الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

البحث عن وجهٍ للاجئين السوريين في ألمانيا في ظلّ صعود اليمين/ سلطان جلبي

21 شباط 2025

يعيش السوريون في ألمانيا حالة شتات أكثر منهم جالية. وبينما تنتشر أخبار أشرارهم بسرعةٍ فائقة على شاشاتِ الإعلام الألماني، لا تظهر وجوه أخيارهم على الشاشات نفسها إلّا ما ندر. هذا ما يشي به تفاعل المجتمع السوري في ألمانيا مع هجوم زولينغن، الذي ارتكبه لاجئٌ سوري، وتبناه تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش)، وأدّى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح ثمانية آخرين.

“سبق أن شهدتُ تظاهرات لليمين المتطرّف في ألمانيا، حيث اعتادوا الهتاف بطرد المهاجرين، لكن الهتافات هذه المرّة كانت موجّهة ضدّ السوريين بشكلٍ خاص، كان وقع العبارة مختلفاً ومخيفاً.. لقد كانت تلك أصعب الأوقات على السوريين هنا”.

هذا ما يقوله اليوتيوبر السوري المقيم في ولاية شمال الراين في ألمانيا علاء خلف (28 عاماً)، بعد أن شهد مظاهرةً نظّمها حزب البديل من أجل ألمانيا (AFD)، اليميني المعادي للّاجئين في مدينة زولينغن في الولاية المذكورة. جاءت المظاهرة بعد ثلاثة أيّامٍ من عملية طعنٍ ارتكبها لاجئٌ سوري وتبناها تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) وأدّت إلى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح ثمانيةٍ آخرين، ممّن كانوا يشاركون في احتفاليّة الـ650 لتأسيس المدينة. يتابع علاء سرده “كان الوضع متوتّراً، وبينما كانت مظاهرة اليمين تسير وسط الشارع، اصطفّ آخرون على جانبي الطريق وبدأوا يهتفون ضدّ العنصرية، وكان هناك أعداد كبيرة من الشرطة تحاول الفصل بين الجمعين”.

يعكس هذا المشهد أجواء التوتّر التي سادت مدينة زولينغن عقب هجومٍ أثّر بشدّة على حياة السوريين والمهاجرين بصورةٍ عامة.

في الأيّام التالية نظّم سوريون/ات وقفاتٍ في عدّةِ مدنٍ ألمانية للتنديد بالجريمة والتعبير عن تضامنهم مع ذوي الضحايا. كبرى تلك الوقفات وأكثرها إثارةً للجدل كانت في مدينة زولينغن. ويبدو أنّ صداها الأكبر قد تردّد بين أوساط السوريين/ات أكثر منه في أوساط المجتمع الألماني المُستهدف. البحث باللغة الالمانية عبر غوغل عن تلك الوقفات يُفضي إلى تغطيّةٍ تلفزيونيّةٍ وحيدةٍ وبضعة أخبار مكتوبة. وحتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” و”إكس” لا يبدو أنّ هناك منشوراتٌ كثيرة حولها باللغة الألمانية. بكلماتٍ أُخرى، رسائل السوريين/ات لا تصل إلى الرأي العام الألماني كما يجب، الأمر الذي يترك فراغاً يستغله اليمين المتطرّف في تكريس صوره النمطيّة عن المهاجرين/ات في ألمانيا، ومؤخّراً عن السوريين/ات بشكلٍ خاص.

في محاولةٍ للاقتراب من الموقف الذي يعيشه السوريون/ات في ألمانيا وسط التحوّلات التي تجري حولهم، يتقصّى هذا المقال تفاعل المجتمع السوري مع هجوم زولينغن. ويركّز على وقفة زولينغن الكبيرة، التي شارك فيها مئات السوريين/ات من مختلف المدن الألمانية. ويستكشف من خلال تلك الوقفة دور التنظيمات المدنيّة التي أسّسها لاجئون/ات سوريون/ات في ألمانيا في تنظيم وتمثيل وقيادة مجتمع اللاجئين/ات في المجال العام في ألمانيا، بحيث تشكّل حادثة زولينغن مسرحاً ملائماً لسبر حراك السوريين/ات ودور التنظيمات فيه.

الفرضيّة التي تحاول هذه المادة تأكيدها هي أنّ السوريين في ألمانيا يعيشون حالة شتاتٍ أكثر منهم جالية، فبينما تنتشر أخبار أشرارهم بسرعةٍ فائقة على شاشاتٍ الإعلام الألماني، لا تظهر وجوه أخيارهم على الشاشات نفسها إلّا ما ندر. بالمقابل يجادل المقال حول أنّ تنشيط التنظيمات المدنيّة التي أسّسها لاجئون/ات سوريون/ات يمكن أن يساهم في تنظيم الشتات، وتحسين ظهور اللاجئين/ات في المجال العام في ألمانيا.

ثلاث وقفات مختلفة لسوريين/ات في يومٍ واحد ومكانٍ واحد

شهد يوم السبت 31 آب/ أغسطس 2024، أي بعد أسبوعٍ من الهجوم، ثلاث وقفاتٍ تضامنيّة منفصلة نظمتها مجموعاتٌ سوريّة مختلفة، ولم تشارك الجهات الألمانية، على اختلافها في واحدةٍ منها. تمّت الوقفات بالتناوب وفي المكان نفسه. صباحاً خرج الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكرد مع جمعية محليّة كردية، تلته وقفة لأحزاب المجلس الوطني الكردي، المحسوب على المعارضة السورية، بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني. أمّا التجمّع الأكبر والأكثر إثارةً للجدل فكان عند الساعة الثالثة، وقفةٌ دعا إليها مؤثّرون على وسائل التواصل الاجتماعي، يوتيوبرز وتيكتوكرز، كانوا قد نشروا دعوات قبل أيّام لوقفةٍ صامتةٍ تحمل العلم الألماني فقط، وشجّعوا متابعيهم السوريين/ات على الحضور بلباسهم التقليدي. أفضت تلك الدعوات إلى حضور المئات من الشباب/ات السوري/ات من مدنٍ ألمانيّة مختلفة والتحامهم في حشدٍ صاخب، رُفعت فيه، إلى جانب العلم الألماني، أعلام الثورة السورية والعلم الكردي. يروي مشاركون أنّ الوقفة افتقرت إلى التنظيم ولم تخلُ من مشادّاتٍ حول إلقاء الكلمات عبر الميكرفون. وبرز بين الحشد مجموعةٌ من التيكتوكرز واليوتيوبرز كنجوم يلقون الكلمات ويصوّرون الريلز ويفتحون البثّ المباشر “هم المعروفون من قبل الناس وهم كانوا الكل في الكل” يقول عابد (اسم مستعار/ 31 عاما) وهو أحد الشبان الذين شاركوا في الوقفة. بروز مشاهير منصّات التواصل الاجتماعي السوريين كقادةٍ لحراك مجتمع اللاجئين/ات السوريين يكشف ضعف التنظيمات التي أسّسها اللاجئون/ات في تنظيم وقيادة وتمثيل اللاجئين/ات في مناسباتٍ مماثلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى