The Seed Of The Sacred Fig
The Seed Of The Sacred Fig
2024
“بذرة التين المقدسة” لمحمد رسولوف
إنه بلا شك، أحد أبرز أفلام العام. الفيلم الذي صوّره مخرجه وكاتبه الإيراني محمد رسولوف سرا في طهران، وأجبر في نهايته على مغادرة البلاد، سيرا، هربا من السلطة الإيرانية، بدأ صيته من “مهرجان كان السينمائي” في دورته الماضية، حيث نافس على السعفة الذهبية، وخرج بجائزة خاصة. الفيلم من إنتاج رسولوف نفسه إلى جانب شركات إنتاج من ألمانيا وفرنسا.
يتتبع الفيلم تحولات بطله إيمان (ميساج زارح)، وهو رجل مخلص للنظام الإيراني يعمل في السلك القضائي، لكنه يواجه لحظة فارقة في علاقته بهذا النظام، إذ يترقى وظيفيا، ليصبح بالضرورة أكثر خضوعا لعقلية النظام الإيراني واستبداديته. كما يتزامن هذا الترقي مع تظاهرات الشعب الإيراني ضد السلطة القمعية الدينية، التي طالبت بحقوق وحريات للنساء. يصير على إيمان أن يحتفظ برباطة جأشه، وأن يوافق مثلا على إصدار أحكام إعدام ضد أطفال، ما دام يراهم النظام أعداء له. يؤمن إيمان أن النظام لا يخطئ وأنه مُلهَم من السماء، ومع ذلك لا يقدّمه الفيلم من البداية في صورة شيطانية، بل في ثياب الأب المحبّ والرقيق مع ابنتيه (رضوان الكبرى وسناء الصغرى)، وزوجته نجمة.
يحمل الفيلم رؤية ناضجة للأوضاع في إيران، حين ينحاز إنسانيا إلى قدرة النساء على المقاومة، لا النساء فقط بل كل أصحاب الضمير
يقدّم رسولوف هنا حكايته وفقا للشعار النسوي الشهير: “السياسي هو الشخصي”، فالتظاهرات التي تعترض فيها النساء على تكبيل الحرية باسم الدين، تعكس أوضاعا اجتماعية حساسة، نتعرض إلى قسم منها في حياة أسرة إيمان. حيث تطمح الابنتان إلى الحق في ممارسة أشياء بسيطة، كتغيير لون الشعر، والاستماع إلى الأغنيات، وهي أشياء يتحكم بها النظام، ويجعل منها خطايا للنساء، فما بالنا بما هو أهم، كطموح الفتاتين في مستقبل آخر، خارج أسوار البيت المعتم أغلب الوقت، كما نراه في الفيلم. وبينما تدير الأسرة الزوجة والأم نجمة (سهيلة جولستاني)، وتحاول أن تمرر بنعومة الى الابنتين الأفكار التي ينبغي اعتناقها، والقيود التي عليهما الخضوع إليها، مع حساسية منصب والدهما الجديد، من دون أن يضطر هذا الوالد إلى مخاطبتهما مباشرة. يكون عليها كذلك أن تهدئ مخاوف هذا الزوج، وأن تساعده في التأقلم نفسيا مع هذا الصعود، الذي من شأنه أن يحسّن أوضاع الأسرة على الصعيد المالي والاجتماعي.
ملصق فيلم “بذرة التين المقدسة”.
سوى أن نجمة نفسها تواجه في لحظة، إمكان أن يشتبه فيها هذا النظام، ممثلا بالطبع في زوجها حين يضيع مسدسه. تغزو البارانويا عقل إيمان، فيجبر زوجته وابنتيه على الخضوع لتحقيق نفسي قاس، كي يكتشف إذا ما كانت إحداهما تكذب وتحتفظ بالمسدس. هنا يمكننا أن نتخيل التحقيقات المشابهة التي يجريها في معتقلاته ذلك النظام الذي لا يثق في أحد، ويتمدد في كل اتجاه، بالضبط مثل بذرة التين التي يتخذ الفيلم عنوانه من اسمها.
يمتد زمن الفيلم إلى ثلاث ساعات، ويبدو أحيانا فيلمين في فيلم واحد، الأول عن شخص إيمان الطيب، والثاني عن شخصه كمستبد، كجزء لا يتجزأ من هذا النظام الأبوي الذكوري، الذي سيشتبه على الدوام في النساء لأنهن نساء، وسيحمل ضدهن كرها غريزيا. إن تجربة مشاهدة “بذرة التين المقدسة” ليست هيّنة، ويبدو أن رسولوف الذي تكبد الكثير من العناء لإنجاز هذا الفيلم، لم يتنازل عن شيء من طموحه السينمائي. السيناريو الذي كتبه، يحمل رؤية ناضجة للأوضاع في إيران، حين ينحاز إنسانيا إلى قدرة النساء على المقاومة، لا النساء فقط بل كل أصحاب الضمير.
يوظِّف مونتير الفيلم أندرو بيرد، العديد من مقاطع الفيديو المصورة بالهواتف النقالة لتظاهرات الشباب في إيران، ضمن أحداث الفيلم وفي نهايته، وبطريقة بعيدة عن الإقحام، إنما تكمل حكاية الفيلم الأصلية. يثبت “بذرة التين المُقدسة”، أن في وسع السينما أن تتناول القضايا الكبرى أيضا بوعي وجمالية فنية لا تنازل فيها.
ينافس الفيلم باسم ألمانيا في فئة أفضل فيلم دولي في مسابقة الأوسكار هذا العام.
لمشاهدة الفيلم اتبع احد الرابطين التاليين
لمزيد من المعلومات عن الفيلم والممثلين والاخراج انظر الرابط التالي