سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 20 شباط 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:
سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع
—————————————-
الثورة السورية بين لحظتين/ بكر صدقي
تحديث 20 شباط 2025
كان من بين القرارات التي أعلنها «مؤتمر النصر» في دمشق، أواخر شهر كانون الثاني الماضي، الذي كرس قيادة أحمد الشرع بتنصيبه رئيساً للجمهورية، اعتبار الثامن من كانون الأول عيداً وطنياً ليحتفل به في كل عام باعتباره تاريخاً لسوريا الجديدة لما بعد نظام الأسد، في حين ما زال تاريخ بداية الثورة السورية موضع جدل بين أنصار الثورة بين 15 و18 آذار من العام 2011.
ويطرح السؤال عما إذا كان ما تحقق مع هروب بشار الأسد من سوريا صبيحة 8/12 تتويجاً لكفاح السوريين خلال نحو 14 عاماً أم أنه نتيجة لمسار منفصل عن «الثورة الأولى». قد يبدو هذا السؤال، للوهلة الأولى، نظرياً لا فائدة منه، غير أن التدقيق في الموضوع سيرينا أنه وثيق الصلة بمشكلات المرحلة الانتقالية التي تعيشها سوريا الآن.
فقبل كل شيء حين اندلعت الثورة في العام 2011 لم يكن لجبهة النصرة وجود، وهي التي ستتحول في السنوات اللاحقة إلى هيئة تحرير الشام التي قامت، مع فصائل مسلحة أخرى، بإسقاط النظام، وتشكل اليوم السلطة القائمة، وأصبح قائدها أبو محمد الجولاني رئيساً لسوريا. في حين اندلعت الثورة في 2011 كانتفاضة سلمية انتشرت في معظم المدن والأرياف السورية، وحافظت على سلميتها طوال أشهر على رغم قمعها بشدة من قبل أجهزة النظام.
ثم إن معظم الناشطين السلميين في الثورة الأولى قد باتوا خارج المشهد، بين من قتلوا ومن اعتقلوا ومن لجأوا إلى البلدان القريبة والبعيدة، في الوقت الذي دخل السلاح وتشكل الجيش الحر أولاً ثم فصائل عديدة يتبنى كثير منها العقيدة السلفية الجهادية، ومنها هيئة تحرير الشام. وتشكلت أطر سياسية خارج البلاد أبرزها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الذي اختار السير في خط «الحل السياسي» الذي فرضه المجتمع الدولي عليه باعتباره «الحل الوحيد» المسموح به دولياً، وقد فشل هذا المسار، ويتجه الائتلاف إلى حل نفسه.
من حيث الرؤية السياسية ـ الإيديولوجية لا توجد أي مشتركات بين الثورة الأولى وما تحقق الآن باستثناء شعار إسقاط النظام الذي فشلت الأولى في تحقيقه، مقابل نجاح عملية «ردع العدوان» في ذلك. في هذه النقطة بالذات نرى صلة السؤال المطروح في مطلع هذا النص بالمشكلات الراهنة. فالسلطة الجديدة تتعرض كل يوم لانتقادات من بيئة الثورة الأولى بسبب قصور استجابتها لتطلعات السوريين حين أطلقوا ثورتهم، ثورة الحرية والكرامة، وبسبب مخاوف هؤلاء من الخلفية الإيديولوجية للطبقة الحاكمة الجديدة. وهي مخاوف يشارك فيها المجتمع الدولي قسماً وازناً من السوريين، ويمارس ضغوطاً على السلطة للالتزام بمعايير التعددية والشمول.
ولكن من وجهة أخرى لا يمكن الفصل القطعي بين 2011 واليوم لأنه لولا تلك الثورة لما وصلت سوريا إلى لحظة سقوط النظام. وقد اعترف الشرع بهذه الاستمرارية في خطابه الأول الذي وجهه إلى عموم السوريين من خلال إشارته إلى فضل شهداء تلك المرحلة خاصاً بالذكر الطفل حمزة الخطيب.
يمكن القول إذن إن الثورة السورية، بلا تمييز، قد حققت هدفها الأول، إسقاط النظام، وأمامها مسار معقد لا يمكن التنبؤ بشأنه، وإن كانت السلطة الجديدة قد عرضت، إلى الآن، مرونة سياسية لافتة فيما خص ممارستها اليومية، بالقياس إلى ما يمكن توقعه من تيار سلفي جهادي مهما جرت عليه من تحولات فكرية في السنوات السابقة. فهي منفتحة على مختلف الفئات الاجتماعية، بما في ذلك البيئات التي كانت مؤيدة للنظام المخلوع، وعلى الجوار الإقليمي والمجتمع الدولي من خلال حركة دبلوماسية نشطة وخطاب منفتح. وكان قرارها بحل الفصائل العسكرية والانتقال إلى «منطق الدولة» حسب عبارة الشرع، خطوة مهمة في طريق إعادة بناء الدولة. لكن توحيد تلك الفصائل تحت مظلة وزارة الدفاع مع إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية يرسمان معاً إشارات استفهام بشأن نوايا السلطة القائمة. ذلك لأن بناء جيش جديد على أنقاض «جيش الأسد» من أفراد فصائل بعضها مشبع بالعقيدة السلفية الجهادية، وبعضها الآخر في علاقة تبعية لدول أخرى، وتجنيد أفراد جدد من خارج الفصائل وفق معايير غير معلنة، هي معاً مما لا يبشر ببناء جيش على أسس وطنية وبعقيدة وطنية، بل قوة عسكرية قد يكون ولاؤها للطبقة الحاكمة الجديدة، في تكرار لعلاقة الجيش القديم بالنظام المخلوع. إذا حدث هذا فهو يتعارض تماماً مع أهداف ثورة السوريين في العام 2011.
والحال أنه منذ دخول عاملي السلاح والأسلمة إلى الصراع في سوريا بدأ التمايز بين «ثلاث ثورات» على الأقل داخل الإطار العام المسمى «الثورة السورية» هي على التوالي: ثورة مدنية سلمية عموماً مع بدايات تسلح (الجيش الحر) وثورة إسلامية مسلحة، وثورة «روج آفا» في المناطق ذات الغالبية الكردية مسلحة أيضاً. مع الإشارة إلى أن هذه الأخيرة لم تستهدف إسقاط النظام، بل تحقيق مكاسب على الأرض لفئة اجتماعية مخصصة (الكرد) مع ارتباطها بأجندة عابرة للحدود (حزب العمال الكردستاني).
اليوم تتعايش الثورات الثلاث معاً إذا جاز التعبير، في فترة انتقالية حرجة لا يمكن التكهن بديناميات تطورها مستقبلاً، هل تتجه نحو الاندماج بنوع من التوليف بينها، أم نحو صراعات جديدة لا يريدها أحد كما يبدو. فالاندماج يتطلب الاعتراف المتبادل بالحساسيات لدى مختلف الفئات الاجتماعية وتلطيف التناقضات فيما بينها. خطاب السلطة عموماً يشير في هذا الاتجاه، غير أن مظاهرةً تخرج هنا وخلافات تبرز هناك تنذر بتفاقم التناقضات ما لم يترجم هذا الخطاب إلى إجراءات ملموسة. وأمامنا أول امتحان لهذا الخطاب حين تعلن السلطة عن تشكيلة الحكومة الانتقالية أول الشهر القادم.
كاتب سوري
القدس العربي
————————————-
نظرة أولى إلى مؤتمر الحوار الوطني السوري/ حسان الأسود
20 فبراير 2025
نشر موقع رئاسة الجمهورية، في 11 فبراير/ شباط 2025، قرار الرئيس السوري خلال المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، القاضي بتشكيل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني. وبعد التشكيل، خرج أعضاء في اللجنة في مؤتمر صحافي، تحدّثوا فيه للجمهور عن رؤيتهم للعمل فيها، وممّا قاله الناطق باسم اللجنة حسن الدغيم إن الحوار بدأ منذ اليوم الأول للتحرير، وإن الوفود التي كانت تلتقي الرئيس في دمشق، أو وزير الخارجية وبقيّة أعضاء الإدارة في الداخل والخارج، إنما كانت تشارك بهذا الحوار، وإن اللقاءات هذه لم تكن للتعارف وأخذ الصور، بل للنقاش في الراهن السوري وسبل تحسينه ووضع تصوّر واضح للمستقبل. ونقلت الوكالة السورية للأنباء (سانا)، عن الدغيم قوله إن موعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني متروك للنقاش مع المواطنين وزيارة المحافظات والرؤى وتقديم أوراق العمل، وعندما تنضج هذه الأوراق سيتم تحديد موعد انطلاقه. وأن اللجنة التحضيرية وطنية مستقلّة هي التي تعيّن رئيسها وتكتب نظامها الداخلي وصلاحياتها، ولن تتدخّل بالمضامين، ومهمتها إدارة تسيير عملية الحوار، وتلمّس هموم المواطنين، وأخذ آرائهم، والتأكّد من تطبيق المعايير في اختيار الشخصيات المشاركة. وأن عدد المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني متروك للنقاش العام بعد التواصل مع المواطنين وممثلّي المحافظات، والأمر متروك للمضامين، بحيث تشمل الخبرات ومختلف الاختصاصات، وأن المؤتمر سيرفع توصيات إلى مقام رئاسة الجمهورية، التي ستعمل بدورها على تنفيذها.
وقال رئيس لجنة الحوار الوطني ماهر علوش، لوكالة سانا، إن السوريين لم يتحاوروا في ما بينهم منذ 75 عاماً، ولم تكن لهم مشاركة فعلية في صنع القرار السياسي وبناء مستقبلهم، و”أن السؤال عن اليوم التالي مصدر قلق دائم للسوريين، حيث حمل الماضي الكثير من الجراح والآلام، أما اليوم فنحن أمام لحظة فارقة لنثبت أن القادم سيكون أكثر إشراقاً وأننا قادرون على تجاوز التحديات وإعادة بناء سورية على أسس صلبة”.
أثرت الصراعات المتعدّدة التي دارت في الأرض السورية، خلال السنوات الأربع عشرة المنقضية، قد أثّرت في الهُويَّة الوطنية التي هي في النهاية شعورٌ بالانتماء إلى سورية. أثّرت عوامل كثيرة أيضاً في رؤية السوريين إلى أنفسهم ولبلدهم وللعلاقة بينهم، مكوناتٍ ومجموعاتٍ وتيّاراتٍ سياسيةً وفكريةً مختلفة. من هنا تأتي أهميّة الحوار الوطني السوري، فهو الوسيلة الحقيقية والفعّالة والأكثر أهميّة لإعادة صياغة العقد الاجتماعي السوري المُمزَّق. من خلال الحوار سيتم التعرّف المتبادل إلى المشاكل العامّة التي تشكّل تحدياتٍ أمام نهوض سورية في العموم، وعلى المشكلات المحلّية التي تواجه مناطق دون غيرها، أو فئات معيّنة من الشعب السوري.
تتحدّد طبيعة المؤتمر من خلال نصّ التكليف الأساس في إنشاء لجنته التحضيرية، لكنّ هذه اللجنة قادرة على تكييف طبيعة المؤتمر لتجعله مؤتمراً وطنياً تأسيسياً للعهد السوري الجديد، وهي بذلك تنقل رغبة الغالبية العظمى من السوريين والسوريات الذين أقصوا من المشاركة بالشأن العام منذ عام 1958، عندما حُلّت الأحزاب وقُيّدت الصحف وهيئات المجتمع المدني، الأمر الذي عزّزه انقلابيو “البعث” عام 1963. يمكن للجنة طبعاً أن تُحجِّم المؤتمر ليكون شكلياً، لكنّ هذا لن يكون في صالح سورية وأهلها، فالسوريون والسوريات بحاجة إلى الحوار الحقيقي، الذي يُعيد لهم حقوقهم بصناعة حاضرهم ومستقبلهم، وبغير ذلك سنكون أمام إعادة إنتاج المنظومة المنغلقة ذاتها التي ثرنا عليها، ودفعنا أثماناً باهظة لإسقاطها.
مهمة اللجنة ليست هيّنة، لكنّ وضع معايير لاختيار الموضوعات والمشاركين وأعدادهم وصفاتهم ونسبهم التمثيلية، هي التي ستساهم في إنجاح عملها. الاختيار صعبٌ جدّاً، خاصّة إذا أرادت اللجنة أن تبتعد عن المحاصصات القومية والدينية والطائفية التي كان يعتمدها النظام البائد. ويرى كاتب هذه السطور أن معيار الكفاءة الشخصية يجب أن يكون من بين أكثر المعايير التي يجب اعتمادها أهميةً، فالتخصّص من جهة أولى، والحضور الوازن والمشاركة في الشأن العام من جهة ثانية، والقبول المجتمعي من جهة ثالثة، والإبداع في الطروحات من جهة رابعة، والجرأة في الطرح وتحمّل المسؤولية من جهة خامسة، ونظافة اليد من جهة سادسة، والنزاهة السياسية والأخلاقية من جهة سابعة… كلّها تفصيلات مهمّة يمكن وضعها ضمن معيار الكفاءة الشخصية. اعتماد مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء من الكفاءات المختارة سيكون سابقة سوريّةً تسجّل لهذه اللجنة، ومبرّرات هذه المناصفة كثيرة، فكثيراتٌ من النساء أتيحت لهنّ فرص تطوير الذات بشكل كبير خلال أعوام الثورة، ولدينا كثير من الكفاءات بينهن. يجب أن يكون لدى اللجنة اعتبار للموازنة بين المشاركين والمشاركات في المؤتمر من الداخل والخارج، فكلّ فئة من هؤلاء لديها ميزة لا تتوفّر لدى الفئة الثانية، فجماعة الداخل أقرب إلى نبض الناس ومعاناتهم، وأقدر على فهم السياق الذي أوصل البلاد إلى هذا المستوى، خاصّة في ما يتعلّق بالنواحي الاجتماعية، بينما أهل الخارج أتيحت لهم فرص الاحتكاك والتعلّم والاطلاع على تجارب الشعوب المختلفة أكثر من غيرهم.
يجب ألّا تقتصر مخرجات المؤتمر على التوصيات، بل لا بدّ أن تكون لها صفة الإلزام، أو بالحدّ الأدنى بعضها، التي تتعلّق بالخطوط العريضة للعهد الجديد، خاصّة في ما يمسّ شكل بناء الدولة ونظام الحكم، والتشاركية والتمثيل، وفصل السلطات، ومشاركة النساء والشباب.
العربي الجديد
——————————–
مستقبل الكيان الكردي في سوريا الجديدة/ عمر كوش
20/2/2025
ما تزال مسألة انضمام مناطق شرق الفرات إلى سوريا الجديدة مثار جدل دائر بين السلطات السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تسيطر على تلك المناطق، حيث يقول قادتها في العلن إنهم من حيث المبدأ مع وحدة الأراضي السورية، وأن (قسد) مستعدة للاندماج في الجيش السوري الجديد.
لكنهم في نفس الوقت يضعون شروطًا مرفوضة من طرف الإدارة الجديدة، إضافة إلى أنهم لم يقوموا بأي خطوة تثبت ما يقولونه حول وحدة الأرض السورية وسيادتها، فهم يتصرفون وكأنهم يتحكمون في كيان خارج الإجماع السوري، من خلال استمرار فرض سيطرتهم على حوالي ثلث الأرض السورية، واستئثارهم بثروات تلك المناطق الغنية بالموارد الطبيعية، حيث توجد فيها معظم حقول النفط والغاز الموجودة في سوريا.
قوى السيطرة
بداية، يجب التنويه إلى أن ما يسمى مناطق شرقي الفرات، الواقعة في شمال شرقي سوريا، توجد فيها مكونات متعددة الأعراق، ولا يمثل الأكراد الغالبية فيها، حيث يتعايش فيها العرب والأكراد والآشوريون والسريان، في ظل عدم وجود إحصاءات دقيقة وحديثة.
وهناك حالة توجّس كبيرة لدى المكون العربي من ممارسات وتوجهات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، بوصفه قوة السيطرة الحقيقية على مناطق شمال شرقي سوريا، ويتحكم فيها بواسطة أذرعه ومخرجاته التي تتوزع على مستويين:
المستوى العسكري، ويتمثل بوحدات حماية الشعب الكردية الذراع العسكرية له، والتي تشكلت بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، وسيطرت على مناطق شرقي نهر الفرات، بتسهيل من نظام الأسد البائد. ثم باتت العمود الفقري في قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تشكلت عام 2015.
المستوى المدني، ويتمثل بما يسمى الإدارة الذاتية (أطلق عليها في البداية فدرالية روج آفا-شمال سوريا، ثم تغير الاسم إلى النظام الاتحادي الديمقراطي لشمال سوريا). وجرى تشكيلها في عام 2013، ويشرف عليها مجلس سوريا الديمقراطية (مسد).
يعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي (PKK)، بالنظر إلى هيمنة عناصره على حزب الاتحاد، وعلى كافة مخرجاته المدنية والعسكرية، الأمر الذي يفسر حساسية تركيا تجاه هذه الكيانات، التي تصنفها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وتطالب بإنهاء تواجدها في شمال شرقي سوريا، كونها تشكل ما تعتبره تهديدًا لأمنها القومي على حدودها الجنوبية، فضلًا عن أنها تخوض حربًا طويلة الأمد ضد حزب العمال الكردستاني، تمتد إلى ثمانينيات القرن العشرين الماضي.
التحدي الأبرز
يمثل دمج قوات سوريا الديمقراطية في الدولة السورية الجديدة التحدي الأبرز أمام السلطات السورية، التي تسعى جاهدة إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة، وخاصة المؤسستين؛ العسكرية والأمنية، حيث تتركز نقاط الخلاف بين الإدارة السورية الجديدة والقوى المسيطرة على مناطق شمال شرقي سوريا فيما يلي:
أولًا: تعمل الإدارة الجديدة وفق مبدأ وحدة البلاد على تشكيل جيش وطني موحد يضم تشكيلات عسكرية مهنية تحت مظلة الدولة، بما يعني منع فوضى السلاح، وحصره بيد الدولة، وقد أعلنت حل جميع الفصائل بما فيها “هيئة تحرير الشام، بينما يصرّ قادة (قسد) على الاحتفاظ بسلاحهم والدخول ككتلة موحدة، أي كجسم عسكري مستقل ضمن الجيش، ويرفضون تفكيك تشكيلاتها المليشياوية، التي تضم عددًا لا يستهان به من المقاتلين الأجانب، وخاصة مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي.
وهو أمر ترفضه القيادات السورية الجديدة، كونها ترفض وجود كيانات مستقلة بعناصرها وعتادها وسلاحها ضمن الجيش الجديد، لأن ذلك يؤسس إلى الاعتراف بوجود كيانات عسكرية مستقلة، ويفضي إلى تشرذم المؤسسة العسكرية. إضافة إلى أن السلطات الجديدة تطالب برحيل كل المقاتلين غير السوريين.
ثانيًا: تسعى القوى المسيطرة على مناطق شرقي الفرات إلى الاحتفاظ بقواتها العسكرية وتكتلها داخل الجيش السوري، لأنها تريد الحفاظ على وضع خاص في إدارة مناطق سيطرتها الحالية، معتبرة أنها تشكل حيزًا جغرافيًا خاصًا بها.
ويتذرع حزب الاتحاد الديمقراطي ومعه كافة مخرجاته بأنهم يمثلون الأكراد السوريين الذين تعرضوا لظلم تاريخي، وسُلبت حقوقهم القومية. إضافة إلى أن تلك القوى المسيطرة تريد الحصول على حصة خاصة من الثروات الموجودة فيها.
ولا تمانع الإدارة الجديدة في دمشق منح المجالس المحلية في تلك المناطق نوعًا من الاستقلالية في إطار اللامركزية الإدارية التي تشمل مختلف مناطق سوريا، مع الإقرار دستوريًا بضمان الحقوق الثقافية للمكون الكردي، لكنها تبدي معارضتها لأشكال الحكم الذاتي أو الفدرالي، الذي تعتبره يتعارض مع وضع سوريا ووحدة أراضيها وشعبها.
ثالثًا: تجد (قسد) قوتها ليس في تعداد مقاتليها الذي يقدره بعض الخبراء بنحو 80 ألف مقاتل، ولا في دعمها من طرف قوات التحالف فقط، بل لأنها تملك ملفات هامة بيدها، تتمثل بإدارتها سجونًا يقبع فيها مقاتلون يشتبه بانتمائهم إلى تنظيم الدولة، ومخيمات تؤوي عوائلهم.
إضافة إلى سيطرتها على قسم كبير من الحدود مع العراق وتركيا، وإدارتها معابر حدودية مع العراق وإقليم كردستان العراق، فضلًا عن سطوتها على عائدات حقول النفط والغاز.
ووفق تقديرات منظمة “هيومن رايتس ووتش” لحقوق الإنسان، فإن (قسد) تدير مخيمي “الهول” و”روج”، اللذين يضمان حوالي 42500 شخص، من بينهم حوالي 18 ألف شخص أجنبي، ينتمون إلى 60 دولة.
ترى الإدارة الجديدة أنها قادرة على إدارة السجون والمخيمات المذكورة في المناطق التي تسيطر عليها (قسد)، وأن مهمة إدارتها تقع على عاتق الدولة السورية، التي تمتلك الإمكانات للقيام بذلك.
وقد طرحت السلطات الجديدة على قيادة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة موضوع تسليم إدارة تلك السجون والمعتقلات إلى “جيش سوريا الجديد” المدعوم من طرف التحالف، والذي أعلن ولاءه واندماجه مع الجيش السوري الجديد.
رابعًا: لجأت الإدارة السورية الجديدة إلى الحوار والتفاوض مع (قسد) بوصفه خيارها الأساسي لحل الخلافات معها، وقد شهدت الفترة الماضية عقد لقاءات بين الطرفين، لكن بعض المسؤولين في الإدارة يرون أن (قسد) تماطل، وتريد شراء الوقت بانتظار اتضاح الموقف الأميركي، حيث لم يتضح بعد موقف إدارة الرئيس ترامب حيال سوريا، وخاصة فيما يتعلق بموضوع بقاء أو انسحاب القوات الأميركية المتواجدة في سوريا ضمن قوات التحالف الدولي لمحارية تنظيم الدولة، والتي تستقوي بها (قسد).
فيما تنظر الإدارة الجديدة إلى أن القضية الكردية هي شأن سوري داخلي، ويجب أن تحل في إطار الوطنية السورية الجامعة، عبر ضمان حقوقهم في دولة القانون والدستور. وعلى هذا الأساس طلبت السلطات الجديدة في دمشق من القيادة التركية التريث، وعدم القيام بأي عملية عسكرية ضد (قسد)، بغية منحها بعض الوقت للتفاهم معها بشكل سلمي.
آفاق المستقبل
لا شكّ في أن الأفضل هو أن يفضي طريق الحوار إلى حل لمشكلة دمج الكيان الكردي في الجسم السوري الجديد، ويفسر ذلك تفضيل بعض قادة قسد الحوار والتفاوض مع الإدارة الجديدة في دمشق، وذلك بالتزامن مع رسالة الزعيم الكردي التركي عبدالله أوجلان، التي من وجهها إلى قسد، والمرجح أنها تضمنت دعوته للاندماج في سوريا الجديدة، وإلقاء سلاح المقاتلين ووقف العمل العسكري.
يكشف واقع الحال أن قسد وضعت نفسها خارج الحوار السوري، وذلك بعد تشكيل لجنة تحضيرية للحوار الوطني، لذلك ارتفعت أصوات تطالبها بالمشاركة الفاعلة فيه، بغية صياغة دستور يضمن حقوق الأكراد السوريين ضمن مفهوم المواطنة المتساوية، الأمر الذي يدفع باتجاه تخليها عن الشروط التعجيزية، والتراجع عن المطالبة بالفدرالية، بما يعني إضعاف نفوذ التيار المرتبط بقيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل المدعوم من إيران.
وربما يرضخ قادة حزب الاتحاد الديمقراطي إلى الضغوط الممارسة عليه، خاصة من طرف قادة إقليم كردستان وتركيا، ويقوم بخطوات أولى مثل القبول بإدارة مشتركة لمناطق سيطرته في المرحلة الانتقالية، بما فيها سجون مقاتلي تنظيم الدولة وخيام عوائلهم والمعابر البرية.
يبقى أن مشكلة اندماج قسد بالجسم السوري الجديد مرتبطة بتوازنات دولية وإقليمية ومحلية. فضلًا عن أن الإدارة السورية الجديدة لا تريد توتير العلاقة مع الولايات المتحدة التي لا تزال تحتفظ بقواعد عسكرية في مناطق شمال شرقي سوريا في انتظار بناء تفاهمات مع إدارة الرئيس ترامب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
كاتب وباحث سوري
الجزيرة
——————————-
تداعيات تأخُّر الولايات المتحدة عن الاعتراف بالحكومة الانتقالية السورية
تحديث 20 شباط 2025
غابت الولايات المتحدة عن التوقيع على بيان مؤتمر باريس (العقبة 3) بشأن سوريا، الذي دعا إليه وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، وانعقد في 13 شباط/ فبراير 2025 واختتم أعماله ببيان مشترك صادر عن حكومة كل من سوريا والبحرين وكندا ومصر وألمانيا واليونان وفرنسا والعراق وإيطاليا واليابان والأردن والكويت ولبنان وسلطنة عُمان وقطر والمملكة العربية السعودية وإسبانيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة، وعن الاتحاد الأوروبي والمبعوث الخاص للأمين العامّ للأمم المتحدة إلى سوريا والأمين العامّ لجامعة الدول العربية والأمين العامّ لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.
حضرت الولايات المتحدة مؤتمر باريس بصفة مراقب، وبوفد دبلوماسي منخفض، بعد أن كانت قد حضرت بصفة رسمية اجتماع العقبة بتاريخ 14 كانون الأول/ ديسمبر 2024 ممثَّلة بوزير الخارجية أنتوني بلينكن واجتماع الرياض بتاريخ 12 كانون الثاني/ يناير 2025 ممثَّلة بوكيل وزارة الخارجية جون باس.
سار بيان مؤتمر باريس على خُطى بيانَي العقبة والرياض في دعم الحكومة الانتقالية في سوريا، ورغبة المشاركين في العمل معاً لضمان نجاح تحقيق عملية انتقالية سلمية وموثوقة ونظامية وسريعة وشاملة تستمدّ من روح المبادئ الواردة في قرار مجلس الأمن 2254 (2015) بُغيةَ التوصل إلى تأليف حكومة تمثيلية تمثّل جميع عناصر المجتمع السوري، ودعا البيان الحكومة الانتقالية إلى صياغة جدول زمني واقعي يتّسم بالوضوح والشفافية، والالتزام به لإجراء إصلاحات دستورية، وتنظيم انتخابات حرّة ونزيهة عندما تتوفر الشروط لذلك، مع التأكيد على أهمية الدور الذي من شأن الأمم المتحدة أن تضطلع به في دعم المرحلة الانتقالية، والجهود التي يضطلع بها المبعوث الخاص للأمين العامّ للأمم المتحدة في هذا الصدد.
تحسُّباً من أن يُلقي الغياب الأمريكي بأيّ ظلال سلبية على سير المؤتمر فقد شارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في المناقشات، وعقد لقاءً ثنائياً مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وأكد دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة فرنسا، وأعرب الوزير بارو في كلمته الافتتاحية للمؤتمر عن أمل بلاده بصدور بيان جماعي، وإذا تعذر ذلك فإنه سيصدر بياناً باسمه لكونه رئيساً للمؤتمر، لذا فقد اعتبرت باريس أنّ المؤتمر كان ناجحاً، حيث إنّ الأمل بصدور بيان مقبول إجماعياً باستثناء دولة مشارِكة واحدة لم يكن متوقَّعاً.
سبب غياب الولايات المتحدة عن بيان باريس هو البند الجديد الذي لم يَرِد في مؤتمرَي العقبة والرياض، والمتضمِّن “الاعتراف بالحكومة الانتقالية السورية ودعمها في التزامها الحالي بصَوْن حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع السوريين”، ولا يُعَدّ الغياب الأمريكي رفضاً له، فجميع الموقِّعين عليه هم من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها، بل يمكن اعتباره ضوءاً أخضر وموافقة ضمنية على الاعتراف بالحكومة السورية، وقد فسّرت باريس هذا الغياب بأنه يعود “لعدم وجود سياسة أمريكية محددة حتى اليوم إزاء سوريا، وأن الأمريكيين ما زالوا يتدارسون طبيعة السياسة التي سيتبعونها”.
إنّ التأخر الأمريكي عن الاعتراف بالحكومة الانتقالية مرتبط بمجموعة قوانين العقوبات المفروضة على الدولة السورية، والتي يستلزم الاعترافُ مراجعتَها، أو إلغاءَها قبل ذلك، وكذلك إلغاء التصنيف الذي يطال عدداً من قادة سوريا الجدد، وقد يكون مرتبطاً أيضاً بوفاء قادة البلاد بوعودهم في تحقيق انتقال سياسي يلبي متطلبات جميع السوريين، ومتطلبات المجتمع الدولي، وبقضايا أخرى مرتبطة بالتعهد بمكافحة الإرهاب، وبأمن دول الجوار، ومنع إنتاج المخدرات والاتجار بها.
لكن الولايات المتحدة لم تعرقل الاعتراف الدولي بالحكومة الانتقالية، فهي لا تتعامل مع هذا الأمر بالطريقة ذاتها التي تعاملت بها مع الدول التي سارت نحو التطبيع مع نظام الأسد؛ حيث كان موقفها حازماً في أنها لن تُطبّع مع النظام، ولا تُشجع الآخرين على التطبيع معه، وأنها ستعاقب أيّ دولة تخرق العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام.
الاعتراف الأمريكي مسألة وقت، لكنه قد يطول، فسوريا ليست من أولويات إدارة ترامب، وليست مهمة لها، فحسب التقرير النهائي المقدَّم عام 2019 من “مجموعة دراسة سوريا” المكلَّفة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والمقدَّمة للكونغرس، فإن أهمية سوريا تأتي من 5 تهديدات للولايات المتحدة، هي خطر الهجمات الإرهابية، وخطر إيران في إشعال صراع إقليمي أوسع وفتح جبهة ضد إسرائيل، وأن سوريا تُعتبر انتصاراً إستراتيجياً لروسيا، ويجعلها منافساً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والآثار السياسية والاجتماعية المزعزعة لاستقرار عدد من البلدان بسبب استمرار خروج اللاجئين بسبب عنف النظام، وتآكُل مصداقية الولايات المتحدة؛ بسبب شدة انتهاك النظام للمعايير الدولية الأساسية التي تدافع عنها الولايات المتحدة.
مع سقوط النظام، وتراجُع خطر الهجمات الإرهابية، وتضاؤُل خطر إيران بعد هزيمة حلفائها في المنطقة، والهزيمة الإستراتيجية التي مُنيت بها روسيا في سوريا، وبَدْء عودة اللاجئين، فقد فقدت سوريا أهميتها للولايات المتحدة، ويبقى موضوع معالجة سجون شمال شرق سوريا ومخيماتها، والتي بدأت إدارة ترامب تتحدث أنها ليست مسؤوليتها منفردة، إنما يجب أن تكون مسؤولية جماعية، وخصوصاً الدول التي لها رعايا فيها.
بالمحصِّلة ليس هناك تداعيات سلبية محتملة بسبب غياب الولايات المتحدة عن التوقيع على بيان مؤتمر باريس بشأن سوريا، ولا من تأخُّرها في الاعتراف بالحكومة الانتقالية السورية، وهي مع عدم عرقلتها لهذا الاعتراف من الدول الأخرى، فمن المتوقَّع أن تسلك سلوكاً مَرِناً في الإعفاءات، وفي تعليق العقوبات، وفي الدعم الدولي للاقتصاد السوري، بما يساهم في تحسين مستوى المعيشة، واستقرار البلاد.
جسور
——————————–
ملف “قسد” بيد الرئاسة السورية… تجنب الصدام مصلحة مشتركة/ محمد أمين
20 فبراير 2025
لم يصدر أي تعليق رسمي سوري حتى ظهر أمس الأربعاء على مبادرة سياسية قدمتها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وذراعها الإدارية “الإدارة الذاتية” والسياسية “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) من أجل تسوية الأوضاع في الشمال الشرقي من سورية، خاصة الملفات التي تحول حتى اللحظة دون فرض السيادة السورية الكاملة على الجانب الأغنى في الثروات الطبيعية من هذا البلد. وأعلنت “قسد” في بيان أول من أمس الثلاثاء، أنها عقدت اجتماعاً تنسيقياً مع “مسد” و”الإدارة الذاتية”، الاثنين الماضي، مشددة على “أهمية الحوار القائم مع دمشق حتى الآن، حيث أبدى المجتمعون حرصهم على إنجاح هذا الحوار، وضرورة إيجاد حل للجزئيات والقضايا التي يتم نقاشها للوصول إلى آلية تنفيذ مناسبة، لقضايا مثل دمج المؤسسات العسكرية والإدارية، وعودة المهجرين قسراً إلى أماكنهم الأصلية التي هُجّروا منها…إلخ، وحل جميع القضايا الخلافية الأخرى عبر الحوار”.
وشدد البيان على الوصول إلى عملية وقف إطلاق النار كضرورة لا بد منها للتقدم في الحوار. ودعا الإدارة الجديدة في دمشق إلى تحمل مسؤولياتها فيما يخص ذلك. وكان قائد “قسد” مظلوم عبدي هنأ، الاثنين الماضي، أحمد الشرع بمناسبة توليه رئاسة البلاد، معرباً عن دعمه لتعزيز التواصل بين جميع السوريين. ودعا عبدي الشرع إلى زيارة مدن شمال شرقي سورية، في خطوة تهدف إلى تعزيز الحوار والتواصل بين مختلف مكونات الشعب، مؤكداً التزام “قسد” بإخراج جميع المقاتلين غير السوريين من صفوفها، ومشدداً على أن الهدف هو تشكيل جيش سوري بهوية وطنية.
خطوة “قسد” بداية انفراج
واعتبرت الخطوة التي أقدمت عليها “قسد” ذات الطابع الكردي لجهتي القيادة والتوجيه، بداية انفراج ربما يُنهي حالة الجدل الذي احتدم بُعيد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي حول مصير هذه القوات والجهات المرتبطة بها في الجمهورية الجديدة. وقالت مصادر حكومية مطلعة في دمشق، لـ”العربي الجديد”، إن الرئاسة هي التي تتولى ملف التفاوض مع “قسد” للتوصل إلى تفاهمات حول كل الملفات المطروحة على الطاولة، خاصة مصير “قسد” والطريقة التي ستدخل من خلالها إلى المنظومة العسكرية التي تتبلور. ولم يصدر حتى ظهر أمس الأربعاء موقف رسمي من الرئاسة السورية حيال مبادرة “قسد”، إلا أن الوقائع السياسية تشير إلى أنها تصب في توجه هذه الإدارة المعلن حول حرصها على تجنب أي صدام عسكري مع “قسد” والاستمرار في النهج السياسي القائم على التفاوض.
وقد أربك سقوط نظام الأسد حسابات “قسد” التي تتلقى دعماً من التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة أميركا، حيث كانت تمارس دورها كسلطة أمر واقع في شمال شرقي سورية من دون منافس جدي. وتراجعت هذه القوات خطوة إلى الوراء بعد أيام من سقوط الأسد من خلال اعتماد “الإدارة الذاتية” علَم البلاد الجديد لتفادي غضب الشارع في محافظات الشمال الشرقي من البلاد، والذي عبر عن فرحته بسقوط الأسد. ولكن “قسد” وأذرعها الإدارية والسياسية عادت للحديث عن وضع مختلف للمناطق التي تقع تحت إدارتها، والتي يشكل العرب غالبية سكانها، وطالبت بالدخول في الجيش السوري الجديد ككتلة عسكرية واحدة والاحتفاظ بسلاحها، كما عرضت تقاسماً للثروات في المنطقة، إلا أن مطالبها جُوبهت بالرفض من الإدارة الجديدة. ويبدو أن قيادة “قسد” وجدت أن استمرار استعصاء الحل مع الحكومة السورية لن يكون لصالحها على المدى الطويل، ولا سيما أنّ الجانب التركي، الذي يعتبر “قسد” نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني ينتظر أي تغير في الموقف الأميركي لكي ينفذ تهديده بشن عملية عسكرية ضد هذه القوات، وهو موقف يتباين عن موقف الإدارة السورية التي ترغب في حل مسألة شرق الفرات من خلال التفاهم.
الإدارة السورية تنتظر الأفعال
وتعليقاً على المبادرة التي تقدمت بها “قسد” إلى الإدارة السورية الجديدة، رأى المحلل السياسي بسام السليمان، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “من المبكر الحكم على هذه المبادرة والجزم بالطريقة التي تتعامل معها الإدارة الجديدة”، مضيفاً: أعتقد أنها تنتظر الأفعال. وأعرب عن اعتقاده أن الإدارة السورية الجديدة و”قسد” تحاولان تجنب الصدام العسكري، مرجحاً تعامل دمشق مع المبادرة بـ”إيجابية”، مشيراً إلى أن المبادرة تتضمن بنوداً “جيدة”، مضيفاً: علينا أن ننتظر فربما تكون بصدد إظهار موقف لإرضاء داعمها (الجانب الأميركي).
من جانبه، وصف الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، المبادرة بـ”الإيجابية جداً مقارنة بردود فعل سابقة من قبل “قسد” بُعيد سقوط نظام الأسد وتسلم الإدارة الجديدة مقاليد الأمور في دمشق”. وأضاف: كانت ردود الأفعال سلبية حيال تعيين أحمد الشرع رئيساً للبلاد وتعيين اللجنة المكلفة بالتحضير للمؤتمر الوطني. واعتبر أن قبول قيادة “قسد” بالقيادة الجديدة وتوجيه الدعوة للشرع لزيارة شمال شرقي سورية تحريك للمياه الراكدة. وقال: أعتقد أن الرد سيكون إيجابياً من دمشق، ولكن هل ستنفذ “قسد” ما ألزمت نفسها به، خاصة إخراج المقاتلين الأجانب المنضوين في صفوفها من سورية؟ وأشار إلى أن المبادرة التي قدمتها “تتضمن الكثير من مطالب الإدارة الجديدة لحسم ملف الشمال الشرقي من البلاد”، معرباً عن اعتقاده أن هذه الإدارة لن تُبقي الكرة في ملعبها، بل ستقبل بهذه المبادرة وتطلب من “قسد” تنفيذ ما ورد فيها.
لكن الباحث السياسي عرابي عرابي له موقف مختلف حيال هذه المبادرة، فهو يعتقد أنها “تحايل وخدعة ووسيلة ضغط”، مضيفاً، في حديث مع “العربي الجديد”: لا أرى فيها أي إيجابيات حقيقية. وتابع: هذه المبادرة بمثابة ذر للرماد في العيون، ودفع الحكومة في دمشق لتقديم تنازلات مقابل التنازلات التي قدمتها. وعلى حد تعبيره، فإن “قسد” أصرت خلال جولات التفاوض على بقائها كتلة واحدة في الجيش الجديد، وهو من أهم أهدافها.
ورأى أن المبادرة “ليست حقيقية، بل طريقة تفاوض لتسويق نفسها أمام الغرب على أنها الطرف الذي يقدم المبادرات”، مضيفاً: تريد “قسد” إلقاء اللوم على الحكومة السورية، بينما في الواقع هي الجهة التي ترفض ما تطلبه هذه الحكومة التي باتت تمثل الدولة في سورية من دمج هذه القوات في الجيش وتسليم المناطق التي تسيطر عليها.
العربي الجديد
—————————–
مستقبل سوريا على المحك مع تفاوض هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية/ حايد حايد
تحديث 20 شباط 2025
أدت هزيمة النظام السوري، في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي، إلى تحرك سريع من قبل السلطة المؤقتة بقيادة هيئة تحرير الشام لتوحيد الفصائل العسكرية المتفرقة تحت هيكل موحد.
ومن خلال مفاوضات مكثفة، نجحت السلطات الجديدة في التوصل إلى اتفاقات لحل مجموعات عدة ودمجها تحت وزارة الدفاع. ومع ذلك، لا تزال هناك استثناءات رئيسية، أبرزها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تميزت تنوعها العرقي وحكمها الذاتي وعلاقاتها الدولية، ما جعلها مختلفة عن الفصائل الأخرى.
وبدأت المفاوضات بين “قسد” والسلطة المؤقتة بقيادة هيئة تحرير الشام بإشارات حسن نية، لكن التفاؤل سرعان ما تبدد مع ظهور خلافات بشأن الاندماج العسكري والحكم. وتصاعدت التوترات العلنية، حيث ألمحت هيئة تحرير الشام إلى إمكانية استخدام القوة في حال فشل المفاوضات، لكن قد يؤدي أي صدام مسلح بشأن وضع “قسد” إلى زعزعة استقرار سوريا وتعميق الانقسامات وإفشال جهود إعادة الإعمار، ولتمكين البلاد من المضي قدماً، يجب حل هذا النزاع من خلال الحوار، وليس العنف.
ومنذ انهيار النظام، سعت الجهود الدبلوماسية إلى ردم الفجوة بين قوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام، إذ تشير التقارير إلى أن محادثات مباشرة ومناقشات أولية، بما في ذلك اجتماع بين قائد “قسد” مظلوم عبدي والقائد الفعلي للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، أظهرت بوادر إيجابية، حيث تبادل الطرفان إشارات رمزية، من بينها تبني “قسد” علم الثورة في مناطقها للتعبير عن التضامن مع الثورة السورية الأوسع.
وبالإضافة إلى ذلك، أعرب القائد عبدي عن استعداده لنقل السيطرة على الموارد النفطية في سوريا، شريطة توزيع العائدات بشكل عادل على جميع المحافظات. وقد أفضت هذه الأجواء الإيجابية إلى تشكيل لجان مشتركة لاستكشاف سبل دمج مقاتلي “قسد” في الهيكل الدفاعي السوري. ومع ذلك ظهرت خلافات حادة حول قضايا أساسية.
وعلى الرغم من أن “قسد” أبدت استعدادها للعمل ضمن جيش سوري موحد، إلا أنها رفضت بشكل قاطع أي محاولة لحلها، واقترح القائد عبدي ربط القوات بوزارة الدفاع كـ”كتلة عسكرية” تعمل ضمن سياسات الدفاع الوطني مع الاحتفاظ بهيكلها الداخلي.
كما أصرت “قسد” على الاحتفاظ بالسيطرة المباشرة على معتقلي تنظيم “داعش”، معتبرة أن ذلك أمر ضروري لنفوذها المحلي والدولي، بالإضافة إلى تشديدها على الحاجة إلى الحكم اللامركزي، وتأكيدها أن ذلك لا يشكل تهديداً لوحدة الأراضي السورية، فقد أوضح عبدي أن “قسد” لا تسعى إلى فيدرالية على غرار إقليم كردستان العراق.
وفي المقابل، رفضت هيئة تحرير الشام العديد من مقترحات “قسد”، وأصرت على أن جميع الجماعات المسلحة، بما في ذلك “قسد”، يجب أن تندمج بالكامل في القوات الوطنية السورية، على أن ينضم المقاتلون كأفراد تحت قيادة موحدة. كما رفض وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة فكرة وجود كتلة عسكرية مستقلة، محذراً من أن مثل هذه الترتيبات قد تؤدي إلى عدم استقرار أو حتى انقلاب.
وتعارض هيئة تحرير الشام أيضاً الحكم اللامركزي، وتدفع بدلاً من ذلك نحو مركزية إدارية وعسكرية كاملة، وأكد أحمد الشرع هذا الموقف بقوله: “لن يكون هناك تقسيم لسوريا ولا فيدرالية بأي شكل من الأشكال”.
وتتعلق إحدى القضايا الخلافية الرئيسية الأخرى بالسيطرة على معتقلي تنظيم “داعش”، فهيئة تحرير الشام تطالب بنقل معسكرات الاحتجاز والسجون إلى إدارتها، متهمة “قسد” باستخدامها كورقة ضغط لتحقيق الاستقلال السياسي.
كما أدى وجود كوادر أجنبية من حزب العمال الكردستاني (PKK) في سوريا إلى زيادة تعقيد المفاوضات، وقد أوضح الشرع أن الإدارة السورية الجديدة لن تتسامح مع وجود هؤلاء الأفراد، متماشياً بذلك مع مطلب تركيا بمنع شمال شرق سوريا من أن يصبح معقلاً لحزب العمال الكردستاني.
وعلى الرغم من الاختلافات الجوهرية، لا يزال الجانبان منخرطين في المفاوضات، وأبدت “قسد” بعض المرونة، بما في ذلك الموافقة على الانسحاب التدريجي للمقاتلين الأجانب لحزب العمال الكردستاني في حال التوصل إلى اتفاق. لكن لا تزال الخلافات الأساسية حول الحكم والسلطة العسكرية دون حل.
ونتيجة لذلك، أصبحت هيئة تحرير الشام أكثر حزماً، حيث حذر وزير الدفاع مرهف أبو قصرة من أن استخدام القوة يبقى مطروحاً رغم أن الحوار هو الخيار المفضل، لكن وكرر الشرع هذا الموقف بقوله: “نترك المجال مفتوحاً للمفاوضات مع قسد، لكن لدينا الحق في استخدام جميع الوسائل لاستعادة وحدة أراضينا.”
وعلى الرغم من تصاعد الخطاب، فإن اندلاع مواجهة عسكرية فورية يبدو غير مرجح، لأن الطرفين يدركان أن الصراع المسلح سيكون كارثياً، وسيزيد من زعزعة استقرار المرحلة الانتقالية الهشة في سوريا. إن استمرار المفاوضات يقلل من خطر العنف ويمنح الوقت لردم الهوة بين الجانبين.
وبينما تستمر المفاوضات بين هيئة تحرير الشام و”قسد”، ستلعب الأطراف الخارجية دوراً حاسماً في تحديد النتائج. ويعد الموقف الأميركي من وجوده العسكري في سوريا أحد العوامل الأكثر تأثيراً، فمن شأن الانسحاب الأميركي أن يغير ميزان القوى، ما قد يعزز موقف هيئة تحرير الشام ويعقّد المفاوضات.
وبالمثل، سيكون للحوار المستمر بين تركيا وحزب العمال الكردستاني تأثير كبير على الوضع، فإذا نجحت المحادثات، فقد تنخفض التوترات بين هيئة تحرير الشام و”قسد”، ما يفسح المجال أمام التسوية، ولكن في حال انهيار المفاوضات داخل تركيا، فمن المرجح أن تتشدد هيئة تحرير الشام في موقفها، ما يجعل المصالحة أكثر صعوبة.
كما قد يكون المؤتمر الوطني للحوار المرتقب في سوريا نقطة تحول مهمة، فإذا ظهر الحكم اللامركزي كنموذج مفضل للإدارة، مع مواجهة هيئة تحرير الشام لضغوط متزايدة داخلية وخارجية لتليين موقفها، قد يساعد مثل هذا التحول في تقريب وجهات النظر مع “قسد”.
ولا يزال مستقبل سوريا بعد الأسد محفوفاً بالغموض، فهيئة تحرير الشام و”قسد” حافظتا على الحوار حتى الآن، ما يوفر أملاً ضعيفاً لكنه حقيقي للتوصل إلى حل سلمي. إن نجاح أي اتفاق لن يؤدي فقط إلى استقرار شمال وشرق سوريا، بل سيساهم أيضاً في وضع نموذج لحل الخلافات الأخرى، ما يمهد الطريق للوحدة الوطنية.
لكن الفشل في التوصل إلى اتفاق يهدد بإعادة سوريا إلى الفوضى، ما سيفاقم الأزمة الإنسانية ويقوض الاستقرار الإقليمي. ومع تضارب المصالح وارتفاع الرهانات، لن يكون هناك طريق مستدام للمضي قدماً إلا من خلال الصبر، والدبلوماسية، والتنازلات المتبادلة.
——————————–
البودكاست السوري: الإعلام البديل بعد سقوط الأسد/ محمد كساح
الأربعاء 2025/02/19
أدى سقوط نظام الأسد المفاجئ في كانون الأول/ديسمبر الماضي، إلى انتشار كبير لمشاريع البث الصوتي “بودكاست” في سوريا، كوسيلة غير مكلفة نسبياً لتغطية الحدث السياسي وكواليسه ومتابعة آخر المستجدات والتداعيات المنبثقة عنه إلى جانب إجراء مراجعات للأفكار والأحداث والتبدلات السياسية السابقة.
وأتى الانتشار الواسع للبودكاست السوري اليوم، كامتداد لمشاريع البث الصوتي التي أطلقتها في الفترة السابقة، منصات ووسائل إعلام سورية في الشتات تناولت قضايا داخلية ملحّة وقضايا تمس مستقبل سوريا، توقف معظمها بسرعة.
ورغم تواضع جزء كبير من الأفكار المطروحة وسطحيتها، حيث يغيب الطرح العميق القائم على تقديم إجابات دقيقة لعلامات الاستفهام الإشكالية، تحظى حزمة البرامج المتنوعة والغنية بحضور شخصيات عامة وأخرى مؤثرة في خط سير الأحداث، بمشاهدات كبيرة تدلل على أهمية هذه البرامج بالنسبة لفئة كبيرة من السوريين.
وربما يكون السوريون المقيمون في الخارج هم الفئة الأكثر مشاهدة للبودكاست، انطلاقاً من أن ذلك يتطلب وقتاً كبيراً قد لا يكون متوافراً لدى معظم سوريي الداخل الذين يبحثون عن أساسيات الحياة وسط أزمة اقتصادية خانقة حيث يعيش 90% من السوريين داخل البلاد تحت خط الفقر بحسب تقديرات الأمم المتحدة، كما لا تتوفر في معظم مناطق الداخل السوري تلك النوعية الجيدة من خدمة الإنترنت التي يتطلبها مقطع صوتي طويل يقارب وسطياً في معظم الأحيان حدود 3 ساعات، وهي فرضية قد تتغير لاحقاً تبعا لمستوى خدمات الاتصالات التي تعمل الدولة الجديدة على توفيرها.
واللافت في معظم ما يطرح من بودكاست سوري هو تحول “يوتيوب” إلى المنصة الرقم واحد لعرض هذا النوع من البرامج، التي يفترض أنها برامج تعتمد على الصوت لا الصورة وعلى منصات مخصصة للبودكاست على رأسها “غوغل بودكاست” و”أبل بودكاست” و”سبوتيفاي” و”ساوند كلاود”، ومر هذا التحول أولا بطفرة لبرامج سورية احترافية تم بثها خلال السنوات السابقة في تلك المنصات، لكن معظم هذه البرامج توقفت وبات “يوتيوب” المحطة الأخيرة للبودكاست السوري فعلياً.
وفي جولة على المواضيع التي تطرحها برامج البودكاست المختلفة منذ سقوط النظام، يمكن رصد حالة عامة من الاهتمام بكواليس وتفاصيل العملية العسكرية الأخيرة التي قادت إلى إسقاط النظام، وهي فكرة نالت اهتماماً بارزاً لدرجة تسجيل حلقات كثيرة حول الموضوع أغلبها تكرار لما سبق ما يوقع هذه الفكرة في فخي السطحية وعدم تقديم ما هو جديد.
كما يمكن ملاحظة حالة الرجوع إلى الماضي التي تطاول حلقات عديدة أخرى، مثل لقاء “أثير” مع الجهادي و القيادي في إدارة العمليات حسن صوفان، حول كواليس عصيان سجن صيدنايا الشهير، وحلقة “سوريا بودكاست” حول مجزرة حماة، فيما بقيت المواضيع الأكثر إشكالية عن قضايا الاقتصاد والسياسة وحقوق الإنسان التي تخص مستقبل السوريين لا ماضيهم، قليلة نسبياً.
في المقابل، لا يغيب بعض التوجهات السابقة عن حلقات بودكاست يمكن وصفها بانها وازنة أو تميل نحو التعمق ووضع النقاط على الحروف. وضمن هذا السياق تأتي حلقة “هامش جاد” التي التقت بالمفكر السوري برهان غليون في حديث حول سورية ما بعد الأسد ومستقبل الدولة والمجتمع، وحلقة “سوريا بودكاست” مع رضوان زيادة التي ناقشت قضايا مهمة وحدثية مثل الدستور والعدالة الانتقالية وملاحقة فلول النظام.
وفي الإطار نفسه، يشارك موقع “الاقتصادي” في حلقات عميقة تحت عنوان “حوارات الاقتصادي” تناقش قضايا إشكالية مثل: سوريا بحاجة إلى بناء من الصفر وليس إعادة الإعمار، وهل الصناعة السورية جاهزة لاقتصاد السوق الحقيقي؟.
كما طرح “بودكاست سوريا المستقبل” أفكاراً نالت جدلاً كبيراً وربما سوء فهم كثير من السوريين، مثل العلمانية ومستقبلها في سوريا، أزمة الهوية السورية، ودور “هيئة تحرير الشام” في مستقبل سوريا وتحليل شبكة علاقاتها وشخصياتها القيادية وعلاقتها بمختلف المكونات السورية ومصير المقاتلين الأجانب.
وانعكس سقوط النظام على برامج البودكاست غير السورية التي شدها الحدث وتفاصيله المثيرة، فقامت بتخصيص حلقات للشأن السوري واستضافت ناشطين إعلاميين سوريين شهيرين مثل هادي العبد الله وجميل الحسن. كما وسعت برامج البودكاست الإسلامية نطاق اهتمامها الجغرافي لتستضيف شخصيات إسلامية سورية مثل عماد الدين الرشيد الذي تحدث عن الشريعة والسياسة، وعميد كلية الشريعة في جامعة إدلب ياسين علوش في حلقة: “من المصحف إلى البندقية.. كيف ربت إدلب جيل التحرير”.
ويعتبر بودكاست “ما بعد الأبد” وليد المرحلة اللاحقة لإسقاط النظام، ورغم تواضع المحتوى تقنياً إلا أنه غني ودسم بالتحليلات والأفكار المطروحة، والتي تمس المرحلة ومستقبل السوريين، حيث يطرح البودكاست من خلال استضافة شخصيات صحافية وباحثين وكتاب قضايا جدلية مثل المراجعات الاجتماعية والضميرية المطلوبة من الطائفة العلوية، وهل توجد طائفة سنّية فعلاً؟ وهل تتوافر فرصة للنسوية الإسلامية؟ ومدى تمثيل السلطة الجديدة للسوريين…
كما استضاف البودكاست في حلقاته الأولى الكاتب المتخصص في سيرة الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع، حسام جزماتي مستعرضاً بدقة تفاصيل سيرته ومحللاً جوانب شخصيته.
المدن
————————–
من سوريا الى بولندا… / ايلي كلداني
20.02.2025
في معرض الحديث مع أحد البولنديين عن التغيرات في الشرق الأوسط، التي طاولت لبنان وسوريا ومستقبل المنطقة، ناقشنا أوجه التشابه بين سوريا اليوم وبولندا في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، والتغير الجذري الذي حصل في الدولتين، مع فارق زمني يتجاوز الـ20 عاماً.
في معرض الحديث مع أحد البولنديين عن التغيرات في الشرق الأوسط، التي طاولت لبنان وسوريا ومستقبل المنطقة، ناقشنا أوجه التشابه بين سوريا اليوم وبولندا في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، والتغير الجذري الذي حصل في الدولتين، مع فارق زمني يتجاوز الـ20 عاماً. فبولندا، التي رزحت تحت الحكم الشيوعي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تكن جزءاً من الجمهوريات السوفياتية، كما يعتقد الكثيرون، بل كانت حكومتها موالية لموسكو تحت حكم حزب العمال البولندي.
وعلى مرّ السنين، شهدت بولندا احتجاجات عدة ضد الحكم الشيوعي، بدءاً من عام 1956، ثم احتجاجات عام 1970 بسبب رفع أسعار المواد الغذائية، والتي أدت إلى إطاحة فلاديسلاف غومولكا، وصولاً إلى الثمانينات، حيث ظهرت “حركة التضامن” (Solidarność) بقيادة ليخ فاونسا، النقابي في حوض السفن بمدينة غدانسك على بحر البلطيق.
كانت “حركة التضامن” من أولى الحركات النقابية في المعسكر الشرقي التي اعتُبرت مستقلة عن السلطة الشيوعية. وسرعان ما توسعت الحركة في أرجاء بولندا، مطالبةً بإصلاحات ديمقراطية، ما دفع السلطات إلى فرض الأحكام العرفية في محاولة لقمع التحرك من خلال حملة اعتقالات واسعة واضطهاد للمعارضين، طاولت العمال والنقابيين، بالإضافة إلى الكثير من المفكرين وأساتذة الجامعات.
استمرت الاضطرابات في بولندا وازدادت حدة الأزمة الاقتصادية، ومعها تصاعد احتقان الشارع، حتى اضطرت الحكومة الشيوعية إلى بدء محادثات أُطلق عليها “محادثات المائدة المستديرة” في أواخر الثمانينات مع المعارضة، وعلى رأسها “حركة التضامن”. تم الاتفاق على إجراء انتخابات وُصفت بأنها “شبه حرة”، اكتسح فيها مرشحو “التضامن” المقاعد البرلمانية، واضعين حدّاً للحكم الشيوعي في البلاد.
وهكذا، أصبحت بولندا من أوائل الدول التي انفصلت عن المحور السوفياتي، ما ألهم محاولات مماثلة في دول أخرى، مثل تشيكوسلوفاكيا والمجر، وصولاً إلى ألمانيا الشرقية وانهيار جدار برلين. في عام 1990، انتُخب ليخ فاونسا رئيساً للجمهورية، وبقي في منصبه حتى عام 1995. وكان له دور محوري في قيادة البلاد خلال الفترة الانتقالية، إذ نفّذ إصلاحات اقتصادية نقلت بولندا من الاقتصاد الاشتراكي إلى اقتصاد السوق الحرة. شملت هذه الإصلاحات تحرير الأسعار، وخصخصة المؤسسات الحكومية، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية. كما عزّز الديمقراطية والصحافة الحرة، وضمان حقوق الإنسان، وسعى إلى اندماج بولندا في المجتمع الدولي، ما مهد لانضمامها إلى حلف الناتو عام 1999، والاتحاد الأوروبي عام 2004.
لم تكن سنوات حكم فاونسا خالية من التحديات، إذ تعرض للكثير من الانتقادات، خصوصاً بسبب سياساته الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى 14 في المئة، والتضخم إلى 500 في المئة. كما استفادت طبقة جديدة من الأثرياء من تحرير السوق، ما زاد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. ومع ذلك، نجحت بولندا في تحقيق نمو اقتصادي ابتداءً من عام 1995، بفضل هذه الإصلاحات. ورغم ذلك، انخفضت شعبية فاونسا بين العمال والفقراء، الذين اعتبروا أن سياسته الاقتصادية كانت ضدهم. كما رأى كثيرون أنه يفتقر إلى الكفاءة السياسية لقيادة بلد كبير مثل بولندا، ما أدى إلى خسارته الانتخابات في عام 1995.
كان لافتاً أيضاً العلاقة القوية بين ليخ فاونسا وحركة “التضامن” من جهة، والكنيسة الكاثوليكية من جهة أخرى. فقد دعمت الكنيسة الحركة خلال فترة الاضطرابات، نظراً الى تأثيرها الكبير على البولنديين. وزاد هذا التأثير مع انتخاب البابا يوحنا بولس الثاني، البولندي الأصل، على رأس الكنيسة الكاثوليكية، ما أعطى الكنيسة في بولندا دفعاً أكبر لمواجهة النظام الشيوعي، واحتضان المعارضين والدفاع عنهم. بل إن ثمة كنائس استضافت اجتماعات المعارضة، وضغطت لإطلاق سراح المعتقلين في بعض الأحيان، وصولاً إلى دورها الكبير في التحضير لمحادثات المائدة المستديرة، والدور الذي لعبه البابا يوحنا بولس الثاني في تأمين الغطاء الدولي لحركة “التضامن”، واعتبارها ليست مجرد نقابة عمالية، بل حركة اجتماعية وإنسانية تهدف إلى تحقيق العدالة والحرية وحقوق الإنسان.
أما في سوريا، فالوضع لم يكن مختلفاً كثيراً. فقد حكمها حزب البعث لأكثر من خمسين عاماً تحت شعار “وحدة، حرية، اشتراكية”، وكانت على صلة وثيقة بالاتحاد السوفياتي. حكمها آل الأسد بالحديد والنار، وزُجّ بالآلاف في السجون، واغتيل المعارضون، وصولاً إلى الثورة التي اندلعت عام 2011، مخلّفة آلاف القتلى وملايين المهجرين حول العالم. الفرق أن البولنديين التفوا حول “حركة التضامن” وزعيمها، أما في سوريا، فتشعبت المعارضة بين من اختار الاحتجاج السلمي، ومن حمل السلاح لمواجهة النظام، ومنهم أحمد الشرع، المعروف آنذاك باسم “أبو محمد الجولاني”، القاعديّ السابق، ومؤسس “جبهة النصرة”، التي تحولت لاحقاً إلى “هيئة تحرير الشام”.
تتشابه سوريا اليوم مع بولندا في التسعينات من حيث الإجراءات الاقتصادية التي أقرها أحمد الشرع، مثل تحرير الأسواق والانتقال إلى اقتصاد السوق الحر. ومع غياب الأرقام الدقيقة، تشير التقديرات إلى أن نسبة البطالة في سوريا تبلغ نحو 23 في المئة، بينما يصل التضخم إلى 120 في المئة، ناهيك بالدمار الكبير الذي لحق بالمصانع والبنى التحتية. تحدث الشرع عن سنوات صعبة ستواجه السوريين، بسبب السياسات الاقتصادية الجديدة، لكنه وعد بأن الانفراج قادم.
ما أقلق السوريين هو أن الشرع لم يتحدث عن الديمقراطية أو حرية المعتقد، ولم يذكرهما إطلاقاً في خطاباته، بل كرر مصطلح “الشورى”، ما أثار مخاوف المراقبين، الذين اعتبروا ذلك مؤشراً إلى طبيعة المرحلة المقبلة. في حديث مع الكثير من السوريين، يتمنون أن يكون الشرع شبيهاً بليخ فاونسا، من حيث تسليمه السلطة بعد مرحلة انتقالية تعزز الديمقراطية، وتنتهي بحكم صناديق الاقتراع، بدلاً من أن ينصب نفسه زعيماً إلى الأبد. لا تشابه بين الرجلين في حياتهما، بل إن الظروف التاريخية المتشابهة دفعتني إلى المقارنة بينهما. الشرع معروف بلحيته التي يطلقها أو يشذبها وفق الظروف، بينما حافظ فاونسا على شاربيه منذ شبابه. ومع ذلك، كلاهما ذاق السجن، وإن كان لأسباب مختلفة. لكن في النهاية، اختار فاونسا التخلي عن السلطة لتحقيق الديمقراطية والاستقرار لبلاده. علينا الانتظار لنرى أي طريق سيختاره أحمد الشرع لسوريا.
– ناشط في مجال التنمية المحلية
درج
—————————————-
معتقلون سوريون في سجن رومية: معارضون للأسد مضربون عن الطعام خلف القضبان!/ جنى بركات
19.02.2025
انعكس المشهد التغييري في سوريا وتحرير السجون إيجاباً على المحتجزين في لبنان، إذ تأملوا باقتراب الإفراج عنهم، وفقاً للمتحدث باسم المساجين السوريين في سجن رومية.
“ازدحام الأولويات” لدى الحكومة الانتقالية السورية، حال دون وضع موقوفي الرأي السوريين في لبنان على سلّمها، وفق ما قاله متحدث باسم السجناء السوريين في سجن رومية، شرق بيروت، عن لسان الحكومة الجديدة.
بعد سقوط النظام السوري السابق برئاسة بشار الأسد، فُتحت السجون في جميع المحافظات السورية، وأُطلق سراح جميع المحتجزين فيها، ومن بينهم قلة من اللبنانيين الذين أمضوا عقوداً في معتقلات الأسد.
انطلاقاً من ذلك، يطالب الموقوفون السوريون في لبنان بالإفراج عنهم، باعتبار أن سقوط النظام يعني زوال الاتهامات المرتبطة بالإرهاب، التي وُجّهت إليهم بسبب دعمهم المعارضة أو انتمائهم الى “الجيش الحرّ” المنشقّ حينها عن جيش النظام، وفقاً للمحامي محمد صبلوح.
لا يشمل الحديث الموقوفين بتهم السرقة أو الجرائم أو غيرها من الأحكام الجزائية، بل يقتصر على أولئك الذين سُجنوا بسبب آرائهم المعارضة للنظام السابق، أو الذين لجأوا إلى لبنان بعد انشقاقهم عن الجيش السوري، ويُقدَّر عددهم بحوالى 200 موقوف، وفقاً لصبلوح.
هاربون وجدوا أنفسهم سجناء!
يقول أحد السجناء لـ”درج” إنه تظاهر ضد الأسد في بدايات الثورة، ومع اندلاع الحرب اضطر لإرسال عائلته إلى لبنان، ليلتحق بهم، ومذاك وهو يقبع في السجن من دون أي محاكمة، مشيراً الى أن مخبراً للنظام السابق بلّغ عنه، ما أدى الى سجنه.
يؤكد سجين آخر أنه احتُجز بسبب مناصرته الثورة السورية فقط ومعارضته نظام “البراميل”، وهو أيضاً يقبع في سجن رومية منذ أعوام من دون محاكمة أو تهمة واضحة.
في هذا السياق، طرح الرئيس السوري الحالي، أحمد الشرع، قضية “سجناء الرأي” في لبنان على طاولة التفاوض، خلال لقائه بالرئيس السابق للحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، إذ تعهّد الطرفان بمتابعة الملف عن كثب لضمان عودة الموقوفين إلى سوريا. ومع ذلك، لا يزال الملف عالقاً بين البلدين، بانتظار تعيين مسؤول من الجانب السوري لمعالجته، إلى جانب تشكيل لجنة متخصصة ضمن الحكومة الانتقالية.
المماطلة السوريّة
انعكس المشهد التغييري في سوريا وتحرير السجون إيجاباً على المحتجزين في لبنان، إذ تأملوا باقتراب الإفراج عنهم، وفقاً للمتحدث باسم المساجين السوريين في سجن رومية، أحمد (اسم مستعار).
حتى أن بعض الأهالي تظاهروا في دمشق للمطالبة بذويهم، والضغط على الحكومة السورية لتحريك الملف الراكد منذ أعوام، لتصدر الخارجية السورية، وبإيعاز من الشرع، بياناً نص على اتفاق لاسترداد المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية.
لكن حتى الآن، وعلى رغم التصريحات الصادرة من الجانبين اللبناني والسوري، لم تُتخذ أي خطوة فعّالة حيال الموضوع حتى الآن، بحسب أحمد. وأضاف: “لم تعيّن الحكومة السورية أي مسؤول لمتابعة الملف”، مؤكّداً في حديث مع “درج” أنه لم تتشكّل أي لجنة أيضاً.
يتابع أحمد الأمر مع عدد من المتطوعين والمتطوعات الذين يحاولون الضغط على الحكومة السورية لإنشاء لجنة متخصصة تركّز على إعادة معتقلي الرأي من سجون لبنان، سواء كان في رومية أو لدى الشرطة العسكرية.
بدورنا، اتصلنا بوزير العدل السابق القاضي هنري الخوري، لمعرفة تفاصيل الملف، لكننا لم نحصل على رد. وكذلك فعلنا مع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، ولم يجب.
أما وزير العدل في الحكومة الجديدة، عادل نصّار، فقال في اتصال مع “درج” إنه يحاول متابعة الموضوع، ولكن طلب منا التريّث إلى حين الانتهاء من صياغة البيان الوزاري.
وأخيراً، بدأت تظهر قضية المعتقلين السوريين في لبنان إلى العلن، خصوصاً بعد إضراب نحو 100 سجين عن الطعام ومُناشدة أهالي المعتقلين الحكومة الجديدة، التي اكتفى إعلاميون مقربون منها بالقول إن الموضوع قيد المتابعة.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان أصدرت بياناً جاء فيه: “المعتقلون السوريون، خصوصاً في سجن رومية، يتعرضون لظروف احتجاز غير إنسانية، تشمل الاكتظاظ الشديد، وانعدام الرعاية الصحية والغذائية، وانتشار الأمراض المعدية، بالإضافة إلى حرمانهم من التواصل مع ذويهم. كما خضع الكثير منهم لمحاكمات غير عادلة أمام المحاكم العسكرية اللبنانية أو قضاة التحقيق العسكريين، استناداً إلى اعترافات انتُزعت منهم تحت التعذيب والتهديد، وتم توجيه تهم الإرهاب إليهم بناءً على هذه الاعترافات، ما أدى إلى إصدار أحكام قاسية بالسجن لسنوات طويلة، أو إبقائهم في الحبس الاحتياطي من دون تحديد مدة زمنية واضحة”.
من ساحة جامع خالد بن الوليد في مدينة حمص تجمع أهالي المعتقلين السوريين في سجن رومية في اللبنان للمطالبة بالإفراج العاجل عن أبنائهم #سجن_رومية #رومية #لبنان #سوريا#أنقذوا_المعتقلين_السوريين_في_لبنان#BeTheirVoice pic.twitter.com/iQ0qbB7dJX
— إيمان الوعر،İmen ELvaar (@Eman_Alwaer) February 18, 2025
اتهامات “إرهاب” لمعارضي الأسد
في عام 2023، وبينما كان سامر (اسم مستعار) يستلم حوالة مالية بقيمة 4 آلاف دولار أميركي من صديقه في الخارج، داهمت القوى الأمنية اللبنانية منزله واعتقلته للتحقيق، بسبب الاشتباه في مصدر الأموال.
بعد سلسلة جلسات تحقيق، وُجّهت إليه تهمة تلقي أموال لتمويل عمليات ضد النظام السوري انطلاقاً من لبنان، ليُزجّ به في سجن رومية. غير أن محاميه، محمد صبلوح، استأنف الحكم وقدّم أدلة تثبت براءته، ما دفع المحكمة إلى إصدار قرار بإطلاق سراحه. لكن، مع بداية هذا العام، أُلقي القبض عليه مجدداً بالتهمة نفسها، وهو لا يزال خلف القضبان حتى اليوم.
تعود أولى المداهمات التي نفذها الجيش اللبناني داخل مخيمات اللاجئين إلى عام 2017. آنذاك تم توقيف 80 لاجئاً سورياً تعرضوا، وفق تقرير لمنظمة العفو الدولية (Amnesty International)، لانتهاكات جسيمة. وقد أُدينوا لاحقاً بتهم تتعلق بالانتماء إلى “عصابة مسلحة”، وهي تهم لا تزال تُستخدم ضد الكثير من المعتقلين السوريين في لبنان.
وجاء في نص تقرير المنظمة: “قوى الأمن اللبنانية ارتكبت انتهاكات مروعة بحق اللاجئين السوريين الذين تم اعتقالهم، بشكل تعسفي في كثير من الأحيان، بتهم تتعلق بالإرهاب، مستخدمة بعض أساليب التعذيب المروعة نفسها المستخدمة في أسوأ السجون سمعةً في سوريا”.
أما عن أساليب التعذيب، فقال عدد من المحتجزين للمنظمة، “إنهم تعرضوا لبعض من أساليب التعذيب ذاتها المستخدمة على نحو مألوف في السجون السورية مثل “بساط الريح” (حيث يُربَط المرء بلوح قابل للطي)، أو “الشَّبْح” (عندما يُعلّق الشخص من معصميه ويتعرض للضرب)، أو “البلانكو” الذي يُعلّق الشخص خلاله طوال ساعات مع تكبيل معصميه خلف ظهره”.
إبطال التهم؟
يؤكد سامر أن هناك موقوفين منذ عام 2014 بتهم تتعلق بمحاربة النظام السوري أو الانتماء إلى “جماعات إرهابية”، وهو ما أكده صبلوح، مشيراً إلى أن بعض المعتقلين في لبنان سُجنوا لمجرد تواصلهم مع أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) أو ارتباطهم بـ”هيئة تحرير الشام”، التي تحكم سوريا منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر المنصرم.
وبينما أصدرت المحكمة العسكرية قراراً بتصنيف “الجيش الحر” كـ”إرهابي”، حتى بعد دخول الأفراد إلى لبنان كلاجئين وهاربين من نظام الأسد، أبطلت محكمة التمييز الجزائية هذا القرار في عام 2018، وفقاً للقرار الذي اطلع عليه “درج”.
يمضي المتهمون السوريون المحكومون بالإرهاب، في غالبيتهم، نحو سنة إلى سنة ونصف السنة في السجون اللبنانية، علماً أن تهمة الإرهاب، كما جاء في نص القانون اللبناني وفقاً لصبلوح، ترقى إلى بقاء المتهم في السجن 7 سنوات كحد أدنى، في حال تم إثبات تواصله فقط مع جماعة إرهابية وليس المشاركة بنشاطها. لذلك، دفع بعض السوريين المحتجزين في لبنان ثمن تنفيذ أجندة معيّنة تتلاءم مع أجواء محور الممانعة، حسب ما صرّح بعض القضاة لصبلوح.
– صحافية لبنانية
درج
——————————————–
أيتام الأسد وحلفاؤه.. استطلاع أوضاع فلسطينيي سوريا الجديدة/ محمد داود العلي
20/2/2025
يمكن لأي زائر لمقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في دمشق المعروف “بمكتب جورج حبش”، أن يميزه بسهولة عن باقي الشقق الواقعة في الطابق الأرضي من عمارة سكنية في حي الجسر الأبيض. فمجرد معاينة نعي نائب الأمين العام أبو أحمد فؤاد، الذي توفي الشهر الماضي، الملصق على مدخلها، والحركة الاعتيادية لزوار التنظيم المشهور بإرثه اليساري، سيدلانك على الموقع الدقيق للمقر. لا مظاهر مسلحة، من المقيمين أو أجهزة الدولة السورية. ولا رجال أمن ينظرون بارتياب إلى العابرين، وهي تحولات استجدت على أحياء دمشق ومقرات الأحزاب والتنظيمات الواقعة فيها فقط، بعد انهيار نظام الرئيس بشار الأسد قبل شهرين.
الطمأنينة الشائعة داخل المقر الواقع في الحي الهادئ، وفي أوساط مرتاديه، لن تجدها في مقرات طائفة مختلفة من الفصائل الفلسطينية. فمقر جبهة النضال الشعبي الفلسطيني -تيار خالد عبد المجيد- الواقع في حي الميسات المجاور خاو، وأبوابه مغلقة. وعندما بذل مُعد التحقيق محاولة في 7 فبراير/شباط لزيارة مقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -القيادة العامة- تمهيدا للقاء مسؤولها الإعلامي أنور رجا، لمس ترددا منه، عكس القلق السائد في أوساط قادة التنظيم بعد إغلاق مكاتبه كافة، باستثناء إذاعة القدس، بحسب مصادر فلسطينية متطابقة. رد رجا على طلب اللقاء برسالة على تطبيق واتساب تقول “نتحدث صباح الأحد وحسب الظروف نحدد الوقت”. وبعد تكرار المحاولة، أقفل أنور الباب في 9 فبراير/شباط وقال: تحياتي.. أرجو المعذرة.. طرأت ظروف تمنعني من التواصل.. أنا حاليا خارج دمشق”.
الأيتام
لم يكن سلوك أنور رجا مستهجنا، أو خارجا عن سياق التطورات الدراماتيكية التي شهدتها الفصائل الفلسطينية بكافة مشاربها، كارتداد للزلزال السياسي الذي شهدته سوريا ذاتها، قبل شهرين. فالفصائل التي تملك مقرات في دمشق وسائر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، إلى جانب معسكرات تدريب قليلة بأنحاء متفرقة من سوريا، لم تكن متماثلة في علاقتها بالنظام البائد أو حزبه الحاكم (البعث). فجزء منها كان من صلب النظام كتنظيم الصاعقة، الفرع الفلسطيني لحزب البعث بنسخته السورية قبل استيلاء الفريق حافظ الأسد على السلطة عام 1970. يليه جيش التحرير الفلسطيني المكون من وحدات نظامية لتجنيد اللاجئين الفلسطينيين أنشأتها في سوريا والعراق وقطاع غزة، منظمة التحرير الفلسطينية بعد تأسيسها عام 1964، لكن الرئيس السوري حافظ الأسد ألحق فرعها السوري بجيشه بمرسوم جمهوري عام 1971. وكلاهما بات في حكم اليتيم الباحث عن معيل بعد اختفاء النظام.
أما المجموعة الثانية المتحالفة مع راعي الأولى( نظام الأسد)، في إطار ما عرف باسم “التحالف الوطني”، فضمت كلا من فتح الانتفاضة التي انشقت عن التنظيم الأم عام 1982 بدعم من الأسد الأب وأجهزته، بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982 إثر اجتياحه من الجيش الإسرائيلي، تليها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -القيادة العامة التي أسسها أحمد جبريل عام 1967 الضابط الفلسطيني السابق في الجيش السوري- وهي الأوسع نفوذا بين الفصائل الفلسطينية في حقبة الأسدين (الأب والابن). ثم تأتي جبهة النضال الشعبي الفلسطيني -تيار خالد عبد المجيد الذي انحاز إلى دمشق عام 1990 في موقفها المناهض لياسر عرفات، على خلاف الأمين العام سمير غوشة الذي التحق وقتها بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في تونس.
الحياديون
أما المجموعة الثالثة فضمت عددا من الفصائل العاملة تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها في رام الله وهي حركة فتح، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحزب الشعب (الشيوعي سابقا) وتنظيم “فدا” المنشق عن الجبهة الديمقراطية وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني (أحمد مجدلاني) وجبهة التحرير الفلسطينية (واصل أبو يوسف). وقد التزمت هذه المجموعة بتوجيهات رئيس السلطة واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس، بالوقوف على الحياد في الصراعات داخل سوريا ولبنان، حسبما أفاد مصدر فلسطيني في دمشق.
حماس والجبهة الشعبية: متمسكون بالكفاح المسلح 1999/8/7
صورة تجمع خالد مشعل (يمين) وزعيم الجبهة الشعبية الراحل جورج حبش بدمشق عام 1999 (الجزيرة)
ثمة مجموعة رابعة ضمت حركة حماس التي غادر قادتها سوريا في سنوات ثورتها الأولى، ثم استعادت علاقتها بالنظام في أكتوبر/تشرين الأول 2022 في إطار ما يعرف بـ”بمحور المقاومة” دون أن تعيد فتح مقراتها. وإلى جانبها حركة الجهاد الإسلامي الموجودة في سوريا منذ زمن بعيد، دون أن يكون لها مقرات معلنة. وبديهي أن مواقف الفصائل المذكورة انقسمت حيال أحداث الثورة السورية (2011 – 2025)، تبعا لدرجة ارتباطها بالنظام، وانحيازها له أثناء لجوئه إلى الحل العسكري، مثل فصائل التحالف الوطني. هذا إلى جانب اختلاف درجات تصنيف الفصائل المذكورة -حسب الوزن والدور- في إطار محور إقليمي عرف بـ”محور المقاومة” الذي ضم أيضا حركة أنصار الله الحوثيين باليمن، وحزب الله اللبناني، وفصائل عراقية، ورعته إيران.
زلزال السقوط حدث عسكريا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 خارج دمشق، لكن مظاهره في شوارع دمشق وأحيائها لا تخطئها العين. مئات رجال الأمن المكلفين حراسة المقرات الأمنية والحزبية ومنازل الضباط والشخصيات المهمة، ألقوا أسلحتهم على أطراف الشوارع -حسب شهود عيان- وفروا إلى غير رجعة. وصار بالإمكان -حسب شهادات متقاطعة- معاينة بنادق كلاشينكوف ملقاة على حواف الطرق، وصبية يحملون البنادق المتخلى عنها، ويطلقون في الهواء رصاص الابتهاج.
الضابطة الفدائية
التقطت الفصائل الفلسطينية الموجودة في سوريا كغيرها، المغزى العميق من سقوط النظام، وآثاره المحتملة على نشاطها السياسي والعسكري الذي كان طوال 55 عاما مقيدا بقواعد يتحكم فيها جهاز مخابرات مخصص للفصائل يعرف بـ”الضابطة الفدائية”. وتتلخص مهمته -إلى جانب اعتقال من يشاء وفي أي وقت من الأفراد وتسليمه للفروع الأخرى- إعطاء تراخيص الدخول والخروج عبر الحدود، ولوحات السيارات المخصصة للقادة والشخصيات المهمة. مع الحظرغير المعلن لأي نشاط عسكري ينطلق من الأراضي السورية .علما أن المقرات الرئيسية والفرعية لمعظم الفصائل المصرح لها بالعمل، باتت مجرد “ديوانيات” للقاء المسؤولين والكوادر، حسب وصف قيادي في أحد تنظيمات التحالف الوطني التقته الجزيرة نت في منزله.
بعد 4 أيام من الانهيار، عقد 14 فصيلا فلسطينيا اجتماعا نادرا في مقر سفارة فلسطين في دمشق شارك فيه السفير سمير الرفاعي وقائد جيش التحرير الفلسطيني اللواء أكرم السلطي. وأصدر المجتمعون بيانا مشتركا أكدوا فيه وقوفهم “الثابت إلى جانب الشعب السوري في حقه بتقرير مصيره وبناء دولته الوطنية المستقلة”. وأعربوا “عن ثقتهم بأن الدولة السورية في مسارها الجديد، ستظل داعمًا للشعب الفلسطيني في نضاله من أجل حقوقه المشروعة”. وشكل المجتمعون لجنة للتواصل مع القيادة السورية الجديدة، حسب مصدر شارك في الجلسة.
لكن اللواء السلطي مدفوعا -على الأرجح- بيقينه أن ما ينطبق على الجيش السوري ينطبق على جيشه، استثمر المناسبة -حسب المصدر ذاته- لطلب تأمين رواتب خمسة آلاف من ضباطه وعناصره، رغم تخلي جيش التحرير عن تبعيته لمنظمة التحرير، وإزالته اسمها من إعلامه وشعاراته، منذ نحو 5 أعوام حسب مصدر متابع للملف. أما الجبهة الشعبية -القيادة العامة- فأصدرت دائرتها الإعلامية بيانا في 11 ديسمبر/ كانون الأول، أي قبل يوم من اجتماع الفصائل، عبرت فيه عن دعمها “حق الشعب السوري في التغيير وبناء سوريا القوية المرتكزة على قواعد الحياة الديمقراطية وسيادة دولة العدل والقانون.
****داخلية**** بيان تجميد خالد جبريل- الجبهة الشعبية القيادة العام الجبهة الشعبية القيادة العامة بيان صحفي
بيان تجميد خالد جبريل بالقيادة العامة وبيانها الصحفي الذي أعقب انهيار النظام (الجزيرة)
.
منهار ومنهوب
يصف عمر مراد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأجواء السائدة بين الفصائل وقتها “بالنسبة للفصائل الفلسطينية من شارك في القتال إلى جانب النظام صار يحسس (يتحسس) على راسه”. هم فوجئوا بالخطاب التسامحي (للقيادة السورية الجديدة) بصراحة. نحن كنا نتواصل معهم من القاهرة كي نطمئن عندما كانت قوى التغيير والثورة واصلين إلى حمص. أنا كنت متوقعا مسافة الطريق من حلب إلى الشام، لأن وضع البلد منهار ومنهوب. فطبيعي جدا اللي صار. وأضاف “تفاجأوا لمّا وصلوا (مقاتلو المعارضة) إلى الشام. وسقط النظام وهرب رئيسه. تفاجأوا بالخطاب التسامحي التصالحي. خطاب الصفح أراحهم.. بمعنى: لا عقوبات جماعية.
خطت القيادة السورية الجديدة أولى خطواتها بهذا المنحى في تعاملها مع ملف التنظيمات الفلسطينية. ويقول مصدر قيادي فلسطيني للجزيرة نت: إن هيئة تحرير الشام أبلغت (سفير دولة فلسطين) الدكتور سمير الرفاعي أنها ستفتش المكاتب. وطلبت أن يحدد كل فصيل المكاتب التي بحوزته وموقعها الدقيق، وما إذا كانت مملوكة له أو مستأجرة، وما الأسلحة الموجودة بداخلها، وعدد السيارات التي حصلت على تراخيص سورية، وما هو مصدر التمويل الخاص بكل تنظيم. وأشار المصدر ذاته إلى أن الهيئة شكلت لجان تفتيش على المكاتب في مختلف المناطق، وأن الشيخ باسل الخطيب هو مَن كلف بالتواصل مع الفصائل بمخيم اليرموك، في حين تولت إدارة الأمن العام (…)عملية التدقيق في دمشق. مضيفا أن الهيئة كانت مهتمة بالبحث عن أي أسلحة مخبأة.
الجزيرة
——————————-
كيف يبدو قطاع التجارة في سوريا حاليا؟/ شام مصطفى
20/2/2025
دمشق– يواجه قطاع التجارة الداخلية في سوريا تحديات متعددة في ظل التغيّرات الاقتصادية والسياسية المتسارعة، التي أثرت على مختلف قطاعات اقتصاد البلد بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
يأتي تذبذب سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية، والفجوة بين سعره في المصرف المركزي وسعره في السوق الموازية في مقدمة تلك التحديات، ويليه شلل حركة الاستيراد على خلفية تعليق البنوك والمصارف إصدار الاعتمادات البنكية، إلى جانب انتشار البضائع الأجنبية في الأسواق ومنافستها البضائع المحلية المرتفعة الأسعار.
ووسط هذا الركود التجاري، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى ضبط المشهد عبر مجموعة من الإجراءات، منها توحيد الرسوم الجمركية، وتقليل تدخل الدولة في الأسواق، والعمل على إعادة هيكلة النظام الاقتصادي.
تآكل الأرباح
يشكو تجار وصناعيون في أسواق دمشق وريفها من تآكل أرباحهم بسبب التقلبات الحادة في سعر صرف الليرة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وضعف حركة الاستيراد.
ويقول جمال حمد تركمان، صاحب معمل لتصنيع الحجر في منطقة عدرا الصناعية في ريف دمشق، إن الاعتمادات المصرفية متوقفة منذ الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وعليه فإن حركة الاستيراد متوقفة كذلك.
ويضيف تركمان، في حديث للجزيرة نت، أن الهبوط المفاجئ بسعر صرف الدولار مؤخرًا كان له أثر سلبي على تجارته، لأن بضاعته جلها كانت من “الحجر المستورد” بالدولار، مما أدى إلى تآكل أرباحه.
ويشير إلى أنه بالرغم من ارتفاع قيمة الليرة فإن أسعار الطاقة وأجور العمال لا تزال ثابتة على السعر القديم، مضيفا: “كنت أسدد الأجور الأسبوعية لعمالي في مقالع الحجر بـ500 دولار، أما اليوم فأحتاج إلى ضعف هذا المبلغ، ناهيك عن فواتير الكهرباء المرتفعة”.
صعوبات مضافة
ويعاني تركمان من تحديد البنوك والمصارف سقف السحب اليومي بمبالغ قليلة لا تكفيه لتسديد الأجور وتغطية تكاليف الإنتاج.
ويقول إن لديه أرصدة في المصرف التجاري والبنك الإسلامي، لكن السحب محدد بسقف 500 ألف ليرة (39 دولارا تقريبا)، لذا لم يعد بإمكانه دفع أجور جميع العمال، الأمر الذي اضطره إلى تسريح 10 منهم بشكل مؤقت الأسبوع الماضي، مضيفا أن ثمة إمكانية لتسديد الفواتير عبر التحويلات البنكية.
وقال مصدر في المصرف الدولي للتجارة والتمويل في دمشق للجزيرة نت إن البنوك متوقفة عن إصدار الاعتمادات البنكية وتقديم القروض، وتعمل فقط على تسيير عمليات السحب والإيداع.
وأضاف المصدر -الذي رفض نشر اسمه- أن البنوك تحصل على النقد من المصرف المركزي، لكن المركزي اليوم يتبع سياسة حبس السيولة، ولذا فإن سقف السحب منخفض، لأنه مرتبط بالنقد المتوفر.
تذبذب سعر الصرف
أما عن أثر تذبذب سعر صرف الليرة على تجارته، فيؤكد فادي الأمير، صاحب متجر عالم الحجر في منطقة الأزبكية في دمشق، أن له أثرا كبيرا، قائلا: “قد يأتيني زبون ويطلب 100 متر من الحجر، ويعطيني عربونا، لكن ريثما أنهي عملية القصّ والتحضير التي تحتاج إلى 20 يوما، يكون سعر الصرف اختلف، وبالتالي ارتفعت كلفة البضاعة، لكن الزبون يسدد لي حسب السعر المتفق عليه، مما قد يعرضني للخسارة”.
ويضيف صاحب متجر عالم الحجر في منطقة الأزبكية في حديث للجزيرة نت: “نضطر اليوم إلى بيع بضائعنا بخسارة بعد انتشار البضائع التركية في الأسواق، والتي هي أرخص من المنتج الوطني، فقطعة الرخام في المتجر لدي كلفتها بين 70 و80 دولارا، لكنها اليوم متوفرة في السوق بسعر 25 دولارا”.
وبينما يعمل عدد من الصناعيين والتجار في بيئة غير مستقرة، وظروف اقتصادية متغيرة وسط تراجع قدرتهم على المنافسة أمام المنتجات المستوردة، ثمة قطاعات تجارية لم تتأثر بشكل مباشر بهذه التغييرات.
ويقول محمود هاشم، صاحب وكالة لبيع الأجهزة الكهربائية المنزلية، للجزيرة نت: “سوقنا لا يزال متعبا، والمبيعات شبه متوقفة، ولا يوجد فائض مالي لنودعه في البنوك، وأنا تاجر موزّع لا أحتاج إلى اعتمادات بنكية”.
ويضيف: “أما بالنسبة لسعر الصرف وتقلباته فأنا اشتري بضاعتي بالدولار وأضع لنفسي هامش ربح بسيطا، وبالرغم من أننا نعتمد على تسعيرة الدولار في السوق الموازي، فإن هذا لا يعني الخسارة عند البيع في حالتي، لأني حتى لو قبضت من الزبون بالعملة السورية أسارع إلى تحويل المبلغ لعملة أجنبية بما يحفظ قيمته بهذه العملة”.
ويشير هاشم إلى أن الشركات الكبرى في سوريا تضع سقف حماية لسعر منتجها بالعملة السورية، الأمر الذي يضمن لها ربحا ثابتا في حال حدوث أي تذبذب بسعر صرف العملة.
آثار عديدة
يقول الخبير الاقتصادي السوري يونس الكريم إن توقف الاعتمادات البنكية وصعوبة سحب السيولة من البنوك يدفع التجار والصناعيين في سوريا إلى استبدال أموالهم الخاصة (من العملات الأجنبية أو المحتجزة بالبنوك) في السوق.
لكن المشكلة أن هذه الأموال تُصرّف بسعر أقل بنسبة 40% عن النشرة الرسمية، مما يجبر التجار والصناعيين على تعويض خسائرهم عبر رفع الأسعار، مما يؤدي في النهاية إلى تحميل المستهلك هذه التكاليف الإضافية.
وحسب كريم، فإن غياب القروض المصرفية أدى إلى ارتفاع التكاليف، فعادة ما يحصل التجار على قروض قصيرة الأجل من البنوك لشراء السلع، مما يساعدهم في تخفيض التكاليف، لكن توقف هذه القروض في الآونة الأخيرة أجبر التجار على تمويل عملياتهم من أموالهم الخاصة أو الاستدانة من بعضهم بعضا، كما أن عدم توفر القروض يعني عدم قدرة التجار والصناعيين على شراء السلع مباشرة، مما يؤدي إلى توقف بعض المعامل أو ارتفاع الأسعار.
ويلخص الكريم آثار توقف بعض خدمات البنوك على التجارة الداخلية في سوريا في ما يلي:
عدم السماح للتجار بسحب أموالهم مما يعوق دفع الرواتب والأجور.
عدم القدرة على سداد قيمة المشتريات، خاصة المشتريات الداخلية التي تتعامل بالليرة السورية، وهذا من شأنه أن يعوق استمرار أعمالهم.
عدم القدرة على تقديم تسهيلات ائتمانية لبعض التجار بسبب نقص السيولة، مما يؤثر على عمليات البيع والشراء.
تراجع الثقة في النظام المصرفي، الأمر الذي يدفع التجار إلى الاحتفاظ بأموالهم خارج البنوك، مما يؤدي إلى نقص السيولة في الجهاز المصرفي، ويجبر الحكومة على طباعة مزيد من الأموال، الأمر الذي يسهم في انخفاض قيمة العملة.
منافسة غير عادلة
وتشكل البضائع الأجنبية المستوردة مؤخرا والمنتشرة في الأسواق السورية تحديا مضافا للصناعيين والتجار.
وفي هذا الصدد، يقول الكريم إن وجود هذه البضائع في السوق السورية طبيعي بسبب “عدم قدرة الإنتاج المحلي على تغطية احتياجات السوق. لكن عمليات الاستيراد تمت بطريقة أضرت بالاقتصاد”.
ويضيف: “رافقت هذه العمليات تصريحات حكومية تشجع على التخلي عن القطاع الحكومي، مما يعني أن الاستيراد يتم من دون دعم من مؤسسات الدولة أو البنوك. كما أن الاستيراد يركّز على السلع الفاخرة مثل السيارات، مما استنزف الدولار من السوق وأدى إلى ضغط إضافي على الاقتصاد”.
ويوضح أن الاستيراد العشوائي أدى إلى منافسة غير عادلة للصناعيين المحليين، خاصة في قطاع الملابس، إذ تُفرض الرسوم الجمركية نفسها على الأقمشة المستوردة وعلى الملابس الجاهزة، مما يجعل الإنتاج المحلي أقل تنافسية.
وأدى ذلك إلى امتناع التجار عن استيراد السلع الأساسية التي يحتاجها السوق، لأن أرباحها صغيرة وتحتاج لسيولة كبيرة، فلا أحد يستورد المنتجات الغذائية “على اعتبار أنه لا يوجد عمال، ولا يوجد موظفون، وأن القدرة الشرائية منعدمة”.
المصدر : الجزيرة
————————-
رياح القلق تتقاذف الأسد في صقيع منفاه بموسكو/ سعيد طانيوس
أصوات تطالبه بدفع بدل “خدمات روسيا” له وعائلته مهدت للهرب بشراء العقارات
الخميس 20 فبراير 2025
ملخص
استقر رئيس النظام السوري المخلوع في موسكو بعد انتقال السلطة في بلاده إلى المعارضة. وكتبت وسائل إعلام روسية أنه قبل فترة طويلة من الإطاحة به كان يسحب الأموال نقداً ويشتري عشرات الشقق في العاصمة الروسية، لتأويه مع زوجته وأولاده الثلاثة، الذين تتراوح أعمارهم بين 21 و22 و24 سنة.
آثر بشار الأسد سلامته الشخصية وسلامة عائلته وأقربائه، ففر هارباً إلى روسيا تاركاً “ملكاً رئاسياً” ورثه وأضاعه لأنه “لم يستطع الدفاع عنه كالرجال”، لكنه حين وصل إلى العاصمة الروسية سالماً سليماً معافى، فقد سلامه الداخلي وانسجامه الوجداني ورضاه النفسي، على رغم عيشه في ملكه الفاخر ببرج عاجي يطل على رياض موسكو ونهرها وأضوائها المتلألئة في الأمسيات والليالي الطوال في أشهر الشتاء التي استضافت الصقيع والبرد والثلج التي استوطنوها قبل أن تستضيفه.
فقد الرئيس السوري المخلوع سلامه الداخلي ليس فقط لأنه أضاع “ملكاً” تمسك به بنواجذه طويلاً، وأراق الكثير من الدماء على جوانبه، بل لأن مصيره أصبح على كفّ عفريت ومعلقاً على شحطة قلم في الكرملين، أو على مفاوضات يجريها “القيصر” فلاديمير بوتين مع أحمد الشرع، الرئيس الجديد الذي أزاح الأسد من قصر الرئاسة وحلّ محله، بعد أن استوطنه لمدة ربع قرن، شهدت البلاد خلالها أنهاراً من الدم وخراباً ودماراً وفقراً وفساداً.
الأسد في ملجأه الفاخر في موسكو قلق كأن ناراً تحته تكويه وتتقاذفه، ففي الركن زوجته وأمّ أطفاله تئن من أوجاع المرض الخبيث الذي ينهش جسدها النحيل، ومن ندوب الدهر الذي أجبرها على العيش في عاصمة تفتقد الودّ والانسجام معها. وفوق ذلك يستشعر أن عاصمة الصقيع وأهلها ونُخبها بدأوا سريعاً بضيقون ذرعاً به وباستضافته كلاجئ، فأخذوا يطلقون تصريحات تطالبه بردّ الجميل ودفع ما يتوجب عليه بدل إنقاذه من دون نظامه، وتأمين سلامته الشخصية من دون سلامة بلاده.
مطالبة الأسد بـ”فدية” اللجوء
فها هو نائب رئيس مجلس النواب الروسي (الدوما) دميتري كوزنيتسوف، يعلن يوم الإثنين 17 فبراير (شباط) الجاري، أن الأسد الذي حصل على حق اللجوء في روسيا، “اعتقدنا أنه قد يساعد الروس كعلامة على الامتنان، لكن حتى الآن لم تتم معاينته وهو يفعل ذلك”.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وكان كوزنيتسوف المنتمي إلى حزب “روسيا العادلة-الحياة” قد اقترح بعد أيام قليلة من لجوء الأسد إلى موسكو في 8 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إرسال الرئيس السوري المخلوع لإعادة بناء مدينة ماريوبول الواقعة على البحر الأسود، والتي دمرتها الحرب الضارية التي دارت فيها بين الجيشين الروس والأوكراني أواخر عام 2022 قبل أن تسقط بيد القوات الروسية.
وقال كوزنيتسوف في تصريح صحافي “يريد ناخبونا أن ينفق الحكام ورجال الأعمال الأجانب، لأسباب إنسانية، أموالهم الكثيرة على مساعدة الشعب الروسي كعلامة على الامتنان لروسيا ورداً لجميلها عليهم. حتى الآن، لم يقم الأسد أو ممثلو النخبة الأوكرانية بشكل خاص بهذا الأمر. من العار أن يفوتوا الفرص ويضيعوا الوقت الثمين”. وأضاف “لم يلغ أحد محكمة الضمير والتاريخ”.
صمت وحصار
ليس هناك من شخص على وجه الأرض يعرف أكثر من بشار الأسد أسرار وخبايا وألغاز السقوط السريع والمريع لنظامه الذي قاوم الانهيار طيلة 14 سنة ثم تهاوى كأوراق الخريف في أقل من 14 يوماً أمام عاصفة هجوم مناوئيه. لا أحد يعلم متى وأين وكيف سيتواصل بشار الأسد مع الصحافة، ليبوح بما في قلبه وذاكرته من معلومات ومحظورات خطيرة قد تكشف أسراراً كثيرة. لكن الأكيد أن وسائل الإعلام الروسية تتعامى بقدرة قادر وأمر صادر عن تغطية أنشطة عائلة الأسد في موسكو. فالصحافيون الروس يعلمون علم اليقين أن هناك تعميماً شفهياً غير مكتوب يحظر عليهم فتح سيرة الأسد أو التطرق لحياته وحالته وأوضاعه في منفاه الجديد، فليس هناك من صحافي واحد يجرؤ على انتهاك الحظر والحديث علناً عن مكان إقامة الأسد وأفراد الأسرة، وما يفعلونه أو كيف يقضون أوقاتهم في ملماتهم داخل نفق المنفى الذي وجدوا أنفسهم فيه بين ليلة وضحاها.
ويصل الأمر إلى حدّ أن الكرملين الذي منح الأسد حق اللجوء، يحظر عليه حتى الوقوف أمام الصحافيين المعتمدين لشكره على هذه اللفتة أو للإشادة بكرم روح روسيا ومدى جودة الحياة فيها، ربما لأن السلطات في الوقت الحالي، تخشى أن يعكر هذا مزاج السلطات السورية الجديدة، ويزعج الرئيس الجديد أحمد الشرع. فكل شيء بحساب، كما يقول بوتين، فأقراص اللحم على حدة، والذباب الذي يحوم حولها على حدة، إذا لم يكن لديك ما تكسبه منها. فأي تصريح أو تلميح يصدر عن الأسد المعزول قد يضر بالكرملين في مفاوضاته مع السلطات السورية الجديدة للحفاظ على القواعد العسكرية الروسية في سوريا.
“شبل” الأسد
لكن هذا الحصار الإعلامي المطبق على الأسد الأب والذي يمكن اعتباره أحد شروط منحه اللجوء لأسباب إنسانية، لم يمنع نجله حافظ الذي يدرس في روسيا ويقيم فيها بصفة طالب دراسات عليا وليس لاجئاً، من أن يروي قصة ليلة الهرب من دمشق، ويعلن فيها أن “سوريا مرت على مدى الـ14 عاماً الماضية بظروف لم تكن أقل صعوبة وخطورة من التي مرت بها في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) وبداية ديسمبر (كانون الأول) الماضيين”. وأن “من أراد الهرب لكان هرب خلالها، وبخاصة خلال السنوات الأولى عندما كانت دمشق شبه محاصرة وتُقصف يومياً، وكان الإرهابيون على أطرافها واحتمال وصولهم إلى قلب العاصمة قائماً طوال تلك الفترة”.
وتابع قائلاً “لم تكن هناك تحضيرات أو أي شيء يوحي بمغادرتنا، إلى أن وصل بيتنا في حي المالكي مسؤولان كبيران من الجانب الروسي بعد منتصف الليل، أي فجر يوم الأحد 8 ديسمبر، وطلبا انتقال الرئيس إلى اللاذقية لبضعة أيام بسبب خطورة الوضع في دمشق، وإمكانية الإشراف على قيادة المعارك من هناك، باعتبارها كانت لم تزل مستمرة على جبهتي الساحل وسهل الغاب”. وأضاف، “في ساعات النهار الأولى، أي الأحد، كان من المفترض أن نتحرك من قاعدة حميميم الروسية باتجاه الاستراحة الرئاسية في منطقة برج إسلام، والتي تبعد عن القاعدة بالطريق أكثر من 40 كيلومتراً، ولكن محاولات التواصل مع أي أحد من العاملين فيها باءت بالفشل حيث كانت جميع الهواتف التي تم الاتصال بها مغلقة، وبدأت ترد المعلومات بانسحاب القوات من الجبهة مع الإرهابيين وسقوط آخر المواقع العسكرية”.
وتابع “في نفس الوقت بدأت الهجمات المتتالية بالطيران المسير تستهدف القاعدة، وتزامن ذلك مع إطلاق نار قريب وبعيد في محيطها، وهذه الحالة استمرت طوال فترة تواجدنا هناك. بعد الظهر، أطلعتنا قيادة القاعدة على خطورة الموقف في محيطها، وأبلغتنا بتعذر الخروج من القاعدة، نظراً لانتشار الإرهابيين والفوضى وانسحاب الوحدات المسؤولة عن حماية القاعدة، بالإضافة إلى انقطاع الاتصال مع كافة القيادات العسكرية، وأنه بعد التشاور مع موسكو، طلبت القيادة الروسية منهم تأمين انتقالنا إلى موسكو، حيث أقلعنا باتجاهها على متن طائرة عسكرية روسية، ووصلنا إليها في الليل، ليل الأحد في الثامن من ديسمبر”.
كثيرون قرأوا في هذه الرواية تلميحاً إلى أن هناك من أخرج الأسد وعائلته من سوريا، وأن عملية هربهم ولجوئهم إلى روسيا لم تتم بمحض إرادتهم ولا باختيارهم، وهنا تثور أسئلة حول الدور الذي لعبته روسيا وقواتها واستخباراتها في عملية عزل الأسد ونقله إلى موسكو وتسليم البلاد إلى مناوئيه.
تمكنت السلطات الروسية من الفرض على وسائل الإعلام في البلاد التعتيم على كل ما يتعلق بالأسد وعائلته في موسكو، لكنها لم تقدر على منع وسائل التواصل الاجتماعي والدوائر الاجتماعية النخبوية في موسكو، من تداول الإشاعات حول تجارب عائلة الأسد في موقعها الجديد. كما أن قنوات “تيليغرام”، وهي أداة فعالة إلى حد ما في المشهد الإعلامي الروسي المكبوت، لا تصمت أيضاً، حيث تقدم الكثير من المعلومات التي لا تخلو من الإشاعات، والتي تقول إحداها إن الأسد قد يلجأ لمزاولة مهنته الأصلية ويفتتح عيادة لطب العيون في العاصمة الروسية. وتضيف القناة الروسية المشهورة على “تيليغرام”، أنه “حتى في شبابه، أثناء إقامته في لندن، كان طبيب عيون ناجحاً، وهو الآن يخطط لافتتاح عيادة خاصة لطب العيون في روسيا. وأن آخر مرة عمل فيها كطبيب كانت منذ ربع قرن تقريباً”.
الآن أصبح أمر واحد واضحاً، وهو أن الأسد لن يختفي ببساطة من الخريطة السياسية للعالم. وبينما يظل صامتاً صمتاً مطبقاً، تواصل وسائل الإعلام العالمية التكهنات والنقاشات حول “عطلته السياسية في موسكو”.
اللجوء المخطط والمحسوب
استقر رئيس النظام السوري المخلوع في موسكو بعد انتقال السلطة في بلاده إلى المعارضة. وكتبت وسائل إعلام روسية أنه قبل فترة طويلة من الإطاحة به كان يسحب الأموال نقداً ويشتري عشرات الشقق في العاصمة الروسية، لتأويه مع زوجته وأولاده الثلاثة، الذين تتراوح أعمارهم بين 21 و22 و24 سنة.
ويبدو أن الأسد كان يشتبه في أن سلطته تقترب من نهايتها، إذ اكتشف صحافيون وثائق أظهرت أنه في الفترة بين عامي 2018 و 2019، نقل الجانب السوري نحو طنين من الأوراق النقدية من فئة 100 دولار و500 يورو إلى موسكو بالطائرة، بحسب ما ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية.
على مدى عام ونصف العام، كان هناك أكثر من عشرين رحلة “مالية” من هذا القبيل. وبناءً على ذلك، وبحسب وسائل إعلام غربية، تم نقل نحو 250 مليون دولار من دمشق إلى البنوك الروسية.
وبالمناسبة، يقولون إن زوجة رئيس النظام السابق، أسماء الأسد ترأست مجلساً اقتصادياً رئاسياً سرياً في سوريا لمدة 10 سنوات. وبفضل ذلك، وحتى في ظل خزانة فارغة، كانت للأسد وأقرب مساعديه سيطرة شخصية على ما تبقى من اقتصاد البلاد وتهريب الوقود.
ويبدو أن الأسد كان يحضّر طرق الهرب بنفسه مسبقاً. وكتب الباحثان أندريه سولداتوف وإيرينا بوروغان في ربيع عام 2022 أنه “حتى في ذلك الوقت، لم يشك أحد في أن بوتين سيمنح بشار الأسد اللجوء إذا سقط نظامه”. وأشاروا في الوقت نفسه إلى أن الصحافيين الذين يبحثون عن ممتلكات الأسد في موسكو حددوا منذ عام 2019 19 شقة قد تكون مملوكة لأفراد من عائلة رئيس النظام السوري السابق.
وبطبيعة الحال، في الوقت الراهن كل هذا مجرد كلام من دون أي تأكيد وثائقي واحد. ولكن من المعروف أن السوريين العاديين عاشوا في السنوات الأخيرة في فقر، وأن البلاد تعاني من التضخم والبطالة المستشرية.
ويرفض السكرتير الصحافي للكرملين، دميتري بيسكوف، بشكل قاطع إعطاء أي تفاصيل حول حياة ودور الأسد على الأراضي الروسية. ويوضح فقط أنه ليس من الممكن منح أي شخص وضع اللاجئ لولا قرار بوتين. ويضيف بيسكوف أن “جدول أعمال الرئيس لا يتضمن لقاءً مع الأسد” على رغم أن الرئيس الروسي أعلن في مؤتمره الصحافي الكبير في 19 ديسمبر الماضي عزمه على اللقاء معه.
يدرس أبناء الأسد في جامعة موسكو الحكومية، كما دافع ابنه الأكبر حافظ أخيراً عن أطروحته وحصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء والرياضيات. وتتلقى أسماء الأسد العلاج في موسكو من إصابتها بسرطان الدم، الذي تم تشخيص إصابتها به مرة أخرى في مايو (أيار) الماضي.
ماذا يملك الأسد في روسيا؟
أفاد صحافيون روس على معرفة سابقة بالرئيس السوري المعزول، بأن الأسد لم يكن يريد الانتقال إلى روسيا، لكنه أدرك أن احتمالات هذه الخطوة غير المرغوبة كانت عالية، إذ عارضته جهات قوية، غامضة وغير غامضة. ولذلك، بدأ مع أفراد أسرته، بالاستثمار في العقارات في موسكو مسبقاً.
في عام 2019، ظهرت معلومات تفيد بأن آل مخلوف، أقارب رئيس النظام السابق من جهة والدته، استحوذوا على ما لا يقل عن 19 شقة في أبراج موسكو من خلال شركات وهمية خلال السنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية.
وتبلغ المساحة الإجمالية للسكن 1342 متراً مربعاً، وتقدر قيمته بأكثر من 40 مليون دولار أميركي. ويعتقد الخبراء أن الرئيس السابق وعائلته استقروا في إحدى الشقق الفاخرة في أبراج العاصمة.
ومعروف أن هذه الشقة الكائنة في الطابق العشرين، مسجلة باسم كندة مخلوف، زوجة ابن خال الأسد، الرئيس السابق لقوات الأمن السورية حافظ مخلوف، الذي يملك شقة في الطابق الستين من المبنى نفسه.
وفي الطابق الثاني من المبنى يقع عقار زوجة شقيق رامي مخلوف الأكبر، رزان عثمان. كما تملك أختها، بدورها، شقة في الطابق 54 من ناطحة السحاب.
وفي الطابق الثامن والعشرين، يمتلك اثنان آخران من أقارب الأسد شقتين، وهما: الرائد السابق في المخابرات السورية إياد مخلوف، وشقيقه التوأم إيهاب. وقبل عامين أسسا في موسكو شركة لشراء وبيع وتأجير العقارات تحت اسم “مدينة زافيليس” بمكتب ليس بعيداً من المنزل، على جسر بريسنينسكايا. ووفقاً للبيانات المفتوحة، فإن مخلوف هو أيضاً مؤسس شركة “أيستي أل أل سي” منذ 21 مارس (آذار) 2018 وشركة “غلوبال غروب” منذ 15 مارس 2018.
وإضافة إلى العقارات في المدينة، أصبح أبناء أعمام الأسد وأقارب آخرون له، مالكين لما لا يقل عن 20 شقة في مناطق مختلفة من موسكو.
أصول الأسد في الخارج
وإضافة إلى كل ما سبق، تملك عائلة الرئيس السابق عقارات في دبي بقيمة 43 مليون دولار، وشقق في رومانيا، و18 حساباً في فروع بنك “أتش أس بي سي” (HSBC) في جزر كايمان وجزر فيرجن البريطانية.
ويزعم الأميركيون أنهم تمكنوا من اكتشاف أصول في الخارج تعود لعائلة زوجة الأسد، ووالدته أنيسة مخلوف، وعمه رفعت. وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الأخير يملك عقارات في فرنسا تبلغ قيمتها نحو 90 مليون يورو.
لكن في عام 2019، أصدرت محكمة في باريس حكماً بمصادرة هذه الأصول. وقال المحامون إنهم يعتقدون أن عائلة مخلوف ستستفيد من الاستثمار وتمويل الأسد، الذي يخضع لعقوبات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بحسب الحاجة.
جار غير عادي
يستقبلك مركز الأعمال حيث يقيم الأسد في مدينة موسكو، كما هي الحال دائماً، بمناظر المدينة المستقبلية. هنا، تتحرك روبوتات التوصيل في كل مكان، وتُعرض السيارات الفاخرة باهظة الثمن في واجهات المتاجر، والضوء القادم من النوافذ العديدة، الممتد إلى ما وراء السحاب، يجعلك تشعر بالدوار حرفياً. وهنا يقال إن أبناء أعمام بشار الأسد وأقاربهم اشتروا ما لا يقل عن 20 شقة بقيمة 40 مليون دولار بين عامي 2013 و2019. وتعيش عائلة بشار الأسد حالياً في أحدها.
لا تحتوي ناطحات السحاب على مداخل بالمعنى المعتاد للكلمة. تم تصميم مداخل الأبراج على غرار القاعات الكبيرة في الفنادق ذات الخمس نجوم، مع تشطيبات باهظة الثمن، وكراسٍ بذراعين، وأرائك، وطاولات قهوة. خلف الباب الدوار، يتحكم الأمن ليس فقط بمدخل غرفة المصعد والممر الذي يوصل إلى المصاعد بل بكل حركة أو إشارة تصدر من كاميرات المراقبة التي تتولى نقل كل ما يدور حولك بالصورة والصوت والوقت الحقيقي.
لا أزرار هنا لاستدعاء المصاعد، المحظوظون من أصحاب العقارات الفاخرة هنا يخرجون بطاقة ممغنطة يستطيعون من خلالها استدعاء المصعد. الأرضية تلمع بالرخام المصقول. تمتد الممرات الواسعة إلى مداخل للشقق الفاخرة على كلا الجانبين.
وبحسب السجلات العقارية فإن الشقق الفاخرة في ناطحة السحاب الروسية تعود إلى أبناء خال الأسد، حافظ وإياد وإيهاب مخلوف، وشقيقتهم كندة مخلوف، ورزان عثمان، زوجة ابن خال آخر لرئيس النظام السوري السابق، رجل الأعمال رامي مخلوف. وكما ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز”، يملك حافظ أيضاً شقة مكونة من ثلاث غرف على بعد بضع دقائق بالسيارة من مدينة موسكو.
ويزعم مصدر في جهاز المخابرات العامة الروسي أن أقارب الأسد لم يشتروا هذه الشقق في مدينة موسكو، بل حصلوا عليها كجزء من الأرباح مقابل استثمارات في بناء برج نيفا. ويشير إلى أن عائلة مخلوف اشترت أيضاً منزلاً جديداً في العاصمة الروسية هو عبارة عن شقة بمساحة تزيد على 300 متر مربع، في شارع كليماشكينا في منطقة محطة مترو “أوليتسا 1905 غودا”، حيث يقضي أطفال حافظ أوقاتهم هناك، وحيث يقيم أيضاً طاقم الأسد من مترجمين وسائقين وحراس أمن بعد انتقالهم إلى روسيا.
وقدرت وزارة الخارجية الأميركية صافي ثروة عائلة الأسد بما يتراوح بين مليار وملياري دولار، لكن من الصعب حسابها بدقة أكبر لأن الأصول “موزعة ومخفية في العديد من الحسابات، ومحافظ العقارات، والشركات، والاستثمارات الخارجية”.
وبينما تقول صحيفة “التلغراف” أنه “لن تكون هناك وجبات عشاء دافئة في الكرملين، إلا أن بشار الأسد لا يزال يشرب الشمبانيا ويأكل الكافيار في حياته الجديدة الفاخرة في المنفى”، يشير رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني السابق (أم آي 6) أليكس يانغر إلى أن الأسد وعائلته سيواجهون بدلاً من ذلك “تدهوراً دراماتيكياً في الظروف المعيشية” مقارنةً بالرفاهية التي اعتادوا عليها في دمشق. ويوضح أن روسيا لديها “أولوية أكثر أهمية بكثير، وهي أوكرانيا”.
الوضع القانوني للأسد في روسيا
رسمياً، لم يتم تحديد وضع الرئيس السوري المخلوع علناً، لكنه قد يصبح من أوائل الحائزين على اللجوء السياسي في روسيا منذ عام 1992، بحسب صحيفة “كوميرسانت”. وفي أغلب الحالات، يُمنح الأجانب حق اللجوء المؤقت، وهو ما استخدمه الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش وموظف وكالة الأمن القومي الأميركية السابق إدوارد سنودن.
وأوضح محامي سنودن، أناتولي كوتشيرينا للصحيفة، أن اللجوء السياسي يمنحه الرئيس الروسي، في حين تدرس “هيئة الهجرة” طلبات اللجوء المؤقت. وأضاف أن الحصول على اللجوء المؤقت “ليس بالأمر السهل”. فهو يعطي حقوقاً أقل ويتطلب التجديد كل عام.
يسمح وضع اللاجئ بالحصول على بوليصة تأمين طبي وبطاقة بنكية، ويمنح الحق في البقاء والعمل في روسيا. ويسلم حاملو هذا الوضع جوازات سفرهم الوطنية إلى هيئة الهجرة للحفظ، ويحصلون في المقابل على شهادة لجوء مؤقت.
“لا يوجد حالياً الكثير من الأشخاص الحاصلين على اللجوء السياسي في روسيا. كانت هناك حالات معزولة. وتم تطوير نوعين من الأوضاع بموجب القانون: وضع اللاجئ واللجوء المؤقت. لكن حالات منح وضع اللاجئ نادرة للغاية، إذ يبلغ عددهم نحو 300 شخص فقط”، بحسب ما قالته إيلينا بورتينا، عضو لجنة المساعدة المدنية للصحيفة.
يمكن تفسير قرار فلاديمير بوتين بمنح اللجوء لبشار الأسد بدوافع براغماتية كما يقول عالم الاجتماع والناشط السياسي إيغور إيدمان. وفي رأيه، فإن بوتين يثبت بذلك عمداً أنه “لا يتخلى عن أنصاره” في المتاعب.
ويضيف في تعليق لإذاعة “صوت أميركا الروسية”، أن “الرئيس الروسي يساعدهم حتى عندما يفشلون في كل خطط موسكو المتعلقة بهم ويجدون أنفسهم عاطلين من العمل. دعونا نتذكر الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش، على سبيل المثال. وتعرض يانوكوفيتش لانتقادات شديدة في وسائل الإعلام الروسية، وكان بوتين نفسه حزيناً للغاية لأن تلميذه تراجع وهرب من أوكرانيا”.
وفي حالة بشار الأسد، كان بوتين يسترشد بالاعتبارات نفسها تقريباً، لقد تعاونت عائلة الرئيس السوري المخلوع مع موسكو لمدة 50 سنة تقريباً، بما في ذلك خلال الفترة السوفياتية. ولهذا السبب لم يترك بوتين الأسد لمصيره. وربما لم يفقد الكرملين الأمل بعد في استخدامه لأغراضه الخاصة بطريقة أو بأخرى.
الأسباب الوجيهة لقلق الأسد
الآن تتكشف العقدة الرئيسة بالنسبة لموسكو حول القواعد العسكرية الروسية في سوريا في طرطوس وحميميم. وتقع حميميم في محافظة اللاذقية، حيث كانت لعائلة الأسد في السابق مكانةً قوية هناك. وبطبيعة الحال، فإن قضية القواعد ستحسمها الحكومة الجديدة، ولكن مع ذلك يحاول بوتين فتح خطوط اتصال مباشر مع الرئيس السوري أحمد الشرع للحفاظ على هذه القواعد، وهذا ما يزيد قلق الأسد ويفاقم مخاوفه، لأن هذا الأمر قد يضطره لدفع ثمن باهظ، خصوصاً وأن الشرع طالب مبعوث الرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف عندما التقاه للمرة الأولى في فبراير (شباط) الجاري، بتسليم الأسد ليواجه محاكمة من قبل خصومه.
ومع أن الشيء الأساسي هنا لا يزال الرغبة في إنقاذ موسكو لأحد حلفائها القلائل بشكل واضح، وهذا تقليد موروث من تقاليد الاتحاد السوفياتي، إلا أن حلفاء روسيا الجديدة لم يعودوا واثقين من وفائها لهم بشكل قاطع لا لبس فيه، بعد أن تخلت عن الأيديولوجيا والمبادئ وصارت تسترشد بمصالحها قبل مبادئها، لذلك يجب عليهم ألا يكونوا واثقين من أن الكرملين سيساعدهم في الأوقات الصعبة، إذا تعارضت هذه المساعدة مع مصالح الكرملين العليا.
المحاضر في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة تشارلز في براغ، دميتري دوبروفسكي، يعتبر أن كل شيء أصبح أبسط بكثير. وبحسب قوله، فإن “روسيا عادت لتلعب ببساطة دور القوة العظمى، التي مثل الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا، توفر اللجوء لرؤساء الدول المعزولين، بعد أن تخلت عن ذلك إثر انهيار الاتحاد السوفياتي وطردت رئيس ألمانيا الشرقية المخلوع، إريك هونيكر، من أراضيها آنذاك مسايرةً للغرب الذي فتح ذراعيه لها”. وأضاف “هناك مقولة شائعة في روسيا مفادها بأن بوتين لديه خصوصية احترام تعهداته التي يلاحظها الجميع، فهو يستطيع أن يبصق على أي اتفاق باستثناء الاتفاقات الشخصية. وأعتقد أنه لديه التزامات شخصية تجاه الأسد، وكذلك تجاه كل أنواع الحكام الهاربين الآخرين من حلفائه. على سبيل المثال، استوطن في موسكو في وقت ما، عسكر أكاييف، الرئيس السابق لقيرغيزستان، الذي فر من بيشكك، والرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش وآخرون. لذا أعتقد أن بوتين يتصرف وفقاً لمنطقه الخاص في هذه الحالة أيضاً”.
من حيث المبدأ، هذه ممارسة راسخة في العديد من البلدان، كما يقول دميتري دوبروفسكي، “لنفترض أن بعض الشخصيات البغيضة للغاية من المستعمرات الفرنسية السابقة حصلت على مأوى في فرنسا. وكذلك فإن بوتين يفكر بنفس الروح تقريباً. نعم فهو يلتزم بالاتفاقيات الشخصية. علاوةً على ذلك، فإن هذه ممارسة طبيعية لدى رؤساء القوى العظمى التي اعتاد الزعيم الروسي على التعريف بنفسه من خلالها. لهذا السبب يتصرف بهذه الطريقة.”
إن خسارة روسيا لنفوذها في سوريا أمر مميز ودال للغاية، ولكن من السابق لأوانه استخلاص استنتاجات حول العواقب السلبية العالمية على الكرملين، فعندما سحب الأميركيون قواتهم من أفغانستان، لم يعلن أحد أن انهيار الولايات المتحدة قد حدث. نعم كان هناك فشل لسياسة الكرملين في سوريا. ولكن إلى حد أكبر، هذه قصة عن مدى استحالة الاحتفاظ بالسلطة باستخدام الحراب وحدها. فكما قال نابليون، يمكنك أن تفعل أي شيء بالحراب، ولكن لا يمكنك الجلوس معها. من حيث المبدأ، أمضى الأسد وقتاً طويلاً في إثبات العكس، لكن هذا لم يكن من الممكن أن يستمر إلى ما لا نهاية.
أما في ما يتعلق بمعنى الوجود العسكري الروسي في سوريا وتبرير الخسائر التي تكبدتها روسيا هناك، فإن هذا السؤال اليوم، على خلفية المشكلات الأخرى التي يواجهها الكرملين، يبدو بلاغياً إلى حد ما.
وبحسب مصادر متطابقة، قُتل ما لا يقل عن 543 من العسكريين الروس وضباط الاستخبارات ومسلحي شركة “فاغنر” الأمنية الخاصة في سوريا منذ عام 2015.
القلق الرئيس الآن في روسيا ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها ليس مصير الأسد، بل هو القلق بشأن الطبيعة غير المتوقعة للقوى التي استولت على السلطة في سوريا. فمنذ بدء الحرب الأهلية هناك تم اعتبارهم أحد فروع تنظيم “القاعدة”، وعلى رغم أنهم الآن يظهرون سلوكاً مختلفاً عن ذي قبل، وأكثر تحضراً، إلا أن المنطقة بأسرها لا تزال في حالة صدمة. وستنتظر دول الشرق الأوسط بفارغ الصبر لمعرفة كيف ستتطور الأحداث داخل سوريا.
لقد فرّ بشار الأسد من البلاد حتى لا يلاقي مصير القذافي في ليبيا، أو مصير صدّام حسين في العراق. ونحن بحاجة إلى مراقبة نوع الحكومة التي ستشكلها القوى التي سيطرت على مقاليد السلطة الآن. ومن الصعب أن نتصور أنهم سيشكلون حكومة ديمقراطية شاملة. كل هذا يمكن أن يخرج عن السيطرة بسرعة، فالتغيير الدراماتيكي للنظام يمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية، كما هي الحال في ليبيا.
اعترفت روسيا علناً بأن السلطات السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع طالبتها بتسليم الأسد، لكنها لم تقدم رداً على هذا الطلب الصعب والمعقد والذي فيه الكثير من الإحراج، لذلك فإن الأمور مرهونة بأوقاتها وبتطوراتها، فإذا ما نجح الكرملين في كسب ودّ السلطات الجديدة في سوريا، وموافقتها على إبقاء قاعدتيه العسكريتين المهمتين في طرطوس وحميميم، مقابل تقديمها مساعدات عسكرية وغذائية ومالية عاجلة تشكل نوعاً من التعويضات، فعندها سيكون على الأسد أن يختار منفى آخر في دولة من الدول التي ساندته وأيدته قبل سقوطه، ولا أستبعد أن يكون منفاه الجديد في بيلاروس المجاورة التي تربط الأسد برئيسها ألكسندر لوكاشينكو علاقات صداقة وتعاون قديمة.
————————————
أي تأثير تتركه مشاريع تمكين النساء؟: عمل المنظمات في بصرى الشام ونتائجه كما تحكيها نساء من المدينة/ أمل السلامات
20-02-2025
* * * * *
خرجَت مدينة بصرى الشام عن سيطرة النظام السوري في العام 2015، لتصبح تحت سيطرة المعارضة المسلّحة وتبقى كذلك حتى العام 2018. وخلال تلك الأعوام، نشطت منظمات المجتمع المدني بكثافة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ومن بينها بصرى بطبيعة الحال، ونفّذت مشاريع متنوعة من بينها مشاريع تمكين النساء. ودائماً، كانت هناك نقاشات بشأن جدوى هذه المشاريع وتأثيرها في المجتمع، وفي حياة النساء المستفيدات منها على وجه الخصوص.
تهدف هذه المشاريع عموماً إلى رفع السوية المعرفية للنساء بشأن مفاهيم ومصطلحات تخدم تغيير الثقافة المجتمعية بشأن دور المرأة ووظيفتها، إلى جانب رفع قدرات النساء وخبراتهنّ العملية بحيث تصبح لديهنّ المهارات اللازمة لدخول سوق العمل. وفي هذا السياق تم إنشاء مراكز ومكاتب خاصة بالمرأة، وتعيين كوادر نسائية في المنظمات والعمل على إكسابهن المهارات والخبرات التي تتناسب مع الهيكلية الوظيفية لمنظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى المشاريع والتدريبات التي استهدفت شرائح مختلفة من النساء بهدف تمكينهن اجتماعياً واقتصادياً وعملياً.
يسعى هذا الريبورتاج إلى تقديم إجابات على جملة أسئلة انطلاقاً من تجربة هذه المنظمات في بصرى الشام: إلى أي مدى حققت مشاريع وبرامج المنظمات التي توجّهت للنساء أهدافها خلال فترة عملها في المدينة؟ وأي أثر تركته بعد انسحابها في العام 2018؟ وهل استفادت النساء بعد عودة المنطقة إلى سيطرة النظام وحلفائه من التدريبات والورشات التي قدمتها المنظمات، سواء على صعيد العمل أو الصعيد الشخصي؟ وأي مآلات محتملة بعد سقوط الأسد على هذا الصعيد؟
وقد كان لمدينة بصرى خصوصية استثنائية، دفعتنا إلى اختيارها وطرح الأسئلة من خلال تجربتها.
لماذا بصرى الشام؟
منذ العام 2016 انفردت كتيبة «شباب السنة» بقيادة أحمد العودة بالسيطرة على المدينة، وتحولت إلى لواء له ارتباطات بغرفة غرفة تنسيق الدعم المشتركة (الموك)، التي تدار من قبل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وبعض الدول العربية، والتي استفادت من دعمها فصائل عدة في «الجيش السوري الحر». هكذا تمكّنَ اللواء من امتلاك أسلحة ثقيلة ونوعية جعلته من أقوى الفصائل المسلحة المعارضة في الجنوب السوري، وقد كانت سيطرة فصيل واحد على المدينة، يتلقى أوامره من قيادة أو مرجعية واحدة، عاملاً أساسياً في خلق نوع من الاستقرار والأمان النسبي في بصرى، مقارنة بباقي مناطق وبلدات درعا الخارجة عن سيطرة النظام السوري.
كان هذا واحداً من العوامل التي جعلت المدينة وجهة للعديد من منظمات المجتمع المدني، لتُنفِّذَ فيها أنشطتها ومشاريعها، وأبعد من ذلك، لتفتتح فيها مكاتب ومراكز تابعة لها. لكن هذا ورغم أهميته الشديدة، لم يكن عامل الجذب الوحيد بحسب تمام الجاموس، المدير التنفيذي لمنظمة غصن الزيتون، الذي يقول في حديث له مع الجمهورية.نت: «تتمتع مدينة بصرى بحالة مدنية قوية، كما أن المجتمع المحلي في المدينة كان منظماً ومتعاوناً إلى حد كبير مع منظمات المجتمع المدني. ولبصرى مكانة تاريخية تستمدها من آثارها، كمدرج بصرى الأثري الروماني الشهير، الذي أُقيمت فيه مهرجانات وحفلات لمشاهير عرب وأجانب ارتبطت بذواكر السوريات والسوريين. كل ذلك أدى لأن تكون بصرى أحد أهم المدن التي تقصدها منظمات المجتمع المدني في الجنوب السوري».
إخلاص من مدينة بصرى الشام، وإحدى العاملات سابقاً في واحدة من منظمات المجتمع المدني، أشارت إلى عدد من الأسباب الأخرى التي جعلت المدينة وجهة لأغلب منظمات المجتمع المدني العاملة في الجنوب السوري؛ تقول: «التعداد السكاني كبير نسبياً في بصرى، وفيها مستوى تعليمي عالٍ، وبالتالي كوادر مؤهلة للعمل في المنظمات. ذلك إلى جانب الأمن والاستقرار. وبالرغم من أن المدينة تعرّضت للقصف عدة مرات، إلا أن بنيتها التحتية لم تُدمَّر وبقيت بحالة جيدة ومقبولة إجمالاً».
وبحسب لمى وهناء، وهُما من ساكنات مدينة بصرى ومستفيدتان من أنشطة المنظمات، فإن سلطة الأمر الواقع في بصرى كانت متعاونة وداعمة لوجود المنظمات في المدينة، بل وتقدِّم تسهيلات لتشجيع المنظمات على إقامة برامج ومشاريع فيها. وأضافَتا أن مدينة بصرى استقبلت عدداً كبيراً من النازحين-ات إليها من قرى وبلدات درعا الأخرى، وأشارتَا أيضاً إلى الحالة الأمنية الجيدة: «كانت بصرى من أكثر المدن أماناً في مناطق درعا الخارجة عن السيطرة، فمثلاً لم يُسجَّل فيها سرقات أو أعمالُ نهب للمنازل».
هكذا كان استقرار الأوضاع في بصرى عامل جذب لهذه المنظمات، وكانت سلطة الأمر الواقع معنية بإفساح المجال لها. بالإضافة إلى ذلك، عادت بصرى الشام إلى سلطة النظام السابق في العام 2018 دون أن تشهد قصفاً مدمراً أو تهجيراً كما سنرى لاحقاً، ما يجعلها ميداناً مناسباً لطرح الأسئلة بشأن المنظمات وأثرها.
البدايات
بدايات مشاريع التمكين
بعد خروج مدينة بصرى عن سيطرة النظام، دخلت إليها المنظمات مباشرة. تقول إخلاص: «في الشهر الثالث من عام 2015 بدأت المنظمات بالدخول إلى مدينة بصرى. أتذكّرُ على سبيل المثال أن منظمة غصن الزيتون بدأت أول مشاريعها في شهر تشرين الثاني من العام نفسه».
كانت إخلاص قد سمعت من صديقاتها عن عمل المنظمات في مناطق أخرى قبل دخولها إلى مدينة بصرى، وتحمّست لأنشطة المنظمات لعدة أسباب: «سمعتُ أولاً عن منظمات كانت تقدم الدعم النفسي للأطفال، وأحببتُ فكرة وجود منظمات تقدم هذا النوع من الدعم بكوادر مؤهلة، فقد طال قصفُ النظام عدداً من المدارس، كما أن الحرب كان لها أثرٌ سيء على الناس بشكل عام وعلى الأطفال بشكل خاص. إضافة إلى أن المنظمات كانت حيادية وتحمل صفة الإنسانية». تُضيف: «مارست المنظمات عملها بعقلية مختلفة عن عقلية مؤسسات النظام، فكنا نعمل كفريق متكامل في اتخاذ القرارات للوصول إلى أفضل الانجازات دون تحكم أو تقييد من قبل رؤساء العمل».
لجأت إيناس (اسم مستعار)، وهي إحدى العاملات في المُنظّمات، إلى الإنترنت للبحث عن بعض المفاهيم والمصطلحات التي كانت تجهلها، والتي سمعتها من أنشطة كالمحاضرات والتدريبات التي قدمتها بعض المنظمات بهدف تمكين النساء، وبعد البحث عنها عرفت أهميتها؛ تقول: «تعرفتُ إلى تدريب المهارات الحياتية، والتفكير الاستراتيجي، ومصطلحات مثل اتفاقية سيداو ومفهوم الكوتا، وأذكر أيضاً محاضرة عن المواطَنة في واحدة من تدريبات تمكين النساء التي شاركتُ فيها في عام 2016. كانت المصطلحات والمفاهيم غريبة وجديدة عَلَيّ، لذلك استخدمتُ الإنترنت للبحث عنها والتعمق في معرفتها، فوجدتُ فيها إضافة معرفية وفكرية كبيرة، وشعرتُ أنه لا بدَّ للنساء أن يتعرّفنَ عليها لأهميتها في تغيير واقعهنّ».
تمام الجاموس من أبناء محافظة درعا أيضاً، وهو يرى أن قرى وبلدات حوران بشكل عام كانت أرضاً خصبة لمشاريع تمكين النساء: «أنا ابن درعا، ولدي المعرفة جيدة بها، وبالإضافة إلى هذا أجرينا دراسات لتقييم احتياجات المنطقة وإمكانياتها، ووجدنا أن حوران بشكل عام فيها حالة مدنية مقبولة، ونسبةُ التعليم بين النساء الحورانيات مرتفعة، إلى جانب قدرتهنّ على التعبير عن أنفسهن في مجتمعاتهن، وبالتالي فإن مشاريع تمكين النساء في المنطقة ستؤدي الغرض منها».
دوافع النساء للعمل أو المشاركة في مشاريع التمكين
تحمل إخلاص شهادة جامعية، وعملتْ كمُدرِّسة بالوكالة قبل وقوع مدينة بصرى تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، وبعدها تركت عملها في مدراس النظام وشغلت عدة مواقع في منظمات المجتمع المدني العاملة في بصرى. عن دوافعها للعمل في المنظمات وخاصة في مشاريع التمكين: «أنا مؤمنة أساساً بأهمية تمكين النساء وقدرتهنَّ على تطوير العمل وإتقانه، وجاءت مشاريع التمكين مناسبة لإيماني هذا. بعد خروج مدينتي عن سيطرة النظام كان من الصعب عَلَيَّ العمل في مدارس موجودة في مناطق سيطرته، فكان العمل مع المنظمات التي دخلت بصرى فرصة حقيقة للمساهمة بخبراتي وتطويرها في الوقت ذاته، إضافة إلى تحقيق نوع من الأمان الاقتصادي».
الرغبة في تحسين مهاراتها وامتلاك المؤهلات كان أحد الدوافع لدى إيناس للعمل في المنظمات: «أنا أحمل شهادة جامعية في الرياضيات، وعملتُ لسنوات في قطاع التعليم، ولكنني وبسبب الأحداث تركتُ التدريس ونزحتُ إلى مناطق كثيرة قبل أن أستقر في بصرى. جاءت المنظمات مُتنفَّساً وفرصة لي لأُخرِجَ ما عندي من مهارات وطاقات. وطبعاً هناك الجانب الاقتصادي، فرواتب المنظمات كانت ممتازة».
عموماً لم تكن النساء في بصرى على دراية واسعة بالعديد من المهارات أو المعارف التي عملت المنظمات على تطويرها لديهنّ، بغاية تمكينهنّ على الصعيد العملي والفكري. وبحسب هناء، إحدى المشاركات في أنشطة التمكين، فإن تدريبات التمكين كانت ضرورية لواقع وظرف المنطقة: «أول تدريب حضرته كان سلسلة تدريبات عن الإسعافات الأولية، بحسب ما أذكر في أواخر 2016 وبدايات 2017. هذا التدريب كان مُهماً جداً بالنسبة لي، فالمنطقة كانت في حالة حرب وكانت المشافي الميدانية بحاجة مستمرة للممرضين-ات القادرين-ات على تقديم الإسعاف الأولي للمصابين-ات مثل تضميد الجروح، وكذلك قياس الضغط والسكري». تُشير هناء إلى أنها شاركت في دورات أخرى بدافع تطوير مهاراتها: «شاركتُ في دورة تدريب إنشاء سيفي (CV)، دورة ICDL، ودورة تدريبية حول التخطيط الاستراتيجي، كلها كانت دورات وتدريبات مهمة وجديدة بالنسبة لي».
مدى تَقبُّل المجتمع لوجود هذه المشاريع
كما ذكر تمام الجاموس والسيدات اللواتي أُجريت معهن المقابلات، فإن أغلب المخاوف من مشاريع التمكين كانت أمنية من جهة نظام الأسد، ولم تعترض سلطة الأمر الواقع في بصرى الشام على وجود تلك المشاريع والتدريبات، فيما لم يمكن الأهالي جميعاً متقبلين تماماً لهذا النوع من الأنشطة، بل انقسمت مواقفهم بهذا الخصوص.
تقول هناء: «انقسم الأهالي في آرائهم حول مشاركة النساء في أنشطة المنظمات إلى قسمين، الأول موافق والثاني معترض. أما سبب الاعتراض فهو الخوف من اعتقال النساء على حواجز النظام الأمنية إذا ما فكّرنَ بالذهاب إلى مناطق سيطرة النظام بعد مشاركتهنّ، إذ كان هناك عدد من النساء اللواتي قد يضطررنَ للذهاب إلى مناطق النظام، فيخافُ الأهالي من أن الصور التي قد تلتقطها المنظمات لأنشطتها قد تقع بين أيدي عناصر النظام، ما يجعل المُشارِكات عرضة للاعتقال. إلى جانب الخوف من بعض الأشخاص الذين قد تكون لديهم صلات مع النظام (العواينية أو كتيّبة التقارير)».
يوضح تمام الجاموس: «حين قررنا تنفيذ مشاريع التمكين، ابتعدنا في البدايات عن استخدام المصطلحات الجديدة التي لا يعرفها المجتمع. أساساً نحن أنفسنا كمنظمات محلية لم نكن نعرف ما يعنيه مفهوم التمكين. نَفَّذنا مشاريعنا بهدف تحقيق النتائج من التمكين، والتي هي تطوير مهارات النساء وقدراتهنّ. أودُّ لفتَ الانتباه إلى أننا فوجئنا بأن المجتمع أصلاً كان قد سبقنا في هذا المجال، وأن نساء كثيرات كُنّ مُمكَّنات أساساً، ولكن يحتجنَ إلى نوع من تنظيم مهارتهنّ وأطلاقها للعلن. نحن لم نكن نريد تغيير المجتمع بقدر ما كنا نريد تطويره، وهذا ساعدَ على قبول مشاريع التمكين».
من وجهة نظر إيناس، لم يتقبل المجتمع مشاريع التمكين بصورة كلية، وهي تقول عن ذلك: «عندما كنتُ أرجعُ من أي تدريب أو ورشة إلى منزلي، كنتُ أُسأَل من قبل عائلتي عنها وعمّا تعنيه المصطلحات التي كنت أتعلّمُها. هذا كان طبيعياً لأنها مصطلحات غريبة عن المجتمع، ولكنني لاحقاً كُلَّما قمت بفعل أي شيء صغير مُخالف للعادة، مثل أنهم يعتبرون أن من واجبي أن أُحضِرَ كأس ماء لزوجي لكنني أرفض، مباشرة يقولون إن هذا التغيير سببه مشاركتي في هذه الدورات والتدريبات». تَعزو إيناس سبب ذلك إلى العادات والتقاليد فتقول: «لقد تَشرَّبنا عادات وتقاليد منذ عقود، وهي تسري في عروقنا مثل الدم، لذلك كان من الصعب شرح المفاهيم والمصطلحات الجديدة لمن حولك بسهولة. لاحقاً بدأت الغالبية تتقبلها، وأحياناً بعضهم يقتنع بها، ولا سيما النساء. أما الرجال، فأعتقد أنهم حتى اللحظة ما يزالون مُعترضين على فكرة تمكين النساء».
تتفق إخلاص مع إيناس بشأن عدم تَقبُّل المجتمع بداية لفكرة مشاركة النساء بمشاريع التمكين، وتؤكد مجدداً على سببٍ كانت هناء قد تحدثت عنه: «مَنعَ البعضُ قريباتهنّ من النساء من حضور المحاضرات والورشات، ويمكن أن يُعزى ذلك في جانب منه إلى الخوف من النظام والاعتقالات والتقارير».
المرحلة «الذهبية»
اتساع عمل المنظمات
وصفت النساء اللاتي أُجريت معهنّ المقابلات الفترة الممتدة من أواخر 2016 وحتى صيف 2018 بأنها مرحلة ذهبية لعمل المنظمات بشكل عام، ومشاريع تمكين النساء بشكل خاص، في مدينة بصرى. تقول إخلاص: «إنها مرحلة ذهبية عَلَّمت المرأة أن تكون قيادية، وغيَّرت الثقافة السائدة تجاه المرأة. قد نحتاج كنساء دونها 100 سنة لتحقيق ما حققناه خلال هذه الفترة من وعي ثقافي ونفسي واجتماعي وسياسي».
وعنها تتحدث إيناس: «كانت مرحلة ازدهار. كُنّا مكبوتات ومقهورات. هي مرحلة سعادة، مرحلة وجدت نساء كثيرات فيها أنفسهنّ، بعضهنَّ صرنَ فيها مُتمكنات اقتصادياً، وبعضهن انشغلنَ بتطوير أنفسهنّ ومهاراتهنّ، مرحلة لم تَعُد فيها كثيرات من نساء المدينة محبوسات في منازلهنّ 24 ساعة».
تمكَّنَ لواء «شباب السنة» من فرض مزيد من الأمان على المدينة، وساهمت هدنة تموز (مايو) 2017 في خلق نوع من الاستقرار شبه التام فيها، إذ لم تتعرض المنطقة للقصف. وزادت أعداد المنظمات في المدينة، كما أن المجتمع أصبح لديه قبول كبير لعمل المنظمات إذا أصبح لها قاعدة شعبية كبيرة. وساهم المجلس المحلي للمدينة بدوره في تسهيل عمل المنظمات وفي دعمها لتنفيذ مشاريعها، وتهافتت المنظمات على مدينة بصرى.
يقول تمام الجاموس في هذا الصدد: «في الحقيقة لم يكن لنا تواصل مباشر مع العسكر، بل أبرمنا مذكرات تفاهم مع المجالس المحلية لتنفيذ مشاريعنا، أي اعتمدنا على الجهات المدنية كمجلس المحافظة والمديريات لتكون وسيطاً بيننا وبين العسكر. وكان لمنظمة غصن الزيتون حاضنة شعبية قوية، فمثلاً بلغ عدد العاملين-ات فيها في محافظة درعا حوالي الألف. هذا جعلنا نشعر بالأمان في تنفيذ مشاريعنا، ولاحقاً افتتحنا في بصرى الشام مكتباً للمرأة».
وعن أسباب افتتاح مكتب للمرأة في بصرى يحدثنا تمام الجاموس: «وجود منظمات مدنية يعني بالضرورة وجود نساء فيها، هذه فكرة أساسية لأي عمل مدني، وهي أن تكون النساء جزءاً من العمل. لذلك قدّمت منظمتنا تدريبات خاصة للنساء، منها ‘مهارات الحياة’ وتدريبات على الكمبيوتر وتدريبات تقنية وتدريبات دعم نفسي، وغيرها من التدريبات التي ترفع كفاءات ومهارات النساء في قطاع العمل وعلى الصعيد الشخصي والفكري. وبعدها لمسنا أن النساء أصبحنَ أكثر قدرة على استلام مناصب قيادية وإدارية عُليا، لذلك كان مكتب المرأة الذي هدفَ إلى توجيه طاقات النساء الهائلة ليدخلنَ المجالس المحلية ويأخذنَ دورهنَّ القيادي في كل قطاعات المجتمع».
وتذكر لنا إخلاص عدداً من المنظمات التي عملت على مشاريع التمكين: «من المنظمات التي نفذت دورات وأنشطة للنساء منظمة أي أر دي (IRD)، حيث قدمت دورات مثل إدارة المشاريع، ومنظمة إحسان التي نفّذت مشاريع تمكين اقتصادية للنساء المعيلات مثل مشروع (الأجبان والألبان). يُمكنني أن أذكر أيضاً منظمة تمكين التي كانت تسعى بدورها لتقديم مشاريع اقتصادية للنساء».
مهارات وتَغيُّرات
عندما بدأت إيناس العمل مع منظمات المجتمع المدني أَحسَّت بأن هذا العمل هو ما كانت تبحث عنه: «لقد أحببتُ فعلاً العمل في المنظمات. كل شيء مختلف عن القطاعات الحكومية في طريقة التعامل والاحترام، وللأمانة كان هناك إيمان بدور المرأة. هذا العمل هو ما أريده، وما أبحث عنه».
تتابع: «بالإضافة إلى التدريبات والدورات التي شاركتُ فيها قبل عملي في المنظمات، خضعتُ لتدريبات خاصة في المنظمات التي عملت معها، مثل تدريبات جمع الاستبيانات والأمن الرقمي وإدارة المشاريع والتخطيط الاستراتيجي وكيفية إجراء المقابلات. كنتُ أشعرُ كلما خضعت لتدريب معين بالسعادة، بأنني تقدمتُ إلى الأمام».
لم تُطور التدريبات مهارات إيناس فقط من الناحية العملية والتقنية، بل إن عملها في المنظمات جعلها تُغيّرُ نظرتها حول دور المرأة، وحتى نظرتها في التعامل مع الآخرين والحياة: «هل تصدقين أن التدريب على كيفية التعامل عند إجراء الاستبيانات جعلني إنسانة ذات بال طويل، أصبحتُ أكثر هدوءاً في التعامل مع الآخرين، وتعلمتُ طريقة الاستماع أكثر للآخر. بدأت بتقبّل نقد الآخرين، وتَعلُّمِ التعاطف واحترام الرأي الآخر. بتُّ أشعر أنني قادرة على شَغل مناصب أعلى وأن لدي طاقات ما تزال مخفية، فقبل ذلك كنت مؤمنة بأن سقف المرأة أن تكون ممرضة أو مُعلّمة، ولكنني أدركت أنني مؤهلة لأن أشغل المناصب الإدارية والقيادية والسياسية. سأخبرك أمراً، قبل العمل مع المنظمات كنت أعتقد أن 4 ساعات من العمل كافية للمرأة، لأنها لا يمكن أن تتأخر عن منزلها وستصبح مرهَقة جسدياً بعد عمل يدوم أكثر من ذلك، ولكنني اكتشفتُ أن نظريتي خاطئة، فالمرأة قادرة على العمل لمدة أطول، والتأخيرُ عن المنزل ليس بالأمر الجلل. كنتُ فعلاً أعتقدُ أن للرجل دماغاً يفوق دماغ المرأة لذلك تكون المناصب القيادية من نصيبه، ومع العمل في المنظمات اتَّضحَ لي أن المرأة قادرة على قيادة فريق بأكمله».
تُخبرنا إيناس بأنها شَجَّعت غيرها من النساء على حضور تلك التدريبات والورشات، ولا سيما تدريبات المهارات الحياتية: «وَجَّهتُ دعوات لأمي وأخواتي لحضور تدريبات، كنت أنصحهنَّ بها لإنني أردتهنَّ أن يتعرّفنَ على قدراتهن أكثر، ويطورنَ من مهارتهن». وتذهب إيناس بنا إلى أبعد من ذلك، فالعمل المدني لم يُغيّر نظرتها عن نفسها كامرأة فقط، بل نظرتها إلى أفضل أسلوب لتربية لأطفالها: «أُعلِّمُ ابني أنَّ لا سلطة له على أخته، وأنها غير مُجبَرة أن تغسل ملابسه أو أن تضع له الطعام… يعني لم يَعُد هناك (سي السيد)». وطبعاً اصطدمت إيناس مع مجتمعها المحيط، وخاصة فيما يتعلق بتربية أطفالها: «سمعتُ كلاماً كثيراً ممن كانوا حولي بأنني أَخرِّب عقلية أطفالي بهذه التربية».
بدأت إخلاص عملها في منظمات المجتمع المدني في أواخر العام 2015، في مجال الدعم النفسي للأطفال، ثم في مجال تمكين النساء: «بداياتي في العمل المنظماتي كان تقديم دعم نفسي للأطفال. كما ذكرتُ سابقاً، تركَتْ الحربُ آثاراً نفسية وجسدية سيئة على الأطفال. تَخيلي أنه كان هناك نسبة من الأطفال ممّن يعانون من مرض السكر بسبب الخوف والرعب. بعد ذلك، وحتى نصل إلى نتائج أفضل في مجال الدعم النفسي للأطفال، كان لا بدَّ من التواصل مع الأمهات وتقديم محاضرات لهنَّ بشأن كيفية التعامل مع أطفالهنّ. لاحقاً بدأتُ التحضير والتجهيز لمحاضرات على مستوى أعلى وتدخل في مفاصل المجتمع، مثل محاضرات عن أسباب ارتفاع نسبة الطلاق ونسبة زواج القاصرات، والعنف ضد النساء والتحرش الجنسي، إلى جانب محاضرات عن المساواة الجندرية».
تُشير إخلاص أيضاً إلى عملها ضمن مشروع لتمكين النساء اقتصادياً: «عملتُ مع منظمة تعمل على تمكين النساء اقتصادياً، مثل تأهيلهنَّ ليصبح لديهنَّ مشروعهنَّ الاقتصادي الخاص. من وجهة نظري فإن مثل هذه المشاريع كانت مهمة جداً للنساء، فالتمكينُ الاقتصادي للمرأة يعني تحررها من جميع القيود والمعوقات التي تمنع تطورها، ويمنحها إمكانية العيش بكرامة دون أن يتحكم بمصيرها أحد».
تلقت إخلاص تدريبات من منظمتها في مجال الدعم النفسي، وهذه التدريبات كانت داعمة لما تَعلَّمته نظرياً في دراستها الجامعية، ولكن الإضافة النوعية لهذه التدريبات من وجهة نظرها كان زيادة ثقتها بنفسها كداعمة نفسية، وتطبيقها لمنهجية مختلفة في مجال الدعم النفسي: «كعاملة دعم نفسي خضعتُ لتدريبات قَدَّمَتها المنظمة، ودعمَتْ ما كنتُ قد تَعلَّمته نظرياً في الجامعة، لكن اتّباع سياسيات في التعامل مع الطفل ومنهجيات خاصة لدخول عالم الطفل هو ما اكتسبته فعلياً من هذه التدريبات. لم أُطبِّق هذه المنهجيات أو السياسات مع الأطفال فقط في منظمتي، بل أصبحت طريقة ومنهجاً أتعامل به مع كل الأطفال. أصبح لدي ثقة كبيرة بنفسي، وبأنني داعمة جيدة لأي طفل قد أُصادفه».
نقلت إخلاص كل ما تَعلَّمَته إلى المحيط والأمهات اللواتي تعرفهنّ: «أخبرتُ أفراد عائلتي والأمهات اللواتي أعرفهن عن أهمية المساواة بين الأطفال الذكور والإناث، والابتعاد عن العنف والضرب في التعامل معهم. ركزتُ كثيراً على أن الطفلات يتطلبنَ التعامل معهن بحساسية أكبر، ويجب تعليمهنّ منذ الصغر أنهن متساويات مع الأطفال الذكور، وبالمقابل ليس أمراً مُسلَّماً به أن يتم ضربهن من قبل إخوتهن الذكور».
تحكي إخلاص أيضاً عن تغيير كبير في شخصيتها هي ذاتها بعد عملها في المنظمات وحضورها لتدريبات ودورات التمكين: «كنت إنسانة خجولة جداً، علاقاتي الاجتماعية محدودة. بعد العمل في المنظمات والمشاركة في تدريبات التمكين، تغيرت أفكاري عن نفسي، اكتشفتُ نقاط قوتي فعملت على تعزيزها وتنبهت لنقاط ضعفي. أصبح لدي تلك المهارة في فهم الآخرين وتصرفاتهم. صرتُ أجد حلولاً لكل المشكلات التي كنتُ أراها في السابق مستعصية الحل. صرتُ أكثر هدوءاً والتزاماً بإنجاز أي عمل».
تذهبُ بنا إخلاص إلى أماكن أبعد: «تشرّبتُ من مجتمعي ومن المدارس بأن أقصى ما يمكن أن تصل إليه المرأة في منطقتي هو أن تكون مُعلِّمة مدرسة، كما أعرفُ كثيرات حصلنَ على درجات عالية في الشهادة الثانوية تؤهلهنَّ لدراسة أفرع علمية عليا، ولكنهنَّ درسن وتحت رغبة أهاليهن الفرع الجامعي الذي يؤهلهن ليصبحن معلمات مدرسيات وهو (معلم الصف). من وجهة نظري، لعبت مشاريع التمكين دوراً في تغيير كل ذلك عن المرأة، وأنا شخصياً بتُّ أعتقد أن المرأة يمكن أن تكون رئيسة وقائدة وتحتل مناصب عليا».
تتحدثُ إخلاص عن نتيجة أخرى لمشاريع التمكين، وهي أنها أثَّرت على نظرة بعض النساء حتى إلى شريكهنّ المستقبلي: «ربما هذه فكرتي أو نظريتي الشخصية، ولكنها فكرة أَتشاركها مع عدد لا بأس به من صديقاتي. في الماضي وقبل دخول المنظمات، كانت صفات الشريك تتمحور بأن يكون ثرياً وأنا سيدة منزل. لابد أن أنوه هنا إلى أن العديد من الفتيات تركنَ التعليم بسبب ظروف الحرب، ولكن بعد تقديم العديد من التدريبات ودورات التمكين للنساء لاحظت تغير هذه الفكرة، إذ صرن يفضلن الشريك المثقف الذي يدعم عمل المرأة».
تضيف: «واجهتنا بعض التحديات في بداية إعطاء تدريبات للنساء. ففي البداية لم يكن حضور النساء للتدريبات كبيراً، غالباً بسبب منع الرجال لهن أو أنه لم يكن لديهن فكرة كافية عن عمل المنظمات ومشاريعها. ولكن لاحقاً، بدأ المجتمع يتقبل ذهاب النساء لحضور التدريبات، بل ويدعمها». و«نعم، حصلت بعض حالات الطلاق في المجتمع كنتيجة لعمل بعض النساء في المنظمات، حيث اكتسبنَ القوة الاقتصادية ورفضنَ أي عنف أو سيطرة قد تُمارَس عليهنّ» تقول إخلاص.
الفَرق الذي أحدثته مشاريع التمكين في حياة المستفيدات
اكتسبت هناء مهارات تقنية من خلال الدورات التي شاركت فيها: «تعلمت كيفية حقن الإبر. صرت جيدة في استخدام برامج الكومبيوتر كالبوربوينت والورود والإكسل. هذه المهارات منحتني الثقة بنفسي. صار لدي إيمان بقدرتي على تَعلُّم المزيد».
«أنا من الأساس لدي القناعة بأن المرأة يجب أن تدخل سوق العمل. وتدريبات التمكين عززت قناعتي هذه»، تتابع هناء التي باتت تتمسك بفكرة أن «الرجل الذي سأرتبط به لا بدَّ أن يؤمن أولا بحريتي ورغبتي في العمل».
أما لمى فتقول إن دورات التمكين أخرجتها من حالتها النفسية السيئة: «كنت مكتئبة، أشعر بالإحباط، إلى أن بدأتُ بحضور تدريبات ومحاضرات صارت مُتنفَّساً ومَهرَباً من ضغوطي داخل المنازل. زوجي هو من شَجَّعني على الحضور بعد ما لمس هذا التحسُّن». وتقول إنه بعد حضورها لورشات التمكين صارت مُفاوِضة جيدة، حتى لو على مستوى علاقاتها بمحيطها، وتحكي لنا مثالاً حياتياً بسيطاً عايشته: «من ضمن المهارات الحياتية، أحببتُ التفاوض وتَعلُّمَ الإصغاء. حللتُ الكثير من مشاكلي بكل سهولة مع سلفتي مثلاً بالتفاوض والإصغاء، وقبل ذلك كان من الصعوبة الوصول إلى تفاهم معها». «بالمختصر، صرتُ أَنضجَ فكرياً»، تضيف لمى.
كانت لمى لا تعتقد بامتلاك النساء لثقافة غير الثقافة المنزلية، وجاءت مُشاركتها في تدريبات التمكين لتجعلها تلتقي مع مُحاضِرات ومُدرِّبات على مستوى ثقافي كبير: «تغيرت فكرتي تماماً عن دور المرأة بعد مُشاركتي في التدريبات، فقد وجدتُ نساء على مستوى عالٍ من الثقافة والوعي، وهنَّ خارج منازلهنّ؛ لم أعتقد يوماً بأن النساء قادرات على منافسة الرجال في العالم الخارجي».
تؤمن لمى أن المرأة يمكن أن تكون قيادية، ولكن ما يزال هناك صعوبات كبيرة لتحقيق ذلك: «هي صعوبات تتعلق بكون منزلها وأطفالها هي مسؤوليتها الأولى والأخيرة، لذلك يحتاج الأمر تغييرات مجتمعية أكبر ولا سيما في عقلية الرجل وتفكيره تجاه دور المرأة».
2018: المنظمات خارج بصرى
خروج المنظمات
في صيف العام 2018 سيطرت قوات النظام السوري وحلفاؤه على محافظة درعا بما في ذلك بصرى الشام، وذلك بموجب اتفاقات وتسويات شملت عموم قرى وبلدات درعا بعد معارك عنيفة على بعض الجبهات، وكانت طبيعة الاتفاقات مختلفة من منطقة إلى أخرى حسب الفصيل المسيطر ومجريات التفاوض. كان الاتفاق بشأن بصرى الشام من طبيعة خاصة، إذ لم تدخل قوات النظام وأجهزته الأمنية إلى داخلها بشكل فعلي أبداً، ولن يتم تنفيذ اعتقالت داخلها، لكن كثيرين لم يجرؤوا على مغادرتها إلى مدن أخرى طوال سنوات، خشية الاعتقال على الحواجز، وهو ما دفع البعض إلى إجراء تسويات مع النظام تضمن حرية التنقل لهم. في نهاية العام 2018 تَحوَّلَ لواء «شباب السنة» إلى ما يسمى بـ«اللواء الثامن» في الجيش السوري بوساطة ورعاية روسية، مع بقائه تحت قيادة أحمد العودة نفسه، وهو أمرٌ مستمرٌ حتى اللحظة. أغلب أهالي مدينة بصرى ظلّوا فيها، ولم تخرج أعدادٌ كبيرة من أهلها في قوافل التهجير إلى الشمال، ولم تتعرض لدمار واسع.
تقول النساء اللواتي أُجريَتُ معهنَّ المقابلات إن كل الدوائر الرسمية الحكومية عادت إلى سيطرة النظام؛ تُخبرنا إخلاص: «بعد 2018 صارت بعض الدوائر الحكومية تحت سيطرة عناصر وموظفي النظام، ولكن تحت قيادة اللواء الثامن نفسه، وعموماً بقي الوضع الأمني في المدينة في حالة استقرار».
لكن منظمات المجتمع المدني غادرت، ومنها منظمة غصن الزيتون. وعن ذلك يُخبرنا تمام الجاموس: «خروج المنظمات كان خوفاً على كوادر المنظمات من الاعتقال أو من التعذيب أو من القتل، وللأسف تَعرَّضَ عددٌ من كوادرنا للاعتقال والتعذيب لأنهم كانوا عاملين في المنظمة أو بسبب نشاطهم المدني بشكل عام».
ويوضح تمام الجاموس بشأن عدم عودة المنظمات للعمل في ظل سيطرة النظام: «حاولنا الضغط على المجتمع الدولي للعودة والعمل، ولكن جاءنا الردُّ منهم بأنه يتوجب علينا الذهاب إلى النظام وطلب الترخيص منه للعمل، وبالرغم من أننا أوضحنا لهم بأن هذا النظام لا يعترف بأي حراك مدني، إلا أننا لم نصل إلى نتيجة، لذلك كان الانسحاب من المنطقة هو الحل الأمثل».
تواصلت منظمة إيناس معها بعد السقوط لفترة وجيزة، ثم انقطع أي تواصل: «أَرسلت لي المنظمة مبلغاً مادياً بسيطاً بعد توقف عملنا. بقيتُ على تواصل معها مدة تُقارب ثلاثة أشهر تقريباً تحت وعود العودة، ولكن بعد ذلك انقطع التواصل مع المنظمة وكأنَّ موضوع عودة المنظمات تلاشى نهائياً». توقفت أنشطة جميع المنظمات، وبقيت كوادرها بلا عمل بعد السقوط وتم إغلاق المكاتب.
مصير العاملات بعد خروج المنظمات
أخبرتنا إخلاص أنها سمعت عن بعض العاملين والعاملات في المنظمات سابقاً الذين أجروا تسويات مع النظام، ولكن هي نفسها لم تُجرِ أي تسوية: «أقدم بعض العاملين في المنظمات على إجراء تسويات مع النظام وسمعت عن اعتقال بعضاً ممن عملوا سابقا مع المنظمات، ولكنني لا أعرف حقيقة أسباب الاعتقال. أنا لم أغادر بصرى لذلك لم أُجر أي تسوية». تضيف: «ربما في مناطق أخرى غير بصرى أجرى العاملون في المنظمات تسويات، لكني أعتقد أن سلطة الأمر الواقع في بصرى كان لها دورٌ في أن يكون سكان بصرى في مأمن من اعتقالات النظام».
تؤكّدُ إيناس التي عادت إلى عملها كمُدرِّسة ذلك: «بعض النساء العاملات أجرينَ تسويات. بالنسبة لي لم أُجرِ أي تسوية وعدتُ إلى عملي كمُعلِّمة في المدرسة. في الحقيقة أنا كنتُ قد قدّمتُ طلبُ إيقاف مؤقت من عملي في مدارس النظام السابق قبل العمل في المنظمات».
أي تأثيرات تركتها المنظمات بعد خروجها؟
إخلاص: «أعلنتُ الحداد. شعرتُ بظلام طويل».
إيناس: «أَتحسّرُ على أيام المنظمات».
لمى: «يا ريت ترجع المنظمات يا ريت».
أَقتبسُ هنا بعض كلماتهنّ فقط، وتالياً سيحكينَ لنا أكثر عن الأثر الذي تركته عليهن من الناحية العملية والشخصية، وهل استخدمنَ مهاراتهنَّ التي كسبنها من مشاريع التمكين لاحقاِ في عملهنّ أو حياتهنّ الشخصية، وهل تركت المنظمات فراغاً حقيقياً في المنطقة.
«عندما عدتُ إلى عملي كمُدرِّسة بعد سيطرة النظام على بصرى، وجدتُ فرقاً كبيراً»؛ تقول إيناس، التي حاولتْ أن تطبق ما تَعلَّمتهُ خلال عملها في المنظمات، ولكن كان الأمر صعباً: «أنا شخصياً كنت أحاول تطبيق ما تَعلّمته من المنظمات مع تلاميذي، ولكن الكوادر التدريسية الجديدة الشابة التي تعلمت وعملت في مؤسسات الدولة السورية تنتهج أسلوباً مختلفاً، تشعرين كأنهم فقط يريدون أن يعطوا دروسهم كيفما اتفق ويغادروا. كنتُ أشرح لهم كثيراً عن طُرق عمل المنظمات وأسلوبها لإنجاح العملية التدريسية، ولكن كان التغيير صعباً».
إخلاص من جهتها لم تحاول أن تبحث عن عمل آخر بعد خروج المنظمات: «بصراحة لم أبحث عن عمل خارج مدينتي، لذلك عزفتُ عن فكرة إيجاد عمل في قطاعات التدريس الحكومية»، لكنها تقول إن المدارس في بصرى طبقت، وإن بشكل جزئي، بعض الأنشطة التي قَدَّمتها المنظمات في قطاع التعليم: «بعض المعلمين الذين كانوا يعملون في مدارس أقامتها المنظمات، والذين رجعوا إلى عملهم في المدارس الحكومية، طبَّقوا ما تعلموه من طرق غير تقليدية في التعامل مع الطفل وطرق التعليم، وهذا برأيي أمر مُستحَب وجيد ويُحسب للمنظمات. بمعنى آخر، صحيحٌ أن المنظمات خرجت ولكنها تركت أثراً وراءها».
تعتقد إيناس أن المنظمات لو بقيت مدة أطول لكان التغيير في المجتمع ودور المرأة فيه أكبر بكثير: «عملت المنظمات في منطقة درعا بشكل عام مدة أربع سنوات أو خمس فقط في أحسن الحالات، وأحدثت فرقاً في المجتمع عامة، وفي نظرة المرأة لنفسها ودورها في المجتمع بشكل خاص، فما بالك لو بقيت فترة أطول، أعتقد أن التغيير كان سيكون أكبر وحقيقياً أكثر».
تدعم إخلاص كلام إيناس: «صحيح أن المنظمات خرجت، ولكن مفاهيم مثل الجندر بقيت متداولة»، وتتفق مع إيناس بأن المنظمات كانت تحتاج وقتاً أطول للبقاء ليحصلَ تغييرٌ أعمق.
تبحث لمى حالياً عن وظيفة، وهي تعتقد أن سيرتها الذاتية ستكون جيدة، حيث أنها حضرت دورات وتدريبات حين كانت المنظمات موجودة في بصرى: «أحاول الآن إيجاد عمل. سيرتي الذاتي أصبحت أقوى، فهي تشمل كل التدريبات التقنية التي شاركت فيها مع المنظمات، ولكن فرص العمل قليلة ورواتب الوظائف متدنية جداً، إن وجدت».
ثم سقطَ نظام الأسد
عندما كنا نُحضِّرُ لهذا الريبورتاج لم يكن قد سقط نظام الأسد بعد، وصادف سقوطه خلال مراحل إجراء المقابلات، اتصلت إخلاص بي بعد أيام بصوت متفائل وقالت: «أصبح ممكناً أن تعود المنظمات. إذا سمعتِ عن منظمات تريد كوادر، فنحن جاهزات ولدينا الخبرة، لذلك لا تنسَي إخبارنا»؛ رددتُ عليها: «أكيد. إذا قرأت عن أي منظمة تبحث عن كوادر لها في درعا سأرسلُ لكنَّ مباشرة».
وفعلاً أرسلتُ عدداً من طلبات التوظيف التي أعلنت عنها بعض منظمات المجتمع المدني إليهنّ، إذ كانت أغلب المهارات المطلوبة تنطبق عليهنّ، عدا أمر واحد وهو أن تلك المنظمات تستهدف مدينة دمشق، ما قد يجعل حصولهنَّ على العمل صعباً.
سألتُ تمام الجاموس إن كانوا يُجهّزون أنفسهم للرجوع إلى درعا بعد سقوط النظام؟؛ يقول: «نحن لم نترك درعا بشكل كامل. بعد خروجنا في عام 2018 عملنا بشكل سري تام حفاظاً على كوادرنا التي كانت تعمل معنا بالخفاء. اليوم وبعد سقوط النظام، سيكون للمنظمات دورٌ كبير، بل كبيرٌ جداً، فالمنظمات صار لديها خبرة واسعة في العمل المدني». وتابع عن دورها من وجهة نظره: «دورنا اليوم هو مساعدة أجهزة الدولة الجديدة على النهوض. نحن في منظمات المجتمع المدني عموماً لدينا تراكم خبرات طويل يمكننا مشاركته مع الحكومة الجديدة، ومن ثم يمكننا لعب دور إشرافي ورقابي على أنشطة القطاعين الخاص والعام».
خاتمة
بين عامي 2017 و2018 شاركتُ مع نساء بصرى الشام في عدد من تدريبات ومشاريع التمكين التي قدمتها المنظمات، مثل التثقيف السياسي والجندري وغيرها، كما أنني شخصياً قدّمتُ محاضرات تثقيفية للنساء وشاركتُ في جلسات نقاش مركزة مثلاً عن الأوضاع الأمنية والسياسية التي كانت تشهدها المنطقة آنذاك، وعن دور النساء واحتياجاتهنّ ليكون لديهنَّ دورٌ في مواقع صنع القرار. كانت القاعات تمتلئ بالنساء، وتطول ساعاتُ نقاشنا عن كيفية تفعيل دور النساء في الرأي والشأن المجتمعي، وكثيراً ما كُنّا نطرح أسئلة على أنفسنا من قبيل: هل امتلكنا المهارات والقدرات التي تؤهلنا على سبيل المثال لشغل مناصب قيادية؟ هل بات المجتمع قابلاً للتغيير الثقافي الجديد وتعديل الصورة النمطية عن أدوار ووظائف المرأة في المجتمع؟ وغالباً ما كنا ننقسم إلى عدد من الفرق والآراء المختلفة في الرؤية والتطبيق، والمتفقة في أن الثورة جاءت فرصة لترتفعَ فيها أصوات النساء من أجل تطبيق العدالة والمساواة.
بعض الأراء كانت تؤمن أن المجتمع ليس مؤهلاً بعد لتقبل مفاهيم مثل المساواة الجندرية، بل إن نسبة كبيرة من أفراده لا تفهم معنى المصطلح، وتشنُّ أحياناً هجوماً عليه من باب أنه مصطلح «غربي» هدفه هدم الأسرة. آراء أخرى وكانت أقربَ للمسالمة، تجد أن الحلَّ هو تطويع تلك المفاهيم لتتناسب مع الطبيعة المجتمعية، بمعنى أنها كانت ضد المساواة الجندرية الكاملة بناء على إيمانها بـ«الطبيعة الفيزيولوجية الخاصة للمرأة»، فهي مع حق المرأة في العمل والتعليم ولكن ضمن قطاعات ووظائف «تتناسب مع طبيعتها» التي لا تؤهلها لشغل أعمال «ذكورية» كما كانوا يسمونها. بالمقابل، عددٌ لا بأس به من النساء، وهُنَّ الغالبية، يعتقدن بأن مشوار التمكين ما يزال في بدايته، وأنهنَّ بحاجة إلى اكتساب مهارات وخبرات أكثر، وخاصة في المجال السياسي ومن ثم في المجال التقني والعلمي. كان ثمة آراء أخرى أيضاً، منها أن الرجل وبالرغم من أن النساء قد تكون أقوى منه اقتصادياً أو حتى علمياً ومعرفياً، إلّا أنه ما يزال يتمتع بالسلطة والسطوة، التي يستمدها من موافقة المجتمع العامة على أن تكون الصفوف الأمامية له في كافة المجالات، ولا سيما السياسية منها.
بالعموم، واستناداً إلى المقابلات التي تم إجراؤها في هذا الريبورتاج، فإن مشاريع التمكين أثَّرَت في تصورات نساء كثيرات عن ذاتهنّ وقدراتهنّ، وأحدثت فرقاً وإن كان بسيطاً من وجهة النظر السائدة اجتماعياً، إذ صار كثيرون يتقبلون، وإن كان على مضض أحياناً، أن تشارك النساء في الصفوف الأمامية لقيادة المجتمع. ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح بعد سقوط النظام، إذ شوهدت محاولات لنساء لعقد اجتماعات أو مؤتمرات في العاصمة دمشق لإعلاء صوتهنَّ، وعدد منهنَّ التقينَ بالقيادة الجديدة، كما أن المتابع لوسائل التواصل الإجتماعي سيدرك أن النساء لم يعدنَ يقبلنَ الإقصاء كما كان في السابق، ويطالبنَ بحقهنّ في ممارسة دورهنّ في صنع القرار.
تحتاج النساء حالياً إلى عودة النشاطات المدنية والمشاريع التي تتابع مسيرة تمكينهنّ، ورفع قدراتهنّ، ودعم وجودهنّ في قطاعات سوريا الجديدة المحورية، والعمل في قلب المجتمع من أجل تغيير يحقق العدالة والمساواة.
أُنتِجَ هذا الريبورتاج ضمن الدورة الثانية من «برنامج مِنَح الجمهورية للصحفيّات السوريات»، الذي يَدعمُ إنتاج مشاريع صحفية مُعمَّقة تتعلّقُ بشؤون السوريين والسوريات ومعاشهم داخل البلد وخارجه. عملت الزميلات الصحفيات على مشاريعهنَّ مع محررات ومحررين من فريق الجمهورية، وكان المُحرِّر المشرف على هذا الريبورتاج هو الزميل صادق عبد الرحمن.
موقع الجمهورية
————————————
تحقيق | كيف استحوذ القصر الجمهوري على “السورية للطيران” بثمن زهيد؟/ عبد الناصر القادري
2025.02.20
عند الهبوط في مطار دمشق الدولي سترى مجموعة من الطائرات المتهالكة التي لا تعمل تقريباً، مثل كل مؤسسة مدنيّة أو عسكرية في سوريا كان تحت سيطرة النظام المخلوع.
وخلال 14 عاماً تحول مطار دمشق إلى كراج أو متحف للطائرات ذات الطراز القديم، مع خروج عن الخدمة بسبب نقل السلاح الإيراني من فينة إلى أخرى، إثر القصف الإسرائيلي المتكرر لمرافقه الحيوية.
بين سرب الطائرات المعطلة، توجد طائرتان (إيرباص) كانتا تستخدمان لنقل الركاب ونقل البضائع و”بشار الأسد” إلى بعض البلاد العربية التي زارها عام 2023، أما رحلات الرئيس المخلوع إلى روسيا وإيران والصين فقد كانت جميعها بطائرات عسكرية أو مدنية من البلد المُستضيف ومن دون إعلان رسمي، وفق الشهادات التي جمعها موقع تلفزيون سوريا.
لم تكن سوريا واقعة تحت استبداد سياسي وطغيان عسكري ودولة بوليسية فقط، بل كانت بلداً منهوبة وينخر الفساد بكل مؤسساتها، بما في ذلك الخطوط الجوية السورية (السورية للطيران).
وتعد “السورية للطيران” هي الناقل الوطني الحكومي السوري، أسست عام 1946، وله أهمية كبيرة باعتباره الوسيلة التي يمكن تأمين النقد الأجنبي إلى سوريا من خلالها، كما أنها من الشركات القليلة الرابحة في ظل حكم النظام السوري، رغم إشاعة أنها خاسرة ولا تدر أي ربح، لكن السرقة كانت تحرم البلاد من منافعها.
وكانت “السورية للطيران” واحدة من أهم 50 شركة في المنطقة، تقدم خدماتها لأكثر من 48 وجهة في آسيا، أوروبا، الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا فضلاً عن الرحلات الداخلية في سوريا، وبعد العام 2011، والعنف الذي واجه به النظام الشعب السوري، اقتصرت رحلاتها على بعض دول الخليج والدول الإفريقية والآسيوية عبر مكاتب وكلاء.
استخدم بشار الأسد إحدى الطائرتين في رحلاته القليلة إلى الإمارات وسلطنة عُمان والسعودية، وكانت تُستبدل الكراسي ويوضع مكانها كراسِ مناسبة للطيران الرسمي.
في تحقيقنا اليوم، سنتطرق إلى صفقة غير قانونية دفع مسؤولين في القصر الجمهوري ووزارة النقل لتنفيذها رغم المحاذير القانونية التي صدرت من العاملين في المؤسسة، وسنضع بين يدي قرّاء موقع تلفزيون سوريا الوثائق التي تثبت كارثية الوضع في قطاع الطيران، واستخدامه من قبل النظام لمصلحة ما يعرف بالمكتب الاقتصادي في القصر الجمهوري.
يعتمد تحقيقنا على عدة مصادر بعضها علني وآخرون فضلوا عدم كشف هويتهم لأسبابه الخاصة، مع التحقّق من كل المعلومات ونسبها إلى مصادرها الأصلية.
كيف بدأت قصة “إيلوما”؟
في الشهر الأول من عام 2023، تم تعيين عبيدة أديب جبرائيل مديراً عاماً للخطوط الجوية السورية وبقي في منصبه 11 شهراً فقط إلى أن أقيل مع مجموعة من المديرين في الشركة وأحيلوا جميعاً إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بتهم متعددة.
في دمشق التقينا مع عبيدة جبرائيل -المدير السابق لشركة السورية للطيران- حيث يؤكّد أنه أقيل من منصبه مع مجموعة من أعضاء مجلس إدارة الشركة لأنهم رفضوا بيع “السورية للطيران” إلى شركة خاصة تحمل اسم “إيلوما”، في عملية خصخصة معقّدة شملت عقود تشغيلها وعملياتها في كل مطارات سوريا، بشكل غير قانوني وبمبالغ رمزية بالنسبة لمدخولات شركة بحجم “السورية للطيران”.
بدأت القصة عندما تم استدعاء عبيدة جبرائيل بعد أسبوع من التعيين، إلى مكتب وزير النقل زهير خزيم، الذي أخبره بأن “السورية للطيران” مطروحة للاستثمار من قبل شركة خاصة “إيلوما”، وهو ما استغربه “جبرائيل”، وفق قوله، لأنّه كان يعد خطة لتطوير وضع الشركة، خصوصاً بعد التطبيع مع السعودية والوعود بفتح رحلات جوية متبادلة.
في عام 2022، أسست شركة “إيلوما” بشراكة بين ثلاثة أشخاص هم: (علي محمد ديب، راميا حمدان ديب، رزان نزار حميرة)، وهم واجهات لأشخاص نافذين في القصر الجمهوري وليس لديهم أي خبرة سابقة بالطيران.
أشهرت الشركة في تشرين الثاني من العام 2022، برأسمال معلن قدره 100 مليون ليرة سورية (مبلغ لا يتجاوز الـ7 آلاف دولار بسعر الصرف حينها)، بهدف إدارة واستثمار المنشآت السياحية وخدمات المطارات، عبر دخول مناقصات ومزايدات في القطاع العام السوري.
في النقاش الأول مع الوزير يقول عبيدة جبرائيل إنّ “الوزير لمّح إلى أن الإمارات كانت هي من تحرك الصفقة، وستتمكن من الالتفاف على العقوبات الأميركية والأوروبية، وتُحسّن من عمل (السورية للطيران) التي لا تمتلك سوى طائرتين في الخدمة”.
وأضاف “جبرائيل” أنه “عند التدقيق في وضع الشركة، تبيّن أنها سورية مسجّلة بالكامل لدى وزارة الاقتصاد، وليست شركة إماراتية، أما الحديث عن التمويل الإماراتي، فبدا لي أنه مجرد وسيلة للتسويف أو الترويج، وربما للضغط أو التلميح بأن هناك دعماً إماراتياً، لكن، عند النظر إلى النتائج فيما بعد، لم يكن هناك أي تمويل أو إنجازات ملموسة على مدى عشرة أشهر؛ لم يتم استقدام أي محركات أو طائرات، ولم يُحسنوا وضع الأسطول”.
وتابع: “أما بالنسبة للعقد، فقد كان يفتقر إلى أي أساس قانوني صحيح، والطيران يُدار وفق منظومة عالمية، خاصة أنني في الأصل مفتش سلامة طيران، أي أن خلفيتي قانونية في هذا المجال.. لا يمكنني توقيع عقد يمنح جهة ما السيطرة على كامل الخدمات بينما الإطار القانوني غير سليم لأني سأتعرض للمساءلة فيما بعد”.
ووفق القانون السوري، هناك طريقتان فقط لاستثمار القطاع العام من قبل القطاع الخاص:
القانون رقم 2 لعام 2005 (قانون الشركات): يسمح للقطاع العام بمنح بعض الخدمات للقطاع الخاص بموجب عقد واضح.
القانون رقم 5 لعام 2006 (قانون التشاركية): يتيح للقطاع الخاص إدارة واستثمار كامل المرفق وفق إجراءات صارمة، تشمل تقديم ثلاثة عروض، واختيار الأفضل في مناقصة علنية تخضع لإشراف رئاسة الوزراء واللجنة الاقتصادية وهيئة تخطيط الدولة، نظراً لحساسية إدارة المرافق العامة بالكامل.
وبيّن “جبرائيل” أنه “عندما طرحت خيار التشاركية وفق القانون، رفضوا وأصروا على استخدام قانون الشركات، لكنهم في الوقت نفسه أرادوا كامل الخدمة، مما يعني تناقضاً قانونياً واضحاً، عرضت العقد على 17 جهة مختصة كل في مجاله للتقييم وقدّموا مذكرة تحمل رقم 828، وتتضمن أربع صفحات من الملاحظات التفصيلية، رفعناها إلى الوزارة”.
ماذا يتضمن عقد “إيلوما”؟
يتضمن عقد “إيلوما”، الاستحواذ على تشغيل كامل “السورية للطيران” بقيمة 295 مليون دولار لمدة 20 عاماً، ستحصل “السورية للطيران” على 546.5 مليون دولار خلال العقد، مع نسبة 25% من الإيرادات في أول 10 سنوات (حد أدنى 20.5 مليون دولار سنوياً)، ترتفع إلى 32.5% ثم 38.5% في السنوات التالية.
تلتزم “إيلوما” باستثمار 77 مليون دولار في أوّل عامين لصيانة الطائرات وتحديث الخدمات، ثم 132.5 مليون دولار على مراحل لإضافة 14 طائرة وزيادة القدرة التشغيلية، كما تشمل التزاماتها إصلاح طائرة “إيرباص 340” في إيران وإدارة عقود الوكلاء الخارجيين.
“وقعوا من دون نقاش”.. صفقة يقودها القصر الجمهوري
في السياق، يوضح جبرائيل أنه “عند مناقشة الأمر، جاء رد الوزير مفاجئاً: (أنتم لا تدركون أهمية هذه الشركة، هذه الشركة مرتبطة بالقصر الجمهوري.. نحن لم نُحضركم هنا للنقاش، بل للتوقيع)”.
ويضيف: “كان ذلك خلال اجتماع المديرين، بحضور زملائي الذين شهدوا الواقعة.. رددت عليه قائلاً: (سيادة الوزير، نحن نناقش لمصلحة القطاع العام، وليس لمصلحة شخصية)، إلا أن الوزير قاطعني بلهجة حادة: (ليس مطلوباً منكم المناقشة، المطلوب هو التنفيذ)”.
في الواقع، حين يُقال القصر الجمهوري، فالمقصود تحديداً هو المكتب الاقتصادي الجمهوري الذي كان يديره يسار إبراهيم، هذا الشخص هو المسؤول الأول عن الملفات المالية، بينما يتمثل الضغط القانوني والسياسي في منصور عزام، الذي يُعد صاحب سلطة أكبر في الشأن الاقتصادي مقارنة بالوزير نفسه.
وللحصول على شهادات أخرى، اتصل موقع تلفزيون سوريا، مع أعضاء في مجلس الإدارة الذين رفضوا التوقيع على عرض “إيلوما” وهم يشاطرون المدير عبيدة جبرائيل رأيه بأن العرض كان مجحفاً ويسرق المال العام السوري لصالح شركة ناشئة تتبع للمكتب الاقتصادي في القصر.
وشملت الشهادات كل من ميسون شخاشيرو مديرة التخطيط والتعاون الدولي في “السورية للطيران”، الحارث العلي مدير الرقابة الداخلية، سهيل نصر المدير القانوني، وأشخاص آخرين ضمن الخطوط الجوية السورية والطيران المدني السوري ومطار دمشق الدولي، وقد أقيل جميع هؤلاء الأشخاص بعد عبيدة جبرائيل، بتهم متعددة تبعها إنذارات خطية وتهديد من قبل وزير النقل.
السورية للطيران
وعقب ذلك، عيّن وزير النقل، حاتم كباس مديراً عاماً للمؤسسة السورية للطيران (كان معاوناً لعبيدة جبرائيل) والذي قبل بدوره العقد، واطلع موقع تلفزيون سوريا على الوثيقة التي يوقّع فيها كباس على الاستحواذ.
تقول ميسون شخاشيرو لـ موقع تلفزيون سوريا: “سبب إقالتي مرتبط بشكل مباشر ووحيد، برفضي للعرض المقدم من شركة إيلوما، لسبب عدم قانونيته وللثغرات المالية الكبيرة فيه، كمثال عدم صحة البيانات المالية الواردة فيه (ايرادات-نفقات-اهتلاكات-خطة تشغيلية…)، والأهم هو رفضي لنسبة حصة المؤسسة من الإيرادات التي تضمنها العرض والبالغة 20-25% على مدى 20 عاماً.
وتابعت: “احتسبت النسبة الصحيحة وبينتُ أن حصة المؤسسة يجب أن تبلغ 62% من الإيرادات، وذلك بموجب كتب رسمية وجهتها للوزارة، ما دفع الإدارة الجديدة لإقالتي من منصبي في شهر نيسان عام 2024 قبل عيد الفطر السعيد بيوم واحد، إمعاناً في إزعاجي والانتقام مني دون وجود أي خطأ مهني أو إداري طوال مسيرتي المهنية”، بحسب وصفها.
من جانبه، قال الحارث العلي مدير الرقابة الداخلية في “السورية للطيران”، إنهم وضعوا مديراً نفذ لهم رغباتهم وقبل توقيع العقد مع إيلوما مقابل إغلاق ملفات مفتوحة ضده، فحاتم كباس أحيل للتحقيق في عدة ملفات، أبرزها: “ملف المحركات المرسلة الى طهران وأصبحت خردة وضياع ملايين الدولارات، وملف قطع الغيار المرسلة إلى طهران 727 و747، كما تسبّب أيضاً بضياع ملايين الدولارات، كذلك ملف MMR والتزوير في عمليات الشراء وغيرها”.
وأضاف العلي في حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، أنه عمل على تحويل حاتم كباس إلى “الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، إلا أن ملف إيلوما أدى إلى نجاته لأنه قبل بالتوقيع عليه”.
وترى ميسون أنه في فترة استحواذ “إيلوما” على المؤسسة، يمكن تقدير المبلغ الذي دخل حساب “إيلوما” من مبيعات المؤسسة بأكثر من 50 مليون دولار، وهي فترة لا تتجاوز عام واحد فقط من التشغيل ما يدلل على حجم كارثية الاستحواذ.
أما عبيدة جبرائيل فيقول إنه “إذا أجرينا معادلة حسابية صغيرة نجد أنه كل 4 شهور تحقق السورية للطيران قرابة الـ100 مليون دولار إيرادات وليس صافي أرباح، ومنذ توقيع العقد وحتى سقوط النظام يوجد 100 مليون دولار ذهبت من الخزينة العامة مقابل هذه الشركة التي لم تقدم لا طائرة حديثة ولا قديمة ولا حتى محركات، فكانت عملية إستيلاء ونهب وسرقة إلى جيوب الفاسدين”.
ماذا قال مدير السورية للطيران الحالي حاتم كباس؟
حرصاً من موقع تلفزيون سوريا على الموضوعية وتقصي الحقيقة، اتصلنا بحاتم كباس مدير السورية للطيران الحالي، الذي رحب بنا وشرح من وجهة نظره تفاصيل العقد مدافعاً عنه، ومؤكداً أن الشركة كانت بصدد التوقّف عن العمل وعقد “إيلوما” أنقذها.
واتهم “كباس” الإدارة السابقة بإقالته من منصبه كمدير فني مع عدد من المديرين، ثم استدعي ليصبح معاوناً للمدير بعد 7 أشهر.
يقول كباس إنّ الوزير لم يهدد إنما قال: “الشركة موصى بها من رئيس الجمهورية حينها (المخلوع بشار الأسد) وأن فريق الإدارة درس العقد، إلا أن جبرائيل أقيل بتهم فساد ومشادات مع وزير النقل وصلت إلى حد الإساءة”، مدّعياً أنه “تم اختلاس مبلغ يقدّر بمليون و200 ألف دولار من السورية للطيران بين آذار وأيلول 2023″، من دون أي دليل يثبت صحة ذلك.
وأضاف كباس أنه وقّع العقد بعد دراسته بشكل مهني مع فريق ذي خبرة اختاره بنفسه، وألغى شرط الظروف القاهرة (حرب أو وباء أو عقوبات غربية)، الذي يسمح للفريق الثاني التملّص من الالتزامات، وتم رفع رواتب جميع العاملين بنسبة 100%، مشيراً إلى أن الطيارين وصلت رواتبهم إلى 11 ألف دولار بالشهر منعاً لتسربهم بما يشمل مهندسي الطيران والفنيين الجويين.
وشدّد كباس على أنه لا يعرف يسار إبراهيم ولم يلتق به بحياته، وأن واجبه بعد سقوط النظام كان إجراء اجتماع مع شركة “إيلوما” وفق شروط العقد، وذلك من خلال إرسال خطاب بريدي لموقع الشركة إلا أنهم لم يستجيبوا.
وبيّن كباس أن “السورية للطيران” لم تخسر أي ليرة سورية أو دولار لوجود حسابات مشتركة للسورية للطيران و”إيلوما” في البنوك السورية الخاصة.
ودافع كباس عن نفسه معتبراً أنه لم يخطأ لذلك لم يهرب، مشدداً أنه لا يعلم سبب اختفاء مالكي شركة إيلوما من سوريا ولا يوجد أي تواصل مباشر معهم.
أين هي “إيلوما” بعد سقوط النظام؟
في 8 كانون الأول 2024، سقط النظام وهرب بشار الأسد، لكن السؤال أين هي “إيلوما” وماذا حل بالعقد المكتوب بينها وبين “السورية للطيران”؟
حملنا هذا السؤال وبعد البحث اكتشفنا اختفاء ممثلي شركة “إيلوما” تماماً، وحصلنا على وثيقة تثبت أنه بتاريخ 15 كانون الأوّل 2024 أصدر مدير المؤسسة السورية للطيران حاتم كباس قراراً إلى مديري “السورية للطيران” في المحطات الخارجية والممثلين التجاريين والمندوبين الماليين ووكلاء المبيعات إلى عدم تحريك الحسابات المصرفية الخارجية أو البنوك الفنية المتعاقدة في الخارج لصالح أي من مفوضي أو ممثلي شركة “إيلوما” للاستثمار، إلى حين البت في الحقوق المالية المستحقة لصالح المؤسسة.
وورد في الوثيقة إلى أنه إشارة إلى العقد بالتراضي رقم /13/ الموقع بين مؤسسة الخطوط الجوية السورية (الفريق الأول) وشركة إيلوما (الفريق الثاني) المساهمة المغلفة الخاصة، المتعلق باستثمار وتطوير وإدارة وتشغيل مؤسسة الخطوط الجوية السورية، نطلب اتخاذ الإجراءات التالية من قبلكم: “عدم تنفيذ أي تعليمات واردة من قبل ممثلي شركة إيلوما، مهما كان نوعها، لحين إعلامكم من قبلنا بأي إجراءات جديدة، على أن يتم وضعنا في صورة تلك التعليمات فوراً”.
التنسيق مع المؤسسة لاستثمار دورها في تقديم خدمة النقل الجوي، وسط غياب دور الشركة المستثمرة في تسيير الرحلات الجوية من وإلى مطارات القطر، وتطوير الخدمات الأرضية والفنية للطيران العربية والأجنبية وفقاً للعقد الموقع معهم، وبالتالي سيتم إعلامكم بإجراءات التشغيل اللاحقة من قبلنا، ما يعني أن “إيلوما” بإدارييها وشخوصها ومستثمريها اختفوا مع هروب الرئيس المخلوع وعائلته والذي اصطحب معه منصور عزام ويسار إبراهيم.
لم يكن مالكو “إيلوما” سوى واجهات لشخصيات أمنية، حيث علي وراما ديب من محافظة اللاذقية وعلى صلة باللواء “ناصر ديب” الذي كان يشغل منصب نائب وزير الداخلية، وأحد مؤسسي شركة “سند للحماية الأمنية” ولديه نشاطات تجارية أخرى، بحسب مصدر في مطار دمشق.
أمّا رزان حميرة المنحدرة من اللاذقية أيضاً، فهي على صلة مع علي نجيب إبراهيم أبرز المقربين من يسار إبراهيم، الذي كان يملك نصف أسهم شركة “وفا تيليكوم” التي تملكها إيران، إلى جانب شراكة رزان حميرة وراما ديب في شركات متعددة أخرى، وفق مصادرنا.
من هو يسار إبراهيم؟
لم يهرب بشار الأسد وحيداً، وبالطبع لم يأخذ الذين رخصوا “إيلوما” معه أيضاً، الرئيس المخلوع فر بصحبة عائلته المصغرة ومنصور عزام ويسار إبراهيم، وهما بيت سره المالي، بحسب صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية.
المصادر اعتبرت أن اختيار هؤلاء المرافقين يعكس تركيز “الأسد” على حماية ثروته المهرّبة بدلاً من أفراد عائلته (أخوه وأقاربه)، الذين فرّ كل منهم لاحقاً بطرق مختلفة.
وتصف مصادرنا أن يسار إبراهيم كان ممثل المخلوع بشار الأسد مع شركات إيرانية للاستحواذ على المفاصل الحيوية في سوريا، ويحمل صفة “مساعد بشار الأسد”، وهو من مواليد اللاذقية عام 1982.
بدأ اسم يسار إبراهيم في التداول لأول مرة، منتصف العام 2018، مع تكليفه بمتابعة مكتب “الشهداء” في وزارة الدفاع، الذي يقدم مساعدات لذوي قتلى النظام السوري، وكان يدير إمبراطورية من الشركات بعد الاستحواذ عليها من أصحابها، تمتد على قطاعات اقتصادية عديدة مثل الاتصالات والبناء والعقارات والنفط والسياحة والأمن الخاص، بعضها مسجل في سوريا ولبنان، والبعض الآخر في جزر الكايمان التابعة لبريطانيا.
يمتلك يسار إبراهيم وشقيقته نسرين عشرات الشركات، منها شركة البرج للاستثمار، وشركة زيارة للسياحة، والشركة المركزية لصناعة الإسمنت، وشركة كاسل انفستمنت القابضة، ومؤسسة بازار، وشركة وفا للاتصالات، والعهد للتجارة والاستثمار، وتعمل هذه الشركات في معظم المجالات والقطاعات.
عُيّن يسار إبراهيم مديراً للمكتب المالي والاقتصادي في رئاسة الجمهورية، مع بداية الخلاف بين بشار الأسد وأسماء من جهة ورامي مخلوف من جهة أخرى، وينسب إليه فرض مبالغ على رجال الأعمال الجدد الذين ظهروا في فترة الحرب.
وسبق أن استهدفته العقوبات الأميركية عام 2021، وقال عنه وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، إن استهداف إبراهيم بالعقوبات “جاء لجهوده في منع أو عرقلة حل سياسي للنزاع السوري الذي اندلع عام 2011″، مشيراً إلى أن إبراهيم استخدم “شبكاته في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه لإبرام صفقات فاسدة تثري الأسد، بينما يموت السوريون من نقص الغذاء والدواء”.
مقرب من أسماء الأسد ومستشارها الاقتصادي.. تسميم رجل أعمال سوري في دمشق
في منتصف العام 2024، وتحديداً بعد فترة وجيزة من مقتل لونا الشبل (مستشارة بشار الأسد الخاصة وأحد أجنحة القصر الجمهوري المقربة من روسيا)، نجا يسار إبراهيم من محاولة تسميم.
ما الذي يدفع موظفاً يقبض 20 دولاراً للبقاء في مؤسسة فاسدة؟
بلا شك، ليس جميع الموظفين في سوريا فاسدين أو مرتشين. ومع ذلك، فإن الرواتب التي كان يمنحها النظام للموظفين في مناطق سيطرته لم تكن تكفي سوى لأجرة الطريق أو لبضعة أيام على الأكثر.
هذا الواقع دفع كثيرين إلى البحث عن وظائف إضافية أو أعمال حرة إلى جانب عملهم الحكومي، الذي ينتهي مبكراً، وفي المقابل، لجأ البعض إلى ممارسات غير قانونية، مثل قبول الرشاوى تحت مسميات ملطفة كـ”خدمة” أو “وساطة”، لتأمين مصدر دخل إضافي.
سألنا معظم من التقينا بهم بما يخص هذا التحقيق عن السبب “الذي يدفع موظفاً يقبض 20 دولاراً للبقاء في مؤسسة فاسدة؟”، تباينت الأجوبة، وكانت تؤكد أن الراتب لا يكفي شيئاً، ولكن في “السورية للطيران” يمكن للبدلات الخارجية أن تؤمن مبلغاً شهرياً محترماً قد يصل أحياناً إلى ألف دولار وسطياً بالشهر، ولكن قد يُحرم منها الشخص لأنّه رفض التوقيع على عرض “إيلوما” أو أي عروض شبيهة، بحسب عبيدة جبرائيل.
ولفت إلى أنه لمنع تسرب الطيارين السوريين من البلد، خصوصاً مع إمكانية تحصيلهم لعقود في الخليج، فالطيّار السوري يوفد إلى شركة “أجنحة الشام” الخاصة لمدة معينة فيقبض بالدولار وقد يصل راتبه إلى 5 آلاف دولار شهرياً.
الحارث العلي، أجاب أن بقاءه في المؤسسة، كان حباً بالبلد، وفي “السورية للطيران” التي هي وطنه الثاني، أمّا ميسون شخاشيرو فقد أوضحت أن السؤال جيد جداً بالنسبة لها، فالمؤسسة كان جهاز الإنعاش الوحيد الذي يضخ الأوكسجين للبلد من خلال القطع الأجنبي من المبيعات الخارجية أو تذاكر السوري غير المقيم.
وأضافت أنها حاولت أن يتخلل العمل إيفادات خارجية مؤقتة لعدة أيام لحضور مؤتمر أو دورة تأهيلية مهنية، وأيضاً يتقاضى الموفد التعويض عن هذا الإيفاد بالدولار مما ينعش دخله المتهالك، مردفةً: “لكن بسبب مناهضتنا لعرض شركة إيلوما، تمت معاقبتنا من قبل الوزير بحرماننا من هذه الإيفادات نهائياً حتى لو كانت من صلب عملنا”.
أين تتموضع “أجنحة الشام” في قطاع الطيران؟
كان قطاع الطيران في سوريا متهالك وقديم ويحتاج إلى قطع غيار، إلا أنه بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على النظام، منذ العام 2004، استمر في خسائره ونزيف القطاع.
وفي عام 2007 سمح المخلوع بشار الأسد لابن خاله رامي مخلوف بتأسيس شركة طيران خاصة، ووضع محمد عصام شموط غطاء له بنسب مالية معينة، وأصبحت “أجنحة الشام” أقوى من “السورية للطيران” في النفوذ والإمكانيات، خصوصاً خلال العقد الأخير.
ويقول مصدر داخل الطيران المدني السوري، إن شركة “شموط” لها نسبة من الأموال المشغلة، إنما الإدارة كانت عند رامي مخلوف، لكن الخلاف بين الأخير وبشار الأسد وسيطرة أسماء الأسد على قطاعات الاقتصاد بعد وفاة أم الرئيس المخلوع أنيسة مخلوف، أدّى إلى الحجز على أموال شركة “أجنحة الشام” بتهمة عدم سداد مستحقاتها للدولة بمبالغ تتجاوز الـ20 مليون دولار، ثم أسندت الإدارة الكلية إلى مجموعة “شموط” التجارية بالتعاون مع المكتب الاقتصادي في القصر الجمهوري.
“أجنحة الشام” ناقل حصري.. الأسد يقتل البشر جوعاً ثم يأخذ أموالهم لتهريبهم
كانت “أجنحة الشام” ناقل أساسي للميليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية بين دمشق وإيران، وفي 3 كانون الثاني 2020، استهدفت الولايات المتحدة موكب قاسم سليماني وعدد من قيادات الحشد الشعبي العراقي التابعين لإيران بينهم أبو مهدي المهندس، كان سليماني قد استقل طائرة “أجنحة الشام” من دمشق إلى بغداد، وقُتل قبل إقلاعها بدقائق.
وتمكنت “أجنحة الشام” من التفرّد بقطاع الطيران الخاص في سوريا، وعرقلة ترخيص أي شركة منافسة أو المضاربة على الشركات التي تمكنت العمل، حيث تم الترخيص لتسع شركات طيران خاصة، بين عامي 2007 و2020، جميعها لم تعمل باستثناء شركة “فلاي داماس” التي استأجرت طائرة مع كوادرها ومشغليها من السودان لمالكها عمار القادري، الذي أُغلقت شركته ولُوحق قضائياً وحُجز على أملاكه بتهم التعامل بالدولار وعدم إيفاء شيكات مالية وغير ذلك، ما جعل حصرية العمل وحده لصالح “أجنحة الشام”، التي فُرضت عليها عقوبات أميركية، عام 2016، بسبب نقلها مليشيات موالية للنظام إلى سوريا، وساعدت المخابرات العسكرية للنظام على نقل أسلحة ومعدات.
وبحسب تقرير صادر عن الخزانة الأميركية، نهاية العام 2016، أسهمت “أجنحة الشام” عبر رحلاتها بين دمشق ودبي، في غسل أموال لصالح المخابرات العسكرية، كما كشف تحقيق لوكالة “رويترز” في نيسان 2018، عن تفاصيل كثيرة لكيفية نقل متعاقدين روس (مرتزقة) إلى سوريا، لمساندة النظام.
كذلك، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات (إجراءات تقييدية) على النظام البائد، في كانون الأول 2021، شملت 17 فرداً و11 كياناً، بينها “أجنحة الشام”، بسبب ضلوع الأفراد والكيانات في تسهيل عمليات العبور غير القانونية للمهاجرين من عدة دول إلى الحدود البيلاروسية- البولندية، واتهمها الاتحاد الأوروبي بزيادة عدد الرحلات الجوية من دمشق إلى العاصمة البيلاروسية مينسك، منذ صيف 2021.
لكن في 18 تموز 2022، شطب الاتحاد الأوروبي “أجنحة الشام” من لائحة العقوبات، وبالتحديد من قسم “الأشخاص الاعتباريين والمنظمات والهيئات”، حيث شطب اسم محمد عصام شموط من قائمة العقوبات الأوروبية.
هل هناك ملفات فساد أخرى؟
عانت “السورية للطيران” من فساد مستشرٍ، وكانت جميع مصادرنا تؤكد أن الفساد في القطاع كان كبيراً، لكن المبشر أن الشركة لم تسجل أي حادث خلال عقود عملها، ما يجعلها جيدة ضمن معايير سلامة الطيران والملاحة الجوية.
وتؤكّد ميسون شخاشيرو أن أبرز ملفات الفساد على الإطلاق هي عقد “إيلوما” مع كل الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل الوزارة ومن خلفها، للتسبب بعجز المؤسسة لتسويغ العقد.
وأضافت لـ موقع تلفزيون سوريا: “من خلال معلوماتي خلال فترة عملي كمديرة وعضو مجلس إدارة أنوه لبعض نواحي الفساد، مثل عقد تزويد طائرات المؤسسة بجهاز MMR وهو جهاز ملاحي بقيمة أكثر من 800 ألف دولار في حين أن قيمته الحقيقية نحو 300 ألف دولار، إلى جانب عرقلة الوزارة لاختيار وكيل عام تشغيل للمؤسسة في المملكة العربية السعودية لمآرب الوزارة الخاصة مما أدى لتأخير التشغيل لأكثر من 8 أشهر وفوات المنفعة خلال هذه الفترة”.
وأشارت إلى وجود تعيينات مخالفة للأنظمة وللمعايير القانونية والإدارية لأشخاص بعينهم، يوجد بحقهم تقارير رقابية وعقوبات رقابية، أو لأشخاص موجودين في مفاصل معينة دون كفاءة أو تأهيل وهم أذرع لإيلوما وللوزارة، مع أن البديل المؤهل وفق المعايير موجود، لكنهم يعرقلون وصوله لحقه، بدعم من الإدارة والوزارة، حتى لا يفقدوا مكاسبهم وتسلطهم على المؤسسة والعاملين”.
السورية للطيران
كذلك، تحدثت عدة مصادر في “السورية للطيران” على أن الإيفادات الخارجية كانت تذهب دائماً إلى غير أصحاب الحق، بل لمن يدفع أكثر للإدارات العليا أو لأجهزة المخابرات التي لها سلطة عليا، مؤكدةً إيفاد موظفين خارجيين في محطات عمل لم تنفذ رحلة جوية واحدة خلال قرابة عقد كامل، وحصلوا على رواتبهم بالقطع الأجنبي.
من جانبه، قال الحارث العلي مدير الرقابة الداخلية: إنّ “الشركة شهدت سرقات كثيرة، في ملفات المطبخ والملف التجاري وملفات الشحن والآليات، ولكن الأكثر فساداً كان في قطع غيار الطائرات، حيث كانت الوزارة والإدارة شركاء في عمليات الشراء المخالفة ولم تسمح لنا المخابرات الجوية بالدخول إلى الشؤون الفنية لمتابعة الملفات، ما يؤكد وجود مخالفات وفساد هائلة”، وفق وصفه.
تلفزيون سوريا
——————————
ما بعد الأسد: سقوط نظام أم إعادة تشكيل المشهد السياسي؟/ بشار الحاج علي
2025.02.20
في لحظة لم تعد مجرد تاريخ عابر، بل تحولت إلى محطة فاصلة في تاريخ سوريا الحديث، شهدت البلاد تحولات جذرية تجلت في سقوط نظام بشار الأسد، ليس فقط أخلاقيا وشرعيا أمام الشعب السوري الذي طالما انتظر التغيير، بل سياسيا وعسكريا في ظل واقع لم يعد يتحمل تأجيل الحسم أكثر، إذ إن كل من كان يعارض النظام أو يصمت عنه، سواء بمنطلق قناعاته أو بحساباته الشخصية، وجد نفسه مجبرا على مواجهة الوقائع التي رسمت مسار البلاد نحو مرحلة جديدة من الإشكالية والفرص في آن واحد.
لقد شكلت هذه اللحظة نهاية فصل من الصراع الداخلي والتحالفات الدولية المتشابكة، إذ لم يكن سقوط الأسد نتيجة قرار أحادي صادر من جهة واحدة، بل كان حصيلة تراكمات سياسية واقتصادية وعسكرية تراكمت عبر سنوات من الضغوط الداخلية وتداخل المصالح الإقليمية والدولية التي جعلت من سوريا ساحة لصراع قوى أكبر، حيث تنافست أطراف متعددة على النفوذ والمصالح من دون أن ينسى السوريون ذاك الحلم الثوري الذي بدأ في عام 2011، وهو حلم بتغيير المصير وبناء وطن يستوعب تطلعات شعب طالما ارتقب الفجر بعد ظلام دام عقودا.
وفي هذا السياق، برزت تناقضات واضحة بين القوى الدولية التي كانت تسعى إلى انتصار الثورة من جهة، وتلك التي لم تكن ترغب في إسقاط النظام بأي ثمن، وهو ما خلق فراغا سياسيا كان ينتظره الجميع، سواء من قبل الفصائل المعارضة أو حتى من بعض الأطراف التي ظلت مترددة في اتخاذ موقف واضح، مما أدى إلى وضع يُعيد ترتيب أوراق اللعبة السياسية على نحو لم يكن متوقعا، إذ أصبح السؤال لا يدور حول سقوط نظام الأسد فحسب، بل حول كيفية إعادة صياغة المشهد السياسي والاقتصادي والعسكري بما يضمن حقوق السوريين في تقرير مصيرهم.
وفي ظل هذا الواقع المتشابك، اجتمعت الفصائل السورية في مشهد اعتبره كثيرون بداية لمرحلة انتقالية جديدة، فقد تم خلال هذا التجمع تسمية السيد أحمد الشرع رئيسا انتقاليا، في خطوة جاءت لتؤكد أن العملية السياسية لن تقتصر على مجرد انهيار النظام بل ستتضمن إعادة تنظيم شاملة تعكس إرادة السوريين، إذ إن تشكيل قيادة انتقالية يستند إلى رغبة الشعب في بدء مرحلة جديدة ترتكز على العدالة والحرية والاستقلال الوطني، بعيدا عن التدخلات الخارجية والتنازلات التي كانت سائدة في السنوات الماضية.
ولم تقتصر التحولات الداخلية على ذلك فقط، فقد شهدت الساحة السورية سلسلة من الزيارات الدولية التي أكدت على الأهمية الاستراتيجية للبلاد في الإطار الإقليمي والدولي، حيث قام أمير قطر بزيارة رسمية إلى سوريا، ما أضفى بعدا جديدا على العلاقات الإقليمية وأسهم في تعزيز الحوار بين القوى المختلفة التي تسعى إلى رسم مستقبل البلاد، وفي نفس السياق، قام السيد أحمد الشرع، بصفته الرئيس الانتقالي، بزيارات إلى المملكة العربية السعودية وتركيا، مما يدل على استعداد الفصائل والجهات الانتقالية في سوريا للتواصل مع الأطراف المؤثرة ومحاولة بناء جسور تعاون وتفاهم تخدم مصالح السوريين وتضع الأسس لاستقرار سياسي جديد
إن هذه الزيارات والمبادرات الدولية لم تكن مجرد إيماءات رمزية، بل جاءت في وقت حاسم تتداخل فيه المصالح الدولية والإقليمية في مسعى لإعادة رسم معالم السياسة في منطقة الشرق الأوسط، إذ أدركت القوى الكبرى أن مستقبل سوريا لن يُشكل بمعزل عن التأثيرات الخارجية، بل يجب أن يكون نتاج تفاعل دبلوماسي حقيقي يضع مصالح الشعب السوري في المقدمة ، وهو ما جعل من التوازن بين هذه القوى محورا أساسيا في النقاشات والحوارات التي تجري على مستوى عالٍ، سواء في قاعات المؤتمرات الدولية أو في الاجتماعات الثنائية التي جمعت بين المسؤولين السوريين ونظرائهم من خارج البلاد.
من جهة أخرى، لم تكن هذه التحركات الدولية بمعزل عن التحديات الداخلية التي لا تزال تواجه سوريا، إذ إن عملية الانتقال السياسي تتطلب أكثر من مجرد إعلاء شعار الحرية أو تحديد ملامح المستقبل، فهي تحتاج إلى مشروع وطني شامل يستوعب جميع الأطياف والمكونات التي أسهمت في تشكيل معاناة الشعب السوري، ويتطلب ذلك حوارا حقيقيا بين القوى المعارضة وممثلي الشعب، وهو ما لم يتحقق بعد بالشكل الذي يضمن استمرار العملية السياسية وتحقيق العدالة والمحاسبة على ما فات، وفي ظل هذا السياق اتضح أن سقوط النظام لم يكن نهاية المطاف، بل هو بداية مرحلة قد تحمل في طياتها فرصا للتغيير وإعادة البناء، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والقدرة على تجاوز الخلافات القديمة.
وفي هذا المشهد المزدحم بالتحديات تتجلى أهمية تحديد آليات جديدة للتعامل مع الفصائل والقوى الإقليمية، إذ إن إعادة تنظيم سوريا على أسس ديمقراطية تتطلب تجاوز الانقسامات القديمة والتركيز على مصالح الشعب، وهو ما يستدعي تكاتف الجهود وتوحيد الصفوف تحت قيادة انتقالية يسعى إلى بناء دولة جديدة قائمة على العدالة والمساواة والحرية، بعيدا عن محاولات استغلال الأزمة لأهداف شخصية أو مصالح دولية لا تصب في خدمة السوريين، وإن الدور الذي تلعبه الزيارات الدولية في هذه المرحلة الانتقالية قد يكون بمثابة الحافز لتغيير النظرة التقليدية التي اعتادت عليها بعض الأطراف والتي اعتبرت أن استقرار البلاد مرتبط ببقاء النظام مهما كان عاريا من الشرعية والقدرة على التحكم في موازين القوة.
يظهر في هذا السياق أن التغيير السياسي الذي تشهده سوريا هو نتاج مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي تداخلت على مدى سنوات طويلة، بدءا من الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في ٢٠١١ وانتهت بمرحلة من الصراع الطويل، وصولاً إلى التحولات الدولية التي جعلت من سوريا ساحة لصراع قوى إقليمية ودولية، وهو ما انعكس على طبيعة العملية الانتقالية التي بدأت مؤخراً، إذ أصبح واضحا أن المستقبل السياسي لسوريا لن يُحدد بمحض إرادة أحد الأطراف بل سيكون نتيجة لتوازن دقيق بين قوى داخلية تنشد تغييرا حقيقيا وبين قوى خارجية تسعى إلى استغلال الفراغ السياسي الذي خلفه سقوط النظام.
وبينما يتساءل كثيرون عما إذا كانت اللحظة التي شهدت سقوط النظام في الثامن من ديسمبر ٢٠٢٤ قد جاءت نتيجة صفقة دولية مدبرة أم كانت مجرد انعكاس لحتمية الأحداث التي تراكمت على مدى عقود طويلة، يبقى السؤال قائما حول كيفية إدارة ما بعد سقوط الأسد، إذ أن السوريين الذين لطالما انتظروا الفرصة لتحقيق طموحاتهم الوطنية يدركون تمام الإدراك أن المسيرة لن تكون سهلة وأن الطريق أمامهم محفوف بالتحديات التي تتطلب شجاعة وحكمة وسياسة تضمن تجاوز الانقسامات القديمة، إذ إن تشكيل القيادة الانتقالية وتعيين السيد أحمد الشرع رئيسا لها يمثل خطوة نحو إرساء أسس جديدة تعتمد على التوافق الوطني والحوار المفتوح، وهو ما يأمل فيه كثيرون بأن يكون الفجر الجديد لسوريا التي عانت طويلاً من وطأة الانقسامات والصراعات.
إن إعادة رسم ملامح السياسة السورية في هذه المرحلة يتطلب أيضا إعادة تقييم العلاقات الدولية والإقليمية التي أسهمت في تكريس بعض المواقف التي أدت إلى استمرار معاناة الشعب، إذ إن الزيارات الدولية التي شهدتها سوريا مؤخرا، سواء من أمير قطر أو من السيد أحمد الشرع الذي زار السعودية وتركيا، تُعد مؤشرات على أن الأطراف الفاعلة تدرك أن مستقبل البلاد لا يكمن في بقاء النظام السابق أو في استمرار الانقسامات، بل في إيجاد صيغة جديدة تُعيد إلى السوريين حقهم في تقرير مصيرهم وتضع نهاية لصراع طال أمده في استغلال الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية بعيدة عن معاناة المواطن البسيط.
وفي خضم هذا التعقيد الذي يميز المرحلة الانتقالية، يبرز الدور الحيوي للحوار الوطني الذي يجب أن يتسم بالشفافية والمصداقية، إذ لا يمكن لأي جهة أن تفرض حلولها من دون أن تأخذ في الاعتبار إرادة الشعب الذي عانى طويلاً من الفساد والاستبداد، وهو ما يستدعي إعادة فتح قنوات التواصل بين جميع المكونات الوطنية بمشاركة كافة الفصائل التي طالما تشكلت حولها الأحلام والتطلعات في سوريا، وهو ما يمثل تحديا كبيرا لكنه أيضا فرصة لإرساء أسس دولة جديدة تقوم على مبادئ العدالة والمساواة والحرية.
إن المرحلة التي تلت سقوط نظام الأسد تحمل في طياتها آمالاً جديدة تتعلق بإمكانية بناء دولة حديثة تتجاوز الخلافات القديمة وتضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، إذ إن التحديات التي تواجه القيادة الانتقالية والدولية على حد سواء تتطلب جهدا مشتركا لتجاوز الصعوبات التي تعيق عملية الانتقال السياسي، وهذا ما يجب أن يكون بمثابة دعوة لكل الأطراف للتفكير بشكل استراتيجي بعيدا عن الانقسامات التقليدية والتركيز على مستقبل يُعطي لكل سوري فرصة للعيش بكرامة واستقرار، من دون أن يُستغل هذا التحول السياسي لتحقيق مكاسب شخصية أو ضمائر مشوهة.
وهكذا، وبينما تستمر الأحداث في سورية في رسم معالم مستقبل معقدة تتداخل فيها مصالح داخلية وخارجية، يبقى الأمل معقودًا على أن تكون القيادة الانتقالية، بمثابة البوصلة التي توجه البلاد نحو مرحلة جديدة من الوحدة الوطنية والإصلاح السياسي، وأن تكون الزيارات الدولية التي شهدتها البلاد بمثابة إشارات على رغبة الأطراف في دعم عملية التحول، مما يفتح آفاقًا لتحقيق السلام والاستقرار في وطن طالما عرف الألم والتشتت، فتظل سورية اليوم مشهدًا مفتوحًا للتغيير والتجديد، وأملًا في مستقبل يعيد للعالم صورة وطن يستطيع شعبه أن يعيش بكرامة ويحمل على عاتقه مسؤولية بناء مستقبل جديد يقوم على أسس الديمقراطية والحرية والعدالة للجميع.
تلفزيون سوريا
————————–
كيف يؤثر تصوير سوريا البائسة على أهلها؟/ آلاء عوض
2025.02.20
مع تغيّر المشهد السياسي في سوريا وسقوط الطاغية الأسد، شهدنا عودة قسم يسير من السوريين المقيمين في الخارج لزيارتها بعد سنوات من الغياب، محمّلين بذكريات الماضي وتوقعات لم تكن بالضرورة متوافقة مع الواقع. بعضهم عاد بدافع الشوق ورؤية الأهل ولديه خطة للاستقرار، وآخرون كانت زيارتهم مؤقتة. ولكن ما يلفت الانتباه هو أن كثيراً من هؤلاء الزوّار لم يتوقفوا عند مشاعرهم الشخصية، بل بدؤوا بنشر يومياتهم التي تصوّر سوريا كبلد بائس ومنهك، من دون النظر إلى الأثر النفسي الذي يمكن أن يتركه هذا الخطاب على أهل البلد الذين لا يملكون خياراً آخر غير البقاء فيه.
من الطبيعي أن يتفاجأ العائدون من الخارج بما آلت إليه الأوضاع، بعد 14 عاماً من الحرب التي شنها النظام المخلوع على البشر والحجر، لم يكن متوقعاً أن تكون سوريا في أفضل حال، لكن هناك عاملاً نفسياً يغيب عن الكثيرين ألا وهو: ذاكرة الحنين. كثيرٌ ممن غادروا سوريا منذ سنوات طويلة يحتفظون بصورة مثالية عن شوارعها ومدنها، حيث الذكريات الدافئة والمشاعر الجياشة التي تجعل الماضي يبدو أجمل مما كان عليه في الواقع. ولكنهم في السنوات التي قضوها في الخارج اعتادوا على مستويات أعلى من التنظيم والخدمات والبنية التحتية، ما جعلهم يُصدمون عند العودة، ليس فقط بسبب الدمار، ولكن أيضاً بسبب الفرق بين ما توقعوه وما وجدوه.
المدن التي كانت تعجّ بالحياة بدت لهم مرهقة، الشوارع التي كبروا فيها تغيرت ملامحها، والأسواق التي كانت تنبض بالحيوية باتت تشكو من أثقال الأزمة الاقتصادية. هذه الصدمة النفسية التي اختبرها الزائرون انعكست بشكلٍ جلي في منشوراتهم وتعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بدأ البعض بنشر صور لمبانٍ متضررة، وأحياء غارقة في الصمت والظلام، ومتاجر تئنّ تحت وطأة الركود. كلماتهم قد تكون صادقة وواقعية، لكنها في الوقت عينه قاسية من حيث أثرها النفسي، خاصة على من يعيشون في الداخل أو من يفكّرون بالعودة.
المفارقة أن كثيراً من هؤلاء الزوار أنفسهم، قبل زيارتهم، كانوا يعيشون حالة من الحنين الممزوجة بالفخر بوطنهم. كانوا يتحدثون عن “أيام زمان” بكل الحب والدفء، لكن عند وصولهم، وجدوا أن ذاكرتهم ما تزال عالقة في مشاهد ما قبل الحرب، بينما الواقع الحالي يُظهر لهم النتائج المنطقية لسنوات الصراع الطويلة. في تلك اللحظة، ينقلب الحنين إلى خيبة، وينتج عنه خطاب سلبي لا يراعي الأثر النفسي لهذا التحوّل.
من حق أي شخص أن يعبّر عن مشاعره، لكن السؤال هنا: هل من الإنصاف تصوير سوريا وكأنها مكان ميؤوس منه؟ وكيف يمكن أن يؤثر هذا على من يعيشون فيها ولم يكن لديهم في الأصل فرصة لمغادرتها؟
ما يزال يحاول السوريون في الداخل، رغم كل التحديات، بناء حياتهم من جديد. منح سقوط النظام الاستبدادي الكثيرين أملاً في التغيير، وخلق لديهم دافعاً للاستمرار. لكن عندما يرى هؤلاء الناس أن أبناء بلدهم العائدين ينشرون صوراً قاتمة مليئة بالسخط واليأس، كيف سيكون وقع ذلك عليهم؟ كيف يمكن أن يشعر الشخص الذي ليس لديه خيار آخر عندما يقرأ كلاماً يوحي بأن بلده لم يعد يصلح للحياة؟
النقد جزء أساسي من أي عملية إصلاحية، ولا أحد ينكر حجم التحديات التي تواجه سوريا اليوم. ولكن هناك فرق بين النقد البنّاء، الذي يهدف إلى تسليط الضوء على المشكلات للبحث عن حلول، وبين النقد الذي يتحول إلى جلد للذات وتحطيم للمعنويات. في مرحلة إعادة بناء بلد خرج من سنوات طويلة من الحرب، فإن أول ما يحتاجه الناس هو الأمل، والثقة بأنهم قادرون على تجاوز المحنة.
عوضاً عن أن يكون العائدون مجرد متفرجين ينقلون المشهد بطريقة محبطة، يمكنهم أن يكونوا جزءاً من التغيير الإيجابي. يمكنهم مشاركة قصص الناس الذين يحاولون النهوض رغم الظروف، تسليط الضوء على المبادرات الصغيرة التي تسعى لإعادة البناء، والمساهمة في خلق خطاب متوازن يراعي مشاعر أهل الداخل بدلاً من صبّ مزيد من الإحباط عليهم.
إن مسؤولية السوريين في الخارج ليست في تجاهل الصعوبات أو تجميل الواقع، بل في اختيار خطاب متوازن، يُنصف الحقيقة دون أن يُغرق النفوس باليأس والاستسلام. يمكن للزائر أن يُعبر عن صدمته، فهذا شعور إنساني طبيعي، لكنه في الوقت ذاته يستطيع أن يلتقط جوانب الأمل: مطعمٌ أعاد فتح أبوابه بعد سنوات من الإغلاق، ورشة بناء بدأت عملها رغم الصعوبات، أو حتى ابتسامة طفل يلعب في حي تعرض للقصف خلال سنوات الحرب.
نحن بحاجة إلى أن نكون أكثر مسؤولية في حديثنا عن سوريا، سواء كنا في الداخل أو في الخارج. الكلمة لها تأثيرها العميق، وبإمكانها أن تكون مصدر إلهام أو إحباط. فلنختر كلماتنا بحكمة، ولنكن عوناً لبعضنا البعض في هذه المرحلة التي تتطلب أقصى درجات الدعم والتكافل. سوريا اليوم ليست كما كانت، لكنها ليست ميتة، بل في طور التعافي. والتعافي يحتاج إلى أيدٍ تمتد للدعم، لا إلى أصوات تُردد باستمرار عبارات الإحباط واليأس.
سوريا اليوم ليست كما كانت قبل 2011، هذا واقع لا جدال فيه. لكنها أيضاً ليست مجرد مشهد من البؤس المطلق. هناك من لا يزالون يتمسّكون بالأمل، يبنون حياتهم، ويبحثون عن فرص في وسط الدمار. فهل يكون دور العائدين مجرد توثيق للخراب، أم يمكنهم أن يكونوا جزءاً من إعادة بناء الروح السورية؟ هذا هو السؤال الحقيقي.
تلفزيون سوريا
———————————-
مناقشة لسياسات اقتصادية تطبيقية ممكنة في سوريا/ د. عبد المنعم حلبي
2025.02.20
بدأت في سوريا بوادر تنافس اقتصادي مترافق مع معضلة اقتصادية واجتماعية ضمن الأولويات، حيث بدأت السوق السورية تشهد بالفعل تنافساً غير متكافئ بين العديد من المنتجات المستوردة ونظيرتها الوطنية الزراعية والصناعية، وأخذت تشيع أسئلة ومناقشات قد تشتد مستقبلاً حول ما يمكن عمله لضمان تحقيق التوازن الضروري بين مصالح المجتمع في الوصول إلى السلع والخدمات ذات الجودة والسعر المناسب، في إطار السماح للمنتجين الوطنيين بإعادة بناء قدراتهم الإنتاجية وتلقي الدعم اللازم لزيادتها، ومواجهة البطالة الهيكلية بخلق فرص العمل بصورة مُطَّردة، والعودة للنمو الاقتصادي. ويزداد مستوى التعقيد إذا أدخلنا إلى المشهد تأثير العلاقات السياسية مع الخارج، والمصالح المتعارضة لكثير من الأطراف الدولية والإقليمية التي تريد ربط سوريا بها اقتصادياً كضمانة لعلاقات سياسية واستراتيجية طويلة الأمد.
في خِضم هذه الأجواء تعيش سوريا حالة اقتصادية ذات احتياجات هائلة، بين بنى تحتية متهشمة وبنى فوقية تنظيمية وتشريعية متداخلة، زاد من الإرباك فيها عناوين اقتصادية كبيرة وأفكار مسبقة وغير واضحة عن الاستراتيجية الاقتصادية المناسبة لاقتصاد سوريا المستقبل، وذلك كله في ظل علاقات اقتصادية مشوهة ومتغيرة، ففي الداخل انهارت مصالح ونفوذ نخبة احتكارية فاسدة، ويتم بناء توازنات جديدة لأطراف متعددة في مختلف القطاعات الاقتصادية الصناعية والزراعية والخدمية. أما مع الخارج، فما تزال العقوبات تشكل عوائق حقيقية أمام النوايا المعلنة عن الدعم والمساندة المالية والاستثمار، كما يمكن ملاحظة وجود دولة أو أكثر ربما ترى في سوريا ميداناً رخواً لتحقيق مصالحها كأولوية بغض النظر عن منعكساتها داخل البلاد المتعبة.
وأمام هذه الصورة المعقدة، ووجود صعوبات كبيرة تعيق إمكانية وضع استراتيجية اقتصادية واضحة المعالم، أو تطبيق نموذجٍ اقتصادي محدد مستورد من تجارب خارجية، يصبح من الضروري التفكير في انتهاج سياسات اقتصادية عملية معينة يمكن وصفها بالتجريبية، تُمكننا من التحرك نحو حلحلة وتفكيك جزئيات هذا الصراع المحتمل، وبما يُمكننا لاحقاً من رسم استراتيجية اقتصادية طويلة الأمد تعتمد على تشاركية حقيقية ومثبتة، تعود بالنفع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع، والأطراف المختلفة ضمن توازنات عادلة للمصالح فيما بينها، وتكون فيه الدولة أكثر قدرةً وفعاليةً على مستوى تقديم الخدمات العامة، كراعية وضابطة لخلق بيئة تشريعية وتنظيمية مُحفزة للتنافسية وتمنع الاحتكار وقادرة على إعادة توزيع الداخل، وتحقيق العدالة بكل عناوينها: الانتقالية والاقتصادية والاجتماعية، وترسيخ السلام وفرض سيادة القانون، باتجاه تحقيق التنمية الشاملة.
إن التنوع الاقتصادي القطاعي الفريد لسوريا والذي بلغ ذروته في العام 2010، من حيث الإنتاج عبر استغلال الموارد الطبيعية، ولاسيما النفط والإسمنت، والثروة الحيوانية والإمكانات الزراعية الاستراتيجية كالحبوب والقطن والزيتون والتبغ، والتي تشكل قاعدة لصناعات تحويلية أساسية في البلاد، ولا سيما المشتقات النفطية، والمنتجات الغذائية بأنواعها المختلفة من الطحين والزيت والسمن والسكر وغيرها، إلى النسيجية من الألبسة والسجاد بمختلف مستوياتها من حيث الجودة والتكلفة، وصولاً لصناعات التعدين والكابلات وبعض الصناعات المرتبطة والتجهيزات المنزلية، إضافة إلى الإلكترونية، وعشرات من المهن والحرف الوطنية التي تعتمد على الخشب والمعادن المختلفة وغيرها، إضافة إلى القدرات والتنوع الكبير في القطاع السياحي. كل ذلك من شأنه أن يشكل قاعدة أساسية للانطلاق في تلك السياسات الاقتصادية التطبيقية التي سيتم اقتراحها في هذه المقالة، وإن بما يسمح به المقام، وذلك في الاختيار بين سياسيتين اقتصاديتين معروفتين في الدول الخارجة من النزاعات، والتي تبحث عن طريق لها لتحقيق النمو الاقتصادي وإطلاق عجلة الإنتاج: الأولى سياسة النمو عبر إحلال الواردات، والثانية سياسة النمو عبر التصدير.
في البداية لا بد من إجراء فصل مهم للغاية بين السلع والخدمات الأساسية والثانوية، وتلك التي يمكن اعتبارها ضمن شريحة الرفاهية. ومن البدهي أن يتم الانطلاق في العمل على تأمين احتياجات السوق المحلية من السلع التي تتمتع بمزايا مطلقة ضمن السوق المحلية، ولا سيما الزراعية، فإذا ما كانت المنتجات المحلية قادرة على الوفاء باحتياجات السوق الكمية وبجودة مقبولة، حينها يمكن العمل ضمن خطة مرحلية على تقليص أي استيراد خارجي بما يتزامن ويتناسب مع ما تحققه المنتجات المحلية من تطور كمي، في إطار استراتيجية واضحة لتحقيق الأمن الغذائي، وتأمين ما يلزم منها كمدخلات للصناعات التحويلية الوطنية لمنتجات أسياسية، ولا سيما الصناعات الغذائية والنسيجية، مع مزايا ضريبية لفترة زمنية معينة بحسب دراسة واقع كل صناعة. بينما يجب أن يكون استيراد الاحتياجات السورية من هذه السلع ضمن مستويات الجودة العالية، حتى وإن امتلكت شيئاً من المنافسة السعرية أمام المنتج المحلي، وذلك لتحفيز المنتجين المحليين على رفع مستويات جودة منتجاتهم باعتبارها تحمل مزايا مطلقة في التكاليف الإنتاجية. وفي مرحلة لاحقة، لابد من دعم تصدير هذه السلع والمنتجات في إطار سلاسل التكاليف اللوجستية، وتقديم القروض الميسرة للمنتجين والتعامل معها كأحد الأساسية للعملة الأجنبية وتعديل الميزان التجاري والمساهمة المهمة في النمو الاقتصادي.
أما بالنسبة للسلع الثانوية التي تمتلك فيها سوريا مزايا نسبية، بمعنى وجود إمكانية للمفاضلة بين الجودة والتكاليف الإنتاجية بين السلع والخدمات الوطنية والأجنبية، فإن العمل على استيراد هذه السلع من الخارج يجب أن يخضع لاعتبارات الجودة وحدها، ومن دون منحها فرصة بارزة في المنافسة السعرية، بمعنى فرض ضرائب ورسوم على الأجنبية منها، وتقديم إعانة للوطنية إن دعت الضرورة، وذلك لإعطاء المجال أمام السلع الوطنية لزيادة حصتها السوقية المحلية مستقبلاً، ولا سيما إذا ما تطورت مستويات جودتها. وفيما عدا ذلك، فإن المفاضلة ستكون مفتوحة بين جدوى الاستيراد وفرص التصدير بين جميع أنواع السلع الأخرى على أساس الوفاء باحتياجات السوق المحلية وتخفيض العجز في الميزان التجاري وتوفير النقد الأجنبي أيضاً.
إن نجاح تلك التطبيقات يتطلب القيام بالبحوث والاستبيانات اللازمة للخروج باستنتاجات مهمة تفي بواجبات حماية حقوق المستهلكين من جانبي الجودة والتسعير، وكذلك بالطبع بما يحفظ للمنتجين الحوافز اللازمة لزيادة كميات الإنتاج والجودة. إلى جانب العمل على وضع سياسة مالية متناسبة لتحقيق الغايات منها، فيما يتعلق بالرسوم والتعرفة الجمركية، وتقديم الإعانات الحكومية، وبالتأكيد السياسات الضريبية ككل، على الأفراد والمؤسسات. وعلى المدى القصير والمتوسط، يجب إيلاء الاهتمام الكبير بزيادة الوعي الاقتصادي الجمعي لصالح الليرة السورية، والعمل على مواجهة التضخم ومراقبة أسعار السلع والخدمات، في إطار استقلالية مصرف سوريا المركزي في استخدام أدواته لتطبيق سياسة نقدية تمثل مصالح الدولة والمجتمع، بعيداً عن السيطرة الحكومية المباشرة.
إن من شأن تطبيق سياسات تحفيز النمو بإحلال المنتج المحلي محل الواردات أن ينعكس بصورة كبيرة على واقع الخزينة العامة باتجاهين، توفير الاحتياطيات الأجنبية، وزيادة الرسوم والضرائب الواردة إلى الموازنة العامة باطراد مع زيادة الإنتاج ومعدل النمو، وبالتالي زيادة قدرة الدولة على تأدية الخدمات العامة. كما أن تقديم الدعم اللازم للتصدير وفق المحددات المذكورة سيعطي الحكومة السورية فرصاً أفضل لتخفيض حالة العجز في الميزان التجاري، والذي من المتوقع أن يكون مديداً، وبالتالي تخفيف الضغوط الخارجية على الليرة السورية، وإعطاء فرصة لفعالية أفضل للسياسة النقدية في تأمين استقرار نسبي في قيمتها الحقيقية، والتي يُتوقع عودتها للانخفاض في ظل الأوضاع الطبيعية بسبب الاحتياجات الكبيرة للاقتصاد السوري للاستيراد في المرحلة القادمة.
تلفزيون سوريا
——————————
المنظمات والجمعيات السورية: بين تركة الاستبداد واستراتيجيات البناء الوطني/ محمد السكري
20 شباط/فبراير ,2025
مقدمة
مرّت سورية بمراحل مختلفة في عمل الجمعيات والمنظمات، ولطالما كانت هناك حاجة ملحّة من أجل تنظيم المجتمع المدني ضمن الدساتير والقوانين الناظمة في سورية، وذلك بسبب النشاط والفعالية الكبيرين، وقد أسهم ذلك في وجود حالة تنظيمية يزيد عمرها على 100 عام في سورية.
بدأت تجربة سورية المدنية بالتزامن مع تراجع دور السلطة المركزية خلال المرحلة العثمانية، وتعاظم دور الجمعيات القومية، ولا سيما التركية والعربية، وكان المنعطف الأساسي اعتماد القانون الأساسي الثاني عام 1909 لقانون تنظيم الجمعيات، حيث انتظمت عدة جمعيات ضمن القانون، وخلال نشوء المملكة السورية، حفظ الدستور السوري في المادة 16 حقَّ إنشاء الجمعيات، مع استمرار بقاء العديد من القوانين الناظمة خلال مرحلة الدولة العثمانية، ومنها “قانون الجمعيات”. وعمد الانتداب الفرنسي إلى استصدار قرارات تنظيمية إضافية لقانون الجمعيات، من أجل الحرص على الضبط والاستحواذ على الحركة الوطنية السورية، ومع ذلك نصّ دستور العام 1930، وهو أول دساتير “الجمهورية السورية”، على ضرورة حفظ حقّ تشكيل وتأسيس الجمعيات السورية.
عند استقلال سورية، نصّ دستور سورية لعام 1950 على حقّ السوريين في تأليف الجمعيات والانتساب إليها، في حين كان قانون الجمعيات رقم 47 لعام 1953 أوّلَ قانون للجمعيات السورية، وقد ألغى قوانين الجمعيات العثمانية وقرارات الانتداب الفرنسي السابقة، ويُعَدّ القانون أكثر تحررًا ومساحةً للحريات العامة مقارنةً بغيره، إذ جاء في سياق تنظيم الجمعيات والمنظمات السورية، في حين اعتمدت حكومة الوحدة العام 1958 القانون رقم 93 قانونًا للجمعيات السورية، وهو الثاني، وما زال معتمدًا حتى الآن[1].
في مرحلة البعث، تأثرت سورية كثيرًا بقانون الطوارئ للعام 1962، الذي جعل الرقابة على المنظمات مرتفعة جدًا، مقارنةً بالفترات السابقة، وكانت تعديلات قانون الجمعيات ضمن المرسوم التشريعي رقم 224 لعام 1969، بالتزامن مع وصول حافظ الأسد للسلطة، من أكثرها رقابةً وسيطرةً على المنظمات والجمعيات السورية، واستمر ذلك حتى اندلاع الثورة السورية 2011، حيث ألغى بشار الأسد قانون الطوارئ، وأضاف مواد دستورية جديدة متعلقة بالمنظمات، كما في المادة 10 و45، كجزء من الاستجابة لمطالب المجتمع المدني التي أخذت الطابع الشكلي.
الشكل (١) تطور الحالة الدستورية والقانونية للجمعيات السورية
من جانب آخر، اتجهت المعارضة السورية نحو تطوير مساحات عمل المجتمع المدني، خلال الثورة السورية، وقد اعتمدت عدة قرارات تنظيمية، كما في حالة الحكومة المؤقتة التي اعتمدت قرارات 10 و11 في العام 2021 [2]، من أجل تنظيم الجمعيات، وكذلك عمدت حكومة الإنقاذ إلى إصدار قرارات عامة من أجل تنظيم عمل المنظمات الإنسانية. وكانت آخر مراحل التنظيم للجمعيات والمنظمات عندما أصدرت حكومة تصريف الأعمال السورية القرارَ القاضي بتنظيم الجمعيات السورية مطلع العام 2025، لتبدأ مرحلة جديدة في العلاقة بين المنظمات والحكومة السورية[3].
سورية وتجربة المنظمات خلال حقبتي الأسد الأب والابن:
في مرحلة نظام الأسد، منذ مطلع العام 1970 حتى سقوط نظام الابن بشار الأسد، مرّت سورية بثلاث مراحل: “مرحلة نظام حافظ الأسد”، و “مرحلة نظام بشار الأسد”، و “مرحلة الثورة السورية”. ويمكن أن يضاف لها المرحلة الجديدة عقب سقوط الأسد [4].
شهدت حقبة حافظ الأسد تشديدًا على عمل المنظمات، مقارنةً بفترة الاستقلال، مستفيدًا من إعلان حالة الطوارئ التي حلت عمليًا مكان قانون الجمعيات، حيث حظر النظام مجموعة من المنظمات المدنية وأوقف نشاطها بشكل كامل، مثل حالة الكشاف السوري، وشدّد الرقابة عليها إذ طلب موافقات أمنية لتشكيل المنظمات، مع تعديلات على آليات حلّ الجمعيات بقرار أمني، وعمل على تشكيل منظمات بديلة مقربة منه، لمحاصرة النشاط المدني، مثل المنظمة الوطنية للطفولة السورية، التابعة لحزب البعث العربي الاشتراكي، وقد أدت هذه السياسات إلى إلغاء هوية المجتمع المدني، واستبداله بهوية المجتمع المتجانس مع رؤية الأسد ليكون أداةً ناعمة بيده لمواجهة معارضيه، وقد انخفض عدد الجمعيات إلى 513، بعدما كانت تزيد على 596، في مرحلة ما قبل وصول البعث في سورية 1946-1963، وهذا يشير إلى حجم الاستبداد السياسي ومحاولة ترويض المجتمع الثالث “المدني”.
وشهدت فترة بشار الأسد قبل الثورة انفتاحًا محدودًا، بالتزامن مع الانفتاح على المعارضة السياسية، حيث تشجّعت “لجان إحياء المجتمع المدني” أواخر العام 2000، إذ صدر بيان وقّع عليه 99 شخصًا بداية العام 2001، على المطالبة بإلغاء حالة الطوارئ وإطلاق الحريات وإصدار قانون لتنظيم عمل الأحزاب والجمعيات والنوادي والمنظمات غير الحكومية، في إطار إعادة تعريف احتكار الدولة لهذا القطاع. ووضعت وزارة الشؤون الاجتماعية ضوابط محددة لتشكيل المنظمات، من بينها أخذ إذن قبل 15 يومًا من الموعد، مرفقًا بقائمة تضم أسماء الحضور والشخصيات، وذلك بالتزامن مع حملة أمنية وإعلامية شنها عدد من المسؤولين لدى النظام، أبرزهم وزير الإعلام حينها “عدنان عمران” الذي وصف المجتمع المدني السوري بـ “الاستعمار الجديد”. وفي الوقت ذاته، وفّرت الوزارة تسهيلات لتشكيل منظمات جديدة في سورية، أخذت طابع “المنظمات غير الحكوميّة المنظّمة حكوميًا” (GO-NGOs)، أو القطاع نصف الحكومي، كما في نموذج الأمانة السورية للتنمية، التي أسستها أسماء الأسد (زوجة رئيس النظام بشار الأسد) عام 2001، التي حاولت تصدير نفسها كداعمة للتنمية المجتمعية، لكنها في الأصل كانت “ديكورًا للمجتمع المدني”.
بالتزامن مع ذلك، اعتمدت حكومة الأسد سياسة “اقتصاد السوق الاجتماعي”، التي أدّت إلى بعض الانفتاح المقيد، ودخول مفاوضات مع شبكات اقتصادية سورية، منها “شبكة الآغا خان للتنمية” التي عاودت عملها في سورية العام 2001، انطلاقًا من حرصها على دعم الطائفة الإسماعيلية، ومنها شبكة رجال أعمال سوريين في أوروبا، مثل “منظمة سعيد”[5]. وقد ارتفع عدد المنظمات في هذه المرحلة إلى 1486منظمة، في حين إن عددها لم يتجاوز 500 خلال مرحلة حافظ الأسد، لكن سرعان ما عاد النظام للتضيق على المنظمات عقب أحداث ربيع دمشق، ووصل التضييق إلى أوجه بعد اندلاع الثورة 2011، لكن هذا النمو لا يعبّر عن تغير في ثقافة العمل المدني السوري، حيث بقيت معظم هذه المنظمات تعمل ضمن القطاع الخدمي فقط[6].
في الفترة الثالثة، عاشت سورية انفتاحًا كبيرًا على تشكيل منظمات المجتمع المدني، في مناطق المعارضة السورية، حيث شُكّلت مئات المنظمات، رغم الظروف الأمنية الصعبة ودخول المنظمات الدولية إلى سورية، (منها ما دخل لأول مرّة)، وعملت معظمها في الجانب الإنساني، مع اهتمام بالواقع الحقوقي للقضية السورية، وارتكزت عملية التشكيل على مناطق ريفي حلب وإدلب، بعد الاستقرار النسبي لشكل السيطرة للقوى العسكرية[7].
خلال هذه الفترة، حرص النظام في مناطقه على إيقاف عملية تشكيل المنظمات سوى تحت رقابة أمنية شديدة، وقد شكّل جمعيات تابعة له، ووجّهها بما يخدم أجندته السياسية والاقتصادية القائمة على الهيمنة والاستحواذ، إذ بلغ عدد المنظمات، بين أعوام 2011-2021، التي شكلتها شبكات مقرّبة من الأسد وتعمل لصالحه، ما يزيد على 40 جمعية من أصل 83 جمعية عاملة في حلب مناطق النظام، كما في حالة “يدًا بيد”، التي عملت لصالح جيش النظام، وكانت تلك الجمعيات كتكتيك من أجل الهيمنة الكاملة على المجتمع المدني[8]. لكن مع توفر فضاء حريات جيّد في مناطق المعارضة السورية، مقارنة بمناطق النظام، بدأت تتشكل ملامح العمل المدني القائم على الحريات والاستقلالية لحد ما، لكن الأمر لم يصل إلى مرحلة المجتمع المدني المستقر، بعدما استطاع نظام الأسد تفتيت المجتمعات الثلاثة (السياسية والمدنية والعسكرية)، ونجحت المنظمات التي تشكّلت عقب الثورة في إعادة تشكيل مقدّمات أولية للمجتمع المدني السوري الحديث؛ مما قد يوثر في مستقبل سورية.
خلال الفترة التي تلت الثورة السورية، استمدّت المنظمات السورية مرجعيتها القانونية، وفق عدة قوانين، منها قانون الجمعيات السورية رقم 93 عام 1958 في مناطق النظام والمؤقتة، بجانب قانون الجمعيات التركي رقم 5253 الصادر العام 2004 في مناطق الحكومة المؤقتة، أو وفق تعميمات حكومة الإنقاذ في إدلب، مما جعل عمل المنظمات السورية خلال فترة الثورة السورية شديد التعقيد.
المنظمات خلال الثورة السورية في مناطق المعارضة: واقع ودورس مستفادة
نجحت المنظمات العاملة في مناطق المعارضة، ضمن منطقتي الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ، في بناء تجربة تنظيمات مدنية، اتسمت بالحركية والحداثة، وذلك ببوادر ذاتية ومجتمعية، حيث تلقت المنظمات أشكالًا مختلفة من الدعم، أبرزها تشكيل صناديق دعم دولية مختلفة، فشهدت سنوات الثورة عودة لنشاط المنظمات الدولية في سورية، ولا سيّما تلك المرتبطة بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، التي زادت نشاطها في تركيا بشكل ملحوظ، وعززت برامجها لتشمل الشريحة السورية في تركيا، خاصة بعد قرار مجلس الأمن 2165 لعام 2014، وما تلاه من تمديد أو تعديل خلال القرارات اللاحقة.
شهد الدعم الدولي للمنظمات حالةً من التنظيم خلال “مؤتمر بروكسل”، الذي عقد لأول مرّة العام 2017، لأجل حشد الدعم الدولي للمنظمات العاملة في سورية، واعتمدت المنظمات على التبرعات الشخصية من رجال أعمال سوريين، أو تبرعات عامة من الجاليات، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية. في الأصل، تركّز عمل المنظمات السورية بشكل مكثّف في تركيا، وفق شكلين لتنظيم الجمعيات السورية: الأول، اعتبار الجمعيات السورية كأنّها جمعية تركية، وذلك لاعتبارات ربما بيروقراطية وأخرى أمنية، وقد تكون لتسهيل آليات عمل المنظمات السورية في تركيا. والثاني، توسّع المنظمات الدولية التي كانت موجودة في تركيا ووسعت برامجها لتشمل السوريين، أو التي قامت بافتتاح أفرع لها في تركيا.
وتُشير آخر الإحصاءات إلى أن عدد منظمات المجتمع المدني المحلية في تركيا بلغ 313893، بينها 212746 منظمة متوقفة عن العمل، وتشمل هذه الإحصائية المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني، لكن دون وجود قدرة على تحديد عددها، لأن التعامل معها يكون على أساس تركي، وتحتسَب وفق السياق التركي العام. وكان عدد المنظمات الأجنبية العاملة في تركيا (من بينها منظمات سورية)، وفق وزارة الداخلية التركية، قد بلغ 129 منظمة.
عاشت هذه المنظمات فترات متباينة من النشاط، بسبب الأجندة والأولويات الدولية المتعلقة بحجم الاهتمام والمصالح ضمن القضية السورية، حيث اتسمت أعوام 2015-2019 بالازدهار، في حين تراجع دور المنظمات مع بدء مسار “التعافي المبكر”، بعد قرار الأمم المتحدة الخاص بالمساعدات الإنسانية عام 2021 رقم 2585، وعاد ليتحسن خلال “كارثة الزلزال”، وصولًا إلى نهاية العام 2023، الذي كانت خلاله المنظمات في أسوأ أحوالها المادية، من جراء تراجع الاهتمام الدولي بالقضية السورية على حساب قضايا أخرى، كالأوكرانية والفلسطينية خلال اجتياح غزة[9].
وتلقّت المنظمات خلال عملها ردات فعل مجتمعية مختلفة، بين الرضا والرفض، فعملت في جو تضعف فيه الأطر القانونية التي يمكن التعويل أو الاعتماد عليها في عملية تنفيذ أعمالها المختلفة، فضلًا عن محاولة حكومتي المؤقتة والإنقاذ تطوير بعض اللوائح القانونية للعمل، سواء عبر الاستفادة من قانون الجمعيات السوري في مناطق المؤقتة أو عبر الإعلان عن قرارات خاصة، كما في نموذج الإنقاذ. مع ذلك، أدّى ضعف السلطة المركزية وأجسام المعارضة السورية في مناطق المؤقتة، وعدم وجود تراتبية واضحة، إلى عمل المنظمات دون وجود ضوابط إلزامية كافية، مع وجود عملية المراقبة من جانب المنظمات الدولية الداعمة للمنظمات المحلية، مقارنةً بدور الحكومة المؤقتة، وكان نموذج حكومة الإنقاذ أكثر انضباطًا، لكنه كان أقل حرية ومساحات.
فضلًا عن ذلك، سهّلت هذه البيئة عمل المنظمات، وجعلتها تتحمل أعباء الدولة والقيام بأدوار لا تقوم بها، مثل بناء الوحدات السكنية أو العمل على البنية التحتية للطرقات، ما جعلها متأقلمة مع سياق عمل مرهق وصعب، في بيئة يسودها عدم الاستقرار والتوتر المستمر، ما قد يجعل عملية الانتقال من حالة الثورة إلى حالة الدولة من أصعب التحديات الذاتية والموضوعية، على المستوى العسكري، وضمن الإطار المدني[10].
الشكل (٢) مؤشرات البيئة الديمقراطية لعمل المنظمات في مستقبل سورية
من جانب آخر، ارتكز عمل المنظمات على دورها ضمن “القطاع الإنساني” بشكل مفرط، وكانت في الغالب أسيرة التحوّلات السياسية، من حيث التحديات الداخلية، فالتوجّهات الدولية والإقليمية هي التي رسمت طبيعة المشاريع، سواء كانت الاستجابة الطارئة أو التعافي المبكر، وأثّر عدم وجود “هوية برامجية” واضحة لعمل منظمات في تعميق الهوية المدنية، وعزز وجودُ بيئة عسكرية فصائلية عمليةَ تدخل القوى العسكرية في عمل المنظمات وفرض شروط وقيود أمنية عليها، وإنّ حرص بعض المنظمات في هذا الواقع على تحصيل مزايا وامتيازات من الفصائل لتسهيل عملها جعل استقلاليتها تحت التهديد[11].
في المقابل، حرصت بعض المنظمات على عدم إظهار أي موقف سياسي تجاه نظام الأسد، خلال عملها الإنساني، ولذا لم تحظ بقبول كاف مجتمعيًا، في حين أخذت منظمات أخرى شكلًا سياسيًا وطنيًا، وكانت أكثر ميلًا للعمل الوطني، انطلاقًا من المسؤولية، وبسبب متطلبات السياق السوري الذي يغلب عليه الطابع الوطني، أو عدم وجود مجتمعات طبيعية سياسية ومدنية، ممّا منحها قبولًا اجتماعيًا، كما في نموذج الدفاع المدني السوري[12].
ومن ثم، فإنّ عدم وجود مؤسسات الدولة الطبيعية أو ملامح لها في مناطق المعارضة ترك هذا النوعَ من الفراغ والتداخل، وجعل إمكانية تدخّل “المجتمع العسكري” في عمل المنظمات ممكنةً، لكونه أكثر الأطراف قوّة، وكذلك فرض شكل من أشكال “السيطرة الأدواتية” على القضية السورية، لا سيّما في ظل كثرة الفصائل والأجندة العسكرية والسياسية.
من ناحية أخرى، كانت طبيعة العلاقة في إدلب بين السلطات الموجودة والمجتمع المدني أقرب للعلاقة الريعية، بمعنى “الاستحواذ والضبط”، خصوصًا سيطرة حكومة الإنقاذ على مفاصل القرار المدني، وقد منحت حكومة الإنقاذ بعض الهوامش المحدودة، من أجل ضمان تقديم المنظمات الإنسانية الدعم للمجتمع المحلي، وأدّى ضعف السلطة المركزية في الحكومة المؤقتة، وانحسار دورها، إلى اختلاف العوامل والظروف وواقع الضبط والفوضى، أي أنّه كان ذا مساحات عريضة وواسعة أفسحت المجال أمام “الفوضى”.
وبناء على ذلك، تكون أنماط المنظمات المدنية العاملة في المنطقة كالتالي:
منـظمات مرخصة في تركيا وتعمل في مناطق الإنقاذ والمؤقتة.
منظمات مرخصة لدى حكومة الإنقاذ وتعمل محليًا.
منظمات غير مرخصة لديها تنسيق مع الحكومة المؤقتة.
منظمات دولية تعمل في مناطق الحكومتين.
ضمن هذه الظروف، يعتبر سقوط النظام بمنزلة عودة المجتمع المدني السوري للنشاط والحيوية واستعادة القرار الوطني، ولا سيما بعدما عانى ضعف الدعم المادي والتسييس، واحتكام هذا المجتمع إلى أجندة دولية وإقليمية، فضلًا عن تراجع قدرة المؤسسات نفسها على تقديم الوظائف للموظفين، بعد عملية التسريح الكبيرة التي قامت بها على خلفية تراجع الدعم الدولي خلال عام 2024، مما شكّل تهديدًا كبيرًا لاستقرار المجتمع المدني السوري.
واقع المنظمات بعد سقوط النظام:
برز دور المنظمات خلال مرحلتين: الأولى، عند بدء العملية العسكرية، أمّا الثانية، فبعد سقوط النظام السوري. وقد انصب التركيز في المرحلة الأولى على مدينة حلب، وكثّفت كأول تجربة للتجربة المدنية المعارضة في محافظات سورية جديدة، وكانت أهميتها كرسم للانطباع العام حول التعامل مع الملف السوري. وعملت عدة منظمات في حلب كنوع من تحقيق الاستجابة السريعة للمساهمة في تأمين الاحتياجات العامة، وكان من الملفت أن المنظمات ساهمت بدور إضافي ضمن سياق العملية العسكرية في إدارة الخطاب العام والدعم الإغاثي، حيث شكّلت نوعًا من الطمأنينة للأهالي، خلال تقديم المساعدات وإطلاق المبادرات العامة، لا سيّما في المناطق التي تشهد تنوعًا في مدينة حلب.
غلب على معظم هذه المبادرات الطابع الإسعافي، وليس البرامجي، وقد كان انتشار المنظمات أحد التكتيكات التي عوّلت عليها إدارة العمليات العسكرية في ضبط المدينة، حيث شهدت حلب دخول منظمات قادمة من إدلب وقريبة من حكومة الإنقاذ، كحال “منظمة الاستجابة الطارئة” التي نفّذت حملات عديدة، في مناطق عدة بحلب ذات تنوع ديني، كأول اختبار لها، أو دخول فرق تطوعية غير مرتبطة بأيّ سلطة كدور “الدفاع المدني” في عملية تنظيم المدينة.
أمّا المرحلة الثانية، فكانت بعد سقوط النظام، حيث كشف توسّع المساحات الجغرافية، وعدم وجود الكوادر أو السياسات الكافية، مدى صعوبة تحقيق الحد الأدنى من معايير التعامل مع الواقع السوري الجديد، وقد كان خيار تركيز المنظمات على العاصمة دمشق من التكتيكات التي اتبعتها، من أجل الحفاظ على مستوى الزخم والتأثير ذاته، وأدى ذلك إلى ضعف النشاط في المحافظات السورية الأخرى، وتراجع الدور السابق في محافظة حلب، مقارنةً مع البدايات. وتمت تغطية حالة الفراغ المدني في المحافظات السورية الأخرى بالاعتماد على المجتمعات الأهلية والمحلية، كما في حالة محافظة حمص، وذلك عندما شعر المجتمع بضرورة تعويض هذا الغياب عبر إطلاق مبادرة محلية “مجموعة السلم الأهلي في حمص”، ويمكن ملاحظة ذلك الأمر في محافظة درعا، حيث ظهرت مساهمات من المجتمع المغترب من المحافظة بدعم المجتمع المحلي خلال سنوات الثورة السورية.
وشكّل مشهد انفتاح المحافظات السورية على بعضها بدء التعاون أو التنافس، بين منظمات المعارضة والمنظمات القديمة العاملة في دمشق وحلب، وتلك المعارضة العاملة في ريف حلب وإدلب، مما أدى إلى وجود نوع من الاستقطاب الجديد، وتجلّى الأمر بين سعي المنظمات المعارضة للاستفراد بقطاعات عمل معينة على حساب المنظمات العاملة في مناطق النظام، من بوابة “الأحقية الثورية”، ويمكن ملاحظة هذا الأمر في سلوك كل من نقابات الطلبة والأسنان والمهندسين المعارضة، على حساب تلك التي كانت تابعة للنظام السابق.
من ناحية أخرى، استطاعت عدة منظمات كانت عاملة في مناطق النظام، وغير متورطة في دعمه، إعادة رسم سياسات جديدة تتماشى مع الوضع الراهن، واستعادت نشاطها كما في نموذج “منظمة سند التنموية” أو منظمة “الغرفة الفتية” ال JCI فرع سورية[13]، وذلك باتباع تكتيك استضافة شخصيات معارضة للنظام قد عادت لسورية، وذلك ضمن برامج حوارية أو تدريبية مختلفة، وقد لقيت مبادراتها قبولًا واسعًا من الناحية الاجتماعية، لكون هذه المنظمات لديها جمهور واسع من المجتمع المحلي المقيم داخل سورية.
من جهة أخرى، سعت منظمات المعارضة لإعادة تموضعها في المناطق الجديدة، لتشكل حالة من التنافس مع المنظمات، أو من التكامل، كما في حالة “مدنية” التي أفسحت المجال لانضمام منظمات جديدة لها من داخل دمشق، بالتوازي مع نشاط كبير قامت به خلال المرحلة الأولى التي تلت سقوط النظام عبر إطلاق عدة لقاءات وحوارات بجانب مؤتمر صحفي كان الأول من نوعه، أعلنت فيه التزامها “بالتحول والمبادئ الديمقراطية”. وقد أدى الدور الكبير الذي قامت به (مدنية) خلال الفترة الأولى عقب سقوط الأسد، إلى تحصيل مكاسب مهمة، منها وجود إحدى ممثلات المنظمة في “لجنة الحوار الوطني”، وهي السيدة هند قبوات، أو لقاء وزير الخارجية السوري في العاصمة الفرنسية باريس، وقبل ذلك اللقاء مع الرئيس أحمد الشرع، في دمشق.
وعملت المنظمات الشبابية على استقطاب شخصيات مختلفة في دمشق وحلب، محاولة التعامل مع احتياج المجتمع المحلي وفهم احتياجاته وتحقيق الانتشار المطلوب، لكون الكوادر القديمة غير كافية، من أجل توسيع الانتشار والتأثير ولا سيما في دمشق وحلب.
ويمكن تقسيم واقع المنظمات العاملة في سورية بعد سقوط النظام، ووفق الواقع الجديد خمسة نماذج:
منظمات عملت في مناطق حكومة الإنقاذ وتوسعت كما في حالة “الاستجابة الطارئة”.
منظمات علمت في مناطق الحكومة المؤقتة وتوسعت.
منظمات تابعة للأسد وعاملة في مناطق النظام قبل سقوطه، كما في حالة “الأمانة السورية للتنمية”.
منظمات لم تدعم النظام وعملت في مناطقه، لكنها أعادت صياغة موقفها من الثورة، كما في حالة “منظمة سند التنموية”.
منظمات ومبادرات تشكّلت بعد سقوط النظام السابق، كما في حالة “رجعنا يا شام” و “بقجة”[14].
ولم تتسع بعد رقعة استهداف المنظمات غير الحكومية المحافظات والمدن السورية البعيدة عن مركزية حلب ودمشق، لكنها شهدت بعض المبادرات، بعد مرور أكثر من شهر ونصف على سقوط النظام، وشملت هذه النشاطات فعاليات ثقافية ومعارض فنية مثل “معرض الفن التشكيلي” الذي أقامه منتدى خيزران الثقافي وجمعية بصمة فن في السلمية، وفعالية تكريم المعتقلين الخارجين من سجون الأسد، التي أقامتها جمعية الأمل للأحداث في السلمية.
الشكل (٣) مؤشرات البيئة الديمقراطية لعمل المنظمات في مستقبل سورية
من الملاحظ ارتفاع في عدد المبادرات الاجتماعية التي تدعو لتجميل المحافظات السورية، كتنظيف الشوارع والطرقات وطلاء المحال بعلم الثورة السورية، أو تقديم الدعم الإغاثي للسكان المحليين، ومحاولة ترحيل القمامة في المحافظات. وهي مظاهر انتشرت بكثافة في مناطق المعارضة سابقًا، كجزء من الشعور بالمسؤولية الوطنية والانتماء لسورية، وعادت للتوسع والانتشار بعد سقوط النظام في المحافظات السورية. ويمكن ملاحظة بدء الجانب التنسيقي مع الحكومة السورية، من خلال حملة “رجعنا يا شام”، التي أطلقها الدفاع المدني السوري بمشاركة نحو 37 مؤسسة وفريقًا تطوعيًا، و 1300عامل في المجال الإنساني، بهدف إعادة تأهيل وتجميل شوارع العاصمة دمشق، وشمل النشاط حملات شبابية لتحسين المظهر الحضاري للمدن، مثل حملة ترميم مدخل مدينة الحارة في محافظة درعا، وتأهيل حديقة بطرني في اللاذقية [15].
وفي سياق تنظيم العمل المدني، اجتمعت وزارة الشؤون الاجتماعية السورية، عقب تشكيل حكومة تصريف الأعمال، مع مجموعة من المنظمات السورية، بهدف إعادة تنظيم المجتمع المدني، وبدء صياغة علاقة قائمة على التعاون والتنسيق، وقد يمهّد هذا لتعزيز الشفافية وبناء الثقة مع المنظمات، وأخطرت الوزارة ممثلي المنظمات بنيتها استصدار قانون جديد مؤقت للجمعيات، خلال هذه المرحلة، وأبدى الممثلون استعدادهم للالتزام.
الجدول (1) نماذج عن قوانين جمعيات في دول أخرى
وتضمّن القرار الذي أعلنته الحكومة في كانون الثاني/ يناير 2025، مجموعة من الشروط لضبط وترخيص منظمات المجتمع المدني، ويأتي هذا الإجراء كتجسيد لبدء الدولة السورية استيعاب عمل المنظمات وقونتها كمرحلة مؤقتة، ليكون هذا القرار تمهيدًا لبدء مرحلة جديدة في علاقة السلطة مع المجتمع المدني، تكون مختلفة عن المرحلة السابقة، وأكّد المسؤولون الحكوميون مرارًا مسألة الحريات الواسعة ومن ضمنها حرية تأسيس الجمعيات والقضاء المستقل. وبناءً على ذلك، يمكن الاستفادة من تجارب دول عديدة في إعادة النظر بتركة قانون الجمعيات السوري الذي بات قديمًا وغير متسق مع متطلبات المرحلة الجديدة، ولا سيما أن تعديلاته لعام 1969 تفرض قيودًا شديدة تعرقل عملها.
مستقبل المنظمات في سورية بعد سقوط الأسد:
لعلّ الانتقال إلى مجتمع مدني سوري مستقرّ ومتطور يحتاج إلى اتباع بعض الاستراتيجيات الأساسية التي تسهم في نمو وتطوير “المجتمع المدني“، وفي تجاوز التحديات الحالية التي يمكن أن تتلخص بالتالي:
توقف الدعم الدولي: تعاني المنظمات عقب سقوط النظام من تحدي بقاء صناديق الدعم الدولية خلال الثورة، وإعادة تنظيمه بالتنسيق مع الحكومة، وتغيّر السياسات الدولية تجاه سورية، مما قد يفتح المجال لتراجع دور منظمات المجتمع المدني بشكل مبدئي. وقد توقفت مجموعة من المنظمات الدولية عقب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعادة تقييم سياسات الدعم الدولي[16]. ويحدّ استمرار الاعتماد على التمويل الوطني السوري من قدرة المنظمات على تغطية الحاجة الكبيرة، ولا سيما مع التمدد لمحافظات سورية ذات مساحات جغرافية واسعة وبحاجة إلى دعم واستجابة.
الترخيص والتحول المؤسساتي: قد تشكّل عوامل الانتقال، من العمل على أساس الجماعة، إلى المؤسسة صعوبة لدى عدة منظمات، ولا سيما ضمن إجراءات الاعتماد والترخيص، فقد تجد تلك المنظمات صعوبة في الالتزام بعملية الترخيص، علمًا أنّ بعضها قد نجح في الحصول على الترخيص، كما في نموذج منظمة شفق الإنسانية.
التنمية التشاركية: يؤدي الموقف السابق لدى المنظمات إزاء الثورة السورية دورًا كبيرًا في تعميق الشرخ بينها، ولا سيّما بين المنظمات العاملة في مناطق الثورة والنظام قبل سقوط الأسد، مما يضعف أواصر التعاون بين المنظمات المدنية، في ظل اعتبارات المنظمات التي دعمت الثورة بامتلاكها “الأحقية الثورية”، على حساب الأخرى.
القبول المجتمعي: ستكون مهمة إعادة النظر في أولويات المجتمع السوري من أهمّ التحديات التي تصطدم بها المنظمات، بسبب الانقطاع عن المجتمع السوري في معظم المحافظات السورية الكبيرة، لأكثر من 14 عامًا، فحالة العمل في ريف حلب وإدلب مختلفة تمامًا عن نظيرتها في دمشق وحلب، مما قد يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرًا لإعادة الثقة للمجتمع، وتحفيزه من جديد للانخراط في القضايا المدنية والاجتماعية، وذلك عبر ترميم الرأس المالي الاجتماعي وتوسيع نطاقه وسياق عمله.
السلم الأهلي: يعتبر العمل على مبادرات “السلم الأهلي” من أهمّ القطاعات الحالية، حيث تتحمل المنظمات مسؤوليتها، من جراء الثقافة الرجعية التي خلّفها النظام في سورية، وقد وصلت إلى مرحلة حاجة إلى الحوار المشترك، في المدن والمحافظات والمكونات حتى الحارات الصغيرة، ولعلّ النجاح في بناء السلم الأهلي هو أهم المداخل لبناء مجتمع مدني سليم وحرّ، ودولة قوية متسقة مع الحريات المطلوبة، وإن تحقق هذا التبادل في الأدوار والمسؤوليات يساعد في بناء “التكامل الوطني”.
التوصيات والمقترحات:
قوننة المنظمات والجمعيات عبر تسهيل إجراءات التأسيس والتسجيل، وذلك بإعادة النظر في نظام الترخيص والانتقال نحو نظام “الإشعار المضبوط”، مما يساعد في تحسين واقع المنظمات، ويزيد تنظيمها وحريتها، ويقلل أعباء قانونية عليها[17].
إنهاء حالة محاصرة المنظمات والتدخل الأمني الذي ساد خلال حقبة الأسد، وإلغاء عملية الحل بقرار أمني، وتعزيز استقلال القضاء وعدم التدخّل في شؤون المنظمات الإدارية.
تعزيز الاستقلالية والحريات المدنية، وذلك بإنهاء دور “الهيمنة” على الشؤون الإدارية والحوكمية، وضرورة اقتصار دور وزارة الشؤون الاجتماعية على ضمان الرقابة المالية والإدارية؛ بما يتقاطع مع روح فكرة الجمعيات المدنية بناءً على معايير الشفافية والمصارحة.
ضمان الحقوق المدنية والمواءمة الدولية، عبر توفير بيئة قانونية تمنح “حرية التمويل”، مما يساعد في تنمية المجتمع والمدني، وهذا لا يعني عدم وجود رقابة مالية على مصادر التمويل، لكن من المهم أن يشرف عليها لجان قضائية مستقلة وظيفتها ضمان الشفافية والحريات والمساءلة.
الحرص على سيادة سورية الوطنية، عبر ضبط ومراقبة التمويل الخارجي بما يتناسب مع الظروف الحالية التي تمرّ بها سورية وتتقاطع مع الحريات العامة، وعدم تشكيل أي اختراق أمني أو سيادي لسورية ومصالحها الوطنية.
مواءمة قانون الجمعيات مع القوانين الدولية، خصوصًا مع المادة 22 من العهد الدولي لحقوق الإنسان لعام 1984، مما يجعل سورية في مصاف الدول الملتزمة بحقوق الإنسان التاريخ، ويمنحها فرصًا كبيرة لاستقطاب المنظمات الدولية.
خاتمة
خلال مرحلة الثورة، عاشت منظمات المجتمع المدني في سورية ضمن عدة بيئات، وذلك من جراء خلفيات السيطرة العسكرية والأمنية، حيث غاب عن مناطق المعارضة نموذجُ الدولة، وغاب عن نموذج المناطق التي سيطر عليها الأسد روحُ المنظمات، بسبب الاستبداد المطلق. ومن هنا، تبرز أهمية المرحلة الجديدة بعد سقوط الأسد، كونها ستشكل مفترق طرق أمام حالة مجتمع مدني جديد، ضمن بيئة جديدة عنوانها الأساسي الدمج بين دور الدولة الطبيعية ومساحة المنظمات المفترضة في سياق الحريات، وإن اتباع استراتيجيات تقوم على خلق أطر قانونية ودستورية ومجتمعية جديدة لمنظمات المجتمع المدني السوري سيعني عودة الروح للمجتمع الوسيط، ويُسهم في النمو السريع في الدولة، وإنّ وجود جماعات مدنية خارج إطار الدولة لا يُعدّ مقبولًا، كما أنّ وجود دولة تتحكم في المجتمع المدني سيكون ثمنه اجتثاث أي فرصة لبناء دولة حريات وديمقراطية، ما يعني أن الموازنة بين دور الدولة والمجتمع المدني، خلال المرحلة الجديدة في سورية، ستُشكل مفترق طرق، وترسم ملامح سورية الجديدة الذي لا تتحمله الحكومة السورية وحدها، وإنما تتشارك معها المنظمات في المسؤولية، وفق الأدوار المنوط بها تنفيذها، وإنّ استنباط المؤسسات المدنية من حاجة المجتمع السوري نفسه، ومن رغبته في تمثيل القوى السورية الوطنية ضمن المجالات المدنية، سيساعد في بناء منظمات وجمعيات ذات ثقل وحضور وقبول جيد في الأوساط السورية، ويتطلب ذلك تبني نهج “bottom-up” الأقرب إلى المجتمع المحلي منه السياسي، أي إن تشكيل المجتمع المدني لا يكون بالطريقة التي بُني بها خلال فترة النظام السابق “من الأعلى”، بل يكون أقرب إلى حالة التشكيلات في مناطق المعارضة “من الحاضنة”، التي استطاعت بناء الملامح الأولية للمجتمع المدني الحديث. ومن غير المفترض أن يكون هذا التحوّل بمعزل عن هياكل الدولة الجديدة، بل بالتنسيق معها، بحيث يكون مستوى التدخل تكامليًا وتنسيقيًا، وليس تحكّميًا أو موجهًا، وهذا يعني الاتساق مع متطلبات المرحلة الجديدة، عبر تشكيل ثقافة مدنية جديدة فاهمة للمجتمعات المحلية، وتركّز على تحقيق ثنائية الشرعية والحرية.
المراجع:
محمد حرب فرزات، الحياة الحزبية في سورية: دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب السياسية وتطورها العام 1908-1955، الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019.
مجموعة باحثين، إعادة بناء المجتمع المدني السوري بعد التغيير، مركز حرمون للدارسات المعاصرة، 5 تموز/ يوليو، 2021، الرابط: https://cutt.ly/hrq2aIAy
يمان زباد، استجابة “القطاع المدني” للزلزال في مناطق النظام، 21 آذار/ مارس 2023 ، مركز عمران للدراسات، الرابط: https://cutt.ly/vrq2gmcX
Raymond A. Hinnebusch. State and Civil Society in Syria, The Middle East Institute (MEI), link: https://cutt.ly/lrq0GfAE
Ruiz de Elvira, L., & Zintl, T. (2023). The End of the Ba’athist Social Contract in Bashar al-Assad’s Syria: Reading Sociopolitical Transformations through Charities and Broader Benevolent Activism. HAL Archives. https://shs.hal.science/halshs-03963418v1
How The Syrian Regime Uses the Humanitarian Organizations SARC and STD to Steal Humanitarian Aid, Syrian Network for Human Rights, 28-Dec-2023, link: https://cutt.ly/Hrq0HdK0
Ziad Awad, Non-Governmental Organizations in Aleppo: Under Regime Control and at its Service, 03 June 2022, https://cutt.ly/Orq0HSLI
§ Housam Halimeh , Civil Society organizations’ role in Early recovery in Northwest Syria, 22.octobar 2022. Link: https://dergipark.org.tr/en/pub/irmrs/issue/73124/1130383
Rana Khalaf, Governance without government in Syria: civil society and state building during conflict, 21 September 2015, link: https://cutt.ly/hrq0Jnur
The vital role of civil society in building a post-Assad Syria, the new Arab, 05 February 2025, link: https://cutt.ly/srq0JZZV
The Guardian. (2025, February 10). Nearly $500m of food aid at risk of spoilage after Trump USAID cuts. The Guardian. https://cutt.ly/Arq0CEPv
State Repression of Human Rights Activism in Syria, human rights watch 2007, link: https://cutt.ly/8rq0J5TM
[1] محمد حرب فرزات، الحياة الحزبية في سورية: دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب السياسية وتطورها العام 1908-1955، الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019، ص 246-280.
[2] صدر القرار رقم 10 بتاريخ 8/4/2020، وهو يتألف من 8 مواد، تشمل آليات وشروط تسجيل المنظمة والجمعيات، والأوراق الرسمية المطلوبة والنظام الداخلي.
[3] تضمن القرار مجموعة من الإجراءات العامة، مثل تقديم الأوراق الاعتمادية، والنظام الداخلي، إضافة إلى وجود مقر واضح.
[4] Raymond A. Hinnebusch. State and Civil Society in Syria, The Middle East Institute (MEI), link: https://cutt.ly/lrq0GfAE
[5] هي مؤسسة خيرية تعود أصولها لرضا سعيد، وهو رجل أعمال سوري يقيم في بريطانيا.
[6] Ruiz de Elvira, L., & Zintl, T. (2023). The End of the Ba’athist Social Contract in Bashar al-Assad’s Syria: Reading Sociopolitical Transformations through Charities and Broader Benevolent Activism. HAL Archives. https://shs.hal.science/halshs-03963418v1
[7] How The Syrian Regime Uses the Humanitarian Organizations SARC and STD to Steal Humanitarian Aid, Syrian Network for Human Rights, 28-Dec-2023, link: https://cutt.ly/Hrq0HdK0
[8] Ziad Awad, Non-Governmental Organizations in Aleppo: Under Regime Control and at its Service, 03 June 2022, https://cutt.ly/Orq0HSLI
[9] يمان زباد، استجابة “القطاع المدني” للزلزال في مناطق النظام، 21 آذار/ مارس 2023، مركز عمران للدراسات، شوهد في 10 شباط/ فبراير 2025، الرابط: https://cutt.ly/vrq2gmcX
[10] Housam Halimeh , Civil Society organizations’ role in Early recovery in Northwest Syria, 22.octobar 2022. Link: https://dergipark.org.tr/en/pub/irmrs/issue/73124/1130383
[11] مجموعة باحثين، إعادة بناء المجتمع المدني السوري بعد التغيير، مركز حرمون للدارسات المعاصرة، 5 تموز/ يوليو ,2021، الرابط: https://cutt.ly/hrq2aIAy
[12] Rana Khalaf, Governance without government in Syria: civil society and state building during conflict, 21 September 2015, link: https://cutt.ly/hrq0Jnur
[13] تعدّ المنظمتان من المنظمات الشبابية البارزة في سورية، تشكلت منظمة سند التنموية عام 2012، وهي منظمة محلية، أمّا منظمة الغرفة الفتية، فهي منظمة أميركية معنية بدعم الشباب، وتمتلك أفرعًا في كل أنحاء العالم، وكان أبرز مؤسسيها الرئيس الأميركي جون كندي.
[14] هي مبادرات اجتماعية أطلقتها مجموعة من المنظمات العاملة في سورية في دمشق وحلب، من أجل إنهاء أثر النظام السابق وإعادة تنظيف المحافظات ومعالمها الأثرية.
[15] The vital role of civil society in building a post-Assad Syria, the new Arab, 05 February 2025, link: https://cutt.ly/srq0JZZV
[16] The Guardian. (2025, February 10). Nearly $500m of food aid at risk of spoilage after Trump USAID cuts. The Guardian. https://cutt.ly/Arq0CEPv
[17] State Repression of Human Rights Activism in Syria, human rıghts watch, 2007, link: https://cutt.ly/8rq0J5TM
تحميل الموضوع
مركز حرمون
———————————-
هل يمكن منع انهيار الليرة السورية؟/ محمد صالح الفتيح
تحديث 20 شباط 2025
لو لم يحصل أي من أحداث 2011 وما بعدها، كان من المرجح أن تنامي الاستيراد سيستمر خلال العقدين الثاني والثالث من الألفية بما يفوق قدرات الصادرات السورية على المواكبة. ومن غير المستبعد أن تعود سوريا سريعاً لمعدلات الاستيراد التي وصلتها في 2010 مع إضافة المستوردات النفطية الجديدة. هذا المشهد القاتم يعني أن الليرة السورية مرشحة للانهيار بشكل حتمي في السنوات القليلة المقبلة والوصول لمستويات غير مسبوقة أمام الدولار.
تأخذ قيمة العملة الوطنية – الليرة – أهمية خاصة في الوعي الجمعي للسوريين الذين لا يرون فيها انعكاسًا لقدراتهم الشرائية وواقعهم المعيشي وأمنهم الغذائي فحسب، بل أحد رموز كرامتهم. ولكن من منظور الاقتصاد، تتحدّد قيمة العملة الوطنية بالنسبة لسائر العملات بحسب الطلب عليها، والذي يتحدد بدوره نتيجة عوامل اقتصادية وسياسية ونفسية أحيانًا. وبشكل أدق، تتحدد قيمة العملة نتيجة:
أولًا، حجم العجز في الميزان التجاري، أي الفارق بين الصادرات والواردات. وكلما تفاقم العجز، ولم يكن من السهل إيقاف الاستيراد، انخفضت قيمة العملة الوطنية.
ثانيًا، حجم تدفق النقد الأجنبي من خارج عملية التصدير، وهذا ما يشمل تحويلات المغتربين، والتحويلات المالية للمستثمرين لإنشاء وتمويل المشاريع في داخل البلاد، فضلًا عن الودائع المالية والمساعدات الدولية. وكلما ازدادت هذه التدفقات وقلّصت من حجم العجز في الميزان التجاري، استقرت قيمة العملة الوطنية.
ثالثًا، الاستقرار السياسي والأمني في البلاد والذي يمكن أن يشجع المواطنين على الاحتفاظ بالنقد الوطني، أو يدفع غيابه المواطنين للتخلي عن النقد الوطني والبحث عن ملاذ آمن مثل الدولار أو الذهب (والذهب بدوره يكون في العادة مادة مستوردة يجب تمويلها بالنقد الأجنبي، مما يفاقم الطلب عليها من حجم العجز التجاري).
مسار الليرة السورية منذ الاستقلال كان باتجاه الانخفاض الذي كان تدريجيًا لعقود، وتسارع خلال سنوات الاضطرابات الأمنية والسياسية والعزلة الدولية. فقد انخفضت قيمة الليرة أمام الدولار من 2.19 ليرة للدولار في 1946 إلى 4.1 ليرة في 1980. ثم انهارت الليرة إلى مستوى 12 ليرة للدولار في 1986، ثم 48 ليرة للدولار في 1990.
الانخفاض الحاد خلال الثمانينيات كان نتيجة تبني بعض السياسات الليبرالية في سوريا، والتي سمحت للقطاع الخاص، اعتبارًا من 1971، بزيادة حضوره الاقتصادي. إلا أن النتيجة الفعلية كانت تنامي الاستيراد. فقفز عجز الميزان التجاري من 80 مليون دولار في 1970 إلى 1.71 مليار في 1977، وهو أول عام عانت فيه سوريا من مؤشرات نقص الاحتياطي من النقد الأجنبي.
كانت المساعدات المالية الخليجية في السبعينيات ــــ التي زادت عن المليار دولار سنويًا ــــ هي ما ساهم في تغطية عجز الميزان التجاري السوري. ولكنّ التباينات الناجمة عن الدخول العسكري السوري إلى لبنان في 1976 قلّصت المساعدات الخليجية، مما ساهم في أزمة النقد الأجنبي في 1977.
أعاد التقارب العربي مع سوريا، إثر توقيع مصر اتفاقية “كامب ديفيد” مع إسرائيل، المساعدات المالية العربية. كما هدأ معدل تضخم الواردات قليلًا خلال الثمانينيات لإدراك الحكومة السورية هشاشة احتياطاتها من النقد الأجنبي. لكنّ قدرات التصدير الذاتية بقيت متواضعة، وكان من الصعب احتواء كامل عادات الاستيراد التي تجذرت خلال العقد السابق.
لهذا، بقي الميزان التجاري خاسرًا خلال الثمانينيات ويتراوح بين 1.5 و2 مليار دولار سنويًا. المساعدات الخليجية عادت لتتقلص خلال الثمانينيات، مما استنفذ مخزون سوريا من النقد الأجنبي. وفي الأيام الأخيرة من كانون الأول/ديسمبر 1986، كان المتبقي من النقد الأجنبي في المصرف المركزي السوري هو 144 مليون دولار فقط، وهذا ما كان يكفي لتمويل أسبوعين فقط من الواردات. وقد أثر ذلك بشكل حاد على سعر الليرة السورية خلال السنوات التالية، وعلى قدرة سوريا على الاستيراد. وهذا أدى بدوره لظهور أول أزمة قمح في تاريخ سوريا المعاصر والتي امتدت بين 1987 و1989.
الاكتشافات النفطية، في أواخر الثمانينيات في دير الزور، أعادت الاستقرار للميزان التجاري السوري. وخلال العقدين التاليين راوحت الليرة مكانها تقريبًا عند مستوى الخمسين ليرة للدولار. وفي 2010 تحديدًا كان السعر الرسمي والموازي متطابقًا عند 45 ليرة للدولار. إلا أن الليرة السورية كانت مهيئة لأن تشهد موجة أخرى من الانخفاض في قيمتها بسبب تنامي بعض المشاكل البنيوية وقرب خروجها عن السيطرة. والسبب هو التنامي الحاد للواردات وتراجع الصادرات. الرسم التالي يوضح ما حصل في الأعوام الخمسة السابقة للثورة السورية.
خلاصة المشهد أن الصادرات السورية بقيت تراوح مكانها تقريبًا عند 11 مليار دولار بين 2006 و2010، بينما تنامت الواردات بشكل مطرد، من 11.5 إلى 17.5 مليار دولار. وبالنتيجة، قفز العجز التجاري من 570 مليون دولار في 2006 إلى 6.2 مليار دولار في 2010. وبقيت الليرة السورية مستقرة أمام الدولار في تلك المرحلة لأن العجز تم تمويله من تحويلات المغتربين لعائلاتهم، وكذلك من دفع رسوم بدل الخدمة العسكرية الإلزامية للخزينة العامة، والتي بلغت آنذاك 5,000 دولار عن الشاب الواحد.
ومن المرجح أن العجز في العام 2010 اقترب من السقف الأعلى الذي يمكن لتحويلات المغتربين ورسوم بدل الخدمة العسكرية أن تغطيه. تنامي العجز – أي زيادة قيمة الواردات بالمقارنة مع الصادرات – جاء نتيجة ما يلي:
أولًا، تغيير عادات الاستهلاك السوري وزيادة الطلب على المستوردات كنتيجة للسياسات الليبرالية التي تبنتها الحكومة السورية بين 2003 و2005.
ثانيًا، تراجع حجم وقيمة الصادرات النفطية السورية التي كانت تشكل ما بين 35 و45% من مجمل الصادرات السورية. كما تراجعت الصادرات الزراعية الخام، خصوصًا من القمح والقطن، منذ 2008 وذلك بسبب الجفاف الحاد الذي ضرب البلاد.
ثالثًا، تراجع قدرات الإنتاج المحلي السوري، وتراجع التنافسية في أسواق المنطقة، خصوصًا بسبب منافسة البضائع التركية في تلك الأسواق. كما تضررت قدرات إنتاج الورشات الصغيرة في سوريا بسبب تنامي المستوردات من تركيا منذ توقيع اتفاقية التجارة الحرة في 2004.
الخسارة الأوضح نجدها في تراجع حجم الصادرات السورية لأكبر سوق يستورد منها، وهو السوق العراقي. ففي 2009 صدرت سوريا للعراق ما قيمته 2.72 مليار دولار (28% من إجمالي الصادرات السورية) وفي 2010 صدرت سوريا للعراق ما قيمته 2.29 مليار دولار (20% من إجمالي الصادرات السورية).
الآن، حظوظ سوريا باستعادة حصتها من السوق العراقي ومنافسة البضائع التركية والإيرانية هناك منخفضة للغاية. فقد ارتفع حجم الصادرات التركية للعراق من 2.589 مليار دولار في 2006 إلى 6.036 مليار في 2010 ثم إلى 13.03 مليار دولار في 2024. كما ارتفعت صادرات إيران للعراق من 2 مليار في 2006 إلى 8 مليار في 2010 و12 مليار في 2024.
ماذا لو لم يحصل أي من أحداث 2011 وما بعدها؟
من المرجح أن تنامي الاستيراد كان ليستمر خلال العقدين الثاني والثالث من الألفية بما يفوق قدرات الصادرات السورية على المواكبة. والسياسات الاشتراكية التقشفية التي عادت سورية لتبنيها في الثمانينات، بدعمٍ من الكتلة الشرقية، لم يعد من الممكن تطبيقها في القرن الحادي والعشرين. والتيار الليبرالي الذي يفضل الاستيراد كان سينتصر حتمًا. وإذا ما نجح هذا التيار برفع قيمة المستوردات بـ6 مليارات دولار خلال السنوات الخمس، 2006 و2010، فليس هناك أي مبالغة في توقع ارتفاع المستوردات بـ6 مليارات أخرى خلال السنوات الخمس عشرة التالية، 2011-2025.
يوضح الرسمان السابقان أن الصادرات السورية غير النفطية لم تتطور بين 2006 و2010. وهذه نتيجة طبيعية لتراجع أحوال الزراعة السورية، بتأثير الجفاف، وكذلك ضعف تنافسية الصناعة السورية أمام الصناعة التركية التي نافست المنتجات السورية في داخل سورية وفي أسواق التصدير على حد سواء. في أواخر العقد الأول من الألفية كانت بعض الفعاليات الصناعية السورية، خصوصاً من الورشات الصغيرة، تغلق أبوابها بسبب المنافسة التركية.
والسيناريو الأكثر تفاؤلاً للوضع في 2025 – بالاعتماد على الوضع في 2010 – هو أن الصادرات السورية غير النفطية ستحافظ على وضعها من دون نمو كبير، ومن دون انهيار هائل. إلا أن النفط كان سيلعب دورًا سلبيًا كبيرًا في الميزان التجاري السوري. فقد كانت التوقعات السورية والدولية تشير إلى تساوي الإنتاج والاستهلاك في 2012 عند 300 ألف برميل يوميًا. ثم ستتحول سوريا لمستورد صافي للنفط، وليبلغ استهلاكها في 2025 حوالي 450 ألف برميل من النفط، نصفها مستوردة.
هذا المشهد يعني خسارة الصادرات النفطية التي تراوحت بين 4 و5 مليار دولار بين 2006 و2010. واستيراد نفط بقيم أعلى. يعني هذا التغيير أن العجز في الميزان التجاري السوري كان ليرتفع، بحلول 2025، ليتراوح بين 16 و17 مليار دولار. وهذه الأرقام هي السيناريو الأكثر تفاؤلاً على الإطلاق.
فهل كانت سوريا لتستطيع جمع 16 أو 17 مليار دولار سنويًا من تحويلات المغتربين لسدّ هذا العجز والحفاظ على استقرار الليرة؟ الجواب المرجح هو “لا” وستكون النتيجة الحتمية هي المزيد من الانخفاض في قيمة الليرة السورية.
ما سبق هو السيناريو الوردي غير الواقعي الذي يفترض أن سوريا لن تشهد أي نزاع مسلح أو أزمات سياسية منذ 2011 وحتى اليوم. وبالعودة للواقع نجد أن آخر البيانات المتوفرة للصادرات السورية تقدرها بحوالي 771 مليون دولار (للعام 2022). هذه الصادرات غير نفطية والفجوة واضحة بالمقارنة مع الصادرات غير النفطية في 2010 والمقدرة بحوالي 6 مليار دولار. أي أن سوريا خسرت حوالي 5.3 مليار دولار من قدرتها التصديرية غير النفطية.
أما المستوردات في 2022 والبالغة قيمتها 4.7 مليار دولار فهي تلك التي تدفقت إلى مناطق سيطرة النظام السابق، وليس كامل مساحة سوريا (أي باستثناء شمال شرق سورية وشمال غرب البلاد). ومن المرجح أن يرتفع إجمالي المستوردات بشكل كبير خلال الفترة المقبلة وذلك نتيجة العوامل التالية:
الأول، ميل الحكومة الجديدة نحو التحرير الكامل للاقتصاد السوري، وتسهيل الاستيراد بما في ذلك عبر تخفيض الرسوم الجمركية وإعادة تفعيل اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع تركيا في 2004، والتي علّقها النظام السابق في كانون الأول/ديسمبر 2011.
الثاني، قدرات الإنتاج المحلية متضررة بما يحدّ من قدرتها على تلبية الطلب المحلي، على نحو ما كانت تفعل قبل العام 2011. كما أن هناك متطلبات يجب استيرادها لتنفيذ عمليات إعادة الإعمار.
الثالث، ارتفاع فاتورة استيراد النفط بشكل كبير. فما تبقى من نفط الشرق السوري لن يغطي الاستهلاك المحلي وستحتاج الحقول هناك لعمليات إحياء مكلفة للغاية، ولا توجد نتائج مضمونة حول النتيجة. في 2024 وما سبقه كانت سوريا تستورد – بالدين – حوالي 3 ملايين برميل شهريًا من النفط من إيران. لا تقل حاجة سوريا الطبيعية عن 6 ملايين برميل شهريًا، بينما كانت تتراوح قبل الحرب بين 7.5 و9 مليون برميل شهريًا. هذا يعني أن فاتورة استيراد النفط الشهرية لا تقل عن 300 مليون دولار ويمكن أن تصل إلى 600 مليون دولار شهريًا. هذا سيضيف ما بين 3.6 و7.2 مليار دولار إلى عجز الميزان التجاري السوري.
ولهذا من غير المستبعد أن تعود سوريا سريعاً لمعدلات الاستيراد التي وصلتها في 2010 مع إضافة المستوردات النفطية الجديدة. وبالنتيجة يمكن أن يتجاوز عجز الميزان التجاري السوري في 2025 و2026 عتبة 20 مليار دولار سنويًا مع إمكانية الوصول إلى 25 مليار دولار. هذا الحجم من المستوردات سيبقى أقل بالأرقام المطلقة من حجم مستوردات الأردن البالغة 31 مليار دولار سنويًا. هذا المشهد القاتم يعني أن الليرة السورية مرشحة للانهيار بشكل حتمي في السنوات القليلة المقبلة والوصول لمستويات غير مسبوقة أمام الدولار. منع هذا الانهيار يتطلب:
أولًا، تقليص المستوردات إلى أقل مستوى ممكن، بما في ذلك متطلبات عمليات إعادة الإعمار الواسعة.
ثانيًا، تشجيع السوريين على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية (الصناعية والزراعية) لسد الطلب المحلي وتوفير فائض للتصدير لتوفير النقد الأجنبي.
ثالثًا، تشجيع تدفق الاستثمارات الخارجية (من الحكومات والشركات والأفراد) بالسبل الممكنة كافة.
رابعًا، إعطاء الأولوية لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني بكل السبل الممكنة، وذلك لوقف هجرة رؤوس الأموال والخبرات، وتشجيع السوريين في الخارج على العودة.
هذه الوصفة بديهية للغاية. إلا أن تجربة سوريا والدول العربية، غير النفطية، تدفع إلى التشكيك بإمكانية تطبيق حتى هذه الوصفة البديهية.
أوان
———————————
أحمد هيثم العودة: القنبلة السورية-الروسية-الأردنية-الإماراتية الموقوتة
أحمد هيثم العودة، الذي كان في يومٍ من الأيام قائد “كتيبة شباب السنة”، ثم قاد توسعها لتصبح “لواء شباب السنة”، ومن ثم “فرقة شباب السنة”، وصولاً إلى “قوات شباب السنة” في درعا. في عام 2018، وبعد المصالحات التي رعتها روسيا في الجنوب السوري، تم دمج قوات شباب السنة مع الفيلق الخامس تحت اسم “اللواء الثامن”. هذا الدمج سمح للعودة ومقاتليه بالبقاء في مناطق الجنوب السوري، مع الحفاظ على بعض الاستقلالية تحت الوصاية الروسية.
في حزيران 2021، شارك اللواء الثامن في حصار درعا البلد، ولعب دوراً كبيراً في تهريب الآثار من درعا وبصرى الشام، بالإضافة إلى المتاجرة بالمساعدات الإنسانية في المنطقة.
عندما بدأت عملية “ردع العدوان”، غابت الجبهة الجنوبية بشكل كامل عن المشهد العسكري والسياسي ولم يصدر أي تصريح رسمي حتى يوم السادس من كانون الأول 2024 حين أعلن العودة مع عدد من الفصائل والمقاتلين في الفيلق الخامس تشكيل “غرفة عمليات الجنوب” والتي بدأت تحركها العسكري نحو دمشق. حيث كانت هذه الغرفة أول من يدخل دمشق.
هنالك بعض الإشاعات التي لا أستطيع تأكيدها أو نفيها، ولكنني لا أستبعد أن تكون صحيحة، حول تورط اللواء الثامن في سرقة البنك المركزي في دمشق وإتلاف بعض الوثائق في منزل ماهر الأسد وفي فرع أمن الدولة. لا يمكن استبعاد هذه الإشاعات بالنظر إلى العلاقة الوثيقة بين العودة وروسيا، وكذلك قربه من نظام الأسد. قد يكون هدف العودة من هذه العمليات هو إتلاف وثائق قد تثبت تورطه وعلاقته مع النظام السابق, بالإضافة إلى اتلاف وثائق قد تساهم في إدانة روسيا بتورطها المباشر بجرائم حرب محتملة.
على الرغم من أن أبو محمد الجولاني قد اجتمع مع قادة الفصائل المقاتلة في 25 كانون الأول 2024 للتوصل إلى اتفاق حول حل الفصائل ودمج المقاتلين لتشكيل نواة للجيش السوري يعمل تحت مظلة وزارة الدفاع السورية في الحكومة السورية المؤقتة، حيث كان رد الفصائل إيجابيًا مع استعداد الجميع لهذا القرار، بما فيهم أحمد العودة، إلا أن تصريح الناطق الرسمي لغرفة عمليات الجنوب، نسيم أبو عرة جاء معاكساً تماماً للاتفاق “لا نقتنع بفكرة حل الفصائل، لدينا سلاح ومعدات ثقيلة وتجهيزات كاملة، وأرى أن نندمج كجسم عسكري مع وزارة الدفاع”.
بعد هذا التصريح، وفي 4 كانون الثاني 2025، قام أحمد العودة بتنظيم عرض عسكري بين بصرى الشام وازرع، وهو ما حمل رسائل عسكرية على أقل تقدير “مثيرة للقلق”.
من جهة أخرى، العلاقة بين أحمد العودة والشيخ محمد راتب النابلسي تثير تساؤلات عديدة. هل هي علاقة طبيعية ضمن حدود الأعراف، أم أنها محاولة لاستقطاب مرجعية دينية أكثر اعتدالًا من نهج أبو محمد الجولاني، لتشكيل مظلة دينية لدعم مواقف أو أفعال مستقبلية محتملة؟
هل نشهد توافقاً إماراتياً أردنياً في الملف السوري؟ أم تنافساً و مصالحاً متضاربة؟ فبينما تفضل الأردن عودة الأمن والاستقرار إلى مناطق الجنوب السوري, تبدو الإمارات غير مرحبة بالتغيير الحاصل في سوريا.
فما هو الدور الذي سيلعبه أحمد العودة (العميل المزدوج أس 3) في المستقبل القريب لسوريا؟ هل ستستغل الإمارات هذه القنبلة الموقوتة؟ أم أن الأردن وروسيا لهما رأي مغاير والقدرة والقوة على فرضه على كل من العودة والإمارات؟ هل يستطيع الجولاني بعد كل التقارب والتحابي مع العودة عشية السقوط أن يخضعه للمحاسبة؟ ما هو موقف أهالي حوران في حال عجز الجولاني عن إخضاع العودة للمساءلة والمحاسبة؟ إن صفح الجولاني فأهل حوران لن تصفح.
لا يزال هناك الكثير من المتغيرات والمعطيات المبهمة, لكن مما لا شك به أن أحمد هيثم العودة يمتلك اليوم أحد مفاتيح دمشق
Amer Hawwash
الفيس بوك
————————-
بين مطرقة الغرب وسندان الشعب – معضلة بقاء الجولاني
Ahmad Nazir Atassi
وهاي لقينا لكم ايجابية، تحية للسيد اسعد الشيباني اللي رايح من مؤتمر لمؤتمر. ومن مقابلة لمقابلة بكل اصقاع الارض. اكيد هالشي متعب جدا، ما مزح. لكن نعود للسلبية، يا شيخنا، كل هال…. ما بتحبل، على قولة الحماصنة. هذه المؤتمرات للظهور الاعلامي فقط وليست لاتخاذ القرارات المفيدة. على العموم حكومتكم اليوم يهمها الظهور الاعلامي بشدة (يمكن هيك جاءت الاوامر) لان الولايات المتحدة سمعت لكم وقررت تغيير القرار ٢٢٥٤ واصدار قرار اممي جديد بخصوص سوريا ومستقبلها. وصرح عدة مسؤولين امريكان ان تخفيف (ليس رفع، فقط تخفيف) العقوبات اصبح امرا لا بد منه. وطبعا لا يزال الضغط مستمرا لايجاد حكومة “تضم كل المكونات” وتعتمد الديمقراطية. وبالطبع اوروبا وخاصة فرنسا اعطتكم شوية وجه حلو ووعدت بالمساعدة في عدة مجالات سياسية واقتصادية.
دعوني اشرح قليلا السياسة الغربية تجاه دول العالم الثالث، وخاصة الدول التي تمر بمرحلة انتقالية مثل سوريا.
اولا- الحديث عن الاستقرار لا يعني الازدهار، وانما له تفسيرات غربية خاصة جدا، منها امن اسرائيل، ومنها عدم دعم الارهاب، او ربما دعم الارهاب المفيد، ومنها حرية التجارة، ومنها حرية التدخل السياسي والاقتصادي، ومنها وربما اهمها تحقيق التوازن الاقليمي.
ثانيا- الجبهة الغربية موحدة. وما نراه من اختلاف بين اوروبا وامريكا هو مجرد توزيع مهام. امريكا اهتماماتها استخباراتية وعسكرية، واوروبا اهتماماتها اقتصادية. وهم ينسقون مع بعضهم البعض ويتوزعون المهام لتطبيق سياسة موحدة.
ثالثا- كل شيء يتم بغطاء اممي قانوني حتى ولو كان استغلالا صريحا. تغيير القرار ٢٢٥٤ لا يعني الافلات من استحقاق التفاوض مع النظام. فهذا لا يهمهم، ربما كان يهمهم في الماضي الى ان غيروا رأيهم. ما يهمهم هو الخضوع لمطالبهم (انظر الاستقرار)، والقرار الجديد لن يكون اقل صعوبة او استحالة من القرار القديم. المهم هو الاخضاع وليس التعاون والبناء.
رابعا- تخفيف العقوبات لا يعني رفع العقوبات. التخفيف سيكون في قطاعات محددة لا تسمح للدولة السورية باعادة انتاج منظومة مركزية صلبة ومسلحة. وربما سيكون التخفيف بقرار يتجدد كل ستة اشهر او سنة. واهم تخفيف قد يكون له علاقة بالبنك المركزي، سنرى ذلك قريبا.
خامسا- ضم كل المكونات يعني كل شيء ولا يعني شيئا. تعريف المكونات يعتمد على السياسة الغربية وتغيراتها. يمكن اليوم يقولوا المكونات هي الطوائف، وبكرة يقولوا المكونات هي النساء، وبعد بكرة يقولوا المكونات هي النقابات. على العموم الجولاني يلعب نفس لعبة غموض المكونات.
سادسا – الديمقراطية كذلك تعني كل شيء ولا شيء. لا يوجد تعريف للديمقراطية، اليوم قد تكون انتخابات وغدا قد تكون برلمان وبعد غد قد تكون اشراك كل المكونات، وبعدها يمكن تصير الديمقراطية كلها اشراك اقليات معينة.
سابعا – الارهاب هو في الوقت الحاضر برادايم السياسة الخارجية الامريكية تجاه دول العالم الثالث. لذلك لا تحلم اذا كنت في يوم ما ارهابي انه يرفعوا عنك التصنيف. كما قلنا الغرض هو الاخضاع.
ثامنا – البقاء في الحكم ليس مسألة داخلية وانما مسألة دولية. الدولة غير المعترف بها دوليا، اي غربيا، لا تستطيع شراء الاسلحة او حتى الغذاء، ولا تستطيع الاقتراض، ولا تستطيع جذب الاستثمارات. انها دولة محكوم عليها بالفقر والهشاشة وربما الانتماء على محور الشر.
تاسعا – الخضوع لا يعني الاحتلال. الغرب لم يعد يهتم بالاحتلال، لانه فاشل ومكلف. انهم يهتمون بالانفتاح الاقتصادي، والخضوع لشروط البنك الدولي، والقدرة على التدخل (الامم المتحدة، المنظمات، اجندات ما يسمى بالتنمية)، الاختراق المخابراتي، الجيش المدرب والمسلح غربيا، مراقبة الانتخابات، تصنيفات الحريات (نساء، دين، اقليات)، الاشتراك في المعاهدات الدولية، عدم التوجه نحو الصين او روسيا او ايران.
اذن بين الاخضاع والاستقرار (مطالب الغرب) هناك عدة ادوات للضغط: التصنيف، العقوبات، القرارات الاممية، الديمقراطية، المكونات. ولاحظوا ولا واحد من هذه الشروط يقول تنمية او اعمار او رفع القوة الشرائية او محاربة التضخم او محاربة الفقر او الامن الغذائي او الامن المائي. هذا كله ما بيهم الغرب الا اذا اصبح وسيلة للضغط. لكنه بالطبع يهم المواطن. وهذا هو الطرف الاخر من معادلة البقاء في الحكم.
طبعا هذه الامور ليست جديدة على الجولاني وهي يعرفها تماما فلماذا لا ينفذها ويخلص من هذا الهم.
اولا- الجولاني ليس ليبراليا غربيا. انه مؤدلج بأيديولوجيا تكره الغرب وتحب الانطواء على الذات والحفاظ على النقاء الثقافي.
ثانيا- قاعدة الجولاني التي تعطيه الرجالات والجنود سلفية متشددة. ان عصبية حكمه لا تسمح له بالالتحاق بالركب الغربي.
ثالثا – الجولاني ديكتاتوري مثل كثير من الذكور السوريين الذين يعرفون كل شي ويريدون فرض رأيهم. انه يريد حكم غير مخترق مخابراتيا وعسكريا. انه يريد العزل حتى يستطيع فرض حكمه الفردي. وهرمية الدولة وعزلها عن اي تدخل خارجي اساسي لبناء الولاء والارتباط بالقائد.
رابعا – الجولاني ارهابي ويحتاج ان يكون كل من يعمل معه متهما بنفس التهمة ومتورطا بنفس الورطة حتى يضمن ان كتلة الحكم تبقى صلبة ما بقي ولا ينفلت عنها اي عضو. تماما كما كان الاسد يورط كل اعوانه بجرائم الاعتقال والتصفية وجرائم المخدرات وجرائم تبييض الاموال.
خامسا – لا يستطيع الجولاني ان يحكم دولة تفرض ضريبة وتطور القطاع الخاص. هذه الاشياء تعني وجود سياسة داخلية تمثيلية. ان تفرض الضرائب كمورد مادي يعني اشراك الشعب بالحكم والخضوع لقرارات داخلية مثل مجلس الشعب والاحزاب والانتخابات. الجولاني كعقلية شرقية ديكتاتورية لا تسمح بذلك، انها تريد الحكم المطلق الفردي الذي لا يخضع لاية املاءات داخلية، بيننا يعالج الاملاءات الخارجية.
سادسا – الاستثمارات الخارجية والقروض الدولية تعني عدم القدرة على ضبط الاقتصاد بيد واحدة. الاقتصاد هام جدا بالنسبة لديكتاتور لانه الكعكة التي يوزعها من اجل الولاء. شبكة المحسوبية الشرقية السورية لا تسمح باقتصاد حر ومنفتح. وبالتالي سيتوجه الجولاني الى الدول التي تمنحه مساعدات وقروض دون شروط سياسية او اقتصادية. وهذا توفره دول مثل روسيا والصين وايران.
سابعا- الجولاني بحاجة الى اسلحة ليتمكن من اخضاع الشعب وضرب كل محاولات الانقلاب. وهذا لا يوفره الغرب لانهم يخافون تعاظم القوة العسكرية وآثارها الخارحية. صحيح ان العسكر عند الجولاني موجه للداخل لكن الغرب يخاف من التوجه الى الخارج وهذا منطقي. انظروا حافظ الاسد بعدما سلحه الروس، دخل الى لبنان. اذن لن يجد الجولاني مصدرا للاسلحة الا عند روسيا وايران والصين ربما.
وهكذا نجد ان النظام المسيطر عالميا هو نظام ليبرالي (انفتاح اقتصادي، اقتصاد حر، برلمانية)، والجولاني لا يستطيع الانخراط في هذا النظام لانه بطبيعته ديكتاتوري ومحافظ ومنغلق.
ماذا عليه ان يفعل اليوم؟ لا يحتاج الى نصيحتي، انه يطبق الوصفة المعروفة التي طبقها من قبله عبد الناصر والاسد والقذافي وصدام وغيرهم.
اولاـ اقنع الغرب انك متعاون وليبرالي.
احضر كل المؤتمرات الدولية وخاصة التي تظهر انك منفتح اقتصاديا (دافوس مثلا).
تحدث عن حقوق المرأة واعمل مكتب رسمي للنساء.
اعمل اكبر قدر ممكن من المقابلات مع الصحف والمجلات الغربية واقنعهم انك تستخدم كل مصطلحاتهم من ديمقراطية وغيرها.
لا تعمل انتخابات رئاسية، لكن اعط الانطباع ان لك شعبية كبيرة. اذهب الى المحافظات واعمل استقبال شعبي والناس تركض للقائك. واعمل لقاءات مع وجهاء انت تنتقيهم وتضمن ولاءهم.
اعمل مؤتمر وطني غير ملزم واعط الانطباع ان شخصياته تحقق الاجماع دون الحاجة الى انتخابات برلمانية. وافرض عليهم الاجندة واجعلهم يقروا ويعترفوا بكل اجراءاتك.
اعمل اعلان دستوري على مقاسك وانت تقرره. لكن لا تعمل دستور. اقترح لجنة تحضير للدستور وقل لهم انها بحاجة الى دراسات معمقة تأخذ سنوات.
اعمل مجلس شورى كذلك من شخصيات مؤيدة واعتبرها مجلس شعب دون صلاحيات تشريعية حقيقية. اي انهم يحتاجون الى موافقتك لاقرار اي قانون. وانت تفرض عليهم الاجندة.
قل ان الشعب غير مستعد للديمقراطية وانها مخالفة لتقاليدنا. وقل ان الوضع لا يسمح بالانتخابات الحرة.
خوّف الغرب من داعش والمتطرفين والارهابيين وقل لهم اما انا او هؤلاء. كتير كانت ناجحة مع الاسد ومبارك والسيسي. وكل يومين اعمل اعتقال لواحد من داعش واكتشف خلايا نائمة.
تعاون مخابراتيا مع مخابرات الغرب واعطهم معلومات عن داعش والارهابيين من اصدقائك الذين تود التخلص منهم.
لا تعمل عدالة انتقالية لانها ستفضخ جرائمك. واعتبر كل عمليات الانتقام افعال فردية. ويمكنك استخدام هذه العمليات لتخويف معارضيك. لكن تحدث كل الوقت عن دولة القانون والمحاسبة.
ثانيا – اقنع الشعب انك هدية من الله.
قل لهم انك حررتهم. الاسد قال انه حررهم من البرجوازية. وانت تقول انك حررتهم من الاسد.
اعمل نفسك وريث الثورة وقائدها الى النصر. كل قائد جماهيري يحتاج الى ثورة حتى لا يضطر يعمل انتخابات.
اعمل جيش عقائدي من عصبتك ومن قاعدتك الشعبية. شعبنا يحب التمسح بالقائد وخدمته واظهار الولاء له.
انه مجتمع تنافس عصبيات. فاعمل شبكة محسوبية مرتبطة بك تشمل شرائح واسعة من الشعب. واعمل لهم مفاتيح لتتحدث معهم. وكل اعطياتك لهم تمر عبر المفاتيح.
سيطر على الاقتصاد فهذا هو الهدية مقابل الولاء. يعني امتيازات واحتكارات، وستأخذ حصة فهذا مدخولك.
اعمل مخابرات قوية تهتم بالمعارضين الداخليين فأكبر خطر عليك هو الخطر الداخلي.
اعمل لجنة لكل شيء وقل لهم الاخصائيون يشتغلون على مدار الساعة.
ابحث عن المؤيدين والمطبلين فشعبنا متعود على متطلبات الحكومة وحاجتها للمطبلين.
ادعم القيادات التقليدية من مشايخ دين ومشايخ عشائر ووجاهات ولا تقبل بالنقابات والاحزاب.
روج لعقيدة معينة تستطيع ان تتهم من خلالها كل من يخالفك بايهان روح الامة. الناس تحب الطهرانية العقائدية. وكلما حدا حكى سلط عليه شبيحة الايديولوجيا.
انتبه الى التعليم فهو طريقك الى انتاج شعب عقائدي.
لا تعمل انتخابات، لكن اعمل مسيرات تأييد لتحل محل الانتخابات.
الفيس بوك
————————
====================