وزير التعليم السوري نذير القادري: هدفنا توسيع مسارات التعلم لا أدلجة المناهج/ عبسي سميسم و ريم الرحيل

25 فبراير 2025
تنظر الحكومة السورية إلى التعليم باعتباره أولوية، ويؤكد وزير التربية والتعليم، نذير القادري، في حوار مع “العربي الجديد”، أن الطالب أحد الأصول التي يبنى عليها المجتمع، ومن حقه أن يتعلم مثل أقرانه في بقية الدول. وأن طلاب سورية اللاجئين والمهجرين، أبدعوا وتميزوا، وحازوا المراكز الأولى في العديد من دول المهجر.
لنبدأ من واقع المدارس، هل لديكم خطة لتأهيل غير الجاهزة منها، سواء تلك المتضررة بالقصف، أو التي تستخدم لأغراض غير تعليمية، وهل هناك إحصائيات لعدد المدارس غير المؤهلة في سورية؟
أود أن أوضح أن النظام البائد خلف تركة من الدمار، فالكثير من المدارس مدمرة، جزئياً أو كلياً، ومنها ما استخدم لأغراض غير تعليمية، فبعضها استخدم سجوناً للسوريين. لدينا أعداد تقريبية لكنها ليست دقيقة تماماً. عدد المدارس في سورية يبلغ 19 ألفاً و687 مدرسة، والصالح منها لمواصلة التعليم 11 ألفاً و255 مدرسة، والمدارس غير الصالحة يبلغ عددها 8 آلاف و4132 مدرسة، من بينها 4300 مدرسة مهدمة كلياً، و4132 مدرسة مهدمة جزئياً، ويبلغ عدد طلاب سورية في كل المراحل الدراسية 4 ملايين و761 ألف طالب، وعدد الطلاب المتسربين يتجاوز مليونين و500 ألف طالب. بالنسبة للمدارس التي نعتبرها صالحة، كلها تقريباً تحتاج إلى ترميم، وإلى إعادة تأثيث، كما تحتاج إلى وسائل تعليمية وتقنية، لكن بما أن الشعب السوري قادر على التأقلم، فسنتابع التعليم بها ريثما تتوافر الإمكانات لتأمين ما ينقصها. كنا سابقاً ندرّس في خيام، والأبنية المدرسية رغم الدمار الحاصل فيها أفضل من الخيام.
هل تتوفر وسائل تعليمية جيدة في المدارس التي كانت تحت سيطرة النظام السابق؟
توجد الوسائل التعليمية التقليدية والقديمة، وعندما دخلنا إلى المكتبات والمخابر وجدنا أنها لا تستخدم، ولم يتم الاكتراث بها أو تطويرها، حتى أن الوسائل التقنية من أجهزة كومبيوتر وغيرها كانت قديمة، ومتهالكة، ونحتفظ بجهاز الكومبيوتر الذي كان يستخدمه وزير التربية السابق، فإذا كان هذا كمبيوتر مكتب الوزير، فما بالك بالمدارس؟
هل وضعتم خططاً لترميم وإعادة تأهيل المدارس؟
باشرت بعض المنظمات الأهلية بإعادة تأهيل المدارس، وجرى ترميم بعضها سريعاً حتى يستكمل الطلاب دراستهم، لكن الصيانة الحقيقية لم يتم العمل عليها بعد، وهناك منظمات عرضت علينا مشروعات ودراسات ومخططات للترميم أيضاً.
هل رصدت الحكومة موازنة لترميم وإعادة تأهيل المدارس؟
كانت توضع ميزانيات للترميم في أيام النظام البائد، لكن لا ترمم المدارس، بل تسلب الأموال، أو يجري استغلالها لمصالح شخصية، ويبقى الطلاب على حالهم، لكننا حالياً نعمل على خطط طويلة المدى لتغيير كل هذا. كان هناك تعاون سابق مع الكثير من المنظمات والجمعيات في مناطق الشمال السوري، حيث قدمت مساعدات ومساهمات في ترميم المدارس أو دعمها لوجيستياً ومادياً، وزاد عليها حالياً الكثير من المنظمات، وبعضها بادرت بمشروعات، سواء مشروعات بناء أو دعم لوجيستي، وهذا ما نسمح به حفاظاً على المنهاج السوري والهوية السورية.
تتكرر شكاوى عديدة حول مستوى المعلمين، وبعضهم ليس لديه الخبرة الكافية للتعليم، فهل توجد خطط لتأهيلهم؟
نعمل على برامج تأهيل للمعلمين، فالوضع المادي وضعف الإمكانات جعلا البعض لا يخلصون لمهنتهم، وطبعاً لا أعمم على الجميع، وإنما أخص الفئة التي جرت خلف المكاسب المادية، وهذا الأمر كان نتيجة للفقر والظلم، إضافة إلى وجود بعض ضعاف النفوس. في الشمال السوري تطوع كثير من المعلمين للتدريس من دون مقابل، ولم يصل الدعم للمدرسين إلا قبل التحرير بنحو سنتين فقط. إعادة تأهيل المعلمين تشمل إعادة بث روح الانتماء الوطني الحقيقي في نفوسهم. سنعمل عبر برامج تدريبية جربناها سابقاً في مناطق الشمال، وربما تستمر لسنوات قادمة.
ما هو وضع الرواتب المتأخرة؟
النظام البائد اتبع عادة أن يقبض الوكلاء رواتبهم كل فصل بفصله، ونعمل الآن على إعطاء الرواتب شهرياً، وسوف يأخذ الجميع حقوقهم، وبالمناسبة، الرواتب غير كافية، ونقدر أن المعلم لا يأخذ إلا جزءاً صغيراً من الأجر الذي يستحقه، فالمبلغ الذي يتقاضاه المعلم يعادل ثلاثين دولاراً فقط، وهو يكفيه لبضعة أيام من الشهر.
هل يعني هذا أن هناك زيادة في الرواتب؟
إن شاء الله ستكون هناك زيادة قريبة، وطبعاً هذه الرواتب المتدنية من أسباب الاتجاه إلى الدروس الخصوصية، ولاحظنا حالات لربط نجاح الطالب بحضور الدروس الخصوصية عند مدرس المادة، كما كشفنا ما يسمى “جلسة ما قبل الامتحانات” خلال جولاتنا، إذ يقوم بعض المدرسين بإعطاء الطلاب أسئلة الامتحانات، ويدربونهم على حلها، وقد اعتاد على ارتكاب هذا الانتهاك الخطير الكثير من المدرسين، ووجهنا بمحاسبة المدرس الذي يقوم بهذا الفعل.
حدثنا عن خطط إنهاء مشكلة التسرب المدرسي، خاصة في المخيمات التي توقفت معظم المنظمات عن دعمها؟
لم تترك المنظمات مدارس المخيمات، ومن أبرم عقداً لدعم التعليم في المخيمات يستمر به، وبالرواتب ذاتها، لكن تصوري أنه في نهاية العام الدراسي الحالي لن يبقى هناك مدارس مخيمات، فالجميع سيعودون إلى مناطقهم، وهذا يحتاج إلى الإسراع بتأثيث المدارس القائمة.
لكن هل هناك آليات لمعالجة التسرب المدرسي بشكل عام؟
بمجرد استقرار الأوضاع، عاد الأهالي إلى ديارهم، وسوف يعود الطلاب إلى مدارسهم، ونعمل على برنامج خاص للمتسربين كي يعوضوا ما فاتهم، ويلتحقوا بمدارسهم من جديد.
كانت هناك إجراءات عقابية للتسرب المدرسي تطاول الأهالي، فهل ستطبقون تلك الإجراءات؟
النظام البائد كان استبدادياً، وفكرة الإلزام بطريقة معاقبة الأهل ليست سليمة، فبدلاً من إجبار الطالب، يجب أن نحببه بالمدرسة، ونرغبه في التعليم، وهذا يعني ألا تكون المدارس أشبه بالسجون. سوف نوجد في الأيام القادمة نموذجاً مختلفاً عما كان في السابق، قبل الثورة، ونعمل على استعادة التعليم السوري مكانته. سنعالج التسرب المدرسي بالترغيب وليس الترهيب، ونعمل على حل إشكالات المعلم والطالب.
أطفال بساحة مدرسة ابتدائية في دمشق، 16 ديسمبر 2024 (Getty)
طلاب وشباب
قلق شعبي من تعديلات المناهج التربوية في سورية
ما المشاكل القائمة في المناهج ومنهجيات التعليم، وهل هناك رؤية لتغييرها؟
ليس هناك مشاكل جوهرية في المناهج، وإنما في منهجية التعليم الخاطئة، كما أنه ليست هناك خطة لإدخال منهاج إسلامي مكثف في المدارس كما يشاع. سوف تعدل مناهج المواد العلمية، ويضاف إليها بعض الأبحاث لإغناء مادتها، فقد لمسنا فجوة تعليمية كبيرة عند الطالب لدى دخوله الجامعة، وهذا الفراغ يجب ملؤه حتى تكون سلسلة التعليم متواصلة. لدينا فكرة حول تغيير نظام التعليم، وذلك بأن يختار الطالب ما يرغب فيه بعد الصف التاسع، وما يود إكماله في الجامعة، ويمكن أن نلغي شهادة التعليم الأساسي، ويصبح الصف التاسع صفاً انتقالياً. كما أننا في طور توسيع المسارات، فلن تقتصر على الفرعين العلمي والأدبي، وهناك فكرة لإضافة المهني والشرعي، ليكون هناك مسارات تحدد المسار التعليمي بعد الصف التاسع، مثل مسار العلوم الإنسانية، والتي يتحدد فيها دراسة الطالب الجامعية بفروع الآداب والتاريخ وغيرها، ومسار العلوم الطبية، ومسار العلوم الرياضية والهندسية.
وهل هناك توجه لتكثيف المواد الدينية ضمن المناهج؟
المناهج بالأصل تعليمية، فلا توجد مثلاً مادة رياضيات دينية، هناك فقط تربية إسلامية وتربية مسيحية. وبخصوص التعديل الذي طرأ، فقد كان هناك إشكالات في التربية الإسلامية، وعدلناها، فهل كانت الملكة زنوبيا صحابية مثلاً؟
فقد المعلم خلال السنوات السابقة الكثير من حصانته، سواء أمام الطلاب، أو أمام المجتمع، مع اضطراره للعمل بمهن أخرى، هل من إجراءات للحفاظ على هيبة المعلم؟
عمل النظام السابق على طمس شخصية المعلم، وبعض المعلمين شاركوا في هذا، فعندما ينزل مستوى المعلم لدرجة أن يتقاضى أجراً مادياً مقابل إعطاء الأسئلة للطلبة، فهذا يفقده هيبته. كان تدمير شخصية المعلم ممنهجاً كي لا يكون قدوة لغيره، فالمعلم صاحب رسالة، ومتى تخلى عن رسالته تضعف شخصيته، وسنعمل على إعادة تأهيل المعلمين، وتحسين وضعهم المادي كي تستعيد المهنة أهميتها.
ما وضع المدرسين الذين تركوا مدارسهم بسبب معارضة النظام؟ وهل ما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي من مطالبات بعودتهم صادرة عنكم؟
كل من ترك عمله خلال سنوات الثورة هو بحكم المستقيل، ومن فصلوا في الوضع نفسه، وسوف يكون هناك إجراءات بعد ترتيب الملف، لكنه ملف معقد، ولا يوجد إحصاءات دقيقة حول أعداد المفصولين، وقد أعدنا من حدد مركز عمله سابقاً إلى المكان الذي كان يعمل به بشكل نظامي، فقد اتبع النظام السابق تحديد مركز العمل، وهي فكرة غير نظامية، وعملنا على قوننتها، وسوف ننظر إلى الحاجة، ونستبدل الوكلاء بالأصلاء الذين أبعدهم النظام، أو قد هربوا خشية من بطشه.
ما وضع السنوات التي قضاها هؤلاء خارج العمل، هل ستحسب سنوات خدمة؟
هذا الأمر قانوني، وسوف يدرس من خلال القانونيين والمالية، ومن وصلوا إلى سن التقاعد سوف يحالون إلى التقاعد، ويحصلون على حقوقهم القانونية.
هناك نظرة دونية سائدة بخصوص التعليم المهني، ومعظم الطلاب يتجنبونه، ما يخلق عدم تكافؤ في سوق العمل. فهل لديكم خطط لتشجيع التعليم المهني؟
يرغب أفراد المجتمع في الوظيفة التي تدر المال، وكل الأهالي يرجون أن يصبح أولادهم أطباء أو مهندسين، كونهم الطبقة المرتاحة مادياً، بينما التعليم المهني له أولوية في سوق العمل، وسوف نعمل على خطط لتشجيع الانخراط فيه، تشمل تغيير مفاهيم الناس، والتدريب هو الأولوية في خططنا التعليمية، ويمكن أن يعمل الطالب خلال دراسته كي يعيل أسرته.
ما هي خطط وزارة التربية بشأن التعليم الخاص؟
التعليم الخاص موجود، ولن نحاربه، لكن فكرته تقوم على تقديم قيمة علمية مضافة، وسوف ندرس إمكانات المدارس الخاصة، والميزات الإضافية التي تقدمها، فهناك مدارس خاصة عالمية، وأقساطها غالية، وهناك مدارس خاصة بمستوى أدنى. المهم أن تقدم مواد إضافية مقارنة بالمدارس العامة، وفي نهاية العام الدراسي، سوف نجتمع مع أصحاب المدارس الخاصة كي ندرس أوضاعها.
ماذا عن طلاب ومعلمي الحسكة الذين لم يداوموا منذ سقوط النظام؟
المناطق التي توجد فيها المدارس التي تقصدها ليست تحت سيطرتنا حالياً، وإذا أرادوا أن ينتقلوا إلى مناطق سيطرة الدولة فعلى الرحب والسعة.
هل ستكون هناك مسابقات لتعيين الخريجين في التدريس؟
ما زلنا في مرحلة ترتيب الملف كي نقدر احتياجاتنا، وعندها إذا كان هناك احتياج لمزيد من المدرسين، فسوف نجري مسابقات بالتأكيد.
العربي الجديد