  1951

حكاياته

هوشجور كوفتا جيسي 2012

حكاية المعلم نصر الدين ( جحا)  1949

كتاباته

كتاباته النثرية 1953

عالمنا الأدبي  1974

جميع كتاباته  1982

رسائله

ترجماته

ليكن الباب إما مغلق أو مفتوح لألفريد دي موسيه  1943

البربرية لألفريد دي موسيه  1944

خزائن سكابن  لموليير  1944

فرسائليس تولواتي لموليير  1944

الحوار الرسمي ليهود صقلية لموليير  1944

المرائي لموليير  1944

الثلاث حكايات لنيكولاي غوغول  1945

تور جاره لآلان رينيه ليسيج 1946

مختارات من الشعر الفرنسي 1947

قصص لافونتين لجان دو لافونتين  1948

نشر له بعد موته ترجمة لمسرحية انتيجون عن جان أنويه

والساقطة مسرحية عن جان بول سارتر .

فقط أبحث عنك  1914

————————————

 من شعر أورهان ولي

ترجمة عبد القادر عبد اللي

أغنية اسطنبول

في اسطنبول، وفي منطقة البسفور

أنا محسوبكم أورهان ولي

ابن ولي

وسط هموم لا توصف

جلست في ” روملي حصار”

جلست أدندن أدندن أغنية

أحجار اسطنبول مرمرية

تحط على رأسي، تحط النوارس

ومن عيني تنهمر دموع الفراق

يا ( دلالي )

حالتي هذه بسببك

وسط اسطنبول سينما

لا تخبروا أمي بغربتي وحزني

الناس يتكلمون،  ويمارسون الحب، مالي ؟

يا عشقي

مصيبتي بسببك

في اسطنبول وفي منطقة البسفور

أنا محسوبكم أورهان ولي

ابن ولي

وسط هموم لا توصف.

ثمة أمر

هل البحر جميل الى هذا الحد كل يوم ؟

هل تبدو السماء هكذا دائما؟

هل هي جميلة هكذا دائما

هذه الأغراض

وهذه النافذة ؟

لا والله لا ،

ثمة أمر في هذا الأمر

قصيدة ذات وحدة

لا يعرف من لا يعيش الوحدة

كيإف يعطي الصمت للإنسان خوفا

وكيف يحطم الإنسان نفسه

وكيف يهرع نحو المرايا

متحسرا على روح،

لا يعرف

 ——————————-

صوت القطار

أنا غريب

ليس ثمة جميلة تسلي قلبي

في هذه المدينة

ولا وجه مألوف

ما أن أسمع صوت قطار

تغدو عيني

نبعين

—————————–

إرتخاء

تمددت نائمة مرتخية

ثوبها مكشوف قليلا

رفعت ذراعها،  ظهر ما تحت إبطها،

وبيدها أمسكت صدرها

لا نية سيئة لديها، أعرف

لا، ولا أنا أيضا،  ولكن. ….

مستحيل!

لا يمكن النوم هكذا

———————————-

الصباحات الأولى للربيع

في صباحات كهذه أصير أخف من الريشة

قطعة شمس على السطح المقابل

وفي داخلي زقزقة عصافير وغناؤها

أنطلق في الطرقات صائحا مناديا

ألف وأدور رافعا رأسي الى الأعالي

أعتقد بأن الأيام ستمر جميلة هكذا

في كل صباح ربيع كهذا

لا يخطر ببالي عملي،  ولا فقري

أقول : ” لتنتهي الهموم“

وأكتفي بشاعريتي

مسليا نفسي.

———————————-

قصائد أخرى

نزهة

بعد منتصف الليل

لماذا الضوء

في هذا البيت الجبلي؟

ماذا يحدث؟

هل يتحادثون

أم يلعبون البينجو؟

يفعلون شيئاً ما..

إذا كان يتحدثون،  عمّا؟

الحرب؟ الضرائب؟

ربما يتحادثون في لا شئ،

الأطفال نيام،

رب البيت يقرأ الجريدة،

ربة البيت تخيط،

ربما لا هذا ولا ذاك.

من يعرف؟

ربما ما يفعلانه

قطعه

الرقيب.

————————————–

 قصيدتان عن السفر

 I

حين تسافر،

تحادثك النجوم،

تقول غالباً

كلاماً حزيناً.

II

الأغنية التي يترنم بها المرء

وهو سكران في المساء

مبهجة،

الأغنية ذاتها

من نافذة القطار

كئيبة.

————————————

 خطوة

جميلة أشجار البتولا

لكن،

إذ نصل

إلى النقطة الأخيرة

أفضِّل

أن أكون نهراً

لا شجرة بتولا.

—————————

لأبقى مشغولاً

اعتقدت النساء الجميلات

أن ما كتبتُ من قصائد الحب

كانت فيهن

وأعاني دائماً

من أنني أعرف أني كتبتها

لأبقى مشغولاً.

———————————–

طائر وسحابة

تاجر الطيور!

لدينا طائر

وشجرة

أعطني

سحابة بمليم.

 الحمد لله

شخصٌ في البيت،

الحمد لله.

نفسٌ.

خطواتٌ.

الحمد لله.

——————————–

مجاناً

نعيش مجاناً؛

الهواء مجاني،  السحب مجانية.

الهضاب والوديان مجانية؛

الفرجة على السيارات من الخارج،

مداخل دور السيمنا،

فاترينات المحلات مجانية؛

ليست كالخبز والجبن،

لكن الماء المالح مجاني؛

الحرية تكلفك الحياة،

والعبودية مجانية،

نعيش مجاناً،

مجاناً.

—————————————-

ثلاث قصائد  للشاعر التركيّ: أورهان ولي

ترجمة: محمد عيد إبراهيم

1

 قصيدة ذات رفيف

تنبّهتُ ذاتَ صباحٍ فوجدتُ

الشمسَ في قلبي،

وكنتُ أرفرفُ

كالطيرِ وأوراقِ الشجرِ في رياحِ الربيعِ،

وأوصالي كلُّها في عجيجٍ.

أنا الآنَ كالطيرِ وأوراقِ الشجرِ،

كالطيرِ وأوراقِ الشجرِ.

—————————-

2

سائراً بالطريق

سائراً بالطريقِ

لمحتُ نفسي أبتسمُ:

أخمّن،  يظنّون أني جُننتُ

فأبتسمُ!

—————————-

3

ناس

ليسَ دائماً،

لكن حينَ أدركَ

أنكَ لا تحبّني،

أودّ أن أراكَ

كرؤيتي الناسَ

من حِجرِ أمّي

وأنا صغيرٌ.

—————————-

أُورْخان وِلِي قانيق Orhan Veli Kanık

ولد في إسطنبول 13 إبريل 1914 وتوفي أيضاً في إسطنبول في 14 نوفمبر 1950.

شاعر تركي اشتهر باسم أورخان ولي. وهو مؤسس تيار الغريب مع مليح جودت أنضاي وأوكتاي رفعت. وقد أضاف لغة الشارع إلى لغة الشعر بهدف التغيير في أساس البنية القديمة للشعر التركي. وقد ترك الشاعر الذي عاش 36 عاما أعمالاً في مجالات عديدة بخلاف الشعر مثل القصة القصيرة والمقالة الأدبية والمقالات والترجمة. وقد رفض أروخان ولي استخدام أوزان الهجا والعروض مبتعداً عن كل ما هو قديم لكي يستطيع إظهار ذوقٍ جديد. وأوضح أن الفنون الأدبية مثل الاستعارة والتشبيه والمبالغة ليست ضرورية في القافية البدائية، حتى وإن كانت رغبة قانيق تلك والذي سافر بهدف تجاهل كافة الأشياء والتقاليد التي عرفتها الآداب القديمة قللت من الإمكانيات الفنية التي يمكنه استخدامها في شعره؛ إلا أن الشاعر قد خلق لنفسه مجالات جديدة بالموضوعات التي تناولها والشخصيات التي تحدث عنها والكلمات التي استخدمها. وقرب لغة الشعر إلى لغة الحديث متبنياً تعبيراتٍ بسيطة. وقد حمل ديوان الغريب الذي أصدره قانيق مع أصدقائه في عام 1940 أفكاره التي نشرها شعرًا، وكان ذلك بمثابة إعلان لنشأة هذا التيار الأدبي. وقد ترك هذا التيار أثراً في شعر فترة الجمهورية خاصًة في الفترة ما بين 1940-1950. ويعتبر شعر تيار الغريب حجر محك في الشعر التركي بخاصيتيه الهدامة والبناءة أيضا.وقد استُغرب قانيق بشكل كبير في البداية بسبب التغييرات الجديدة التي أدخلها إلى الشعر، كما تم احتقاره وانتقاده نقداً حاداً. وبالرغم مما واجهته أعماله التي خرجت عن التقاليد من اندهاش واستغراب في البداية ثم استهزاء واهانه إلا أن هذا قد أثار اهتمامه. ولكن هذا الاهتمام قد فتح طريقاً للشاعر الذي شعر في مده قصيره بزيادة التفاهم والحب والإعجاب به. مما دفع الأديب سعيد فائق عباسي إلى أن انحاز إلى جانب أورخان ولي ووصفه بأنه شاعر قد اختُلف عليه الناس كثيرا فإستهزؤ به أحيانا وقبلوه أحيانا وأنكروه مجدداً ثم قبلوه وهكذا مع مرور الزمن فقد نال شهرة جيدة وسيئة أيضا.وإن كان أورخان ولي قد برز بأشعاره التي في عهد التجديدات بهذا القدر إلا أنه تجنب كتابة الأشعار ذات النوع الواحد. فقانيق الذي بحث دون توقف وعمل على تجديد نفسه والذي عاش مغامره شعريه قصيره طوال حياته القصيره قد تألفت حياته الأدبيه من مراحل مختلفه. وقد عبر أوكتاي رفعت عن هذه الحالة قائلاً أن مغامرات أورخان الشعرية التي عاشها في عمره القصير كانت منهجاً لعدة أجيال من الشعراء الفرنسيين وأنه بفضل قلمه فقد تساوى الشعر التركي مع الشعر الأوروبي وأنه حقق تغييراً في عدة سنوات ربما كان يحتاج عدة أجيال متعاعقبه حتى يمكنهم النجاح فيه.

منقول لكل فائدة

***

مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ

تَرْجَمَةُ: مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَة

أَنَا، أُورْخَان وِلِي

أَنَا أُورْخَان وِلِي.

الكَاتِبُ الشَّهِيرُ صَاحِبُ قَصِيدَةِ

“سُلَيْمَان أَفَنْدِي، لَعَلَّهُ يَسْتَرِيحُ بِسَلَامٍ”،

سَمِعْتُ أَنَّكَ كُنْتَ فُضُولِيًّا

بِشَأْنِ حَيَاتِي الخَاصَّةِ.

دَعْنِي أَقُولُ لَكَ:

أَوَّلًا أَنَا رَجَلٌ، وَهذَا هُوَ،

وَلَسْتُ حَيَوَانَ سِيرْكٍ، أَوْ أَيَّ شَيْءٍ مِنْ هذَا القَبِيلِ.

لَدَيَّ أَنْفٌ، وَأُذُنٌ،

عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُمَا لَيْسَا جَمِيلَيْنِ.

أَعِيشُ فِي بَيْتٍ،

وَلَدَيَّ وَظِيفَةٌ.

لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَحْمِلَ سَحَابَةً عَلَى رَأْسِي،

وَلَا خِتْمَ النُّبُوَّةِ عَلَى ظَهْرِي.

لَسْتُ مُتَوَاضِعًا مِثْلَ “جُورْج” مَلِكِ إِنْجِلْترَا،

وَلَا أَرِسْتُقْرَاطِيًّا مِثْلَ حَارِسِ الإِسْطَبْلِ

الأَخِيرِ “سِلَال بَايَار”.

أُحِبُّ السَّبَانِخَ.

مَهْوُوسٌ بِمُعَجَّنَاتِ الجِبْنِ المُنْتَفِخَةِ.

لَيْسَ لَدَيَّ عَيْنَانِ

لأَشْيَاءَ مَادِيَّةٍ،

وَحَقًّا لَا.

أُوكْتَاي رِفْعَت وَمَلِيح سِفْدِت

أَعَزُّ أَصْدِقَائِي،

وَلَدَيَّ حَبِيبَةٌ،

مُحْتَرَمَةٌ جِدًّا.

لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ اسْمَهَا.

دَعْ نُقَّادَ الأَدَبِ يَعْثُرُونَ عَلَيْهِ.

أَظَلُّ أَيْضًا مَشْغُولًا بِأَشْيَاءَ غَيْرِ مُهِمَّةٍ،

بَيْنَ التَّصَوُّرَاتِ فَقَطْ،

فَكَيْفَ يُمْكِنُنِي أَنْ أَقُولَ،

رُبَّمَا لَدَيَّ أَلْفُ عَادَةٍ أُخْرَى،

لكِنْ مَا الهَدَفُ مِنْ إِدْرَاجِهَا كُلِّهَا.

إِنَّهَا تَشَابُهُ هؤُلَاءِ تَمَامًا.

——————————-

قَصِيدَةٌ مَعَ البَرَاغِيثِ

كَمْ هُوَ لُغْزٌ هذَا!

لَمْ يَعُدِ العَالَمُ كَمَا تُرِيدُ؛

نَحْكِي مَشَاكِلَنَا لِلْجَمِيعِ؛

يَسْتَمِعُونَ لِلْبُنْدُقِيَّةِ فَقَطْ.

بَعْضُ النَّاسِ لَدَيْهِمْ أَشْيَاءُ لِلْقِيَامِ بِهَا،

وَبَعْضُهُمْ لَيْسَ لَدَيْهِمْ مَلَابِسُ دَاخِلِيَّةٌ أَوْ أَحْذِيَةٌ،

وَلَدَيْهِمِ أَفْوَاهٌ وَأُنُوفٌ وَآذَانٌ

لكِنَّ مُعْظَمَهُمْ يُعَانُونَ مِنَ المَخَاوِفِ.

بَعْضُ النَّاسِ يَعْتَقِدُ بِالنَّبِيِّ،

وَبَعْضُهُمْ يَرْتَدِي سَلَاسِلَ ذَهَبِيَّةً وَقَلاَئِدَ،

وَبَعْضُهُمْ يُصْبِحُونَ كَتَبَةً، فَيَكْتُبُونَ كُتُبًا،

وَبَعْضُهُمْ يَخْدَعُونَ طُهَاتِهِمْ.

بَعْضُ النَّاسِ يَحْمِلُونَ سُيُوفًا،

وَبَعْضُهُمْ يَرْعُونَ الكَلِمَةَ،

وَبَعْضُهُمْ يُطَارِدُونَ النِّسَاءَ لَيْلًا

مِنْ دُونِ مُخَلَّفَاتٍ بَغِيضَةٍ فِي وَضْحِ النَّهَارِ.

أَهكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّخْطِيطُ،

فِيلٌ يَبْتَلِعُ بَرْغُوثًا؟

فِي حِينِ أَنَّ سَبْعَةَ أَشْخَاصٍ فِي مَنْزِلٍ

يَكْتَفُونَ بِحِصَّةٍ مِنْ فَأْرٍ.

لِكَيْ تَكُونَ مُوجَزَةً، فَإِنَّهَا مُرْبِكَةٌ.

الأَغْنِيَاءُ يَسْتَخْدِمُونَ الفُقَرَاءَ.

أَرْسَلْنَا رِسَالَةً إِلَى الرَّبِّ، فُقِدَتْ بِسَبَبِ التَّمْزِيقِ.

—————————

أُغْنِيَةُ إِسْطَنْبُولَ

فِي إِسْطَنْبُولَ، وَعَلَى البُوسْفُورِ،

أَنَا الفَقِيرُ أُورْخَان وِلِي؛

أَنَا ابْنُ وِلِي

بِحُزْنٍ لَا يُوصَفُ.

أَجْلِسُ عَلَى شَاطِئِ “رُومِلِي”،

أَجْلِسُ وَأُغَنِّي أُغْنِيَةً:

“تِلَالُ رُخَامِ إِسْطَنْبُولَ،

تَهْبِطُ عَلَى رَأْسِي، أُوهْ، وَتَهْبِطُ نَوَارِسُ البَحْرِ؛

سَاخِنَةً، تَمْلأُ دُمُوعُ الحَنِينِ إِلَى الوَطَنِ عَيْنَيَّ،

وَ”إِيدَا”يَ،

مَلِيئَةٌ أَوْ فَارِغَةٌ، وَ”كَارْمَا”يَ،

مِلْحُ يَنْبُوعِ

كُلِّ دُمُوعِي.

دُورُ السِّينِمَا فِي وَسَطِ إِسْطَنْبُولَ،

وَوَالِدَتِي لَمْ تَسْمَعْ عَنْ مَنْفَايَ؛

أُخْرَيَاتٌ يُقَبِّلْنَ وَيَتَحَدَّثْنَ

ويُمَارِسْنَ الحُبَّ،

لكِنْ مَا هذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيَّ؟

حَبِيبَتِي، حُمَّايَ،

أُوهْ، يَا نَهْرِي الطَّاعُونِيِّ الدَّبْلي”.

فِي إِسْطَنْبُولَ، وَعَلَى البُوسْفُورِ،

أَنَا الغَرِيبُ أُورْخَان وِلِي،

نَجْلُ وِلِي

أَنَا الغَرِيبُ بِحُزْنٍ لَا يُوصَفُ.

——————————

الحَيَاةُ

1.

أَعْلَمُ، الحَيَاةُ لَيْسَتْ سَهْلَةً؛

الوُقُوعُ فِي الحُبِّ، وَالغِنَاءُ عَنْ حَبِيبَتِكَ،

وَالمَشْيُ تَحْتَ النُّجُومِ فِي اللَّيْلِ،

وَالشُّعُورُ بِدِفْءِ الشَّمْسِ خِلَالَ اليَوْمِ،

وَالعُثُورُ عَلَى فُرْصَةٍ

لِلذَّهَابِ إِلَى تِلَالِ “كَامْلِيكَا” لِسَاعَتَيْنِ،

وَمُشَاهَدَةِ “البُوسْفُورِ” يَجْرِي بِآلَافَ الأَنْوَاعِ مِنَ الأَزْرَقِ،

وَأَنْ أَكُونَ قَادِرًا عَلَى نِسْيَانِ كُلِّ شَيْءٍ بِالأَزْرَقِ.

2.

أَعْلَمُ، لَيْسَ مِنَ السَّهْلِ لِتَعِيشَ،

صَحِيحٌ؛

لكِنَّ سَرِيرَ الجُثْمَانِ لَا يَزَالُ دَافِئًا،

وَمُشَاهَدَةَ شَخْصٍ لَا يَزَالُ يَدُقُّ عَلَى مِعْصَمِهِ؛

الحَيَاةُ لَيْسَتْ سَهْلَةً، أَنَا أَعْلَمُ؛

لكِنَّ المَوْتَ لَيْسَ سَهْلًا عَلَى السَّوَاءِ، أَيُّهَا الفِتْيَانُ.

لَيْسَتْ سَهْلَةً مُغَادَرَةُ هذَا العَالَمِ.

—————————

أَسْتَمِعُ إِلَى إِسْطَنْبُولَ

أَسْتَمِعُ إِلَى إِسْطَنْبُولَ بِعَيْنَيْنِ مُغْمَضَتَيْنِ

يَهُبُّ أَوَّلُ نَسِيمٍ،

وَتَتَمَايَلُ الأَوْرَاقُ

بِبُطْءٍ عَلَى الأَشْجَارِ؛

بَعِيدًا، بَعِيدًا تَرِنُّ

أَجْرَاسُ السَّوَاقِي،

وَأَنَا أَسْتَمِعُ إِلَى إِسْطَنْبُولَ بِعَيْنَيْنِ مُغْمَضَتَيْنِ.

أَسْتَمِعُ إِلَى إِسْطَنْبُولَ بِعَيْنَيْنِ مُغْمَضَتَيْنِ

يَعْبُرُ طَائِرٌ،

وَتَعْبُرُ طُيُورٌ، تَصْرُخُ وَتَصْرُخُ،

شَبَكَاتُ صَيْدِ الأَسْمَاكِ يَجْرِي سَحْبُهَا إِلَى دَاخِلِ سِيَاجِ صَيْدِ الأَسْمَاكِ،

وَإِصْبَعُ قَدَمِ امْرَأَةٍ يَلْعَبُ بِالمَاءِ،

وَأَنَا أَسْتَمِعُ إِلَى إِسْطَنْبُولَ بِعَيْنَيْنِ مُغْمَضَتَيْنِ.

أَسْتَمِعُ،

بَارِدٌ الـ”غْرَانْد بَازَار”،

وَتَغْرِيدُ “مَحْمُود بَاشَا”

مَلِيءٌ بِالحَمَامِ،

وَلَهُ فَنَاءٌ قَدِيمٌ،

وَأَصْوَاتُ الدَّقِّ تَأْتِي مِنَ الأَحْوَاضِ،

فِي نَسِيمِ الصَّيْفِ البَعِيدِ، البَعِيدِ عَنْ رَائِحَةِ العَرَقِ،

وَأَنَا أَسْتَمِعُ.

أَسْتَمِعُ إِلَى إِسْطَنْبُولَ بِعَيْنَيْنِ مُغْمَضَتَيْنِ

السُّكْرُ فِي الأَوْقَاتِ المَاضِيَةِ

فِي فِيلَّا خَشَبِيَّةٍ عَلَى شَاطِئِ البَحْرِ لَهَا بَيْتُ قَارِبٍ مَهْجُورٍ

مُحَاصَرٌ هَدِيرُ الرِّيحِ الجَنُوبِيَّةِ الغَرْبِيَّةِ،

وَأَفْكَارِي مُحَاصَرَةٌ

وَأَنَا أَسْتَمِعُ إِلَى إِسْطَنْبُولَ بِعَيْنَيْنِ مُغْمَضَتَيْنِ.

أَسْتَمِعُ إِلَى إِسْطَنْبُولَ بِعَيْنَيْنِ مُغْمَضَتَيْنِ

تَعْبُرُ مِغْنَاجٌ عَلَى الرَّصِيفِ،

تَلْعَنُ، وَتُغَنِّي، وَتُغَنِّي، وَتَمُرُّ؛

شَيْءٌ مَا يَسْقُطُ مِنْ يَدِكَ

عَلَى الأَرْضِ،

ضَرُورِيٌّ أَنْ تَكُونَ وَرْدَةً.

أَسْتَمِعُ إِلَى إِسْطَنْبُولَ بِعَيْنَيْنِ مُغْمَضَتَيْنِ.

أَسْتَمِعُ إِلَى إِسْطَنْبُولَ بِعَيْنَيْنِ مُغْمَضَتَيْنِ

طَائِرٌ يَطِيرُ حَوْلَ تَنُّورَتِكِ؛

أَعْرِفُ إِذَا كَانَ جَبِينُكِ سَاخِنًا أَوْ بَارِدًا،

أَوْ شَفَتَاكِ رَطْبَتَيْنِ وَجَافَّتَيْنِ؛

أَوْ إِذَا كَانَ القَمَرُ الأَبْيَضُ يَبْزُغُ فَوْقَ شَجَرَةِ الفُسْتُقِ

رَفْرَفَةُ قَلْبِي تَقُولُ لِي…

أَسْتَمِعُ إِلَى إِسْطَنْبُولَ بِعَيْنَيْنِ مُغْمَضَتَيْنِ.

——————————

ذَهَبَ كُلُّ شَبَابِي

أَيْنَ كَانَتْ هذِهِ الكَآبَةُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ؟

أَهذِهِ تَبْكِي فِي الدَّاخِلِ،

وَتُغَنِّي الأَشْيَاءَ البَعِيدَةَ؟

لَقَدْ أَثَرْتُ الجَحِيمَ

بَعْدَ ذلِكَ كُلَّ يَوْمٍ؛

إِلَى رَقْصَةِ اليَوْمِ، وَإِلَى السِّينِمَا غَدًا،

وَإِذَا لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ ذلِكَ، فَإِلَى المَقْهَى؛

وَإِذَا لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ ذلِكَ أَيْضًا، فَإِلَى الحَدِيقَةِ؛

زَيِّنْتُ حَبِيبَتِي بِالقَصَائِدِ،

وَأَخَذْتُهَا إِلَى نُزْهَاتٍ،

وَكِتَابٌ مِنَ القَصَائِدِ عَلَى حِجْرَيْنَا؛

أَيْنَ، أَيْنَ،

أَيْنَ كَانَتْ هذِهِ الكَآبَةُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ؟

—————————-

الشَّائِعَاتُ

مَنْ يَقُولُ

سَقَطْتُ مِنْ أَجْلِ “سُهَيْلَةَ”؟

مَنْ رَآنِي، مَنْ

يُقَبِّلُ “إِلِينِي”

عَلَى الرَّصِيفِ فِي مُنْتَصَفِ النَّهَارِ؟

وَيَقُولُونَ أَخَذْتُ “مِلَاحَاتَ”

إِلَى “الأَمْدَارِ”،

هَلْ ذلِكَ هكَذَا؟

سَأُخْبِرُكَ عَنْهُ لَاحِقًا،

لكِنْ رُكبَةُ مَنْ ضَغَطْتُ عَلَيْهَا فِي التِّرَامِ؟

يُفْتَرَضُ أَنَّنِي طَوَّرْتُ مَذَاقًا لأَمَاكِنِ التَّرَفِ لِـ”غَالَاطَةَ”.

أَشْرَبُ، وَأَسْكَرُ،

ثُمَّ آخُذُ نَفْسِي إِلَى هُنَاكَ.

نَنْسَى كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ، الفِتْيَانِ،

نَنْسَى، نَنْسَاهُمْ.

أَعْرِفُ مَا أَفْعَلُهُ.

وَمَاذَا عَنِّي

أَيُفْتَرَضُ أَنْ أَضَعَ “مُعَلًّا” فِي زَوْرَقٍ،

وَأَجْعَلَ غِنَاءَهَا عَالِيًا “رُوحِي تَتُوقُ إِلَيْكَ…”

فِي مُنْتَصَفِ المِينَاءِ؟

———————————-

حُورِيَّةُ البَحْرِ

يَجِبُ عَلَيْهَا مُغَادَرَةَ البَحْرِ فَقَطْ.

شَعْرُهَا وَالشَّفَتَانِ

تَفُوحُ مِنْهَا رَائِحَةُ البَحْرِ حَتَّى الصَّبَاحِ.

ارْتِفَاعُ وَهُبُوطُ ثَدْيِهَا كَانَ مِثْلَ البَحْرِ.

أَعْرِفُ أَنَّهَا كَانَتْ فَقِيرَةً-

لكِنْ لَا يُمْكِنُكَ أَنْ تَتَحَدَّثَ عَنِ الفَقْرِ كُلَّ الوَقْتِ.

بِلُطْفٍ، بِجَانِبِ أُذُنِي

غَنَّتْ أَغَانِيَ حُبٍّ.

مَنْ يَدْرِي مَا الَّذِي تَعَلَّمَتْهُ وَخَبِرَتْهُ

فِي حَيَاتِهَا مِنْ قِتَالِ البَحْرِ.

تَرْمِيمُ شِبَاكِ الأَسْمَاكِ، وَرَمْيُ الشِّبَاكِ، وَجَمْعُ الشِّبَاكِ،

وَلِتَذْكِيرِي بِالأَسْمَاكِ الشَّوْكِيَّةِ

لَمَسَتْ يَدَاهَا يَدَيَّ.

رَأَيْتُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، رَأَيْتُ فِي عَيْنَيْهَا؛

كَيْفَ ارْتَفَعَ البَحْرُ بِشَكْلٍ جَمِيلٍ فِي البَحْرِ المَفْتُوحِ.

عَلَّمَنِي شَعْرُهَا عَنِ المَوْجَاتِ؛

تَقَلَّبْتُ وَتَقَلَّبْتُ فِي سَرِيرِي حَوْلَ الأَحْلَامِ.

——————————–

أُغْنِيَةُ حَمَّالِ المَاءِ

أَحْمِلُ المَاءَ عَلَىَ حِمَارٍ وَرَائِي.

بَوَّابَةٌ، يَا قِرْدِي، بَوَّابَةٌ.

أُضِيفُ حَيَاةً إِلَى حَيَاةِ أَلْفِ شَخْصٍ كُلَّ يَوْمٍ.

بَوَّابَةٌ، يَا قِرْدِي، بَوَّابَةٌ.

صَفِيحَتَانِ عَلَى جَانِبٍ وَاحِدٍ

صَفِيحَتَانِ عَلَى الجِهَةِ الأُخْرَى،

تَتَمَايَلَانِ، وَتَتَمَايَلَانِ.

أُضِيفُ حَيَاةً إِلَى حَيَاةِ أَلْفٍ كُلَّ يَوْمٍ.

بَوَّابَةٌ، يَا قِرْدِي، بَوَّابَةٌ.

مُمْتَلَكَاتِي فِي هذَا العَالَمِ فَقَطْ:

زَوْجَتِي، وَحِمَارِي، وَابْنِي.

بَوَّابَةٌ، يَا قِرْدِي، بَوَّابَةٌ.

يُعْطِيكَ رَبِّي حَيَاةً طَوِيلَةً.

مَاذَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَفْعَلَ مِنْ دُونِكَ؟

بَوَّابَةٌ، يَا قِرْدِي، بَوَّابَةٌ.

إِنَّهُ يَحْمِلُ المَاءَ؛ يَصِيرُ زُبْدَةً وَعَسَلًا،

لِحَلِيبِ زَوْجَتِي،

وَالمِيَاهُ المُوحِلَةُ- تُجَدِّدُ الكُلَّ.

مَائَةُ مَنْزِلٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَأَلْفُ رَأْسٍ.

بَوَّابَةٌ، يَا قِرْدِي، بَوَّابَةٌ.

إِنَّهُ يَجِدُ الحَيَاةَ

يَجِدُ الصِّحَةَ

يَجِدُهَا وَفْرَةً.

——————————-

المَوْجُ

1.

لِأَعْتَقِدَ أَنَّ نَفْسِيَ سَعِيدَةٌ

لَا أَحْتَاجُ قِطْعَةً مِنَ الوَرَقِ، أَوْ قَلَمَ حِبْرٍ؛

لُفَافَةُ تَبْغٍ تَتَدَلَّى مِنْ بَيْنِ إِصْبَعَيَّ

أَدْخُلُ أَزْرَقَ

اللَّوْحَةِ الَّتِي عَلَى الجِدَارِ.

أَدْخُلُهَا، فَيَسْحَبُنِي البَحْرُ،

وَتَسْحَبُنِي هِيَ، فَالعَالَمُ يَنْصِبُ لِي كَمِينًا؛

هَلْ هُنَاكَ شَيْءٌ مِثْلَ الكُحُولِ،

وَالكُحُولُ فِي الهَوَاءِ،

تَجْعَلُنِي مَجْنُونًا، وَتَجْعَلُنِي حَزِينًا؟

يُمْكِنُنِي أَنْ أَعْتَرِفَ بِكِذْبَةٍ

عِنْدَمَا أَرَاهَا؛

إِنَّهَا كِذْبَةُ أَنَّنِي صِرْتُ قَارِبًا؛

بُرُودَةُ المَاءِ فِي أَضْلُعِي

كِذْبَةٌ،

وَكِذْبَةُ الرِّيحِ عَلَى بُرْجِ المَرَاقَبَةِ،

وَمُحَرِّكُ القَارِبِ الَّذِي يُحْدِثُ ضَجَّةً بِقُرْبِهِ

لِأَسَابِيعَ…

مَعَ ذلِكَ،

لَا يَزَالُ يُمْكِنُنِي أَنْ أَقْضِيَ، وَلَا أَزَالُ أَقْضِي

أَيَّامًا جَمِيلَةً

فِي هذَا الأَزْرَقِ،

مِثْلَ سِبَاحَةِ قِشْرَةِ البَطِّيخِ فِي البَحْرِ،

وَمِثْلَ انْعِكَاسِ الشَّجَرَةِ فِي السَّمَاءِ،

وَمِثْلَ الضَّبَابِ الَّذِي يَلُفُّ أَشْجَارَ الخَوْخِ فِي الصَّبَاحِ،

الضَّبَابُ، وَالغِشَاوَةُ، وَالحُبُّ، وَالرَّوَائِحُ…

2.

لَا وَرَقَةٌ، وَلَا قَلَمُ رَصَاصٍ

يُمْكِنُهُمَا أَنْ يَجْعَلَانِي أَعْتَقِدُ أَنَّ نَفْسِي سَعِيدَةٌ.

سَأَقُولُهَا مَرَّةً أُخْرَى،

هذَا هُرَاءٌ

أَنَا لَسْتُ سَفِينَةً.

لَا بُدَّ لِي أَنْ أَكُونَ فِي وَضْعٍ مُحَدَّدٍ، وَمَكَانٍ وَاضِحٍ

خِلَافًا لِقِشْرَةِ البَطِّيخِ،

أَوِ الضَّوْءِ، أَوِ الضَّبَابِ، أَوِ الغِشَاوَةِ…

مِثْلَ كَائِنٍ بَشَرِيٍّ.

—————————–

كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ

لَكُمْ، يَا أَصْدِقَائِي،

كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ؛

اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ لَكُمْ،

وَنُورُ الشَّمْسِ وَضَوْءُ القَمَرِ،

وَأَوْرَاقُ الشَّجَرِ

فِي ضَوْءِ القَمَرِ،

وَالمَخَاوِفُ فِي أَوْرَاقِ الشَّجَرِ،

وَالأَفْكَارُ فِي أَوْرَاقِ الشَّجَرِ؛

الآلَافُ الخَضْرَاءُ فِي ضَوْءِ الشَّمْسِ؛

الصَّفْرَاءُ فِي حَالَةِ السُّقُوطِ، وَكَذلِكَ الوَرْدِيَّةُ،

لَـمْسَةُ اليَدِ عَلَى الجِلْدِ،

وَالدِّفْءُ،

وَالنُّعُومَةُ،

وَسُهُولَةُ الاسْتِلْقَاءِ؛

هُتَافَاتُ التَّرْحِيبِ لَكُمْ،

وَتَمَايُلُ الصَّوَارِي فِي المِينَاءِ لَكُمْ،

وَأَسْمَاءُ الأَيَّامِ،

وَأَسْمَاءُ الأَشْهُرِ،

وَالطِّلَاءُ عَلَى زَوَارِقِ التَّجْذِيفِ لَكُمْ،

وَسَاقَا سَاعِي البَرِيدِ لَكُمْ،

وَيَدُ رَجُلِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِ،

وَالعَرَقُ عَلَى الجَبِينِ،

وَطَلَقَاتُ الرَّصَاصِ التَّي أُنْفِقَتْ فِي الجَبْهَةِ؛

وَالمَقَابِرُ لَكُمْ،

وَشَوَاهِدُ القُبُورِ،

وَالسُّجُونُ، وَالأَصْفَادُ، وَالمَوْتُ شَنْقًا،

كُلُّهَا لَكُمْ؛

كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ.

——————————-

جِسْرُ “غَالَاطَةَ

مُعَلَّقًا عَلَى الجِسْرِ

أُرَاقِبُكَ كُلَّكَ بِسُرُورٍ.

يَسْحَبُ بَعْضُكَ المَجَاذِيفَ، وَيَهْمِسُ،

وَيَلْتَقِطُ بَعْضُكَ المَحَارَ مِنَ العَوَّامَاتِ،

وَيَعْقِدُ بَعْضُكَ الدَّفَّةَ بِصَنْدَلِهِ،

وَبَعْضُكَ رَجُلُ الحَبْلِ فِي الحِبَالِ الضَّخْمَةِ؛

وَبَعْضُكَ طُيُورٌ، تُحَلِّقُ مِثْلَ شُعَرَاءَ؛

وَبَعْضُكَ سَمَكٌ يُومِضُ، وَيُومِضُ؛

وَبَعْضُكَ قَوَارِبُ، وَبَعْضُكَ يَطْفُو،

وَبَعْضُكَ غُيُومٌ فِي الهَوَاءِ،

وَبَعْضٌ مِنْكَ بَوَاخِرُ، تَسْقُطُ مَدَاخِنُهَا،

مِثْلَ أَوْغَادٍ يَذْهَبُونَ تَحْتَ الجِسْرِ؛

وَبَعْضُكَ صَفَّارَاتٌ تَهُبُّ؛

وَبَعْضُكَ دُخَانٌ، يَهُبُّ أَيْضًا؛

لكِنَّ كُلَّكَ، كُلَّكَ

كُلَّكَ قَلِقٌ بِخُصُوصِ لُقْمَةِ العَيْشِ.

أَأَنَا اللَّذَّةُ بَيْنَكُمْ فَقَطْ؟

لَا تَقْلَقْ، فَرُبَّمَا يَوْمًا مَا

سَأَكْتُبُ قَصِيدَةً عَنْكَ أَيْضًا؛

سَأَجْمَعُ بِضْعَةَ دُولَارَاتٍ،

وَسَأَشْتَرِي لِنَفْسِي بَعْضَ الطَّعَامِ.

——————————–

مَوْكِبُ الحُبِّ

[هذِهِ القَصِيدَةُ عُثِرَ عَلَيْهَا مَلْفُوفَةً حَوْلَ فُرْشَاةِ أَسْنَانِ الشَّاعِرِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَلَمْ تَنْتَهِ.]

كَانَتِ الأُولَى تِلْكَ النَّحِيلَةُ، الفَتَاةُ الهَيْفَاءُ،

أَعْتَقِدُ أَنَّهَا زَوْجَةُ تَاجِرٍ الآنَ.

أَتَعَجَّبُ كَيْفَ أَنَّهَا نَضَجَتْ بَدِينَةً.

لكِنِّي لَا أَزَالُ أَوَدُّ أَنْ أَرَاهَا كَثِيرًا.

الحُبُّ الأَوَّلُ، لَيْسَ سَهْلًا.

……………………… تَرْتَفِعُ

……………………. وَقَفْنَا فِي الشَّارِعِ

……………………. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ

……….. أَسْمَاءَنَا مَكْتُوبَةٌ جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ عَلَى الجُدْرَانِ

……………………… فِي النَّارِ.

كَانَتِ الثَّالِثَةُ، مَلِكَةُ جَمَالِ “مُونِيفِّرَ”، أَكْبَرَ مِنِّي سِنًّا،

وَكَمَا كَتَبْتُ وَكَتَبْتُ وَأَلْقَيْتُ الرَّسَائِلَ فِي حَدِيقَتِهَا

كَانَتْ تَضْحَكُ بِتَشَنُّجٍ أَثْنَاءَ قِرَاءَتِهَا.

تَذَكُّرُ تِلْكَ الرَّسَائِلِ،

أَشْعَرَنِي بِالخَجَلِ، كَمَا لَوْ أَنَّهَا اليَوْمَ.

كانَتِ الرَّابِعَةُ جَامِحَةً.

تَعَوَّدَتْ أَنْ تَقُولَ لِي قِصَصًا قَذِرَةً.

كَانَتْ عَارِيَةً أَمَامِي ذَاتَ يَوْمٍ.

مَرَّتْ سَنَوَاتٌ، وَلَا أَزَالُ لَا أَسْتَطِيعُ نِسْيَانَهَا.

لِذلِكَ دَخَلَتِ السَّنَوَاتُ أَحْلَامِي مَرَّاتٍ عِدَّةٍ.

دَعُونَا نَتَخَطَّى الخَامِسَةَ، وَنَأْتِي إِلَى السَّادِسَةِ.

كَانَ اسْمُهَا “نُورُونِّيسَا”.

أُوهْ، جَمِيلَتِي،

أُوهْ، امْرَأَتِي السَّمْرَاءُ،

أُوهْ، مَحْبُوبَتِي، مَحْبُوبَتِي

“نُورُونِّيسَا”!

كَانَتِ السَّابِعَةُ، “عَالِيَةُ”، امْرَأَةَ مُجْتَمَعٍ،

لكِنِّي لَمْ أَكُنْ أُقَدِّرُهَا كَثِيرًا؛

فَمِثْلُ جَمِيعِ نِسَاءِ المُجْتَمَعِ

فَإِنَّ كُلَّ شَيءٍ تَعَلَّقَ بِالأَقْرَاطِ وَمَعَاطِفِ الفَرْوِ.

كَانَتِ الثَّامِنَةُ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ مِنَ البَذَاءَةِ نَفْسِهَا؛

أَبْحَثُ عَنِ الشَّرِفِ فِي زَوْجَةِ شَخْصٍ مَا آخَرَ،

لكِنْ إِذَا طُلِبَ مِنْهَا إِلْقَاءَ نَوْبَةِ غَضَبٍ،

وَنَوْبَاتِ أَكَاذِيبٍ؛

كَانَ الكَذِبُ طَبِيعَتَهَا الثَّانِيَةَ.

كَانَ اسْمُ التَّاسِعَةِ “آيْتِنْ”.

كَانَتْ رَاقِصَةَ بَطْنٍ فِي حَانَةٍ؛

خِلَالَ العَمَلِ كَانَتْ مُسْتَعْبَدَةً لأَيِّ رَجَلٍ،

لكِنْ بَعْدَ العَمَلِ

كَانَتْ تَنَامُ مَعَ مَنْ يُسْعِدُهَا.

نَضَجَتِ العَاشِرَةُ ذَكِيَّةً،

وَتَرَكَتْنِي.

لَمْ تَكُنْ خَاطِئَةً؛

مُمَارَسَةُ الحُبِّ هُوَ عَمَلُ الأَغْنِيَاءِ، أَوِ الكُسَالَى،

أَوِ العَاطِلِينَ عَنِ العَمَلِ؛

إِذَا قَلْبَانِ مَعًا،

فَالعَالَمُ جَمِيلٌ، وَهذَا صَحِيحٌ،

لكِنَّ جَسَدَيْنِ عَارِيَيْنِ

فَإِنَّهُمَا يَنْتَمِيَانِ إِلَى حَوْضِ اسْتِحْمَامٍ.

كَانَتِ الحَاديةُ عَشْرَةُ عَامِلَةً جِدِّيَّةً.

مَاذَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَفْعَلَ أَيْضًا؟

كَانَتْ خَادِمَةً لِسَادِيٍّ؛

كَانَ اسْمُهَا “لُوكْسَانْدْرَا”؛

أَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى غُرْفَتِي،

وَبَقِيَتْ حَتَّى الصَّبَاحِ.

شَرِبَتِ “الكُونْيَاكَ”، وَسَكِرَتْ.

وَقَبْلَ الفَجْرِ، عَادَتْ إِلَى العَمَلِ.

دَعُونَا نَأْتِي إِلَى آخِرِ وَاحِدَةٍ.

تَعَلَّقْتُ بِهَا

أَحْبَبْتُ بِطَرِيقَةٍ لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ آخَرَ.

لَمْ تَكُنْ امْرَأَةً فَقَطْ، بَلْ إِنْسَانًا.

لَيْسَتْ حَمْقَاءَ بَعْدَ عَادَاتٍ وَهْمِيَّةٍ،

أَوْ جَشِعَةً لِلسِّلَعِ وَالمُجَوْهَرَاتِ.

قَالَتْ: “إِذَا نَحْنُ أَحْرَارٌ”؛

“إِذَا عَلَى قَدَمِ المُسَاوَاةِ”.

لَقَدْ عَرَفَتْ، أَيْضًا، كَيْفَ تُحِبُّ النَّاسَ

بِالأُسْلُوبِ الَّذِي أَحَبَّتْ أَنْ تَعِيشَ.

————————–

مختارات من شعر أورهان ولي

يناير 11, 2010 by Mohamed Alwakeel

1

بسم الله الرحمن الرحيم

ربما لا يعرفه الكثيرون من قراء العربية، إلا أنه بلا مبالغة أحد أهم الشعراء الأتراك في العصر الحديث! هو أورهان ولي كانيك Orhan Veli Kanık، وُلد باسطانبول عام 1914 وتوفي 1950، واشتهر بكتابته للقصيدة النثرية، وببساطة ألفاظه وسهولة لغته وقربها الشديد من الحياة اليومية، وكذلك بوصفه للتفاصيل البسيطة غير الملحوظة وتحويلها لقصة كاملة في سطور القصيدة ولمعاني رائعة في أقل عدد ممكن من الكلمات..

ولا يدّعي العبد لله أنه خبير أو متذوق ممتاز للشعر بالطبع، وإنما أنا عثرت على بعض من أشعار هذا الرائع أورهان ولي، فأردتُ مشاركتها معكم لتستمتعوا بها وتدخلوا إلى عالم أورهان ولي 🙂

(بالمناسبة: القصائد التالية من كتاب (أنا، أورهان والي) بترجمة أ.عبد المقصود عبد الكريم، طبعة الهيئة العامة لقصور الثقافة – سلسلة آفاق عالمية – العدد 82)

*الحمد لله

شخصٌ في البيت،

الحمد لله.

نفسٌ.

خطواتٌ.

الحمد لله.

************

* نزهة

بعد منتصف الليل

لماذا الضوء

في هذا البيت الجبلي؟

ماذا يحدث؟

هل يتحادثون

أم يلعبون البينجو؟

يفعلون شيئاً ما..

إذا كان يتحدثون، عمّا؟

الحرب؟ الضرائب؟

ربما يتحادثون في لا شئ،

الأطفال نيام،

رب البيت يقرأ الجريدة،

ربة البيت تخيط،

ربما لا هذا ولا ذاك.

من يعرف؟

ربما ما يفعلانه

قطعه

الرقيب.

************

* قصيدتان عن السفر

I –

حين تسافر،

تحادثك النجوم،

تقول غالباً

كلاماً حزيناً.

II-

الأغنية التي يترنم بها المرء

وهو سكران في المساء

مبهجة،

الأغنية ذاتها

من نافذة القطار

كئيبة.

************

* خطوة

جميلة أشجار البتولا

لكن،

إذ نصل

إلى النقطة الأخيرة

أفضِّل

أن أكون نهراً

لا شجرة بتولا.

************

* لأبقى مشغولاً

اعتقدت النساء الجميلات

أن ما كتبتُ من قصائد الحب

كانت فيهن

وأعاني دائماً

من أنني أعرف أني كتبتها

لأبقى مشغولاً.

************

*طائر وسحابة

تاجر الطيور!

لدينا طائر

وشجرة

أعطني

سحابة بمليم.

************

*مجاناً

نعيش مجاناً؛

الهواء مجاني، السحب مجانية.

الهضاب والوديان مجانية؛

الفرجة على السيارات من الخارج،

مداخل دور السيمنا،

فاترينات المحلات مجانية؛

ليست كالخبز والجبن،

لكن الماء المالح مجاني؛

الحرية تكلفك الحياة،

والعبودية مجانية،

نعيش مجاناً،

مجاناً.

**********

 ——————–

 [لو أنّني بكيت]

لو أنّني بكيت

أكنتِ تستطيعين أن تسمعي

نحيبي في قصائدي ؟

أكان بمقدوركِ

أن تلمسي دموعي بيديكِ ؟

قبل أن أقع فريسة لهذا الحزن

لم أكن أعرف

أن للأغاني كلّ هذا السحر

وأن الكلمات

تحملُ كلّ هذه البلاغة

أعرف مكاناً واحداً

حيث يمكنك

أن تتحدّث عن كلّ شيء

وأشعر أنّني قريب

من ذلك المكان

لكنّي لم أستطع بعد

أن أتبيّن حقيقته

أورهان ولي

——————————–

[دمّرني هذا الطقسُ الجميلُ]

0

دمّرني هذا الطقسُ الجميلُ،

وفي مثل هذا الطقس

استقلتُ من وظيفتي في الأوقاف.

اعتدتُ التدخينَ في مثل هذا الطقس،

ووقعتُ في الحب في مثل هذا الطقس؛

نسيت أن أحضر الخبز والملح إلى البيت؛

في مثل هذا الطقس

ودائما ما ينتكس مرضي بكتابة الشعر

في مثل هذا الطقس

لقد دمّرني هذا الطقس الجميل!

أورهان ولي

—————————-

على أي حال هكذا هي الحياة

وكان في هذا البيت كلب مجعد الفرو

اسمه جينكون، لكنه مات

وأيضاً كان فيه قطة تدعى ” زرقا “

اختفت في أحد الأيام

فتاة الدار تزوجت

والفتى أنهى دراسته

أيضاً

أشياء أخرى جرت :

منها ما يحمل الفرح وأخرى الترح

الكثير من الأشياء حصلت هذا العام

الكثير من الأشياء وكل منها يشبه الآخر

ذاتاً، هكذا هي الحياة

أورهان ولي

———————————–

لخاطر الكتابة وحدها

وظنّت الحلواتُ أن كلّ شعر الحب الذي أنظّمه

لخاطر عيونهن

أمّا أنا لطالما عانيتُ من معرفة الحقيقة وراء نظم الأشعار

هي هكذا…..فقط للكتابة وحدها

أورهان ولي

————————-

أورهان ولي

============================

ديوان مختارات للشاعرة التركية لالي ميلدور

الرئيسية >> ديوان مختارات للشاعرة التركية لالي ميلدور

لالي ميلدور

    خالد النجار

لالي ميلدور

نقلها عن الفرنسية: خالد النجار

المقدمة

بقلم خالد النجار

لالي ليست رسولة وليست شيطانة…

          لالي ميلدور شاعرة ممتزجة بحلمها، فهي تعيش الواقع كحلم والحلم كواقع. أو قل إن الحلم لديها هو واقع آخر. لذلك يبدو بناء نصها الشعري كبناء الحلم مفاجئا ولاعقلانيا. وأبجديتها الشعرية قريبة بالنتيجة من الكتابة الأوتوماتيكية كما عرفها السرياليون. كتابة صادرة عن قارة اللاوعي المظلمة واللاّنهائية التي يترسب فيها الخليط الخميائي السحري من ماضي الانسان البيولوجي والثقافي والعرقي. وكتابتها بالنتيجة قريبة مما يسميه العرب القدامى نثر الكهان… الكهان الذين يعيشون حالة وجد وجذب (État de trance) مستمرتين كطريقة للاستبصار. طريقة استعادها الفكر الفلسفي المعاصر ممثلا في انجاز الفيلسوف المكسيكي تيرانس ماكينا الذي يدعو إلى احياء روابط الانسان الروحية العميقة بالطبيعة وبآلهة الأرض بوسيلة الجذبة؛ أي إلى إحياء الديانة الشمانية لأنه يعتقد أن هذا التطور العلمي والتكنولوجي وهذه الحقبة الرقمية المتسارعة من تاريخنا المعاصر والتي لم نعد قادرين على التحكم فيها، ستنتهي بتدمير البشرية ماديا بعدما خربت أعماق الانسان الذي وبإبعاده عن الطبيعة دخل في ليل الغياب الكبير… ويرى أن هذا العالم لن تستمر طويلا.

لالي من تلك الفصيلة من الشعراء الذين منحوا أنفسهم للشعر بشكل كلي فاستنفدهم الشعر هو أيضا بشكل كلي. ونتيجة لذلك فالكتابة لديهم ليست حرفة وإنما احتراق… هي من فصيلة طرفة ابن العبد، وبدر شاكر السياب، ورامبو، ووليم بليك، والرسام الهولندي فان خوخ. أولئك الذين عبروا الحياة كالشهب سرعة وإضاءة واحتراقا. وكانت حياتهم عناء وقربانا لآلهة الفن… نماذج اختفت في هذا الزمن الذي تسطح فيه العالم واختفت فيه البطولة من حياة الانسان المعاصر… وتوقف فيه الشعراء كما يقول هلدرلين عن الاصغاء إلى صوت الوجود الحق، والتواصل مع السماويين… عصر الميديا التي استحوذت على أكاد أقول كامل الفضاء الإنساني. لعله ما يزال من تلك الفصيلة شعراء مجهولين لدينا، شعراء لا يدري بهم أحد… شعراء علهم ــــــ كما حدس هنري ميلر ـــ يهيمون الآن على وجوههم في الهند أو في اصقاع أميركا الجنوبية أو في صحاري العرب أو يسيرون غرباء في شوارع المدن الكبرى في باريس أو نيويورك دون أن يراهم أو يدري بهم أحد…

***

  لالي ليست رسوله وليست شيطانه. امرأة تسير في الحياة على حافة الحلم والواقع المتداخلان… تبدو مختلطة وضبابية بيد أنها تلمس حقائق الأشياء عن غير قصد… تضع الكلمة في قصيدتها في مكانها فإذا بالكلمة في أعماقك… نتلقى شعرها حدسا كالموسيقى نحسها في كياننا دون أن ندرك كنهها…

لالي ليست من أولئك التجريديين أصحاب النظريات الواضحة التي تمنع الدفق والتلقائية، والتي تمضي بأصحابها إلى الموت الشعري. ورغم كتابتها نصوصا تنظيرية حول الشعرية فقد ظلت محافظة على السر الشعري، وهذه النصوص نفسها هي ابداع حول الابداع الشعري…

ورغم قرب لالي من الماركسية وانحيازها للمستضعفين في الأرض، وللمهمشين والضائعين لم تسقط قصيدتها في الخطاب الأيديولوجي التحريضي الشعبوي استرضاء للجماهير، بل كانت من بين قلة نادرة من شعراء العالم الثالث ممن أفلت من أسر الأيدولوجيا، ومضى إلى ذاك الالتزام الكياني الشامل بالحياة الالتزام الأنطولوجي…

***

لقيتها أوّل مرة في محطة قطارات مدينة مونبولييه الفرنسية… كانت تبدو كالطيف حاضرة وغائبة كان يصحبها في هذه الرحلة الشاعر التركي القدير طغرل تانيول… وحملتنا نحن الثلاثة سيارة المهرجان التي كانت في انتظارنا خارج المحطة. حملتنا في قيظ أواخر يوليو تحت تلك السماء البيضاء إلى لوديف، وإلى مهرجانها الشعري… لوديف المدينة الجنوبية ذات الملمح الروماني الاسباني. لوديف المهمّشة الملتفة على نفسها الهادئة والمنسية وسط بساتينها ومياهها ولكسر هذه العزلة بعثت هذا المهرجان الشعري.  وهكذا تحولت في ذلك الصيف البعيد إلى عاصمة شعرية للمتوسط… جاءها الشعراء من كلّ مدن هذا البحر القديم، وشعوبه من عرب وبربر وصقالبة وترك وبلغار ولا تينيين. وامتلأت برجال ونساء وفدوا إليها من كل المدن والقرى الفرنسية. رجال ونساء في منتصف العمر: يساريون وفوضويون وحالمون من بقايا شباب ماي 68 … شعراء شباب من القرى المجاورة: إيزابيل التي اختارت العيش في كوخ في جبال السيفين بعدما غادرت صديقها وانطوت وسط جبال السيفين على وحدتها وقصائدها…

باتريسيا الشاعرة النحيلة الصموتة في وجهها لمحة من جمال نساء عصر النهضة. باتريسيا ترسم قوارب خشبية شبيه بقوارب الفايكينغ على شريط ورقي مطوي في شكل اكورديون بحجم الكف؛ تتخلله قصائد قصيرة مثل الهايكو مكتوبة بخط دقيق. ثمة جرح خفي يتجلى في ابتسامة باتريسيا ورغبة في السفر بعيدا في هذه القوارب التي ترسمها… أو كما لو أن أوراق الأكورديون أجنحة تطير بها في عوالم الروح اللانهائية…استيفان الشخصية الهستيرية، الشاعر الصاخب كامل الوقت؛ لماذا يذكرني في حركاته وكلامه المتدفق بمشاهد من فيلم الراقصة الأميركية إيزادورا دنكن لدى لقائها بالشاعر الروسي يسينين.

باختصار كانت لوديف في ذاك الصيف تضج بأناس متوحدين… نساء متوحدات باحثات عن دفئ العلاقات خارج ثقافتهن. صعاليك ومهمشون باحثون عن الشعر والمطلق؛ عما يهز أعماقهم في هذه الأوروبا الرأسمالية الباردة التي لم تعد تشبع متطلباتهم الروحية.

 شباب الحركيين الجزائريين الضائعين بين هويتين وانتماءين، تكتظ بهم الشوارع، شباب يغلب عليه العنف ضد فرنسا: فرنسا التي شكلت لديهم مفارقة درامية، أكاد أقول شيزوفرينية؛ فهي المثال والعدو الذي وعن طريق التبشير الفرنسي اغتصب أعماقهم… تستشعر ذاك الاغتصاب في نظرتهم الحزينة الضائعة… في الليلة الأولى شهدت خصومة. رأيت الشاب ذو الملامح العربية وعرفت أنه جزائري حركي من سكان لوديف.  كان يصرخ ويشتم رجال المهرجان عاري الجسد وكانوا يحاولون مسكه والبوليس يطارده بين كتل الجماهير وهو يتفلت منهم ويصرخ ويشتم بأعلى صوته…

في هذا المناخ الاحتفالي الضاج بالألسن والأجناس والثقافات، وفي منعطفات وأزقة لوديف القديمة رافقت لالي ميلدور وطغرل تانيول طيلة أيام المهرجان. رأيت لالي عن قرب… وعبر تلك الدروب، روت شذرات متقطعة من قصص حياتها… قبل الغروب بقليل التجأنا إلى مقهى فندق البريد. النادل حركي جزائري يخلط بين العرب والكرد والأتراك ويخاطبهم كلهم على أساس أنهم عرب…تحلقنا حول طاولة في الداخل. وفي الخارج، ومن وراء مربعات زجاج النوافذ كان يتراءى لنا ضوء برتقالي يغزو سماء الغروب، وقمر نصفي في زرقة السماء الباهتة يبين بين أغصان أشجار الدلب العملاقة التي تحيط بالساحة أمام المقهى، وترمي بظلالها المتطاولة على اسفلت الشارع… طانيول يتحدث عن بول فاليري، تذكرت أورهان باموق الذي تحدث هو أيضا في سيرته عن محاولات أبيه كتابة الشعر متأثرا ببول فاليري. فاليري الذي كانت له مكانة رفيعة في تركيا ما بين الحربين كما هو الشأن لدى مثقفي المستعمرات الفرنسية. استذكرنا قصيدته المقبرة البحرية، قرأت عليه المقطع الأول كان في قمة التواجد. ولالي غائبة في عالمها… أو تسأل بلطف من حين لآخر إن كنت زرت فرنسا فيما مضى، أو أشياء من هذا القبيل. وهي تعود باستمرار في حديثها إلى بلجيكا:

عشت في بلجيكا فترة ولكنها كانت صعبة للغاية… هناك افترقت عن زوجي وسقطت في كآبة عميقة ثم جاء أخي وأخذني معه…

كانت تروي كل ذلك بتعبيرات قلقة وتقلصات الوجه كما لو أنها تعيش ألمها ثانية… طلبت منها قصائدها القصيرة، وأرض النيران وهي المطولة الشعرية التي قرأتها في أمسية البارحة. قالت أعطني عنوانك وسوف أرسلها لك… ولكن القصائد لم تصلني أبدا.

في لوديف رأيت كيف يمتزج الشعر بتفاصيل حياة لالي اليومية: بحركاتها بسهومها وتيهها بهشاشتها وقوتها الخفية إزاء العالم… رأيتها وهي تسير في شوارع المدينة تنادي رفيقها طغرل تانيول كلما ابتعد عنها؛ وسمعتها تتحدث عن بروكسل، عن الماركسية والشعر الإنكليزي، عن إليوت وعيزرا باوند، عن اسطنبول عن موسيقى مناطق المدار في أميركا وأغاني البيتلز وبوب ديلان وكارلوس يوبيم، وبادن باول انطونيكو، عن أسفارها عن وحدتها؛ تتحدث لغة فرنسية ذات لكنة تركية مازجة كلامها ببعض الألفاظ الانكليزية…

***

نادرا ما رأيت في كامل أسفاري شعراء ممتزجين بأحلامهم وبقصائدهم ومداراتهم الشعرية وبمكابداتهم الروحية كما هي لالي. رأيت شعراء لديهم دماثة باردة مثل موظفي البنوك وشركات الأسفار ومدراء الفنادق. وآخرين مفعمين زهوا مرضيا بأنفسهم. وآخرين هادئين يتكلمون برصانة متفاقمة كما لو كانوا أعضاء خطرين في جمعيات سريّة، أو أعضاء في أحزاب حاكمة من العالم الثالث ممن يقومون بمهمات خاصة ومسترابة تستوجب الكتمان والسرية المطلقة، وخاصّة المراقبة الشديدة لألسنتهم حتى لا تنزلق بما لا تحمد عقباه. شعراء وجوههم كالرخام تخلوا من أي تعبير أو نأمة… لالي شيء مخالف. لالي تتحرك في العالم بحرية وبتلقائية وخفة وكأن لا شيء يحيط بها سوى ملائكتها؛ أو كأن التخيلات لديها هي عالم حقيقي آخر؛ وهي نعمة نجدها لدى الأطفال وقلما يحتفظ بها الكبار، هكذا هي لالي.

وأنا ما أزال أعود بالذكرى إلى تلك الأمسية البعيدة في لوديف وهي تقرأ قصيدتها الطويلة والجميلة أرض النيران كما لو أنها تهمس بهدوء إلى كائنات لا نراها تاركة سيلان الصوت الداخلي يطفو بنبراته وتردداته…

ثمة قصائد ونصوص تصحبك كما يقول جورج لويس بورخيس مثل قدر فهي تفعل شيئا فيك وبالتالي في مصيرك وهكذا تصير قدرية وتظل معك مدى الحياة. أرض النيران واحدة من تلك القصائد الهرمتية التي يكتبها الشاعر مرّة واحدة وتبدو بقية أعماله الأخرى تنويعة على ذاك العمل المدهش… من هنا جاءت مقولة نحن نكتب دائما الكتاب نفسه…

***

  ولكن من أين جاءت لالي بكل هذه الهرمتية في هذا العصر المزدحم بالشعراء والذي يفتقر إلى الشعر الحقيقي؟؟ الجواب أن لالي جاءت صدفة ككل الأشياء. جاءت إلى العالم وكأنها على موعد مع لحظة الانفجار الشعري والفني الكبير الذي أحدثته موجة الدادا وتسونامي السريالية وتيار التعبيرية التجريدية الذي حرر الفعل الإبداعي…

فمزاجها السيكولوجي والشعري متوافق مع هذه المدارس. مزاج لا يقبل العقلنة ولا الأساليب والقوالب واللغات الجاهزة والمفتعلة…

جاءت لالي بعد ان انفتح باب تلك القارة المظلمة والشاسعة واللانهائية والتي نسميها اللاوعي أو قل العقل المحتجب ـــــ كما يسميه مصطفى صفوان ــــ وانفتاح الفنانين على مناطق شبه الوعي، وعالم الأحلام. وصار الشعراء والرسامون على وعي بوجود تلك القارة المتاهة، وبإمكانية الإفادة منها في عملية الإبداع، وطرق التعبير الشعري اللانهائية… وظهرت نتيجة هذا الاكتشاف الكتابة الأوتوماتيكية التي فجرت الأشكال واللغات وحررت النص. لم يعد للرسام ولا للشاعر تلك القوالب والمرجعيات التي تقود خطاه داخل العملية الفنية. صار مسافر ليل يسبح في خضم عارم من الغموض والمجهول. تخلّى عنه إلهه. وعليه ابداع ابجديته وسرديته التي لابد لها من أن تقنع القارئ. لم يعد هناك مقياس خارجي وأشكال وقوالب مقدسة. صارت قوة الاقناع التي يمارسها العمل على القارئ هي الفيصل.

لالي دخلت مبكرا من هذا الباب المحرم فتحه كما في قصص ألف ليلة وليلة. باب متاهة اللاوعي باب الكتابة في الحقول المظلمة. وبعدما عبرت هذا الباب أسرتها كما تقول هي ساحة الشعر المظلمة… فأنت تجد لديها ظهورات كرؤية المسيح، وشيوخ الطريقة النقشبندية. وعوالمها خليط من أوروسكوب وسريالية وتصوف وهذيان على حافة الجنون تؤدي كلها إلى عالم شعري مدهش. عالم كما لو أنك تضيف حياة إلى حياتك.

***

كنت أقف في مدخل الكنيسة التاريخية التي تقع في زقاق متفرع عن شارع الاستقلال، حيث ستقرأ لالي بعضا من قصائدها. وصلت مع الصديق الفلسطيني قبل بدء البرنامج. كنت أريد لقاء لالي ؛ ولكن وفي غمرة الحديث مع الصديق نسيت أن لالي ستقرأ وأنها من الممكن أن تحضر بين لحظة وأخرى… ظللت أتحدث مع الشاعر الصديق وأنا مأخوذ بكل ما يحيط بي: العمارة العثمانية لآخر القرن التاسع عشر عندما بدأت تدخل عليها بعض التأثيرات مدرسة اليونغ ستيل النمساوية، حركة الناس في شارع الاستقلال، أضواء إسطنبول الربيعية. وأفكر في السلطان عبد الحميد الذي كانت له خلوة في هذا الشارع؛ وفي ارنست هيمنغواي الذي سكن في فندق إنجلترا القريب… كانت ثمة هناك شمعة طويلة تنوس فوق طاولة خاوية في شبه الظلمة السحري لهذه الكنيسة شمعة تشتعل هناك منذ قرون…

كنت أنتظر لالي، وكانت لالي قريبة تحادث امرأة، ولم أنتبه… التفت فجأة، لم أتعرف عليها من أول وهلة، حدست أن المرأة التي تقف هنا في البوابة الداخلية للكنيسة تشبه تلك التي رأيتها في فرنسا قبل سنوات في صيف بعيد. وبرمشة عين قلت في نفسي إنها لا لي.

 كانت لالي قد تغيرت كثيرا عن الصورة التي رأيتها عليها قبل سنوات طويلة في مدينة لوديف الفر نسية، ازدادت لالي سمنة، وفي وجهها تعبيرة القلق القديمة: العين الزائغة والشعر المنفوش كتقليعة وليس اهمالا. تقدمت نحوها. نظرت للحظة باستغراب، ثم استرجعت الماضي. سلام حار، واستذكار لقائنا قبل أكثر من عشر سنوات في لوديف. واستأنفنا الحديث كما لو أننا افترقنا البارحة… ثم، ها هي جالسة تقرأ قصيدتها أرض النيران في ترجمتها الإنكليزية بنبرتها الحلمية أمام شمعة صفراء طويلة تنوس في ظلمة الكنيسة؛ تضئ بهرتها الحجارة البيزنطية القديمة وتضفي سحرا وغرابة على تعبيرات وجه لالي

***

إنها لالي وقد تحولت إلى أسطورة…

لالي الشاعرة الغريبة المتفردة التي لقيتها قبل أكثر من عشر سنوات في ذلك الصيف الفر نسي البعيد… لالي…  الشاعرة التي تجول اليوم في شوارع اسطنبول بمعطف فرو يعود موديله إلى خمسينات القرن العشرين. ترتديه كذكرى عزيزة عليها غير عابئة بالموضة التي هي فن القطيع، فهو معطف والدتها التي رحلت منذ أعوام: شعر منفوش بصبغة حمراء ضاربة إلى البرتقالي، وأحمر شفاه قان، مثل ممثلة إيطالية في مسرحية فودفيل من الستينات… لالي، تتحرك ببطء على كعب عال، تتكلم مع الآخرين وكأنها تحدّث نفسها، تبدو لك تعيش حالة مونولوغ داخلي لا ينتهي… تلفظ كلمتها الأولى وهي كما يبدو تخاطبك؛ بيد أنّها في حقيقتها تواصل حديثها الدّاخلي… ثم تصمت لحظة، تتأمّلك بعين جامدة ساهمة تتحوّل منك، تنزلق من على كتفك إلى الوراء، إلى البعيد، إلى عالم آخر كالمطلق لا تراه إلا هي… ثم تنطلق في ضحكة مدوّية تعبيرا عن نهاية القصة التي كانت تدور في عقلها فقط… تتكلم فرنسية المستعمرات، فرنسية أراضي ما وراء البحار التي تعلمتها في مدارس أبناء الذوات التركيّة على عهد دولة مصطفى كمال أتاتورك المتماهية بشكل كاذب مع الغرب… لالي تجول باستمرار داخل اسطمبولها هي؛ وهي مدينة لا يراها الآخرون، مدينة تتشكّل من حلم نوستالجي، مدينة طفولتها في الخمسينيات من القرن العشرين، مدينة لم تعد قائمة سوى في ذاكرتها، مدينة هي مزيج ثقافي من الأجواء العثمانية الشرقية والأتاتوركيّة المأخوذة وبشكل مرضي بالغرب… لالي شاعرة شرقية متشبعة بالثقافة الفرنسية والانكلوسكسونية بيد أنّها متمسكة بفرديتها وعالمها حتّى أنّها تبدو وكأنها تعيش على حدود الشيزوفرينيا، كأنها تعيش داخل فقاعة محاطة بالضباب…

من الآن سوف لن التقي سوى بنفسي وجها لوجه

مع أختي… هنالك بين الأحلام والخرائب

التي تعجّ بالجعلان… قل لي

من هي فتاة البحيرات

هل هي أنا أم أختي التي تبحث عن شبيهاتها

الضائعات وفي جيوبهن ريش طيور

أجل تعيش لالي بين الأحلام والخرائب… أتمثلها تلمح العالم من وراء زجاج مضبّب فتبدو اسطنبول بمياه بوسفورها اللازوردية المليئة بانعكاسات النجوم والأسماك الطائرة فوق سطح الماء، بمرايا قصورها الإمبراطورية ومساجدها العثمانية المشتعلة الأضواء وكنائسها التاريخية وآثارها البيزنطية المجيدة بحجارتها الرومانية التي رثاها جيبون في تاريخه انهيار الإمبراطورية الرومانية بأكثر العبارات حزنا. اسطنبول بأسواقها الشرقية الملوّنة وفللها الحديثة، وحدائقها البحرية. اسطنبول بكلّ سلالاتها من ترك وكرد ويونان وأرمن وعرب وصقالبة كلها تبدو للالي كما لو كانت حلما داخل حلم آخر… وأتمثل لالي ميلدور وكأنها تسير داخل ذاك الحلم الذي لا ينتهي… ذاك الحلم الذي لم تغادره والذي كان وسيلتها لصيانة ذاتها واستيعاب العالم شعريا… وابتداع تلك القصائد الهرميتية الغامضة والجلية في الآن وهي عبقرية القصيدة الحقيقية التي تأخذنا كلية.

خالد النجار

***

عبر نافذة مطيرة

3     

   سرير المطر    

 كنت تنمو كما الأعشاب الطفيلية في كل مكان… ولدى وصولك

أحاطت غيمة بخار بالزهور … أنت لا ترى الصّمت

الذي يعبر من فوقنا مثل موجة خضراء…

ومع ذلك المتوحشة الحقيقية هي أنا المختنقة بلغات

لا يمكنني استعادتها…

و ما أن تصفق الباب حتى يرتفع سياج من المياه تهدم في الأول كل شيء

إثرها تجتاحني اللغات…

دون أن أنبس بكلمة أنظر إلى

البقع البنفسجيّة التي ترتسم على الجدران….

أناوله ورقة دقيقة وطويلة وأقول له:

لا تخشى شيئا فنسيجي من زجاج

وأنا كنت ميّتة… وها أنا أعيش الآن من جديد…

في داخلي ليس ثمّة سوى عويل… وطحالب…

والغرف التي تحت البحر ليست سوى سرير من الأمطار…

—————————–

4

هيلويز      

كان يجب أن تروى بشكل مغاير ذكريات أميرة ساكس

أحسّت مرّة أخرى ذات يوم وبشكل لا يحتمل

بألم يشل الحركة

فجأة انفجرت الريح وأخذت حجما آخر

بدت سوداء متنقلة

بين صيحات النوارس وضباب الغابة

كانت الثلوج تساقط فوق منطقة كاتاي 1

والفراشات البيضاء تنتشر مع حركة الر ياح

وكانت هيلويز نائمة محمولة في حلم لانهائي

                                         مدفونة تحت الثلوج…

——————————–

5

في الصباحيات الضبابية الغريبة كما في ليالي الشتاء اللبنية اللون

كانت هيلويز تتقدم في هالة بنفسجية. فوق سطح بحر الشمال

شريط منسوج بزهور السوسن

من جليد أسود يتحرك بين ضباب الغابة…

في الصباحيات الضبابية الغريبة كما في ليالي الشتاء اللبنية اللون

على خيط أصوات طفوليّة تصطدم بالصقيع

كانت هيلويز تتقدّم شنيعة مثل البرسلان

وبالرغم من السنون التي لا تمرّ

لنقل العام الذي لا يمرّ…

فهيلويز ماتزال تعرض يديها اللتين من كريستال.

———————————

6 *

في الصباحات الضبابية الغريبة كما في ليالي الشتاء اللبنية اللون

على خيط أصوات طفليّة تصطدم بالصقيع

كانت هيلويز تتقدم فوق صفحة بحر الشمال

كانت هناك شمس من الساتان الأسود وتلك الآلهة

التي لا يكف الأطفال الضائعون عن البكاء طلبا لعودتها

في الصباحات الضبابية الغريبة كما في ليالي الشتاء اللبنية اللون

كانت هيلوبز تتقدّم في نفس الوقت ونفس الأماكن

وعلى سطح بحر الشمال شمس من شمع.

وعلى صخرة بيضاء كتب اسم مجهول…

—————————-

7

كان البجع الأرجوانيّ سجينا مع أناشيده

في غرفة تشتعل فيها مصابيح ليلية موديل آر نوفو

يكتسي لباسا ليليا من لآلئ سائلة

واذ يمر من أمام المرآة تتكرر صورته

وريح الشمال تكنس هنا وهناك ندف الصوف إلى الداخل

وفي وسط الغرفة بالضبط امرأة من رخام مسجاة

وسط زهور الليلك الأبيض والدفلى

وقد توزعت نقاط التقسيم إلى ثلاث

عبر الرقبة وعبر الحزام. كانت تصغي لأناشيد الأطفال

الحلوة في أعماق الليل.

منتزعة ملابسها الليلية استلقت فوق الرزّ

جامدة مثل زنبق الماء… هيلويز…

عندما تربطه بماضيها

ينبثق وهج من عينيها البنفسجيتين

وتغلق الحجرة بسبعة خواتم من الياقوت الأزرق

—————————-

8

ذات يوم وسط طحالب بحر سرقسطة

امرأة تركت نفسها لحركة الماء وغرقت

بين الطحالب وقنافذ البحر والكتل الصخريّة

وفي التيارات تحت المائيّة يمضي الزمن مثل سحلية…

وهيلويز موشومة بحرف في لوح كتفها…

تعبر البحر في أعماقها… والنهاية تقترب مثل توليب البحار

قبعة فولاذية تجثم على الرّأس ووجهها ملوث بالزبد

تدفع يديها ذات اللون الأزرق البترولي لتضع الخاتم في إصبعها…

وبضع فراشات ذهبية بلون الرصاص والقسطل تطير في دوائر …

1 1987 / 

——————————–

9

خيمياء العين

أوحيت أن تتفتح عيني الباطنيتين

هناك حيث يتقاطع محور الشمال الشرقي

مع محور الشمس

أوحيت أن يغلق وادي الملوك

هناك حيث تتحوّل الأجساد إلى ذهب

لأنّ قوتهم القصوى كما قلت هي قوة كا الفرعونية

كما قلت كا، كا هي قوة السماء

نحن نعيش في مدينة الموتى

والآن ها نحن جميعنا

في مساكن الموتى

رغم ذلك ها أنا

فوق الرمال

أشكل الأواني الطينية

على شاطئ النّيل

أبحث عن الماء النّمير

وسط الأحجار اللامعة

——————————–

10

وأنت مع ذلك

بعينيك الشبيهتين بالنجوم

جالسا فوق عرشك

وعند قدميك تماثيل السفانكس المغطاة بالرّمل

تتطلع إلى الشمس الوليدة

مهندسة الزّمن

 365   تمثال سفانكس تقف وجها لوجه

في دائرة لانهائيّة هي مثال للكمال

وبوجهك الثالث

بوجهك الذي من صمت وأسرار

تنظر إلى هندسة الانسان

هل ترا ني

أنا أعيش هكذا

مع آلامي

وذكرياتي

أنا وهم في غاية الكمال

     نجمة

نجمة متلألئة

شكل وامكانيّة

           ووجود

—————————–

11

يا حبّي

مات كلّ شيء

الكلّ اختفى

رويدا رويدا

اختفت

البنت الصغيرة التي تجعل الثلج يسقط

فوق زهور الكرز

كان في الاول عالم جميل هو الذي مات

ثم ماتت أحلام العالم الجميل

ثم ابتدأ هطول في شكل

نجوم الثلج

وأمطار عيوني تتساقط

كم مرّة كان عليّ أن أموت؟

أنت، بعينيك حميتني

يا حبّي

تعال إلي

أنا الذي ظللت أناديك منذ السنين

وها أنا اليوم احمل ألوانك

———————————–

12

    مطر

مطر… يجعل الخيول تسقط منهارة على جنوبها

مطر… ومحطات القطارات… وأزهار نحيلة في المحطات

وخاصة أولئك الناس الذين يشدون على الأيدي

إلى الآخر… الذين يلتفتون إلى الوراء حتّى عندما

يكون كل شيء قد انتهى… من أحذيتهم الفرو

المتروكة… مطر… بلاد منسيّة

أناس نتركهم جانبا…

هو البحث عن بلاد لا أدري أين… بلاد سبتمبريّة…

بعد ليال من تصوّف غامض

في سواد قاع البحر… ريح طحالب…

مضيء وأسود… أزرق رائق في أعشاب قاع البحر…

هو البحث عن شمس المحيطات السوداء…

عن الموسيقى وعن المعنى وعن كآبة الطحالب…

1986

—————————-

13

 عبر نافذة مطيرة

عبر نافذة مطيرة

أنا ربوط الكشف

أراكم

          تنامون

مثخنين بجراحهم مثل وحيد القرن العاشق

    أراكم وأنتم تعزفون

    على الكمان في الصالون

    وتكسرون زجاج نوافذه

عبر نافذة مطير ة

         أنا ربوط الكشف

أراكم

       تعزفون

موسيقى تجل عن الوصف

بأناملكم الطريّة

      بحفيف

خفيف يزيل شهر آب النباتات المائيّة

من السيل الجارف

والأنهار ذات المياه الضحلة

تحفر في القلوب المغلقة

    أسرّتها

—————————–

14

عبر نافذة خريفية

          أنا ربوط الكشف

أبصر صورة جدارية

أرى النجوم تخبوا

 شجرة تين

مصعوقة

وسط عاصفة رياح هوجاء

وأنتم تشاهدون ألوان الأرض

تشاهدون مجيء الخيول

       أنا ربوط الكشف

آخر الأساطير

بيد أن الناس لا تأبه بشيء

وفي السيول الغامرة ستجف ذات يوم النباتات

المائيّة

وأعلن

         أن كلّ شيء مات يا ربوط الكشف

                                    1986

———————————-

15

القمر

أيها الزمن امنحني القمر

أنظر. كلّ شيء مضى

          كلّ شيء مضى منتحبا

والمياه بردت

وها هو القمر ينزل بيننا

قربانا لنا نحن الثلاثة

شكل مضيء يبتعد في أعماق لسماوات

أما الآن فالوقت متأخر جدّا

يمضي القمر ويتركني مرّة أخرى في مكابداتي

شموسي لن تعيد لي الحياة

وعقاب يطير بقوة من جبهتي يلامس السماء

           يخدشها

     وفي أماكن أخرى

نصغي إلى الضجيج الصاخب لدولاب لامرئيّ

الذكريات القديمة

تنبعث ثانية من غربي أنا

مثل كواكب

وكذلك الشموس تنهار في الأخير

أنظر

ها أنت تجذبني للحياة في دوائرك التي من معدن صاف

بواسطة قوى ملغزة

بواسطة آلام غامضة وكثيفة تجذبني للحياة

تتجلى كما أنت

مرعبا

ألديك شيئا إنسانيا أيها القمر

 ——————————–

16

كلّ شيء ممكن، كلّ شيء يضيء ما أن تظهر هي

كلّ شيء موضوع في مكانه

أنت عد إليّ في الليل أيها الإمبراطور

اسحبيني مرّة أخرى من العتمة بواسطة عينيك

أشبك شعري بمفاتيحك القديمة أيها القمر

أجدل جروحا في وجهي

بملابس الحداد وبالمسوح

هيّئني أيها القمر لتلك الأعراس الوحشية

مثل أشباح تخترق جدرانا داكنة

مثل زهور تنتظر ليالي جليد أزرق ناصع

مثل منارات تجوس آفاق البحر اللامحدود

رجل في الفضاء يتأرجح على المشنقة مثل بندول فضيّ

ومن دموعه تنبثق بذرة

إنسانية فسيلة تنبت راهبا

مثل دخان مسموم

   يتسلل من تحت زجاج ندي

والغيوم تنساب وتنساب

فوق صفحتك أيها القمر من البداية إلى النهاية

أيها الزمن امنحني القمر

     لبضع الوقت

ولنصغي مرّة أخرى إلى القيثارة في الصوّان

وإلى الأناشيد البنفسجية لعرائس البحار في البعيد…

1986

—————————————–

17

الأيام الأخيرة

 في خرائب دو إينو ثمة ظلّ وكآبة

كآبة ليست آتية من القمر ولا من شيء آخر

أن تستبطن ما ضاع… الروح

الذي يمور داخلنا… العود..  تحوّلاتي

العلامات الجديدة والمحجوبة للكآبة… الأيام الأخيرة…

في بحر يوم طويل… أحد أيام النهاية

في حجم مائة غرام وضع جدارا أمام الكون والرغبة

فالمجهول هو (العلامة الأولى التي تظهر إنسانا محطما

ومقيدا بخيوط وبحبال… على امتداد ثلاث سنوات

لم يستطع الفكاك وكان هناك الألم)

النيران والحواجز والخطر…

كانت هناك في الليل بصمة ياء كانت سقطت عليك

في تهجئة اسمك واسمه هو

وقد التقيته انت وتزوجته

هناك مسافة كما في الأيام الأولى وقوّة الصّدى…

واقتربت منه وسط أصوات

رنين البيانو وتكسر الزجاج فوق المنضدة

لم يستدر إلى الخلف

كان هناك شيء في الداخل مثل دخان بركاني أحبّه

لطمه الهواء على وجهه وفي الأخير أدرك اسمه الحقيقي

وإليك تحدّث بشيء آخر لم يكنه

—————————————–

18

ظلّك يتيه بين الأشجار وفي المساحات الشاسعة لمدينة بمبايي…

الواحدة تجرح الأخرى

         تخنقها

   تبتلعها

لو كنت في قمري لكانت انتهت حينها ثوراتهم

وفي رأسي أكداس من النجوم شديدة الثقل تغير مواقعها…

1986

—————————————

19

عاصفة بعيدة…

ما يشبه قصة يصير صرحا

                        قالها بناء

—————————-

20

عاصفة بعيدة

       I

أيتها العاصفة البعيدة

أنا خائفة

منك

خائفة من غيابك

من تقلبك الذي نعدّه أمانا

أيتها العاصفة البعيدة

لا أفهم كيف يكون

هذا البعد الهش قريبا أيضا

وهو في الآن صورة لقالق طائرة

وليزر

معلن للزوابع التي تصطحبك

هذه الحياة التي بلا أمل حيث لا تسكب

أي دمعة تجعلني أقول بالأبيض

بياضا شديد النعومة

أن مياههم تكسر الزجاج

إلى شظايا

وفي داخلي حركة مكوكية لسيول صغيرة وشقوق 

————————————-

21

II

عندما تأتي

ينهار كل شيء ويتكسر

وعبر الأبواب

يجيء طوفان مفعم بكتل الجليد والزجاج المكسور

وفي الجدران طقطقة حلميات

وفي الردهة تأثير دوبلر

III

عشق رجل

يقترب منك بنعومة

مثل دخان سيجارة

ايها الليثيوم غبارك الذهبي علق بوجهي

 —————————-

22

IV

أحمل

إليك مرآة من فولاذ ذات حواف حادّة أيتها العاصفة البعيدة

لأتقمّص شكلك الخاص

ومن أعماقك قواك الزجاجية

ذاك أن للكبرياء شبيهه

أيتها العاصفة البعيدة

سأكتبك يوما

وستكون هناك مرايا ثقيلة

لا تعكس سواك أنت

وجمال كهربائي

يجرح الآذنين بالبارافين

سأكتبك يوما

دون أن انسى أنه

لابد من الوقت لجسدي البائس

حتى يتهّيأ للبروق

سأسجل ذاك الغبار الذي بلا بقع

شرارة الغبار تلك

ذاك البركان الذي في الجزيرة المتجمدة

… علينا ألاّ ننتظر أبدا

هاهي ساعة الارتطام بين شبحي باخرتين صامتتين

——————————

23

VI

أنام ملتحفة بدرعي

بيد أني وفي الصباح أجد حربة هنا في قلبي

VII

أيتها العاصفة البعيدة

أقولها لك للمرة الأخيرة

صباح الليالي سوف يأتي

كصباح حيث

لن أجد في فراشي نبيذ جزيرة لايت

ولكن مثل نهر يفيض على ضفافه

سيكف قلبي حينئذ عن النبض

وفي سمعك فقط سيستمر ذاك الحفيف

   لأجنحة مضت لألاّ تعود.

————————————

24

VIII

أفرّ من نارك الباردة

التي وبسببها تتحول ذاكرتك إلى جليد

 هموم قلب نابض

باخرة تتحول إلى كرة نار

وكل ما كان تحول الآن إلى بقايا متحجرة

أحيانا أفكر أيضا

ما الذي بقي مما كنته

أطراف الأعصاب التالفة

الشرايين المشوّهة

وربما ساق خشبية

بقيت صورة بجعة ميتة في الذاكرة

وفي داخلي هناك مدينة وكل نجومها ما تزال مطفأة

يا أورسالابندة !

 ———————————-

25

IX

إنه طائر البطريق وقد انبثق من الدخان

بلون الماء    إنه نهاية الكآبة

وقد يكون أيضا

وقد يتشكل… فيما بيننا طبقات من السموم

… ذاك الرماد الأبيض … هو الحقد

———————————

26

 X

الفارس الجنوي     أندريا دوريا

مهندس متذبذب حول تعارض المرأة مع الرجل

      تطلع إليه هو الآن مدفون تحت الرمال

ومتى يكون هناك هزّ متواصل……………….

تصير له لحظتها طاقة مرعبة

تحدث زلزالا

شيء مثل الجزيئات الذرية

مياه تفرغ بالشطف     هبات عاطفية

إن كانت أحيانا ماتزال     تسجل بعض الهزات

ذاك الصدام الذي يطوف     حدود الألم الطويلة

يسحبه الانسان       نحو التاريخ

———————————-

27

I X

ارتيابب    يتعفن

           أجسام باردة تخترق العظم

نقطة الصفر فوق خرائط الألم

موت من الداخل   رقصة قاتلة

إيقاع معدني   رقص جنائزي

                            وحول خصري                  

ألفّ نطاقا أسود من المجهول…

——————————-

28

I I X

هي حرب داخل الحروب

حرب المرأة مع الرجل

الكراهية تقول   تراجع تراجع

والحب يقول اقترب…  اقترب

        أنا حرب بحرية

ولتكن هذه الذكريات التي ما تزال طافية فوق اشعة غاما

صادرة عنك…

1979

 —————————–

29

انحسار الشمس…..

هو مهرج منكسر

هي ممثلة شجرة قبر

هي ممثلة الشر والماء والنار

وهو ممثل الأرض

                                       كتبه مجهول

—————————

30

I

كنا مرتبطين بمصير واحد

صورة مثالية لتآلف أحلامنا

ظلانا ينحلان في الجدول

 يتناجيان بصمت وعيوننا مسبلة

كنا لابثين في بوابة متوارية

في أعماق هاوية

وكنا ننظر لبعضنا وفجأة

انزلقت حياتي في اعصار

شبيه بالانهيار

كنا مشدودين برباط

كما تقتضي الصورة المثالية لتآلف أحلامنا

تغمرنا حرارة باعثة على اليأس

غافلين عما يجري

ينحل ظلانا في الجدول

يتناجيان بصمت وعيوننا مسبلة

أردنا أن نكون كل شيء

ولم نرد

أن يصدر عنا كل شيء

واذ نزيل كل شيء

من جديد ولكن من جديد أيضا

نصير شيئا فشيئا متشابهين

والحب كما يصعد

في انحناءة كاملة ويتركنا

مستثارين ملتفتين نحو الدياجير

متى نشهد مرة أخرى

متى يتفكك جهاز الشمس العصبي

متى تكون نهاية هذا السحر القاتل

متى نوقظ أنفسنا مرة أخرى

———————————–

31

I I

ذاك أن الكآبة في صمت تمنح تنفسا

وعلي أن أرتدي الأبيض مثل الجليد الذي فوق الأشجار

أهجرني الآن

ايها الأمل أيها الوصيف المبذر

NOLI ME TAHGERE

من جسدي سوّيت شجرة

وبدءا من الآن لن يلمسني أحد

     فأنا الميموزة العفيفة

    جرح جماله لم يمس

والأشجار أنصاف آلهة أصوات داكنة ويائسة

ولا عدّ لها وهناك يتخفى الموت اخضر غامقا

لقد قتلتم كل كائن حي

مثل الضوء الذي يعكسه التأمل

وأنا قطعت غصن شجرة الحداد

ثم ومن جسدي كونت شجرة

شجرة تتنفس هبوب بحر العصر  السيلوري

NOLI ME TANGERE

نسيت جسدي

        أنا شجرة نسيت الحركة

نسيت أني اعيش

والبحر ينسى شقائق النعمان

——————————

32  

III

عفونة زرقاء مخضر ة تستقر في رأسي دون أن اعي

أن أنسى عفونة الموت الذي بداخلي

أن احس بأحلام إيجابية تحت الجفون

لا تلمسيني

فمن جسدي صنعت شجرة

ماء أخضر يخرج مني محملا بالبكتيريا

أنا طحلب

أنا نبات الكلوروفيل والكريزوفيتا والبسيلوبسيدا

 تأوي هسهسة الرياح في غصوني

أيتها الأرض تغطيك أوراقي القديمة

وتعيشين مرة أخرى شيئا من الماضي…

———————————-

33

IV

فوق ضفاف النهر

أتفرج على الخيول الصغيرة الحمراء

… وتشرع في النحيب بصمت

وفي لمعة الليل الزرقاء الغامقة

 تتراءى ندبة… أه اقول ندبة آه

هو بكل بساطة خفاش

… ولا شيء آخر… لا شيء آخر…

أبتسم وأنا اغمز بعيني

أنت تبكي

شيء غريب قلت في نفسي

            نصف الجسد يبتسم بالأحمر

                ونصفه الآخر يبتسم بالأزرق

اللام والكاف

قلت الأنصاف لا تعني شيئا

                      فنحن مع بعضنا

أجبت بحسم ركّب كل المرايا

               كلانا يستطيع أن يحكم على الأشياء

متجهة بكلامي إلى نصفي الذي ينتحب

         هو      أنت…  والوحيدون

          … من … لا…  يعتقد

                     أنك غير نائم

————————–

34

V

حلمت مرة أني كنت على الضفة الأخرى

أنفخ فقاعات هواء فوق سطح البحر

ويبدو أني الآن نسيت كل شيء

ارتعبت

وأنا أشاهد تحلل هذا الحلم

أ كنت أنا هو الآخر أم حقيقة أنا الذي مات

ضباب كان فيما مضى يرفّ فوق النهر

         وقرف من الحياة

وانفتح باب على البحر آه يا فتاة البحار الزرقاء

إني أنتمي إلى أزمنة أخرى إلى أزمنة أخرى…

——————————

35

V

الكآبة تخفي

الضوء الذي في النهر

وعينايا المتعبتان تسكتان

جمالهما أيتها الحورية أندروميدا

أنا وحيدة وثمة من حولي هالات الثلوج

أسكن قرب بلاد الشمس

غيمة من الغبار تكنس الشارع

لا. لا يوجد شيء في الهواء

لا شيء آخر في حياتي سوى المرض

ظبية طلعت علينا

         وفوق رأسها أخشاب زرقاء لازوردية            

———————————

36

VII

فوق عربة ثلج جلبوا كائنا خنثويا

أمهق

كان ينظر إلى الأغصان التي فوق رأسي

                           ويوقظ ذكريات محرمة

                                 وهو يمعن النظر في عينيك

                                 ويغني اغنية وهو غير مبال

———————————–

37

VIII

آه أيها الحظ

عاد العقاب إلى أركانا الكبيرة

وعجلة القدر فوق جبينها الكئيب

وضعت الآن كل علاماتها…

———————————-

38 

IX

ها أنا استقل قاربا شراعيا أسود فوق النيل

كنا نمضي عبر نباتات البوص وعبر مياهك الطينية الخضراء

كانت المراكب الشراعية تصدر صريرا تحت الريح عبر التيارات المحملة

بأكوام من السحليات وخصي متخشب وأوراق مصفرة

ومومياوات سحالي إنها العبادة الكاملة للشمس

عندما مررنا قرب الحياة

حملت… مركبا شراعيا أسود معي

وخرق بيضاء وتمددت بكامل جسدي

تركوا كتاب الموتي إلى جانبي

وفي البعيد كان أنوبيس يزن قلبا…

———————————-

39 

 X

ثمة في رأسي شيء غامض مع ذكراه

إنه تذكر الموت

سأدخل بيت دياجيرك

لأصوغ جمجمتك شعرا

مسكت بين يدي قلبا

قلت كان هنا

ثم قذفته نحوك

إذن كنت أعرف من أنت

وأدري إن كنت قريبا أم نائيا

سوادي سيصير لغة بلا موضوع

وسأمنحه ثنايا قلبي المتوهجة

—————————–

40

مضى زمن كنت أعتقده

                    نهاية طريقي

وأنّي أعود إلى نفسي

            في بيت مظلم

تهيّأ لي أن جسمي لم يعد موجودا

انتظرت

      أن تحمله بعيدا

                   نسمة رقيقة

انتظرت لحظة

         في ريح الزفير الشمسي معتقدة أنها ستنثر

        قلبا متفحما      

وعندها أنهض

        رافعة استرحاما

استرحاما إلى الشمس إلى الزمن إلى قبائل الأزتيك

وإلى العالم الجديد…………..

                               1974 / 1986.

—————————–

41

دهاليز من الجوخ…………………

أمضين في طريقكن انطلقن

أيا فتيات الشواطئ البحرية

أردت مصيرا آخر

لمن يوغلن في الدياجير

               وليم بطلر ييتس

——————————-

42

خلف زجاج كثيف

البوص يغطي المستنقعات

والهواء فاسد

 كلّ الناس تريد أن تستعيد النفس

ولا أحد يتنفس

ولكن أغلب الناس

تعتقد انها سوف تتنفس من جديد هواء نقيا

ومعظم الناس لا تموت

لأنهم في الحقيقة هم الموت نفسه

البوص يغطي المستنقعات

والهواء فاسد

ومانريسة

تصير حينئذ لا مرئية

وهي تريد أن تصير لا مرئية أو

متخفية بين اشجار الخيزران التي يغطيها الضباب

مذاقات حامضة/ فطر الخريف

 آلام تستثيرنا بشكل غريب

إن كنت أعرفها أو لا أعرفها

ولكن ما أنا متأكدة منه أني لم أقل أبدا

أني لن أبوح بها

ثم ياتي المطر

وقصص المطر

والأعشاب التي تنحني تحت الرياح

تتقصف أكثر من غيرها

أولئك الذين كانوا يصرخون البارحة سيصمتون غدا

وسوف تلتقي الشقوق في اطرافها

وهذه الرطوبة الخانقة

منذ أزمنة سحيقة

كل يوم علينا أن ننسى أكثر فأكثر

لماذا نبدد الجهد في الكلام

لأجل ذاك الذي يظل صامتا وهو يعتقد نفسه كل شيء.

ونحن نجمع ريش النوارس في صمت شامل

—————————

43

رسالة باخمان ج بريل إلى أصدقاء اسطنبول

         ماذا تقول اشياء كثيرة قديمة

لا أحد آخر في مقهى التارو

سوى موتي

وأولئك الذين يطرقون الحديد في الخارج

بينما لا أحد مهتم بالحل

أن نتحدّث لغة الأوراق ظلك

ولا عالم جديد بدون لغة جديدة

ما يجرح أكثر من غيره هو ما لم أستطع التعبير عنه

ولم أستطع العثور عما أبحث عنه

من ترك لي زهرة سوسن عندما هجرني؟

بنات البحار يمتن في البعيد

كل الأحلام التي من الممكن أن تحلمها امرأة

هي الوصول إلى أمازونيا يا قلبي…

لغة تتكرر هو عالم يتكرر

ما يعني التدهور

كل ما حولي صار أيقونة وشخص

بل عديد الأشخاص يتوقفون ليطعنوك

أن تكوني في مارنيسا ذات ليلة من الليالي

وأن تتركي نفسك تنجذبين إلى قيم السعادة

بوجه رخامي تنجذبين نحو متع من طراز عتيق

انسي عصر الانحلال، انسي عصر الانحلال

——————————-

44

ولكن مانريسا ليست هنا هذه الليلة

المطر ينهمر على بروكسيل

وفوق كلّ المدن ليس هناك سوى خوف واحد

تقولين أيضا أشياء قديمة أكثر مما ينبغي

رغم ذلك لا شيء تغير

أتذكر رعب اللحظات التي تسبق الليل

رعب لا نهائي حبيس

كنا مجتمعين في غرفة صغيرة

كان كريلوف هناك

وناستازيا فليبوفا

وآخر كان وحيدا في الغابة يعزف على القيثارة

كانوا كلهم يعيشون في مارينباد

في مواجهة ظلال حيواتهم الشبحية

لم يكونوا ميتين

كانوا يعيشون من جديد نفس الشيء بشكل آخر

كنا مجتمعين في غرفة صغيرة

وعندما اتسعت الغرف لم يعودوا يثقوا بنا

—————————

45

فريا

طوقوني مثل خط ماجينو

بمعاطفكم الفرو بأظافركم المهينة

ببطونكم المخملية بأحلامكم الدموية

طوقوني ضد العنف… وليحمني العنف من العنف

أنت مخلصة يا فريا… مثلي أنا…

أنا المخلصة مثل حيوان متوحش

بعينين مفترستين أواسيكم

وبعينين ناعمتين أمنعكم

أنت صلبة يا فريا مثلي أنا

أنا الصلبة مثل حجارة الماء

ومثل جذور النباتات الخفية تحت الأرض

بعينين حمراوين أحتملكم

أنت ناعمة يا فريا … مثلي أنا… الناعمة

ومثل الرماد ومثل أجيال من الحيوانات التي بصدد الانقراض

أحمي نفسي بلا مسافة…

ذاك الشريط… وتلك الحرارة النائية… ذاك النداء المقدس…

ألوان صفراء ورماد ية وسمراء

هل هي علامات الزمن القادم   ؟

——————————

46

قل لي يا سيلينا هل سيكون هناك ما يكفي من المياه لنسكبه

فوق المدن ؟ وإن تم هذا فربما ستبقى

طفلة صغيرة عطشى تنتحب منطرحة في ركنها. وسأسألها

لماذا هي تبكي. ولابد أنها ستجيبني بأن قلوب معظم البشر

قدّت من السيليلوز. كنت سأقول لها دعي جانبا

الدموع وتأملي طويلا أعماق الزهور

ربما وفيما بعد عندما تسقط الثلوج يأخذ أحدهم بعض دموعها

واذ يضعها في العراء ستتجمد تماما كالثلج

ومن يدري قد تصير لآلئ…

—————————–

47

ذكريات امرأة وبلاد

كانت هناك امرأة وحبيبها

منفية عن عينيها المنتحرتين بلاد

وذكريات أزاهير وزيت زيتون في علب التنك

ومدن أخرى كانت تطوق المدن

مدن ممنوعة هي مدن الآخرين

كانت هناك بلاد وكانت هناك امرأة حيث صور

الغجر  والدفلى الوردية كانت هي الضامنة

للحب في تلك الأمكنة حيث رائحة الفم شبيهة برائحة الأقبية

والمعاصم المكسورة

وأطفال آخرون يحاصرون الأطفال

أطفال سفاح هم أطفال الآخرين

والنساء لا يتوقفن عن إعادة نسج الكروشي وذكرياتهن

والشوارع تبدو مكتظة

بحشود الرجال الساهرين في أعماق الليل

كانت هناك امرأة وكانت هناك بلاد وجرح لم يلتئم أبدا

————————–

48

نهاية: شفرة

اليوم في إسطنبول وقبل موت

بجعة كاريغراد أكتب لك الشفرة الأخيرة

مثل نشيد قديم بجعة محتضرة

رغم الأخوية الكاذبة لمحفل الشرق الكبير-

والبنّاء الأعظم والسياسات الدّهليزيّة

والصحاري التي تفصلنا عن بعضنا

حكاية من بيروت الحديثة

عهد لي بقيد ومفتاح

سجين من السامرية كنت جئت أنت جارّا قواربك.

عندما كانت الأنهار جافّة جئت سائرا عبر أسرّة الانهار

ثم رأيتك أنا

رأيتك بين أشجار الساسافراس

ووسط أعشاب الأيل

لقد جعل منك الألم كتلة ضخمة

أما أنا فلا أحد آلمني. لم تعد لي أسئلة

وأضعت الأجوبة. وفي ذاك اليوم لمحتك

بين أشجار الساسافراس ووسط أعشاب الأيل

حاملا أصفادا في يديك ومفتاحا

———————————

49

الحياة السعيدة

عبر الرنين الملغز

الذي يصدر عن الكريستال

أتعرف عليك

وأنت تجعل السلاح الذي في جيبك

 ضوءا قادما

    من الشعرى اليمانية

وحيدة تعيش الشخصيات العاصفة

أيها الحبّ

ظلال النجوم الميتة في عينيك

تخفيها وراء نظاراتك السوداء

متوحدة تعيش الشخصيات العاصفة

بيد أن تلك التي فوق أو التي تحت

والمختلفة لا تهمنا

أليس ثمة غرفة شاغرة

مشيدة بحجارة مربعة

أليس ثمة بلاد حقيقية بأناس حقيقيين

أيها الحب

عندما أدير عينيا نحوك ولكن

    وهما مضطربتان

تتظاهر بأنك لا ترى بيد أن

     المحال سوف يثير الحب

والآن… وبعد كل شيء

هناك فقط ظل وحيد… هو فرحة الحياة

فرحة الحياة الموغلة في البحار

 هناك مركب تتراقص فوقه الملابس البيضاء

ألا تريد أن تأخذه يا إليتشو

بعيدا جدّا عنّي…

——————————-

50

… أترك لك يديا وعنقائي

أترك لك

أترك لك

يديا وزهور شقاري الجافة في شقوق الجدران

لمياهي الداخلية

ولعوسجي

ومستنقعاتي

أتركك

واترك لك الجمال الفوضوي

لذراعيا المضمومتين على نفسهما

أتركك

سأضعك في كفيا

        مثل أوراق الزيزفون

سأغرسك بين نهديا

        كما أضع البنفسج

وسأضعك في عينيا

      مثل ماء المطر

             1985        

——————————-

51     

إضاءات تلقائية

ذاك أن كيمياء تلك اللقاءات

صادرة عن صورة تفكك الصور التي أأوّلها

تتساقط قطرات المطر الشاردة

مطر ناعم وواهن

وليوناردو يغط في النوم

رجل لن يتعود أبدا على العزلة

وسط دخان متبلر

ووجهك مثل صورة جدارية منسية

دوق بافاريا رجل لم يتعود على العزلة

طلوع وخبو النجوم في ساعات محددة

علاوة على ذلك فالسفينة هي أيضا نموذج لتشكيلة من النجوم

اضطراب وفي البوصلة ريح

هبوبها مسجل أبدا. تراكم الزمن في العقل السري

والذكريات مثل الشهب

تتساقط فوق هضاب الرماد

وفي فضاء الذاكرة أنوار تلقائية

——————————–

52

في رخام الذاكرة وأيضا في الحمم

ماذا تفعل صورة راهب راهب مطبوعة

في فترينة المتجر الملطخة بالزيت؟

وماذا يفعل حيوان وحشي في مواجهة الصياد

وماذا تفعل امرأة لها صورة المطارد

يا ديزيريديوس إيرازموس أنت في مكان آخر

أنت في نظام الرياح. أنت رجل كئيب

إنه العصر الوسيط الحالي وأنت… أنت عصر النهضة

كيف تقتفينا أشياء كثيرة

يقال أن الذكريات التعيسة تتلاشى وتصير دخانا

تبدو كمرايا متقابلة وجها لوجه

وكلّ ما يتخلل أعماقنا لا يغادرنا أبدا

لو ذات يوم نلقي

كل ثيابنا البالية

في الماء

فسوف ننطلق نحو الشمس الطالعة……………

1981

——————————–

53

حلقة

انتظر مع الصيف / في حلم غريب / مادلي تبحث عنك

كان يعتقد أن السر الذي يهمه هو أنت

أنت قطة صبار

أسكن في الدياجير…

فوق الجدران خرائط المطر…

كيف ظللت هناك منذ وقت طويل … في النافذة

لقد شيدت لنفسي بيتا من طقوس

أنام/ في شنطة قديمة

فوق طوف

أنام داخل رجل من المارتينيك

أنام في عيني إنسان ما

أصغي إلى البعيد…

هل تستمعين سأم صيف ذي صفرة فاقعة

يا بورنغابا سيأتيك الجمال

قبلة تمنح/ أبدا لن تضيع/

انتظري مع الصيف

الحجاب التلي الاسود فوق عينيك/ ومادلي تفتش عنك

——————————-

54

الجمشت

كانت تشرب في كأس من الجمشت قبل أن تنسى

امرأة كارباتشيو

تعيش في قصر الرياح

واذ يلسعها البرد تتدثر بشال من التويل

والعابرون يلتفون حولها مثل موجة قادمة من المدينة

كانت تشرب في كأس من الجمشت قبل أن تنسى

وتعيش في قصر الرياح

كما نتنزّه في حديقة النبات

تتلقى رسالة من جزر فيجي

وتردّ ها إلى قبائل الازتيك

وتكتب إلى مرآة لا تعكس شيئا.

ليس ثمة نسيان

——————————-

55

صديقي الجميل

كنت حملت معك جميع الأشياء قططك العاقة

         وخنجرا مرهفا

كان المطر يساقط حسب البعض

وأنا على كل حال كنت أنتظرك منذ سنوات

وأنت حملت كل شيء معك هيأتك المتبجحة

        وابتسامة مرسومة على ثغرك

كان الثلج يسقط في الحكاية.

وظللنا قرنا بأكمله عالقين في هذه اللعبة

حملت كل شيء معك تخطيطاتك التي لا تقرأ

        وحياتك الجمشدية بين يديك

كانت الأوراق تبرد في دهليز من الجوخ

لقد عرفنا في زمنك البعيد صفاءك النائي.                         

—————————

56

الأيام المهجورة

كانت أياما مهجورة

لم يدركوا أني كنت ما أزال أعيش

ربما لم أعش شيئا بعد تلك الأيام. كانت هي الأيام المنسية

وهذا يذكرنا بجزر بحري صغير ونسترجع مدينة الجزائر

أين ذاك السحر الذي لم يبطله أحد؟

كانت اياما مهملة

ومن أولئك الذين يقولون أني عشت متقلبة؟

وما هي حقا الحاجة لكل هذا؟

ومن يهتم بالكلمة الصحيحة التي اخترنا أو لم نختر؟

وهذا يستدعي جزر بحري صغير في أدمغتنا نستحضر الجزائر

أين ذاك السحر الذي لم يبطله أحد؟

———————————-

57

سرباندة

ذاك الشيء الجذاب الذي لا يكف

عن تغيير أشكاله على عتبة وعيك

ضجيج وسط الأشجار

أو هو شراع من التويل يتطاير

ربما هي رقصة السرباندة المندثرة

وأنت في المتاهة أو أيضا

في جمال مادة الابريان

تلك المادة الجذابة والتي لا تكف

عن التشوه على عتبة وعيك

ملامح الذكاء اللانهائية

أو أبضا زجاج يعلوه الغبار

سرباندة تخفي عقلك داخل متاهة

كل تلك الأشياء الفانية

التي تجذبه نحو النواحي اللانهائية…

سارا… سرباندة…

          1982

———————————-

58

قصائد من الجوخ

تموت قصائد الجوخ…

في غبار المتاجر وتدفن في ضباب الأبراج…

يسيل النهار نحو الليل… والليل نحو النهار

والموت يمضي نحو الحياة … والحياة تمضي نحو الوعي…

الوعي أيضا يسيل لم يقرروا بعد

إن كان ينطلق من غرفهم من غرف نوع…

من العزلة والكآبة

كانوا في كل مكان

والآن لم يعد هناك مكان للعودة إليه…

————————————-

59

مقدمة موسيقية لإحدى شموس فلك البروج

مثل مطر سبتمبري أنت في البعيد وراء تول أسود

                                          في البعيد

دون أن تنتبه لكلماتي وللمقاطع التي تنعكس

                                          في داخلك

مثل خرائط جغرافية غامضة تستيقظ أنت

مضطربا

مثل صخرة حية تسلك تتصرف باستمرار وأنا حينئذ

لا أفهم من ذلك أي شيء

وكل الحروف التي كتبت فوق ورق البردى تريدها

أن تمحي وتضيع

مثل نمر بنغالي كنت ترسل نظراتك وفي ورق شفيف

كنت تغلف كلماتي

تقول ثمة أحيانا ضباب

وفي البعيد شيء كالمطر السبتمبري

                                1983       

————————————-

60

رفائيل

كنت أفكر في شيء… في عينيك…

الشبيهة بالنجوم المطفأة… أفكر … في شيء…

في كرة النجوم… في تراجيديا الكرة الأرضية

سأستعيدك يا رفائيل

بعد ذلك… فجأة…

دخل الزمن في مدار الظلال

مع صرخة وحشية قادمة من قمم كليمنجارو…

الطيور الكواسر التي كنت تحبها أكثر منّي

ستصير بدءا من الآن هي حياتي

كنت أفكر في شيء… في ذاك الخواء الفلكي…

حيث كنا ننزلق سوية… أو بشكل آخر أيضا…

لو كنت تدري كم كنت وحيدة وأنا معك يا رفائيل.

——————————

61

صيف هندي أحمر

على حافة الشاطئ شريط

ماء يريد

أن يتحول قرفة

وعيا منفلتا

والشمس تشحب فوق الجزيرة الجامدة

لم أرك في أي من أحلامي

انظر كل شيء من حولنا ينتحب

وجهي مصلوب على النافذة

لا… لا. يجب أن أقول

محوت اسمي وكتبت قصيدة

وعندما ضممتني

حاولت الابتعاد

ثم استسلمت

خوفا… خوفا من عينيك الداكنتين

والهنود الحمر يتركون على الشاطئ حصان بحر

لكل صيف يمر

وحينذاك ستنهمر الأمطار كامل الأسبوع

ولن أفكر فيك طوال الاسبوع

سأفكر في كوكب برجنا الثابت في السماء

وداخل الأكواخ

وفي الغابات شآبيب مطر غزير

ستترك قلبي كئيبا وهي تسيل

وفي وقت لاحق ستكون هناك امرأة

امرأة مغطاة بالأمطار

وحيدة

وستحمل لي

ورقة داكنة

في شرقي المتجمّد

وفي شهرها شهر اورانوس تنتحب هذه المرأة

على ضفاف نهر جاغوار

التي رأتها في المنام

———————————-

62

 II

لأجل صيف

يعبر بيننا

مثل ماء أبدي

صيف

حيث النمور

والهنود الحمر

والسكاكين هي التي تحدد

زمن لحظة

أقرب من حبل الوريد

وحيث ستبعث التماثيل من جديد

على طريقك

انتقاما

لا

لا أتمني تذكر أي شيء

لا شيء آخر سوى صيف أبدي

من يدري كم من مرّة أخرى ستظل

عيوننا دامية

مثل الطحالب الحمراء

من يدري كم من مرّة أخرى ستظل

في صيف آخر أبدي

قد يكون هناك مكان للخطيئة

وموجة طويلة

أقول بالتالي

ليكن صيفا أبديا

لا أود أن يكون لي فيه شيء أتذكره

——————————–

63

سيفيرين

الصور… الصور…

سجينة أعاصير تمثلاتها الخاصّة

ماسة خاتمها الزرقاء الداكنة… وعينا سيفيرين الخضراوين…

هي ماركيزة الظلال… مظهرها الحساس والمهذب يذكر بالجنيات

كيف يمكن لها أن تفكر بهذا الشكل

كيف ستفكر بهذا الشكل

صورة تطاردها… في الحقيقة هي نفسها عاصفة مدارية

أخرى… وجه آخر لامرأة من القرون الوسطى…

خاتمها ذو الفص من حجارة زرقاء داكنة… ولون عيني سيفيرين الأخضر

ما الذي يجعلها ترسم ابتسامة خفيفة لدى عبورنا

——————————–

64

الأغاني الوثنية

هذا هو وجهك القديم والجديد في الآن

ربما أنت جسر غير متوازن في بلاد آشور

أنظر إلى بجعة تعبر الطريق متزحلقة… متزحلقة

إنها رسولة السلب والعدم واللاوجود

غادر أنت بدورك امضي في الاتجاه الذي أخذته البجعة

وحيثما تهرب هي أهرب أنت ايضا

امضي أنت ايضا في نفس المسار الذي اتخذته

امضي ففي كل مكان سوف تبصر بجعة مقتولة

هذا هو وجهك القديم والجديد في الآن

ربما أيضا سنرى في الحلم انتظار

الرجل الذي لا ينتظر…

——————————

65

في دلفي

أنت أيضا قادم من دلفي كما يقال لابد

أنك تشعر في عينيك بصوت مياه كاستاليا

 الهادرة وجلبة النساء

كيف وقع أن السطحية المرعبة لبلاد ما بين النهرين

غذّت أساطير التحريم البابلية

وما يغذي هذه الجلبة لابد أنه علامة

نظام فكرة شيء متشابه

إذا كان كوكبنا نصا ملغزا فلا بد من تفكيك رموزه

في كل الحالات فأنت كمواطن سكندري

تفكر في آلات النفخ الموسيقية

تفكر في الكرة البلورية

التي ستتنبأ بحركة النجوم

أنت أيضا قادم من دلفي كما يقال لابد

أنك تشعر في عينيك بخرير مياه

كاستاليا…

1982

—————————————-

66

ليل وسحر

خرائط الليل تتناءى عنكم والإمبراطور

في بروج النحاس الأخضر وأنتم تنتظرون الزمن

تنتظرون متاهة دروب آسيوية تنتظرون علامة H D، والقديسة جوستين…

وعندما يتعذر عليكم القبض على ضوء النجوم

يرتسم جرح فوق وجوهكم

هل تتذكرون انكم احترقتم ذات مرّة؟

وتحت مخدّتك تنام الساحرة مورغان لآفاي

وفي الغابة أجزاء طفولة ضائعة

حولت طريقك ذات مرة…

 1986

———————————

67

مشهد عام أو تناغم العصافير

ثمة أظافر مثلومة… تذكر بحركات

مجاذيف… قبل كل شيء ثمة في الخلف خفق أجنحة دائم

طائر في توازن مع آخر

ثم ضباب خفيف وفجأة يتبدل كل شيء

تخفق الصدور وتفرد الأجنحة

تناغم وثني… وآلاف الطيور رافعة الأجنحة

طيران لا يمتلكه سواها..

إيقاع طيران متميز لكل نوع من الطيور

طيران دائم التناسق وغير متماثل

————————————

68

في زبد البحار القديمة

في البعيد قيثارة تنتحب…

وجنية صغيرة… وزهور منسية على سطح مياه الشلال…

واللون الوردي الكابي الذي يتبدى للبيوت الباذخة

وفي الغابة عيون تنام منذ قرون…

زهرة بنفسج تتفتح في الضوء

ظهرت في زبد البحار القديمة

أطلال وكآبة طفولتي

——————————–

69

استيقظت الميلنخوليا

أيتها الجنية ميلوزين ها الميلنخوليا قد استيقظت وعندما أدركت ذلك

لم ألحظ شيئا. ولم ألمح من حولي شيئا غير عادي.

لم يقع أي تغيير في هيئة الناس

بيد أن الكآبة استيقظت. وفي تجويف شجرة

تجلت عين ذات جمال خارق بألوان بنفسجية وخضراء

عبرت غيمة ماطرة وقيثارة مطر عزفت

والأبواب انغلقت واستيقظت الكآبة.

            1982

———————————-

70

ماتت ايريس     

ماتت إيريس. في الأول خضرة عينيها هي التي ماتت

تمددت ساكنة طيلة أيام اضطجعت

في مطارح باردة. كانت تنام وسط قطرات الماء المتلألئة

كان ينبعث منها بخار لا يمسك متأت

من برودتها. كان جسدها يبرد شيئا فشيئا

ومنذ ذلك الحين أطلقت ريحا بعيدة خاصة بالقطط

وعلى الرغم من أنها كانت تفقد بريقها

ماتت في الأول خضرة عينيها. لقد ماتت إيريس

                          1982

———————————-

71

كوريغراف

أجلب إلى هنا

صورة إيريس الأحلام

مرصعة بلؤلؤة باروكية

تضمين ذراعيك

وأنا أندفع إلى النهاية

تنامين هنا

في شعري

مرصعة بلؤلؤة باروكية

أنت

في عينيك عينا السيدة الاقطاعية

تحتفظين بنظرة معاصرة

ها أنت تستيقظين فيبطل السحر

والثلوج

التي تتساقط

فوق زهور الكرز

تتساقط

فوق

جفنيك

كان زمن فتاة

عاشقة

27

الهجران أياما

أياما كنت تترقب نهاية الفراق

الذي يصير على امتداد النهار

مثل تلك الفراشة المغبر ة الفظيعة

لا تبحث عبثا عن طفولتك في جذور البنفسج

لا تنظر إلي عبر كرة الكريستال

فأنا لم أجيء فوق سفينة ساحر

حبي المؤلم يقترب منك

وفي عيونك عيون الرضيع اصفرار الموت

وها هي الآن قد تحجرت ابتسامتك

لا تحدثني عن جميع الفرص التي كان من الممكن أن نقضيها معا

واجلب معك القطرات التي تتلألأ فوق ورقة سوسن طويلة

73

ذكرى هسيس الجليد

كانت ذكرى عابرة بيد أنها ظلت في داخلي

 مثل هسيس تكسر الجليد

كانت ذكرى عابرة تشير إلى استقرار عاطفي

                 كبير

مثل لؤلؤة منتظمة

 أو انسان متصالح مع العالم

كان الصيف الأول وكانت الأشياء الشفافة

            تنساب

والتناغم يمتزج بالهواء الخفيف

كانت ذكرى عابرة ربما لم تكن أنت حتى على

         على عتبتها

عندما وأنا أخرج من ذاك البواب

             صرت كائنا خالدا

وفي اللحظة التي تتجمع فيها الذكريات

              مثل كسر الزجاج

تتتالى في رأسي ذكرى

             الذكريات الأخرى

74

غرفة الكتابة

أدخل مرة أخرى إلى هذه الدائرة السحرية

عينايا معصوبتان والحريق في أذني

أنظر هناك افتح الجرح

أتحسس شبحا أحاول

التعرف عليه. حروف تتحابب عبر

صخرة مشعة رغم أن عيوني معصوبة

ان كانت يدايا ترسل

شررا بركانيا فلتظهر قميص

سان بينيتو الذي أرتديه ولينكشف معذبي

وأنا لا أعرفك بعد. أنت تجذبني فقط

ربما نحو كارثة لا مثيل لها

ومرّة أخرى ولآخر مرّة في هذه الغرفة

المذهبة ألعب الغميضة مع كتاباتك

في غرفة الخيميائي باراسيليوس

75

عن الكآبة

من الآن سوف لن التقي سوى بنفسي وجها لوجه

مع أختي… هنالك بين الأحلام والخرائب

التي تعجّ بالجعلان… قل لي

من هي فتاة البحيرات

هل هي أنا أم أختي التي تبحث عن شبيهاتها

الضائعات وفي جيوبهن ريش طيور

ومن الآن الريح هي التي سوف تحملنا وتحطنا

أختي إلى جانبي… ونحن بأحذيتنا

التي من نحاس ومعاطفنا التي من ثلج

عابرتين قرى غارقة تحت المياه

والخيول الوحشية المصفحة تخبّ قطعانا من تحتنا

أيائل وأجنحة وياقوت

والآلهة اللاّمرئيّة التي تبحث فجأة عن باب

والتي غرقت في سبات عميق تحت الصّنوبر

سوف تضع ضمادات من ورق نديّ

فوق جروحنا التي تتجمّد…

بلطة المحارب وجلد الأيائل…

ولكن لأجل من ؟

وبالفعل تصادمت ومنذ وقت طويل بشكل حاد

مع أختي… قبل أن أخرج

إلى ضوء النهار في بحر من الأميبا

في الأول همست لها باسمها هناك …

الميلنخوليا

76

القلب عالق في الطحالب

أحب الأخضر الضارب إلى سواد ولن أرى

مرّة أخرى ابتسامتك الشديدة المداريّة

وعيون القطط داخل المغارات

ووجوهنا القديمة المخططة

فهد بلا رأس يعبر حذوي متسللا

ملامساتك… نظراتك ذات حزن المناطق المدارية

تعبر متسللة بجانبي

دمي ينزف لك أحمر وأسود

خدوشي وجراحي وأضراري قاتلة أيتها المدارات

رجل. رجل ظهر، انبثق من قمة الربوة

طيف شبح من العصور القديمة

أقول لك أطمر قلبي بين الأوراق

الشديدة المدارية ودمي ينزف أخضر داكنا

ما هذا الحداد الذي يختفي ويظهر

والذي يتشكل أمام عيوننا كلّ صباح وبلا انقطاع

الأسماك الميّتة فوق سطح الماء… والبنفسج العملاق…

يدي السّوداء… الحواجز الحديدية…

وسرقسطة * أبدا، لن تغرق طفولتي بصمت

   77

شيء ما يسير فوقي… وسكين في يده

صورة ملحة… تصحبني مدى حياتي…

أغلق كلّ ما يأتينا

كلّ أطياف البنفسج الضارب للخضرة أغلقها… اللون الفيروزي الداكن…

أحبّ أن أقول لك أحمر ضارب إلى سواد

وفي المياه ثمة عاصفة تبتعد

أقول لك أعيش فلماذا لا تصدّقني

خدوشي وجراحاتي وأضراري حمراء ضاربة إلى سواد

في الخرائب

ثمة بحيرة

جرح

قلب عالق في الطحالب

الليل ينمو فقط في الرمال الدقيقة…

وقلب المرأة يتضخم… بمرض مداريّ…

والظلال تعبر أضواء الغسق…

عينا القطة…

والخوف… يحومان حولي…

الأمطار تنهمر كامل اليوم فوق الأكواخ

مضرّ بي وغريب عنّي

أن أحب برعب

قلت وددت لو أموت ذات يوم

لو أموت… فليفجر الرعد

كلّ شيء مثل حياتي… نوا نوا

        1980

78

كتابات الريح

امرأة مصرية خطت للريح مايلي:

على حافة بحيرة انتشرت دموعك على طول الشاطئ

وجسدك مثل جسد أنثى مهجورا بالكامل

1982

79

هناك حيث تتواصل المحيطات مع بعضها …………..

بجعة الخرافة تتذكر بلا أمل

منقذها الذي لامثيل له بلا أمل

ستيفان مالارمي

80          

موسيقى الماء

ننام وراء الزجاج … الفراشات/ العقارب

تتطاير من حولي ها هي تقترب مني الآن… رائحة الكلوروفيل

مع ذلك لا شيء يهم… والآن لم يعد هناك شيء…

في أوريسا قيثارة أخرى تعزف… مثل ذكرى

تسيل كالماء… أيقظتني مخالب القط

قط من ضباب… في جلبة كريستالية…………….

موت فراشة من زجاج… هل هو قلبه

أم قلبي أنا… هناك حيث تتلاقى المحيطات

طائر نحام يصيح… مثل بداهة… لا يوجد شيء

قلت لا يوجد شيء… زهور الأوركيدة/ البنفسج/ الفهود

كلها تعجّ من حولنا ونحن ننام في كتل الزجاج………….

81

زمني الرائع

لاتحدثوني عن الحب… فقد بكيت هذه الكلمة…

هناك مسافة تحطمني… بقايا الرماد تلك والحروق

التي كنت خبرتها في الجحيم

على كل حال ها أنا أحمل الآن قفازات من التويل البنفسجي

قلت فثمة في أعماق كل امرأة استعار نجميّ عظيم

وأنا أنام بين صورتين واحدة تبنيني والأخرى تهدمني…

ولا أعرف إلى الآن ايهما تهدمني… بيد أن ذاك الذي يبنيني

تجلى لي في ضوء السنوات… تجلى بين جزر

المرجان والعقيق والطواويس… وزين مدينتي الخربة مثل بجعة

فضية… وبيتي هو خاو الآن بدونه………….

82

دستينا

ليلة البارحة عندما كنتَ نائما

غمغمت اسمك

ورويت قصصا مرعبة

قصص حيوانات.

ليلة البارحة عندما كنت نائما

سقيت الزّهور

وقصصت عليها حكايات بشر مرعبة

ليلة البارحة عندما كنتَ نائما

ارتبط بك قلبي مثل نجمة

انظر، لهذا السبب، لهذا السبب الوحيد

منحتك اسما جديدا

دستينا

أنت، إذ تنام هكذا بلا علاج في ركن

فلهذا السبب. لهذا السبب وحده

تجدك أكثر قربا من الموت منك إلى الحياة

لأنّهم يا دستينا يهدمونك بقوّة

فسوف أمنحك سرّ حياتي

83

بعد قليل سيتوقف الصيف

وسأذهب حيث لا يوجد باب

مثل نهر يحطم مجراه

مثل ريش الطاووس الأخضر الخبازي

الذي يترك أثرا فسفوريا

سأقذف بعيدا رسائل طويلة

وقريبا سيتوقف الصيف

وستظل أصداف اللؤلؤ منسية

لن يستطيعوا تجويد جمالي

لقد أضعته في جزيرة اللؤلؤ

هي كانت أنا ولأجل ذلك لا يوجد مخطوط

الآن، لا أريد كواكب. أريد أن أكون

ورقة من أوراق اللوتس تلك التي تطفو فوق المياه.

1982

84

موعد في دنكرك

كنت أنا كاسندرة، وكنت أنت طروادة

كنت هيروشيما وأنت فوجي ياما

كنت كلاسندرا. وكنت أنت كادزنت

كنت هيلدغارد وكنت أوستندا

كنت ألفا وأنت أوميغا

كنت أنت معاطف بيضاء وكنت القدس

هناك أماكن مرصودة من قبل لبعض الأحداث

موصوفة بكل العناصر المتضاربة

ليظل كنزك محروسا أنت

يا من لم تكن أسطولا حربيا لا يهزم

كثبان الرمل والليل كانا يدعوانك

   أداجيو دل بينوني

85

حنين إلى فينيسيا

ها أنا سأخرج فجأة وستكون اللحظة التي يلتفت فيها وجه نحو شارة من الكريستال. والذكريات سوف تجعلك تستحضر بيتا مطمورا تحت الرمال. بيتا مستضاء بالزهور وبأشجار البامبو بالشموع وبالمرايا التي تستعيد الماضي. كان ذاك البيت مطوقا بمرض سرّي أو هكذا بدا لي وأنا أهوي واهوي داخل ذاك البيت.

وهذا هو السبب الذي يجعلني أخرج فجأة لأنكم كلكم متشابهون. وهكذا سأتخلى عن كل شيء

فقط لهذا السبب سأغادر فجأة لأنكم كلكم متشابهون. وهكذا سوف أتخلى عن الكل. ولو أني إضافة لذلك ارتديت روب بلون اللؤلؤ وأنا ذاهبة لأموت في مدينة اللؤلؤ فلن تكون هناك سوى طبقة بحرية فوق خيالي الذي ظل بالبيت. ومن جديد ها أنا سأنبثق فجأة في فصل آخر من العام……… أمام المحيط علامة تادزيو………………

86

الأشياء في انتظار من يتملكها

وأنا أرفع رأسي… مثل بحر ينحسر…

كل غبار السماء شيد بيتا

من رماد كما لو أني كنت ألمح في البعيد… أريكة فوق الربوة…

موجة جديدة حملت لي فتاة… قماش تويل وردي يتراءى في البعيد

البحث عن خاتم زواج قذف لحظة غضب في صحراء منعزلة… أكيد أنه يمثل

عاطفة… كلمات باطلة… في هذه الآونة حيث كل شيء أعد لهذا العالم

مثل امرأة غير متماسكة تخلب العقل والحياة…

……………………

87

قصة حب قديم

عقد من مطر في جيدي

أجلس كامل النهار فوق حجارة مبللة

أنا وقطتي السيامية

نلقي اشياء كثيرة في سلة النسيان

كان لي فيما مضى عشيق روسي

لم يكن في تلك الفترة يضاهيه أحد في عيني

كانت القصة تدور في قاعة ذات مرايا من ياقوت أزرق

كل شيء كان في الأول جيدا

كنت راقصتني وكانت لديك عصابة سوداء على عينك

اعتقدت أنك قرصان برتغالي…

ثم تبين لي فيما بعد أنك كنت فيما مضى نبيلا روسيا…

واذ سحبت منديل البحّار… وانحنيت في نهاية الرقص…

وبكل تؤدة انسحبت الناس من القاعة مع كل النبلاء

وغير النبلاء… ولم يبق سوى القطط ونحن الاثنان…

وضعوا المتاريس خلف الابواب… ولم نعد نحصل على الهواء

لقد ظللنا في قصة حب قديم…

كنا اعتبرناك قرصانا برتغاليا

قطتي السيامية وأنا…

88

باروكو

فجأة رأيت شبحه في الظلام كان ينظر

هالة بيضاء عبر النافذة. شعاعا بعيدا مثل

نور غريب يضيء بيتا من الخارج. أحيانا، كان

يحني رقبته إلى جنب محدثا ضوءا يثقب ظلاّ وعندئذ

فهمت أن الأشياء التي تحيطنا قابلة للتحول ومن يرى

الأشياء في الليل سوداء عبر زجاج النافذة من الممكن له أن يحوّلها شيئا آخر

بإشارة سحرية. ظهور شكل مجهول عبر أشعة فوق بنفسجية

يتحول إلى مجيء شخص غامض إلى هذا العالم

عبر أي طريق… اسقاط مكسور……….

رغبت في الكلام عن انقطاع اللحظة الآنية عبر ما يحيط بنا.

شتاء طويل جدا من الممكن أن يرسم خطوطا متعرجة فوق القلوب.

مادرو بيرلا مستريوزا. نهر من الممكن أن يتجمد

امرأة قد تنزع في الأخير جلدها الأفعواني وتتحرك نحو

النوارس النهمة. وتلقي في الماء

خاتم زواجها وتنسى في منزل آخر لؤلؤة الشتاء الوحيدة التي لها…….

مهلكة نفسها

               في قاع المياه

                          تغادر

مشيحة بعينيها اللامعتين تتطلع إلى كوكب أورانوس

89

شاهدت تحوّل

            قوقعة بحرية

                        إلى يراعة مضيئة

لو كانت الطحالب البحرية

                      يراعات مضيئة

في شكل لؤلؤ سائل

                   كنت ربما رأيت

                                 كوب نبيذ  

90

TIERRA DEL FUEGO

أرض النيران

في الزمن الفرد هو ما يمثله الفرد:

هكذا كان الواحد.

وفي الفضاء ربما هو شخص آخر

                 سوزان زونتاغ

91

أرض النيران

I

بين الأصداف البحرية وبين الطحالب

فوق أشياء قاع البحر المظلمة

ثمّة صورتك

ثمّة صورتك مرسومة

فوق القطط السيامية التي أراها في أحلامي.

فوق جدران أدورا

فوق شقوق جدران أدورا

هناك، حيث تنفتح أو تنغلق آثار أظافرك

المميّزة التي تترك ندوبها على جسدي. ثمّة وجهك.

92

بوانسيانا ذاك الكوخ حيث كنّا ننام

مع ضجيج الأمواج وأغنية الشّجرة

وكانت ظلالنا تختلط في ذاك الكثيب البحريّ

الذي كان يمتدّ ثمّ يتلاشى.

نقاط الماس تلك التي كان الضياء يفتتها إلى ما لانهاية

هي نقاط ضياعي. وعيناك بلون البنفسج الخبازي

أو بلون الخباز كما تقول

وأغنية كانتا ماييس غنها مرّة أخرى

93

حقيقة، ثمّة شيء يقع هنا. شيء سريّ

أكثر روعة وغرابة من غواصة.

في يوم رمادي تشاهدين الأمطار خلف الزّجاج.

يمامات شفافة تبتعد ببطء

وتقودني إليك داخل المعابد ياتوباز

وأنت تبتسم مثل إله الشمس

هل تدرك كم سنة ظللت أنا وحيدة؟

متحيّرة بك. ها أنا لم أعد قادرة على الثبات.

مرّة واحدة سرت إلى جانبك

ذات يوم يا توباز وقرب الماء

كنت ستدثّرني في الليالي. بعدها ما كان لك أن تتكلم مطلقا

زمن طويل ما كان لنا أن نتكلم مع بعض، كنت سأضيع في عينيك.

ذاك الصّمت، كان من الممكن أن يكون شيئا متناغما مثل البحر

ومثل تحوّلات نهر يمرّ عبر أماكن مظلمة…

هل تدري؟ أن شيئا ما يقع هنا، شيء غريب

مثل اختفاء داخل مياه مضطربة.

فراشات بيضاء تتطاير في عينيّ

وتقودني ببطء إلى نفسي

داخل غرف بيضاء…

I I

ففي تلك الأيام كنت دائما أحب أن أذهب إلى ملهى تييرا دل فويغو أرض النيران؛ هناك، كانت تُغنّى باستمرار أغاني غاتو بربيريو، وكارلوس يوبيم، وبادن باول انطونيكو، وأغنية نشيد القمر، وأغاني فالاندو دي أمور وصوادادس باهية… وأغنية البنت القادمة من غيبانيما بوليفيا وغيرها من الأغاني…                      

أياما بكاملها كنت أفكر في المناطق المدارية دون أن أغادر غرفتي.

 آه للأراضي المدارية… لبحار مناطق المدار

لا أحد يفهم ولهي بالمناطق المدارية

في الحقيقة هذا الوله هو ردّة فعل إزاء الثقافات العقيمة والمنهكة.

إنّه الإحساس بالافتقاد للصوت البدائي

والحنين للأشياء السريّة الغامضة

قد يكون فرارا أو هروبا إلى البعيد.

من يدري…

  نحن لن نفهم أبدا شعوب المايا

I I I

عندما غادرت أنت إلى مدينة إسترادا دل صول كنت أنا على حافة الاختلال

كنت أستطيع سماع صوتك رغم بعد المسافات.

ولكن فقدت فيما بعد صوتك والأشكال التي يتخذها وجهك

شأني أنا أن أتذكّر الأشياء العاديّة

مثلا كنت رأيتك في أحد الأيام من الخلف،

أو أتذكّر جملة لم تكملها أبدا.

   النهر الذي على المسافرين عبوره هو نهر البامبيرو

IV

نسياني كان أنت آخر

         سأموت أيها المدار

سأموت مع أغنية النّسيان

لم يعد لي شيء أقوله.

في الحقيقة لا أريد أن أنسى

لأنّه يوجد نوع من

     الجراح تظلّ جميلة وهي مفتوحة…

هناك نساء لهن رائحة الليمون

      وهنّ ممطرات

 هناك نساء لا ينسين أبدا…

      لهن رائحة الليمون…

ورغم كلّ شيء… هن نساء لهن القدرة

     على الاستمرار مثل المطر…

أنا جيّدة الآن. وأنت كيف حالك؟ 

He Shot me Down Bang Bang

إذا خانك يوما أحد أكثر المقربين لك

تعلم أن تصمت وألاّ تنتحب

في إناء تنمو وردة زرقاء

تعيش كلّ يوم أكثر.

أوقف شريط القصّة وتمدّد

داخل غرف شاسعة. في خيمة من الأوكسجين.

أردت أن يقع له سوءا ما

          أردته أن يقع في حبّي.

انتهت المختارات

نقلها عن الفرنسية خالد النجار

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى