وثائق: كيف أدارت مخابرات الأسد ملف “العودة إلى حضن الوطن”؟/ غياث المدهون
![](https://www.alsafahat.net/wp-content/uploads/2025/02/مملوك-زيتون-780x427.jpg)
09-فبراير-2025
تكشف وثائق مسربة حصل عليها “الترا صوت” عن طبيعة وتفاصيل التسويات الأمنية التي ادعى النظام السوري السابق قيامه بها مع المعارضين، تحت اسم “المصالحة الوطنية” أو “العودة إلى حضن الوطن”. وتتضمن الوثائق الصادرة عن مكتب الأمن الوطني وإدارة المخابرات العامة، وجميعها مرتبطة مع بعضها البعض بالرقم المتسلسل “1337/8″، ومصنفة تحت بند “سري للغاية”، مراسلات “حول عملية المصالحة في المحافظات وتسوية أوضاع المتورطين في الأحداث الجارية في القطر”. كما تتطرق إلى تشكيل لجنة من قبل علي مملوك، رئيس “مكتب الأمن الوطني” وقتها، من أجل تسوية أوضاع “المتورطين”.
الوثيقة الأولى تعود إلى عام 2014، وهي موجهة من مكتب الأمن الوطني إلى أربعة أجهزة أمنية، وهي “إدارة المخابرات الجوية”، و”شعبة الأمن السياسي”، و”شعبة الاستخبارات العسكرية”، و”إدارة المخابرات العامة”.
وتوضح الوثيقة أن ملف التسويات بدأ نتيجة ازدياد “أعداد الأشخاص الذين يرغبون في تسوية أوضاعهم والعودة إلى حضن الوطن”، في إشارة إلى المعارضين والعسكريين المنشقين في المحافظات التي سيطر عليها النظام السابق، أو أشخاص عاديين مطلوبين للنظام.
وتوضح الوثيقة أن المسؤولين والوجهاء وأعضاء المصالحة الوطنية كانوا وسطاء من أجل تسيير هذا الملف، وقدموا وعودًا بالأمان لمن يرغبون بتسوية أوضاعهم الأمنية.
لكن هذه الوعود لم يوف بها، نتيجة موت عدد من المطلوبين “أثناء التحقيق” حسب الوثيقة، وهو ما يعني موتهم تحت التعذيب، أو نتيجة اتخاذ الأجهزة الأمنية والمحاكم العسكرية قرارات بإحالتهم إلى “محكمة الميدان”، وهو مصطلح متعارف عليه لدى أجهزة الأمن السورية كناية عن الإعدام.
تسببت هذه الفوضى، ومقتل أو إعدام العديد من المطلوبين كما يظهر في الوثيقة، بعقبات عديدة أمام استقرار المحافظات والمناطق التي يراد تسوية ملف سكانها، نتيجة “ملاحقة الوسيط من قبل الأهالي وتهديده بالقتل والتصفية واتهام الدولة ومسؤولين الحكومة بعدم المصداقية”، إضافة إلى قناعة الأهالي أن أبناءهم اعترفوا بتهم غير صحيحة نتيجة التعذيب، وهو ما لا تستبعده الوثائق.
ونتيجة لما يبدو أنه قرار سياسي بإنجاز ملف المصالحة، حيث تقول الوثائق إن النظام رأى أنها قضية “حققت مصالح سياسية على المستوى الدولي”، وهي ضرورية لاستقطاب المطلوبين من جديد، فقد تقرر تشكيل لجنة من قبل علي مملوك، رئيس “مكتب الأمن الوطني” وقتها، لإدارة هذا الملف والتنسيق بشأنه، مع ترشيح ضابط من كل جهاز أمني ليكون جزءًا من اللجنة.
كما توضح الوثيقة الأسس التي يجب اتباعها في إدارة ملف التسويات الأمنية. وهي على هذا النحو:
أولاً: إعلام مكتب الأمن الوطني من قبل الجهات المختلفة عن أي عملية تسوية وموافاتنا بأسماء الأشخاص المطلوب تسوية أوضاعهم أولًا، لاتخاذ القرار المناسب بشأنهم.
ثانيًا: تكليف الأجهزة الأمنية حسب توزع القطاعات الأمنية بتسهيل مرور الراغبين بتسوية أوضاعهم وعدم توقيفهم بغض النظر عن الإجراءات المتخذة بحقهم، والتدقيق معهم وهم طلقاء للتأكد من الأعمال التي قاموا بها.
ثالثًا: اتباع المذكورين لدورة ثقافية وإعادة تأهيل لمدة أسبوع تقام في إحدى الجهات العامة (مكتبة الأسد – مدرج الجامعة…) وبإشراف أساتذة من الجامعة وخبراء علم النفس بحضور ضابط من الأجهزة الأمنية أو وزارة الداخلية.
رابعًا: بالنسبة للأشخاص المتورطين في الأحداث الجارية، الذين تتوفر معلومات عن أعمال إرهابية دون القتل، يتم التحقيق معهم من قبل لجنة مشتركة من كافة الأجهزة الأمنية، وبحضور أحد القضاة العسكريين. بعد ذلك يتم تسوية أوضاعهم وإحالة التحقيقات الجارية معهم إلى محكمة مكافحة الإرهاب لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم لاحقًا، ومنحهم الأسباب التخفيفية للعقوبة مع منعهم من مغادرة القطر، وربطهم بعلاقة عمل مع الأجهزة الأمنية وبناء علاقات صداقة معهم.
خامسًا: بالنسبة للعسكريين الفارين أو الذين تعرضوا لضغوط لعدم الالتحاق بوحدتهم، ويرغبون بتسليم أنفسهم، يتم تسوية أوضاعهم العسكرية وإلغاء إذاعات البحث الصادرة بحقهم وتسريحهم من الخدمة في حال كانوا ضمن مدة الخدمة الاحتياطية، لعدم ائتمان جانبهم، أو تجميعهم في أحد المعسكرات ومراقبتهم لفترة محددة، وإعادة الجيدين منهم للخدمة في أماكن بعيدة عن مستودعات السلاح.
تسلسل الوثائق الأربع
الوثيقة الأولى: يطلب علي مملوك من رؤساء شعب ومديري إدارة أجهزة المخابرات، موافاته بترشيح ضابط من كل جهاز أمني ليكون جزءًا من اللجنة.
الوثيقة الثانية: رد محمد ديب زيتون، مدير “إدارة المخابرات العامة”، وترشيحه للنقيب تمام عباس للجنة.
ملاحظة: من بين ردود الأجهزة الأمنية الأربعة، استطعنا الحصول فقط على نسخة من رد محمد ديب زيتون مدير “إدارة المخابرات العامة”، وقيامه بترشيح النقيب تمام عباس.
الوثيقة الثالثة: قيام علي مملوك بتشكيل اللجنة بعد استلام ترشيحات أجهزة المخابرات، ونستطيع من خلال هذه الوثيقة معرفة اسماء مرشحي كل جهاز أمني، وقد جاءت على الشكل التالي:
ـ “إدارة المخابرات الجوية”، العميد الركن صايل أسعد داوود.
ـ “شعبة الأمن السياسي”، المقدم عزام صارم إبراهيم.
ـ “شعبة الاستخبارات العسكرية”، النقيب الحقوقي سليمان أحمد الحسن.
ـ “إدارة المخابرات العامة”، النقيب تمام عباس.
ـ إضافة إلى مرشح “وزارة الدفاع ـ القضاء العسكري”، العميد الحقوقي علي محمد حسين.
الوثيقة الرابعة: يقوم علي مملوك بتغيير قيادة اللجنة، حيث يقوم باستبدال العميد الركن صايل أسعد داوود، بالعميد سالم نورس الداغستاني.
كان “مكتب الأمن الوطني” يُعرف باسم “مكتب الأمن القومي” حتى عام 2012، قبل أن يتم تغيير اسمه عقب تفجير “خلية إدارة الأزمة السورية”
أهمية الوثائق
أولًا: عدا عن أنَّ هذه الوثائق تساهم في توسيع فهمنا لآلية عمل أجهزة المخابرات الأربعة، وكيفية التنسيق بينها من خلال “مكتب الأمن الوطني”، فإن أهمية هذه الوثائق الأربع تحديدًا، تكمن في أنَّ علي مملوك يشير نصًا أنَّ هنالك من الموقوفين من يتم إحالتهم إلى “محكمة الميدان”، وهو مصطلح متعارف عليه لدى أجهزة الأمن السورية كناية عن الإعدام، إضافة إلى إشارته إلى موت الموقوفين خلال عملية التحقيق، في إشارة إلى “الموت تحت التعذيب”.
ثانيًا: أيضًا يطلب مملوك أن تتم محاولة ربط الذين تمت تسوية أوضاعهم بـ”علاقة عمل مع الأجهزة الأمنية”.
ثالثًا: تعكس الوثائق الأربع طبيعة إدارة النظام لملف المصالحة، حيث يُوظَّف الأمن كأداة إخضاع بدلًا من كونه مسارًا للحل السياسي. وتعكس جزءًا من بيروقراطية النظام وسياسات “إعادة تأهيل” السكان، وأدوار المؤسسات العسكرية والمدنية وكذلك الشخصيات، بما في ذلك أساتذة الجامعات، في “إعادة تأهيل” المعارضين.
رابعًا: تكشف طبيعة عمل “مكتب الأمن الوطني”، المرتبط مباشرة برأس النظام ، في التنسيق بين عمل الأجهزة الأمنية الأربعة.
خامسًا: تؤكد الوثائق ما هو معروف مسبقًا، عن استفراد الأجهزة الأمنية في صنع القرار، واستبعاد أي دور مدني أو مؤسساتي. لكنها تكشف أيضًا نوعًا من استقلال أجهزة المخابرات في سوريا وطبيعة بيروقراطية العنف والتعذيب العشوائية، حيث إنه رغم وجود قرار سياسي بتسيير ملف التسويات، سواء من أجل ضمان استقرار المناطق التي سيطر عليها النظام أو من أجل “مصالح سياسية دولية”، فإن طبيعة وبيروقراطية العنف نتيجة تطرفها وعشوائيتها، أخذت مسارًا منفصلًا ومتعارضًا أحيانًا عن الإرادة السياسية.
ملاحظات حول أجهزة المخابرات السورية
تنقسم الأجهزة الأمنية السورية إلى إدارتين، وشعبتين، للإدارة مدير، وللشعبة رئيس. الإدارتان هما: “إدارة المخابرات العامة”، و”إدارة المخابرات الجوية”. وأما الشعبتان فهما: “شعبة الأمن السياسي”، و”شعبة الاستخبارات”.
من المهم الإشارة إلى أنَّ “إدارة المخابرات العامة”، يتعارف عليها أيضًا باسم “أمن الدولة، أما “شعبة الاستخبارات”، فتسمى أيضًا “شعبة الاستخبارات العسكرية”، ويتعارف عليها باسم “الأمن العسكري”.
ولكل إدارة أو شعبة عشرات الفروع التي تتبع لها مركزيًا، في دمشق، وفي المحافظات السورية، فـ “شعبة الاستخبارات العسكرية”، يتبع لها العديد من الفروع، منها في دمشق فقط، على سبيل المثال لا الحصر:
الفرع 215، ويسمى بسرية المداهمة.
الفرع 235، ويعرف باسم فرع فلسطين.
الفرع 227، ويعرف باسم فرع المنطقة.
الفرع 248، ويسمى فرع التحقيق العسكري.
الفرع 291، أو الفرع الإداري.
الفرع 216، أو ما يعرف بفرع الدوريات.
“مكتب الأمن الوطني”، وله رئيس، ويضطلع بتنسيق عمل أجهزة الاستخبارات السورية مع بشار الأسد، ومع ذلك، فإن هذه الأجهزة تحتفظ بقدر كبير من الاستقلالية الفعلية في أداء مهامها، حيث تقدم تقاريرها في الغالب مباشرة إلى الأسد.
كان يُطلق على “مكتب الأمن الوطني”، حتى عام 2012 اسم “مكتب الأمن القومي”، وتم تغيير اسمه بعد حادث تفجير “خلية إدارة الأزمة السورية “الذي قتل فيه من بين الذين قتلوا، “هشام اختيار” رئيس “مكتب الأمن القومي” آنذاك.
محمد ديب زيتون، الذي كان مدير “إدارة المخابرات العامة”، في فترة كتابة هذه الوثائق، أصبح لاحقًا رئيس “مكتب الأمن الوطني” من العام 2019، حتى سقوط نظام بشار الأسد.
نظرة على الوثائق
الوثيقة الأولى
يطلب علي مملوك رئيس “مكتب الأمن الوطني”، من رؤساء شعب ومديري إدارة أجهزة المخابرات لموافاته باسم ضابط من كل جهاز من أجل تشكيل لجنة من أجل تسوية أوضاع المتورطين بالأحداث الجارية في القطر:
الوثيقة ١
الوثيقة٢
الوثيقة الثانية
رد محمد ديب زيتون، مدير “إدارة المخابرات العامة”، إلى علي مملوك، رئيس “مكتب الأمن الوطني”، وترشيحه للنقيب تمام عباس للجنة.
الوثيقة ٣
الوثيقة الثالثة
قيام علي مملوك بتشكيل اللجنة بعد استلام ردود رؤساء شعب ومديري إدارة أجهزة المخابرات، ونرى اسم النقيب تمام عباس الذي قام محمد ديب زيتون، مدير “إدارة المخابرات العامة” بترشيحه:
الوثيقة ٤
الوثيقة الرابعة
يقوم علي مملوك بتغيير قيادة اللجنة، حيث يقوم باستبدال العميد الركن صايل أسعد داوود، بالعميد سالم نورس الداغستاني.