أبحاثالأحداث التي جرت في الساحل السوريسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

إنذارات الخطر: الفاعلية المجتمعية وتفعيل القانون/ جمال الشوفي

2025.03.11

رغم انتصار الثورة وسقوط النظام لكن البلد ليست بخير بعد! فاستقرار الدولة وإعادة بناء مؤسساتها، خاصة العدلية والقضائية والإدارية وتثبيت الأمن والأمان والاستقرار المادي والمعنوي يعاني من تحديات كبرى. فإن كانت مشاريع الفتنة الخارجية ومحاولة تقويض الاستقرار العام عبر فلول النظام التي مازالت طليقة لليوم هي الأخطر والأكثر تهديداً وإعاقة في البناء والتقدم؛ لكن ما جرى بالساحل السوري يدق ناقوس الخطر المحدق. وذلك سواء من تحقيق العدالة الانتقالية ومحاكمة مجرمي الحرب، أو من خلال تثبيت مؤسسات الدولة خاصة الشرطية والأمن العام وحصر السلاح بيدها، أو من خلال الأوضاع الاقتصادية العامة التي تمر بها البلاد والتدهور العام فيها وانعكاساته السلبية على المجتمع بعامته.

وإذ تبدو هذه المخاطر تتباين بين مؤشرات التغذية الخارجية للفلول والطامعين بوهم عودة السلطة لملكيتهم الأبدية، وبين عدم الوضوح والاستقرار الداخلي بين أطياف المجتمع السوري على آليات الاستقرار والاعتدال، وهنا يبدو الخطر الأكثر تحدياً. فدول الخارج ستبقى تحاول زعزعة الاستقرار والتلاعب بالوضع الداخلي عبر أدواتها القديمة والجديدة بآن، سواء كانوا من الفلول أو من المستفيدين من زعزعة الاستقرار وعدم سواد القانون الذي سيعمل على محاسبتهم قضائياً أو من الطامعين من مكاسب خاصة ناتج الفوضى. مؤكدة قناعتنا بأن الوضع السوري الداخلي هو أساس الاستقرار واستبعاد الأيادي الخارجية من العبث فيه.

في هذا السياق، ثمة دلالات مهمة لاضطراب الداخل السوري يستلزم علاجها قبل تطورها بما لا يتحمد عقباه:

    ضبابية المشهد في مجريات الساحل السوري، وتعدد مصادر النقل وتضاربها.

    غياب الإعلام الرسمي عن المشهد السوري عامة ومنها مجريات الأيام الماضية.

    وسائل التواصل الاجتماعي تلعب أدواراً سلبية في التحريض والتحريض المضاد، ومثلها إيجابية بنقل بعض الحقائق التي لا تكفي لغرض التحقق والإثبات.

    التأخير في تشكيل هيئة قضائية للعدالة الانتقالية سمح لكثيرين من مرتكبي الجرائم العامة أو الإدارية من التمتع بحرية العمل والتحريض على زعزعة الاستقرار المطلوب والمفترض.

    رغم أن مؤتمر الحوار الوطني أقرّ بضرورة تشكيل حكومة انتقالية وتحديد صلاحياتها ومدتها الزمنية، لكن التأخير بها يلقي بأعبائه على الوضع الاقتصادي والأمني العام.

    ومثل ذلك التأخير بالإعلان الدستوري يحيل الدولة لفراغ تشريعي وقانوني يملؤه الاجتهاد الفردي والعرف العام، وهذا قد يصيب وقد يخطأ، وفي جميع الحالات ليس محط توافق عام.

    التأخير في تشكيل الضابطة العدلية وجهاز الشرطة والقضاء العام أتاح المجال الواسع لمزيد من الانتهاكات والتجاوزات سواء بحق المدنيين العزل أو عناصر الأمن العام، والتي كانت توصف بالفردية، وباتت اليوم توصف بالجماعية!

    رغم محاولات بث الطمأنينة العامة بعدم اللجوء للحالات الانتقامية المجتمعية، لكن لم تتم معالجة أسبابها سواء قانونياً، وتردي الحوار المجتمعي عن الوصول لنقاط إسناد فعلية في كيفية تجاوزها.

    الأمر ذو المؤشر الخطر هو بقاء ذوي السوابق من تجار السلاح والمخدرات والخطف والخطف المضاد من دون عقاب أو ملاحقة قانونية أو قضائية، والذين يسهمون بافتعال الفتن المتنقلة على كل الرقعة السورية. وكثير منها يحدث بين الجيران كالسويداء ودرعا والعشائر، وأحداث جرمانا الماضية، ولولا تعقل المجتمع المحلي لتفاقمت لما يشبه أحداث الساحل.

يمكن تعداد كثير من السلبيات العامة التي تجري على الساحة السورية، وكل منها يحتاج لملف خاص لعلاجه، ما يزيد من تعقيدات المشهد وتحدياته الجسام. وبالضرورة، وحسب مقتضيات الواقع وضعف بنى الدولة ومؤسساتها المحدثة، خاصة العدلية والقضائية، فإنه من الإجحاف القول بأن بإمكانها حل جميع المشكلات التي يعاني منها المجتمع بمفردها. ويتطلب تدخلاً ومشاركة فعلية من فعاليات المجتمع السوري الحية مع القائمين في هذه المؤسسات للعمل المشترك على جملة من الخطوط المتوازية، والتي أثبتت التجارب أنها كفيلة بجلب نتائج سريعة في حل كثير من المشكلات العامة. فحماية وأمن المدنيين السلميين أولوية أولى في القانون المدني والمجتمعي، وتحريم القتل والتحريض عليه هو قيمة عمومية وجدت بالأديان قبل الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والقانون الوضعي، الأمر الذي يتطلب التعاون الفعلي بين مؤسسات الدولة الناشئة والفاعليات المجتمعية، ينتج عنه:

    التحقيق الشفاف والعلني في أي حادث يؤدي لإزهاق الأرواح أو التسبب بالضرر المادي أو المعنوي لهم.

    محاسبة المتورطين في جرائم ضد المدنيين العزل من كافة الجهات.

    التعاون في تقديم المطلوبين للقضاء والجهات القانونية الرسمية ومحاسبتهم.

    التعاون في نزع السلاح المنفلت والعشوائي وضمان حصره بيد مؤسسات الدولة. على أن تبدي مؤسسات الدولة حرصها الكامل والمطلق على حماية المجتمع والمدنيين من دون تمييز، والتي هي مهمتها التي وجدت لها بالأساس.

    تغليب وتوطين الحوار المجتمعي بين أطياف الشعب السوري مهمة وطنية واجتماعية ومدنية سورية، وذلك للتعبير الواضح عما يعانيه أفراده وجماعته من مشكلات واجبٌ على مؤسسات الحكومة الاستجابة لها وحلها.

    القانون وضعي بتطبيقه لكنه مستمد من القيم المجتمعية العامة، ما يحيل، خاصة في هذه المرحلة القلقة من عمر سوريا، لضرورة ترافق القيم المجتمعية مع الضابطة العدلية، سواء بتذليل عقبات الواقع المتشنج والتخفيف من آثاره

من نافل القول أن الأفكار المطروحة أعلاه نظرية، فهي وحسب المزاج السائد اليوم، لم تؤيد الحكومة المؤقتة في تعاملها الأمني مع أحداث الساحل، وبالمقابل لم تتضامن مع أبناء الساحل أيضاً وبشكل مطلق، في حين أنها تفترض آليات للتعامل مع هذا الواقع والوقائع. فجميعنا يمتلك تصوراً ورؤى عنها لكن تنفيذها بآليات عمومية ومقننة تحتاج لجهود وخبرات. وهنا يمكنني أن أستعير مقاربة بسيطة للحدث الذي تعرضت له أنا ومجموعة من الرفاق في أثناء عودتنا من تشييع جثمان أبو وطن قاسم الجاموس منشد الثورة وساحات سوريا عامة. فما طرح أعلاه بعامه يتلخص في ذات المشهد، وعواقبه السيئة المحتملة كامنة فيه، وأيضاً طرق الحل الإيجابية التي تستبعد العنف والتصعيد أيضاً. حيث إن:

عملية خطفنا تمت من قبل مجموعة شباب خُطف لهم أخ على يد خارجين عن القانون في السويداء. وظناً منهم أنهم يمكن أن يبادلونا به، أقدموا على هذا الفعل، ولم يدركوا خطأهم به. وأيضاً عدم تفعيل الضابطة العدلية وإمكانية تحرير المخطوف بقوة القانون وبقاء السلاح المنفلت والعشوائي وعدم محاسبة الخارجين عنه، خاصة وأن مرتكبي هذه الأفعال، سواء بدرعا أو السويداء، من أصحاب السوابق بالخطف وتجارة المخدرات وغيرها. كما وتأجيج نزعة الكراهية الطائفية عند أمثالهم كادت تؤدي لإشعال فتنة كبيرة. في حين أن قيم الكرامة والاحترام المتبادلة والمتوارثة بين الأهلين في السهل والجبل وتدخل الشرفاء وهم الغالبية، بجوار نواة الضابطة العدلية وقادة الشرطة، كان له الأثر الإيجابي بحل الأشكال، والذي لم يكن سهلاً كما توقع بعضهم. فقد مارس أبناء درعا الحوار طويل النفس مع الخاطفين مع التحذير من عواقبه لساعات. بالمقابل كان هناك استنفار عام بين جميع الفعاليات بالسويداء تتابع الموضوع وتمنع القيام بالخطف المضاد كما هو معتاد بأحداث سابقة أيام النظام.

القانون وضعي بتطبيقه لكنه مستمد من القيم المجتمعية العامة، ما يحيل، خاصة بهذه المرحلة القلقة بعمر سوريا، لضرورة ترافق القيم المجتمعية مع الضابطة العدلية، سواء بتذليل عقبات الواقع المتشنج والتخفيف من آثاره، وبتكريس دور الدولة ومؤسساتها مرة أخرى في الاستقرار وسواد الأمن والأمان.

ذاكرة الناس حية لا تموت، ترصد الواقع وتستقي من التاريخ جيداً وتنقله من جيل لأخر قيماً تحافظ عليها قولاً وفعلاً، وتلازم القيمة والقانون فعل فارق في مسيرة اليوم وغداً، وانفكاكهما عن بعض مؤشر خطر كبير.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى