سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 12 أذار 2025

تحديث 12 أذار 2025
حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:
سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع
———————————
سوريا وناظمها الانتقالي: سؤال الشرعية/ موفق نيربية
تحديث 12 أذار 2025
بعد تحقيق نتيجة باهرة لانطلاقة هيئة تحرير الشام من إدلب إلى دمشق، وانهيار نظام عائلة الأسد، جرى انتخاب أو اختيار رئيس “بديهي” ومؤقت للجمهورية من قبل ما سُمّي “مؤتمر النصر”، الذي جمع بضع مئات من قيادات الفصائل المسلّحة، التي ساهمت أو واكبت العملية. كان ذلك ضرورياً للإقلاع بالعملية السياسية للتغيير، التي ستُؤسّس على حالة رهيبة من التداعي الاجتماعي والاقتصادي والإداري والعسكري، خصوصاً المعيشي المباشر.
تمّ تشكيل “الحكومة المؤقّتة” من حكومة إدلب للإنقاذ نفسها تقريباً، مع إضافة وزير للخارجية وآخر للدفاع من أرفع كوادر الهيئة، وأقربها للرئيس الجديد، أحمد الشرع. وأُعلن مباشرة أن هذه الحكومة سوف تُستبدل بأخرى تقود المرحلة الانتقالية، وتكون محققة لشروط الشمول والمصداقية واللاطائفية. كما جرى تشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر للحوار الوطني، أنجزت عملها تحت إشراف الرئاسة، وتمّ “سلق” المؤتمر وإغراقه بالحضور الذي لا يتناسب عدده وعدّته مع معايير مؤتمر للحوار، كما يعرفها الآخرون. وبطريقة أقرب لاستطلاع الرأي مع فريق تيسير متقدّم، بالاستعانة ربّما بالذكاء الاصطناعي، لتجميع توافقات الحضور؛ أنجز المؤتمر ورقة معقولة ترضي حدّاً معقولاً من الطلبات العامة للناس وليس كلّها.
وحتى تعمل الرئاسة والحكومة الانتقالية بشكل مقنع، كان لا بدّ من وضع إعلان مبادئ أو دستور مؤقت أو موجز، تستند إليه العملية المقبلة كلّها، حتى وجود دستور دائم وإجراء انتخابات. هذان الهدفان الأخيران كانا يتطلّبان حواراً سياسياً تلتقي فيه النخب السياسية والمدنية والمهنية والثقافية، لا كما جرى الأمر.
رغم ذلك، فإنّ موضوع هذا المقال عمليّاً هو الإعلان الدستوريّ، الذي سيتوسّع قليلاً بمُخرجات مؤتمر الحوار، وسيكون حتماً أرضية تؤخذ بالاعتبار بقوة أثناء كتابة مسوّدة الدستور الدائم، كما هو معروف في تجارب الأمم وتغيير الأنظمة.
لا بدّ أن موضوع” الشرعية” يُقلق أيّة سلطة جديدة أو طارئة، فلا بأس بالتوقّف قليلاً عندها، حيث هناك “شرعية سلبية” تتعلّق بالإجابة على سؤال “ما هو الشرعي؟” هل هو مفهوم الخير والشر، وما الذي يميّز بينهما، وذلك يتعلّق بالدين أحياناً، ولكن أيضاً بلوائح حقوق الإنسان والحريّات الأساسية؛ وأخرى “إيجابية” تتعلّق بالمصدر الذي يعطي الشرعية وكيف يعطيها: هل هو الملك المستبدّ، أم الشعب، بالإرادة السامية أم بالانتخاب والاختيار الحرّ؟ في مأثور العقد الاجتماعي، ركز هوبز ولوك على الشرعية السياسية السلبية (مع ذكر ما تمنحه الحكومة المطلقة من الأمن والحرية، على التوالي بالأهمّية)؛ بينما ركز روسو بشكل أكبر على الشرعية السياسية الإيجابية (سيادة الشعب كمانح للشرعية). يمكن القول إن الاستقرار السياسي يعتمد على كلا الشكلين من الشرعية، والتفاصيل تختلف حسب الزمان والمكان.
لا ريب أن ذلك مجهد لقوى تجهد للتأقلم مع متطلّبات الحداثة، وتتعثّر أحياناً، لكنّ جهدها يلقى القبول من الناس، المتعبين الذين يريدون النفاذ من دائرة الطباشير المستدامة. وذلك الجهد كان يمكن تخفيفه بالتسليم بأهمّية الاستفادة من التجارب الدولية على سبيل المثال، خصوصاً تجربتي جنوب أفريقيا والبوسنة والهرسك، ليس بالنسخ، بل بالمنهج والطريقة. وما يميّز التجربة الثانية، من أنّ الأطراف الثلاثة المعنية بها (البوسني والصربي والكرواتي) خرجت غير راضية عن النتيجة – وذلك درس ضروري – يمكن أن يكون حاسماً. منذ فترة لا بأس بها، يدرك السوريون، داخل وخارج نخبهم، أن العملية الدستورية أساس مهم لبناء مستقبلهم، هو الأصعب بين الأسس الضرورية في لحظة سقوط النظام، التي يعبّرّ الناس عن فرحهم بحدوثه، بل إن بعضهم يظنّ أنّه يكفي، وانتهينا! وفي الواقع لا يعتمد الأمر على وصفة جاهزة لكلّ حالة، لأن الوضع يختلف حسب ظروف كل بلد ومجتمع وتاريخه وتكوينه. وقد اختاروا في الواقع، وهذا صحيح وجيّد، خيار تأمين شكل من الترتيبات الدستورية سموها” الإعلان الدستوري” وتركوا مفهوم الدستور المؤقّت، أو إحياء دستور ديمقراطي سابق للاستبداد، حتى يتمّ تأمين بديل دائم له، “بتركيز” وضمن أفق زمني معقول.
يسعى الترتيب الدستوري المؤقت إلى سدّ الفراغ ما بين عهد فاقد للشرعية، وعهد آخر مكتمل الشرعية، بفترة انتقالية تحقّق أفضل ما يمكن من الشرعية، وتعد أو تبشّر بالمزيد لاحقاً. إنها تشكلّ جزءاً مهماً من أرضية وبرنامج الحوار الجديّ بعد ذلك، وتساعد المؤسسات الانتقالية على التبلور والتطوّر بشكل طبيعي يأخذ بالاعتياد على سيادة القانون واحترام إرادة الشعب.
الإعلان الدستوري، مهما ضعفت” المشاركة” في وضعه، يلعب دوراًً مهماً في كلّ من التوصّل إلى السلام بين مكوّنات الشعب المتنوّعة، كما في رسم بعض ملامح الدستور النهائي، ويؤثّر في درجة التوتّر الحالية أو المقبلة. لذلك يحتاج ذلك الترتيب إلى درجة المشاركة التي أشرنا إليها، والتي لا أعتقد أنها تحققت في المسار العملي حتى الآن. تلك المشاركة، سوف تكون حاسمة بشمولها وإجراءاتها، في المرحلة الثانية حتماً. في تجربة الصومال، اعتُبرت مساهمة “حركة الشباب” عاملاً سلبياً، على سبيل المثال.
وحين يجري الحديث عن” الشمول” في باب مساهمة أطراف أكثر تنوّعاً وتمثيلاً واختصاصاً في صناعة التدبير الدستوري المعنيّ، لا يكون شمول موادّ ذلك التدبير هو المقصود إطلاقاً، بل إنه من المستحسن جداً أن يكون – ما أمكن- مقصوراً بحيث لا يُستخدم لتقييد إرادة من سيصنع مشروع الدستور الدائم والمقبل، أو يصل بالحالة إلى جمود وتحجّر. كانت المرحلة الأولى بعد الحرب الكونية الأخيرة قد استخدمت الدستور المؤقت، أو ما في حكمه (أقلّ بقليل من المئة مرة) بعد انقلابات تكاثرت يومها، لكنّها في المرحلة الثانية الأحدث أخذت تغطّي حالات التغيير السياسي، أو ما بعد استقلال وانتهاء احتلال أو تغيير جذري في نظام الحكم وغير ذلك. من أهمّ نواحي الخطورة في صياغة الإعلان الدستوري، أو الدستور المؤقت الجنوح إلى تحقيق مكاسب خاصة بالقائمين على الأمر في المرحلة المؤقتة والانتقالية، وزيادة التفاصيل التي سيكون صعباًِ على مدبّجي مشروع الدستور الدائم التغيير فيها بشكل نوعي. تلك التفاصيل توصف بالموادّ” اللزجة”، التي يمكنها توتير أجواء العملية التفاوضية، التي ستصيغ السلام الداخلي النهائي. يمكن، وربّما يجب، الاستفادة من الخبراء الأمميين بهذه الحالة، إضافة إلى تكليف أهل الاختصاص والانفتاح. يُلاحظ هنا أن لجنة وضع الإعلان في سوريا مشكّلة من سبعة حقوقيين، بينهم اختصاصي واحد بالقانون الدستوري وحسب، ويغلب عليهم اللون الواحد. كان يمكن الاستناد جزئياً إلى اللوائح الأممية مؤقّتاً في هذا التدبير المؤقت، وفي ما يخصّ حقوق الإنسان والحريات الأساسية على سبيل المثال.
لقد كانت معجزة ما حدث من سقوط للنظام، واختفائه وتلاشيه، وعلى الرغم من صحّة ذلك، إلّا أن ما بقي من رضا الأقدار قد هيّأ للسوريين قوة هي الأكثر تنظيماً وانضباطاً بين قواهم المسلّحة، استطاعت الانتقال بخفّة من إدلب إلى حلب، لتنتقل بعدها بخفّة أكبر حين رأت الطريق مفتوحاً، وتصل إلى دمشق. أيّ تعبير لا يكون ممتنّاً لذلك الفضل مستَنكَرٌ من قبل السوريين، معظمهم على الأقل. لكنّ الواقع يقول إن هناك استقراراً غير مكتمل، وأطرافاً بقيت خارج المعادلة وما زالت، وأخرى تتململ وتعبّر عن القلق والشكّ وقد تتحوّل إلى مشكلة إضافية..
حدثت معجزة أخرى أيضاً، وهي مرور إسقاط النظام في البداية من دون زلازل طائفية (أو قومية) كان الجميع يخشاها، وتلك فضيلة لا تُعوَّض، لكنّ الأسبوع الفائت شهد انفلاتاً خطيراً من هذه الناحية، يعيد التأكيد على تعريف سوريا كحالة قلقة تحتاج إلى مسار أكثر تدقيقاً، وهذا موضوع يحتاج إلى مساحة خاصة..
استكمال عملية التغيير السياسية وإنقاذها من أن تنوء بثِقل مهامها بكل التركة التي تحملها؛ تحتاج إلى الاستعانة بقوى الشعب، وبالمجتمع الإقليمي والدولي، وبالحكمة والخبرات.. وبالإصغاء للنقد الذي قد يكون مساعداً على تعزيز التفاؤل، لا على تآكلِه!
كاتب سوري
القدس العربي
—————————–
إسرائيل إزاء تعاظم التهديدات في سوريا: هل تكفي “المناطق الثلاث” أم نأخذ بنصيحة ترامب؟
تحديث 12 أذار 2025
المذبحة التي أجراها رجال محمد الجولاني في جبال العلويين غربي سوريا تعزز في إسرائيل فهماً يرى في سوريا تهديدات متشكلة تستدعي الاستعداد لها ولمنع تطورها، ليس فقط من جانب الجهاديين الذين استولوا على الحكم ويحاولون تسويق صورة معتدلة ومستقرة، بل أيضاً من محاولة لجعل سوريا جزءاً لا يتجزأ – بما في ذلك قواعد عسكرية – من الإمبراطورية العثمانية التي يتطلع أردوغان لإقامتها.
أحد التهديدات التي تتطور بسرعة الآن وتقلق جهاز الأمن، يحدق من جانب حركتي حماس و”الجهاد” الفلسطينيتين والرغبة في العمل من سوريا ضد بلدات حدود إسرائيلية في الجولان وإصبع الجليل. في الأيام الأولى ما بعد سيطرة منظمات الثوار التي تجمعت في هيئة تحرير الشام، بقيادة أحمد الشرع (الجولاني)، حررت من السجن إرهابيين كباراً من حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني. إرهابيون حبسوا في عهد بشار الأسد كي لا يورطوه في مواجهة مع إسرائيل، حين ينفذون العمليات التي خططوا لها. وحتى “جزار دمشق” رأى أنهم أكثر مما ينبغي.
الآن، بدأ هؤلاء المخربون الكبار في التخطيط للعمليات. سلاح الجو هاجم في الأسابيع الأخيرة بضعة مخازن سلاح كهذه. في هذه الأثناء، لا يحاول المخربون الفلسطينيون النزول جنوباً من منطقة دمشق نحو الحدود الإسرائيلية، لكنهم ينشطون ويخططون.
وثمة مصدر ثالث، وهم سكان جنوب سوريا السُنة، ممن تأثر الكثيرون منهم بـ “داعش” ويتركزون في منطقة مدينة درعا، حيث نشبت الثورة السُنية ضد نظام الأسد. صحيح أن إسرائيل تقيم معهم حواراً من خلال المحليين السوريين في الجولان، الذين تمتعوا في زمن الحرب الأهلية بمشروع جيرة طيبة مع إسرائيل، لكن العناصر السُنية المتطرفة أولئك الذين ينتمون إلى “غرفة الحرب الجنوبية”، يرفضون حالياً التعهد بالإبقاء على جيرة طيبة مع إسرائيل.
مصلحة أردوغان
التهديدات لا تنتهي عند ذلك. فتركيا لا تخفي رغبتها في السيطرة على سوريا من خلال نظام جهادي سُني. صحيح أن هيئة تحرير الشام وأحمد الشرع لا يتبعان تركيا، لكن لما كانت تركيا هي القناة اللوجستية الوحيدة المفتوحة أمامهم الآن، فهم ملزمون بالإنصات لأردوغان وعدم العمل ضد إرادته.
يبدو أن تركيا لا تعتزم حالياً السيطرة على سوريا بشكل كامل، بل جعلها جريرة سياسية وعسكرية من خلال إقامة جيش سوريا الجديد وإقامة قواعد في أرجاء سوريا، بما في ذلك جنوبها، على مسافة بضع عشرات الكيلومترات عن أراضي إسرائيل. إسرائيل لا ترغب في وجود تركي على الحدود في الجولان، ولا تريد رؤية خليط مركب من الجهاديين، ورجال “القاعدة” السابقين والأتراك.
الذخائر التي يضرب أردوغان عينه عليها في سوريا ليست ملحة حقاً، بل السيطرة على الإقليم الكردي شبه المستقل في شمال شرق سوريا. من يمنعه من اجتياحه هم الجنود الأمريكيون هناك ممن يساعدون قوات جبهة سوريا الديمقراطية التي تتشكل من الأكراد وقبائل عربية سُنية تقاتل ضد “داعش” وبنجاح. المشكلة أن ترامب يريد إخراج جنوده من سوريا. أما إسرائيل فتحاول يكل جهدها إقناع رجال ترامب بإبقاء الجنود الأمريكيين في سوريا، على الأقل إلى حين استقرار الوضع، كي لا يكون فريسة للأتراك الذين يخططون لاجتياح المكان. نجح هذا الأمر في ولاية ترامب السابقة، أما في الحالية فليس مؤكداً.
أمس، أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع عن اتفاق مع قائد القوات الكردية في الدولة على دمجها في المؤسسات السورية والجيش السوري. واتخذ القرار بعد لقاء بين الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية – التحالف الذي يجمع القوات العسكرية الكردية – ويحظى بدعم الولايات المتحدة.
وثمة مصدر آخر يخاف من سيطرة الأتراك، وهم الروس، الذين يريدون الاحتفاظ بقواعدهم جنوبي اللاذقية العلوية وميناء طرطوس على الساحل الغربي السوري. هذه القواعد مطلوبة لروسيا لإبقاء وجودها في شرق البحر المتوسط والمحافظة على الاتصال بمواقعها في إفريقيا. حالياً، هذه القواعد مشلولة لأن سوريا حظرت على الروس إجراء رحلات جوية في مجالها الجوي والإبحار في مياهها الإقليمية.
وهناك قلق إضافي، هو تسليح تركيا وتدريبها لجيش الجولاني الجهادي. معروف أن السعوديين يريدون هذا، ويفضل أن يفعلوا هذا بدلاً من الأتراك. تدعي إسرائيل بأن لا حاجة للإسراع وتسليح الجولان ورجاله، إذ لم تتضح نيتهم الحقيقية بعد.
فاصل وحراسة ونفوذ
في ضوء هذه التهديدات، تعتزم إسرائيل تصميم واقع جديد في المنطقة التي بجوار حدودها جنوبي دمشق. أعلنا رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع كاتس بأن إسرائيل لن تسمح للنظام الجديد في سوريا بإنزال مسلحيه جنوبي دمشق أو أن يتجول رجال الجنوب الجهاديون السُنة مسلحين في الجولان السوري. في هذه المنطقة استحكامات عديدة، وفيها سلاح تركه الجيش السوري، قد تستخدمه جهات معادية لإسرائيل. وفضلاً عن التحذيرات التي أرسلت عبر قنوات مختلفة مباشرة إلى نظام دمشق، تسعى إسرائيل لخلق منظومة دفاعية من ثلاث مناطق أو مقاطع جغرافية.
المقطع القريب من إسرائيل هو منطقة الفصل، كما تقررت في اتفاقات فصل القوات في 1974، حيث تبقي إسرائيل حضوراً غير محدد زمنياً، بما في ذلك تاج جبل الشيخ السوري، الذي يسمح للرقابة على ما يجري في حوض دمشق والبقاع اللبناني. قاطع الفصل، بعرض متغير من بضعة كيلومترات، يمتد من قمة جبل الشيخ السوري حتى مثلث الحدود الأردن – سوريا – إسرائيل في الحمة.
توجد من خارج منطقة الفصل منطقة للحراسة، وفيها قرى سورية كثيرة، والجيش الإسرائيلي دخل إليها موضعياً ليمنع التسلح بمخزونات السلاح المتبقية هنا ووجود مسلحين قد يعرضون بلدات الحدود للخطر. القاطع يتيح رقابة وناراً لمسافات بعيدة.
ما وراء منطقة الحراسة “منطقة النفوذ”، التي تحاذي طريق دمشق – السويداء شرقاً (عاصمة الدروز، جبل الدروز). عرضها 65 كيلومتراً، وتتضمن تجمعات الدروز في جبل الدروز وعرباً سُنة معنيين بالعلاقة مع إسرائيل. عملياً، أصبحت المنطقة الدرزية حكماً ذاتياً في الحرب الأهلية، وإسرائيل تريد لها أن تبقى كذلك في المستقبل.
ترى إسرائيل في الإقليم الدرزي وسكانه عنصراً لها التزام تجاهه، بما في ذلك الحماية والتموين باحتياجات حيوية بحكم الالتزام بالطائفة الدرزية. لكن إسرائيل تفكر بالسماح –تجري محادثات في هذا الشأن الآن – لدروز السويداء بالعمل في البلاد.
الإرادة الإسرائيلية
عملياً، هذه المناطق الثلاث موجودة في هذه اللحظة؛ فالاستحكامات مقامة في منطقة الفصل، والجيش الإسرائيلي يقوم بأعمال دورية في منطقة الحراسة، وتجرى مع مجال النفوذ اتصالات في مستويات مختلفة من الكثافة. لكن كل شيء مفتوح في سوريا الآن، حتى الروس قلقون، بل ويتقاسمونه مع إسرائيل مؤخراً، عقب المعارك بين النظام والعلويين غربي سوريا. هذه المعارك تجري قرب القواعد الروسية، والكثير من العلويين يختبئون فيها.
في هذه اللحظة، لا نية لإسرائيل للتدخل، فما بالك والمواجهة بين النظام السُني الجهادي في دمشق والعلويين مؤيدي الأسد في منطقة الشاطئ، نشبت على خلفية نية العلويين التمرد على النظام الجديد، كما فعل السُنة ضد الأسد في حينه.
إسرائيل تراقب من الجانب، وتفرض أساساً من خلال سلاح الجو، ولا تخفي إرادتها في أن تصبح سوريا فيدرالية. في الماضي، نشر أن ترامب تحدث مع نتنياهو وطرح إمكانية سيطرة إسرائيلية على سوريا. لا نية كهذه لدى إسرائيل، لكن إسناد ترامب يسمح لوزير الدفاع ولرئيس الوزراء على الأقل محاولة تصميم واقع جديد مجرد من السلاح جنوبي دمشق في المنطقة المجاورة للحدود مع إسرائيل.
رون بن يشاي
يديعوت أحرونوت 11/3/2025
القدس العربي
——————————–
«ليتنا كالنمل»… شهادات أطفال سوريا عن الحرب والعدالة المفقودة/ محمد عبد الرحيم
تحديث 12 أذار 2025
المأساة السورية التي تحدث عنها ساسة وعسكريون ومحللو سياسة وشهود عيان، كل حسب موقعه من هذه المأساة، وحسب مصالحه أيضاً، حرب أخرى في شكل آخر، عداوات وتناحرات على وسائل التواصل وقنوات الإعلام والصحف، ولكن.. ماذا عن مجموعة من الأطفال؟ كيف رأت عيونهم هذه الحرب، وكيف كان وعيهم وأفكارهم عما شاهدوه من مجازر وأهوال تفوق خيالهم الطفولي؟
هذه الحكايات صاغها الكاتب السوري خليفة الخضر، في كتاب بعنوان «ليتنا كالنمل»، الصادر عن دار ممدوح عدوان للنشر. رصد الكاتب عبر تنقله بين القرى والمخيمات السورية في شمال غرب سوريا، قصصا ومشاهدات يومية مرتّ بها مجموعة من الأطفال، الذين يعتذر لهم الكاتب في مقدمته، بأنه لم يدوّن جميع الحكايات التي سمعها عنهم، والتي من خلالها سنعرف معنى كلمة (ضحايا) للعديد من الأطراف المتصارعة .. النظام السوري، تنظيم داعش، فصائل المعارضة، تنظيم قَسَد، حتى الطبيعة، فقد كانوا ضحايا لها مع وقوع زلزال 2023. ورغم ما أضافه الكاتب ـ من خلال صياغته ـ إلى القصص من شيء من التحليل والعبارات البلاغية، بمعنى صوته الخاص، إلا أننا نستشعر بجلاء صوت هؤلاء الأطفال ـ وقتها ـ ومدى إحساسهم بالكارثة، وكيف كان وقع تحوّل حياتهم مرّة أخيرة وإلى الأبد. وفي ما يلي مختارات منتقاة من هذه الحكايات..
القعقاع
قتل والدي عدداً كبيراً من الكفار، كما يقتل قصاب حارتنا الخرفان.. كان يعذب ويقتل الكافر، ومن ثم يقتله مُبتهجاً ومكبراً بالله. لا أعرف كيف يميز والدي بين كافر وغير كافر، فكل البشر يشبهون بعضهم. أتحاشى ضم والدي خوفاً على نفسي، من أن يراني من الكفار. أبي كان شخصاً آخر في المعتقل، ليس ذلك الرجل الذي كان يتحدث دون أن ينظر إلينا. أبي هذا يختلف عن أبي ذاك بألف ألف مرّة. كم تمنيت لو تعرفت فقط على أبي الذي في السجن، لا أبي الذي كان يكتب قصص الناس ويعذبهم ويقتلهم.
فادي
والدي يعمل في حفر القبور، كنت أعمل معه، أساعده بنقل التراب أو تنظيف قبر من الداخل بعد أن ينتهي من حفره بالكامل… للآن لم أحفر قبراً كاملاً، كلما أكبر سنة، تكبر مساحة القبر التي يسمح لي والدي بحفرها.
اعتُقل أبي من قِبل الأشباح السود… طلبوا من أمي أن تغلق فمها، وألا تتكلم بحرف. هي خمس دقائق، وسؤال وجواب ومن ثم يعيدونه لنا.. أول كلمة نطقها أخي الصغير هي (خمسة) أي خمس دقائق. اليوم يكون قد مرّ على الحادثة خمس سنوات، ولم تنته (الخمس دقائق) الخاصة بهؤلاء الأشباح.
وفاء
مات والدي، وأمي ماتت وهي تبكي، لا أعرف كيف مات الطفل الذي في بطنها، دم أمي يسيل فوق أخي عبد الحميد، الذي أشاهده بين الوسائد، لا أرى كل جسمه، فقط عينيه اللتين وقع نظرها على عينيّ، خبط بيده دماء أمي، يتراشق دم أمي على وجهه وبين يديه الصغيرتين… ضربات يد عبد الحميد على الدم بأرض الغرفة سبب التفاف أقدام الجيش باتجاهه، قال أحدهم للآخر: «أقتله.. بكرا يكبر ويتذكر اللي صار».
زينب
لأول مرّة أسمع في حياتي أن ثمّة في الحياة مَن يكره سيدتنا زينب عليها السلام، ويقول إن علياً ليس ولي الله، وإننا كفار ولسنا مسلمين… لا مخيمات نلجأ إليها، ولا جبال نحتمي بقممها، ولا حدود دولة ننصب خيامنا على جدرانها، محاصرون من عدة جوانب كحصار الحسين وآل بيته من قِبل قتلته في كربلاء.
علي
إننا فقراء، ولن ينفعنا أو يضرنا سقوطه أو عدم سقوطه… الدول لن تتحرك إن بقينا نخرج في مظاهرات في قريتنا فقط. بعد فترة، دخل أبي منزلنا ومعه قطعة مكونة من حديد وخشب ملتصقتين. قال الرجال في بيتنا: «أنظروا في ليبيا.. لولا السلاح لما سقط رئيسهم».. الذي كان بحوزة أبي سلاح، سيحمون به المظاهرات، وسيقاتلون كلاب بشار. صرنا ننام وحدنا، أنا وأمي وأخي الرضيع، كلما طالت مدة حمل أبي للسلاح، طال غيابه عنا .. كان والدي عندما يزورنا يخبر أمي ونحن نسمعه، عن قصص منازل نزلت على رؤوس ساكنيها، وعن طفلة صغيرة نجت، وليتها لم تنج بعد أن مات كل أهلها. طفولتي لا لون لها، ولا شكل لها، آخر ما أتذكره منها، أو آخر شعور بالطفولة يمكنني تذكره، كان في تلك اللحظة حين حملني والدي على قدميه كالطائرة قبل أن يتم قصفنا بطيران بشار، وما بعدها سواد بسواد. وما زاد بؤسي هو استشهاد والدي على يد الدواعش، قاموا بذبحه ورميه في بئر، ولا أعلم ما السبب… أختي (سيدرا) قالت لي (بابا) .. المسكينة تظن أني والدها.
سينم
حتى نتحدث إلى الله يجب فعل عدة أمور الآن، بينما في السابق نتحدث معه قبيل الذهاب إلى الكرم. تمتمة أمي وجدتي ونساء القرية قبيل شروق الشمس تبث في نفسي الطمأنينة، يتحدثن مع الله بالكردية، يطلبن منه حماية الناس وإبعاد السوء عنهم، لم أسمع إحداهن تطلب من الله أن ينتقم لها، أو تتحدث عن أحد ظلمها أمام الله، فمن تعظيم الله عندما نخاطبه أن ننسى أذية الناس بحقنا. السؤال الذي أجد فيه خلافاً ولم أجد له جواباً، هل حقاً كنا في بلد واحد اسمه سوريا، أم نحن في عدة بلدان في بلد واحد كبير له سور، وأسوار داخيلة؟
القدس العربي
—————————
هل دمشق أموية؟ ثورة الفنانين عقب أحداث الساحل السوري… بلد بدون إعلام كفم بلا لسان/ أنور القاسم
تحديث 12 أذار 2025
تتجه الأنظار نحو الفنانين السوريين هذه الأيام، باعتبارهم القوة الناعمة، التي تضمد الجراح في سوريا الجديدة وتقف الى جانب الناس في هذا المفصل التاريخي الأهم للبلاد.
وقد تجرأ عدد منهم وخرجوا عن صمتهم معلقين على الأوضاع، وقد سجل نخبة منهم فيديو انتشر بشكل كبير على وسائط التواصل تحدث فيه كل فنان من مختلف الطوائف السورية مصرحا أن طائفه الوحيدة هي سوريا.
وقد برز من هؤلاء الفنان الحلبي قاسم ملحو والدمشقي تيسير إدريس، والمخرج زهير قنوع والممثل والمخرج رمزي شقير من السويداء، وغيرهم من النجوم الوطنيين.
وقد وجدت الفنانة نور علي نفسها في موقف صعب ضمن أحداث الساحل السوري، بعد أن جرى محاصرتها أثناء وجودها مع عائلتها، وإطلاق النيران عليها من مقاتلين أجانب، كما قالت وسرقوا سيارتها.
وظهرت في مقطع مصور، وهي في حالة انهيار تام، تشتم وتسب الدولة، مضيفة أنها اتصلت بالأمن العام الذي تجاوب معها.
ثم عادت للاعتذار عن كلمات نابية طالت فيها شريحة عريضة من السوريين، ودعت إلى الوحدة بين كافة السوريين، قائلة: «نحن ولاد بلد واحد».
كما ندد النجم جهاد عبدو بالأحداث الدامية، مطالباً بمحاسبة المسؤولين عن الجرائم، التي استهدفت المدنيين وعناصر الأمن العام، ومشدداً على ضرورة التهدئة الفورية، وإجراء تحقيق محايد لمحاسبة الجناة والمتورطين.
بدوه دعا الفنان مكسيم خليل، إلى حماية أرواح الشعب السوري. وكتب: «المجرمون موجودون أين ما كان ومن كل الطوائف والأديان. المجرم طبيعة نفسية لا تخضع لدين أو طائفة».
من جهتها، أعربت المطربة أصالة، عن قلقها لما يجري في بلدها، وكتبت عبر حسابها في «إكس»: «والله مو معقول اللي عم يصير».
وقال الفنان العائد من المغترب عبد الحكيم قطيفان «دم السوري على السوري حرام».
فيما انتقدت الممثلة السورية علياء سعيد من ينفي حصول أي انتهاكات في الساحل، لافتة في فيديو على حسابها في «إكس»، إلى أن الحكومة والسلطات الرسمية بنفسها أكدت حصول تجاوزات.
الفنان فارس الحلو كتب: في هذه المرحلة العصيبة نحتاج الى أبناء الثورة من الضباط الأحرار المنشقين لممارسة مسؤولياتهم الجسيمة في بناء الدولة الجديدة». واكتفت الممثلة إمارات سورية بجملة «سوريا بحمى الرحمن».
لكن اللافت صمت شريحة عريضة من النجوم عن إبداء الرأي أو حتى التعليق، وهذا مظهر يعيدنا الى اللواذ بالصمت من قبل الفنانين، الذي كان سائدا أيام حكم المقبورين حافظ وبشار.
المأمول من نقابة الفنانين السوريين الجديدة بقيادة الفنان الوطني مازن الناطور أن تقوم بدور مشابه لنقابة الفنانين المصرية، التي لعبت وما زالت، دورا مهما وتاريخيا في حياة البلاد، فسوريا الجديدة بحاجة لكل أبنائها كي تزهر وتثمر وتبنى على أسس سليمة وجديدة.
حضر الاعلام الخارجي وغاب الوطني
من يعتقد أن الاعلام هو مسألة ثانوية أو مزهرية تزين الدولة، ويمكن تأجيل تفعيله في الحالة السورية، فهو يغفل تماما أنه يعزز الانتماء للدولة، خاصة في ظل غابات التواصل الاجتماعي وأدغالها المتوحشة المنفلتة من أي منطق أو ضابط، بحيث تتصدر الساحة وتصير المصدر الأساس للأحداث والشائعات، وأيضا مغذية الفتن والخراب والتجييش والاتهامات الهادمة.
لا ينكر أحد أن السوريين برزوا كإعلاميين عالميين لا يشق لهم غبار في جميع دول العالم غربها وشرقها، أيعقل أن بلدهم فقير بالإعلام الوطني، وليس فيه اعلام داخلي، لكن في المقابل إذا كان هذا التأجيل للإتيان بالتكنوقراط والمهنيين المقبولين داخليا وخارجيا، فلا بأس في ذلك لأن الانتهازيين وجودهم أسوأ من عدمه، وبعض صفحات زملائنا الإعلاميين السوريين تبعث على التفاؤل والحرية والمستقبل، فيما البعض الآخر موغل في الأحقاد والتفريق والظهور المرضي.
يقول زميلنا عمر الشيخ إبراهيم في هذه الساعات الحرجة يتبين بشكل محزن الفراغ الإعلامي للدولة السورية هذا الأسبوع وليس للسلطة، فالذين تسببوا في تعطيل الاعلام الرسمي طوال الفترة الماضية عليهم اليوم أن يعترفوا بخطأ تقديراتهم.
ومع الاحترام والتبجيل للناشطين الميدانيين فهم لا يستطيعوا لوحدهم سد الفراغ الإعلامي الرسمي في زمن بناء الدولة.
نعلم جيدا أن المنصات كلها دون استثناء لها أجنداتها والأخبار سلاح دون أصوات، فقد خرجت معظم الصحف الغربية تتحدث عما حصل في الساحل السورية، دون أن تجد ما يرفدها من الاعلام الوطني أو تستشهد بحقائقه.
وهذا هو زميلنا الإعلامي زاهر عمرين يقول: واقعيا دفن المرتزقة في ثلاث ساعات كل ما حصده أسعد الشيباني من إنجازات دبلوماسية في ثلاثة شهور»!
لا شيء سيقف في وجه الصحافة الأجنبية إلا ند إعلامي وطني ومهني وليس بوقا، والدولة الجديدة في أمس الحاجة اليه.
هل دمشق أموية؟
سؤال طرحته قناة «المشهد»، وأجابت عليه من وجهة نظرها، فما رأيكم أنتم؟
تقول المذيعة آسيا هشام: «عمر دمشق أحد عشر ألف سنة، تخللتها 900 سنة أموية فقط، فهي أقدم عاصمة مأهولة في العالم. ويؤكد الخبراء أنها كانت مأهولة بالحياة قبل أن تكون هناك أعراق وأمم». وترى أنه من الظلم أن نختزلها بحكم أسرة واحدة مهما كانت هذه الأسرة؟!
ألا يحق لهذه المدينة التباهي بين الأمم، وقد قال عنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق، من خير مدائن الشام). وأضاف «إذا وقعت الملاحم، بعث الله من دمشق بعثا من الموالي، هم أكرم العرب فرسا، وأجوده سلاحا، يؤيد الله بهم الدين».
ففي عهد الأمويين تحولت إلى حاضرة إسلامية مركزية، فكانت ثاني مركز خلافة في تاريخ الإسلام، وعاصمة أكبر دولة في تاريخ انتشاره، وامتدت حدودها من أطراف الصين شرقًا حتى جنوب فرنسا غربًا، وتمكنت من فتح إفريقيا والمغرب والأندلس وجنوب الغال والسند وما وراء النهر.
وحتى عندما سقطت الدولة الأموية في الثلث الأول من القرن الثاني للهجرة، بمقتل آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد على يد العباسيين، استطاع فتى من آل أمية اسمه عبد الرحمن بن معاوية بن هشام، أن يفرّ من دمشق وهو في التاسعة عشرة من عمره ليقطع خلال ست سنوات، رحلته الطويلة والمضنية إلى الأندلس التي دخلها عام 138 هـ، وأعاد بناء الدولة الأموية ليحكم في الأندلس 33 عامًا، تاركًا لخلفائه إمارة استمرت نحو ثلاثة قرون، وحاملاً لقب عبد الرحمن الداخل أو «صقر قريش».
وإلى الأندلس حمل تراث دمشق من حضارة وعمران فأنشأ القصور والدور، وبنى المدن التي حاكى من خلالها حنينه إلى دمشق.
ألا يحق لعاصمة الأمويين – وهي عظيمة في كل مراحلها التاريخية ودرة العالم القديم – أن يفخروا، وقد غدت في دورهم عاصمة الدنيا، كما أرخها سعيد عقل، قائلا: قرأتُ مجدَكِ في قلبي وفي الكُتُبِ.. شَآمُ، ما المجدُ؟ أنتِ المجدُ لم يَغِبِ.. أيّامَ عاصِمَةُ الدّنيا هُـنَا رَبطَتْ.. بِـعَزمَتَي أُمَـويٍّ عَزْمَةَ الحِقَبِ.
كاتب من أسرة «القدس العربي»
القدس العربي
—————————–
نظام رئاسي يركز على العدالة الانتقالية.. أبرز نقاط الإعلان الدستوري المرتقب بسوريا
12/3/2025
كشفت مصادر للجزيرة أن الإعلان الدستوري الذي سيقدم اليوم الأربعاء للرئيس السوري أحمد الشرع ويضم 48 مادة، سيركز على مفهوم العدالة الانتقالية وضرورة تطبيقها وتجريم انتهاكات النظام البائد.
وأضافت المصادر أن الإعلان الدستوري سيحصر السلاح بيد الدولة، ومهمة الجيش حماية الوطن والمواطن والحفاظ على السلم الأهلي.
كما أكدت أن الإعلان الدستوري سيركز على حريات الإنسان، والفصل بين السلطات، وضمان استقلال القضاء.
وبحسب الإعلان الدستوري، فإنه سيجعل الفقه الإسلامي مصدرا أساسيا للتشريع.
ووفق مصادر للجزيرة، فإن الإعلان الدستوري استند لروح دساتير سوريا السابقة وخاصة دستور عام 1950.
كما أن فترة الحكم الانتقالية ستكون من 3 إلى 5 سنوات، مشيرة إلى أن الحكومة الجديدة لن تتضمن منصب رئيس وزراء، وسيكون شكل الدولة رئاسيا.
وسيجرم الإعلان الدستوري الدعوات والاتصالات الخارجية التي تهدد أمن واستقرار ووحدة البلاد، كما أنه سيحدد الصلاحيات الأساسية لرئيس الجمهورية.
وفيما يلي أبرز نقاط الإعلان الدستوري المرتقب:
استند لروح الدساتير السابقة خاصة دستور عام 1950.
سيجعل الفقه الإسلامي مصدرا أساسيا للتشريع.
ستكون فترة الحكم الانتقالية بين 3 و5 سنوات.
لن تتضمن الحكومة منصب رئيس وزراء، وسيكون شكل الدولة رئاسيا.
سيحدد الصلاحيات الأساسية لرئيس الجمهورية.
سيركز على مفهوم العدالة الانتقالية وضرورة تطبيقها ومحاسبة النظام البائد على جرائمه.
سيجرم الدعوات والاتصالات الخارجية التي تهدد أمن واستقرار ووحدة البلاد.
سيركز على حريات الإنسان، والفصل بين السلطات، وضمان استقلال القضاء.
سيؤكد أن مهمة الجيش حماية الوطن والمواطن والحفاظ على السلم الأهلي.
سيحصر السلاح بيد الدولة.
وكانت مصادر للجزيرة قالت قبل أكثر من أسبوع إن الإعلان الدستوري في سوريا يشترط أن يكون رئيس الجمهورية مسلما، وسيكون الأخير القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة.
وتابعت أن رئيس الجمهورية يعين مجلس الشعب خلال 60 يوما من تاريخ إصدار الإعلان الدستوري.
وأوضحت المصادر نفسها أن مجلس الشعب السوري سيضم 100 عضو، ويراعى فيه التمثيل العادل للمكونات والكفاءة، مشيرة إلى أن رئيس الجمهورية يعين أعضاءه بقرار جمهوري، وتكون مدة المجلس سنتين.
وقالت المصادر للجزيرة إن الإعلان الدستوري سيسمح بتشكيل الأحزاب على أسس وطنية وفق قانون يصدر لاحقا.
وكان الرئيس الشرع قرر تشكيل لجنة من الخبراء لصياغة مسودة الإعلان الدستوري الذي ينظم المرحلة الانتقالية في البلاد.
وتتألف لجنة الخبراء من عبد الحميد العواك، وياسر الحويش، وإسماعيل الخلفان، وريعان كحيلان، ومحمد رضى جلخي، وأحمد قربي، وبهية مارديني.
3 استحقاقات
قال الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان للجزيرة نت إن الإدارة السورية اليوم أمام ثلاث استحقاقات لتكون قد بدأت فعليا المرحلة الانتقالية.
يتمثل الاستحقاق الأول في إعلان دستوري، وقد تم تشكيل لجنة لصياغة الإعلان الدستوري، ويتوقع أن يصدر الإعلان الدستوري أولا ثم يتبعه الاستحقاق الثاني وهو تحديد الجهتين التنفيذية والتشريعية.
وأضاف “لا يتوقع ولا يعتقد أن يكون هناك إمكانية للذهاب إلى ترشيحات وانتخابات، خاصة أن المرحلة الانتقالية اليوم مبنية على أن الواقع يفرض الاختيار من قبل الإدارة، حيث لا يوجد قدرة على الإحصاء ولا يوجد قدرة أيضا على أن تشمل أي إجراءات اختيار أو ترشيح السوريين الموزعين في أقطار العالم”.
أما الاستحقاق الثالث الذي من المتوقع أن يكون في أبريل/نيسان القادم فهو تشكيل الحكومة الانتقالية الموسعة التي تشمل أيضا تمثيلا واسعا للمكونات السورية بالعودة إلى الإعلان الدستوري، مما سيضبط المرحلة الانتقالية، وبالتالي سيكون المستند الدستوري والقانوني للسلطات التشريعية والتنفيذية.
ويضيف علوان أنه يتوقع أن يتضمن الإعلان الدستوري المبادئ الرئيسية والعامة، دون أن يغير نظام الحكم أو يحدث تغييرات كبيرة عن الوضع القائم في سوريا منذ نشأة الجمهورية حتى اليوم.
وتكمن مهمة الإعلان الدستوري في ضبط الحالة ضمن مستند قانوني شرعي، حيث قد يستغرق الوصول إلى الدستور عدة سنوات.
كما من المتوقع -وفق علوان- أن تمتد المرحلة الانتقالية لخمس سنوات، يتم خلالها إعداد الدستور، في حين تقوم السلطات التشريعية والتنفيذية الانتقالية بالتحضير لمؤتمر وطني عام يناقش مسؤولية الدستور ليعرض بعد ذلك على الاستفتاء.
ويشير إلى أنه خلال هذه الفترة تكون السلطة الانتقالية قد جهزت البنية التحتية اللازمة لإجراء الاستفتاء أو الانتخابات وفقا للدستور الجديد. كما قد يتم سن بعض القوانين من قبل السلطة التشريعية، ومنها قانون الأحزاب، إلا أنه لا يتوقع صدوره قبل عدة سنوات.
المصدر : الجزيرة
————————
========================
عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 12 أذار 2025
—————————
لمتابعة مكزنات الملف اتبع الرابط التالي
التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة
——————————
إسرائيل إزاء تعاظم التهديدات في سوريا: هل تكفي “المناطق الثلاث” أم نأخذ بنصيحة ترامب؟
تحديث 12 أذار 2025
المذبحة التي أجراها رجال محمد الجولاني في جبال العلويين غربي سوريا تعزز في إسرائيل فهماً يرى في سوريا تهديدات متشكلة تستدعي الاستعداد لها ولمنع تطورها، ليس فقط من جانب الجهاديين الذين استولوا على الحكم ويحاولون تسويق صورة معتدلة ومستقرة، بل أيضاً من محاولة لجعل سوريا جزءاً لا يتجزأ – بما في ذلك قواعد عسكرية – من الإمبراطورية العثمانية التي يتطلع أردوغان لإقامتها.
أحد التهديدات التي تتطور بسرعة الآن وتقلق جهاز الأمن، يحدق من جانب حركتي حماس و”الجهاد” الفلسطينيتين والرغبة في العمل من سوريا ضد بلدات حدود إسرائيلية في الجولان وإصبع الجليل. في الأيام الأولى ما بعد سيطرة منظمات الثوار التي تجمعت في هيئة تحرير الشام، بقيادة أحمد الشرع (الجولاني)، حررت من السجن إرهابيين كباراً من حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني. إرهابيون حبسوا في عهد بشار الأسد كي لا يورطوه في مواجهة مع إسرائيل، حين ينفذون العمليات التي خططوا لها. وحتى “جزار دمشق” رأى أنهم أكثر مما ينبغي.
الآن، بدأ هؤلاء المخربون الكبار في التخطيط للعمليات. سلاح الجو هاجم في الأسابيع الأخيرة بضعة مخازن سلاح كهذه. في هذه الأثناء، لا يحاول المخربون الفلسطينيون النزول جنوباً من منطقة دمشق نحو الحدود الإسرائيلية، لكنهم ينشطون ويخططون.
وثمة مصدر ثالث، وهم سكان جنوب سوريا السُنة، ممن تأثر الكثيرون منهم بـ “داعش” ويتركزون في منطقة مدينة درعا، حيث نشبت الثورة السُنية ضد نظام الأسد. صحيح أن إسرائيل تقيم معهم حواراً من خلال المحليين السوريين في الجولان، الذين تمتعوا في زمن الحرب الأهلية بمشروع جيرة طيبة مع إسرائيل، لكن العناصر السُنية المتطرفة أولئك الذين ينتمون إلى “غرفة الحرب الجنوبية”، يرفضون حالياً التعهد بالإبقاء على جيرة طيبة مع إسرائيل.
مصلحة أردوغان
التهديدات لا تنتهي عند ذلك. فتركيا لا تخفي رغبتها في السيطرة على سوريا من خلال نظام جهادي سُني. صحيح أن هيئة تحرير الشام وأحمد الشرع لا يتبعان تركيا، لكن لما كانت تركيا هي القناة اللوجستية الوحيدة المفتوحة أمامهم الآن، فهم ملزمون بالإنصات لأردوغان وعدم العمل ضد إرادته.
يبدو أن تركيا لا تعتزم حالياً السيطرة على سوريا بشكل كامل، بل جعلها جريرة سياسية وعسكرية من خلال إقامة جيش سوريا الجديد وإقامة قواعد في أرجاء سوريا، بما في ذلك جنوبها، على مسافة بضع عشرات الكيلومترات عن أراضي إسرائيل. إسرائيل لا ترغب في وجود تركي على الحدود في الجولان، ولا تريد رؤية خليط مركب من الجهاديين، ورجال “القاعدة” السابقين والأتراك.
الذخائر التي يضرب أردوغان عينه عليها في سوريا ليست ملحة حقاً، بل السيطرة على الإقليم الكردي شبه المستقل في شمال شرق سوريا. من يمنعه من اجتياحه هم الجنود الأمريكيون هناك ممن يساعدون قوات جبهة سوريا الديمقراطية التي تتشكل من الأكراد وقبائل عربية سُنية تقاتل ضد “داعش” وبنجاح. المشكلة أن ترامب يريد إخراج جنوده من سوريا. أما إسرائيل فتحاول يكل جهدها إقناع رجال ترامب بإبقاء الجنود الأمريكيين في سوريا، على الأقل إلى حين استقرار الوضع، كي لا يكون فريسة للأتراك الذين يخططون لاجتياح المكان. نجح هذا الأمر في ولاية ترامب السابقة، أما في الحالية فليس مؤكداً.
أمس، أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع عن اتفاق مع قائد القوات الكردية في الدولة على دمجها في المؤسسات السورية والجيش السوري. واتخذ القرار بعد لقاء بين الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية – التحالف الذي يجمع القوات العسكرية الكردية – ويحظى بدعم الولايات المتحدة.
وثمة مصدر آخر يخاف من سيطرة الأتراك، وهم الروس، الذين يريدون الاحتفاظ بقواعدهم جنوبي اللاذقية العلوية وميناء طرطوس على الساحل الغربي السوري. هذه القواعد مطلوبة لروسيا لإبقاء وجودها في شرق البحر المتوسط والمحافظة على الاتصال بمواقعها في إفريقيا. حالياً، هذه القواعد مشلولة لأن سوريا حظرت على الروس إجراء رحلات جوية في مجالها الجوي والإبحار في مياهها الإقليمية.
وهناك قلق إضافي، هو تسليح تركيا وتدريبها لجيش الجولاني الجهادي. معروف أن السعوديين يريدون هذا، ويفضل أن يفعلوا هذا بدلاً من الأتراك. تدعي إسرائيل بأن لا حاجة للإسراع وتسليح الجولان ورجاله، إذ لم تتضح نيتهم الحقيقية بعد.
فاصل وحراسة ونفوذ
في ضوء هذه التهديدات، تعتزم إسرائيل تصميم واقع جديد في المنطقة التي بجوار حدودها جنوبي دمشق. أعلنا رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع كاتس بأن إسرائيل لن تسمح للنظام الجديد في سوريا بإنزال مسلحيه جنوبي دمشق أو أن يتجول رجال الجنوب الجهاديون السُنة مسلحين في الجولان السوري. في هذه المنطقة استحكامات عديدة، وفيها سلاح تركه الجيش السوري، قد تستخدمه جهات معادية لإسرائيل. وفضلاً عن التحذيرات التي أرسلت عبر قنوات مختلفة مباشرة إلى نظام دمشق، تسعى إسرائيل لخلق منظومة دفاعية من ثلاث مناطق أو مقاطع جغرافية.
المقطع القريب من إسرائيل هو منطقة الفصل، كما تقررت في اتفاقات فصل القوات في 1974، حيث تبقي إسرائيل حضوراً غير محدد زمنياً، بما في ذلك تاج جبل الشيخ السوري، الذي يسمح للرقابة على ما يجري في حوض دمشق والبقاع اللبناني. قاطع الفصل، بعرض متغير من بضعة كيلومترات، يمتد من قمة جبل الشيخ السوري حتى مثلث الحدود الأردن – سوريا – إسرائيل في الحمة.
توجد من خارج منطقة الفصل منطقة للحراسة، وفيها قرى سورية كثيرة، والجيش الإسرائيلي دخل إليها موضعياً ليمنع التسلح بمخزونات السلاح المتبقية هنا ووجود مسلحين قد يعرضون بلدات الحدود للخطر. القاطع يتيح رقابة وناراً لمسافات بعيدة.
ما وراء منطقة الحراسة “منطقة النفوذ”، التي تحاذي طريق دمشق – السويداء شرقاً (عاصمة الدروز، جبل الدروز). عرضها 65 كيلومتراً، وتتضمن تجمعات الدروز في جبل الدروز وعرباً سُنة معنيين بالعلاقة مع إسرائيل. عملياً، أصبحت المنطقة الدرزية حكماً ذاتياً في الحرب الأهلية، وإسرائيل تريد لها أن تبقى كذلك في المستقبل.
ترى إسرائيل في الإقليم الدرزي وسكانه عنصراً لها التزام تجاهه، بما في ذلك الحماية والتموين باحتياجات حيوية بحكم الالتزام بالطائفة الدرزية. لكن إسرائيل تفكر بالسماح –تجري محادثات في هذا الشأن الآن – لدروز السويداء بالعمل في البلاد.
الإرادة الإسرائيلية
عملياً، هذه المناطق الثلاث موجودة في هذه اللحظة؛ فالاستحكامات مقامة في منطقة الفصل، والجيش الإسرائيلي يقوم بأعمال دورية في منطقة الحراسة، وتجرى مع مجال النفوذ اتصالات في مستويات مختلفة من الكثافة. لكن كل شيء مفتوح في سوريا الآن، حتى الروس قلقون، بل ويتقاسمونه مع إسرائيل مؤخراً، عقب المعارك بين النظام والعلويين غربي سوريا. هذه المعارك تجري قرب القواعد الروسية، والكثير من العلويين يختبئون فيها.
في هذه اللحظة، لا نية لإسرائيل للتدخل، فما بالك والمواجهة بين النظام السُني الجهادي في دمشق والعلويين مؤيدي الأسد في منطقة الشاطئ، نشبت على خلفية نية العلويين التمرد على النظام الجديد، كما فعل السُنة ضد الأسد في حينه.
إسرائيل تراقب من الجانب، وتفرض أساساً من خلال سلاح الجو، ولا تخفي إرادتها في أن تصبح سوريا فيدرالية. في الماضي، نشر أن ترامب تحدث مع نتنياهو وطرح إمكانية سيطرة إسرائيلية على سوريا. لا نية كهذه لدى إسرائيل، لكن إسناد ترامب يسمح لوزير الدفاع ولرئيس الوزراء على الأقل محاولة تصميم واقع جديد مجرد من السلاح جنوبي دمشق في المنطقة المجاورة للحدود مع إسرائيل.
رون بن يشاي
يديعوت أحرونوت 11/3/2025
القدس العربي
——————————–
دروز سوريا وعلاقة مرتبكة بالشرع… خطاب التفاهم وواقع التصادم / سلطان الكنج
مطالبهم لم تتغير وحضورهم يمتد إلى إدلب
11 مارس 2025 م
اصطبغت علاقة الإدارة السورية الجديدة بالقوى الفاعلة في محافظة السويداء، معقل الطائفة الدرزية، بطابع غلبت عليه حالة من الشد والجذب، والتصعيد في مقابل تصعيد مضاد بهدف توجيه رسائل تدفع عملياً لفتح حوار يجنب سوريا المزيد من الفوضى الأمنية في مقابل انتزاع مكاسب تتعلق بشكل النظام السياسي وتوزيع السلطات والحفاظ على الخصوصيات المحلية في آن واحد.
وقد وضعت الأحداث الأخيرة التي جرت في الساحل السوري، معقل الطائفة العلوية، قضية الدروز على نار حامية وإن بدا ظاهرياً على الأقل أنها هدأت بعد أحداث كثيرة ومتفرقة شهدتها الأسابيع الأخيرة محافظة السويداء وصولاً إلى منطقة جرمانا، حيث الكثافة الدرزية في محيط العاصمة دمشق.
وكان التصعيد بلغ ذروته بمنع الفصائل العسكرية «الدرزية» قوات الأمن العام التابعة لحكومة دمشق من دخول مدينة السويداء، ومنطقة جرمانا جنوب شرقي العاصمة، للقبض على «قتلة» أحد عناصر الأمن العام عند أحد مداخل المنطقة في الأول من مارس (آذار) الماضي، في أحداث سبقت مباشرة أحداث الساحل الدموية.
هذا، وتشهد السويداء بين الحين والآخر احتجاجات رافضة لسلطة أحمد الشرع اتخذ بعضها نهجاً خطراً كمثل حادثة رفع العَلم الإسرائيلي، أو طلب الحماية من إسرائيل في مقابل بيانات وتصريحات لقوى أخرى أكثر ثقلاً محلياً وإقليمياً تدعو إلى الحوار ومنع التصعيد الطائفي كما ورفض التصريحات الإسرائيلية التي عرضت تقديم الحماية للدروز.
انفتاح دونه عقبات
مصدر في حكومة الشرع قال لـ«الشرق الأوسط» إن التقدم الذي تحرزه الحكومة في مجالات عدة بدأ ينعكس على العلاقة مع الدروز. وأشار المصدر، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، إلى أن «الأوضاع في السويداء تسير بشكل إيجابي، وإن هناك تقدماً في أكثر من جانب»، وإن أبناء السويداء «هم جزء لا يتجزأ من سوريا». يأتي ذلك في وقت بدأت تتسرب أنباء عن «اتفاق متعجل» يتم إقراره بين الشرع وأعيان من الطائفة الدرزية على غرار اتفاقه مع الزعيم الكردي مظلوم عبدي، من دون إمكانية تأكيد ذلك بعد بشكل حاسم.
ولفت المصدر إلى «أن الحكومة منفتحة على الحوار، لكنها تواجه عقبات قد تتطلب وقتاً لحلها»، مشدداً على أن «حل أي خلافات يتم بين السوريين أنفسهم دون أي تدخل خارجي. فالحكومة السورية تدير شؤون بلدها باستقلالية تامة».
ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وسيطرة إدارة العمليات العسكرية بقيادة «هيئة تحرير الشام» على الحكومة الانتقالية المؤقتة، ازداد المشهد تعقيداً بعد تصريحات تصعيدية لبعض رجال الدين الدروز الفاعلين ترفض الامتثال لحل الفصائل المسلحة وتسليم السلاح ودمج عناصرها أفراداً في وزارة الدفاع؛ ما يعكس واقع «الهشاشة» وغياب الثقة في العلاقة بين الطرفين.
وفي خطوة تصب باتجاه تجنب التصعيد، سارع الرئيس السوري أحمد الشرع ومنذ منتصف ديسمبر الماضي إلى استقبال وفد من كبار رجال الدين الدروز، من بينهم الشيخ سليمان عبد الباقي قائد «تجمع أحرار جبل العراق» وسلمان الهجري نجل الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، حكمت الهجري.
وكما وكان الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط أول زائري الشرع على رأس وفد من الوجهاء والأعيان الروحيين، بما يحمل ذلك من رمزية لا تخفى عن طبيعة العلاقات التاريخية بين السلطة (أي سلطة) في دمشق والطائفة الدرزية.
ومع ذلك، ظلت القوى الدرزية الفاعلة على الأرض، سواء الدينية أو الاجتماعية أو المسلحة منقسمة في مواقفها من العهد الجديد، وحول رؤيتها لمستقبلها في كنف السلطة الوليدة.
وفي محاولة إسرائيلية لتأجيج الخلافات بين الطائفة الدرزية والحكومة الانتقالية، استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاشتباكات بين قوات الأمن العام ومسلحي جرمانا للتهديد بالتدخل العسكري في حال تعرض الدروز لأي أذى. لكن الإدارة السورية وظفت علاقاتها مع بعض القوى الدرزية في السويداء لقيادة مفاوضات أسفرت عن التهدئة مع مسلحي جرمانا. كما وجاء إعلانها عن اعتقال اللواء إبراهيم حويجة، الرئيس السّابق للاستخبارات العامّة في سوريا، والمتّهم باغتيال الزعيم الدرزيّ كمال جنبلاط عام 1977 قبل أيام قليلة من الذكرى السنوية لاغتياله، بمثابة رسالة واضحة للزعامة الدرزية «الرسمية» المتمثلة بآل جنبلاط ومن ورائها عموم أبناء الطائفة.
دروز إدلب… علاقة غير ودية
في الواقع، هذه الأحداث ليست وليدة الأمس. فالوجود الدرزي لا يقتصر على معاقل محمية إلى حد بعيد كالسويداء وجرمانا، وإنما هناك أيضاً دروز إدلب وتحديداً في مناطق جبل السمّاق الذين تعرضوا لانتهاكات وعمليات قتل عشوائية في 2015 بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلحة على المنطقة. وأبرز تلك العمليات كانت في قرية «قلب لوزة» على يد فصائل «جهادية» متحالفة مع جبهة النصرة حينذاك.
وبعد فك الارتباط بتنظيم القاعدة في يوليو (تموز) 2016، حاولت «جبهة النصرة» التي تحولت تدريجياً إلى «هيئة تحرير الشام» بقيادة أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، النأي بنفسها عن «التشدد» وتجنب «التصنيف» على لوائح الإرهاب، مستفيدة من تجربة حكم تنظيم الدولة وتعامله مع المجتمعات المحلية وخسارته «الحاضنة الاجتماعية». وعليه، شكلت «هيئة تحرير الشام» في مدينة إدلب «حكومة الإنقاذ» لادارة المناطق الخاضعة لسيطرتها وتسيير شؤون السكان الذين تجاوزت اعدادهم الأربعة ملايين.
ومع التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية وخفة حدة العمليات القتالية، وفي محاولة لمنع أي تصعيد سواء بين الفصائل المسلحة، أو بين المجتمعات المحلية، ولإبراز الوجه الجديد للهيئة بصفتها سلطة «الأمر الواقع»، التقى زعيمها «أحمد الشرع» أكثر من مرة بوجهاء وأعيان المحافظة، ومن بينهم «الدروز» الذين تلقوا منه وعوداً بإرجاع حقوقهم وممتلكاتهم وتأمين الخدمات الأساسية لهم وحمايتهم. وهو ما جرى جزئياً ولكن عادت الأحداث وتسارعت واتخذت منعطفات مختلفة مع سقوط نظام بشار الأسد، حيث لا تزال ملامح العملية السياسية وشكل النظام السياسي وهويته بانتظار ما تحدده صيغة دستور المرحلة الانتقالية التي يفترض أن يتوافق عليها السوريون.
مشهد معقّد
ما يزيد المشهد تعقيداً، أن أجزاءً كبيرة من البلاد لا تزال خارج سيطرة الحكومة الحالية، كما أن السلاح لا يزال منتشراً بيد مجموعات مسلحة منظمة أو سكان محليين والدروز بطبيعة الحال ليسوا استثناء.
لذلك؛ فقد سلطت أحداث الساحل الأخيرة ثم الاتفاق مع المكون الكردي، الضوء على التحدي الأبرز أمام الإدارة الجديدة وهو الإبقاء على وحدة المجتمع السوري والحفاظ على تماسك نسيجه المتنوع وكيفية إدارة الأزمات والاحتقان الناتج من ذلك التنوع والاختلافات.
ويقول مضر هائل لـ«الشرق الأوسط»، وهو من أبناء السويداء النشاطين سياسياً وأحد أبرز منظمي تظاهرات ساحة الكرامة بين 2023 و2024: «الحكومة الحالية هي حكومة أمر واقع، ويجب أن نتجه نحو حكومة منتخبة وأن يشارك الجميع في وضع دستور لهذا البلد وأن تأتي تلك الحكومة من إرادة الشعب. في هذه الحالة، لن يبقى لأحد ذريعة برفض الاعتراف بحكومة دمشق. نحن دائماً كنا مع جميع فئات المجتمع السوري في الثورة ضد النظام، لكن يجب ألا نستبدل نظاماً بآخر فقط، بل يجب أن نبني دولة تحترم الجميع ويكون الجميع تحت قانونها».
ويضيف: «هناك من يستغل التصريحات الإسرائيلية بخصوص حماية الدروز ليثير النعرات الطائفية»، ويقول: «انظروا، هؤلاء عملاء»، وبالتالي ينفذ أجندته غير الوطنية. لا أحد يريد أن يكون مع إسرائيل، لكن بالحوار والتفاهم، وبناء دولة تشاركية، يمكننا قطع الطريق على إسرائيل وغيرها من الطامعين».
أزمة ثقة… لا تمنع المصالحة
تحدثت «الشرق الأوسط» إلى الباحث السياسي اللبناني مكرم رباح الذي لفت إلى أن الثقة بين الطائفة الدرزية والإدارة السورية الجديدة لا تتعلق فقط بالمسألة الدرزية. وقال رباح: «من المعروف أن النظام السوري السابق استخدم الجماعات التكفيرية لتخويف الدروز، وهذا يشكل هاجساً دائماً لدى الدروز المتمسكين بأرضهم وسلاحهم. والمشكلة الأساسية تكمن في إصرار الرئيس أحمد الشرع على المركزية، وهذا الأمر يثير قلق الدروز، في حين أن نظام البعث نفسه كان قد منحهم نوعاً من الاستقلالية ضمن إطار تحالف الأقليات».
وهنا يبرز السؤال عما إذا كان الشرع سيتمسك بهذه المركزية بعد عقد اتفاق مع الأكراد وهو ما سيتحدد أكثر عندما تظهر بنود الاتفاق وشروطه.
ويؤكد الباحث أن إسرائيل تلعب دوراً في توتر العلاقة بين السويداء ودمشق، لكنه يستبعد أن يكون أحداً من دروز سوريا مستعداً للدخول في مغامرة كهذه. «فإسرائيل تستخدم هذا الملف كورقة في حربها المستمرة في المنطقة، كما تسعى للضغط على الشرع لتقديم تنازلات».
ويقول رباح: «مطالب الدروز هي نفس مطالب كل السوريين. هناك خصوصية للطائفة الدرزية، لكن الإدارة الجديدة ربما لم تحاول التعرف عليها. وفي حال أدركت حكومة الشرع هذه الخصوصية، ستتمكن من التعاطي الإيجابي مع الملف الدرزي».
واعتبر رباح أن وليد جنبلاط يلعب دوراً أساسياً في الملف الدرزي بسوريا، حيث كان أحد المبادرين لمقابلة الرئيس الشرع. لكن هناك أيضاً شخصيات درزية عدة مؤثرة، مثل الشيخ يوسف الجربوع، وحكمت الهجري، ويحيى الحناوي، وكلهم سيتعاملون مع الشرع باعتباره رئيس الجمهورية السورية، نظراً لما يتمتعون به من تأثير كبير كمشايخ عقل.
ورأى أن هناك عوامل تدفع نحو حل الملف الدرزي وتسرّع المصالحة الكاملة بين جميع الأطراف، مثل وضع خريطة واضحة للانتقال السياسي، ومشاركة الدروز في العملية السياسية، ومنح نوع من اللامركزية المحلية. كما أن بعض المبادرات الإيجابية من الرئيس الشرع قد تساهم في تحسين العلاقة بشكل أسرع.
السياسة ومرجعية المشايخ
تحدثت «الشرق الأوسط» إلى الباحث السوري وائل علوان فقال: «العلاقة بين الطرفين لا تتعلق بعدم الثقة، فهناك خصوصية للمجتمع في السويداء، ليست الحكومة فقط من يراعيها، بل كل المجتمع السوري يراعي تلك الخصوصية».
ولفت علوان إلى أنه خلال الأعوام التي تلت اندلاع الثورة في 2011، كان هناك نزاع داخلي في السويداء بين المرجعية الدينية التقليدية التي كانت في بيت الهجري والحناوي وبيت الجربوع، حيث كانوا موالين للسلطة، وبين الثوار في السويداء الذين كانوا ضد النظام السوري. لكن كان الثوار يفتقدون التغطية الدينية من أحد تلك المراجع المذكورة، وبقي المرجع الديني صاحب الكلمة العليا.
ويضيف علوان: «في السنوات الأخيرة، كان حكمت الهجري، رجل الدين الأبرز، معارضاً للنظام، وبذلك أخذ دوراً أكبر بكثير من الحناوي والجربوع، وهما من أبرز المراجع الدينية الأساسية لدى دروز سوريا. ولعب الهجري دوراً كبيراً في السويداء، لكن لم يكن على علاقة جيدة مع البلعوس الذي يمثل التيار المعارض الثوري ضد النظام السوري. حيث كان هناك تنافس وصراع بين المراجع الدينية التقليدية وبين المكونات الجديدة الثورية، أي التي عارضت النظام السوري وخالفت رأي بعض رجال الدين».
معتبراً أن الفترة الأخيرة التي عارض فيها الهجري نظام بشار الأسد، فتحت خطاً مع علاقة مع موفق طريف، وهو أحد الزعماء الدينيين الدروز في إسرائيل. وبقي البلعوس وسليمان عبد الباقي على علاقة مع وليد جنبلاط في لبنان مع مجموعات عسكرية متحالفة مع البلعوس. وهذان خطان متباينان، خط الهجري مع طريف يقابل خط البلعوس وجنبلاط، وهما متباينان تماماً، وكلا الخطين استعان بحليف خارجي.
انقسامات داخلية
يشير علوان إلى أنه بعد سقوط الأسد، أصبح من الواضح أن هناك انقساماً في المشهد، مرجحاً أن تتحالف الحكومة السورية الجديدة مع تيار البلعوس وجماعته، وأن يصبح الهجري أكثر معارضة لها.
ويذهب الباحث إلى أن إسرائيل تخدم دور الهجري وتعدّه حليفاً؛ وهذا ما أثر سلباً على العلاقة بالمجتمع السوري الأوسع، معتبراً أن مطالب أهل السويداء لم تتغير وهي احترام خصوصية المجتمع الدرزي والهرمية الدينية وعدم دخول أحد من خارجهم ليحكمهم.
من المؤكد أن جميع التحديات التي تواجهها الحكومة الانتقالية هي ذات أبعاد إقليمية أو دولية، إلى جانب التداعيات المحتملة للأوضاع الداخلية «غير المستقرة» على مستقبل البلاد ووحدة المجتمع. وتمثل إسرائيل وتهديداتها وتعهداتها بالتدخل لحماية الدروز، التحدي الأكبر لقدرة الحكومة على التعاطي مع مثل هذه الملفات.
لكن عاملي التمسك بالمركزية و«انعدام الثقة» ولو جزئياً يجعلان ملف الطائفة الدرزية ومن خلفه ملفات بقية المكونات السورية أبرز التحديات التي تواجه «الشرع» ووحدة المجتمع السوري وسيادة البلد ووحدته الترابية.
الشرق الأزسط
——————————————
خارطة مواقف وغايات.. من يريد ماذا في السويداء السورية؟
ضياء عودة – إسطنبول
12 مارس 2025
قبل أسبوع أقدم شبانٌ في السويداء السورية على إنزال العلم السوري، الذي تعتمده السلطات الانتقالية، من على مبنى المحافظة في المدينة، بعد مظاهرة هتفوا خلالها لشيخ عقل الطائفة الدرزية، حكمت الهجري، وزعيم الطائفة في إسرائيل، الشيخ موفق طريف.
وعاد المشهد ليتكرر، يوم الثلاثاء، لكن بالعكس، إذ اتجهت نساء ورجال من السويداء لإعادة رفع العلم ذاته على مبنى المحافظة، وسط إطلاق أهازيج وهتافات وطنية.
يكشف هذان المشهدان، وفق مراقبين، حالة “انقسام” تعيشها السويداء ذات الغالبية الدرزية، على صعيد طبيعة العلاقة التي يجب أن تكون مع الإدارة السورية الجديدة في دمشق.
وكان الانقسام قد تعزز خلال الأيام الماضية بعد إطلاق سلسلة مواقف وتصريحات، استهدفت في غالبيتها شكل العلاقة مع دمشق.
وبعد رفع العلم مجددا لساعات، الثلاثاء، أعيد إنزاله في وقت لاحق من هذا اليوم ، وهو ما أكدته صورة نشرتها شبكات إخبارية محلية.
وجاء ذلك بعد انتشار معلومات تفيد بأن وجهاء من السويداء توصلوا لاتفاق شامل مع إدارة الشرع في دمشق، ليتضح لاحقا أنه جرى فقط بين أطراف عسكرية دون غيرها، بعيدا عن النقطة التي يقف عندها الشيخ الهجري.
ولا تلوح في الأفق حتى الآن بوادر للتوصل لاتفاق شامل بين المحافظة ذات الغالبية الدرزية ودمشق، على غرار السيناريو الذي حصل، قبل يومين، على صعيد علاقة إدارة الشرع بـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
وتذهب المعطيات القائمة حاليا باتجاه حصول “تفاهمات”.
وهذه التفاهمات، تم الإعلان عنها، الأربعاء، بين الهجري وممثل الإدارة السورية في السويداء، مصطفى البكور، وشملت عدة قضايا خدمية ومدنية ومتعلقة بشؤون المفصولين من وظائفهم والمنشقين عن الجيش.
من يريد ماذا في السويداء؟
تُعرف السويداء بخصوصيتها منذ سنوات. وكانت هذه الحالة قد انسحبت على 3 محطات مرت بها المحافظة على مدى السنوات الـ13 الماضية.
المحطة الأولى بعد عام 2011، والثانية بعدما اندلعت فيها المظاهرات السلمية ضد نظام الأسد قبل سقوطه، وصولا إلى يوم الثامن من ديسمبر وما بعده (تاريخ الإعلان عن سقوط نظام الأسد)”.
وبعد سقوط الأسد، صدرت الكثير من المواقف التي حددت بشكل أولي طبيعة وشكل العلاقة التي ستكون مع إدارة الشرع. وبينما بقيت في إطار الأخذ والرد، وصلت في آخر أشكالها إلى حد التضارب الواضح.
يرى الباحث السوري، نورس عزيز، أن السويداء تشهد بالفعل “انقسامات داخلية حادة في الموقف”. ويقول لموقع “الحرة” إن هذه الانقسامات تصل أحيانا إلى حد التهديد بالرصاص والاشتباكات المحلية.
فمثلا نشرت حركة “رجال الكرامة”، وهي من كبرى التشكيلات العسكرية في المحافظة بيانا مصورا، الثلاثاء، تحدث فيه الناطق باسمها، باسم أبو فخر، عن اتفاق عقد بين فصائل المحافظة ودمشق وبموافقة الرئاسة الروحية في بدايته.
وأضاف أنه مع تقدم المفاوضات بين فعاليات السويداء ووزارة الداخلية في دمشق، انسحب الممثلون عن الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ حكمت الهجري، دون تقديم مبررات للانسحاب.
وبعد ذلك، أشار أبو فخر إلى تعرضهم لتحريض وحملات “وتهديد”، فيما حذر من تبعات ذلك.
ويشمل الاتفاق، بالإضافة إلى حركة “رجال الكرامة” فصائل محلية أخرى، بينها “تجمع أحرار جبل العرب” الذي يقوده الشيخ سليمان عبد الباقي، وتشكيلات “مضافة الكرامة” التي يقودها ليث البلعوس.
ونص على تفعيل الضابطة العدلية واستلام مهمة ضبط الأمن وتشكيل “فرقة عسكرية” في الجنوب السوري تكون من أبناء السويداء وتتبع لوزارة الدفاع السورية.
ولم يشمل الاتفاق التيار الخاص بالشيخ الهجري، الذي نفى حصول أي اتفاق بين السويداء ككل وإدارة دمشق، يوم الثلاثاء، وعاد الأربعاء ليكشف عبر شبكات محلية إخبارية عن 10 بنود تضمنتها “وثيقة تفاهم”.
“4 تيارات”
ويوضح الباحث عزيز أنه يمكن وضع المواقف الحالية على صعيد مشهد السويداء أو على مستوى علاقتها مع إدارة دمشق ضمن 4 تيارات.
ويعرف التيار الأول بـ”التيار الوطني” الذي يؤمن بوجود سوريا كدولة ديمقراطية مدنية “علمانية”.
ويقول عزيز: “هذا التيار يرفض المظلة الإسرائيلية وبنفس الوقت يرفض الحكومة الجديدة في دمشق، ويعتبرها سلفية جهادية، وأنها ستقصي الجميع وتحافظ على اللون السلفي الذي جاء به الشرع”.
ويستمد “التيار الوطني” مبادئه وأخلاقياته من الركائز الأساسية للثورة السورية الكبرى التي قادها سلطان باشا الأطرش، بحسب الباحث.
في المقابل، يبرز في السويداء تيار ثان يرفض أصحابه أي شكل من أشكال الحكم من قبل جماعة جهادية، ويؤيدون في المقابل التقرب من الدروز في الداخل الإسرائيلي، مع اعتبار المظلة الإسرائيلية “مظلة الحداثة القادرة على إنقاذهم”.
ويضيف عزيز أن “هذا التيار يغذيه الانفصاليون والجماعات ذات المشاريع المشبوهة”، فضلا عن الأشخاص المرتبطين بنظام الأسد المخلوع، في مسعى منهم للهروب من المحاسبة.
ويمكن اعتبار التيار الثالث “وسطيا وغير واضحا من حيث المواقف”، ويقول عزيز إن أصحابه يميلون من ضفة إلى أخرى بحسب الواقع والمعطيات السائدة.
أما التيار الرابع، فيمثله ليث البلعوس والشيخ سليمان عبد الباقي وقادة حركة رجال الكرامة.
اللقاء الذي جمع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، و7 شخصيات بارزة من محافظة السويداء، قبل يومين، حمل دلالات بناء على التوقيت الذي جاء فيه وأعطى أيضا رسائل ارتبطت بمسارين.
ويقوم هذا التيار على أساس أن حكومة دمشق معترف بها ويجب التنسيق معها مع الحفاظ على خصوصية المقاتلين الدروز ضمن القوات الأمنية ووزارة الدفاع، وهو الأمر الذي سبق وكشفه البلعوس لموقع “الحرة”.
ماذا عن المشيخة؟
لا يمكن فصل أي موقف يخرج من السويداء، سواء على المستوى الداخلي فيها أو الخارجي، دون النظر بدقة إلى مشيخة العقل ورجال الدين هناك.
ورغم وجود تيارات سياسية وفصائل عسكرية وجهات مدنية نشطة في الساحات وتنادي بمطالبها حتى الآن، لاتزال الكلمة التي تصدر عن المشيخة تحظى بالأثر الفعلي الأكبر على الأرض.
و”مشيخة العقل” في السويداء هي عبارة عن هيئة روحية وزعامة دنية متوارثة.
ومنذ العهد العثماني، كان هناك 3 شيوخ عقل يتصدرون رأس الهرم في الطائفة الدرزية، حسب ما يوضح الصحفي السوري ومدير شبكة “السويداء 24″، ريان معروف لموقع “الحرة”.
وتعتبر مكانة المشايخ متوارثة ولا يمكن أن تخرج المشيخة عن أسماء ثلاث عوائل (الهجري، الجربوع، الحناوي).
وتنحصر مكانة الشيخ الهجري الدينية في الريف الشمالي والشمالي الشرقي والريف الغربي للسويداء (دار قنوات)، فيما يبرز اسم الشيخ حمود الحناوي في منطقة سهوة البلاطة في الريف الجنوبي للمحافظة.
ويعد الشيخ يوسف الجربوع المسؤول عن دار الطائفة في “مقام عين الزمان”، ويتركز نفوذه الديني في مدينة السويداء والقرى الصغيرة المجاورة لها.
وكان الهجري أكد خلال الأشهر الماضية بالقول (إننا سوريين ولا نرضى بالانفصال وإنه يجب أخذ الوقت لكي نراقب)، دون أن يحدد توجها دقيقا وواضحا بشأن العلاقة مع دمشق، بحسب الباحث عزيز.
ويضيف: “هناك حلقة مفقودة فيما يتعلق بمواقف الهجري. هو المرجعية الأبرز للقسم الأكبر في الجبل. تصدر المشهد وتم تعويمه من قبل وسائل الإعلام ليصبح الواجهة السياسية في السويداء”.
أما الحناوي فهو “من أهل الله ومتعبد وبعيد عن السياسة”، وعندما يعبر عن موقف سياسي دائما ما يكون وطنيا، على حد تعبير الباحث، الذي يشير إلى أنه يمكن اعتباره من أصحاب “التيار الوطني”.
وكذلك الأمر بالنسبة للشيخ الجربوع الذي لم يصدر منه موقف صريح وواضح مؤخرا، في وقت يلفت عزيز إلى انخفاض شعبيته في السويداء، نظرا لارتباطه سابقا بنظام الأسد.
حالة طبيعية أم لا؟
وسبق وأن أعرب الشيخ حكمت الهجري عن “استيائه” من التحضيرات لمؤتمر الحوار الوطني، مطالبا بتدخل دولي لضمان دولة مدنية وفصل للسلطات في سوريا.
وقال لرويترز في 25 فبراير الماضي: “حتى الآن نحن نحترم كل الآراء، لكننا لم نر القدرة على قيادة البلاد، أو تشكيل الدولة بطريقة صحيحة”.
وبينما كان انتقادات الهجري تأخذ بعض الأصداء في السويداء ودمشق على الخصوص، كانت هناك شخصيات تجري اللقاءات مع إدارة الشرع في العاصمة السورية وتكشف عن حالة من التوافق والانسجام.
وانقسمت تلك الشخصيات لفئتين، الأولى حضرت “مؤتمر الحوار الوطني” في دمشق والثانية ذهبت من منطلق عسكري ولإجراء الترتيبات الأمنية والعسكرية اللازمة لعملية الاندماج والتنسيق.
يعتقد الكاتب والباحث، جمال الشوفي، أن “مشيخة العقل والوجهاء الاجتماعيين في المنطقة الجنوبية لهم دور مهم في تثبيت الأمن والأمان.. وهو ما يتعلق بالبعد المحلي”.
ويقول الشوفي لموقع “الحرة” إن 80 إلى 90 بالمئة من التشكيلات العسكرية في المحافظة ذاهبة باتجاه الوحدة والتناغم مع إدارة دمشق وتثبيت الضابطة العدلية.
ويضيف: “ومن يسعى للصدام أو لفرض إرادته الفردية فهم قلة، وسيدركون قريبا أن مشروعهم خاطئ وسيلجأون للبعد الوطني”.
لكن في المقابل يرى الصحفي السوري، ضياء الصحناوي، المشهد مغايرا لذلك، إذ يوضح أن التشكيلات المحلية في المحافظة ليست على رأي واحد ولا حتى على غاية.
وبينما يشير إلى التشكيلات التي عقدت اجتماعات مع إدارة الشرع في دمشق واتفقت معها على عدة بنود يؤكد أن هناك تشكيلات أخرى تخالفها بذلك.
ومن بين التشكيلات التي تخالف الفصائل المتحالفة مع دمشق، ما بات يعرف بــ”المجلس العسكري”، فضلا عن الفصائل العسكرية التي تدين بالولاء للشيخ الهجري.
ويضيف الصحناوي لموقع “الحرة” أن الهجري هو الأجدر والأكثر قدرة على تمثيل ما تريده السويداء في الوقت الحالي، وحتى على صعيد اتخاذ أي قرار مصيري قد يتعلق بها مع الإدارة الموجودة في دمشق.
توافق أم صدام؟
بناء على حالة الانقسام في السويداء، لا يبدو أن التوافق على موقف ورأي واحد يمكن التماسه في المدى المنظور، بحسب مراقبين.
ويعتبر الشوفي أن “ما ظهر بعد الأسد هو نتيجة ما حصل سابقا في ساحات التظاهر”، في إشارة منه للانقسامات، ويقول إن “الخط العام الوطني كان يهدف إلى استعادة الدولة والتغيير السياسي كدولة لكل السوريين”.
وفي المقابل، لا ينف الكاتب “وجود أصحاب مشاريع ضيقة وواهمة”.
ومن جهته، يعتقد الباحث عزيز أن الوجهة التي ستكون عليها السويداء في المرحلة المقبلة تعتمد على “موقف أحمد الشرع”.
وفي حين لا يستبعد حصول صدام داخلي – خاصة مع وجود فصائل وسلاح – يقول إن “التيار الوطني قد يلجأ لحالة استعصاء كبيرة في حال كان هناك أي مشروع للوصاية الإسرائيلية”.
ولا تزال إسرائيل تؤكد على هدفها المتعلق بـ”حماية الدروز” في سوريا ونزع كامل السلاح الموجود في جنوب سوريا.
ويضيف عزيز أن التيار المؤيد للمظلة الإسرائيلية في السويداء يشمل الذين وجدوا أنفسهم خلال سنوات الحرب محاصرين داخل حدود السويداء وسط ظروف اقتصادية سيئة، وبالتالي لم يتعرفوا على هوية السوري الآخر وطريقة بناء الوطن.
ويتابع الباحث: “همّ أفرد هذا التيار تحصيل فرص عمل دون الاكتراث للأسئلة المتعلقة بالهوية وسوريا والوطن!”.
ويرى الكاتب الشوفي أن “الإدارة في دمشق يجب أن تدرك (بعد أحداث الساحل وجرمانا) أن الحيز العام في السويداء يريد الاستقرار”، وأن “الأيادي والأصوات القليلة التي ترفض ذلك يمكن استيعابها ضمن الحوار الوطني العام”.
ويشير الكاتب إلى مسؤوليتين تتعلقان بالحكومة.
وترتبط المسؤولية الأولى بتثبيت النقاط التي خرج منها “مؤتمر الحوار الوطني”، من إعلان دستوري وحكومة شاملة وعدالة الانتقالية، فيما تذهب الثانية باتجاه سد الثغرات الأمنية والاقتصادية، لفرض الأمن والأمان.
ضياء عودة
————————
مخطط إسرائيلي لتشكيل واقع جديد بسوريا/ أمال شحادة
تسعى تل أبيب إلى التمسك بالمناطق العازلة التي أنشأتها في ظل قلقها من التمدد التركي قرب حدودها
الأربعاء 12 مارس 2025
يتوقعون في أجهزة الأمن الإسرائيلية أن تركيا لا تعتزم السيطرة بصورة كاملة على سوريا، بل جعلها تابعة سياسية وعسكرية من خلال إقامة جيش سوريا الجديد وإقامة قواعد في أرجاء سوريا، بما في ذلك في جنوبها، على مسافة بضع عشرات الكيلومترات عن أراضي إسرائيل، وهو جانب استدعى إسرائيل إلى إجراء محادثات مع روسيا ومطالبة جهات دولية بالسعي لضمان نشر قوات من الجيش الروسي في الساحل السوري وإضعاف دور تركيا في سوريا.
تسعى إسرائيل لتنفيذ مخطط جديد في سوريا بعدما سيطرت على مناطق واسعة ونشرت قوات معززة من الجيش وأقامت مواقع عسكرية. يهدف المخطط إلى تشكيل واقع جديد في سوريا يمنحها إمكانية مراقبة والسيطرة على مناطق واسعة بذريعة ضمان أمن الحدود ومنع وصول مقاتلين وتنظيمات معادية لها إلى نقاط قريبة من حدودها ومن مرتفعات الجولان.
واتخذت إسرائيل من المذابح التي ارتكبت في حق العلويين حجة لتبعث برسائل إلى سوريا وجهات دولية تؤكد فيها أنها لن تقبل بسيطرة تنظيمات معادية على مناطق قريبة منها. وكشف تقرير إسرائيلي عن محادثات أجرتها تل أبيب مع روسيا أعربت خلالها عن قلقها من التمدد التركي في سوريا ودعت إلى تعزيز وجود الجيش الروسي في الساحل السوري.
جاءت هذه المحادثات في وقت ادعى مقربون من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أنه خلال مناقشته الملف السوري مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، دعم الأخير مطلب الأول بتنفيذ خطة لتشكيل واقع جديد يتضمن أيضاً نزع سلاح منطقة واسعة حتى جنوب دمشق.
وبحسب التقرير الإسرائيلي فإن تل أبيب طالبت واشنطن، منذ وقت قصير، بعدم سحب الجيش الأميركي من سوريا إلى حين ضمان المخطط الذي تضع إسرائيل في هذه الأيام اللمسات الأخيرة لتنفيذه.
وقال المتخصص العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي، إن “المذبحة التي ارتكبت في حق العلويين تعزز في إسرائيل الفهم الذي يرى سوريا مصدر تهديدات متعددة تستدعي الاستعداد لها وبذل كل الجهود والإمكانات المتوافرة لمنع تطورها. ليس فقط من جانب المتشددين الذين استولوا على الحكم ويحاولون الآن تسويق صورة معتدلة ومستقرة بل أيضاً من المحاولة لجعل سوريا جزءاً لا يتجزأ، بما في ذلك القواعد العسكرية، من الإمبراطورية العثمانية التي يتطلع (الرئيس التركي) طيب رجب أردوغان لإقامتها”.
وبحسب بن يشاي فإن “أحد التهديدات التي تتطور في هذه اللحظة بسرعة وتقلق جداً جهاز الأمن، يأتي من قبل (حركتي) حماس والجهاد الفلسطيني اللتين قد ترغبان بالعمل من سوريا ضد بلدات حدودية إسرائيلية في الجولان وفي إصبع الجليل، بعدما أفرج عن كبار الأسرى من التنظيمين”.
تركيا كابوس إسرائيلي
“تركيا لا تخفي رغبتها في السيطرة على سوريا من خلال النظام المتشدد السني”، وفق التقرير الإسرائيلي مضيفاً أنه “صحيح أن هيئة تحرير الشام و(الرئيس السوري) أحمد الشرع لا يتبعان تركيا، لكن أنقرة هي القناة اللوجيستية الوحيدة المفتوحة أمامهم الآن، فهم ملزمون في الإصغاء لأردوغان وبالتأكيد عدم العمل ضد إرادته”.
في أجهزة الأمن الإسرائيلية يتوقعون أن تركيا لا تعتزم السيطرة بصورة كاملة على سوريا، “بل جعلها تابعة سياسية وعسكرية من خلال إقامة جيش سوريا الجديد وإقامة قواعد في أرجاء سوريا، بما في ذلك بجنوبها، على مسافة بضع عشرات الكيلومترات عن أراضي إسرائيل”، وهو جانب استدعى إسرائيل إلى إجراء محادثات مع روسيا ومطالبة جهات دولية بالسعي لضمان نشر قوات من الجيش الروسي في الساحل السوري وإضعاف دور تركيا بسوريا.
هذه الخطوة التي تبذل إسرائيل جهوداً لضمانها تأتي بموازاة تنفيذ خطة إعادة تشكيل سوريا من خلال قوات هندسة إسرائيلية وقوات برية تعمل من أقصى الحدود في جبل الشيخ وحتى الحدود المشتركة بين الأردن وسوريا وإسرائيل لضمان تنفيذ الخطة.
#عاجل أجرى رئيس الأركان الجنرال إيال زامير اليوم جولة وتقييمًا للوضع داخل قطاع التأمين في سوريا برفقة قائد القيادة الشمالية العسكرية وقائد الفرقة 210 وقادة أخرين.
في المقابل ومنذ ساعات الصباح يجري مراقب جيش الدفاع أعمال مراقبة لفحص حالات الجاهزية والانضباط والروتين العملياتية… pic.twitter.com/MBBDb9EhDU
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) March 9, 2025
3 مناطق دفاع- أمن- تأثير
وفق المخطط الإسرائيلي الذي يعده بن يشاي في غاية الأهمية، تعمل إسرائيل على السيطرة على أوسع منطقة ممكنة ومن ثم تقسيمها إلى ثلاث مناطق جغرافية تحولها إلى ما سمتها “منظومة دفاعية” الأولى منها هي المنطقة العازلة التي تمتد من قمة جبل الشيخ وصولاً إلى الحدود السورية- الأردنية- الإسرائيلية، وجنوب طبريا، وسيتم تعزيز القوات العسكرية فيها إلى أجل غير مسمى لأهميتها الاستراتيجية إذ يمكن للجيش، من خلالها، مراقبة ما يحدث في منطقة دمشق وفي البقاع اللبناني.
المنطقة الثانية الأقرب للحدود وتضم بلدات جنوب سوريا وأطلقت عليها تسمية “المنطقة الأمنية”، وفيها ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات يومياً ومنها يتوغل إلى العمق السوري بادعاء الحاجة العملياتية ومنع المسلحين من الاقتراب من الحدود.
أما المنطقة الثالثة وتطلق عليها إسرائيل اسم منطقة “التأثير” ويتجاوز عرضها 65 كيلومتراً ويحدها من الشرق شارع دمشق – السويداء، فهي منطقة تعمل إسرائيل لفرض حكم ذاتي فيها مستقبلاً.
الكشف عن هذا المخطط جاء في وقت كرر نتنياهو ووزير دفاعه، يسرائيل كاتس، تهديداتهما تجاه سوريا، وأكدا جاهزية إسرائيل في حال اقترب مسلحو النظام الجديد في دمشق جنوباً أو تجول المتشددون المسلحون السنة في الجولان، وفق هذه التهديدات.
وبحسب بن يشاي فإن “إسرائيل تراقب من كثب ما يحدث في سوريا وتفرض أساساً لضمان الأمن من خلال سلاح الجو ولا تخفي إرادتها في أن تصبح سوريا فيدرالية”. وقال، “في الماضي نشر أن ترمب تحدث مع نتنياهو وطرح إمكانية أن تسيطر إسرائيل على سوريا. في تل أبيب لا توجد نية كهذه، لكن الإسناد من ترمب يسمح لوزير الدفاع ورئيس الحكومة أن يحاولا في الأقل، تصميم واقع جديد مجرد من السلاح جنوبي دمشق في المنطقة المجاورة للحدود مع إسرائيل”.
من جهته قال عقيد احتياط موطي يوغاف، وهو قائد سابق في كتيبة غزة، إن “إقامة المناطق العازلة أمر في غاية الأهمية، وإسرائيل ستنفذ مخططاتها وفق التطورات والواقع على الأرض ووفق معلومات استخباراتية”. وأضاف، “يجب أن يكون واضحاً أنه من الصعب أن نعلم حقيقة الجولاني (الرئيس السوري أحمد الشرع)، الآن وفي المستقبل، ولا يعقل الثقة برجل يرتدي اليوم بدلة بعدما كان مع داعش، فيما المجزرة التي نفذت في حق العلويين قد تنفذ أيضاً ضد الدروز، الذين نريد حمايتهم ولذلك المخطط الإسرائيلي والمناطق العازلة هي أوراق قوية للدفاع عن إسرائيل”.
جدار متطور وعوائق
في هذه الأثناء باشر الجيش الإسرائيلي بإنشاء جدار متطور على طول الحدود، يقع في الأرض السورية، وهو جدار من شأنه أن يرسم حدوداً جديداً بذريعة ضمان أمن إسرائيل. وسيتم تزويده بمختلف التقنيات الحديثة التي تضمن المراقبة وعدم إمكانية التسلل وإلى جانبه ستزرع ألغام في مناطق عدة.
في الوقت نفسه تعمل قوات برية برفقة وحدات هندسية في الجيش على إقامة عوائق ترابية في العمق السوري، تضمن أيضاً أمن بلدات جنوب سوريا التي يسكن معظمها الدروز، بذريعة منع تسلل مقاتلين وتنظيمات معادية.
وتواصل إسرائيل جهودها لضمان بقاء الدروز ضمن سيطرتها فبعد الاتفاق مع المئات منهم أصدرت تصاريح رسمية لإدخالهم إلى المناطق الإسرائيلية للعمل في مجالي البناء والزراعة، وفي المرحلة الأولى سيعملون في مستوطنات الجولان، التي تعرضت بعضها لقصف الصواريخ خلال الحرب مع لبنان التي ألحقت أضراراً كبيرة في البيوت والأراضي الزراعية.
من جهته قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس، إن تل أبيب مستمرة في تقديم كل دعم للدروز، قائلاً إن إسرائيل “لن تعتمد على النظام الجديد لضمان أمن الدروز بل سيضمن ذلك الجيش الإسرائيلي الذين سيبقى وقتاً غير محدد. لن نغادر ولن نترك الدروز لوحدهم. من يقترب منهم سنلحق الضرر به وقريباً سنراهم يحضرون إلى الجولان ويعملون فيه ويقضون وقتهم وهذا بدعم الرئيس الأميركي”.
أما الباحث في شؤون الشرق الأوسط روني شالوم، فرأى أن “القيادة الإسرائيلية تتحدث كثيراً عن الدروز وحمايتهم من دون أن تركز على المواضيع المركزية والأكثر أهمية”. وقال “علينا أن نسمع ما يقولون ونحترم موقفهم ونتصرف وفق ما يريدون هم، ولكن في الوقت نفسه علينا تكثيف جهودنا لإنجاز أوسع منطقة عازلة لضمان أمن الحدود وهذا ما يجب التركيز عليه والتوقف عن الحديث طوال الوقت عن شرق أوسط جديد وتقسيم سوريا وحماية الدروز، وعلينا أن نطرح بداية على المسؤولين إذا هم قادرون على حمايتنا أصلاً”.
من جهته قال المستشرق الإسرائيلي إيال زيسر، إنه “من غير المؤكد لنا إذا يمكن تصديق حديث أحمد الشرع والثقة به ولكن على إسرائيل التعامل معه وفقاً لقاعدة أحترمه وأشكك به”.
وقال إنه “ينبغي على إسرائيل وضع مهمة رئيسة بعدم السماح بتثبيت كيان إرهابي عند حدودها الشمالية وفي الوقت نفسه ليس لإسرائيل أي مصلحة لجعل نفسها عدواً لسوريا الجديدة طالما أنها لا تبث العداء والعدوان تجاهنا”.
وعدد زيسر “أخطاء إسرائيل في سوريا”، محذراً من ورطة كبيرة هناك. وقال “في الأشهر الثلاثة الأخيرة ارتكبت إسرائيل كل خطأ ممكن في سوريا. أولاً، احتلال أراض في داخل سوريا من دون أي حاجة أمنية، بل بمجرد أنه ممكن، ولأن صورة الأمر تبدو جميلة. ثانياً، إعلان فارغ من المضمون عن إقامة منطقة مجردة من السلاح من جنوب دمشق، وهو أمر غير عملي. وأخيراً، الإعلان أننا سنأتي لنجدة الدروز الذين لا يريدون نجدتنا على الإطلاق”.
ويشير زيسر إلى أن “الدروز في سوريا مثل إخوانهم في لبنان وفي إسرائيل، يرون أنفسهم جزءاً لا يتجزأ من الدولة التي يعيشون فيها. اليوم هم يكافحون في سبيل مكانتهم في سوريا حيال الشرع ورجاله الذين لاحقوهم بل وقتلوا منهم في الماضي. ولكن الدروز رأوا ولا يزالون يرون أنفسهم سوريين، وغني عن القول إنه لا يطرأ على بالهم أن يطلبوا مساعدة مباشرة من إسرائيل. فبعد كل شيء، هم يعرفون بصورة أفضل منا أن عندنا السياسة تتغير مثل مؤشر اتجاه الريح، لكن مستقبلهم هو أن يبقوا في المجال السوري، وهم لا يريدون أن يوصم هذا المستقبل بوصمة التعاون معنا”.
وحذر من تداعيات المخططات الإسرائيلية التي من شأنها في نهاية الأمر أن تدفع سوريا إلى أذرع تركيا، وقال، “نحن ندفع سوريا بأيدينا إلى أذرع تركيا، ومن لا يريد الشرع سيتلقى أردوغان”.
—————————–
ضربة معلّم: الشرع يصوّب على التقاطع الإسرائيلي الإيراني/ ابراهيم ريحان
2025-03-12
تسعى إسرائيل إلى فرض شروطٍ سياسيّة وأمنيّة على القيادة السّوريّة الجديدة. تدخلُ هذه الشّروط في إطار “تغيير الشّرق الأوسط” الذي أعلنَه قبل أيّام قليلة رئيس…
news
الكاظمي في العراق: هل وصل الطّوفان إلى بغداد؟
ماذا وراء عودة رئيس الوزراء العراقيّ السّابق مصطفى الكاظمي إلى بغداد؟ هل يحملُ مشروعاً سياسيّاً؟ وهل لعودته ارتباطٌ بوصولِ “زلزال الشّرق الأوسط” الذي ضربَ لبنان…
news
إسرائيل في جنوب سوريا.. بداية “حلف دويلات الأقلّيّات؟”
ماذا تُريد إسرائيل من جنوب سوريا؟ ولماذا أعلن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو تقديم “الحماية” للأقلّيّة الدّرزيّة هناك مُطالباً بعدم دخول قوّات الجيش الجديد المنطقة؟ …
كيف وجّه الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع ضربةً لتقاطع مصالح إسرائيل وإيران في سوريا؟ وما هي الأسباب التي أدّت إلى الاتّفاق بينه وبين قائد قوّات سوريا الدّيمقراطيّة مظلوم عبدي؟
ضربَ الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع مُخطّط تقسيم بلاده بحجر الاتّفاق مع قوّات سوريا الدّيمقراطيّة. جاءَت الصّورة التي جمَعَت الشّرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي عقبَ توقيع اتّفاقٍ تاريخيّ يقضي بدمج قوّات “قسد” بالجيش السّوريّ ورفضِ التّقسيم بشكلٍ واضح، في توقيت يصلُحُ فيه أن تصحّ تسمية الاتّفاق بـ”ضربة معلّم”.
قبل توقيع الاتّفاق بين الشّرع وعبدي، كانَت الأحداث في جنوب سوريا وشمالها الشّرقيّ وساحلها تشير إلى أنّ تقسيم البلاد التي مزّقتها سنوات الصّراع مع حكم آل الأسد آتٍ لا محالة.
يقول مصدرٌ في الإدارة السّوريّة لـ”أساس” إنّ بصمات إيران كانت واضحة في أحداث السّاحل السّوريّ، وإنّ ما حصلَ في السّاحل من محاولةٍ انقلابيّة لإنشاء دويلة علويّة هناك كانَ بدعمٍ من الحرس الثّوريّ الإيرانيّ. كذلكَ رصدَت الإدارة السّوريّة وتركيا محاولات إيرانيّة لاستغلال الملفّ الكرديّ في شمال شرق سوريا لتحريك جماعات مرتبطة بحزب العمّال الكُردستانيّ.
يكشف المصدر أنّ ما جرى في السّاحل كانَ مخطّطاً له أن يبدأ في منتصف الأسبوع الجاري، لكنّ انكشاف خليّةٍ لفلول النّظام السّابق في منطقة جبلة أدّى إلى تحرّك بقيّة الخلايا في مناطق السّاحل في طرطوس واللاذقيّة وبانياس.
ضربَ الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع مُخطّط تقسيم بلاده بحجر الاتّفاق مع قوّات سوريا الدّيمقراطيّة
تتقاطع إيران مع إسرائيل في مُخطّط التقسيم في سوريا على الآتي:
تطمحُ إسرائيل إلى إنشاء دويلة درزيّة في جنوب سوريا تكون منطقةً عازلةً عن حدود الجولان السّوريّ المُحتلّ، وصورةً مُكبّرةً عمّا كانَ عليه جيش “لبنان الجنوبي” بقيادة أنطوان لحد في جنوب لبنان.
إيران بدورها تُحاول إنشاء دويلة للعلويّين لسببَيْن:
الأوّل: جغرافيا السّاحل السّوريّ عند البحر الأبيضِ المُتوسّط، وهو ما تراهُ طهران بديلاً عن الخطّ البرّيّ (طهران – بغداد – دمشق – بيروت) بعد انقطاعهِ بسقوط بشّار الأسد. ولذلك تكونُ شواطئ السّاحل السّوريّ معبراً جديداً لنفوذ إيران نحوَ ساحل المُتوسّط وتمرير السّلاح والأموال إلى سوريا ولبنان.
الثّاني: استخدام الدّويلة العلويّة مبرّراً لتدخّلها في سوريا تحت عنوان “حماية الأقليّة الشّيعيّة” بجميع مُتفرّعاتها (الاثني عشريّة، العلويّة، والإسماعيليّة).
تتقاطع طهران وتل أبيب على دعمِ الانفصال الكُرديّ. إذ تريدُ إسرائيل بذلك تبرير تدخّلها في سوريا تحت عنوان “حماية الأقليّتَيْن الكُرديّة والدّرزيّة”، وترى إيران في الانفصال الكُرديّ عنواناً مُناسباً لدعم الانفصال العلويّ في السّاحل السّوريّ.
الأهمّ أنّ إسرائيل كانت تطمح إلى أن يكونَ نفوذها في “الدّويلة الكُرديّة” عند حدود تركيا التي باتَ نفوذها على حدود إسرائيل في دمشق. وترى إيران في دعمِ الانفصاليين الأكراد في سوريا ردّاً على دور أنقرة في الإطاحة بنظام بشّار الأسد وما تلاه من ضربِ نفوذها على الجغرافيا السّوريّة وضربِ الحجر الأساسِ في “الهلال الشّيعيّ” الذي عمِلَت إيران على تحقيقه منذ سقوط نظام صدّام حسين في العراق في ربيع عام 2003.
إسرائيل كانت تطمح إلى أن يكونَ نفوذها في “الدّويلة الكُرديّة” عند حدود تركيا التي باتَ نفوذها على حدود إسرائيل في دمشق
كيف ضُرِبَ التّقاطع الإيرانيّ – الإسرائيليّ؟
أوّل ضربةٍ لأطماع تل أبيب وطهران كانت عبر النّداء الذي أصدره زعيم حزب العمّال الكُردستاني عبدالله أوجلان لإلقاء السّلاح واللجوء إلى الحلّ السّياسيّ للقضيّة الكُرديّة. فأوجلان الكُرديّ كانَ مُتحالفاً طوال سنوات تمرّده ضدّ تركيا مع نظام حافظِ الأسد حتّى توقيع اتّفاق أضنة بين دمشق وأنقرة الذي أخرجه من سوريا. كانَ أوجلان يعملُ تحت إشراف جميل الأسد وبالشّراكة مع زعيم ميليشيا “المقاومة السّوريّة في لواء إسكندرون” علي كيّالي (معراج أورال)، وهو كُرديّ – علويّ.
هذا يعني أنّ بيان أوجلان لم يُشكّل ضربةً فقط في شمال شرق سوريا، بل حتّى لفلول النّظام الذين كانوا يُراهنون على انضمام الانفصاليين الأكراد في معركتهم ضدّ الإدارة السّوريّة.
الضّربة الثّانية كانَت وأد المحاولة الانفصاليّة في السّاحل السّوريّ. وعلى الرّغم من وقوع تجاوزات طالَت العديد من أبناء الطّائفة العلويّة، إلّا أنّه يُسجّل لأحمد الشّرع اعترافه بوقوع هذه التجاوزات، وتعهّده بشكلٍ شخصيّ بإجراء تحقيقات ومحاسبة المُرتكبين.
الضّربة الثّالثة جاءَت في اتّفاق الشّرع – عبدي. وهي ضربة قاسية لمشاريع التقسيم في سوريا، إذ يقطع هذا الاتّفاق الطّريق على نوايا طهران وتل أبيب لزعزعة استقرار سوريا وإنشاء “دويلات” على أرضها.
في هذا الإطار، علم “أساس” أنّ القيادة السّوريّة تعملُ على إبرام اتّفاقٍ مع الفاعليّات الدّرزيّة في جنوب سوريا يضمنُ عدم التّعرّض للدّروز واندماجهم في الدّولة، مع إمكانيّة الأخذ في الاعتبار إنشاء نظام ضريبيّ لامركزيّ. ولا تنفي المصادر إمكانيّة أن تتّخذ الإدارة السّوريّة خطوات من شأنها إعادة الاستقرار إلى السّاحل السّوريّ وطمأنة المواطنين العلويّين.
أوّل ضربةٍ لأطماع تل أبيب وطهران كانت عبر النّداء الذي أصدره زعيم حزب العمّال الكُردستاني عبدالله أوجلان لإلقاء السّلاح واللجوء إلى الحلّ السّياسيّ للقضيّة الكُرديّة
ما هي الأسباب التي أدّت إلى إبرام الاتّفاق بين الشّرع وعبدي؟
لعبت المُتغيّرات الإقليميّة والدولية دوراً مركزيّاً في تسريع إبرام الاتّفاق بين الإدارة السّوريّة و”قسد”، وأبرزها:
شكّلَ وصول دونالد ترامب إلى السّلطة في الولايات المُتّحدة دافعاً أساسيّاً في إبرام الاتّفاق. إذ إنّ الرّئيس الأميركيّ، على عكس سلفهِ جو بايدن، تجمعه علاقة متينة بالرّئيس التّركيّ رجب طيّب إردوغان، الذي كان يُلوّح بعمليّة عسكريّة ضدّ “قسد” منذ ما قبل سقوط بشّار الأسد.
التّصريحات التي أطلقها الرّئيس ترامب أكثر من مرّة، والتي تؤكّد عدم إيلائه اهتماماً بالملفّ السّوريّ. وهذا من شأنِه أن يرفع منسوب القلق لدى الأكراد من أن يشنّ إردوغان عمليّة عسكريّة من دون ردعٍ أميركيّ.
الجهودُ التي بذلها زعيم الحزب الدّيمقراطي الكردستانيّ مسعود البارزاني بين أنقرة ومظلوم عبدي لتجنّب العمليّة العسكريّة التّركيّة.
الدّور غير المُعلَن للاستخبارات البريطانيّة MI6، إذ تطمحُ لندن أن تكونَ مناطق شمال شرق سوريا مُستقرّة، نظراً لاهتمامات لندن بإعادة عمل الشّركات البريطانيّة في حقول النّفط السّوريّة في الحسكة ودير الزّور. وهنا تجدرُ الإشارة إلى العلاقة المتينة للاستخبارات البريطانيّة مع الطّرفيْن الأساسيَّيْن في الصّراع في شمال شرق سوريا، أنقرة و”قسد”.
أساس ميديا
——————————
سوريا أمام تحدٍ: الوحدة أو صراع بين السلطة والأقليات!/ جورج حايك
2025-03-12
تمر سوريا في مرحلة مصيريّة ستحدّد هويتها المستقبليّة ما بين خيارين: الوحدة أو الصراع بين السلطة الجديدة التي يمثّلها الرئيس أحمد الشرع واستمرار الفوضى وحالة عدم الاستقرار، ولعل الأحداث في الأيام القليلة الماضية بين الجيش السوري وفلول نظام بشار الأسد المنتمين إلى الطائفة العلوية في الساحل السوري، دقّت ناقوس الخطر، بصرف النظر عن ارتباط هذه الفلول بإيران و”حزب الله” من جهة، والمجازر التي ارتكبت بحق المدنيين من جهة أخرى.
منذ سقوط نظام الأسد، كان الهاجس الأول للأقليات العلوية والمسيحية والكردية والدرزية والشيعية، مدى قدرة السلطة الجديدة على استيعاب هذا التنوّع وحمايته، وكان هذا أيضاً الهمّ الأول لدى المجتمع الدولي.
للوهلة الأولى قدّم الشرع خطاباً ايجابياً مطمئناً لهذه الأقليات التي كانت لها تجربة غير موفّقة مع “هيئة تحرير الشام” التي تزعّمها الشرع، بسبب الانتهاكات التي ارتكبتها الفصائل في شمال غرب سوريا قبل أن تغيّر سلوكها في الأعوام الأخيرة.
لا شك في أن حكومة الشرع المؤقتة تمثّل الأغلبية السنية في سوريا لأول مرة منذ أكثر من 45 عاماً من الحكم الذي هيمنت عليه الأغلبية العلوية التي كان ينتمي إليها حافظ الأسد، وربما الثغرة الأساسية في السلطة الجديدة هي عدم ضبطها للأرض جيداً، بحيث ينتشر بعض الفصائل المتطرفة الذي ينشر خطاب الكراهية، ليتبيّن أنه بين كلام الشرع الايجابي وبعض الممارسات الشاذة هوة كبيرة، والمؤسف أن بعض الدول الاقليمية والدولية تتسلل للإستثمار في هذا الموضوع الحسّاس، مستغلّة حالة “المظلومية” لدى بعض الأقليات لإثارة المشكلات وخصوصاً إيران التي لم تهضم بعد خسارتها للورقة السورية.
واللافت أن ايران ليست الجهة الوحيدة التي ترى مصلحة لها في إضعاف السلطة الجديدة وبقاء سوريا في حالة عدم استقرار، بل إن اسرائيل التي استغلت منذ فترة المواجهات بين سلطة الشرع والدروز في السويداء، يهمّها أن تجد تبريرات لوجودها في سوريا وقد أبدت استعدادها أخيراً لحماية الدروز في أي مواجهة مع الجيش السوري الجديد.
ويرى الصحافي السوري مازن البدوي المقيم في الخارج أن سوريا يتنازعها تياران اليوم: الأول يتمثّل في بعض الأقليات الذي يريد الخروج عن إطار الدولة الحديثة والتوجّه نحو الدويلات الطائفية والعرقية أي نوع من الفيدرالية أو حتى التقسيم. والثاني الذي يتمثّل في الشرع وحكومته اللذين يريدان سوريا موحّدة في إطار دولة قانون ومؤسسات حديثة وديموقراطية.
لا شك في أن تدخلات ايران وتركيا واسرائيل وتذرّعها بحماية الأقليات في سوريا، تُلحق الضرر بالمجموعات الطائفية والعرقية، بدلاً من مساعدة السوريين في بناء دولة تقوم على المواطنة المتساوية. وهدف هذه الدول أولاً وأخيراً التدخل السياسي والاقتصادي وتفتيت البلد وشعبه، وفق البدوي.
ما حصل منذ أيام من معارك في الساحل يؤكّد أن بعض الأطراف الخارجية كإيران ضالع فيه، وهذا خطأ من الفئة المسلّحة العلوية التابعة للأسد، أما السلطة فارتكبت خطأ لا يقل خطورة عندما خرج بعض العناصر عن انضباطه وتسبب في مقتل ما لا يقل عن 1300 شخص، ثلاثة أرباعهم من المدنيين.
ووفقاً لـ “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، تبيّن أن المجازر ارتكبت من كلا الجانبين، وكان من بين الضحايا رجال ونساء وأطفال وكبار السن، ومن بين القتلى عائلات بأكملها.
وقد اعترف الشرع بالأخطاء التي ارتكبت وكلّف لجنة استقصاء حقائق لمعرفة المعتدين، ولم ينفِ أن هذه المعارك أخّرت مسيرة بناء الدولة الجديدة، وأفقدت الثقة بالشرع نفسه، بحيث أصبحت طمأنته للأقليات غير موثوقة، وباتت الثقة الآن في أدنى مستوياتها، وأنظار المجتمع الدولي تتجه إلى طريقة تعامل الشرع مع أنصاره المتطرفين وإنزاله أقصى العقوبات في حقّهم.
ويشير البدوي إلى أن سوريا تحتاج إلى مؤتمر حوار وطني، يتم فيه اختيار ممثلين عن جميع القوى السياسية والأحزاب والمثقفين، بما في ذلك المتدينين، ما سيمهّد الطريق لعملية الانتقال وتشكيل لجان لصياغة دستور جديد للبلاد ومناقشة العديد من القضايا الملحة.
لكن الرئيس الشرع أقدم على خطوة استراتيجية ذكية بعد الأحداث المؤسفة التي سبّبت امتعاضاً دولياً، وهي توقيعه اتفاقاً مشتركاً مع قائد “قوات سوريا الديموقراطية” أي الأكراد مفاده اندماج قوات “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية وضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة السياسية ومؤسسات الدولة كافة بناءً على الكفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.
نص الاتفاق على الاعتراف بالمجتمع الكُردي كجزء أصيل في الدولة السورية، وضمان حقوقه الدستورية والمواطنة الكاملة، ووقف إطلاق النار في الأراضي السورية كافة، ودمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.
من جهة أخرى، يوضح الصحافي البدوي أن الشرع قد يُقدم على اتفاقيات أخرى في المستقبل القريب مع الدروز والمسيحيين والعلويين. وهذا ما سيسمح له بالعمل بهدوء خلال المرحلة الانتقالية التي يتوقّف نجاحها على مبدأ التشاركية، بحيث ينبغي إشراك جميع مكونات المجتمع السوري، والافادة من الكفاءات الوطنية في إدارة البلاد. ومن هذا المنطلق، فإن تشكيل هيئة استشارية واسعة، تضم شخصيات من مختلف الأطياف والخلفيات، سيكون خطوة ضرورية لضمان عملية انتقالية أكثر توازناً.
كل ذلك، لن يجنّب سوريا بعض المشكلات، لأن جزءاً من الأزمة يتعلّق بالتدخلات الأجنبية، وفق البدوي، فهناك إسرائيل المجاورة، التي استهدفت الجيش السوري مباشرة بعد سقوط الأسد، واتخذت مواقع إضافية في مرتفعات الجولان، وتقدم نفسها كمدافع عن الأقليات السورية. تنظر إسرائيل إلى النفوذ التركي المتزايد في دمشق بريبة، وخصوصاً بعد موقف أنقرة القوي بشأن غزة. ولا تزال روسيا تتفاوض على مصير قواعدها البحرية والجوية في سوريا، وتحديداً في المنطقة التي اندلعت فيها الاضطرابات. والمفارقة أن إسرائيل تفضل وجود روسيا على حدودها بدلاً من تركيا.
ولا بد من الاعتراف بأن “القلّة بتولّد النقار”، والوضع الاقتصادي في سوريا ليس على ما يُرام، ولن يتحسّن إلا بعد رفع العقوبات الأميركية والدولية عنه، وهذه الخطوة لن تحصل إلا بعدما تُثبت السلطة مصداقيتها في المحافظة على الشعب السوري بكامل أطيافه.
—————————-
===========================
========================
عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 12 أذار 2025
—————————–
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
الأحداث التي جرت في الساحل السوري
—————————————-
عن أحداث الساحل السوري/ مروان قبلان
12 مارس 2025
واجهت سورية الأسبوع الماضي أحد أصعب الاختبارات وأكثرها خطورة منذ سقوط نظام الأسد، كادت تفضي إلى حرب طائفية لا تقل سوءاً عن التي شهدها العراق بين عامي 2006 و2008، عندما أشعل تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء موجة انتقامات طائفية بشعة أحرقت العراق. بدأت أحداث الساحل السوري، كما بات معروفاً، بهجمات واسعة منظّمة شنتها مجموعات من فلول النظام السابق، ممن لا يرجون تسوية أوضاعهم، بسبب هول الجرائم التي ارتكبوها في عهد النظام البائد، ما أدّى إلى مقتل عشراتٍ من قوات الأمن العام، وقع جلهم في كمائن غادرة. جاءت ردّة الفعل مرعبة، حيث ارتكبت مجموعات محسوبة على قوات الأمن مجازر طائفيةٍ ذهب ضحيّتها مئاتٌ من المدنيين من أبناء الطائفة العلوية.
ورغم فشلها في السيطرة على مراكز المدن الساحلية (اللاذقية، طرطوس، جبلة، بانياس)، كما كان مخطّطا، إلا أن الفلول نجحت في تحقيق عدة أهداف، منها جرّ فصائل محسوبة على الإدارة الجديدة إلى فخ ارتكاب مجازر طائفية، ألحقت بالغ الضرر بصورتها التي عكفت على نحتها شهوراً، باعتبارها سلطات مسؤولة، حازت إعجابا واحتراما كبيريْن لحظة سقوط النظام لنجاحها في تجنّب الفوضى، ومنع ارتكاب تجاوزات طائفية، على نطاق واسع. نجحت الهجمات في تعميق الانقسامات بين السوريين، وتعزيز شكوكهم ببعض، كما سمحت بعقد مقارناتٍ مع ممارسات النظام البائد، وهو أسوأ ما يمكن أن تقع به ثورة ضد الظلم والقهر والإجرام. خارجيّاً، عزّزت الهجمات مواقف معارضي رفع العقوبات الدولية (الأميركية خصوصاً، المشروطة أصلاً بحماية الأقليات، من بين مسائل أخرى)، كما عزّزت مواقف الساعين إلى تفتيت سورية إلى كانتونات طائفية، وفي مقدّمهم إسرائيل، التي تعزف على وتر الأقليات، وتُخوِّف من توجهات الحكم الجديد في دمشق.
أظهرت التجاوزات الطائفية ضد المدنيين عجز الحكومة عن حماية مواطنيها، وكشفت عن ضعف سيطرتها على مسلكيات الفصائل التي اندمجت أخيراً في المؤسّسة العسكرية، مقارنة بالنواة الصلبة للحكم (هيئة تحرير الشام)، ما يُبرز حجم التحدّيات التي تواجه عملية الدمج. أبانت أحداث الساحل مقدار الاحتقان الطائفي الكامن في المجتمع السوري، والذي كشف عن نفسه في موجة القتل المتبادلة التي طاولت المدنيين من الطرفين. المفارقة، أن الأحداث كشفت عن تقدّم تفكير القيادة السورية الجديدة ونضجها سياسيا (أخذاً في الاعتبار تاريخها وانتماءها الأيديولوجي) مقارنة بنخبٍ فكريةٍ وثقافيةٍ سوريةٍ برّر بعضها الانتهاكات ضد المدنيين، فيما دخل آخرون في حالة إنكار لوقوعها، أما البعض الثالث، وهو الأسوأ، فقد تورط في التحريض الطائفي، وحتى مباركة ما حصل. على النقيض من ذلك، أدركت القيادة السورية الجديدة سريعاً مقدار الضرر الذي ألحقته الانتهاكات الطائفية بها، فسارعت إلى الاعتراف بوقوعها، وتعهدت بمحاسبة المسؤولين عنها، وأنشأت لجنة للتحقيق فيها. من التداعيات السلبية لأحداث الساحل أيضا أنها قد تكون دفعت بالإدارة في دمشق إلى الهروب إلى الأمام، والقبول باتفاق مع قسد، ما كانت لتقبل به في ظروف مغايرة. وقد وجبت الإشارة إلى هذا، لعل من قام بانتهاكات الساحل وحرّض عليها وبرّرها، يدرك مقدار الضرر الذي ألحقته تصرفاته بوحدة البلاد ومستقبلها.
ما يهم الآن، وقد وقع ما وقع من ضرر، هو منع تكرار ما حصل من خلال تأكيد حقّ الدولة الأصيل في التصدّي لأي تمرّد مسلح، يستهدف السلم الأهلي، أو يعمل لانفصال جزء من البلاد، والمسارعة إلى إنهاء فوضى السلاح وحصره بيد الدولة، وحل الفصائل وإذابتها في وزارة الدفاع، والامتناع عن تجريم الطائفة العلوية بصفتها هذه، أو أي طائفةٍ أخرى، والتوقف عن شيطنتها، والعمل على الفصل بينها وبين فلول الطائفة الأسدية، لأن في ذلك مصلحة وطنية. ومن المفيد أيضاً ردّ الاعتبار للوجهاء العلويين الذين همّشهم النظام البائد، لمكانتهم في قومهم، وإشراكهم في إدارة شؤون مجتمعاتهم المحلية، والاعتماد عليهم في التواصل مع بيئاتهم. منع كل أشكال التحريض الطائفي ومعاقبة من يمارسه، إذ لا يمكن ترك مصير البلاد بيد محرّضين جهلة باحثين عن شعبية على وسائل التواصل الاجتماعي. يجب أيضاً إشراك كل مكوّنات الشعب السوري في العملية السياسية، وعدم استبعاد كل من لم تلوّث أيديهم بالدماء، وعدم أخذ بعضٍ بجريرة آخرين. ويجب كذلك الإسراع في إطلاق مسار العدالة الانتقالية حتى يأخذ كل ذي حقٍّ حقه، ووقف التسريح التعسفي فوراً لأن الناس لا تموت بالرصاص فقط، بل تموت جوعاً أيضاً. إذا فعلنا هذا نكون قد قطعنا شوطاً نحو دولة المواطنة، والقانون، وجنّبنا البلاد التقسيم والفوضى.
العربي الجديد
————————————
بديل كردي لمجازر الساحل السوري/ أرنست خوري
12 مارس 2025
ليس صحيحاً أن المذابح الطائفية في اللاذقية وطرطوس كانت حتمية بالنظر إلى ما راكمه نظام الأسد من مظلوميات طائفية وكراهية بين السوريين 53 عاماً. لو كان البشر محكومين بالثأر إلى الأبد، وذاكرتهم ذاكرة فِيَلة لا تنسى ولا تُصالح ولا تغفر ولا تعقد اتفاقات ولا تسويات ولا تقدّم تنازلات، لكان الأوروبيون يتبادلون المذابح إلى اليوم انتقاماً لحروب المائة عام والثلاثين عاماً وحربين عالميتين، أوقعت ثانيتهما وحدها ما بين 60 و85 مليون قتيل. لو كانت المجازر الطائفية قَدَر السوريين كما يقول خبثاء في معرض تبرير قتل مسلحين تابعين للحكومة أو مليشيات حليفة لها 420 مدنياً غالبيتهم علويين بين يومي الجمعة والاثنين الماضيين، حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لما وقّعت السلطة ممثلة في الرئيس أحمد الشرع اتفاقاً مساء الاثنين مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي لدمج أجهزة الإدارة الذاتية الكردية و”قسد” في الشرق السوري ضمن الدولة السورية أو ما تبقى منها، وفي مؤسّساتها المأمول ترميمها وجيشها الذي لا يزال تجمّعاً لفصائل.
والسلطة السورية، وإن لم تخطط لمجازر الساحل أو تأمر بارتكابها، فإنها تتحمل المسؤولية عنها، أولاً لأنها هي السلطة، وثانياً لأن من ارتكب الجريمة يتبع لها مباشرة أو بالواسطة. فلنتذكّر بعض ما فعلته وما لم تفعله السلطة خلال الأشهر الثلاثة الماضية: ــ أدارت البلد بحكومة من لون طائفي وعسكري وعقائدي واحد. ــ عيّنت محافظين من اللون المذهبي والعقائدي نفسه، معظمهم من النواة الصلبة المتشددة لهيئة تحرير الشام، حتى في مناطق لها هوية طائفية يناصبها الفكر التكفيري العداء وهي تبادله إياه، كاللاذقية وطرطوس. ــ حلت الجيش والشرطة بدل إطاحة قادتهما الملطخة أيديهم بدماء السوريين، والإبقاء على صغار الضباط والجنود فيهما، والنتيجة قتال على نمط “الفزعة” العشائرية في الساحل بلا قيادة ولا انضباط ولا هرمية ولا خطط، فصائل مستقلة تحارب فلول النظام ثم تقتل مدنيين وعلى طريقها تنهب وتعتدي. ــ صرفت عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين فأوجدت جيشاً من العاطلين من العمل ومن شباب علويين لا ينقصهم الشعور بالمظلومية ليرتموا فقراءَ في أحضان عصابات بقايا نظام الأسد. ــ لم تُحاسب أي مسؤول عن أحداث استفزاز طائفي واعتداءات متفرّقة حصلت في مناطق سكان سوريين علويين طوال الأشهر الثلاثة الماضية في حمص والساحل. ــ أحجمت عن تسمية رموز النظام الأسدي المطلوبين للمحاكمة لكي يكون واضحاً أن هؤلاء حصراً هم المعنيون بالمحاسبة، ولكي يصبح للآية “لا تزر وازرة وزر أخرى” ترجمة سياسية في الحالة السورية تبرئةً للعلويين من جرائم إرهابيين قتلوا وعذّبوا ودمّروا واستبدوا زوراً باسم طائفة حملوا اسمها. ــ لم تحدّد جدولاً زمنياً لإجراءات العدالة الانتقالية ولمحاكمة رموز النظام السابق، فلا تصوّر لديها لكيفية فعل ذلك، ولا جهاز قضائياً بتصرّفها، بما أن تسريح الموظفين وحل المؤسسات لم يستثنِ القضاة. ــ لم تستغل الترحيب الشعبي في اللاذقية وطرطوس بسقوط النظام، فلم تلجم الخطاب الطائفي التكفيري لأوساط محسوبة عليها وتعيش في كنفها. ــ لم تبعد أجانب الفصائل الجهادية في سورية معروف أنهم الأكثر تشدّداً وطائفيةً ودموية، وكان لهم دور بعضه مصوّر بالفيديو في مجازر الساحل.
هذا شيء من مسؤولية السلطة عن مجازر الساحل. أما إخبارنا عن إجرام “الفلول” وعن عددهم الكبير (أربعة آلاف مسلح كما أخبرنا محافظ اللاذقية ليس كبيراً بالمناسبة) وعن دور أجنبي ما في ما حصل، فإنه لا يقدّم جواباً لأي سؤال جدّي يتعلق بمحدودية الأفق السياسي الوطني والحكيم والخلّاق لدى السلطة في دمشق.
وكأنّه كان على مجازر الساحل السوري أن تحصل لكي يستعجل أحمد الشرع ومظلوم عبدي توقيع الاتفاق الذي سيكون تاريخياً في حال تنفيذ بنوده، لأنه سيحول دون اندلاع حرب أهلية أخرى ومجازر وكوارث وتقسيم واجتياح تركي. أيام ويظهر ما إذا كان أحد ما قد تعلم شيئاً من مجازر الساحل، فيعمل بحسن نية حتى نهاية العام (مدّة تنفيذ الاتفاق مع “قسد”)، ويصدُق في اللجان المتفق عليها بين دمشق والقامشلي، ويضغط حقاً على تركيا لتترك السوريين عرباً وكرداً يعالجون مشكلتهم العويصة، وينفتح على إحقاق الأكراد في الدستور وفي تقاسم الثروة وفي المساواة الكاملة بالمواطنة والحقوق الثقافية والسياسية، ولا ينطلق في مفاوضاته بالاستعاذة من الشيطان في حال سمع كلمة فيدرالية أو لامركزية، ولا من رفض مسبق لتحويل اسم البلد من الجمهورية العربية السورية إلى الجمهورية السورية.
العربي الجديد
——————————
كي لا تُحدِث ثورة السوريين مظلومياتٍ جديدة/ شفان إبراهيم
12 مارس 2025
يقود ما حصل في الساحل السوري أخيراً إلى تأكيد غياب الخطوات الضرورية التي وجب القيام بها باكراً، وكانت كفيلة بتفتيت المخططات قبل تنفيذها، خاصة لجهة اقتران أقوال الطمأنة والمساواة بالأفعال، وغلبة منطق الدولة على الفاعل ما دون الدولة. وفي المحصّلة، تخسر الإدارة الحالية الوقت الذي يُمكّنها الاستفادة منه للبدء بالبناء المتين، والمعارضون لم يقبلوا بالوضع ولم يتقدّموا خطوة صوبها. وفي معمعة التجاذبات، وجدت فلول النظام السابق أفضل الفرص والمساحات للتغلغل واستغلال الفجوات. حصلت الكارثة ووقع المحظور، ولم تنجح الإدارة الحالية في فرصة اختبارها الأول، على مستوى التعامل مع المجتمع المحلي، والأكثر حرجاً أمام المجتمع الدولي والإقليمي والمتربّصَين بها، ثم عادت واستدركت الأمر عبر خطاب الرئيس أحمد الشرع، وقوله إن التمرّد الحاصل من فلول النظام، تدعمه جهاتٌ خارجية، وهو ما يعني إعادة ترتيب العلاقة بين سورية وروسيا، واستمرار قطع التواصل والعلاقة مع إيران.
النقص الحاد في الكفاءات المطلوبة لإدارة البلاد كان يُمكن سدّه عبر الاعتماد على الشخصيات النزيهة والأكاديمية وضباط الجيش المنشقين، لكن هذا كله يحتاج إلى سيولة مالية ضخمة، لا تتوافر حالياً في خزينة الدولة، وليس واضحاً متى سيبدأ ضخّ المساعدات العربية والدولية لها، ما دامت العقوبات مفروضة، ورفعها مشروط بتغيّر السلوكيات والموقف من المكونات والشراكة السياسية، لذلك المطلوب الآن فوراً وليس بعد قليل تصحيح الوضع بكل السبل، بالإضافة إلى قوننة العملين، الأمني والاجتماعي، وتحقيق العدالة الانتقالية اليوم وليس غداً؛ فالقواعد الاجتماعية متلهّفة للبدء بتطبيق مخرجات الثورة، لكنها أيضاً تطالب بصون كرامات الناس وتحقيق حقوق الضحايا، وليس تحقيق كثافة جديدة لضحايا جدد.
قال الرئيس السوري أحمد الشرع إن النظام الساقط خلّف جراحاتٍ عميقة في أثناء فترة حكمه، فرع فلسطين وصيدنايا والأفرع الأمنية والاغتصاب والكيماوي والتهجير وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، ذلك كله ترك جراحاً من الصعوبة بمكان أن تندمل، كان من نتائجها ما حدث أخيراً، رغم سعي الدولة، من اللحظة الأولى للانتصار، إلى منع وقوع ذلك. ما قد يُشير، بوضوح وبأسف، إلى تحويل مشاعر الكراهية والغضب إلى سلوكيات العنف المفرط ضد المدنيين، وكأن بالعقل الجمعي يسعى إلى استجرار عذابات الماضي، وتخصيص شفائها بعذابات الآخرين، وهذه أخطر الانزلاقات التي ستقود البلاد للهاوية والحتف.
فبانتهاء حقبة الأسد، من المفترض أن تبدأ معها مرحلة التغيرات السياسية المطلوبة، سواء العدالة الانتقالية، حرية الإعلام والصحافة، حركة الاقتصاد، مصادر التشريع، التعدّدية السياسية… إلى غير هذه كلها من الملفات المحظورة البتّ فيها سابقاً. علماً إنه لا تغيير حقيقياً، إن لم يكن في بنية المعتقد والأفكار والعقائد؛ فهذه العناصر ترسم دور المؤسّسات، وتقود إلى نشوء الآراء والأفعال التي تحدّد السلوك، وكل ما كان مؤدّياً أو ذاهباً باتجاه سلوكٍ مُشين أو مؤذٍ سيكون من الانتحار العودة إليه. فمنشأ الثورة السورية كان عقلانياً دُمجت أسباب التحضير لها بالعواطف والمشاعر مع المنطق العقلاني. ولذلك نجحت في التأثير في الجماهير وفي إسقاط النظام، لكن سلوك الثورة غير عقل الدولة، ولا بد أن يكون العقل جمعياً، حول إزالة مظالم نظام استبدادي مكروه، ولحاكم لا يحظى بالشعبية، أو أن أياماً سوداء ستكون في انتظار البلاد؛ لأن الثورة بُنيت على أساس المظالم والانتهاكات التي قامت بها قوات النظام السوري، ومؤسّساته وأفرعه الأمنية والسياسية. والثورة عليها يعني إزالتها من الجذر والأساس، وليس العودة إليها مُجدّداً. ولن تتمّ هذه الازالة قبل إنعاش الآمال لدى المجتمعات المحلية.
حان وقت انتهاء عقل الثورة، والفواعل ما دون الدولة، وألا تكون الثورة نقطة انطلاقة الدولة، إلا في ما يخصّ الانتصار على المظالم والفساد، فالثورات ذات النتائج العظيمة هي تلك التي تطاول السلوك والأفكار. وليس تغيير علم البلاد ونشيدها وشعار الدولة أو حتى اسمها سيكون كافياً بتغيير ذهنية شعبها. الثورات الحقيقية بنتائجها هي التي ترفض أولاً تكرّر أسباب نشوئها وتطوّر من أدائها من عشوائية السلاح إلى الانضباط والالتزام وحصر السلاح بيد الدولة واستخدامه في الأزمات. ولنعترف أن الدمار الذي ألحق بسورية وما خلّفه سلاح الجو الإسرائيلي على مختلف مراكز البحوث العلمية التي كانت تعاني أساساً من الفقر والتهميش، فإنه من شبه المستحيل أن يكون لدى السوريين جيل قادر على إنتاج ثورة علمية تحمل نتائج بعيدة المدى، والتي لا تتمكن عادة الثورات العسكرية والسياسية من إنتاجها. وعلى أساسه، لا ثورة تكنولوجيا وتطوير وتسليح متقدّم ونوعي واكتشافات في سورية عشرات الأعوام، وبعد فداحة ما خلّفته الثورة العسكرية خلال 14 عاماً، وما ارتكب حالياً من فظائع وانتهاكات في الساحل ضد المدنيين والأمن العام وصفتها وزارة الخارجية الأميركية بالمجازر ضد الأقليات، لم يبق أمام السوريين سوى الاتفاق على ثورةٍ سياسيةٍ بعيدة عن منطق العاطفة، ويقوم على أن الإيمان بالله يقود، أولاً وقبل كل شي، إلى منح حقّ الحياة. أما إذا كان المعتقد السياسي الحالي والمستقبلي سيمثل فعلاً سلبياً، يُعد ويحضر في اللاوعي، وليس للعقل أي تأثير عليه، فانه هو الآخر سيقود إلى المصائب.
ما أخشاه أن يكون السوريون مصرّين على تاريخ حافلٍ بالدمار، فعقد ونيّف من الدم يجب أن يتحوّل إلى سلوكيات الاستقرار لا الانتقام، وإذا كانت أحداث الساحل السوري تُهندس وفق فكرة أن انتصار فريقٍ سيعطيه الحق الطبيعي في السعي إلى تنظيم المجتمع وفقاً لمصالحه. وسيختلف ذلك التنظيم في تكوينه، وفقاً للفريق الفائز من العسكريين أو الراديكاليين أو المحافظين أو الوسط أو الائتلاف السياسي. وإذا ما ذهبت تلك الفكرة إلى التطبيق على أساس أنها القاعدة، حينها سيكون القانون والمؤسسات خاضعة لمصالح الفريق المنتصر. والمخيف أكثر أن تكون نتائج النصر متمّمة لنتائج الصراعات العنفية؛ لأن المنتصرين سيرمون بكامل جهاز النظام السابق ويطردونهم ويلاحقون حتى الأبرياء منهم، بل سيتطوّر العنف والانتهاك إلى أقصى الحدود، لأن الفريق المنتصر لن يبقي للمغلوب حتى الحلم بأي شكل الرأفة. وهذه القوة المطلقة التي يقوم عليها المنتصر ستقود أنصاره إلى التجاوزات المخيفة. وفي المقابل، سيجد في بدايات حكمه عناداً ومعارضة مجتمعياً ومن الرأي العام ضده، ليجد الحاكم أن الشرط الأول لاستمرار حكمه سيتركّز في عدم المبالغة في تفضيل طبقة واحدة حصراً، بل السعي إلى مصالحتها جميعاً.
إن أرادت السلطة في دمشق الاستمرار وإيصال البلاد إلى برّ الأمان، لا بد لها من التوازن بين المكوّنات والهويّات الفرعية، وبمجرد السماح لفئةٍ أن تصبح مهيمنة يعني أن تعود بالوبال والكوارث على الطبقة الحاكمة نفسها، وفي أكثر الأوضاع خطورة، وهذا القانون هو أحد أكثر قوانين علم النفس السياسي. يمكن أن يترافق انتصار السوريين بتحوّلات اجتماعية مهمّة، لكنّ المؤسف أن يكون أضعفها على صعيد السلم الأهلي، وطي صفحات الماضي، والأغلب أن ما حصل في الساحل لن يُنسى بالسهولة المتوقعة.
العربي الجديد
————————-
تصعيد معقّد.. بين تحركات الداخل وأجندات الخارج/ إبراهيم الزبيبي
2025.03.12
في ظل التعقيدات السياسية والميدانية التي تشهدها الساحة السورية تتداخل الأحداث الداخلية مع التحركات الدولية لتشكل منعطفاً حساساً قد يحمل في طياته تداعيات بعيدة المدى.
ومن بين أبرز المستجدات التحركات الروسية الأخيرة لجمع تواقيع من بعض العوائل السورية في خطوة تُفسر على أنها محاولة للتدخل السافر في سوريا ومحاولة لتعزيز الدور الروسي من جديد كحامٍ لبعض الفئات أو الأقليات، إضافة إلى فتح قاعدة حميميم العسكرية كمنطلق ومركز عمليات لفلول النظام المجرم في هجماتها ضد الدولة السورية الجديدة والسكان المدنيين.
هذه التحركات كانت سابقة أو مقدمة فيما يبدو لدعوة روسيا وواشنطن لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة الأوضاع في سوريا، وسط تصعيد إعلامي مكثف يتمثل في نشر شائعات وأخبار زائفة وتهويلات تهدف إلى خلق حالة من القلق وعدم الاستقرار.
إلى جانب ذلك تلعب إيران دوراً متزايداً تحريضياً في تأجيج الأوضاع عبر دعمها لعصابات الفلول وتقديمها دعماً يهدف إلى زيادة الاضطرابات في سوريا وضرب الدولة السورية الجديدة وتأجيج الصراع الطائفي وزرع فتيل الأزمات، هذا الدعم يُقدَّم بالتنسيق مع ميليشيا حزب الله اللبناني من خلال تقديم الدعم المالي واللوجستي للعناصر المسلحة ما يسهم في تعميق الأزمات وتفاقم الوضع الأمني. هذه التدخلات تؤدي إلى ضرر بالغ لا يقتصر على سوريا وحدها بل يمتد إلى بقية دول المنطقة حيث تُسهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي وتعقيد الحلول السياسية.
تصعيد وتحريض داخلي
بالتوازي مع هذه التحركات الدولية برزت تصريحات الشيخ الهجري في السويداء التي تجاوزت حدود النقد إلى التحريض المباشر على التمرد مع التركيز على الساحل السوري كمحور تصعيدي جديد، وتزامنت هذه الدعوات مع توترات متزايدة في السويداء حيث استغلت بعض الفصائل هذه التصريحات كذريعة لتعزيز نفوذها وسط اتهامات بوجود دعم خارجي أو إسرائيلي لهذه التحركات. هذا التصعيد الداخلي يشكّل تحدياً للدولة السورية التي تحاول تعزيز استقرارها في مواجهة هذه الضغوط.
في الوقت ذاته تصاعدت أنباء تربط بين قوات قسد وعمليات دعم مجموعات الفلول بالسلاح، حيث تشير الوقائع إلى تورطها في تقديم دعم لوجستي للجماعات المسلحة التي تستهدف الدولة الجديدة والسكان المدنيين، هذه الأفعال تُضاف إلى التدخلات الخارجية لتزيد المشهد تعقيداً.
أثر التهويل الإعلامي على الغرب
تلعب الشائعات والتهويل الإعلامي دوراً رئيسياً في صياغة الصورة السورية داخل الإعلام الغربي، فالتغطية المشوهة للأحداث والاعتماد على مصادر غير موثوقة يعززان من النظرة الأحادية للأوضاع ما يتيح للدول الغربية تبرير مواقفها السياسية ضد الدولة السورية. هذا الزخم الإعلامي المضلل يسهم أيضاً في تضليل الرأي العام الغربي مما يمنح الحكومات ذريعة للتدخل أو فرض عقوبات من دون فهم كامل للحقيقة.
الربط بين الأطراف وتأثيراتها
التشابك بين تصريحات الهجري ودعم قسد للفلول والتحركات الروسية والإيرانية والتصعيد الإسرائيلي يُظهر وجود تنسيق غير مباشر بين الأطراف الفاعلة لزعزعة استقرار الدولة السورية، بينما تستفيد روسيا من إثارة القلق لتمرير أجنداتها في مجلس الأمن، وتعمل إيران وحزب الله على استغلال الأوضاع لإعادة نفوذهما أو خلق حالة من عدم الاستقرار في سوريا، في حين تعزز قسد وجودها من خلال دعمها لمجموعات فلول النظام المسلحة بما يشكل ضغوطاً إضافية على دمشق وفيما يبدو كخطوة سابقة على الاتفاق الذي تم الإعلان عنه يوم أمس باعتبارها ورقة تفاوضية يمكن الاستفادة منها.
في الوقت ذاته يلعب التهويل الإعلامي دوراً مزدوجاً داخلياً من خلال زعزعة الثقة بين الشعب والدولة، وخارجياً عبر تأثيره على قرارات الدول الغربية. هذه الاستراتيجيات المتشابكة ليست جديدة لكنها باتت أكثر تأثيراً في ضوء التحديات الراهنة.
استراتيجية التعامل المطلوبة
لمواجهة هذا المشهد المتشابك تحتاج الدولة السورية إلى استراتيجية متعددة الأبعاد:
أولاً: تعزيز سيطرتها على المناطق المضطربة والعمل على معالجة القضايا المحلية بحكمة مع محاسبة المحرضين على التمرد بشكل واضح وصارم.
ثانياً: التصدي لدعم قسد للفلول عبر تعزيز العمليات الأمنية والعسكرية، مع إبقاء قنوات الحوار السياسي مفتوحة لضمان وحدة الأراضي السورية.
ثالثاً: مواجهة التدخلات الإيرانية ونفوذ حزب الله بآليات دبلوماسية وعسكرية مناسبة تحول دون تعميق محاولات التدخل السافرة.
وأخيراً العمل على تحسين الأداء الإعلامي الوطني من خلال الشفافية ونشر المعلومات الموثوقة بهدف مواجهة حملات الشائعات والتحريض مع التركيز على تصحيح الصورة أمام الإعلام الغربي.
إن التطورات الراهنة تعكس تعقيد الأزمة السورية وتداخل المصالح المحلية والإقليمية، فالتعامل مع هذه التحديات يتطلب قيادة سياسية قادرة على تحقيق التوازن بين الحزم والمرونة مع التركيز على حماية الاستقرار الداخلي وتعزيز الثقة الشعبية.
سوريا اليوم بحاجة إلى استراتيجية شاملة ووحدة صف حقيقية وتوحيد للجهود للوقوف خلف الدولة الجديدة لتعزيز الأمن والاستقرار لتجاوز هذه المرحلة الحرجة بكل حكمة وقوة.
تلفزيون سوريا
—————————-
هل حرّكت طهران خلاياها في الساحل لإفشال خطة واشنطن؟/ علي تمي
2025.03.12
بعد إجازة طويلة، عاد المبعوث الأميركي إلى سوريا، سكوت بولز، إلى الحسكة حاملًا في جعبته ملفات حساسة تتعلق بخطة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتعامل مع منطقة شرق الفرات، التي باتت شبه مستقلة عن حكومة دمشق بعد سقوط نظام الأسد المخلوع.
خلال زيارته، التقى بولز بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والمجلس الوطني الكردي في 3 آذار المنصرم، حيث أبلغهم برؤية الإدارة الأميركية لسوريا المستقبلية: لا نظام فيدرالياً، لا نظام أقاليم، وانسحاب قسد من سد تشرين في أقرب وقت ممكن، مع دعم واشنطن للحكومة المركزية في دمشق وضمان حقوق الكرد الثقافية والسياسية ضمن سوريا الجديدة.
ما إن انتهى هذا اللقاء في القامشلي، حتى سارعت إيران إلى التحرك على المستويين السياسي والميداني، محاولةً استغلال الفرصة قبل فوات الأوان.
تحرك إيراني غامض
منذ سقوط بشار الأسد قبل نحو ثلاثة أشهر بيد الفصائل المعارضة، لم تُخفِ طهران رفضها للوضع الجديد. فقد أكد المرشد الأعلى علي خامنئي في عدة خطابات أن المناطق السورية التي وصفها بـ”المحتلة” سيتم “تحريرها بلا شك على أيدي الشباب السوري الشجاع”.
وفي 3 يناير، كرر موقفه دون الإشارة إلى الحكام الجدد في دمشق، لكنه حذّر من مغبة “الاغترار بالقوة الحالية”.
متابعة تصريحات القادة الإيرانيين بعد سقوط نظام الأسد تشير إلى أن طهران كانت تطبخ على نار هادئة للإطاحة بالحكومة الجديدة في دمشق عبر تحريك خلاياها في مختلف المناطق، إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن.
فقد وجّه وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، تحذيرًا مباشرًا لإيران قائلًا: “من بنى بيته من الزجاج، عليه ألا يرمي بيوت الآخرين بالحجارة”.
بعض المراقبين اعتبروا هذا التصريح مجرد رسالة تحذيرية، لكن الأحداث سرعان ما كشفت عن المستور، وتبيّن أن الرجل كان يعلم جيدًا ما يدور في الخفاء.
بعد 24 ساعة فقط، شهدت سوريا تحركًا انقلابياً منظمًا في الساحل وشرق الفرات، بقيادة مشتركة. إلا أن الاستعجال في تنفيذ المخطط أدى إلى كشفه، مما سمح لواشنطن وأنقرة بإحباطه سريعًا.
فالمعلومات تشير إلى أن ماهر الأسد، الذي قاد العمليات من داخل العراق، فشل في تحريك الجبهات بسبب التحرك الأميركي-التركي المشترك، وتحذير الميليشيات الإيرانية من أي تحرك قرب الحدود العراقية سيتم استهدافه، وبالتالي وجد الانقلابيّون أنفسهم محاصرين في الساحل دون وصول الدعم من الجبهة الشرقية والبادية السورية .
ما علاقة موسكو بهذا التحرك؟
روسيا، التي كانت تسيطر على كامل الجغرافيا السورية من طرطوس إلى القامشلي، وجدت نفسها في مأزق بعد سقوط النظام المخلوع.
فقد وجدت نفسها بين نارين: إما الانسحاب من سوريا، أو مواجهة الحكومة الجديدة المدعومة من الغرب، ودول الخليج، وتركيا. لذلك، دعمت إيران بشكل غير مباشر في محاولتها تغيير قواعد اللعبة على الأرض من جديد.
السبب الآخر لدعم موسكو للتحرك الإيراني هو الضغط الذي مارسته الحكومة الجديدة في دمشق لإعادة السيطرة على ميناء طرطوس، واسترجاع الأموال السورية المجمدة في المصارف الروسية. ورغم إعادة موسكو جزءًا من هذه الأموال، إلا أن الموقف شكّل لها إحراجًا دوليًا.
كما حاولت موسكو الضغط على دمشق لقبول اتفاقية جديدة تضمن بقاء قواعدها العسكرية داخل سوريا. ويبدو أن القيادة السورية وافقت على هذا الأمر، مما يفسر غياب الدعم الجوي الروسي للانقلابيين في الساحل.
المعلومات المتداولة تشير إلى أن الرياض لعبت دور الوسيط في هذا الملف، حيث جرى الاتفاق على بقاء قاعدة حميميم، مقابل عدم مشاركة الطيران الحربي الروسي في العمليات الجوية لمساندة فلول النظام المخلوع في الساحل.
خلاصة القول
طهران خسرت المعركة مجددًا، وأخطأت في حساباتها. إعادة ضبط الأوضاع في الساحل أصبحت مسألة وقت فقط، وستعود الأمور إلى الأمان والاستقرار. أما التغيير المفاجئ في خطاب قسد تجاه دمشق، فجاء مباشرة بعد فشل الانقلاب، إذ أعلنت أنه “لا وجود لفلول النظام المخلوع في مناطق سيطرتها”، مؤكدةً أن الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحوار السوري-السوري.
يبدو أن قسد فهمت الدرس وقرأت المشهد جيدًا، وأدركت أن التعويل على تحريك ورقة الساحل والسويداء، بناءً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لم يعد مجديًا، وأن هناك توافقًا دوليًا وإقليميًا على دعم الحكومة الجديدة في دمشق. كما أن إدارة ترامب تتجه نحو التقارب مع موسكو وأنقرة لتشكيل تحالف عسكري وسياسي، في إطار مواجهة التمدد الصيني في شمال شرق آسيا وأفريقيا، حيث تسعى بكين لمنافسة واشنطن في سوق السلاح العالمي، خصوصًا في القارة الأفريقية.
في المحصلة، فشل الانقلاب الإيراني في الساحل، وانتهت معه محاولات طهران للسيطرة على الموانئ البحرية السورية.
عقارب الساعة في سوريا لن تعود إلى الوراء بعد الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، مهما كانت المخططات والمؤامرات، لأن الشعب السوري قال كلمته: لن يسمح لإيران بالعودة إلى المشهد السوري عبر أذرعها مهما كلّف، ووجودها العسكري في سوريا أصبح من الماضي.
تلفزيون سوريا
——————————
تحولات سورية.. تمرد الساحل والاتفاق مع قسد/ عدنان علي
2025.03.12
التطورات المتسارعة على الساحة السورية، سواء من جهة تمرد الفلول في الساحل السوري، أم الاتفاق المفاجئ بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات “قسد” مظلوم عبدي بشأن انخراط قواته في الدولة، وإن كانت تشير إلى أن الوضع السوري ما زال بعيداً عن الاستقرار، لكنها تؤكد في الوقت نفسه قدرة القيادة في دمشق على التعامل مع الملفات الساخنة والصعبة، بالرغم مما تحمله من تحديات، محلية وخارجية.
لقد شكل تمرد الفلول أقصى اختبار للدولة الوليدة التي كان عليها تحقيق المعادلة الأصعب لجهة التعامل بسرعة وحزم مع هذا التطور لتطويقه ومنع توسعه من جهة، وبحكمة وتعقل من جهة أخرى، وسط الكثير من المحاذير المحلية ذات البعد الطائفي، والخارجية التي تراقب عن كثب سلوك السلطة، ومدى تقيده بالمعايير الحقوقية والأخلاقية، مع ربط كل ذلك ضمناً باستكمال الاعتراف بالسلطة الجديدة، ورفع العقوبات المفروضة على البلاد.
ورغم حدوث بعض الانتهاكات التي أقرتها السلطة، وشكلت لجان تحقيق فيها، إلا أن أداء الحكومة كان مقبولاً بشكل عام، واستطاعت بما تملكه من إمكانيات محدودة، القيام بدرو الدولة المسؤولة عن كل مواطنيها، وليس عن جزء منهم فقط.
ولا شك أن الحكم على أداء الدولة لن يستكمل إلا بعد صدور نتائج لجان التحقيق التي تشكلت، على أمل أن تكون جدية ومقنعة، وبعيدة كلياً عن صورة لجان مماثلة تشكلت في عهد النظام المخلوع.
والتطور الأهم، والذي قد يكون على صلة غير مباشرة بالتطور الأول، هو الاتفاق بين قسد ودمشق، والذي جاء ثمرة مفاوضات غير معلنة بين الجانبين استمرت لأسابيع، تحت رعاية أميركية وتركية، وربما شاركت فيها أيضاً أطراف إقليمية أخرى.
وهذا الوقت المديد الذي استغرقته المفاوضات، أتاح لكلا الجانبين التعرف بدقة على مطالب الجانب الآخر، وتمييز ما هو أساسي وجوهري في هذه المطالب، عما هو شكلي أو “تفاوضي” مع اختبار نقاط قوته، ومدى صلابة تحالفاته المحلية والخارجية. ومن هنا، يصح القول: إنه اتفاق ناضج إلى حد بعيد، ولم يجر سلقه تحت ضغط ظروف طارئة.
ولكن يصح القول أيضاً إنه اتفاق ضرورة لكلا الطرفين، ذلك أن قيادة قسد، وفي قراءاتها للمشهد الدولي، لا بد أنها لمست ميلا أوروبيا ودوليا يدعم استقرار الوضع في سوريا، بينما لا يظهر حليفها الأميركي اكتراثاً كبيراً بهذا الوضع، مع احتفاظ الرئيس دونالد ترمب برغبته القديمة في سحب قوات بلاده من سوريا التي يرى فيها من منظوره الاقتصادي “تجرة خاسرة”، لن تستفيد منها واشنطن بشيء، بغض النظر عمن يحكم البلاد، ذلك أن استمرار الوجود الأميركي في سوريا، كان بناء على طلبات ونصائح من بعض مسؤولي البنتاغون والخارجية الأميركية، إضافة إلى إسرائيل التي لديها مآرب أخرى من هذا الوجود، لا تتصل بتحقيق المصالح الأميركية، بل بمساعيها لدوام إضعاف الدولة السورية، عبر حرمانها من ثروة النفط، وإثارة صراع عربي كردي يستنزف هذه الدولة، ويغري مناطق سورية أخرى بتقديم مطالب مماثلة.
لا شك أن هذا الاتفاق سوف يعيد تشكيل التحالفات داخل سوريا وحولها، على المديين المباشر والطويل، لأنه يجمع أكبر قوتين في سوريا ضمن جسم واحد، ما يشكل إضافة نوعية للدولة الجديدة، في حال أخذ طريقه للتطبيق، برغم العقبات العديدة المتوقعة، عند الوصول إلى التفاصيل.
المكسب الأكبر الذي يغري قسد في تنفيذ الاتفاق هو تضمنه لبند خاص بوقف كل أشكال الحرب في سوريا، بما يشمل وقف هجمات الفصائل المدعومة من تركيا على مناطق سيطرة قسد، ووقف الهجمات التركية نفسها، بما فيها الغارات الجوية، إضافة لانتزاع اعتراف الإدارة بدمشق بسلطة قسد كممثل للأكراد في سوريا، سيكون لها حصة في إدارة مناطقها وفي المؤسسات المركزية في دمشق، مثل الجيش والبرلمان المقبل والحكومة، والإدارات المختلفة.
أما الحكومة المركزية في دمشق، فإن الإتفاق سيتيح لها بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي السورية، بما فيها حقول النفط والغاز والمعابر الحدودية، فضلا عن إشراك قوات قسد التي ستنضم للجيش السوري في محاربة “فلول الأسد” وكل التهديدات التي تهدد أمن البلاد ووحدتها، وهو ما قد يثير التكهن بإمكانية الاستعانة بقوات كردية الى جانب الأمن العام، لضبط الأمن في مناطق الساحل، ما يخفف من حدة الاحتقان هناك، نظرا لعدم وجود حساسية طائفية من جانب أبناء الساحل إزاء المكون الكردي.
كما أن هذا الاتفاق سوف يسهل على الإدارة في دمشق إحراز تفاهمات مماثلة في الجنوب السوري، خاصة إذا تكللت بالنجاح خطوات اندماج قوات قسد بالجيش السوري، ما سيضيف قوة نوعية لهذا الجيش، ستمكن إيرادات النفط المتوقعة من تحسين قدراته، ودفع رواتب منتسبيه.
وفي الخلفية، سوف يسهم الاتفاق في تجريد قسد من مكونها العربي، حيث إن غالبية المنتسبين إليها هم من العرب، وإن كانت قيادتها الفعلية بيد المكون الكردي، وهذا سيضيف للجيش قوة مدربة وموثوقا بها إلى حد بعيد.
والخلاصة، أن الاتفاق هو نصر سوري خالص، سوف يسهم أيضاً إلى حد بعيد في تحييد محاولات بعض القوى الخارجية للعبث بالوضع الداخلي السوري، وخاصة إسرائيل، التي عرضت غير مرة خدماتها لبعض المكونات السورية، على أمل تفتيت الدولة السورية، ومنع وحدتها.
تلفزيون سوريا
———————-
سوريا إلى أين؟ تكرارٌ للسؤال/ جلبير الأشقر
تحديث 12 أذار 2025
طرحنا السؤال قبل ثلاثة شهور وحاولنا الإجابة عنه بالتأكيد على استحالة اتفاق جميع الفصائل المتواجدة في سوريا على الخضوع لسلطة واحدة، وبإبداء الشك في تحوّل «هيئة تحرير الشام» (هتش) من السلفية الجهادية إلى الديمقراطية الشاملة لكافة مكونات الشعب السوري («سوريا إلى أين؟» 10/12/2024). وقد شهدت الأيام الأخيرة أحداثا قد توحي بسير الأمور في اتجاهين معاكسين بالنسبة لما توقعنا.
فإن مؤتمر «الحوار الوطني السوري» الذي دعت إليه سلطة هتش، بعد أن نصّبت نفسها حكومة لكامل الأراضي السورية ونصّبت زعيمها أحمد الشرع رئيساً للبلاد، إنما جاء غير مقنع على الإطلاق، تذمّرت شتى أطراف المعارضة السورية التاريخية من حيثيات الدعوة إليه. بل أكدت طريقة عقد المؤتمر نيّة هتش في السيطرة الكاملة على سيرورة إعادة بناء مؤسسات الدولة السورية وصياغة دستورها الجديد. وإذ حظي الشرع بدعم إقليمي عربي تجلّى في الزيارات التي قام بها، لم يحظَ بثقة أو بدعم مماثل من بعض مكونات الشعب السوري الأساسية، سواء أكانت سياسية، أو طائفية، أو إثنية، أو مناطقية.
والحقيقة أن الشرع يتصرّف وكأنه سيّد الموقف بينما قوات هتش بعيدة عن أن يكون تعدادها كافياً للسيطرة على كامل الأراضي السورية، حتى لو استثنينا الجولان المحتل. فإزاء هذا الواقع الجلي، يسعى الشرع نحو تحييد المنافسين والأخصام كسباً للوقت، مراهناً على حصول هتش على دعم وتمويل يسمحان لها بناء قوة عسكرية تفوق قوة سائر الأطراف المسلّحة المتواجدة في شتى أنحاء الأراضي السورية. وفي هذا الانتظار، يقوم عادةً السلوك المنطقي على مهادنة القوي ريثما تتوفّر القدرة على التغلب عليه، مع استفراد الضعيف في هذه الأثناء.
وتأتي في هذا الإطار المجازر الطائفية البشعة التي وقعت في الأيام الأخيرة في المنطقة الساحلية والتي ذهب ضحيتها ما يزيد عن ألف من المدنيين العلويين حسب تقارير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» وقد تناقلت شبكات التواصل الاجتماعي صوراً وفيديوهات مروّعة عن بشاعة المجزرة. وإذ ادّعت هتش أن جماعات غير منضبطة هي التي ارتكبت المجازر، يبقى أنها رعت هذه الجماعات المتطرّفة وتتحمّل مسؤولية أفعالها بالتالي، وقد انتهزت الفرصة كي تبسط سيطرتها على منطقة الساحل. أما إلقاء مسؤولية ما جرى على «فلول» نظام الأسد، فلا يجيب عن حقيقة أن هذه «الفلول» امتنعت عن القتال دفاعاً عن النظام البائد ولم تتحرك من جديد انتصاراً له، بل دفاعاً عن أهل طائفتها. بمعنى آخر، من يوصَمون اليوم بأنهم «فلول» إنما باتوا قوة طائفية على غرار ما لدى الطائفة الدرزية، وعلى غرار هتش نفسها التي هي قوة طائفية بامتياز، ناهيك من القوة الإثنية-القومية الكُردية.
أما الحدث الوحيد الذي قد يوحي بالسير على درب توحيد البلاد ديمقراطياً، فهو الاتفاق الذي أُبرِم يوم الإثنين الماضي بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) والذي ينص نظرياً على دمج قسد في إطار الدولة السورية الجديدة التي تهيمن هتش عليها. والحقيقة أنه من المرجّح أن يلحق هذا الاتفاق بالقائمة الطويلة من الاتفاقات التي لم تشهد تطبيقاً لها، أو تكاد، وانتهى بها الأمر في طي النسيان. ذلك أن ما أدّى إلى هذا الاتفاق، بعد وعيد الشرع نفسه بفرض هيمنة دولته على الشمال الشرقي السوري، هما أمران: الأول هو إدراك الشرع أن لدى قسد من القوة العسكرية ما يفيض عمّا لدى هتش اليوم، ناهيك من الدعم الأمريكي الذي تحظى به قسد حتى الآن. والثاني هو ضوءٌ أخضر تركي متعلّق بالخطوات القائمة داخل تركيا لإنهاء الحرب مع «حزب العمال الكردستاني» بعد دعوة زعيم الحزب، عبد الله أوجلان، إلى إلقائه السلاح.
لذا يبدو اتفاق يوم الإثنين الماضي وكأنه أقرب إلى هدنة مؤقتة مما هو إلى خطوة فعلية نحو رسم معالم سوريا جديدة، تسمح بإعادة اندماج حقيقية للبلاد على قاعدة ديمقراطية تشمل درجة من اللامركزية الإدارية، بما يتيح لشتى مكونات الشعب السوري التعايش بسلام وإعادة الانصهار بعد عقود من القهر القومي والعرقي والطائفي بإشراف النظام البعثي المخلوع.
كاتب وأكاديمي من لبنان
القدس العربي
—————————-
خوف السوريين… أو الألم في توقّع عودة الشر/ علي سفر
الأربعاء 2025/03/12
مشاركة عبر
طيلة الأيام الماضية، كان السوريون مرضى بالخوف! لقد مرت عليهم، منذ تاريخ 08/12/2024، ثلاثة شهور “مفترجة”، فصّلها القدر على مقاس معاناتهم طيلة 14 عاماً من المذبحة الأسدية المباشرة بحقهم، و54 سنة من الحكم الديكتاتوري عموماً.
لكن المجازر التي ارتكبها مجرمون ينتمون إلى فصائل مسلحة بحق مئات الأفراد من الطائفة العلوية، على هامش هجوم منسق لفلول النظام البائد، قضت على كل الانبساط الذي كان يُرى في محيّا السوري، في بلده أو في الشتات. وعاد الشعور بالقلق ليهيمن من جهتين: الخشية من أن ينجح أزلام الأسد في استعادة موقع لهم في المشهد، والارتياع من أن يصبح القتل على الهوية ديدن بعض الجهات التي تستتر بعملها مع وزارة الدفاع في الدولة الجديدة.
كلا الأمرين شرّ، والخوف الذي سجن العقول والحواس هو “ألم ناتج عن توقع الشر”، حَسَبَ أرسطو.
يمكن للمرء أن يكون شجاعاً، حتى وإن أصيب بالمرض، بل إن قصص شجاعة المرضى في مواجهة المصائب تعدّ من أروع القصص التحفيزية للآخرين. لكن الحالة التقليدية تشترط أن يعرف الإنسان ما أصابه، فيكرّس لمواجهته كل جهوده. وفي حالة السوريين، الخوف هو ألم ناتج عن مرض غير مسمى، لكنه مفهوم. ويمكن، بقليل من اللعب بالمنطق، وضع “الشر” في مكان المرض، لتصبح الحقيقة أوضح قليلاً: لقد أصيب السوريون بشرٍّ أسديٍّ مستطير، وها هم يخافون نوبة أخرى منه بعدما ظنوا أنه غادرهم إلى غير رجعة.
المثقفون السوريون (مجموعة من الناشطين والناشطات ومنظمات المجتمع المدني، حَسَبَ البيان الرسمي)، الذين وقفوا قبل أيام في ساحة المرجة دعماً للضحايا في الساحل، قرروا أن يعلنوا تفاصيل خوفهم! طالبوا بألّا يُعاد الماضي القريب، وأن تقوم دولة الجميع بحماية جزء من الشعب. لكن هذا لم يكن كافياً ليفهم الآخرون، من الناشطين الذين جاؤوا ليحتجوا على الاحتجاج، المعاني التي حملتها اللافتات. فحصل شجار بين أصحاب الشعارات، وبين من يعتقدون أن الكلمات المكتوبة تتهم الدولة التي لم يروا منها ما يعيبها! أدى ذلك إلى تدافع بين المشاركين، وهروب كثير منهم، بينما وقع اشتباك بالأيدي ومطاردات، لم يوقفها سوى قيام أفراد من الأمن العام بإطلاق النار في الهواء، ما أدى إلى ارتداع المهاجمين!
المثقفون، والناشطون الآخرون، كلاهما يشعر بالخوف، ويتألم مما لا يمكن توقع إن كان قد حصل فعلاً أم لا. إنه الشعور بأن ثمة من يريد الاستيلاء على الحلم الذي أنفقت الجموع عمراً بأكمله لتحقيقه، أو التعريض به.
وفي ظل الوضع الطارئ، حيث تختفي مقومات التواصل والاجتماع، وحتى الفسحات المخصصة للاحتجاج، إذ لا يمكن اعتبار ساحة المرجة مكاناً مناسباً، يمكن التوقف ملياً عند التقابل الحاصل هنا. فهو ليس أمراً عابراً، بل هو جزء مما أسست له دولة القمع المدحورة، حيث كانت الريبة بين أفراد الشعب ملمحاً عاماً، والتشكيك في نوايا الآخر سلوكاً طبيعياً، طالما أن المحاسبة كانت تقوم على افتراض أن السوري خائن للنظام البعثي كاحتمال دائم. ثم أن مشهدية الاحتجاج ذاتها يكتنفها التنميط، فالمحتج حتى وإن كان صامتاً، يُعتبر مهدداً للأمن العام، إذ يؤدي إلى إثارة الجلبة حين يأتي رجال الأمن لتفريقه، ويُشعر الناس العاديين بأن السكون الذي يرومونه ليعيشوا بلا قلق يصبح مهدداً.
هل من سبيل للخروج من هذه الدوامة؟! هل يستطيع السوريون مغادرة ضفة الخوف نحو الاطمئنان بأن الماضي المزري لن يعود؟
ما زالت البلاد كلها تتهيأ لتمكين مواطنيها من ممارسة حقوقهم، والوصول إلى عتبة المواطنة والتساوي في الحقوق والواجبات. وهذا كله لن يكون قابلاً للتنفيذ طالما أن الأخطار الخارجية، كاجتياحات إسرائيل والتهديدات الإيرانية، تتساوى مع الداخلية، حيث كان الوضع قبل توقيع الاتفاقيات بين الدولة و”قسد” ووجهاء السويداء، وقبل دحر الفلول في الساحل، أقرب ما يكون إلى انفجار تتشظى بسببه البلاد إلى قطع عديدة من الصعب إعادة لصق بعضها ببعض!
يريد جزء من الخائفين على مستوى الشعب، من المثقفين والسياسيين والناشطين على حد سواء، تأجيل فعالياتهم، خشية أن يتسببوا في انقسامات جديدة. بينما يرى التيار المدني الديموقراطي في عموم البلاد أن من الواجب المشاركة في صقل العَلاقة بين الدولة والمجتمع، عبر جعل النشاط المستقل عنها أمراً طبيعياً لا يمكن قمعه أو الحجر عليه تحت أي ظرف. وهنا، يمكن التعويل على الخطوات التي أُعلنت رسمياً، وبدت كاستجابة مباشرة للمطالب الملحّة. ولعل التأسيس في الإعلان الدستوري، والإشارة إلى حقوق الناس في التعبير عن أنفسهم وأوضاعهم ومطالبهم، يخفف من أثر شعور الأفراد بأنهم مهددون دائماً بخسارة الانتصار الثوري على نظام البراميل الاستبدادي.
يتعلم السوريون من تجاربهم كما يقال؟ وكما تفرحهم النجاحات، تحزنهم الانتكاسات، لكنهم يسارعون إلى قلب الصفحة، عسى أن تكون أيامهم المقبلة أفضل مما مضى.
المدن
—————————–
قراءات متباينة في روسيا لتداعيات أحداث الساحل السوري/ رامي القليوبي
12 مارس 2025
هيمن التحفظ والحياد والدعوات إلى وقف العنف على المتابعات الروسية لمواجهات الساحل السوري التي بدأت الأسبوع الماضي إثر تمرد لفلول النظام السابق، وراح ضحيتها ما لا يقل عن 800 قتيل، بحسب آخر توثيق للشبكة السورية لحقوق الإنسان، يوم أمس الثلاثاء، مع توفير مأوى لآلاف الفارين من المجازر في قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية، وعقد مشاورات مغلقة بمجلس الأمن (أول من أمس)، أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، إجراءها بالتنسيق مع واشنطن.
وقال الكرملين، أمس الثلاثاء، إنه يريد أن يرى سورية “موحدة وصديقة، لأن عدم الاستقرار هناك قد يؤثر في المنطقة بأسرها”. وأضاف المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف: “إنها منطقة متفجرة للغاية، بالطبع زعزعة الاستقرار، أو عدم الاستقرار في واحد من بلدان المنطقة قد تكون له تداعيات كارثية على المنطقة بأسرها. لذلك، نريد أن نرى سورية موحدة ومزدهرة ومتطورة وذات مستقبل واضح وصديقة”، لافتاً إلى أن موسكو تتواصل مع عواصم أخرى بشأن الوضع في سورية بعد أحداث الساحل. وكان بيسكوف قد دعا، أول من أمس، إلى وقف العنف في سورية، محجماً في الوقت نفسه عن التعليق على مستقبل القواعد العسكرية الروسية في هذا البلد، ومزاعم اختباء سكّان سوريين مدنيين بقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية. وفي معرض تعليقه على تقييم الكرملين للوضع، أضاف: “ثمة مظاهر عنف (في سورية) لا يمكنها ألا تثير قلقنا البالغ”. وتابع قائلاً: “العديد من دول العالم والمنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، تشاطرنا هذا القلق. الأهم استبعاد مثل هذه المظاهر للعنف في أسرع وقت”.
“الأسد أو نحرق البلد”
وأرجع الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، المستشرق كيريل سيميونوف، انفجار الأوضاع في الساحل السوري إلى مجموعة من العوامل، بما فيها إصرار بعض العناصر من النظام السابق على مبدأ “الأسد أو نحرق البلد”، وعزوف بعض العناصر في الجيش السوري الجديد عن الامتثال للأوامر، مفنداً ما تردد من شائعات عن وقوف روسيا خلف ما يجري.
وقال سيميونوف في حديث لـ”العربي الجديد”: “التمرد شنّته مجموعات بعضها طائفي وتضم مقاتلين لهم صلة بقوات النخبة التابعة لنظام الأسد مثل الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة ولواء أبو الفضل عباس، ولا يجوز استبعاد الاحتمال أن هذا الحراك وقع بصورة عفوية تحقيقاً لمبدأ (الأسد أو نحرق البلد)”. وبرأيه، فقد ساهم في تأجيج الوضع “انضواء الجيش السوري الجديد على مسلحين يتحدر بعضهم من الجمهوريات السوفييتية السابقة ولوحظوا في بانياس (طرطوس)، يتحركون بلا أوامر ويعتبرون القتل الجماعي تصرفاً مقبولاً، ما يفرض على السلطات الجديدة معاقبتهم وتسريحهم من الخدمة”.
وقلّل سيميونوف من أهمية مزاعم وجود مصلحة لطهران أو موسكو في ما جرى، معتبراً أن “انهيار الدولة السورية لن يحقق أي مكاسب لإيران، بينما يقتصر الدور الروسي على استقبال الفارين من المجازر في قاعدة حميميم الجوية وتوفير مأكل ومأوى لهم، بينما تسعى قوى غربية وربما إسرائيل لإلقاء مسؤولية ما يجري على عاتق روسيا بهدف إفساد العلاقات بين موسكو ودمشق عبر تعريض الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، لضغوط شعبية حتى يعلن إقصاء القواعد الروسية، ما سيصبّ في مصلحة الغرب الذي يبحث عن حرمان روسيا أي دور في الشؤون السورية”.
بدوره، جزم الأكاديمي السوري المعارض لنظام الأسد المقيم في موسكو، محمود الحمزة، بأن أحداث الساحل السوري لا تصبّ في مصلحة موسكو التي تسعى لتأسيس علاقات براغماتية مع السلطة السورية الجديدة، معتبراً في الوقت ذاته أن الوضع الراهن يتطلب تكاتفاً من جميع أطياف الشعب السوري من أجل تحقيق تطلعاته لغد مشرق.
واعتبر الحمزة في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “موسكو تسعى لبناء علاقات براغماتية مع السلطات السورية الجديدة، ولم تعد تكترث لبشار الأسد وفلوله، ولا علاقة لها بعناصرها الذين باشروا بقتل أفراد الأمن والمدنيين على حد سواء”. وشدّد على أن القضية الرئيسية بالنسبة إلى روسيا “هي مستقبل قاعدة حميميم الواقعة في قلب الأحداث على مقربة من مدينة اللاذقية وجبلة، ما أدى إلى توجيه اتهامات إلى روسيا بوقوفها وراء ما يجري، ولكنني على قناعة بأنه ليست لموسكو مصلحة في أن تتدخل بالشؤون الداخلية السورية لدعم بقايا النظام، وإنما أن تبني علاقات جيدة مع دمشق”.
ومع ذلك، لم يستبعد الأكاديمي السوري المعارض، احتمال أن تكون لقوى إقليمية مثل إيران وإسرائيل يد في ما يجري، مضيفاً أن “ثمة انطباعاً بأن هناك مخططاً إقليمياً لإسقاط الحكم الجديد وإعادة سورية إلى حظيرة إيران وعهد التشبيح والطائفية. ارتكبت فلول النظام مجازر بحق المدنيين في الساحل، ولكن للأسف اعتدت بعض الفصائل غير المنضبطة على المدنيين أيضاً. الثورة مستمرة، وبناء سورية الجديدة قد بدأ، وهذه معركة الشعب السوري كلّه وبمكوناته كافة، حتى تكون سورية مستقلة موحدة”.
أحداث الساحل السوري وشرعية السلطة
من جهته، اعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية والباحث غير المقيم في برنامج سورية التابع لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، أنطون مارداسوف، أن أحداث الساحل السوري تنسف جهود إضفاء الشرعية الدولية على السلطات السورية الجديدة، وتعرقل رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سورية.
وأوضح مارداسوف في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “المجازر في الساحل السوري تنسف محاولات شرعنة السلطات الجديدة، سواء أكانت مؤقتة أم دائمة، وتزيد من صعوبة الترويج لرفع العقوبات، وأقصى ما يمكن تحقيقه، تمديد فترة تعليق القيود الأميركية التي رفعت في نهايات عهد الرئيس السابق جو بايدن”، معتبراً أن “محاولات الشرع النأي بنفسه عن بعض الفصائل مفهومة ومنطقية، ولكنها لا تغير شيئاً، لأن هناك عناصر مندمجة ضمن جهاز أمنه شاركت في المجازر”.
ومع ذلك، أقرّ مارداسوف بأن أعمال الموالين للأسد كانت لها اليد الطولى في ما جرى، مؤكداً أن “عملية منسقة جرت للسيطرة على مواقع حيوية مثل الكلية البحرية ومطار استامو العسكري، ونشر الفوضى في اللاذقية وطرطوس، وبالدرجة الأولى في بانياس، ما أربك حسابات السلطات الجديدة”. ورأى أن “موقف إيران وحزب الله اللبناني لم يتضح بعد، ولكن من الواضح أن مكافحة هذه الشبكة ستحظى بالأولوية لدى دمشق، حتى مقارنة بإحباط الهجمات الإرهابية التي يدبرها تنظيم داعش”.
وعلى عكس الموقف الرسمي الذي اتسم بدرجة عالية من الحياد، حذرت القنوات الروسية على تطبيق تليغرام من تداعيات طويلة الأجل للأحداث الأخيرة في الساحل السوري، إذ توقعت قناة ريبار البالغ عدد متابعيها أكثر من 1.3 مليون، في منشور أول من أمس، أن “السلطات الحالية التي لا تسيطر إلا على جزء من الأراضي، قد تفقد ما تبقى من شرعيتها في عيون الأقليات”، مرجحة أن تواصل الطائفة الدرزية وغيرها من الأقليات تشكيل نظم أمن مستقلة تعتمد على دعم الرعاة الخارجيين. وكان نائب رئيس مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي، قسطنطين كوساتشيف، قد اعتبر في منشور على قناته على “تليغرام” يوم الأحد الماضي، أنه “كما كان متوقعاً، تشهد سورية بعد الانقلاب الذي وقع في نهاية العام الماضي، اندلاعاً لحرب أهلية تتخللها الفتنة العرقية والطائفية”. واتهم كوساتشيف من قال إنهم “راديكاليون استولوا على السلطة” بتحويل سورية إلى “دولة لعرقية وطائفة واحدة”، على حد تعبيره.
العربي الجديد
———————————
دمشق و”قسد”: اتفاق الضرورة ومواكبة المتغيرات/ أدهم جابر
الأربعاء 2025/03/12
لم تكد تمضي أيام على دعوة زعيم “حزب العمال الكردستاني” عبدالله أوجلان حزبه إلى نبذ العنف والتخلي عن السلاح، حتى أثمرت اتفاقاً بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والإدارة السورية الجديدة، لتصدق التوقعات التي كانت أشارت إلى تأثير إيجابي لتلك الدعوة على إعادة تموضع الأكراد في سوريا.
يمكن القول إن الاتفاق، يعكس تبدّل المفاهيم لدى الأكراد، الذين وجدوا، بعد عقود من النزاع، أن استقرار مناطقهم ومصلحتهم العامة، يجب أن يتقدّما على أي أحلام تتعلق بالانفصال وتشكيل كيانٍ داخل الأراضي السورية، لن يجلب لهم سوى الحرب وما يرافقها من قتل وخراب ودمار.
بذرة أوجلان وعوامل أخرى
وإذا كانت دعوة أوجلان، شكّلت البذرة التي أسست لاقتناع الأكراد بالتحوّل، فإن عوامل أخرى لعبت دوراً في حياكة الاتفاق أهمها:
أوّلاً، ما يتعلق بالتاريخ، إذ أمضى الأكراد سنوات طويلة تحت مظلة نظام البعث البائد، تخللتها واحدة من أسوأ تجاربهم، حيث جرى التعامل معهم في تلك الحقبة على أنهم أقلية غير مرغوب فيها، في ظل محاولات حثيثة وعملية لإخراجهم من جلدهم وإلباسهم عباءة العروبة رغماً عنهم. من هنا وجد الأكراد أنفسهم أمام معضلة، فإمّا الذهاب إلى حرب أوسع، أو خوض تجربة مختلفة كلياً عمّا عاشوه، مع حكم جديد من خلال الاستثمار في التقارب الذي نشأ مع سلطة دمشق، بعد سلسلة من المشاورات والمحادثات المتكررة، فكان الخيار الثاني وذهب الأكراد إلى إبرام الاتفاق.
ثانياً، الأحداث التي تشهدها المناطق الساحلية في سوريا، وتخللتها اشتباكات وانتهاكات ذهب ضحيتها الآلاف من المدنيين ومن رجال الأمن السوريين. فهذا المشهد شكّل حالة من الهلع والخوف لدى كل المكونات السورية، وليس العلويين فقط، خصوصاً في ظل الجنون الدموي لبعض الفصائل، وعلى رأسها “العمشات” و”الحمزات”، والتي أسرفت في القتل من دون حسيب أو رقيب، وكأنها تستغل بذلك حالة الاحتضان العربي لسلطة الرئيس أحمد الشرع، بالإضافة إلى احتضان شعبي تمثّل في طائفة معينة، كانت ترى نفسها حتى الأمس القريب مقموعة ومقهورة، وعانت ما عانته من نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وجاءتها الفرصة لتحقيق انتقامها وإن على يد “الأجنبي” القادم إلى سوريا لـ “الجهاد” انطلاقاً من خلفية دينية تكفيرية، لا ترى في الآخر سوى مشروع قتل وسبي وهدر دم. هذه التطورات وما رافقها من مشاهد غلبت على المشهد الكردي، ففضّل الأكراد الجنوح إلى السلم فجنح الشرع معهم.
ثالثاً، أحداث الساحل نفسها، أجبرت أنقرة على إعادة النظر في سياساتها تجاه الأكراد، ولو مرغمةً، فهي من ناحية لا تريد التنازل والاعتراف بأي حق كردي في تأسيس دولة مستقلة، وفي الوقت نفسه، لا ترغب بانفلات الأوضاع الداخلية في سوريا والانزلاق إلى حرب أهلية قد يكون أول المتضررين منها، الإدارة السورية الجديدة، وهذا ما سينعكس بدوره على نفوذها في سوريا، وتراجعه لمصلحة إسرائيل التي سارعت إلى تبني حماية “الأقلية” الدرزية، فيما تعمل تركيا منذ سنوات على تكريس حكم في دمشق، يؤمن لها مصالحها القومية والاستراتيجية. وعلى ذلك ترجمت أنقرة تنازلاتها بإشارات إلى الشرع، جعلته يسرّع في توقيع الاتفاق، لكن ضمن خطوط حمراء تركية بأن لا دولة كردية مجاورة مهما بلغ أو كلّف الأمر.
رابعاً، التحوّلات التركية تلتقي في جانب منها مع الرغبة والمساعي العربية الهادفة، إلى المحافظة على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها. فالعرب، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل، لكنهم لا يرغبون برؤية سوريا ذات لون طائفي واحد، بل على العكس تماماً إن عدم استقرار سوريا، ودخولها في حرب أهلية، لن ينعكس فقط على الداخل السوري، وإنما على المنطقة العربية ككل، وبالتالي لا مصلحة لهم، أقله في الوقت الراهن، في رؤية بلاد الشام مقسّمة ومفتتة إلى دويلات طائفية ومذهبية تعيش حالة من التناحر والاقتتال في ما بينها، ويمكن استغلالها من قبل أطراف خارجية، ما يهدد الأمن والسلم العربيين، وبالتالي فإن الهدف هو المحافظة على سوريا المتعددة طائفياً، على أساس أن التنوّع غنى وأنه يمكن اعتبار الطوائف نعمة بدلاً من نقمة الطائفية.
قراءة المشهد
إذاً، بالنسبة إلى الأكراد السوريين، فقد قرأوا المشهد العام بعناية، وأدركوا أن مواكبة المتغيرات الإقليمية والعربية والدولية، في سبيل مستقبل أفضل والمصلحة العامة، خير من الاستمرار في حرب لا متكافئة في مواجهة سلطة كشّرت عن أنيابها، من أجل تثبيت حكمها بالبارود والنار. وهنا فإن ما فعله الأكراد يمكن النظر إليه بأنه مبادرة لحماية “الذات”، ومن ناحية ثانية، مسعى لتجنيب المكوّنات الأخرى، وبينهم العلويون ضمناً، المذابح التي تُرتكب بحقهم، وإجهاض أي محاولة من قبلهم للمطالبة بالانفصال أو طلب الحماية الدولية لمواجهة النظام الإسلامي الوليد في سوريا. بالإضافة إلى كونها محاولة لمساعدة الدولة السورية على تحقيق الأمن والاستقرار لكل المواطنين، من خلال إرساء نظام حكم لا يتّخذ من القتل سبيلاً لتعزيز أركانه، في وقت يمكنه اعتماد الحوار والتفاهم من أجل إبرام اتفاقات تعزز اللحمة السورية. وعليه يمكن القول إن الأكراد وتحديداً “قسد”، قدّمت خدمة إلى السلطة السورية الجديدة هي في أمس الحاجة إليها، في ظل أحداث الساحل الدموية، وهذا يفرض على السلطات استغلال التطورات وإجراء مراجعة سريعة لما جرى في غرب سوريا، وأخذ الدروس والعبر منه، والبناء عليه في رحلة البحث عن اتفاق مع العلويين مشابه للذي أبرم مع الأكراد.
لا شكّ أن التقارب العلوي مع السلطة الجديدة، دونه تحديات يتعين على دمشق معالجتها أولاً، والمتمثلة بأن من يتصدّر المشهد في الساحل حالياً هي جماعات وفلول تناكف الشرعية السورية، فيما الحاجة هي إلى ممثل جامع للعلويين يكون مستعداً للاتفاق مع الشرع. وفي المقابل، فإن العلويين مطالبون بمواكبة التطورات إذ لا يجب قراءة الاتفاق الكردي بأنه تخل عن الحقوق، ولكن اعتباره بمثابة تحوّل ضروري لانتهاج السبل السياسية والوسائل السلمية واعتماد الوفاق في نسج العلاقات بين السلطة والمكونات، من ناحية، والمكونات في ما بينها من ناحية أخرى، وكل ذلك من أجل الوصول إلى سوريا سيدة حرة مستقرة تجمع السوريين ولا تفرقّهم.
المدن
—————————-
فرصة كي يثبت الشرع أنه ليس “الجولاني”…/ خيرالله خيرالله
السؤال الذي يفرض نفسه في ضوء الأحداث الأخيرة هل في استطاعة “هيئة تحرير الشام” والفصائل الحليفة لها تأسيس نظام مختلف كليا عن نظام آل الأسد بعيدا عن فكرة الانتقام.
الأربعاء 2025/03/12
التجربة الفاشلة يجب ألا تتكرر
من الطبيعي مسارعة النظام الجديد في سوريا إلى معالجة الوضع القائم في الساحل السوري بجدّية، أقله من أجل أن يظهر أنّه نظام مختلف عن نظام آل الأسد. لن تنجح هذه المعالجة سوى عبر إثبات أحمد الشرع أنّه ليس “أبومحمد الجولاني”. أي أنّه ليس “إرهابيا يضع ربطة عنق” على حد تعبير أحد أركان النظام العراقي الذي تسيطر عليه “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران.
لم يعد سرّا أن العراق، الذي لجأ إليه عدد كبير من الضباط السوريين العلويين، في ضوء فرار بشّار الأسد إلى موسكو، ليس راضيا عن التطورات التي شهدتها سوريا في الأشهر الثلاثة الماضية ولدى حكومته، التي على رأسها محمّد شياع السوداني، موقف متشنّج إلى حدّ كبير من الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع. في الواقع على الشرع إثبات أن كل ما يقال عنه في بغداد وطهران ليس صحيحا بعدما تخلّى بالفعل عن “داعش” وفكره وكلّ ما يمت إليه بصلة.
وقعت بالفعل مجازر في منطقة الساحل السوري. استهدفت المجازر، التي وقفت وراءها تنظيمات تكفيرية، العلويين. أخذت المجازر، التي ارتكبت في حقّ العلويين، أبعادا تتجاوز حدود البلد. ثمة مخاوف من تفتيت لسوريا في وقت ليس معروفا ما الذي تريده إسرائيل التي تصرفت بشكل مريب منذ اليوم الأول لسقوط نظام آل الأسد.
تؤكّد جدية تعاطي الغرب مع الحدث السوري ردود فعل العواصم الأوروبيّة المختلفة، كذلك الرد الأميركي الواضح الذي عبّر عنه وزير الخارجية ماركو روبيو. أخذ العالم ما يجري في سوريا على محمل الجدّ. ليس هناك من يريد مزيدا من المجازر في بلد عرف كيف يتخلّص من بشّار الأسد ونظامه.
لم يكتف روبيو بـ“إدانة” الجرائم التي ارتكبتها عناصر إسلامية متطرفة، بل أشار إلى وجود “جهاديين أجانب”، شاركوا في المجازر التي وقعت في منطقة الساحل السوري. بات هناك خوف من أن يكون الحكم الجديد الذي على رأسه أحمد الشرع وقع في الفخ الذي نصبه له النظام الإيراني ومجموعات علوية تابعة للنظام السابق الذي لم يعد لدى أركانه، في مقدمهم بشّار الأسد وشقيقه ماهر والضباط التابعون لهما، غير خيار الدولة العلوية.
تحصد سوريا حاليا ما زرعه حافظ الأسد الذي آمن منذ توليه السلطة في العام 1970 بأن الحكم العلوي يُبنى على ركيزتين أساسيتين. أولاهما إلغاء أي معارضة من أي نوع، خصوصا معارضة المدن السنية الكبرى، مثل دمشق وحلب وحمص وحماة، التي كان الأسد يكن كرها شديدا لها ولأهلها. استخدم الأسد الأب الحديد والنار من أجل إخضاع المدن، بما في ذلك اللاذقية التي هي في الأصل مدينة سنّية – مسيحية قبل أن يجتاحها علويو النظام الذين هبطوا عليها من الجبال.
أما الركيزة الثانية للنظام الذي أسسه حافظ الأسد، فهي ركيزة الاعتماد على إسرائيل التي حصلت منه على ضمانات من نوعين. ضمانات لأمن الدولة العبرية أولا وأخرى تتعلق بالتخلي عن الجولان المحتل. لم يرد الأسد الأب استعادة الجولان في أي يوم. رفع كلّ الشعارات “الوطنية” ولجأ إلى كل المزايدات من أجل ضمان بقاء الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967.
ثمة ركيزة ثالثة للنظام السوري السابق تأمنت بعد قيام “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران عام 1979. تتمثل تلك الركيزة في الحلف الذي تكرّس بين النظام الإيراني والنظام العلوي. كان لبنان من ضحايا هذا الحلف الذي من نتائجه قيام “حزب الله” الذي حل سلاحه المذهبي مكان السلاح الفلسطيني بعد العام 1982.
لا شكّ أن تركة نظام آل الأسد ثقيلة جدا. لكنّ التصدي لهذه التركة يقوم قبل أي شيء على تفادي اللجوء إلى الوسائل التي اعتمدها الأسد الأب والأسد الابن طوال 54 عاما. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه في ضوء الأحداث الأخيرة هل في استطاعة “هيئة تحرير الشام” والفصائل الحليفة لها تأسيس نظام مختلف كلّيا عن نظام آل الأسد بعيدا عن فكرة الانتقام؟
أظهر أحمد الشرع منذ فرار بشّار الأسد إلى موسكو رغبة واضحة في الابتعاد عن الفكر الذي تحكّم بـ“هيئة تحرير الشام”. لكن الكمين الذي نصبته “فلول النظام السابق” لمجموعة عسكرية تابعة للسلطة الجديدة أدى إلى ردود فعل كان الرئيس السوري الجديد في غنى عنها. لا يمكن اللجوء إلى القتل ردّا على القتل في حال كان مطلوبا التأسيس لنظام جديد يتساوى فيه المواطنون السوريون بغض النظر عن انتمائهم المذهبي والطائفي والقومي.
ستكون الأيام المقبلة أياما حاسمة أمام النظام السوري الجديد، خصوصا أنّ إيران ستحاول وضع المسألة العلوية في سوريا في الواجهة. ليس سرّا أن الأحداث السورية تدور حاليا على خلفية منافسة شديدة بين إيران وتركيا حيث توجد أيضا أقلّية كبيرة (نحو 16 مليون علوي). صحيح أنّ هناك تمايزا بين علويي سوريا وعلويي تركيا، لكنّ الصحيح أيضا أنّ أي مجازر يتعرض لها علويو سوريا ستكون لها انعكاسات في الداخل التركي.
تحصد سوريا ما زرعه حافظ الأسد. المهمّ بالنسبة إلى شخص مثل أحمد الشرع الاقتناع بأنّ تلك التجربة الفاشلة يجب ألّا تتكرر، لا لشيء سوى لأن ذلك كفيل بتفتيت سوريا وتنفيذ الشعار الذي رفعه بشّار الأسد والعلويون من أنصاره في بداية الثورة قبل 14 عاما، شعار “الأسد أو نحرق البلد”.
لا يمكن الاستخفاف بالتحدي الذي يواجه النظام الجديد في سوريا الذي لا يستطيع تجاهل أنّ مراقبين دوليين رفعوا علم الأمم المتحدة ذهبوا حديثا إلى مناطق المجازر الأخيرة في الساحل السوري. يشير ذلك إلى مدى خطورة الوضع السوري الذي بات تحت المجهر الدولي. يحدث ذلك في وقت توجد فيه مخاوف تركية من انعكاسات للحدث السوري على الداخل التركي. أي دور ستلعبه تركيا في جعل شخصية أحمد الشرع مقبولة عربيا وإقليميا ودوليا؟
إعلامي لبناني
العرب
————————
سوريا رقم لا يقبل القسمة/ علي قاسم
رغم ما حدث خلال الأيام الماضية في منطقة الساحل السوري لن تجد بين أبناء الطائفة العلوية من يتحدث عن دولة علوية مستقلة ويصرون على رؤية أنفسهم جزءا لا يتجزأ من الكيان السوري.
الأربعاء 2025/03/12
مشاهد تثلج الصدر
قبل الكتابة عن أحداث الساحل السوري وعن توقيع الاتفاق مع الأكراد لدمج مؤسسات الإدارة الذاتية في إطار الدولة السورية، لي طلب بسيط أوجهه للرئيس أحمد الشرع، أن يعمل على إصدار قرار يحدث تبدلا كبيرا في الطريقة التي ينظر فيها العالم إلى الحكومة السورية الجديدة.
القرار هو رفع اللثام الذي يضعه عناصر من الجيش السوري والأمن العام على وجوههم خلال تنقلاتهم، لأن هذا اللثام يدفع إلى الربط بينهم وبين المقاتلين من الفصائل.
شخصيا، ليست لي مشكلة مع اللثام ورمزيته، ولكن أفضل ويفضل السوريون رؤية وجوههم والاستبشار بها، وأكاد أجزم أنهم شباب وُسَماء يمكننا أن نباهي بوجوههم الأمم.
تكفي الملابس العسكرية الرسمية لتمييزهم. إنهم نجوم سوريا، ومن حقهم أن يتباهوا وينالوا الشهرة التي يستحقونها.
أكتفي بهذا، لأتحدث عن مفاجأة لا تقل بوقعها عن مفاجأة انهيار نظام الأسد وهروبه خارج سوريا، وهي توقيع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الاثنين على اتفاق يقضي بدمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية.
حتى الدقائق الأخيرة، كان رهان الجميع على التقسيم، خاصة مع الأحداث الدامية التي شهدتها منطقة الساحل السوري. الرئيس الشرع نفسه تحدث عن الأضرار التي ألحقتها هذه التجاوزات بما تحقق من إنجازات على صعيد علاقة الحكومة السورية الجديدة مع دول العالم ومنظماته، مضيفا أن العمل على ترميم هذه الأضرار سيحتاج إلى وقت طويل.
بالنسبة إليّ، الحدث لم يكن مفاجأة، لأنني لم أراهن يوما على تقسيم سوريا. فسوريا رقم لا يقبل القسمة.
قبل ساعات من الإعلان عن الاتفاق، كتبت مقالا تحت عنوان “سوريا: الحل بالتسامح وتجاوز ثقافة الانتقام”، عرضت في المقال ما جاء على لسان ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق، من أن سوريا لا تبدو متجهة نحو نظام فيدرالي، بل نحو دولة مركزية موحدة، ويتعين على قوات سوريا الديمقراطية أن تصبح جزءا من الجيش التابع للحكومة السورية في دمشق، وتعمل تحت قيادتها.
واليوم يؤكد مظلوم عبدي بعد توقيع الاتفاق أن الإدارة الأميركية نصحت قيادة قسد بالتوصل إلى اتفاق مع الإدارة السورية الجديدة.
إنها مسألة أيام قليلة قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق ينظم العلاقة مع منطقة الجنوب السوري، ينهي التدخل الإسرائيلي ويضع حدا للإشاعات حول رغبة أبناء الجنوب في الانفصال عن سوريا، وهي إشاعات لا تؤيدها أي حقائق على الأرض. أبناء الجنوب يعتزون بانتمائهم إلى سوريا، ووطنيتهم لا يشك فيها. إنهم أحفاد سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى التي اندلعت عام 1925 وساهمت في إخراج الاستعمار الفرنسي من سوريا.
رغم ما حدث خلال الأيام الماضية في منطقة الساحل السوري، لن تجد بين أبناء الطائفة العلوية من يتحدث عن دولة علوية مستقلة، ويصرون على رؤية أنفسهم جزءا لا يتجزأ من الكيان السوري.
من منكم لم يشاهد صور ومشاهد الاحتفالات التي نقلتها الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي لآلاف السوريين الذين خرجوا في المدن السورية كلها، من الحسكة إلى القامشلي إلى دير الزور والرقة وحلب ودمشق وحمص وطرطوس واللاذقية، قبل أن يجف الحبر الذي استخدم للتوقيع على القرار.
إنها مشاهد تثلج الصدر، وتخفف من الألم الذي تسببت به صور القتلى المدنيين الأبرياء، وعبور الآلاف من سكان مدن وقرى ريف الساحل نهر الكبير الشمالي إلى لبنان هربا من القتل.
السؤال الآن يتركز على ما المطلوب عمله لإعادة الثقة وبث الطمأنينة في نفوس أبناء الطائفة العلوية، وأنهم ليسوا مطاردين ومدانين إلى أن تثبت براءتهم؟
هناك حل واحد، هو أن تبادر الحكومة لإعداد قائمة بأسماء كبار المطلوبين والمتهمين بتعذيب وقتل السوريين خلال حكم الأسد، حتى لا يشعر كل فرد عمل يوما ضمن سلك الجيش والأمن أنه مطلوب ومستهدف.
أبناء الطائفة العلوية ليسوا هم الوحيدون الذين عملوا مع النظام البائد، هناك أسماء يعرفها الجميع، من بين كل الطوائف والأقليات، عملت مع النظام، أياديها ملطخة بدماء السوريين.
بعد التوقيع على الاتفاق مباشرة، قفز سعر الليرة السورية 20 في المئة أمام الدولار. إنها علامة ثقة، تفسيرها الوحيد أن سوريا سائرة على طريق الاستقرار، وأن الاستقرار هو كل ما يحتاجه السوريون لينهضوا ببلدهم من جديد. وهم يستحقون الفرصة التي هيئت لهم.
كاتب سوري مقيم في تونس
العرب
——————————
مذبحة الساحل في السياق الإقليمي: تركيا تعزّز حضورها/ حسين إبراهيم
الأربعاء 12 آذار 2025
حتى إذا صحّت رواية أن الأمن العام السوري ليس مسؤولاً عن المجازر التي ارتُكبت في الساحل، فإن من ارتكبوها ممن يُطلق عليهم «مجموعات غير منضبطة»، لم يأتوا بالمصادفة إلى تلك المنطقة، بل هم جزء بنيوي من القوى التي سيطرت على سوريا بعد سقوط الرئيس السابق بشار الأسد، وجرى إرسالهم إلى الساحل عمداً، باعتبار الأخير مكمناً محتملاً للخطر على السلطة الجديدة، انطلاقاً من أن عدداً كبيراً من قادة الجيش والأجهزة الأمنية في النظام السابق يتحدّرون منه. لكن الأشهر التي مرّت منذ سقوط النظام، وفرار أركانه إلى خارج البلاد، ممن لم يقعوا في الأسر، وقبل ذلك خروج إيران و«حزب الله» وإلى حد ما الروس من سوريا، وبعده تقبُّل العلويين للنظام الجديد… كل ما تقدّم، جعل من الصعب على فلول السلطة المنحلة تشكيل حالة يمكن أن يكون لها مستقبل في سوريا، أو أن تهدّد السلطة الجديدة.
ما حصل أن هذه الأخيرة، عبر من أرسلتهم إلى الساحل، تمادت في التنكيل بالعلويين، بحجة مطاردة فلول النظام، ولم تستجب لمطالب وجهاء الساحل ومشايخه بوضع قوائم بأسماء المجرمين الذين نكّلوا بالشعب السوري في أيام النظام السابق، ولا أقامت نظاماً واضحاً للمحاسبة، ما أبقى الطائفة العلوية بأكملها في دائرة الاتهام، وجعل الحياة غير محتملة بالنسبة إليها، وولّد احتقاناً ما كان ممكناً إلا أن يوصل إلى الانفجار الأخير.
غير أن الأحداث تتجاوز كل ذلك، وتشي بأن ثمة تواطؤاً خارجياً واكبها من جهات تريد التأثير في عملية إعادة تشكيل سوريا، والتي ما تزال بعيدة من أن تكون منجزة، وتعترضها عقبات كبيرة نتيجة الصراع الناشئ بين قوى إقليمية ودولية، يريد كل منها أن يأخذ البلاد في اتجاه يخدم مصالحه. وهنا، يمكن القول إنه لم يكن ممكناً أن يحصل ما حصل، إلا تحت إشراف تركي وثيق، باعتبار أنقرة مالكة أكبر الحصص في سوريا ما بعد الأسد؛ وتبدأ المؤشرات إلى هذا التورط، من الصمت التركي على المذبحة، بل تشجيع الفصائل المتحركة في الساحل على تأديب هذه المنطقة وجعلها عبرة لكل من يحلم بالانفصال عن دمشق، ولا تنتهي بكون تلك الفصائل نفسها التي انحلّت واندمجت في الجيش الجديد، أساسها «الجيش الوطني السوري» الذي يقع مباشرة تحت الإدارة التركية.
وليس منطلق تركيا في ما تقدم، هو أن الساحل مشروع انفصال داهم؛ إذ إن الأخير هو الأقل ميلاً إلى هذا الخيار بين مناطق سوريا المرشحة لتشكيل كانتونات، بل إنه هو الحلقة الأضعف في سوريا الجديدة. ذلك أن مشاريع الانفصال الأكثر إلحاحاً في الوقت الراهن تقع في الشمال الشرقي والجنوب، وهي محمية إسرائيلياً أو أميركياً، بما يردع أنقرة وحلفاءها في دمشق عن الاقتراب منها، ويخيف الذين نفروا إلى «الجهاد» في الساحل، ويمنعهم من الإتيان بأي حراك في المنطقتين المذكورتين، بل حتى في جرمانا على بعد كيلومترات قليلة من القصر الرئاسي في دمشق.
وإلى جانب هذا السلوك التركي، ثمة تواطؤ خليجي عكَس غض نظر أميركياً وغربياً عن مذبحة الساحل التي قلَبها الإعلام الخليجي، وخاصة القطري والسعودي، بشكل لم يسبقه إليه أحد، ليجعل الضحايا هم المذنبون، باعتبارهم من فلول النظام، حتى إن كانوا أطفالاً ونساء وشيوخاً، ويصوّر الوحوش البشرية من الأجانب الذين تفاخروا بذبح النساء والأطفال بالسكاكين في بيوتهم، على أنهم ضحايا.
على أي حال، فإن ما جرى كان بشكل أو آخر، تذكيراً عبر دماء العلويين، بمن هو المنتصر ومن هو المهزوم في ما جرى في سوريا، والذي يشكّل بدوره جزءاً من جولة القتال الأوسع بين التحالف الغربي – الإسرائيلي، ومناهضيه، والتي بدأت في 7 أكتوبر 2023، وامتدت من قطاع غزة إلى اليمن، مروراً بلبنان وسوريا والعراق؛ فيما لا بأس على هامش المذبحة الجارية، في أن يعيد المنتصرون توزيع الأنفال في ما بينهم. إذ بدا لوهلة أن إسرائيل على وشك أن تنجح في سرقة الانتصار التركي، عبر الدفع نحو تقسيم سوريا عبر مد مظلّتها الحمائية لتصل إلى أبواب دمشق في أحداث جرمانا، وكادت تجعل الوالي التركي على العاصمة السورية بلا سلطة أو تاثير في الكثير من المناطق، وتفرض واقعاً يحوّل النصر الذي حقّقته أنقرة إلى تهديد كبير لها، عبر التقسيم الذي تتصدّره المنطقة الكردية في الشمال الشرقي.
على أن العرب أيضاً، باستثناء الإمارات، لا يتحمّلون سوريا مقسّمة في جوارهم. وهم وإن كانوا غير سعداء بالهيمنة التركية على النظام الجديد، ولكن ضررها يبقى أقل بكثير مما ينطوي عليه المشروع الإسرائيلي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وليس سوريا فقط، من مخاطر كيانية على دولهم. وهي مخاطر تتجلى بشكل رئيسي في مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وربما الضفة والداخل، إلى بعض تلك الدول، واقتطاع أراضٍ من أخرى مجاورة، ما من شأنه أن يشوّه الخريطة ويضع حدود كل البلدان العربية وأنظمتها السياسية على المحك.
الاخبار
——————————–
المقتلة السورية/ أيهم السهلي
الأربعاء 12 آذار 2025
يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه الخالد «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» إن «الله جلت حكمته قد جعل الأمم مسؤولة عن أعمال من تحكمه عليها. وهذا حق. فإذا لم تحسن أمة سياسة نفسها، أذلها الله لأمة أخرى تحكمها، كما تفعل الشرائع بإقامة القيم على القاصر أو السفيه، وهذه حكمة. ومتى بلغت أمة رشدها، وعرفت للحرية قدرها، استرجعت عزها، وهذا عدل».
لا فرق جوهرياً بين ما حدث في سوريا خلال الأيام الماضية من مقتلة، وبين ما حدث على مرّ نحو 13 عاماً ماضية، أثناء خروج الشعب السوري بثورة أو انتفاضة (سموها ما شئتم)، فقد قتل النظام بجيشه وأمنه وشبيحته بالطريقة ذاتها التي شهدتها سوريا هذه الأيام.
المقتلة مستمرة، هذه حقيقة، وربما لن تتوقف في وعي الناس وضمائرهم، فالجروح غائرة، والسلوك اليومي في البلاد يكبس الملح في هذه القلوب المتفجرة ألماً. قبل 8 كانون الأول 2024، كان هذا ينطبق على «مؤيدي» نظام بشار وحافظ الأسد، وبعد سقوطه بأشهر أو أقل بقليل، صار ينطبق على من كانوا «يعارضون» الهارب الفار إلى موسكو.
ما هو مؤسف، أن الجروح الغائرة لا تريد أن تستريح لتشفى، فتزداد شماتة بالآخرين، ومن قبل حدث ذلك. والمؤسف في الأمرين، أن هناك من لم يكترث للموت الكثير الذي حصل، وفي الأمرين كان هنا شمّاتون وشتامون للمقتولين، كأن أرواح الناس ليس لها قيمة، وليست أهلاً للحياة، ما دام أنها في الموقف الخصم.
رقصوا كثيراً فوق الجثث، وعادوا إلى بيوتهم لتدليع أطفالهم، من قبل تاريخ السقوط، وتبدلت الأدوار بعد تاريخ السقوط، التاريخ الأهم ربما في سوريا منذ أكثر من ستين عاماً. هذا الرقص الفرح الطرب، هو انتقام، والساعين وراء الانتقام ليس في وسعهم بناء دول، وليس في وسعهم الانتماء إلى أوطان، والأكثر، أنهم أكثر الأعداء عداء لأوطانهم.
والمؤسف مرة أخرى أن الناس لا يفكرون في مآل الطاغية مهما طال به الزمن، ومهما شعر بأنه إله وأشعر الآخرين بأنه خالد، هم وعائلته من بعده حكماً وتوريثاً، فالقاتل الرئيسي بشار الأسد، وريث نظام القتل عن أبيه حافظ، هرب وترك الناس، وهل هذا مستغرب؟ مستغرب فقط لدى من أخذوه بحسن الظن، فلا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يكون الطاغية أفضل من ذلك.
ولذلك يعود اليوم عدد من الأسئلة إلى الحياة، كتلك المتعلقة بسماح العالم له بالمقتلة السورية التي راح ضحيتها مئات الآلاف من البشر على الأقل، والتي أنهت ما كان يمكن أن يكون وطناً للجميع، فكل ادعاء عن المواطنة السورية، محض شعارات بعثية فارغة، أفقدتها البراميل كل معنى، واليوم كل رصاصة أطلقت على مدني في الساحل السوري، أكملت المهمة. والأكيد أن أمام السوريين والسوريات الكثير الكثير من العمل، للوصول إلى الوطن، واستبعاد كل من يتدخل من خارج سوريا، تحت أي ذريعة وادعاء كان دينياً أو سياسياً أو غيره.
الفرق بين اليوم والأمس القريب، أن اليوم في إمكان الجميع أن يكتب، بينما من قبل، لا، كان الأمر يكلف المرء روحه، إن لم يكن في الحد الأدنى اعتقاله في أحد السجون إلى أن يشاء الله. أمّا الكلام اليوم، فليس يسيراً فعلاً، فكل كلمة في وجه المقتلة، تقابل بكلام غريب يبرر الدم المسفوح، وكأن الذي يحدث هو الطبيعي، وما عداه ليس كذلك، وكأن الوقوف في وجه القتل الآن، يعني دفاعاً أو قبولاً بالجرائم الكثيرة جداً التي ارتكبها النظام السابق. وهذا الحال، لا يفرق كثيراً عن الاعتقال أو الإعدام المعنوي بسبب الرأي، أي رأي، المدين لقتل المدنيين.
أمّا الأسوأ من ذلك بكثير، فأن تجد السلطة الحالية في سوريا نفسها في وضع يسمح لها بقمع الحريات، تحت مسميات جديدة، كالصالح العام، التآخي الاجتماعي، وغيرها من المصطلحات. فما يحدث اليوم مصغّر جداً عما حدث في حماة 1982 لمّا ارتكب النظام، برئاسة حافظ الأسد وشقيقه رفعت، المجزرة المروعة في محافظة النواعير، وما استتبع بعدها من قمع هائل في البلاد، إذ «ربّى» الأسد الأب سوريا بمجزرة حماة.
من المعلوم والمؤكد، أن كل ما سبق، سيهيج الجميع، ويجلب عليّ الشتائم من الجميع، في سوريا وخارجها. لكن إن كان لذلك إيجابية واحدة، فهي اتفاقهم، ولو على شتيمة. لكن ما لا يعلمه كثر، أن سوريا ستلملم جروحها، وستلفظ القلوبُ الطيبة السورية بغلظة كل القتلة، لن تقبلهم، ولن تسمح لهم أن يكونوا بينها، فالسوريون يعرفون بعضهم بفقرهم المديد، الفقر الذي كان يدفع الجيران لتبادل صحون الطعام بشكل شبه يومي، وتبادل التحية كل ما التقوا في الطريق أو على ناصية الدرج، الفقر الذي لم ينحرم منه بيت سوري، قادر مرة أخرى على لملمة الناس على قلب واحد، قلب سوريا الطيب.
* صحافي فلسطيني
الاخبار
—————————-
عن العنف وما يسبقه ويليه…/ حازم صاغية
تحديث 12 أذار 2025
ما شهده الساحل السوريّ بدأه عمل إرهابيّ نفّذته «فلول» النظام البائد. لكنّه سريعاً ما تعدّى ذلك، وتعدّاه كثيراً، ليطرح جملة من الأمور المُلحّة في حياتنا وسياساتنا: كيف نتعامل مع أحقاد ونزعات ثأر؟ وكيف نفكّر بالاجتماع السياسيّ في مجتمع متعدّد؟ وكيف تُردَع الأفكار المتطرّفة وأصحابها عن التحكّم وصناعة القرار؟… بيد أنّ أمراً آخر جدّدت الأحداث المؤلمة إحياءه، هو العنف واستسهال العنف في صنع حياتنا.
فهناك، والحقّ يقال، ميل راسخ يدفعنا إلى توهّم السيطرة على العنف، بحصره في مكان وحجبه عن مكان، وباستخدامه هنا وتعطيله هناك، ومن ثمّ سَوقه إلى ما يخدم أغراضاً نراها مُحقّة. والميل هذا غالباً ما تعتمده الحجج المبرّرة للعنف، فيما التيّارات السائدة في ثقافتنا السياسيّة تشجّع على معانقة ذاك التوهّم. فقبل عقود على نزع حركات الإسلام السياسيّ كلّ تأويل مجازيّ عن مفهوم «الجهاد»، تأثّرت أحزاب مشرقيّة كـ»السوريّ القوميّ» و»حركة القوميّين العرب»، بالفاشيّات الأوروبيّة، رافعةً القوّة إلى مثال. وبدوره علّمنا الطبيب المارتنيكيّ فرانس فانون، نتيجة انكبابه على الجزائر وثورتها، أنّ العنف في مواجهة المستعمِر فعلٌ علاجيّ يطهّر نفس المضطهَد. ومع الثورة الإيرانيّة في 1979 ازدهرت نظريّة تقول إنّ الخمينيّ أحدث تحويلاً كبيراً بأن نقل العنف الطقسيّ الذي يرتدّ على الذات إلى عنف يتّجه إلى «الإمبرياليّة وعميلها الشاه». ودائماً كان يظهر من يعظنا، كلّما اهتزّت أوضاع داخليّة في بلد عربيّ، بأن نوجّه البنادق إلى صدر «العدوّ الصهيونيّ».
لكنّ زمناً قصيراً نسبيّاً بدا كافياً للبرهنة على فداحة الأخطاء المقيمة في تلك التعاليم. فالجزائر لم يردعها «تطهير نفسها» بـ»مليون شهيد» عن حرب أهليّة مديدة وباهظة الكلفة بين الجزائريّين أنفسهم. وكانت كلّ قفزة تقفزها إيران الخمينيّة في التطرّف ضدّ الإمبرياليّة ترفع معدّلات العنف الموجّه إلى الذات وطقوسه. أمّا «العدوّ الصهيونيّ» فلم تزدهر الحروب والنزاعات الأهليّة، العربيّة – العربيّة، كما ازدهرت في مراحل توجيه البنادق إلى صدره…
ذاك أنّ العنف يشبه عوامل الطبيعة الجامحة التي ظنّ فلاسفة ما قبل الفلسفة أنّها مصدر العالم وسببه. فعلى عكس ما يقوله مهندسوه، يستحيل التحكّم بأشكال العنف ومجاريه، تماماً كما يستحيل التحكّم بمجاري الهواء والنار والماء وباندفاعها…
أمّا أن يكون العنف قد احتلّ موقعاً مركزيّاً في الماضي، وهذا صحيح، فليس بالحجّة الكافية لمنحه موقعاً مركزيّاً في المستقبل. فمثل هذا التسليم بأنّه سوف يبقى «قاطرة التاريخ» لأنّه كان كذلك، يُعلنُنا عطالةً سلبيّة في مواجهة العنف، عطالةً لا تنتفع بحضارة أو بتقدّم أو بتجربة.
وما دمنا ضعفاء، تعوزنا مصادر القوّة، فكلّ ما تفعله الآيديولوجيات العنفيّة هو تعويضنا ضعفَنا بإشاعة الوهم حول قوّةٍ تقيم فينا، وهو ما لا يُترجم في الواقع إلاّ تداولاً لتلك القوّة المزعومة في ما بيننا. ولئن استوطننا إحباط ناجم عن الصدام بين صورتنا عن العالم، بوصفه قتالاً ومقاتلين ينتصرون، وواقع الهزائم الفعليّة، توهّمنا مجدّداً أنّنا نعالج إحباطنا بمزيد من العنف الذي، لا محالة، سيعطينا الحقّ ويأتينا، هذه المرّة، بنصر مؤزّر.
صحيح أنّنا، في تاريخنا الحديث، عرفنا حركات سياسيّة سلميّة، ربّما كان «حزب الوفد» المصريّ قد افتتحها بثورته في 1919. وسلميّةً كانت الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى التي انطلقت في 1987، وكذلك بدايات «الربيع العربيّ» قبل أن يطحنه بعنفهم الحكّام والإسلاميّون. لكنّ الأشكال العنفيّة كانت دائماً تستولي على المشهد، سيّما وأنّنا لم نعرف حركات سلميّة يُعتدّ بها. هكذا لم تُجفّف مصادره في حياتنا فيما السياسة مُستبعَدَة والتعبير مخنوق والعدالة التي تُنصف الضحايا منتهَكة.
فنحن لم ننجح مرّةً في التمييز بين الانتصار لفكرة والانتصار لجماعة، ولم نتمكّن من منع انتصار فكرة على فكرة أن يتحوّل انتصاراً لجماعة على جماعة. كذلك لم تُبذل جهود جدّيّة للتوفيق بين انحيازنا إلى فكرة وامتحان الفكرة هذه على إرادة غيرنا من السكّان، أو على مدى تحمّل المجتمعات لما يرتّبه انتصار فكرتنا. وإذ اجتمعت عبادة القوّة واحتكار الحقّ اللذان تبثّهما فينا وسائط عدّة، قديمة تمّ تحديثها وحديثة روحها غائرة في القِدَم، مع نظرة تآمريّة تحترف صناعة الشرّ بأيدي قوى لا تتغيّر ولا تتبدّل، وجدت القوّة والمقاومة تبريرهما بوصفهما قَدرنا وكلّ ما يتبقّى لنا.
وفي ظلّ شعارات موبوءة كـ»حرب وجود لا حرب حدود» و»رفض أنسنة العدوّ»، سُدّت الأبواب في وجه احتمال التسامح بين طرفين متنازعين، فدُفع الجميع إلى التثبّت في تركيبهم الأصليّ والعصبيّ الذي لا يليق به شيء كما يليق العنف الإباديّ.
والحال أنّ ما من قضيّة تبرّر العنف الأعمى. ولربّما جاز القول الآن، وقد أتيحت فرصة كبرى للسوريّين واللبنانيّين، بمنتصريهم وبمهزوميهم، أنّ الخيار ينتصب، كما لم يكن قبلاً، بين السياسة والعدالة وبين القوّة المُفضية إلى التوحّش، والتي تحوّل البدايات المحتملة إلى نهاياتٍ مؤكّدة.
الشرق الأوسط
—————————-
سوريا الواقع والافتراض/ طارق الحميد
تحديث 12 أذار 2025
أحسن الرئيس أحمد الشرع في الخطوات التي اتخذها من أجل نزع فتيل أزمة خطرة، تهددت سوريا في بضعة أيام بشكل لافت ودراماتيكي، لأن مستصغر الشرر بأحداث الساحل وقفت خلفه رياح عاتية من التحريض والتضليل.
ولا يمكن الاستخفاف بالدم والقتل والأعمال الانتقامية، ولو وقعت بحق إنسان واحد، وليس مائة، أو مئات، فحقن الدماء مقدم على كل شيء، وأياً كانت الدماء سواء لمواطنين أو رجال أمن، كما أن نبذ الطائفية أمر واجب في الدولة، أي دولة.
نزع الرئيس الشرع فتيل الأزمة، واتخذ إجراءات مهمة فاقت تصور داعميه من السوريين، وهي إجراءات عقلانية لخَّصها بقوله إن المخطئ سيُحاسب ولو كان قريباً منه، وتوَّج جهوده تلك بحكمة نتج عنها إبرام اتفاق مع «قسد».
وهو ما يعني أن الشرع، وبكل حكمة، استعاد جغرافياً ثلث الدولة، وبتوقيت مهم، ورغم أن أصواتاً كثراً كانت تطالبه بمواجهة الأكراد، فإنه فضَّل الحكمة والمفاوضات. والإشكالية أن كل ذلك لا يعني أن سوريا قد تجنبت الأزمات.
والسبب أن هناك واقعاً بسوريا، وأن هناك عالماً افتراضياً يؤطر الأحداث فيها. والقصة ليست قصة وسائل التواصل، أو الإعلام، بل أكبر. فمنذ اندلاع أحداث الساحل السوري أجد سؤالاً واحداً على لسان كل مَن ألتقيه أو أتواصل معه.
والسؤال هو: «ما حقيقة ما يحدث بسوريا»؟ وعندما تشرح تأتي الإجابة أيضاً واحدة: «الآن فهمت». وهو سؤال السعودي، والسوري، واللبناني، والمصري، والغربيين. وقد يقول القارئ: ومَن يقول إنك تملك الإجابة الصحيحة؟
وهذا سؤال مهم، والسبب أن التضليل على سوريا كبير، وهو استمرار لما شهدناه من تضليل فيما عُرف زوراً بـ«الربيع العربي»، بل وتطور في آليات التضليل. فمنذ «الربيع العربي»، وبقيادة الرئيس الأميركي الأسبق أوباما، بدأ التضليل حول سوريا حين سمّاها «الحرب الأهلية».
ورغم أن السوريين لم يرفعوا السلاح، وإنما كانت مطالبهم مشروعة، إلى أن بدأ «القمع الأسدي»، ثم التدخل الإيراني و«حزب الله» وكذلك التدخل الروسي، وباقي القصة معروف. ومن حينها لم يتوقف التضليل تجاه سوريا.
واختلطت الأوراق عندما اعتقد البعض أن هناك «كتالوج» موحد للمنطقة، وكل ما له علاقة بالإسلام السياسي، والدليل أن أحداً لم يلحظ كيف صمت الإسلاميون حول التدخلات الإسرائيلية بسوريا، بينما هَبُّوا بقصة تهجير غزة!
وعليه، هناك واقع في سوريا اليوم يتم تجاهله، وهناك عالم افتراضي يتم تداوله، والأمثلة كثيرة، فرغم كل ما قدمت سوريا الجديدة من خطوات إيجابية، وفي ظرف 3 أشهر، فإننا نجد تشكيكاً ممنهجاً.
يخرج فلول الأسد بالسلاح، وبمساعدة من «حزب الله» وإيران، وبالأشكال كافة، ومنها الإعلامي، فتجد صوتاً عالياً يحدثك عن «مجزرة» و«طائفية»، وتنتشر الصور المزيفة بوسائل التواصل، وتنطلق المطالبات بتدخل خارجي.
ومطالبات بإطالة أمد العقوبات، وزيادتها، ومن أشخاص طالما أشغلونا بالمواطنة، واستعادة الدولة، ووقفنا معهم سابقاً، وتحديداً في العراق ولبنان، لكن اتضح أنهم ينطلقون من منطلقات طائفية، وتحت غطاء «حماية الأقلية».
وعليه، فخير ما يمكن فعله لسوريا اليوم هو دعمها، بحمايتها من تدخل بعض دول الجوار. وهذا يتطلب موقفاً حقيقياً من أصدقاء سوريا الجديدة.
الشرق الأوسط
————————
لعنة الاستئثار بالسلطة: سوريا ومجازر الطائفيين/ رفيق خوري
خامنئي تحدث منذ اليوم الأول عن “شباب ثوري” سيتحرك لإسقاط الوضع الجديد
الأربعاء 12 مارس 2025
سوريا هي ميزان الاستقرار أو الفوضى في الشرق الأوسط، ومن هنا أهمية الحفاظ على وحدتها وسلامة أراضيها وقيام نظام ديمقراطي تعددي فيها يشرف على إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي.
كان رئيس الوزراء البريطاني الراحل هارولد ويلسون يقول “أسبوع في السياسة زمن طويل”، وثلاثة أشهر على الإدارة الجديدة في سوريا هي في السياسة دهر. فما حجب تاريخ “هيئة تحرير الشام” السلفية في إدلب هو الرصيد السياسي الذي أعطي لها في الداخل والخارج من خلال أمرين مهمين، إسقاط نظام بشار الأسد وإخراج إيران وأذرعها من سوريا، بحيث جرى كسر الهلال الإيراني عبر خسارة الجسر السوري. وما كشفت عنه ممارسة السلطة هو حاجة الرئيس أحمد الشرع إلى إضافة أمور أخرى إلى الرصيد، دور التنوع السوري في السلطة وما يسميه فرانسيس فوكوياما “رأس المال الاجتماعي”، فضلاً عن حماية حدود سوريا التي تبدو فالتة في الجنوب وأماكن أخرى، وإجراء تسويات في الساحل السوري والسويداء ودرعا وشرق الفرات حيث “قوات سوريا الديمقراطية” ذات الغالبية الكردية.
ولا مفاجأة إلا في سرعة التنسيق والتخطيط والتنفيذ لعمليات عسكرية في الساحل السوري ضد الإدارة الجديدة في ذكرى استيلاء البعث على السلطة يوم الثامن من مارس (آذار) عام 1963، ولا من المألوف في الرد العسكري تداعي مجموعات مسلحة ليست ضمن إطار السلطة للقتال إلى جانب قوات الجيش والأمن العام وارتكاب مجازر ضد المدنيين على خلفيات طائفية. والباقي وقائع وتوقعات مؤكدة، فالدرس مكتوب على الجدار في التجربة الطويلة لنظام البعث وآل الأسد، لا خيار أمام أي طرف يستأثر بالسلطة وحده سوى ممارسة القمع والعنف إلى الحد الأقصى، والدرس الآخر وفي الكتب وعلى الأرض، لا حماية لأي سلطة إلا بأن تعكس التعدد والتنوع في المجتمع وتمارس الحكم الديمقراطي وشعار “لو دامت لغيرك لما وصلت إليك”.
ومن المهم إجماع الدول العربية والأجنبية على إدانة التمرد على السلطة من جانب الذين مارسوا القمع والنظام والمجازر وإدانة المجازر المروعة ضد المدنيين على خلفيات طائفية، وسط مسارعة الخطباء في إيران إلى استخدام تعبير “المقاومة ضد مسلحي تحرير الشام” والقول إن توقعات المرشد الأعلى علي خامنئي “قيد التحقيق”. لكن الأهم أن يسارع الرئيس الشرع إلى إنهاء المرحلة الانتقالية وتأليف الحكومة الشاملة بكل ما في المجتمع من تنوع، وإلا فإن مستقبل سوريا يراوح ما بين الصومال وليبيا.
فـ”هيئة تحرير الشام” أصغر من سوريا و”حكومة إدلب ليست على قياس دمشق” واندماج 18 فصيلاً مسلحاً لا يصنع جيشاً سورياً. فلا وثيقة صدرت حتى الآن ذكرت كلمة “ديمقراطية” بل بقيت في العموميات ولا استيلاء حكومة إدلب على كل مفاصل السلطة في سوريا يترك لأي حكومة شاملة، إذا جرى تأليفها، سوى العمل على طريقة الحكومات التي شكلها الأسد، الظهور في المنصب، لا ممارسة السلطة.
ومن الوهم تجاهل الأخطار والتحديات الداخلية والخارجية. فماذا تتوقع الإدارة الجديدة عندما تقرر تسريح مئات الآلاف في الجيش والأجهزة الأمنية والإدارة، كما فعل بول بريمر في العراق، حيث قوي تنظيم “القاعدة” وظهر “داعش”؟ ماذا عن الفقر الذي وصل إلى 90 في المئة من السوريين؟ وماذا عن هذا المناخ الذي تستطيع قوى خارجية استغلاله لتنفيذ مخططاتها؟
خامنئي تحدث منذ اليوم الأول عن “شباب ثوري” سيتحرك لإسقاط الوضع الجديد ومستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي يرى “احتمال حرب أهلية” في سوريا، وإسرائيل التي دمرت كل أسلحة الجيش السوري واحتلت المنطقة العازلة وما بعدها، لا سيما مرتفعات جبل الشيخ توحي أن برنامجها المقبل هو تقسيم سوريا وأميركا تحت إدارة الرئيس دونالد ترمب تدعم حكومة بنيامين نتنياهو في كل ما تفعله في سوريا وغزة والضفة الغربية ولبنان.
وتركيا التي ربحت الحرب في سوريا عبر دعمها “هيئة تحرير الشام” والاستيلاء على السلطة تسعى إلى إكمال ما ربحته عبر ضرب “قوات سوريا الديمقراطية” والسيطرة على شرق الفرات بعد السيطرة على غربه واستخدام سوريا في دور البوابة التركية إلى العالم العربي، وروسيا تريد ما هو أكثر من الحفاظ على قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية والعراق خائف من فوضى في سوريا تنتقل إليه ولبنان ليس في منأى عن أية مشكلة تضرب سوريا، لا بل إن سوريا هي ميزان الاستقرار أو الفوضى في الشرق الأوسط، ومن هنا أهمية الحفاظ على وحدتها وسلامة أراضيها وقيام نظام ديمقراطي تعددي فيها يشرف على إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. فلا دولة اللحى الطويلة يمكن أن تكون مستقبل سوريا ولا قول أحمد الشرع “إن سوريا ليست أفغانستان” يكفي، إذ ماذا لو كانت دمشق على الطريق إلى “نظام ’طالبان لايت‘”؟ ولا أحد يعرف ما الذي تستطيع روسيا فعله بـ”الاستعداد لتنسيق الجهود بصورة وثيقة مع الشركاء الأجانب لخفض التصعيد” في سوريا كما قال وزير الخارجية سيرغي لافروف. لكن الكل يعرف ما يستطيع الشعب السوري فعله للبلد إذا تمتع بالحرية ولم يوضع مرة أخرى في سجن نظام شمولي، سواء كان سلفياً أو مدنياً.
و”الويل لأمة تحسب المستبد بطلاً وترى الفاتح المذل رحيماً” كما قال جبران خليل جبران.
—————————-
أعلمُ كل شيء.. وأريد بناء سوريا مع العلويين/ مالك داغستاني
2025.03.12
نعم، أعلم كسوريّ، أن معظم مدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان الطارئين اليوم، ممن ملؤوا الساحات والصفحات فجأةً، كانوا صامتين لسنوات، ولم تتحرك ضمائرهم لموت سوريين (آخرين) بمئات الآلاف، خلال أربعة عشر عاماً. ولست غبياً بما يكفي ألا أستطيع قياس درجة حرارة حقوق الإنسان لديهم، مع كل حدث بحسب طائفة الضحية.
وأعلم أيضاً أن ما جرى في الأيام الأخيرة، مخطط له من فلول الأسد، وأن المتورطين بالآلاف، وأن هناك غرف عمليات، قد يكون بعضها خارجياً، دفعتهم لما قاموا به من هجمات منسّقة بعد أن أمّنت تسليحهم. وأن هدف هؤلاء النجاة من المحاسبة، وأنا مقتنع بأن من واجب الحكومة الجديدة ملاحقتهم واجتثاثهم عن آخرهم, لقتل أي أمل لديهم ولدى داعميهم بأن سوريا ستعود لآل الأسد أو لمن يشبهونهم.
وأكثر من ذلك، أعلم، ولا أحتاج لمن يخبرني، أن شهداء الأمن العام والجيش وأعداد من المدنيين الذين وقعوا ضحايا تلك الهجمات المنسّقة، فيما بدا وكأن هناك ساعة صفر متَّفق عليها، هم شباب لهم أسماء وأمهات وآباء، وليسوا مجرد أرقام، وأكثر من ذلك أرى أن فقدهم هو خسارة إنسانية ووطنية، وأنهم قُتلوا غدراً بيد مجرمين سفلة لهم تاريخ إجرامي مع نظام الأسد.
كما وأعلم، مثلكم جميعاً، أن عدم الإسراع في تحقيق العدالة وسوق المجرمين إلى المحاكم، سيدفع أهالي الضحايا، لأخذ الانتقام على عاتقهم.
وأعلم، أو على الأقل أُقدِّر ولا أستطيع أن أنفي، أن هناك احتمالاً، يجب أخذه بالحسبان، أن يكون بعض من صفَّى مدنيين علويين في عدة حالات، هم من فلول الأسد أنفسهم.
كانت كل تلك المقدمات، نوعاً من محاولة ردٍّ على من يسخرون من رهافة حسّ بعض المعارضين الذين رفعوا صوتهم ضد قتل المدنيين في قرى الساحل. ورد على من يحاول تذكيرنا بجرائم الأسد ومواليه، باعتبارنا لا نعلم. أقول إن كل ذلك الذي أعلمه، هو ما يخيفني أكثر على سوريا الجديدة التي يريدها السوريون، والتي أريد حمايتها مثل كل سوريّ شعر بالنصر والفرح يوم سقوط الأسد.
وهذا تحديداً ما يجعلني لا أقبل بتلك الانتهاكات التي حصلت ضد مدنيين علويين أبرياء. خوفي على سوريا القادمة هو ما يجعلني أُسمّي الجريمة جريمة، حتى لو ارتكبها أقرب الناس إليّ. ويدفعني لأسمّي المختبئين خلف التبريرات والفبركات، وظنّهم أنهم يدافعون عن البلد والحكومة الجديدة بإنكار الجرائم، وأحياناً تحميلها لغير مرتكبيها. يدفعني لأسمِّي هؤلاء وأصنّفهم في خانة أعداء سوريا الجديدة، رغم أنهم يعتقدون، عاطفياً، العكس تماماً.
من المفارقة أن تتحول فجأة، لدى منكري الجريمة أو التخفيف من وقائعها، بعض فصائل القتل والارتزاق والنهب والسرقة، المعروفة بتاريخها وممارساتها في شمال غربي سوريا، أن تتحول فجأة بعد سقوط الأسد، لتكون فوق الشبهات! رغم أن هؤلاء أنفسهم قد خبروها وخبروا أفعالها وممارساتها الإجرامية، بل وقالوا فيها ما لم يقله مالك في الخمر.
كانت مأثرة لهيئة تحرير الشام ما أبداه منتسبوها، خلال أيام التحرير وحتى في الشهور التالية، من انضباط في السلوك ومعاملة المدنيين بمن فيهم حواضن الأسد، وقد حاز الأمر احتراماً بل وإشادة واسعة من السوريين وغير السوريين، ووصلت أصداؤه إلى المجتمع الدولي. فلماذا ترفضون اليوم المحافظة على تلك السمعة؟ ولماذا بدل النفي والإنكار، لا نسمي المنتهكين ونعزلهم ونقدمهم للمحاكمات، لتبقى الصورة كما كانت.
بسذاجة يظن هؤلاء، أنهم بما يفعلون إنما يساعدون الإدارة الجديدة، فيتصرفون بذات غباء إعلام الأسد، عبر إنكار الجريمة أو تحميلها للآخرين بحبكات ركيكة، وبطريقة يمكن وصفها بالجبانة، خائفين من الاعتراف بالحقائق. بل ويتهمون، بسخرية بليدة من يسمون الأشياء بمسمياتها، بأنهم من المثقفين ومن ذوي الإحساس المرهف (الصفتان الأخيرتان شتيمتان بعرف هؤلاء). كما فعلت ممثلة المرأة في القيادة الجديدة، قبل أن تسحب كلامها المخجل، وحسناً أن وُجِد هناك من أنّبها لتخجل من فعلتها.
ليسا ماءً وزيتاً لا يجتمعان، أن نتحدث وندين محاولة مجرمة قام بها الفلول أدت إلى مقتل عناصر الأمن العام والمدنيين وأشعلت الساحل، وبذات الوقت ندين جرائم قتل وإعدام ميداني ضد مدنيين علويين أبرياء ارتكبها مجرمون (لا أفضل استخدام تعبير “عناصر غير منضبطة”)، ولا معنى لأي تخندق متحجّر في جانب واحد، وإعماء العيون عما يجري في الجانب الآخر، بل وإنكاره بحجة أن بعض الصور مفبركة. نعم هناك ضخ إعلامي وفبركات، خصوصاً على وسائل التواصل لتضخيم الأعداد، لكن هذا لا ينفي وقوع المذبحة.
إخوتي (الثوار)، لست مغرقاً في الرومانسية. عركتني الحياة بقسوة مثل كثيرين. ونالت مني في الكثير من المحطات وهزمتني في بعضها، ولا أريد أن أقع اليوم فريسةً لهزيمة أخرى أمامكم، هي هزيمة أخلاقية بالدرجة الأولى. امتلاك الشجاعة لقول الحق، وامتلاك روح العدالة بدواخلنا، دون خوف ودون أن تهتز ضمائرنا أو تنزاح حسب انتماءاتنا الفرعية إن كانت دينية أو طائفية أو عرقية، لهو أمر يرتفع بنا وبإنسانيتنا وينتصر لها. يجب بناء سوريا الجديدة على أساسات ومداميك نظيفة، وليس على ركام من الكذب المكشوف، وفي أحسن الحالات على اعترافات مجتزأة تتداولونها مرغمين، بعد أن انتشرت الصور ووصلت إلى الإعلام العالمي.
صبيحة مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية صيف عام 2013، ظهرت بثينة شعبان المستشارة الإعلامية الوقحة للمجرم الفار على إحدى القنوات الفضائية الدولية، وادّعت، حين لم يعد الإنكار ممكناً، أن ضحايا الكيماوي هم أطفال من الساحل، اختطفتهم العصابات الإرهابية المسلحة وقتلتهم في الغوطة. طبعاً ليس خفيّاً على أحد أن هناك جهات تعمل اليوم بدأب لتهويل ما جرى، ووصفه بمسميات حقوقية مُبالغ بها، لتحريض جهات خارجية للتدخل، مع أحلام ساذجة عن تغيير النظام الجديد. كل هذا لا يلغي أنه من البلاهة، وليس فقط من باب انعدام الضمير والأخلاق، تكرار كذبات مشابهة والقول أن كل من قتلوا في مدن وقرى الساحل، إنما قتلتهم فلول النظام.
هناك فلولٌ للأسد اليوم يناوئون الحال الجديد لسوريا الجديدة ويجب دحرهم دون شك؟ هذا صحيح، لكن بالمقابل، على الضفة الأخرى، يجب ألا يفوتنا ملاحظة أن هناك من يمكن وصفهم بأنهم ورثة جينات الأسد، وهم يحاكون اليوم، وحتى من قبل، كامل بنيته الإجرامية، ما يجعلهم نسخة طبق الأصل عنه. هؤلاء هم من ارتكبوا جريمة اليوم.
يجب الخجل ووقف هذه المهزلة، وإلّا كيف سنقطع، مرةً وإلى الأبد، مع نظام الأسد، وكانت واحدة من سماته إنكاره، بطرق غبية، لجرائمه التي طالت عموم البلد. يجب أن تتوقفوا فوراً، فليس باسم الثورة، ولا حتى باسم سوريا الجديدة، يمكنكم عقد تلك المقارنات السطحية بين ما تفعلونه اليوم وبين ما فعله إعلاميو الأسد ممن لم يمتلكوا ما يكفي من الضمير، ما جعلهم لا يرون القتلى من أهلكم! فهل تريدون أن تكونوا مثلهم بلا ضمير؟
كان أعوان الأسد ومخبروه يروجون بين العلويين أن السُّنة سيقتلونهم جميعاً فيما لو وصلوا إلى الحكم، وأن هناك سكّيناً جاهزاً لكل رقبة علوي حتى لو كان طفلاً، وحينها لن يفرقوا بين مؤيد ومعارض أو بين بريء ومجرم. فهل تريدون اليوم توجيه رسالة لمن لم يصدق الأسد من العلويين أنهم كانوا أغبياء وساذجين، بينما كان الأسد وموالوه محقّين؟ إنها وصفتكم السحرية الناجحة لتدمير البلد وتهديم أسس الدولة الناشئة.
تلفزيون سوريا
————————————
زلازل المشرق والهوية والدولة الحديثة/ حسام عيتاني
الزلازل كشفت هزال بنى المشرق السياسية والاجتماعية
آخر تحديث 11 مارس 2025
عندما تتعاقب المجازر الطائفية والمصالحات الأهلية بوتيرة سريعة، فذلك يعني أن التغييرات التي يدور الحديث عنها في المشرق منذ نهاية العام الماضي، دخلت طورا يستدعي إعادة نظر في الطريقة التي نفكر فيها بأحوالنا في هذه المنطقة، على الأقل منذ أربعة عقود.
ثمة ازدحام في الأحداث غير المتوقعة. فبعد الجرائم التي ارتكبتها فصائل محسوبة على الحكومة السورية ردا على كمائن تعرضت لها وحدات “الأمن العام” السوري في السادس من مارس/آذار، ظهر اعتقاد يلامس البداهة، يقول إن المكونات السورية الأخرى، خصوصا الأكراد الذين يملكون أكبر قوة منظمة خارج إطار الدولة الوليدة (قوات سوريا الديمقراطية)، وقسم كبير من أهالي محافظة السويداء، سيتمسكون بمواقفهم المطالبة بالحفاظ على أوضاعهم الحالية، أي الاعتراف بكياناتهم السياسية، والأمنية المستقلة عن حكومة أحمد الشرع في دمشق. ما حدث هو العكس: اتفاق على انضمام “قسد” إلى الدولة، وانباء عن تفاهم على تسوية الأوضاع في السويداء، بما يرضي الوجهاء والقوى المحلية. وليس كبير الأهمية هنا الجدال حول إذا كانت التغيرات تلك مخططا لها أو تجري ضمن سياق “التفاعل المتسلسل” الناجم عن حدث مؤسس، هو حدث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 في غزة أو غيره.
وليس بعيدا عن الصواب القول إن ما جرى في الساحل، كان له وقع شديد السوء على صورة السلطة الجديدة، التي عجلت من مفاوضاتها مع “قسد” ووجهاء السويداء، وربما قدمت تنازلات للتوصل إلى اتفاق سريع، قادر على طي صفحة الارتكابات في مدن وبلدات العلويين.
إذا وسعنا الصورة، وانتقلنا إلى العراق، سنعثر على حكومة تعاني من تفاقم الخلافات، بين مكونات من نوع آخر. فالأحزاب والفصائل المشاركة في “الإطار التنسيقي” الشيعي تتباين مواقفها من الاستجابة للضغوط (وربما التهديدات) الأميركية الرامية إلى تفكيك التحالف العراقي– الإيراني، وعمود أساسه في بغداد هم “الإطار”. ذلك أن القوى المنضوية تحت راية الائتلاف المسيطر على الحكومة العراقية– ناهيك عن القوى غير المشاركة في الحكومة مباشرة– لا تتبنى موقفا واحدا من كيفية الاستجابة للمطالب الأميركية.
وبغض النظر عن الطابع الآني للخلاف الحالي، فإنه يُظهر أن المكون الواحد قابل للتفسخ والانهيار، في لحظة ضعف راعيه الخارجي، ونهوض التناقض بين المصالح المحلية (“الوطنية” تجاوزا) وبين مصالح الراعي، الذي عمل على تأسيس الفصائل الشيعية، خصوصا أجنحتها المسلحة، لأهدافه الخاصة التي تقاطعت في مرحلة سابقة مع رؤى القوى المحلية.
النموذج الثالث الذي يستحق النقاش هو السودان. فالعملية الانتقالية من الحكم العسكري إلى الحكومة المدنية، التي كان من المفترض أن تقود البلاد إلى سلطة، تستند إلى شرعية دستورية وانتخابية، أجهضت في انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 الذي نظمه الجيش مع “قوات الدعم السريع” ضد حكومة عبد الله حمدوك. والقضاء على العملية الانتقالية، تحول إلى منافسة على الامتيازات والمكاسب، انفجرت حربا أهلية بين “الدعم السريع” والجيش في 15 أبريل/نيسان 2023.
النماذج هذه، والتي يجوز إضافة لبنان إليها، كمزيج من انهيار القوى المهيمنة، بفعل التدخل الإسرائيلي والصعوبة الشديدة التي تلاقيها الدولة، التي يحاول ترميمها رئيس الجمهورية جوزيف عون، ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام بصعوبة شديدة وبإمكانات متواضعة، تتطلب كلها التفكير فيما تعنيه “الدولة” في العالم العربي، خصوصا المشرق، الذي لم يبرأ من سلسلة من الزلازل، كشفت هزال بناه السياسية والاجتماعية الحديثة، المستمدة من إرث الاستعمار- المذموم في العلن، والمؤسس الحقيقي لدولنا في الواقع- بما فيها مؤسسات الدولة، والطبقات الاجتماعية القائمة على الإنتاج، وعلاقاته وشبكاته والأحزاب والنقابات، ووسائل الإعلام المستقلة، في مقابل بنى تقليدية راسخة، تجددها إخفاقات التيارات السياسية الحديثة، في التعبير عن المصالح والمخاوف العميقة، لشعوب تتجدد فيها الحروب الأهلية كل بضعة عقود. الصراعات الإقليمية والدولية تصب في مصلحة البنى القديمة، على ما نرى في لبنان والعراق، مثالا لا حصرا.
أمام واقعٍ هذه بعض صفاته، يقف من يسعى إلى وضع الإنسان (قبل أن يكتسي بصفة “المواطن”) في المقام الأعلى، أمام معضلة من عناوينها الهوية، وأسبقية الحفاظ عليها من الذوبان في هويات أخرى هي في الغالب، موضع احتقار وتبخيس. كما أن الخشية من الاقتلاع والفناء تحرك الهويات هذه.
بكلمات ثانية، لم تفلح التشكيلات الاجتماعية التي قالت الحداثة الأوروبية إنها هي ما يستحق التمثيل السياسي، سواء في النظام الرأسمالي أو الاشتراكي، من خلال التناوب بين أحزاب اليمين واليسار على السلطة، في عملية ديمقراطية مستقرة، في أن تجد أرضا خصبة في بلادنا، على الرغم من أن هيئات الحرفيين وجمعيات التجار، كانت شائعة في الاجتماع المشرقي والعربي منذ القدم.
هل هو صراع بين “البنى الحديثة” الطبقية والسياسية التي ترسم معالم الدول الديمقراطية– الليبرالية، وبين الهويات الموحية بالأزلية، والجمود في هذا الشرق؟ هل هناك من تسوية تتجاوز الإخفاقات التي تملأ البصر حولنا، وتعيدنا إلى الصفر كل عقدين أو ثلاثة؟ لعل من الأفضل تجنب الإجابة القاطعة والباتة في هذا المجال، والبقاء في حال من التحفز والعمل الفكري الجاد كعنصرين لازمين لتحديد المخارج من حال الاستعصاء الراهنة.
المجلة
——————————–
الأزمة السورية وبناء شخصية وطنية/ يوسف الديني
12 مارس 2025 م
شهدت سوريا خلال الأيام الفائتة واحدة من أعنف الأزمات السياسية منذ سقوط نظام الأسد الوحشي الذي لا يمكن أن تكون المقارنة معه ذريعة لتبرير ما حدث.
العنف الذي جرى والبيئة التي أخرجت الفلول لكي تحرّك الأحداث، وفق ترقب لمشاريع تقويضية منذ اللحظة الأولى للدولة السورية الجديدة؛ هو نتيجة وليس سبباً، حيث تحوّلت الاحتجاجات الشعبية إلى صراع مسلح أدى إلى تدخلات إقليمية ودولية، وزيادة حدة الاستقطاب الطائفي والاجتماعي. ومن بين أبرز المشاهد المأساوية التي شهدتها البلاد، أحداث العنف في الساحل السوري، التي طرحت تحديات كبيرة أمام السلطة الجديدة في دمشق، حول كيفية التعامل مع الماضي، وإعادة بناء الدولة على أسس وطنية جامعة.
لقد أثبتت التجربة التاريخية لأكثر من أربعين حرباً أهلية في العالم أنه لا يمكن تحقيق سلم أهلي حقيقي من دون إشراك جميع المكونات في مشروع الدولة. وقد أشار الفيلسوف السياسي الأميركي المولود في بروسيا، فرنسيس ليبر، إلى أن «غياب الشخصية الوطنية الجامعة يؤدي إلى ضعف استمرارية المجتمع السياسي؛ مما يهدّد مستقبل الدول». هذا الدرس ينطبق تماماً على الحالة السورية، حيث إن استمرار وجود مكونات مسلحة خارج إطار الدولة، سواء من المقاتلين الأجانب أو التنظيمات المتطرفة، يعرقل أي إمكانية لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية.
إن ما جرى في الساحل السوري لا يمكن اختزاله في كونه مجرد «مؤامرة خارجية»، رغم أن هناك أطرافاً دولية استثمرت في الصراع وأسهمت في تأجيجه. ومع ذلك، فإن الخطأ الأكبر كان داخلياً، حيث فشلت القوى الجديدة في التعامل مع المجتمع السوري بمنطق الدولة، وبدلاً من ذلك، تصرفت بعض الفصائل المسلحة وفق عقلية الحرب والثأر؛ مما أدى إلى وقوع مجازر بحق المدنيين، ووضع الطائفة العلوية في موقف الدفاع عن «وجودها»؛ وهو ما يغذّي سيناريو الحرب الأهلية.
إن مهمة السلطة الجديدة لا تقتصر على فرض سيطرتها العسكرية، بل يجب أن تتجه نحو بناء دولة قائمة على العدالة والمواطنة، وليس على منطق الانتقام. وإذا كان النظام السابق قد ارتكب جرائم بحق الشعب السوري، فإن الرد لا يكون بتكرار الممارسات ذاتها، بل بمحاسبة جميع المتورطين في الانتهاكات، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الطائفية.
في هذا السياق، يجب أن تلتزم السلطة الجديدة إجراءات عملانية عدة لإعادة بناء الدولة وضمان استقرارها، ومن أولويات ذلك: حلّ التنظيمات المتطرفة التي أسهمت في تأجيج الصراع، وضمان عدم تحولها إلى ميليشيات خارجة عن القانون، والتعامل مع ملف المقاتلين الأجانب وخطابهم الذي يتم تداوله اليوم أكثر حتى من الصور الوحشية للضحايا في ظل حالة فزع تنتشر بشكل كبير في الفضاء التداولي العالمي المهتم بالملف السوري حتى بين الذين يريدون منح سوريا فرصة للبحث عن «استقرار» والتغاضي عن أخطاء البدايات.
كما يجب توحيد جميع القوى العسكرية تحت جيش وطني موحّد يخضع لضوابط قانونية وتدريبات سياسية وحقوقية، بالإضافة إلى محاسبة المسؤولين عن الجرائم بحق المدنيين بالجدية ذاتها التي تتم فيها ملاحقة فلول النظام السابق.
والأهم، ضرورة التفكير باستراتيجية صلبة وقوية لإصلاح العلاقة مع أهل الساحل السوري والتعويض عن الأضرار التي لحقت بالسكان، عبر تحقيق العدالة السريعة وضمان الأمن والاستقرار، بما في ذلك الانفتاح على جميع القوى السياسية والاجتماعية، والعمل على عقد مؤتمر وطني شامل وحقيقي غير شكلاني لرسم ملامح مستقبل سوريا.
يجب أن تدرك السلطة الجديدة أن إعادة بناء سوريا تتطلّب قرارات جريئة ومسؤولة، وأن أي محاولة لإقصاء طرف معين سيؤدي إلى تكرار السيناريوهات الكارثية التي شهدتها دول أخرى مثل العراق وليبيا ولبنان خلال الحرب الأهلية. لذا، فإن الأولوية يجب أن تكون لترسيخ مفاهيم الدولة المدنية، ومنع تكرار الفظائع التي جرت في الساحل أو أي منطقة أخرى، فالمطلوب هو بناء الثقة ليس لطمأنة أهل الساحل، بل لاستقطاب بقية المناطق التي ما زالت تشكّك وتقلق حول الانضمام إلى الجسد الوطني وهم لم يروا «الشخصية الوطنية» الجامعة.
هناك مسافة لا تخطؤها العين بين تصريحات القيادة الجريئة والمطمئنة للمحاسبة، والخطاب المضمر والمعلن للكتلة الوازنة من المقاتلين، وهي معادلة صعبة، لكن الرصيد الهائل من دعم دول الاعتدال، وفي مقدمتها السعودية، للحيلولة دون انزلاق سوريا إلى مربع الحرب الأهلية وتفكك الدولة وتقسيمها -لا سمح الله- وقدرة هذه الدول على إقناع الدول الغربية التي عادت إلى المربع الأول في مخاوفها ضمانة إذا ما اتّخذت الخطوات الجادة.
الأكيد أن سوريا اليوم أمام مفترق طرق ومنعطف تاريخي، فإما أن تسلك طريق المصالحة وإعادة البناء، وإما أن تنزلق نحو دوامة حرب أهلية لا نهاية لها. والمطلوب الآن هو إرادة سياسية قوية، وقرارات تضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبارات أخرى، حتى تتمكّن البلاد من تجاوز جراح الماضي، والانطلاق نحو مستقبل أكثر استقراراً وعدالة… على سوريا ببساطة ألا تدع الخارج يفاوض عنها ويبني شخصيتها لأنها فشلت في رسم تلك اللوحة المرصعة بالتنوع والثراء.
الشرق الأوسط
——————————
ضربة معلّم: الشرع يصوّب على التقاطع الإسرائيلي الإيراني/ ابراهيم ريحان
2025-03-12
تسعى إسرائيل إلى فرض شروطٍ سياسيّة وأمنيّة على القيادة السّوريّة الجديدة. تدخلُ هذه الشّروط في إطار “تغيير الشّرق الأوسط” الذي أعلنَه قبل أيّام قليلة رئيس…
news
الكاظمي في العراق: هل وصل الطّوفان إلى بغداد؟
ماذا وراء عودة رئيس الوزراء العراقيّ السّابق مصطفى الكاظمي إلى بغداد؟ هل يحملُ مشروعاً سياسيّاً؟ وهل لعودته ارتباطٌ بوصولِ “زلزال الشّرق الأوسط” الذي ضربَ لبنان…
news
إسرائيل في جنوب سوريا.. بداية “حلف دويلات الأقلّيّات؟”
ماذا تُريد إسرائيل من جنوب سوريا؟ ولماذا أعلن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو تقديم “الحماية” للأقلّيّة الدّرزيّة هناك مُطالباً بعدم دخول قوّات الجيش الجديد المنطقة؟ …
كيف وجّه الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع ضربةً لتقاطع مصالح إسرائيل وإيران في سوريا؟ وما هي الأسباب التي أدّت إلى الاتّفاق بينه وبين قائد قوّات سوريا الدّيمقراطيّة مظلوم عبدي؟
ضربَ الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع مُخطّط تقسيم بلاده بحجر الاتّفاق مع قوّات سوريا الدّيمقراطيّة. جاءَت الصّورة التي جمَعَت الشّرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي عقبَ توقيع اتّفاقٍ تاريخيّ يقضي بدمج قوّات “قسد” بالجيش السّوريّ ورفضِ التّقسيم بشكلٍ واضح، في توقيت يصلُحُ فيه أن تصحّ تسمية الاتّفاق بـ”ضربة معلّم”.
قبل توقيع الاتّفاق بين الشّرع وعبدي، كانَت الأحداث في جنوب سوريا وشمالها الشّرقيّ وساحلها تشير إلى أنّ تقسيم البلاد التي مزّقتها سنوات الصّراع مع حكم آل الأسد آتٍ لا محالة.
يقول مصدرٌ في الإدارة السّوريّة لـ”أساس” إنّ بصمات إيران كانت واضحة في أحداث السّاحل السّوريّ، وإنّ ما حصلَ في السّاحل من محاولةٍ انقلابيّة لإنشاء دويلة علويّة هناك كانَ بدعمٍ من الحرس الثّوريّ الإيرانيّ. كذلكَ رصدَت الإدارة السّوريّة وتركيا محاولات إيرانيّة لاستغلال الملفّ الكرديّ في شمال شرق سوريا لتحريك جماعات مرتبطة بحزب العمّال الكُردستانيّ.
يكشف المصدر أنّ ما جرى في السّاحل كانَ مخطّطاً له أن يبدأ في منتصف الأسبوع الجاري، لكنّ انكشاف خليّةٍ لفلول النّظام السّابق في منطقة جبلة أدّى إلى تحرّك بقيّة الخلايا في مناطق السّاحل في طرطوس واللاذقيّة وبانياس.
ضربَ الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع مُخطّط تقسيم بلاده بحجر الاتّفاق مع قوّات سوريا الدّيمقراطيّة
تتقاطع إيران مع إسرائيل في مُخطّط التقسيم في سوريا على الآتي:
تطمحُ إسرائيل إلى إنشاء دويلة درزيّة في جنوب سوريا تكون منطقةً عازلةً عن حدود الجولان السّوريّ المُحتلّ، وصورةً مُكبّرةً عمّا كانَ عليه جيش “لبنان الجنوبي” بقيادة أنطوان لحد في جنوب لبنان.
إيران بدورها تُحاول إنشاء دويلة للعلويّين لسببَيْن:
الأوّل: جغرافيا السّاحل السّوريّ عند البحر الأبيضِ المُتوسّط، وهو ما تراهُ طهران بديلاً عن الخطّ البرّيّ (طهران – بغداد – دمشق – بيروت) بعد انقطاعهِ بسقوط بشّار الأسد. ولذلك تكونُ شواطئ السّاحل السّوريّ معبراً جديداً لنفوذ إيران نحوَ ساحل المُتوسّط وتمرير السّلاح والأموال إلى سوريا ولبنان.
الثّاني: استخدام الدّويلة العلويّة مبرّراً لتدخّلها في سوريا تحت عنوان “حماية الأقليّة الشّيعيّة” بجميع مُتفرّعاتها (الاثني عشريّة، العلويّة، والإسماعيليّة).
تتقاطع طهران وتل أبيب على دعمِ الانفصال الكُرديّ. إذ تريدُ إسرائيل بذلك تبرير تدخّلها في سوريا تحت عنوان “حماية الأقليّتَيْن الكُرديّة والدّرزيّة”، وترى إيران في الانفصال الكُرديّ عنواناً مُناسباً لدعم الانفصال العلويّ في السّاحل السّوريّ.
الأهمّ أنّ إسرائيل كانت تطمح إلى أن يكونَ نفوذها في “الدّويلة الكُرديّة” عند حدود تركيا التي باتَ نفوذها على حدود إسرائيل في دمشق. وترى إيران في دعمِ الانفصاليين الأكراد في سوريا ردّاً على دور أنقرة في الإطاحة بنظام بشّار الأسد وما تلاه من ضربِ نفوذها على الجغرافيا السّوريّة وضربِ الحجر الأساسِ في “الهلال الشّيعيّ” الذي عمِلَت إيران على تحقيقه منذ سقوط نظام صدّام حسين في العراق في ربيع عام 2003.
إسرائيل كانت تطمح إلى أن يكونَ نفوذها في “الدّويلة الكُرديّة” عند حدود تركيا التي باتَ نفوذها على حدود إسرائيل في دمشق
كيف ضُرِبَ التّقاطع الإيرانيّ – الإسرائيليّ؟
أوّل ضربةٍ لأطماع تل أبيب وطهران كانت عبر النّداء الذي أصدره زعيم حزب العمّال الكُردستاني عبدالله أوجلان لإلقاء السّلاح واللجوء إلى الحلّ السّياسيّ للقضيّة الكُرديّة. فأوجلان الكُرديّ كانَ مُتحالفاً طوال سنوات تمرّده ضدّ تركيا مع نظام حافظِ الأسد حتّى توقيع اتّفاق أضنة بين دمشق وأنقرة الذي أخرجه من سوريا. كانَ أوجلان يعملُ تحت إشراف جميل الأسد وبالشّراكة مع زعيم ميليشيا “المقاومة السّوريّة في لواء إسكندرون” علي كيّالي (معراج أورال)، وهو كُرديّ – علويّ.
هذا يعني أنّ بيان أوجلان لم يُشكّل ضربةً فقط في شمال شرق سوريا، بل حتّى لفلول النّظام الذين كانوا يُراهنون على انضمام الانفصاليين الأكراد في معركتهم ضدّ الإدارة السّوريّة.
الضّربة الثّانية كانَت وأد المحاولة الانفصاليّة في السّاحل السّوريّ. وعلى الرّغم من وقوع تجاوزات طالَت العديد من أبناء الطّائفة العلويّة، إلّا أنّه يُسجّل لأحمد الشّرع اعترافه بوقوع هذه التجاوزات، وتعهّده بشكلٍ شخصيّ بإجراء تحقيقات ومحاسبة المُرتكبين.
الضّربة الثّالثة جاءَت في اتّفاق الشّرع – عبدي. وهي ضربة قاسية لمشاريع التقسيم في سوريا، إذ يقطع هذا الاتّفاق الطّريق على نوايا طهران وتل أبيب لزعزعة استقرار سوريا وإنشاء “دويلات” على أرضها.
في هذا الإطار، علم “أساس” أنّ القيادة السّوريّة تعملُ على إبرام اتّفاقٍ مع الفاعليّات الدّرزيّة في جنوب سوريا يضمنُ عدم التّعرّض للدّروز واندماجهم في الدّولة، مع إمكانيّة الأخذ في الاعتبار إنشاء نظام ضريبيّ لامركزيّ. ولا تنفي المصادر إمكانيّة أن تتّخذ الإدارة السّوريّة خطوات من شأنها إعادة الاستقرار إلى السّاحل السّوريّ وطمأنة المواطنين العلويّين.
أوّل ضربةٍ لأطماع تل أبيب وطهران كانت عبر النّداء الذي أصدره زعيم حزب العمّال الكُردستاني عبدالله أوجلان لإلقاء السّلاح واللجوء إلى الحلّ السّياسيّ للقضيّة الكُرديّة
ما هي الأسباب التي أدّت إلى إبرام الاتّفاق بين الشّرع وعبدي؟
لعبت المُتغيّرات الإقليميّة والدولية دوراً مركزيّاً في تسريع إبرام الاتّفاق بين الإدارة السّوريّة و”قسد”، وأبرزها:
شكّلَ وصول دونالد ترامب إلى السّلطة في الولايات المُتّحدة دافعاً أساسيّاً في إبرام الاتّفاق. إذ إنّ الرّئيس الأميركيّ، على عكس سلفهِ جو بايدن، تجمعه علاقة متينة بالرّئيس التّركيّ رجب طيّب إردوغان، الذي كان يُلوّح بعمليّة عسكريّة ضدّ “قسد” منذ ما قبل سقوط بشّار الأسد.
التّصريحات التي أطلقها الرّئيس ترامب أكثر من مرّة، والتي تؤكّد عدم إيلائه اهتماماً بالملفّ السّوريّ. وهذا من شأنِه أن يرفع منسوب القلق لدى الأكراد من أن يشنّ إردوغان عمليّة عسكريّة من دون ردعٍ أميركيّ.
الجهودُ التي بذلها زعيم الحزب الدّيمقراطي الكردستانيّ مسعود البارزاني بين أنقرة ومظلوم عبدي لتجنّب العمليّة العسكريّة التّركيّة.
الدّور غير المُعلَن للاستخبارات البريطانيّة MI6، إذ تطمحُ لندن أن تكونَ مناطق شمال شرق سوريا مُستقرّة، نظراً لاهتمامات لندن بإعادة عمل الشّركات البريطانيّة في حقول النّفط السّوريّة في الحسكة ودير الزّور. وهنا تجدرُ الإشارة إلى العلاقة المتينة للاستخبارات البريطانيّة مع الطّرفيْن الأساسيَّيْن في الصّراع في شمال شرق سوريا، أنقرة و”قسد”.
أساس ميديا
——————————
سوريا أمام تحدٍ: الوحدة أو صراع بين السلطة والأقليات!/ جورج حايك
2025-03-12
تمر سوريا في مرحلة مصيريّة ستحدّد هويتها المستقبليّة ما بين خيارين: الوحدة أو الصراع بين السلطة الجديدة التي يمثّلها الرئيس أحمد الشرع واستمرار الفوضى وحالة عدم الاستقرار، ولعل الأحداث في الأيام القليلة الماضية بين الجيش السوري وفلول نظام بشار الأسد المنتمين إلى الطائفة العلوية في الساحل السوري، دقّت ناقوس الخطر، بصرف النظر عن ارتباط هذه الفلول بإيران و”حزب الله” من جهة، والمجازر التي ارتكبت بحق المدنيين من جهة أخرى.
منذ سقوط نظام الأسد، كان الهاجس الأول للأقليات العلوية والمسيحية والكردية والدرزية والشيعية، مدى قدرة السلطة الجديدة على استيعاب هذا التنوّع وحمايته، وكان هذا أيضاً الهمّ الأول لدى المجتمع الدولي.
للوهلة الأولى قدّم الشرع خطاباً ايجابياً مطمئناً لهذه الأقليات التي كانت لها تجربة غير موفّقة مع “هيئة تحرير الشام” التي تزعّمها الشرع، بسبب الانتهاكات التي ارتكبتها الفصائل في شمال غرب سوريا قبل أن تغيّر سلوكها في الأعوام الأخيرة.
لا شك في أن حكومة الشرع المؤقتة تمثّل الأغلبية السنية في سوريا لأول مرة منذ أكثر من 45 عاماً من الحكم الذي هيمنت عليه الأغلبية العلوية التي كان ينتمي إليها حافظ الأسد، وربما الثغرة الأساسية في السلطة الجديدة هي عدم ضبطها للأرض جيداً، بحيث ينتشر بعض الفصائل المتطرفة الذي ينشر خطاب الكراهية، ليتبيّن أنه بين كلام الشرع الايجابي وبعض الممارسات الشاذة هوة كبيرة، والمؤسف أن بعض الدول الاقليمية والدولية تتسلل للإستثمار في هذا الموضوع الحسّاس، مستغلّة حالة “المظلومية” لدى بعض الأقليات لإثارة المشكلات وخصوصاً إيران التي لم تهضم بعد خسارتها للورقة السورية.
واللافت أن ايران ليست الجهة الوحيدة التي ترى مصلحة لها في إضعاف السلطة الجديدة وبقاء سوريا في حالة عدم استقرار، بل إن اسرائيل التي استغلت منذ فترة المواجهات بين سلطة الشرع والدروز في السويداء، يهمّها أن تجد تبريرات لوجودها في سوريا وقد أبدت استعدادها أخيراً لحماية الدروز في أي مواجهة مع الجيش السوري الجديد.
ويرى الصحافي السوري مازن البدوي المقيم في الخارج أن سوريا يتنازعها تياران اليوم: الأول يتمثّل في بعض الأقليات الذي يريد الخروج عن إطار الدولة الحديثة والتوجّه نحو الدويلات الطائفية والعرقية أي نوع من الفيدرالية أو حتى التقسيم. والثاني الذي يتمثّل في الشرع وحكومته اللذين يريدان سوريا موحّدة في إطار دولة قانون ومؤسسات حديثة وديموقراطية.
لا شك في أن تدخلات ايران وتركيا واسرائيل وتذرّعها بحماية الأقليات في سوريا، تُلحق الضرر بالمجموعات الطائفية والعرقية، بدلاً من مساعدة السوريين في بناء دولة تقوم على المواطنة المتساوية. وهدف هذه الدول أولاً وأخيراً التدخل السياسي والاقتصادي وتفتيت البلد وشعبه، وفق البدوي.
ما حصل منذ أيام من معارك في الساحل يؤكّد أن بعض الأطراف الخارجية كإيران ضالع فيه، وهذا خطأ من الفئة المسلّحة العلوية التابعة للأسد، أما السلطة فارتكبت خطأ لا يقل خطورة عندما خرج بعض العناصر عن انضباطه وتسبب في مقتل ما لا يقل عن 1300 شخص، ثلاثة أرباعهم من المدنيين.
ووفقاً لـ “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، تبيّن أن المجازر ارتكبت من كلا الجانبين، وكان من بين الضحايا رجال ونساء وأطفال وكبار السن، ومن بين القتلى عائلات بأكملها.
وقد اعترف الشرع بالأخطاء التي ارتكبت وكلّف لجنة استقصاء حقائق لمعرفة المعتدين، ولم ينفِ أن هذه المعارك أخّرت مسيرة بناء الدولة الجديدة، وأفقدت الثقة بالشرع نفسه، بحيث أصبحت طمأنته للأقليات غير موثوقة، وباتت الثقة الآن في أدنى مستوياتها، وأنظار المجتمع الدولي تتجه إلى طريقة تعامل الشرع مع أنصاره المتطرفين وإنزاله أقصى العقوبات في حقّهم.
ويشير البدوي إلى أن سوريا تحتاج إلى مؤتمر حوار وطني، يتم فيه اختيار ممثلين عن جميع القوى السياسية والأحزاب والمثقفين، بما في ذلك المتدينين، ما سيمهّد الطريق لعملية الانتقال وتشكيل لجان لصياغة دستور جديد للبلاد ومناقشة العديد من القضايا الملحة.
لكن الرئيس الشرع أقدم على خطوة استراتيجية ذكية بعد الأحداث المؤسفة التي سبّبت امتعاضاً دولياً، وهي توقيعه اتفاقاً مشتركاً مع قائد “قوات سوريا الديموقراطية” أي الأكراد مفاده اندماج قوات “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية وضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة السياسية ومؤسسات الدولة كافة بناءً على الكفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.
نص الاتفاق على الاعتراف بالمجتمع الكُردي كجزء أصيل في الدولة السورية، وضمان حقوقه الدستورية والمواطنة الكاملة، ووقف إطلاق النار في الأراضي السورية كافة، ودمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.
من جهة أخرى، يوضح الصحافي البدوي أن الشرع قد يُقدم على اتفاقيات أخرى في المستقبل القريب مع الدروز والمسيحيين والعلويين. وهذا ما سيسمح له بالعمل بهدوء خلال المرحلة الانتقالية التي يتوقّف نجاحها على مبدأ التشاركية، بحيث ينبغي إشراك جميع مكونات المجتمع السوري، والافادة من الكفاءات الوطنية في إدارة البلاد. ومن هذا المنطلق، فإن تشكيل هيئة استشارية واسعة، تضم شخصيات من مختلف الأطياف والخلفيات، سيكون خطوة ضرورية لضمان عملية انتقالية أكثر توازناً.
كل ذلك، لن يجنّب سوريا بعض المشكلات، لأن جزءاً من الأزمة يتعلّق بالتدخلات الأجنبية، وفق البدوي، فهناك إسرائيل المجاورة، التي استهدفت الجيش السوري مباشرة بعد سقوط الأسد، واتخذت مواقع إضافية في مرتفعات الجولان، وتقدم نفسها كمدافع عن الأقليات السورية. تنظر إسرائيل إلى النفوذ التركي المتزايد في دمشق بريبة، وخصوصاً بعد موقف أنقرة القوي بشأن غزة. ولا تزال روسيا تتفاوض على مصير قواعدها البحرية والجوية في سوريا، وتحديداً في المنطقة التي اندلعت فيها الاضطرابات. والمفارقة أن إسرائيل تفضل وجود روسيا على حدودها بدلاً من تركيا.
ولا بد من الاعتراف بأن “القلّة بتولّد النقار”، والوضع الاقتصادي في سوريا ليس على ما يُرام، ولن يتحسّن إلا بعد رفع العقوبات الأميركية والدولية عنه، وهذه الخطوة لن تحصل إلا بعدما تُثبت السلطة مصداقيتها في المحافظة على الشعب السوري بكامل أطيافه.
—————————-
توحيد جهود دمشق والأكراد ضد تنظيم «الدولة»… ونتائج التحقيق بأحداث الساحل خلال شهر
هبة محمد
خلال شهر ستعلن لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها دمشق للتحقيق بأحداث الساحل السوري، نتائج عملها، فيما أنهت بالفعل اللجنة المكلفة بكتابة مسودة الإعلان الدستوري مهمتها، وذلك في وقت انعكس الاتفاق بين السلطة الجديدة و”قوات سوريا الديمقراطية”، والذي أشادت به تركيا، بعمليات مشتركة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. ووسط هذا المشهد تواصل إسرائيل تهديداتها وتدخلاتها في الشأن السوري.
وقال المتحدث الرسمي باسم لجنة تقصي الحقائق المحامي ياسر الفرحان في لقاء مع “القدس العربي” إن اللجنة وضعت سياساتها ورسمت استراتيجيتها، وباشرت بعملها فعلا للتقصي والوقوف على الانتهاكات، متعهداً بعدم إفلات الجناة وبأن “لن يكون أحد فوق القانون”.
وتابع: بدأت اللجنة بإجراء اللقاءات الرسمية اللازمة التي تؤمن وتسهل عملها من ناحية وتضمن استقلاليتها من ناحية ثانية، ضمن خطوات سبقت المؤتمر الصحافي الذي شهدته العاصمة دمشق، حيث بنت اللجنة من خلال هذه اللقاءات منهجية العمل وحضّرت جميع اللوائح والقوائم سواء للضحايا أو الشهود أو المتهمين.
وحول الخطوة المقبلة قال: سوف تنتقل لجنة تقصي الحقائق إلى مسرح الجريمة في مدن الساحل، وذلك بعد جدولة الاستماع للشهود والبحث في تأمين الأماكن الأنسب لذلك، وآلية وطرق الحفاظ على خصوصية الشهود.
وذكرت اللجنة خلال مؤتمر صحافي أن التحقيقات، التي ستنتهي خلال 30 يوما، تشمل الأحداث التي وقعت أيام 6 و7 و8 من الشهر الجاري.
جاء ذلك في وقت تحدثت فيه مصادر عن الانتهاء من كتابة مسودة الإعلان الدستوري من قبل اللجنة المكلفة، وسيتم تقديمها إلى رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع اليوم الأربعاء.
وفيما يخص الاتفاق بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الذي تم برعاية أمريكية، فيبدو أنه سينعكس تعاوناً بما يخص مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية”، إذ أن مصدرا كرديا قال لـ”فرانس برس” إن عمليات مشتركة ستنطلق في الأيام المقبلة في البادية السورية لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، موضحاً أن الاتفاق تم توقيعه برعاية أمريكية.
فيما صرح مسؤول في أحد أحزاب “الإدارة الذاتية” لـ” القدس العربي”، بأن الاتفاق حظي بدعم عربي، وأنه “ما كان ليتم من دون علم تركيا”.
——————————
حملة طبية من إدلب إلى اللاذقية: تضامن في مواجهة الأزمة الإنسانية
عبد الله السعد
12 مارس 2025
في ظل انخفاض الأحداث الأمنية التي تصاعدت في الساحل السوري، شمال غرب سورية خلال الآونة الأخيرة، شهدت محافظة اللاذقية وصول وفد طبي من محافظة إدلب، وذلك في إطار حملة طبية تهدف إلى تقديم المساعدات اللازمة للمصابين جراء الاشتباكات الأخيرة التي أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى، بما في ذلك ضحايا مدنيين، وسط أوضاع إنسانية صعبة.
وأوضح الدكتور بشير تاج الدين، مدير منظمة الجمعية الطبية السورية الأميركية “سامز”، في حديث لـ”العربي الجديد”: “اليوم نحن موجودون في مدينة اللاذقية لإطلاق حملتنا الطبية، التي بدأت بكوادر سامز في شمال غرب سورية، وانطلقت إلى مناطق الساحل السوري استجابةً للأوضاع المأساوية التي نتجت عن الاشتباكات المسلحة ضد عناصر الأمن ووزارة الدفاع، والتي راح ضحيتها للأسف عدد من المدنيين أيضاً”. وأضاف: “خلال هذه العمليات كان هناك حصار واستهداف للمستشفيات، ومن خلال تنسيقنا مع مديرية الصحة في اللاذقية ومديرية الصحة في طرطوس ووزارة الصحة، تبيّن وجود احتياجات كبيرة في الكوادر الطبية وسيارات الإسعاف، بالإضافة إلى نقص حاد في المواد والمستهلكات الطبية. لهذا السبب، أطلقنا حملة طبية مؤازرة لدعم القطاع الصحي في الساحل، بالتنسيق مع مديرتي الصحة في اللاذقية وطرطوس”.
وأشار تاج الدين إلى أن هذه المهمة الطبية تتضمن متطوعين من كوادر “سامز” في مناطق شمال غرب سورية إلى المناطق الساحلية، بهدف تقديم الخدمات الصحية ومساندة زملائهم من الكوادر الصحية في مشافي محافظتي اللاذقية وطرطوس، نتيجة النقص الكبير، ولا سيما كادر التمريض. وأكد أن الحملة تسعى أيضاً إلى تزويد المنشآت الطبية بالأدوية والمستهلكات الضرورية. وأكد أن هذه الحملة تجسد تضامن المجتمع السوري بكوادره الطبية وتكاتفهم في مختلف المناطق والمحافظات، مشدداً على واجب الكوادر الطبية الأخلاقي والمهني في تقديم الخدمات الصحية حيثما وُجد الاحتياج، بغض النظر عن المنطقة الجغرافية. كما أعرب عن شكره للكوادر الطبية التي تطوعت مع الحملة، مشيراً إلى أن هناك عدداً كبيراً من الأطباء أعربوا عن رغبتهم في الانضمام إلى هذه الجهود الإنسانية.
من جانبه، قال دريد رحمون، مشرف قطاع الصحة في اللاذقية، في حديث لـ”العربي الجديد”: “اليوم هو الخامس على التوالي الذي تستمر فيه البعثات الطبية القادمة من محافظات أخرى لرفد الكوادر الصحية في محافظة اللاذقية، استجابةً للأحداث التي وقعت مؤخراً من مساء يوم الخميس حتى تاريخه، والتي تضمنت استهداف الفلول المباشر للمدنيين والمنشآت الصحية”.
وأضاف: “حالياً، الأمور عادت إلى الاستقرار، والكوادر الصحية تواصل عملها بشكل شبه كامل. لم تعد الإصابات كثيرة، ولم تصل إلينا أي حالات جديدة اليوم في المشفى الوطني أو الجامعي. الكوادر الطبية على أتم الاستعداد لاستقبال أي إصابات جديدة، وقد تم تزويدنا بمستلزمات طبية وتجهيزات عبر عدة منظمات، بالتنسيق مع وزارة الصحة ومنظمة سامز، بالإضافة إلى منظمتي “هاند إن هاند” و”أطباء بلا حدود”. الوضع الآن هادئ، والعاملون مستمرون في تقديم الخدمات الصحية لكل المواطنين بحيادية وعدالة كاملة”.
العربي الجديد
————————
أحداث الساحل السوري مادة سجال سياسي داخل تركيا/ جابر عمر
12 مارس 2025
أثارت أحداث ومعارك الساحل السوري الأخيرة تفاعلاً في تركيا من الأطراف السياسية والشعبية، لتداخل النسيج المجتمعي بين البلدين وتأثرهما المباشر ببعضهما البعض. وتظهر المواقف انقساماً في وجهات النظر بشأن مسؤوليات مرتكبيها، لكنها متفقة على رفضها وانتقالها إلى تركيا، خشية من تداعياتها. ففي حين هاجمت المعارضة الحكومة لدعمها الإدارة السورية، وركزت على جرائم فصائل مسلحة بحق سكان القرى والأحياء ذات الغالبية من العلويين في الساحل السوري مطالبة بحمايتهم، رد المسؤولون الأتراك بتأكيد رفضهم ما يحصل من جهة، ودعم خطوات الحكومة في دمشق بالتصدي لفلول النظام السابق من جهة ثانية، فضلاً عن دعوات لعدم استغلال ذلك لمزيد من التأثيرات سواء على الصعيد السوري أو الداخلي التركي.
وقال الرئيس رجب طيب أردوغان، بعد اجتماع الحكومة في أنقرة الاثنين الماضي، إن تركيا تدين بأشد العبارات كل هجوم يستهدف وحدة سورية واستقرارها وسلمها الاجتماعي، معرباً عن ترحيبه برسائل الرئيس السوري أحمد الشرع التي تتسم بالاعتدال والتهدئة. وشدد على أن من ينظر إلى سورية ولا يرى فيها إلا الطوائف والمذاهب والأعراق فهو حبيس التعصب الأعمى. وأعرب عن ثقته بأن مكونات الشعب السوري ستتصرف بحكمة ولن يعطوا الفرصة لمن يريدون تمزيق بلدهم وجره إلى مستنقع عدم الاستقرار، منتقداً من التزموا الصمت على مدار 14 سنة بينما كان الأطفال الأبرياء يقتلون بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية في سورية.
بدوره، قال رئيس البرلمان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم نعمان قورطولموش، لصحافيي البرلمان أول من أمس الاثنين إنه “من غير المقبول أن يقوم بعض رجال النظام القديم بإعادة تجميع صفوفهم وتنفيذ بعض الغارات في الأيام الأخيرة لعدم ترك أي مساحة للإدارة الجديدة، ثم تحدث بعض الهجمات المضادة التي من شأنها أن تؤجج الصراعات الطائفية”. واعتبر أن “الذين أرادوا بهذه الأحداث فصل السنة عن العلويين، والأتراك عن الأكراد في تركيا، لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم حتى اليوم، ونوصي بألا يستخدم أحد من الآن فصاعداً الأنشطة غير القانونية المحتملة التي قد تنشأ في سورية ذريعة لإثارة الانقسام داخل تركيا من خلال المناقشات الطائفية”.
انتقاد حزب الشعب الجمهوري
بدوره، اعتبر زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، حليف أردوغان في الحكم، عبر حسابه على منصة إكس الاثنين الماضي، أن “المؤامرة المقززة التي تثير الصراع الطائفي وتهدف إلى إشعال النار في سورية وحصار دول المنطقة أحرزت تقدماً ملحوظاً”، واتهم حزب الشعب الجمهوري باللجوء “إلى حملة استغلال من خلال إخواننا العلويين”، مضيفاً “الاستفزاز الطائفي لحزب الشعب الجمهوري ليس فقط ضد تركيا، بل أيضاً ضد المجتمعات الإسلامية والتوازنات والديناميكيات الإقليمية”.
ومعروف أنه تاريخياً، يشكّل الأتراك العلويون جزءاً مهماً من ناخبي حزب الشعب الجمهوري، والعلويون في تركيا، ومنهم أكراد، يُعتبرون النواة الصلبة للتيار العلماني في ذلك البلد. ويتجاوز عدد العلويين في تركيا 20% حسب إحصاءات غير رسمية.
وكان حزب الشعب الجمهوري، أرسل وفداً من 10 أعضاء برئاسة القيادي علي ماهر باشارير إلى ولاية هاطاي، وألقى بياناً من على النقطة صفر من الحدود التركية السورية بمنطقة يايلاداغي المقابلة لمعبر كسب الحدودي، قال فيه: “من أجل أمن تركيا ورفاهيتها، من الضروري إرساء الاستقرار في سورية في أقرب وقت ممكن. إن الإدارة الحالية في دمشق مسؤولة عن أمن جميع المواطنين، والاعتداءات على العلويين أو المدنيين، خاصة من يستغل أخطاء النظام السابق أو ممارساته التي لا يقبلونها، أمر غير مقبول في سورية”.
أما رئيس حزب الشعب الجمهوري وزعيم المعارضة أوزغور أوزال فكشف، في حديث مع صحيفة جمهورييت الأحد الماضي، أنه تحدث مع رئيس المخابرات التركية إبراهيم قالن حول التطورات في الساحل السوري، قائلاً: “أعطى معلومات شاملة، وعبرت عن حساسيتنا وعدم ارتياحنا، كما تحدثنا عن كيف أن وضعاً مثل استهداف العلويين من شأنه أن يلحق ضرراً كبيراً بسورية وتركيا. أخبرته أننا نشعر بعدم الارتياح بسبب هذا الوضع، وأن علينا أن نفعل كل شيء لحماية العلويين”. وفي الإطار نفسه، شهدت ولاية هاطاي عدة تظاهرات، من بينها تظاهرة قال فيها الشيخ العلوي سليم نارلي، أخيراً، إنه “في حال لم تتمكن تركيا من وقف ما يجري بسورية، فإنه سيتقدم بطلب إلى إسرائيل للتدخل لحماية العلويين”، لتثير تصريحاته جدلاً في تركيا في ظل رفض لها.
انعكاس الأحداث في الساحل السوري على تركيا
وقال الكاتب والصحافي إسماعيل جوكتان، لـ”العربي الجديد”: “لا شك ان ما يجري في سورية، ينعكس فوراً على تركيا لأن هناك تشابه تام بين المجتمعين في البلدين”. وأضاف: “الأحداث الأخيرة في الساحل السوري انعكست تداعياتها على تركيا، فكان هناك ردة فعل فورية للمجتمع العلوي والمعارضة التركية التي لطالما كانت تدعم النظام السوري خلال الثورة، وذلك بمواقفها تجاه ما يحدث في الساحل السوري ذات الأغلبية العلوية، فالمعارضة التركية وجهت انتقادات للحكومة السورية والحكومة التركية معاً، واتهمت الحكومة السورية بارتكاب مجازر كبيرة ضد العلويين، بينما كانت نفس المعارضة تضغط على اللاجئين السوريين الذين لجأوا إلى تركيا، ولا شك هذه الانتقادات ستؤثر على المشهد السياسي في تركيا”.
ولفت جوكتان إلى أن “هناك مخاوف من قيام بعض الأطراف السياسية بالتدخل لدعم فلول النظام، وبالتالي أن يؤثر هذا الدعم على تحجيم الجهود الرامية لحل القضية الكردية التي تزايد الأمل في حلها بعد دعوة مؤسس حزب العمال الكردستاني (عبد الله أوجلان للتخلي عن السلاح). لكن التطور الجديد في سورية أنهى هذه المخاوف، إذ تم إعلان الاتفاق بين قسد (قوات سوريا الديمقراطية) والحكومة السورية الجديدة. رغم ذلك، فإن هناك تطورات متوقعة تخص العلويين العرب في جنوب تركيا وهم يعيشون في مناطق قريبة من الحدود السورية، لأن الزعيم الديني سليم نارلي أدلى بتصريحات نارية ضد الحكومة بسبب التطورات في الساحل السوري وقال إنه في حال لم تتحرك تركيا لوقف المجازر، على حد قوله، سيوجه دعوة لإسرائيل للقيام بهذا الدور. فهناك استياء كبير ضده ومطالب بمحاسبته على خلفية تصريحاته”.
من ناحيته، قال الكاتب والصحافي جلال دمير، لـ”العربي الجديد”: “كما هو معلوم في اللاذقية ومنطقة الساحل السوري حصلت اشتباكات خطيرة بين بقايا النظام مع قوات الحكومة السورية الجديدة تشبه التمرد والانقلاب، وغالباً تمت السيطرة عليها بشكل كبير، وتركيا تراقب الحدث، وهناك تصريحات كثيرة، منها من رأس هرم الدولة وزعماء الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة، وبالتالي كانت هناك ردات فعل في تركيا على هذه التطورات”. وأضاف: “كانت هناك تظاهرات من العلويين في ولاية هاطاي احتجاجاً على ما يجري. تركيا حريصة على وحدة سورية وتفكر بمصلحتها، والموقف الرسمي كان يدفع بهذا الاتجاه، والوقوف إلى جانب الإدارة الجديدة. وعلى عكس الأحزاب الأخرى التي كانت تصريحاتها مختلفة، سورية هامة بالنسبة لتركيا وهي بوابة ودرع لتركيا، قوتها ووحدتها تنعكس إيجاباً على تركيا، وستكون هذه التطورات محور أحاديث المسؤولين في تركيا واجتماعاتهم”.
العربي الجديد
———————————–
فيديو صادم لأمٍّ أمام جثث أولادها في الساحل
الأربعاء 2025/03/12
انتشر مقطع فيديو مؤلم يوثق لحظة مروعة تظهر فيها أمّ سورية واقفة أمام جثث أولادها الذين قتلوا على أيدي فصائل متشددة في الساحل السوري.
وأظهر الفيديو الذي قام المجرمون بتصويره، الأمّ وهي في حالة من الصدمة، وسط سيل من الإهانات والاتهامات لها ولأولادها بالخيانة، لترد عليهم: “لسنا خائنين”، قبل أن تدعو الله للانتقام ممّن تسببوا في مأساتها. وجاء رد أحد المسلحين قائلاً: “أنتم علويون خائنون”، قبل أن يسألها: “هل هؤلاء أولادك؟”، وعندما أكدت ذلك، أجابها بلهجة ساخرة: “إذن خذيهم الآن… أردتم الانقلاب على السنّة بعدما وثقنا بكم لكنكم خنتم هذه الثقة!”.
المشهد القاسي الذي تجسدت فيه فجيعة الأم، أثار موجة غضب واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر السوريون من مختلف الأطياف عن صدمتهم واستيائهم من الوحشية التي عكستها هذه الجريمة. وتوالت الدعوات للمحاسبة الفورية، وسط مطالبات بتحقيق العدالة وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب، فيما حث ناشطون على ضرورة حماية المدنيين في الساحل السوري ومنع تكرار مثل هذه الانتهاكات.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع أعلن في وقت سابق، تشكيل لجنة تحقيق خاصة للنظر في الجرائم التي شهدها الساحل السوري، والتي راح ضحيتها مئات المدنيين. وبحسب مصادر حكومية، أطلقت السلطات حملة اعتقالات شملت عدداً من المشتبه في تورطهم في عمليات القتل الجماعي، وسط تعهدات بتقديمهم للعدالة. وقال الشرع لوكالة “رويترز”: “سنعاقبهم حتى لو كانوا أقربائي”.
وأكدت الحكومة السورية التزامها بإجراء تحقيق مستقل لمحاسبة مرتكبي الجرائم، في خطوة تضاف إلى التحديات السياسية والأمنية المعقدة التي تواجهها دمشق منذ إطاحة نظام الأسد أواخر العام الماضي.
وانتشرت أنباء عن إرسال الأمم المتحدة وفداً للتحقيق في الانتهاكات التي شهدها الساحل السوري، لكن منسق الأمم المتحدة في سوريا، آدم عبد المولى، نفى هذه المزاعم، مؤكداً أن المنظمة لم ترسل أي بعثة، نظراً لعدم حصولها على تفويض من مجلس الأمن الدولي أو مجلس حقوق الإنسان.
ورغم ذلك، أكد عبد المولى، أن الفرق الأممية مازالت تواصل تقديم المساعدات الإنسانية وتأمين الحماية للعاملين في الميدان. كما أشار إلى أن المفوض السامي لحقوق الإنسان دعا إلى إجراء تحقيق مستقل وشفاف، في ظل تزايد المخاوف بشأن تصاعد الانتهاكات.
وشهدت مناطق الساحل تصعيداً خطيراً خلال الأيام الماضية، حيث اندلعت اشتباكات بين قوى الأمن وفلول النظام المخلوع. وأشارت تقارير ذات صلة إلى أن المواجهات بدأت بعد تنفيذ قوات تابعة لنظام الأسد المخلوع كميناً مسلحاً ضد قوى الأمن، ما أسفر عن مقتل 200 عنصر وجرح آخرين، فما قتل مئات المدنيين أيضاً، بعد تعرضهم لعمليات تصفية ومجازر جماعية، تتهم فيها فصائل مسلحة على رأسها “الحمزات” و”العمشات”، بالوقوف وراء هذه الجرائم، إذ دخلوا الساحل السوري يوم 7 آذار/مارس، بعد إعلان النفير العام.
وفي الوقت الذي تزداد فيه مشاهد العنف، انتشرت عبر الإنترنت عشرات مقاطع الفيديو التي تحرض على استهداف فئات معينة من المجتمع السوري، بما في ذلك العلويون والدروز والأكراد، ما أثار قلقاً واسعاً بين الناشطين الحقوقيين، فيما ألقت السلطات القبض على بعض الأشخاص الذين ظهروا في فيديوهات تحريضية أو فيديوهات ينفذون فيها الانتهاكات شخصياً.
وتعهد حقوقيون برفع دعاوى قضائية ضد المحرضين على العنف، حتى أولئك المقيمين في أوروبا، حسبما أفاد ناشطون، وقد ظهر شخص مقيم في ألمانيا في مقطع فيديو يدعو فيه صراحة إلى قتل العلويين، مستشهداً بفتاوى منسوبة إلى الشيخ ابن تيمية، أحد مراجع الإسلام الجهادي.
وفي ظل هذه التطورات، أطلق ناشطون وحقوقيون سوريون حملات واسعة لمطالبة المجتمع بحماية المدنيين في الساحل السوري وملاحقة المسؤولين عن هذه الجرائم أمام العدالة. ووجه المحامي والمعارض السوري، ميشال شماس، دعوة إلى السوريين داخل البلاد وخارجها للإبلاغ عن أي محتوى تحريضي يدعو إلى العنف، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام، مؤكداً أن “الصمت هو ما يدفع هؤلاء للاستمرار في التحريض الطائفي”.
إلى جانب ذلك، قام مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بإنشاء إيميل خاص لإرسال كل المعلومات حول انتهاكات حقوق الإنسان في الساحل السوري خلاله، نشره ناشطون وحقوقيون في “فايسبوك”.
المدن
————————————–
======================
=====================
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا
تحديث 12 أذار 2025
————————–
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية
هل يصمد اتفاق قسد والإدارة السورية؟/ عمر كوش
12/3/2025
جاء الاتفاق بين الإدارة السورية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في وقت تحتاج فيه سوريا إلى الخروج من آثار الأحداث الدامية التي شهدتها مناطق في الساحل السوري، وذهب ضحيتها مئات السوريين، من عسكريين ومدنيين، وفجرتها هجمات قامت بها عصابات من بقايا نظام الأسد البائد، استهدفت فيها قوى الأمن العام، وكانت تهدف إلى إشعال الفتنة، وضرب الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب السوري، وتمزيق الجسد السوري عبر السعي إلى فصل منطقة الساحل عنه.
وبالتالي تأتي أهمية الاتفاق من كونه يشكّل ضربة لكل المشاريع الانفصالية في سوريا، التي تقف وراءها قوى خارجية، وفي مقدمتها إيران وإسرائيل، إضافة إلى أن يشكل مدخلًا لإنهاء حالة القطيعة بين مناطق الجزيرة السورية، وباقي المناطق السورية، التي تمتد إلى أكثر من عشر سنوات خلت. ولعل الأهم هو أن الاتفاق عكس تلهف الشارع بمختلف أطيافه ومكوناته إلى توحيد الأرض السورية، وذلك بعد الخلاص من نظام الأسد الاستبدادي.
مزايا الاتفاق
تكمن أهمية الاتفاق في مزاياه وأبعاده المختلفة، خاصة على الصعيد الداخلي، والتي يمكن تحديدها فيما يلي:
أولًا، يعدّ الاتفاق خطوة تاريخية بالنسبة للكرد السوريين من الناحيتين السياسية والاجتماعية، وبالنسبة لجميع السوريين، كونه يفتح المجال أمام السوريين لبناء سوريا موحدة.
ثانيًا، يعتبر الاتفاق نقطة تحول بارزة في مسار بناء الدولة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد البائد، بالنظر إلى أنه يفتح المجال أمام مرحلة جديدة تستعيد فيها الدولة سيطرتها على الموارد الطبيعية في مناطق شرقي الفرات، وإعادة إدماجها ضمن الاقتصاد الوطني.
ثالثًا، يسهم الاتفاق في استعادة الثقة فيما بين جميع السوريين، حيث قدمت الإدارة الجديدة العديد من فرص بناء الثقة لكل الأطراف، بواسطة التعاون معها، وإظهار سعيها لإدارة المرحلة الانتقالية بإشراك جميع المكونات، فابتعدت بذلك عن استخدام القوة الخشنة مع “قسد”، وبالافتراق مع سلوك وممارسات السلطة الاستبدادية لنظام الأسد البائد التي تسعى إلى الهيمنة.
رابعًا، يرتكز الاتفاق إلى مبدأ ضمانة حقوق كل السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية، وجميع مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية، حسبما نص عليه الاتفاق، ما يعني إشراك الجميع في القرار السوري، إضافة إلى تأكيده على أن المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية الجديدة حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية.
ينبغي الإشارة هنا إلى أن التوقيع على الاتفاق يعكس تحولات في مواقف قيادات قوات سوريا الديمقراطية، وكل الأجسام الأخرى المدنية والعسكرية، المسيطرة على مناطق شرقي الفرات، عبر قبولها بدمجها كلها ضمن الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز.
كما يترجم تغليب الطرفين لغة الحوار وسعيهما وحرصهما على الابتعاد عن الاحتكام إلى لغة السلاح، ما يعني توفر العزم على جمع شتات الدولة والجغرافيا السورية وتوحيدها للانطلاق في عملية بناء سوريا الجديدة.
وبالتالي فإن ما كل سبق يشير إلى أن الاتفاق يشكل بداية تفاهم إستراتيجي طويل الأمد، شريطة أن يتم تنفيذه دون معيقات، والأمر منوط بإرادة القوى الفاعلة في قسد، ويتوقف على إمكانات وصلاحيات اللجان المشكلة من الطرفين للإشراف على تنفيذه، ضمن نطاق زمني، حدده الاتفاق بحدود نهاية العام الجاري، وبمدى تخلي قسد عن شروطها القديمة للاندماج في الجسم السوري الجديد.
فرص النجاح
قد يكون من المبكر الحكم على مصير الاتفاق، خاصة أن آليات تنفيذه لم تتضح تفاصيلها بعد، ومع ذلك يمكن القول إنه يتملك فرصًا عديدة للنجاح، وتتجسد ممكنات نجاحه في:
الدعم الشعبي الواسع، الذي عبر عنه بنزول السوريين إلى شوارع وساحات مختلف المدن السورية، تعبيرًا عن فرحتهم بالتوصل إلى الاتفاق، الذي يلبي طموحات جميع السوريين، ويحظى بتأييدهم جميعًا.
النضج السياسي الذي توفر لدى الإدارة الجديدة وقيادة قوات سوريا الديمقراطية، حيث تمكنت الإدارة السورية الجديدة من امتصاص الدعوات الانفصالية التي كانت تصدر من بعض قادة قسد، خاصة أولئك المرتبطين بحزب العمال الكردستاني التركي، فيما تخلت بالمقابل قسد عن مشاريعها الانفصالية.
الدور الإيجابي الذي لعبته قوى إقليمية ودولية، خاصة الدور الأميركي والتركي، حيث إن الاتفاق ما كان له أن يرى النور لولا دفع الولايات المتحدة قسد نحو التفاهم مع الإدارة الجديدة، وبما يتسق مع مخرجات الحوار الأميركي- التركي حول مستقبل منطقة شرقي الفرات.
الدعم العربي والدولي للإدارة الجديدة، الذي شكّل أحد عوامل الضغط على قسد وقيادتها كي تقبل بالانضواء والاندماج مع الدولة السورية، وأفضى إلى مسارعة العديد من الدول العربية والأوروبية للترحيب به، الأمر الذي يزيد من فرص نجاحه، وذلك على الرغم من مواقف كل من النظام الإيراني وإسرائيل الهادفة إلى إفشال مساعي الإدارة الجديدة، وتفتيت سوريا وتقسيمها إلى كانتونات، وبما يكرس تحويلها مناطق نفوذ موزعة على أساس طائفي أو ديني أو مذهبي.
المعيقات
بالرغم من توفر فرص نجاح الاتفاق، فإن هناك عوامل يمكن أن تعيق تطبيقه، وربما تؤدي إلى فشله، والتي يمكن تحديدها بالنقاط التالية:
كيفية اندماج قسد في الجيش السوري الجديد: هل سيتم دمجها ككتلة موحدة، أم يعاد تشكيلها من جديد تحت مظلة وزارة الدفاع، لأن هناك أصواتًا تطالب بضرورة الحفاظ على هيكليتها التنظيمية، وبقائها على ما هي عليه. فضلًا عن أن المكون الأساسي في قسد هي “وحدات حماية الشعب”، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، والتي تضم عددًا كبيرًا من المقاتلين الأجانب حيث تطالب الإدارة السورية بإبعادهم عن الأراضي السورية.
مواقف المكونات الأخرى في مناطق سيطرة قسد، ويشمل ذلك العرب والسريان والآشوريين، الذين يطالبون بوجود تمثيل لهم، وهو أمر يمكن التفاهم حوله. إضافة إلى أن هناك أحزابًا كردية لا تعتبر قسد ممثلة لها، وتختلف مواقفها عنها.
شكل الحكم في سوريا، حيث إن قسد لم تتخلَّ عن دعوتها لإقامة حكم ذاتي في مناطق شرقي الفرات، واعتماد نظام لا مركزي. والسؤال هو: هل ستقبل بنظام لا مركزي على المستوى الإداري أم ستصرّ على لا مركزية على المستوى السياسي؟
سجون مقاتلي تنظيم الدولة والمخيمات التي تصر قسد على الاستمرار في إدارتها، فيما تقتضي موجبات سيادة الدولة السورية أن تكون تحت سلطتها وإدارتها. إضافة إلى علاقة قسد مع قوات التحالف الدولي لمجابهة تنظيم الدولة، ومصير القواعد الأميركية في سوريا، التي ربما سيحسم مصيرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي سبق أن أعلن عن رغبته بسحب القوات الأميركية من سوريا.
يأمل غالبية السوريين نجاح الاتفاق، وأن تنعكس تداعياته الإيجابية على إبرام توافقات أخرى مع القوى الفاعلة في الجنوب السوري. وهو ما بدأت بوادره في الظهور مع السويداء، وذلك كي يتكلل نجاح الإدارة الجديدة في تجاوز عقبات أساسية، بعدما تجاوزت محاولة عصابات بقايا نظام الأسد، وأحبطت مخططهم في السيطرة على الساحل.
ومن المهم أن يُستتبع كل ذلك بترجمة مقابلة على المسار السياسي، وخاصة الإعلان الدستوري وتشكيل حكومة انتقالية جامعة، واستكمال حل الفصائل وانضوائها في مؤسسة الجيش الوطني الجديد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
كاتب وباحث سوري
الجزيرة
—————————–
بديل كردي لمجازر الساحل السوري/ أرنست خوري
12 مارس 2025
ليس صحيحاً أن المذابح الطائفية في اللاذقية وطرطوس كانت حتمية بالنظر إلى ما راكمه نظام الأسد من مظلوميات طائفية وكراهية بين السوريين 53 عاماً. لو كان البشر محكومين بالثأر إلى الأبد، وذاكرتهم ذاكرة فِيَلة لا تنسى ولا تُصالح ولا تغفر ولا تعقد اتفاقات ولا تسويات ولا تقدّم تنازلات، لكان الأوروبيون يتبادلون المذابح إلى اليوم انتقاماً لحروب المائة عام والثلاثين عاماً وحربين عالميتين، أوقعت ثانيتهما وحدها ما بين 60 و85 مليون قتيل. لو كانت المجازر الطائفية قَدَر السوريين كما يقول خبثاء في معرض تبرير قتل مسلحين تابعين للحكومة أو مليشيات حليفة لها 420 مدنياً غالبيتهم علويين بين يومي الجمعة والاثنين الماضيين، حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لما وقّعت السلطة ممثلة في الرئيس أحمد الشرع اتفاقاً مساء الاثنين مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي لدمج أجهزة الإدارة الذاتية الكردية و”قسد” في الشرق السوري ضمن الدولة السورية أو ما تبقى منها، وفي مؤسّساتها المأمول ترميمها وجيشها الذي لا يزال تجمّعاً لفصائل.
والسلطة السورية، وإن لم تخطط لمجازر الساحل أو تأمر بارتكابها، فإنها تتحمل المسؤولية عنها، أولاً لأنها هي السلطة، وثانياً لأن من ارتكب الجريمة يتبع لها مباشرة أو بالواسطة. فلنتذكّر بعض ما فعلته وما لم تفعله السلطة خلال الأشهر الثلاثة الماضية: ــ أدارت البلد بحكومة من لون طائفي وعسكري وعقائدي واحد. ــ عيّنت محافظين من اللون المذهبي والعقائدي نفسه، معظمهم من النواة الصلبة المتشددة لهيئة تحرير الشام، حتى في مناطق لها هوية طائفية يناصبها الفكر التكفيري العداء وهي تبادله إياه، كاللاذقية وطرطوس. ــ حلت الجيش والشرطة بدل إطاحة قادتهما الملطخة أيديهم بدماء السوريين، والإبقاء على صغار الضباط والجنود فيهما، والنتيجة قتال على نمط “الفزعة” العشائرية في الساحل بلا قيادة ولا انضباط ولا هرمية ولا خطط، فصائل مستقلة تحارب فلول النظام ثم تقتل مدنيين وعلى طريقها تنهب وتعتدي. ــ صرفت عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين فأوجدت جيشاً من العاطلين من العمل ومن شباب علويين لا ينقصهم الشعور بالمظلومية ليرتموا فقراءَ في أحضان عصابات بقايا نظام الأسد. ــ لم تُحاسب أي مسؤول عن أحداث استفزاز طائفي واعتداءات متفرّقة حصلت في مناطق سكان سوريين علويين طوال الأشهر الثلاثة الماضية في حمص والساحل. ــ أحجمت عن تسمية رموز النظام الأسدي المطلوبين للمحاكمة لكي يكون واضحاً أن هؤلاء حصراً هم المعنيون بالمحاسبة، ولكي يصبح للآية “لا تزر وازرة وزر أخرى” ترجمة سياسية في الحالة السورية تبرئةً للعلويين من جرائم إرهابيين قتلوا وعذّبوا ودمّروا واستبدوا زوراً باسم طائفة حملوا اسمها. ــ لم تحدّد جدولاً زمنياً لإجراءات العدالة الانتقالية ولمحاكمة رموز النظام السابق، فلا تصوّر لديها لكيفية فعل ذلك، ولا جهاز قضائياً بتصرّفها، بما أن تسريح الموظفين وحل المؤسسات لم يستثنِ القضاة. ــ لم تستغل الترحيب الشعبي في اللاذقية وطرطوس بسقوط النظام، فلم تلجم الخطاب الطائفي التكفيري لأوساط محسوبة عليها وتعيش في كنفها. ــ لم تبعد أجانب الفصائل الجهادية في سورية معروف أنهم الأكثر تشدّداً وطائفيةً ودموية، وكان لهم دور بعضه مصوّر بالفيديو في مجازر الساحل.
هذا شيء من مسؤولية السلطة عن مجازر الساحل. أما إخبارنا عن إجرام “الفلول” وعن عددهم الكبير (أربعة آلاف مسلح كما أخبرنا محافظ اللاذقية ليس كبيراً بالمناسبة) وعن دور أجنبي ما في ما حصل، فإنه لا يقدّم جواباً لأي سؤال جدّي يتعلق بمحدودية الأفق السياسي الوطني والحكيم والخلّاق لدى السلطة في دمشق.
وكأنّه كان على مجازر الساحل السوري أن تحصل لكي يستعجل أحمد الشرع ومظلوم عبدي توقيع الاتفاق الذي سيكون تاريخياً في حال تنفيذ بنوده، لأنه سيحول دون اندلاع حرب أهلية أخرى ومجازر وكوارث وتقسيم واجتياح تركي. أيام ويظهر ما إذا كان أحد ما قد تعلم شيئاً من مجازر الساحل، فيعمل بحسن نية حتى نهاية العام (مدّة تنفيذ الاتفاق مع “قسد”)، ويصدُق في اللجان المتفق عليها بين دمشق والقامشلي، ويضغط حقاً على تركيا لتترك السوريين عرباً وكرداً يعالجون مشكلتهم العويصة، وينفتح على إحقاق الأكراد في الدستور وفي تقاسم الثروة وفي المساواة الكاملة بالمواطنة والحقوق الثقافية والسياسية، ولا ينطلق في مفاوضاته بالاستعاذة من الشيطان في حال سمع كلمة فيدرالية أو لامركزية، ولا من رفض مسبق لتحويل اسم البلد من الجمهورية العربية السورية إلى الجمهورية السورية.
العربي الجديد
——————————
اتفاق الشرع ـ عبدي: تاريخي ينتصر لسوريا موحدة مجتمعة
تحديث 12 أذار 2025
بينما كانت غالبية أبناء سوريا تضمد الجراح العميقة التي خلفتها محاولة انقلاب قادتها مجموعات من فلول النظام البائد، واقترنت بمواجهات مسلحة وإراقة دماء وأعمال عنف طائفية، تلقى السوريون نبأ سعيداً من أحمد الشرع الرئيس الانتقالي ومظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية ــ قسد» أفاد بتوقيع اتفاق يصحّ اعتباره تاريخياً.
ولعل أولى دلالات نظرة تحليلية مبدئية إلى نصّ الاتفاق سوف تفيد بأن ترتيب بنوده الثمانية يراعي أولويات التنفيذ اساساً، بحيث تبدأ من «ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية» وفي مؤسسات الدولة كافة استناداً إلى الكفاءة وبغض النظر عن خلفيات المواطنين الدينية والعرقية. وفي هذا تشديد على حقوق مكوّنات المجتمع السورية المتنوعة، إثنية كانت أم دينية أم مذهبية.
وثمة مغزى خاص في أن البند الثاني ينتقل مباشرة إلى مخاطبة «المجتمع الكردي» من حيث إنه «أصيل في الدولة السورية» التي يتوجب أن تضمن «حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية». واستخدام مفردة المجتمع هنا، بدل الأقلية مثلاً أو حتى المكوّن، يشدد على فضيلة الانتماء إلى الاتحاد السوري المجتمعي أكثر من ائتلاف جماعات تتكاتف على أسس مناطقية أو إثنية أدنى من سقف المواطنة الجامع.
وكما كان منتظراً، تناولت البنود اللاحقة وقف إطلاق النار على الأراضي السورية كافة، ودمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية الواحدة، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطار ومحطات الثروة الوطنية من نفط وغاز. كما يضمن بند عودة المهجرين إلى بلداتهم وقراهم، على أن تتكفل الدولة السورية بحمايتهم، ويؤكد بند آخر على جوهر الانحياز الوطني والسياسي لهذا الاتفاق من زاوية «دعم الدولة السورية في مكافحتها فلول الأسد وكافة التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها» فيستكمله بند لاحق يشدد على «رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري».
وأن يكون الاتفاق تاريخياً أمراً يستوجب أيضاً عدم التغافل عن حقيقة أولى مركزية، هي أن مصاعب تطبيقه ليست قليلة ولا هيّنة، والزمن المحدد للتنفيذ قصير فعلياً حتى إذا امتد على تسعة أشهر، ومبدأ كمون الشيطان في التفاصيل يظل احتمالاً وارداً. ذلك لأن الخلفيات كثيرة ومعقدة، بينها ردّ مظالم الأكراد السوريين التي تراكمت على امتداد حكم حزب البعث، وشملت الإحصاء الجائر الذي يُسقط المواطنة، أو التهجير من قرى كاملة في الشمال الشرقي من سوريا، أو القمع العسكري المباشر.
وإذا كانت «قسد» قد انتصرت إجمالاً لردّ مظالم الأكراد، فإن ارتباطها بالتحالف الأمريكي انقلب أحياناً إلى ارتهان لقوة احتلال أجنبية، وهذا سهّل ارتكاب انتهاكات واسعة رصدتها منظمات حقوقية دولية، كما أفسح المجال أمام ممارسات الهيمنة والوصاية وتعطيل بعض المؤسسات الوطنية وشيوع الفساد المالي.
وقد يجوز الافتراض بأن اتفاق الشرع وعبدي لا يسفر عن رابح أو خاسر بينهما، لأن الفائز الوحيد هو سوريا موحدة مجتمعة، في المبتدأ وآخر المطاف.
القدس العربي
—————————–
في أهمية اتفاق الشرع وعبدي/ غازي دحمان
12 مارس 2025
برّد اتفاق الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي شيئاً من النار التي اشتعلت في صدور السوريين بعد حالة الإحباط الشديدة التي سبّبتها إدارة معركة الساحل مع فلول نظام الأسد، والتي نتجت عنها مذبحة طائفية بحقّ مئات السوريين العلويين، الأمر الذي أشاع اليأس في نفوس سوريين كثيرين، سواء الذين اعتبروا أن الصورة التي ظهرت بها الدولة التي تمثل ثورة السوريين لا تشبه طموحاتهم ولا تصوّراتهم عن سورية المستقبلية، أو نتيجة شيوع الخوف من تقسيم سورية، في ظل وجود ثلاث بؤر توتّر في شرق سورية وغربها وجنوبها، ووجود داعمين خارجيين لها.
يكشف الفرح السوري عن حجم إدراك غالبية السوريين المخاطر التي وقفت سورية على عتبتها في الأيام الأخيرة، وفي ظل سقوط أقنعة بعض الأطراف المحلية والخارجية وكشف نياتها في تأييد مشاريع التقسيم وإعادة هندسة سورية وفق مخطّط بدا أنه مرغوب من فاعلين خارجيين، تتقدّمهم إسرائيل وإيران.
أهمية “قسد” في هذا السياق أنها تشكّل أكبر الكتل العسكرية خارج وزارة الدفاع التي شكّلتها الحكومة السورية المؤقّتة، حيث ينضوي تحت لوائها حوالي مائة ألف مقاتل يعتبرون الأكثر تنظيماً وتدريباً في سورية، فضلاً عن امتلاكهم أسلحة حديثة، وسيطرتهم على أهم مناطق الثروة في سورية، والتي تشكّل عودتها إلى سورية فرصةً أكيدةً لتحسين الوضع الاقتصادي الذي وصل إلى وضع مزرٍ يُنذر باحتمالات هز الاستقرار الهشّ أصلاً.
الأهم أن إدماج “قسد” في هياكل الدولة والجيش السوري ينهي الرهانات التي بنتها أطرافٌ محليةٌ وخارجيةٌ في إمكانية أن يشكّل الأكراد قاطرة لقيادة أحلامهم في تقسيم سورية، أو على الأقل لتحويل سورية إلى دولةٍ فيدراليةٍ تسمح للفاعلين الخارجيين بتحقيق السيطرة على جزء من سورية بدون حروب وصراعات وضمان بقاء المركز في دمشق ضعيفاً وغير مؤثّر، ما يعني أن هذا الاتفاق سيدفع الفاعلين المذكورين إلى إعادة حساباتهم، وحتى تعديلها للتكيّف مع التطور الجديد الحاصل بعد الاتفاق.
وكانت إسرائيل قد حذّرت من احتمال حصول اتفاقٍ بين القامشلي ودمشق، الذي رأت فيه ضربةً لمشروعها الجيوسياسي وخططها في سورية، الذي يرتكز على التخوف على مصير الأقليات في سورية، ولا سيّما الأقليات العرقية ممثلة بالأكراد، التي ستقع بين نار أردوغان في الشمال والشرع في الجنوب، وبخلاف الدروز في الجنوب والعلويين في الغرب، فإن للكرد علاقات واسعة مع الغرب، كما أنهم عرقية مختلفة عن العرب، وبالتالي يملكون بعض المشروعية في الاستقلال بمناطقهم، أو الحصول على وضع يحفظ لهم إدارة شؤونهم الذاتية التي أسّسوها منذ السنوات الأولى للثورة السورية.
ينطوي اتفاق الشرع عبدي على مؤشّر مهم جدّا يتمثل بوجود موافقة أميركية على الاتفاق، وهو أمر جاء من خارج سياق التوقعات، ولا سيما أن إدارة ترامب تتخذ موقفاً سلبياً من الإدارة السورية الجديدة، عبّرت عنها تصريحات نائب الرئيس جي دي فانس، الذي شكّك بانتصار الثوار على نظام الأسد، وشبه هذا الانتصار بالتقدم الذي حققه الجهاديون في السابق، والذي نجمت عنه انتهاكات لحقوق الإنسان طاولت الأقليات، وخاصة المسيحيين، وكذلك تصريحات وزير الخارجية ماركو روبيو بعد أحداث الساحل السوري وإدانته لما وصفه بـ”الإرهاب الإسلامي”، وإعلان وقوفه إلى جانب الأقليات في سورية.
يؤكّد الاتفاق مقولة ترامب بعدم أهمية سورية بالنسبة لأميركا، لأنها لا تضيف شيئاً مهماً لها، لكنه في الوقت نفسه يعني أن أميركا لن تنخرط بمشروع تقسيم سورية أو عرقلة إعادة دمجها في المحيطين الإقليمي والدولي، صحيح أن واشنطن ما زالت تمسك بورقة العقوبات التي بدون رفعها ستعاني سورية كثيراً في المرحلة المقبلة وقد ينتج عن استمرارها تهديد للسلم الأهلي بشكل فعلي، حسب تقرير نشرته مجلة الإيكونومست والتي حذرت من المخاطر القادمة على سورية، التي يركع اقتصادها على ركبتيه، حسب وصف الصحيفة، والنتائج الاجتماعية الخطيرة لاستمرار هذا الوضع.
وثمّة أهمية للاتفاق، تتمثل بمصداقية الدول العربية في احتضان سورية وإخراجها من أوضاعها المزرية والحفاظ على وحدتها وحمايتها من التقسيم، إذ ثمّة دور لعبته السعودية، التي تملك خطوط اتصال مع قيادة “قسد” في سياق مساعي السعودية إلى ترسيخ قيادتها الإقليمية، وتعزيز دورها في لحظة إقليمية ودولية، تحاول بعض الأطراف عبرها إعادة تشكيل المنطقة وتوجهاتها السياسية وصياغة أدوارها المستقبلية.
ولكن لا يمكن فصل هذا التطور عن النداء الذي وجّهه الزعيم التاريخي لحزب العمّال الكردستاني عبد الله أوجلان، المؤثر الأكبر على فكر قيادة “الإدارة الذاتية” الكردية في شرق سورية ونهجها، إذ يأتي الاتفاق نتيجة مفاعيل التحوّل الحاصل لدى “العمّال الكردستاني”، واحتمال التوصل إلى اتفاق مع تركيا، وبالتالي إخماد الصراع الذي استمرّ عقوداً.
يمكن القول إن الاتفاق بين الشرع وعبدي خطوة مهمّة في طريق معافاة سورية وخروجها من دائرة الخطر، لكن هذه الخطوة، على أهميتها، ستبقى ناقصةً إذا لم يتم تصحيح السياسات التي تؤدّي إلى تهميش بعض المكونات السورية، واستبعاد فئات كثيرة من المشاركة في صنع القرار، وإعادة تنظيم القوى الأمنية والعسكرية بشكل احترافي، حتى لا يجري تكرار الأخطاء التي وقعت في الآونة الأخيرة، وكادت أن تودي بمستقبل سورية ووحدتها.
العربي الجديد
————————–
تحولات سورية.. تمرد الساحل والاتفاق مع قسد/ عدنان علي
2025.03.12
التطورات المتسارعة على الساحة السورية، سواء من جهة تمرد الفلول في الساحل السوري، أم الاتفاق المفاجئ بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات “قسد” مظلوم عبدي بشأن انخراط قواته في الدولة، وإن كانت تشير إلى أن الوضع السوري ما زال بعيداً عن الاستقرار، لكنها تؤكد في الوقت نفسه قدرة القيادة في دمشق على التعامل مع الملفات الساخنة والصعبة، بالرغم مما تحمله من تحديات، محلية وخارجية.
لقد شكل تمرد الفلول أقصى اختبار للدولة الوليدة التي كان عليها تحقيق المعادلة الأصعب لجهة التعامل بسرعة وحزم مع هذا التطور لتطويقه ومنع توسعه من جهة، وبحكمة وتعقل من جهة أخرى، وسط الكثير من المحاذير المحلية ذات البعد الطائفي، والخارجية التي تراقب عن كثب سلوك السلطة، ومدى تقيده بالمعايير الحقوقية والأخلاقية، مع ربط كل ذلك ضمناً باستكمال الاعتراف بالسلطة الجديدة، ورفع العقوبات المفروضة على البلاد.
ورغم حدوث بعض الانتهاكات التي أقرتها السلطة، وشكلت لجان تحقيق فيها، إلا أن أداء الحكومة كان مقبولاً بشكل عام، واستطاعت بما تملكه من إمكانيات محدودة، القيام بدرو الدولة المسؤولة عن كل مواطنيها، وليس عن جزء منهم فقط.
ولا شك أن الحكم على أداء الدولة لن يستكمل إلا بعد صدور نتائج لجان التحقيق التي تشكلت، على أمل أن تكون جدية ومقنعة، وبعيدة كلياً عن صورة لجان مماثلة تشكلت في عهد النظام المخلوع.
والتطور الأهم، والذي قد يكون على صلة غير مباشرة بالتطور الأول، هو الاتفاق بين قسد ودمشق، والذي جاء ثمرة مفاوضات غير معلنة بين الجانبين استمرت لأسابيع، تحت رعاية أميركية وتركية، وربما شاركت فيها أيضاً أطراف إقليمية أخرى.
وهذا الوقت المديد الذي استغرقته المفاوضات، أتاح لكلا الجانبين التعرف بدقة على مطالب الجانب الآخر، وتمييز ما هو أساسي وجوهري في هذه المطالب، عما هو شكلي أو “تفاوضي” مع اختبار نقاط قوته، ومدى صلابة تحالفاته المحلية والخارجية. ومن هنا، يصح القول: إنه اتفاق ناضج إلى حد بعيد، ولم يجر سلقه تحت ضغط ظروف طارئة.
ولكن يصح القول أيضاً إنه اتفاق ضرورة لكلا الطرفين، ذلك أن قيادة قسد، وفي قراءاتها للمشهد الدولي، لا بد أنها لمست ميلا أوروبيا ودوليا يدعم استقرار الوضع في سوريا، بينما لا يظهر حليفها الأميركي اكتراثاً كبيراً بهذا الوضع، مع احتفاظ الرئيس دونالد ترمب برغبته القديمة في سحب قوات بلاده من سوريا التي يرى فيها من منظوره الاقتصادي “تجرة خاسرة”، لن تستفيد منها واشنطن بشيء، بغض النظر عمن يحكم البلاد، ذلك أن استمرار الوجود الأميركي في سوريا، كان بناء على طلبات ونصائح من بعض مسؤولي البنتاغون والخارجية الأميركية، إضافة إلى إسرائيل التي لديها مآرب أخرى من هذا الوجود، لا تتصل بتحقيق المصالح الأميركية، بل بمساعيها لدوام إضعاف الدولة السورية، عبر حرمانها من ثروة النفط، وإثارة صراع عربي كردي يستنزف هذه الدولة، ويغري مناطق سورية أخرى بتقديم مطالب مماثلة.
لا شك أن هذا الاتفاق سوف يعيد تشكيل التحالفات داخل سوريا وحولها، على المديين المباشر والطويل، لأنه يجمع أكبر قوتين في سوريا ضمن جسم واحد، ما يشكل إضافة نوعية للدولة الجديدة، في حال أخذ طريقه للتطبيق، برغم العقبات العديدة المتوقعة، عند الوصول إلى التفاصيل.
المكسب الأكبر الذي يغري قسد في تنفيذ الاتفاق هو تضمنه لبند خاص بوقف كل أشكال الحرب في سوريا، بما يشمل وقف هجمات الفصائل المدعومة من تركيا على مناطق سيطرة قسد، ووقف الهجمات التركية نفسها، بما فيها الغارات الجوية، إضافة لانتزاع اعتراف الإدارة بدمشق بسلطة قسد كممثل للأكراد في سوريا، سيكون لها حصة في إدارة مناطقها وفي المؤسسات المركزية في دمشق، مثل الجيش والبرلمان المقبل والحكومة، والإدارات المختلفة.
أما الحكومة المركزية في دمشق، فإن الإتفاق سيتيح لها بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي السورية، بما فيها حقول النفط والغاز والمعابر الحدودية، فضلا عن إشراك قوات قسد التي ستنضم للجيش السوري في محاربة “فلول الأسد” وكل التهديدات التي تهدد أمن البلاد ووحدتها، وهو ما قد يثير التكهن بإمكانية الاستعانة بقوات كردية الى جانب الأمن العام، لضبط الأمن في مناطق الساحل، ما يخفف من حدة الاحتقان هناك، نظرا لعدم وجود حساسية طائفية من جانب أبناء الساحل إزاء المكون الكردي.
كما أن هذا الاتفاق سوف يسهل على الإدارة في دمشق إحراز تفاهمات مماثلة في الجنوب السوري، خاصة إذا تكللت بالنجاح خطوات اندماج قوات قسد بالجيش السوري، ما سيضيف قوة نوعية لهذا الجيش، ستمكن إيرادات النفط المتوقعة من تحسين قدراته، ودفع رواتب منتسبيه.
وفي الخلفية، سوف يسهم الاتفاق في تجريد قسد من مكونها العربي، حيث إن غالبية المنتسبين إليها هم من العرب، وإن كانت قيادتها الفعلية بيد المكون الكردي، وهذا سيضيف للجيش قوة مدربة وموثوقا بها إلى حد بعيد.
والخلاصة، أن الاتفاق هو نصر سوري خالص، سوف يسهم أيضاً إلى حد بعيد في تحييد محاولات بعض القوى الخارجية للعبث بالوضع الداخلي السوري، وخاصة إسرائيل، التي عرضت غير مرة خدماتها لبعض المكونات السورية، على أمل تفتيت الدولة السورية، ومنع وحدتها.
تلفزيون سوريا
———————-
دمشق و”قسد”: اتفاق الضرورة ومواكبة المتغيرات/ أدهم جابر
الأربعاء 2025/03/12
لم تكد تمضي أيام على دعوة زعيم “حزب العمال الكردستاني” عبدالله أوجلان حزبه إلى نبذ العنف والتخلي عن السلاح، حتى أثمرت اتفاقاً بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والإدارة السورية الجديدة، لتصدق التوقعات التي كانت أشارت إلى تأثير إيجابي لتلك الدعوة على إعادة تموضع الأكراد في سوريا.
يمكن القول إن الاتفاق، يعكس تبدّل المفاهيم لدى الأكراد، الذين وجدوا، بعد عقود من النزاع، أن استقرار مناطقهم ومصلحتهم العامة، يجب أن يتقدّما على أي أحلام تتعلق بالانفصال وتشكيل كيانٍ داخل الأراضي السورية، لن يجلب لهم سوى الحرب وما يرافقها من قتل وخراب ودمار.
بذرة أوجلان وعوامل أخرى
وإذا كانت دعوة أوجلان، شكّلت البذرة التي أسست لاقتناع الأكراد بالتحوّل، فإن عوامل أخرى لعبت دوراً في حياكة الاتفاق أهمها:
أوّلاً، ما يتعلق بالتاريخ، إذ أمضى الأكراد سنوات طويلة تحت مظلة نظام البعث البائد، تخللتها واحدة من أسوأ تجاربهم، حيث جرى التعامل معهم في تلك الحقبة على أنهم أقلية غير مرغوب فيها، في ظل محاولات حثيثة وعملية لإخراجهم من جلدهم وإلباسهم عباءة العروبة رغماً عنهم. من هنا وجد الأكراد أنفسهم أمام معضلة، فإمّا الذهاب إلى حرب أوسع، أو خوض تجربة مختلفة كلياً عمّا عاشوه، مع حكم جديد من خلال الاستثمار في التقارب الذي نشأ مع سلطة دمشق، بعد سلسلة من المشاورات والمحادثات المتكررة، فكان الخيار الثاني وذهب الأكراد إلى إبرام الاتفاق.
ثانياً، الأحداث التي تشهدها المناطق الساحلية في سوريا، وتخللتها اشتباكات وانتهاكات ذهب ضحيتها الآلاف من المدنيين ومن رجال الأمن السوريين. فهذا المشهد شكّل حالة من الهلع والخوف لدى كل المكونات السورية، وليس العلويين فقط، خصوصاً في ظل الجنون الدموي لبعض الفصائل، وعلى رأسها “العمشات” و”الحمزات”، والتي أسرفت في القتل من دون حسيب أو رقيب، وكأنها تستغل بذلك حالة الاحتضان العربي لسلطة الرئيس أحمد الشرع، بالإضافة إلى احتضان شعبي تمثّل في طائفة معينة، كانت ترى نفسها حتى الأمس القريب مقموعة ومقهورة، وعانت ما عانته من نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وجاءتها الفرصة لتحقيق انتقامها وإن على يد “الأجنبي” القادم إلى سوريا لـ “الجهاد” انطلاقاً من خلفية دينية تكفيرية، لا ترى في الآخر سوى مشروع قتل وسبي وهدر دم. هذه التطورات وما رافقها من مشاهد غلبت على المشهد الكردي، ففضّل الأكراد الجنوح إلى السلم فجنح الشرع معهم.
ثالثاً، أحداث الساحل نفسها، أجبرت أنقرة على إعادة النظر في سياساتها تجاه الأكراد، ولو مرغمةً، فهي من ناحية لا تريد التنازل والاعتراف بأي حق كردي في تأسيس دولة مستقلة، وفي الوقت نفسه، لا ترغب بانفلات الأوضاع الداخلية في سوريا والانزلاق إلى حرب أهلية قد يكون أول المتضررين منها، الإدارة السورية الجديدة، وهذا ما سينعكس بدوره على نفوذها في سوريا، وتراجعه لمصلحة إسرائيل التي سارعت إلى تبني حماية “الأقلية” الدرزية، فيما تعمل تركيا منذ سنوات على تكريس حكم في دمشق، يؤمن لها مصالحها القومية والاستراتيجية. وعلى ذلك ترجمت أنقرة تنازلاتها بإشارات إلى الشرع، جعلته يسرّع في توقيع الاتفاق، لكن ضمن خطوط حمراء تركية بأن لا دولة كردية مجاورة مهما بلغ أو كلّف الأمر.
رابعاً، التحوّلات التركية تلتقي في جانب منها مع الرغبة والمساعي العربية الهادفة، إلى المحافظة على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها. فالعرب، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل، لكنهم لا يرغبون برؤية سوريا ذات لون طائفي واحد، بل على العكس تماماً إن عدم استقرار سوريا، ودخولها في حرب أهلية، لن ينعكس فقط على الداخل السوري، وإنما على المنطقة العربية ككل، وبالتالي لا مصلحة لهم، أقله في الوقت الراهن، في رؤية بلاد الشام مقسّمة ومفتتة إلى دويلات طائفية ومذهبية تعيش حالة من التناحر والاقتتال في ما بينها، ويمكن استغلالها من قبل أطراف خارجية، ما يهدد الأمن والسلم العربيين، وبالتالي فإن الهدف هو المحافظة على سوريا المتعددة طائفياً، على أساس أن التنوّع غنى وأنه يمكن اعتبار الطوائف نعمة بدلاً من نقمة الطائفية.
قراءة المشهد
إذاً، بالنسبة إلى الأكراد السوريين، فقد قرأوا المشهد العام بعناية، وأدركوا أن مواكبة المتغيرات الإقليمية والعربية والدولية، في سبيل مستقبل أفضل والمصلحة العامة، خير من الاستمرار في حرب لا متكافئة في مواجهة سلطة كشّرت عن أنيابها، من أجل تثبيت حكمها بالبارود والنار. وهنا فإن ما فعله الأكراد يمكن النظر إليه بأنه مبادرة لحماية “الذات”، ومن ناحية ثانية، مسعى لتجنيب المكوّنات الأخرى، وبينهم العلويون ضمناً، المذابح التي تُرتكب بحقهم، وإجهاض أي محاولة من قبلهم للمطالبة بالانفصال أو طلب الحماية الدولية لمواجهة النظام الإسلامي الوليد في سوريا. بالإضافة إلى كونها محاولة لمساعدة الدولة السورية على تحقيق الأمن والاستقرار لكل المواطنين، من خلال إرساء نظام حكم لا يتّخذ من القتل سبيلاً لتعزيز أركانه، في وقت يمكنه اعتماد الحوار والتفاهم من أجل إبرام اتفاقات تعزز اللحمة السورية. وعليه يمكن القول إن الأكراد وتحديداً “قسد”، قدّمت خدمة إلى السلطة السورية الجديدة هي في أمس الحاجة إليها، في ظل أحداث الساحل الدموية، وهذا يفرض على السلطات استغلال التطورات وإجراء مراجعة سريعة لما جرى في غرب سوريا، وأخذ الدروس والعبر منه، والبناء عليه في رحلة البحث عن اتفاق مع العلويين مشابه للذي أبرم مع الأكراد.
لا شكّ أن التقارب العلوي مع السلطة الجديدة، دونه تحديات يتعين على دمشق معالجتها أولاً، والمتمثلة بأن من يتصدّر المشهد في الساحل حالياً هي جماعات وفلول تناكف الشرعية السورية، فيما الحاجة هي إلى ممثل جامع للعلويين يكون مستعداً للاتفاق مع الشرع. وفي المقابل، فإن العلويين مطالبون بمواكبة التطورات إذ لا يجب قراءة الاتفاق الكردي بأنه تخل عن الحقوق، ولكن اعتباره بمثابة تحوّل ضروري لانتهاج السبل السياسية والوسائل السلمية واعتماد الوفاق في نسج العلاقات بين السلطة والمكونات، من ناحية، والمكونات في ما بينها من ناحية أخرى، وكل ذلك من أجل الوصول إلى سوريا سيدة حرة مستقرة تجمع السوريين ولا تفرقّهم.
المدن
—————————-
هل حرّكت طهران خلاياها في الساحل لإفشال خطة واشنطن؟/ علي تمي
2025.03.12
بعد إجازة طويلة، عاد المبعوث الأميركي إلى سوريا، سكوت بولز، إلى الحسكة حاملًا في جعبته ملفات حساسة تتعلق بخطة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتعامل مع منطقة شرق الفرات، التي باتت شبه مستقلة عن حكومة دمشق بعد سقوط نظام الأسد المخلوع.
خلال زيارته، التقى بولز بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والمجلس الوطني الكردي في 3 آذار المنصرم، حيث أبلغهم برؤية الإدارة الأميركية لسوريا المستقبلية: لا نظام فيدرالياً، لا نظام أقاليم، وانسحاب قسد من سد تشرين في أقرب وقت ممكن، مع دعم واشنطن للحكومة المركزية في دمشق وضمان حقوق الكرد الثقافية والسياسية ضمن سوريا الجديدة.
ما إن انتهى هذا اللقاء في القامشلي، حتى سارعت إيران إلى التحرك على المستويين السياسي والميداني، محاولةً استغلال الفرصة قبل فوات الأوان.
تحرك إيراني غامض
منذ سقوط بشار الأسد قبل نحو ثلاثة أشهر بيد الفصائل المعارضة، لم تُخفِ طهران رفضها للوضع الجديد. فقد أكد المرشد الأعلى علي خامنئي في عدة خطابات أن المناطق السورية التي وصفها بـ”المحتلة” سيتم “تحريرها بلا شك على أيدي الشباب السوري الشجاع”.
وفي 3 يناير، كرر موقفه دون الإشارة إلى الحكام الجدد في دمشق، لكنه حذّر من مغبة “الاغترار بالقوة الحالية”.
متابعة تصريحات القادة الإيرانيين بعد سقوط نظام الأسد تشير إلى أن طهران كانت تطبخ على نار هادئة للإطاحة بالحكومة الجديدة في دمشق عبر تحريك خلاياها في مختلف المناطق، إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن.
فقد وجّه وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، تحذيرًا مباشرًا لإيران قائلًا: “من بنى بيته من الزجاج، عليه ألا يرمي بيوت الآخرين بالحجارة”.
بعض المراقبين اعتبروا هذا التصريح مجرد رسالة تحذيرية، لكن الأحداث سرعان ما كشفت عن المستور، وتبيّن أن الرجل كان يعلم جيدًا ما يدور في الخفاء.
بعد 24 ساعة فقط، شهدت سوريا تحركًا انقلابياً منظمًا في الساحل وشرق الفرات، بقيادة مشتركة. إلا أن الاستعجال في تنفيذ المخطط أدى إلى كشفه، مما سمح لواشنطن وأنقرة بإحباطه سريعًا.
فالمعلومات تشير إلى أن ماهر الأسد، الذي قاد العمليات من داخل العراق، فشل في تحريك الجبهات بسبب التحرك الأميركي-التركي المشترك، وتحذير الميليشيات الإيرانية من أي تحرك قرب الحدود العراقية سيتم استهدافه، وبالتالي وجد الانقلابيّون أنفسهم محاصرين في الساحل دون وصول الدعم من الجبهة الشرقية والبادية السورية .
ما علاقة موسكو بهذا التحرك؟
روسيا، التي كانت تسيطر على كامل الجغرافيا السورية من طرطوس إلى القامشلي، وجدت نفسها في مأزق بعد سقوط النظام المخلوع.
فقد وجدت نفسها بين نارين: إما الانسحاب من سوريا، أو مواجهة الحكومة الجديدة المدعومة من الغرب، ودول الخليج، وتركيا. لذلك، دعمت إيران بشكل غير مباشر في محاولتها تغيير قواعد اللعبة على الأرض من جديد.
السبب الآخر لدعم موسكو للتحرك الإيراني هو الضغط الذي مارسته الحكومة الجديدة في دمشق لإعادة السيطرة على ميناء طرطوس، واسترجاع الأموال السورية المجمدة في المصارف الروسية. ورغم إعادة موسكو جزءًا من هذه الأموال، إلا أن الموقف شكّل لها إحراجًا دوليًا.
كما حاولت موسكو الضغط على دمشق لقبول اتفاقية جديدة تضمن بقاء قواعدها العسكرية داخل سوريا. ويبدو أن القيادة السورية وافقت على هذا الأمر، مما يفسر غياب الدعم الجوي الروسي للانقلابيين في الساحل.
المعلومات المتداولة تشير إلى أن الرياض لعبت دور الوسيط في هذا الملف، حيث جرى الاتفاق على بقاء قاعدة حميميم، مقابل عدم مشاركة الطيران الحربي الروسي في العمليات الجوية لمساندة فلول النظام المخلوع في الساحل.
خلاصة القول
طهران خسرت المعركة مجددًا، وأخطأت في حساباتها. إعادة ضبط الأوضاع في الساحل أصبحت مسألة وقت فقط، وستعود الأمور إلى الأمان والاستقرار. أما التغيير المفاجئ في خطاب قسد تجاه دمشق، فجاء مباشرة بعد فشل الانقلاب، إذ أعلنت أنه “لا وجود لفلول النظام المخلوع في مناطق سيطرتها”، مؤكدةً أن الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحوار السوري-السوري.
يبدو أن قسد فهمت الدرس وقرأت المشهد جيدًا، وأدركت أن التعويل على تحريك ورقة الساحل والسويداء، بناءً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لم يعد مجديًا، وأن هناك توافقًا دوليًا وإقليميًا على دعم الحكومة الجديدة في دمشق. كما أن إدارة ترامب تتجه نحو التقارب مع موسكو وأنقرة لتشكيل تحالف عسكري وسياسي، في إطار مواجهة التمدد الصيني في شمال شرق آسيا وأفريقيا، حيث تسعى بكين لمنافسة واشنطن في سوق السلاح العالمي، خصوصًا في القارة الأفريقية.
في المحصلة، فشل الانقلاب الإيراني في الساحل، وانتهت معه محاولات طهران للسيطرة على الموانئ البحرية السورية.
عقارب الساعة في سوريا لن تعود إلى الوراء بعد الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، مهما كانت المخططات والمؤامرات، لأن الشعب السوري قال كلمته: لن يسمح لإيران بالعودة إلى المشهد السوري عبر أذرعها مهما كلّف، ووجودها العسكري في سوريا أصبح من الماضي.
تلفزيون سوريا
——————————
تفاهمات “قسد” ودمشق… اتفاق تأسيسي لـ”سورية الجديدة”/ محمد أمين
12 مارس 2025
وقّع الرئيس السوري أحمد الشرع، أول من أمس الاثنين، اتفاقاً مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، يُجمع كثر على وصفه بالتاريخي والتأسيسي لسورية الجديدة، خصوصاً أنه ترافق أيضاً مع حراك على خط السويداء تخلله اجتماع بين الشرع وعدد من نشطاء السويداء. وأهمية تفاهمات “قسد” ودمشق تحديداً، لا تنبع فحسب مما تضمنه الاتفاق من بنود تعترف لأول مرة بـ”المجتمع الكردي مكوّناً أصيلاً في الدولة السورية، وضمان حقوقه الدستورية وحق المواطنة” فضلاً عن وقف إطلاق النار ودمج “قسد” في مؤسسات الدولة، بل لما تضمنه أيضاً من بنود أخرى كلّها تدفع باتجاه وحدة البلاد، وهو ما من شأنه إذا ما أضيف إلى تسريبات اتفاق السويداء، قطعُ الطريق أمام محاولات أطلّت بُعيد سقوط نظام بشار الأسد المخلوع في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، لتحويل البلاد إلى “كانتونات” طائفية وعرقية متحاربة.
أهمية تفاهمات “قسد” ودمشق
وتكتسب تفاهمات “قسد” ودمشق أهميتها أيضاً من توقيتها بعد أيام من جرائم طائفية واسعة النطاق، تزامنت مع هجوم فلول النظام على الأمن في الساحل السوري، وما تبع ذلك من حملة عسكرية أطلقتها وزارة الدفاع لمطاردة الفلول، تخللتها عمليات قتل طائفي استهدفت مدنيين، ما أثار مخاوف جميع الأقليات، كما يأتي الاتفاق بعد دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان أواخر الشهر الماضي للحزب بحل نفسه وإلقاء السلاح، والذي ينتظر أن يترجم ليس في تركيا فحسب، بل في أماكن انتشار الحزب، بما في ذلك في سورية والعراق.
وفيما أدت الولايات المتحدة دوراً في تسهيل التفاوض الذي بدأ قبل فترة على الاتفاق، وترجم بأكثر من زيارة لمظلوم عبدي إلى دمشق، تزامن توقيت الاتفاق مع الموقف الأميركي الذي يميل للانسحاب من سورية. ويساعد الاتفاق، إذا ما انتقل إلى مرحلة التطبيق، على قطع الطريق أمام محاولات تقسيم البلاد ودفعها إلى سيناريوهات دموية أكثر عنفاً، فضلاً عن كونه أعاد نحو ثلث البلاد الغني بالثروات إلى سلطة الحكومة المركزية في دمشق، وهو ما يتطلب ليس إرادة محلية للأطراف السورية فحسب، بل دعماً أيضاً من تركيا على وجه التحديد، لا سيّما أن الأخيرة لم تتوقف عن التلويح بعملية عسكرية في شمال سورية ضد “قسد” و”وحدات حماية الشعب” الكردية، خصوصاً أن الجانب التركي يعتبر هذه القوات نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني.
ورداً على تفاهمات “قسد” ودمشق أعلن مسؤول تركي، لوكالة رويترز أمس الثلاثاء، أن أنقرة تشعر “بتفاؤل حذر” تجاه الاتفاق بين “قسد” والسلطات السورية، مضيفاً أن تركيا تريد رؤية كيف سيُنفّذ الاتفاق أولاً، وقال: “لقد قدم التنظيم الإرهابي وعوداً من قبل أيضاً، لذلك نحن ننظر إلى التنفيذ بدلاً من التعبير عن النيّات هنا”، وأعلن أن الاتفاق “لم يغيّر من عزم تركيا على مكافحة الإرهاب”، وقال: “من غير المقبول أن يدخل هؤلاء الأشخاص (وحدات حماية الشعب) المؤسسات السورية دون كسر تسلسل قيادتهم. ثم هناك تسلسل قيادي داخل سلسلة قيادية. من المهم بالنسبة لهم أن يكونوا مندمجين، لا يدخلون مع الاستمرار في كونهم وحدات حماية الشعب”، مشدداً على أن أنقرة ما زالت مصرة على مطلبها، وهو تفكيك ونزع سلاح “الوحدات”.
وفي وقت لاحق، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس، في كلمة له خلال مأدبة إفطار أقيمت في أنقرة مع مواطنين فلسطينيين، على أن “أي جهد يبذل لتطهير سورية من الإرهاب هو خطوة في الاتجاه الصحيح”. وأضاف الرئيس التركي أن “التنفيذ الكامل للاتفاق الذي تم التوصل إليه أمس سيخدم أمن سورية”.
ثمانية بنود في الاتفاق
وتضمن الاتفاق بين الشرع وعبدي ثمانية بنود هي “ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية ومؤسسات الدولة كافة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية”، و”التأكيد على أن المجتمع الكردي مكوّن أصيل في الدولة السورية، وضمان حقوقه الدستورية وحق المواطنة”، كما أعلن الاتفاق وقفاً لإطلاق النار، و”دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال وشرق سورية كافة ضمن إدارة الدولة، بما يشمل المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز”، فضلاً عن ضمان عودة المهجرين السوريين كافة إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية، ودعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد وكل التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها، ورفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين مكونات المجتمع السوري كافة. وأخيراً نص على أن تعمل وتسعى اللجان التنفيذية على تطبيق الاتفاق، بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي. في المقابل لم يتطرق الاتفاق إلى مصير السجون الخاضعة لسيطرة “قسد” التي تضم مقاتلي تنظيم داعش.
وفي إطار تفاهمات “قسد” ودمشق فإنه من المفترض “تطبيق الاتفاق في مدة لا تتجاوز نهاية العام الحالي من خلال لجان تنفيذية مختصة”، في محاولة للتغلب على التحديات التي من المتوقع أن تواجه الاتفاق. وكتب عبدي، في منشور على منصة إكس مساء أول من أمس، أن “الاتفاق فرصة حقيقية لبناء سورية جديدة تحتضن جميع مكوّناتها وتضمن حسن الجوار”، مضيفاً أنه “في هذه الفترة الحسّاسة، نعمل سوياً لضمان مرحلة انتقالية تعكس تطلعات شعبنا في العدالة والاستقرار”. وتحدث الاتفاق عن عناوين عامة عالقة بين الإدارة الجديدة و”قسد”، ولم يخض بالتفاصيل، وتركها للجان مشتركة منوط بها البتّ في هذه التفاصيل، من المفترض تشكيلها خلال الأيام القليلة القادمة وفق مصادر مطلعة في دمشق. وهناك العديد من القضايا الشائكة التي يمكن أن تواجه تفاهمات “قسد” ودمشق لعل أبرزها مصير السلاح الذي تمتلكه قوات سوريا الديمقراطية، الذي قُدّم لها من التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، وكان التحالف شكّل هذه القوات في عام 2015 وجعل من وحدات “حماية الشعب” الكردية على رأسها، خاصة لجهَتي القيادة والتوجيه، وخاضت هذه القوات، تحت غطاء ناري من طيران التحالف، حرباً طويلة الأمد مع التنظيم بدأت في ذلك العام، وانتهت مطلع 2019. وخرجت هذه القوات من الحرب لاعباً بارزاً في المشهد العسكري السوري، فشكلت “إدارة ذاتية” للإشراف على المناطق التي باتت تحت سيطرتها في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة وبعض ريف حلب والتي تعد “سلّة غذاء” سورية ومستودع الثروات، وكان عبدي قد كشف، في حديث صحافي، أواخر العام 2019، أنّ عدد هذه القوات هو 80 ألفاً، إضافة إلى 30 ألفاً من قوات الأمن الداخلي.
تعزيز لوحدة الأراضي السورية
واعتبر رياض درار، وهو الرئيس السابق لمجلس سوريا الديمقراطية (الجناح السياسي لقسد)، في حديث مع “العربي الجديد”، في تفاهمات “قسد” ودمشق تعزيزاً لـ”وحدة الأراضي السورية وضمان حقوق جميع المكونات”، كما اعتبر الاتفاق “خطوة جادة من الطرفين”، مشيراً إلى أن تنفيذه “يعتمد على مشاركة جميع المكونات وتأكيد تطبيق حقوق الإنسان”، غير أن درار رأى أن “هذا الاتفاق ربما يتسبب في الضرر لبعض الأطراف والمصالح”، مشيراً إلى أن أبرز هذه الأطراف “فلول النظام السابق التي كانت تستفيد من حالة الانقسام والفوضى لتحقيق مصالحها، خاصة أن الاتفاق ينص على دعم الدولة في مكافحة فلول الأسد والتهديدات كافة التي تمس أمن ووحدة سورية”. وأعرب عن اعتقاده أن “الجماعات المتطرفة والتنظيمات المتشددة والفصائل المسلحة قد تجد نفسها محاصرة مع توحيد الجهود العسكرية تحت مظلة الدولة”، وبرأيه فإن “الاتفاق قد يهدد مصالح القوى الأجنبية التي كانت تستفيد من استمرار حالة عدم الاستقرار في سورية، خاصة إذا كانت تدعم فصائل أو جماعات معينة لتحقيق أجنداتها”.
ولطالما كانت “قسد” في مرمى استهداف القوات التركية، التي شنت ضدها أكثر من عملية برية، فضلاً عن الحرب الجوية المفتوحة منذ سنوات عدة، ومن المفترض أن تُخرج “قسد” كل العناصر الأجنبية من الأراضي السورية لتسهيل تنفيذ هذا الاتفاق الذي “رحّب به كل السوريين”، وفق المحلل السياسي المقرب من “الإدارة الذاتية” إبراهيم مسلم، الذي اعتبر، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تفاهمات “قسد” ودمشق “خطوة للسلام في كل سورية”، وأعرب عن اعتقاده أن تنفيذ تفاهمات “قسد” ودمشق “يتوقف على الطرفين”، مشيراً إلى أن الاتفاق “ليس عسكرياً فحسب”، داعياً للاستفادة من تجربة “الإدارة الذاتية” في مؤسسات الدولة، خاصة في مجالات المجتمع المدني والمرأة، مضيفاً: أنّ هناك تحديات ستكون أمامه خاصة موقف تركيا منه. ويبدو أن الخشية من تعرضها لخطر يستهدف وجودها كلّه في حال الانسحاب الأميركي من شمال شرقي سورية، وتفادي أي هجوم بري تركي وفصائل سورية متهمة بارتكاب تجاوزات وعمليات قتل خارج القانون، كان المحرك والدافع الرئيس أمام القيادات الكردية للاتجاه غرباً إلى دمشق، والتفاهم مع الرئاسة السورية على تسليم الشمال الشرقي من البلاد للسلطات.
ووصف المحلل السياسي فريد سعدون، في تصريح لـ”العربي الجديد”، الاتفاق بـ “التاريخي”، مشيراً إلى أن تفاهمات “قسد” ودمشق “تخدم السلم الأهلي وتحافظ على الأمن والاستقرار”، مضيفاً: لأول مرة في تاريخ سورية يُعتَرف بحقوق الشعب الكردي في البلاد، كان حزب البعث ينكر أي وجود للأكراد في سورية، وتابع: الآن كما أعتقد الأمور تأخذ المنحى الصحيح على هذا الصعيد، وبيّن أن الاتفاق “حدد الخطوط العريضة للتوصل لاتفاق شامل يحفظ حقوق الشعب الكردي وينهي مشكلة السلاح”، معرباً عن اعتقاده أن العراقيل أمام الاتفاق “ستكون خارجية”، مضيفاً: هناك جهات ليس لها مصلحة في استقرار سورية، وأعتقد أن طريقة دخول “قسد” إلى الجيش السوري تحتاج لوقت حتى يجري التوصل لاتفاق.
من جانبه، رأى الصحافي هوشنك حسن، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن الطرفين خرجا من تفاهمات “قسد” ودمشق بـ”مكاسب من الاتفاق”، ذلك أن الحكومة كسبت عودة الموارد الاقتصادية إلى الخزينة، و”قسد” حصلت على اعتراف رسمي بكونها قوة في شمال شرقي سورية، وأعرب عن اعتقاده أن تعهد “قسد” وفق الاتفاق بـ”دعم الدولة السورية في مواجهة التهديدات التي تمسّ أمنها ووحدتها”، يعني أنه من الممكن مشاركة هذه القوات بمهام خارج نطاق نفوذها لمحاربة فلول للنظام.
ولا يستبعد البعض أن يواجه الاتفاق معارضة تيار متشدد في وحدات “حماية الشعب” الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، يرفض أي اتفاق مع دمشق لا يُبقي هذه الوحدات سلطةَ أمرٍ واقع في شمال شرقي سورية، خاصة في محافظة الحسكة، مع العلم أن حزب الاتحاد الديمقراطي أعلن، في بيان أمس الثلاثاء، دعمه للاتفاق، واعتبر أن تفاهمات “قسد” ودمشق خطوة أولى نحو بناء سورية المستقبل. وأشار إلى أن “هذا الاتفاق يأتي ثمرةً لنضال الشعوب والثورة السورية، وإفشال جميع المؤامرات التي استهدفت وحدة سورية وعيشها المشترك”، معتبراً أن “المرحلة الراهنة تتطلب التحول الديمقراطي والتغيير لتحقيق آمال وتطلعات السوريين”، مشيداً بدور أوجلان في إطلاق مبادرة السلام وخريطة الطريق بتاريخ 27 فبراير/شباط الماضي، بالإضافة إلى جهود الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية في إحلال السلام وحل القضايا بالحوار والسبل السلمية”، وأكد أن “الاتفاق وضع قضايا جميع المكونات على طريق الحل وفق أسس قانونية ودستورية، مع التركيز على ضمان حقوق جميع السوريين، وحل القضية الكردية، وعودة المهجرين، ووقف إطلاق النار في الأراضي السورية كافة، وإنهاء مرحلة الإقصاء والتهميش”.
وساد المناطقَ التي تقع تحت سيطرة “قسد” تفاؤل حذر بعد توقيع الاتفاق، تجلّى في خروج المواطنين في تظاهرات ابتهاج، معتبرين أن تفاهمات “قسد” ودمشق جنّبت القسم الأهم من بلادهم دورات عنف جديدة، لكن إبراهيم العبود، وهو من سكان ريف الرقة الغربي، عبّر في حديث مع “العربي الجديد”، عن خشية من وجود عقبات على طريق تنفيذ الاتفاق، وأضاف: أنا مرتاح جداً بعد الاتفاق، لكن ننتظر التنفيذ، ونريد عودة مؤسسات الدولة كلها إلى المنطقة خاصة التعليمية، ورأى أن هناك شبكات فساد ونفوذ ستكون “أكثر المتضررين من هذا الاتفاق”، مشيراً إلى أنها ستلعب دوراً سلبياً لعرقلة تنفيذه أو على الأقل تأخير هذا التنفيذ.
وفي السياق، رأى عدنان الحسن، في حديث مع “العربي الجديد” وهو من القاطنين في مدينة الرقة، أن الاتفاق “وضع حداً لكل حملات التحريض بين مكونات المنطقة خاصة العرب والأكراد”، مبدياً تفاؤلاً بتطبيق الاتفاق خلال العام الحالي، مضيفاً: هذا الاتفاق مفيد لكل الأطراف، وآمَلُ أن ينعكس إيجاباً على حياة السوريين، وتابع: موارد المنطقة ستعود إلى خزينة الدولة وهذا سيكون له أثر كبير على تحسّن الحالة المعيشية للناس.
وفي القامشلي في أقصى الشمال الشرقي من سورية، هناك “ترحيب بالاتفاق من الشارع الكردي”، وفق مصطفى حاج أحمد، الذي أشار في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “قسد” لا تمثّل كل الأكراد في سورية، مضيفاً: هذا اتفاق مع فصيل عسكري وليس اتفاقاً سياسياً مع القوى الفاعلة في المشهد الكردي برمته. إلّا أن حاج أحمد رأى أن الاعتراف بالأكراد “مكوناً أصيلاً” في الدولة “بارقة أمل في وضع حد لكل الأصوات التي ارتفعت بعد سقوط نظام الأسد داعية إلى تقسيم البلاد”.
إلى ذلك، رحّب رديف مصطفى، نائب رئيس رابطة الأكراد المستقلين في سورية، بالاتفاق، مشيراً، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنه “سيسهم في بناء سورية الحرة الموحدة أرضاً وشعباً بعيداً عن نموذج المحاصصة الفاشل، ويؤكد على المشاركة السياسية الوطنية دون تمييز”، مضيفاً: هناك ترحيب شعبي واسع، ورأى أن “الاعتراف بالحقوق الثقافية والاجتماعية للأكراد السوريين ودسترتها، مسألة مهمة”، معرباً عن اعتقاده أن الاتفاق “سيواجه بعض العراقيل لأن الشيطان دائماً يكمن في التفاصيل”، مبدياً الخشية من دور إيراني في عرقلة الاتفاق وتخريبه “عبر قيادات من حزب العمال الكردستاني تابعين لها”، مضيفاً: هؤلاء لهم أتباع سواءً داخل “قسد” أو “الإدارة الذاتية”.
العربي الجديد
—————————
سوريا إلى أين؟ تكرارٌ للسؤال/ جلبير الأشقر
تحديث 12 أذار 2025
طرحنا السؤال قبل ثلاثة شهور وحاولنا الإجابة عنه بالتأكيد على استحالة اتفاق جميع الفصائل المتواجدة في سوريا على الخضوع لسلطة واحدة، وبإبداء الشك في تحوّل «هيئة تحرير الشام» (هتش) من السلفية الجهادية إلى الديمقراطية الشاملة لكافة مكونات الشعب السوري («سوريا إلى أين؟» 10/12/2024). وقد شهدت الأيام الأخيرة أحداثا قد توحي بسير الأمور في اتجاهين معاكسين بالنسبة لما توقعنا.
فإن مؤتمر «الحوار الوطني السوري» الذي دعت إليه سلطة هتش، بعد أن نصّبت نفسها حكومة لكامل الأراضي السورية ونصّبت زعيمها أحمد الشرع رئيساً للبلاد، إنما جاء غير مقنع على الإطلاق، تذمّرت شتى أطراف المعارضة السورية التاريخية من حيثيات الدعوة إليه. بل أكدت طريقة عقد المؤتمر نيّة هتش في السيطرة الكاملة على سيرورة إعادة بناء مؤسسات الدولة السورية وصياغة دستورها الجديد. وإذ حظي الشرع بدعم إقليمي عربي تجلّى في الزيارات التي قام بها، لم يحظَ بثقة أو بدعم مماثل من بعض مكونات الشعب السوري الأساسية، سواء أكانت سياسية، أو طائفية، أو إثنية، أو مناطقية.
والحقيقة أن الشرع يتصرّف وكأنه سيّد الموقف بينما قوات هتش بعيدة عن أن يكون تعدادها كافياً للسيطرة على كامل الأراضي السورية، حتى لو استثنينا الجولان المحتل. فإزاء هذا الواقع الجلي، يسعى الشرع نحو تحييد المنافسين والأخصام كسباً للوقت، مراهناً على حصول هتش على دعم وتمويل يسمحان لها بناء قوة عسكرية تفوق قوة سائر الأطراف المسلّحة المتواجدة في شتى أنحاء الأراضي السورية. وفي هذا الانتظار، يقوم عادةً السلوك المنطقي على مهادنة القوي ريثما تتوفّر القدرة على التغلب عليه، مع استفراد الضعيف في هذه الأثناء.
وتأتي في هذا الإطار المجازر الطائفية البشعة التي وقعت في الأيام الأخيرة في المنطقة الساحلية والتي ذهب ضحيتها ما يزيد عن ألف من المدنيين العلويين حسب تقارير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» وقد تناقلت شبكات التواصل الاجتماعي صوراً وفيديوهات مروّعة عن بشاعة المجزرة. وإذ ادّعت هتش أن جماعات غير منضبطة هي التي ارتكبت المجازر، يبقى أنها رعت هذه الجماعات المتطرّفة وتتحمّل مسؤولية أفعالها بالتالي، وقد انتهزت الفرصة كي تبسط سيطرتها على منطقة الساحل. أما إلقاء مسؤولية ما جرى على «فلول» نظام الأسد، فلا يجيب عن حقيقة أن هذه «الفلول» امتنعت عن القتال دفاعاً عن النظام البائد ولم تتحرك من جديد انتصاراً له، بل دفاعاً عن أهل طائفتها. بمعنى آخر، من يوصَمون اليوم بأنهم «فلول» إنما باتوا قوة طائفية على غرار ما لدى الطائفة الدرزية، وعلى غرار هتش نفسها التي هي قوة طائفية بامتياز، ناهيك من القوة الإثنية-القومية الكُردية.
أما الحدث الوحيد الذي قد يوحي بالسير على درب توحيد البلاد ديمقراطياً، فهو الاتفاق الذي أُبرِم يوم الإثنين الماضي بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) والذي ينص نظرياً على دمج قسد في إطار الدولة السورية الجديدة التي تهيمن هتش عليها. والحقيقة أنه من المرجّح أن يلحق هذا الاتفاق بالقائمة الطويلة من الاتفاقات التي لم تشهد تطبيقاً لها، أو تكاد، وانتهى بها الأمر في طي النسيان. ذلك أن ما أدّى إلى هذا الاتفاق، بعد وعيد الشرع نفسه بفرض هيمنة دولته على الشمال الشرقي السوري، هما أمران: الأول هو إدراك الشرع أن لدى قسد من القوة العسكرية ما يفيض عمّا لدى هتش اليوم، ناهيك من الدعم الأمريكي الذي تحظى به قسد حتى الآن. والثاني هو ضوءٌ أخضر تركي متعلّق بالخطوات القائمة داخل تركيا لإنهاء الحرب مع «حزب العمال الكردستاني» بعد دعوة زعيم الحزب، عبد الله أوجلان، إلى إلقائه السلاح.
لذا يبدو اتفاق يوم الإثنين الماضي وكأنه أقرب إلى هدنة مؤقتة مما هو إلى خطوة فعلية نحو رسم معالم سوريا جديدة، تسمح بإعادة اندماج حقيقية للبلاد على قاعدة ديمقراطية تشمل درجة من اللامركزية الإدارية، بما يتيح لشتى مكونات الشعب السوري التعايش بسلام وإعادة الانصهار بعد عقود من القهر القومي والعرقي والطائفي بإشراف النظام البعثي المخلوع.
كاتب وأكاديمي من لبنان
القدس العربي
—————————-
تركيا والكرد بعد نداء أوجلان: السلاح مقابل السياسة/ فرهاد أهمه
12.03.2025
ربما تشعر تركيا الآن بنوع من الانتصار، وهي ترى نفسها أمام مشهد إنهاء تمرّد مسلّح مستمر منذ أربعين عاماً. لكن ما ينبغي أن تعيه تركيا، هو أن هذا التحوّل لا يمثّل المطالب التي انطلق من أجلها التمرّد المسلّح، بل مراجعة عقلانية بيّنت أن السياسة توصل إلى الهدف بتكلفة أقل، وعبر طرق تخلق أقل قدر من الشروخ بين الشعوب.
لم يكن جوهر رسالة عبد الله أوجلان، التي نُشرت للرأي العام الكردي والتركي في ٢٧ شباط/ فبراير ٢٠٢٥، مفاجئاً للكرد، إذ سبق نشر الرسالة الكثير من اللقاءات، التي قام بها فريق من محامي أوجلان، وقياديون من حزب “ديم” الكردي، مع القيادات السياسية في تركيا وكردستان العراق.
رشح عن هذه التحركات، أن جوهر النداء الذي سيوجّهه أوجلان، سيكون الطلب من حزب “العمال الكردستاني”، أن يُوقف الكفاح المسلح بشكل نهائي ويُلقي السلاح، في خطوة تُنهي أطول تمرّد كردي مسلّح في تركيا.
نداء أوجلان لم يكن فقط طلباً لإلقاء السلاح، بل تضمّن مراجعة مقتضبة لمسيرة حزب “العمال”، وظروف تشكّله، والقطع مع الإرث المطلبي لهذا الحزب الذي طالب في بداياته، بتأسيس كردستان مستقلّة.
يرفض أوجلان في ندائه الأخير المطالبات بالفيدرالية، أو الإدارة الذاتية كحل للمشكلة القومية الكردية. هذه القراءة، وبالرغم من صدمة الكثير من الكرد بها، تأتي اعترافاً بالوقائع المتغيّرة في تركيا، وانسداد الأفق السياسي أمام حل واضح، “وبضربة واحدة” للمسألة الكردية فيها.
من هذا المنطلق، تأتي خطوة إلقاء السلاح، كتثبيت للحاجة الكردية في تركيا إلى العودة إلى ممارسة السياسة، بعد التخلّص من إرث الحرب وسمة الإرهاب والمضايقات التركية، لمعظم أشكال النشاط المدني الكردي، تحت حجّة ارتباط هذه النشاط بحزب “العمال الكردستاني”، وبالتالي بالإرهاب.
تأمل تركيا أن تتحرر من التبعات والتكاليف المادية والبشرية للصراع العسكري، واحتواء الكرد تحسباً لأي متغيّرات كبيرة في الإقليم، قد تُحسّن من موقع الكرد وفرصهم في الحصول على وضع خاص بهم.
الكرد من جهتهم يرون في هذه الخطوة، مدخلاً لحماية مكتسباتهم السياسية ومراكمتها تدريجياً، إذا تفرّغوا بشكل كلي للانخراط في العمل السياسي، وبناء مؤسسات مدنية، والتركيز على العامل البشري بدلاً عن العسكرة.
بحسب استطلاع رأي أجراه مركز “راويست للدراسات” في مدينة دياربكر، يؤيّد ٦٥ في المئة من الكرد قرار ترك الكفاح المسلّح، بينما عبّر نحو٢٠ في المئة عن تحفّظاتهم حيال ذلك، في ظل عدم وضوح الخطوات المقابلة التي ستنفّذها تركيا، في حين أبدى ١٥ في المئة رفضه القرار.
تعرّف الكرد في السنوات الأخيرة وبشكل متزايد، على قدرتهم في التأثير السياسي داخل تركيا، إذ تمكّنت القائمة الكردية في بعض الانتخابات البرلمانية من الفوز بـ ٨٠ مقعداً، وكذلك الفوز بأكثر من مائتي بلدية في الانتخابات المحلية.
فتحت الانتصارات السياسية للكرد باب الحضور في المشهد السياسي التركي الرسمي، وإدارة البلديات بشكل يلبّي ليس فقط الاحتياجات الخدمية للسكان، بل أيضاً يُراعي الثقافة المحلية، ويشجّع على استخدام اللغة الكردية، وفتح الكثير من المشاريع الثقافية الواعدة.
لكن الدولة التركية، كانت وبشكل مستمر، تنزع الحصانة عن الكثير من البرلمانيين الكرد، وتعتقل رؤساء البلديات المنتخَبين، وتعيّن بدلاً عنهم أوصياء منتدَبين من الحكومة، بحجّة ارتباطهم بحزب “العمال الكردستاني”. رأى الكرد كذلك أن السلاح يُرسل أفضل الكفاءات البشرية الكردية إلى السجون أو المنافي. الآن، يأمل الكرد أن فسحة العمل السياسي ستتوسّع، وستسقط حجّة الإرهاب التي استخدمتها تركيا لتقليص النجاحات السياسية الكردية، ورمي الكرد خارج دائرة التأثير السياسي في تركيا.
بهذا المعنى، فإن العودة إلى حقل السياسة، هي عودة إلى ملعب يستطيع فيه الكرد إحراز الكثير من النقاط، من دون أن تتمكّن تركيا من انتزاعها منهم.
تتزامن هذه الرغبة الكردية مع شكّ كبير في مستوى جدّية الدولة التركية، التي حافظت حتى الآن، على خطابها المعتاد بوصف ما يجري على أنه قضاء على الإرهاب، واستسلام غير مشروط لحزب “العمال”. كذلك فإن فشل الجولات الماضية من التفاوض بين الحزب وتركيا، وردّة الفعل التركية القاسية بعد انهيار المحادثات الأخيرة للسلام في عام ٢٠١٥، يعززان من هذه الشكوك.
ويعتقد قطاع واسع من الكرد أن تركيا غير جادّة، وتريد فقط كسب الوقت وضبط المشاكل الداخلية، حتى يتبيّن ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا والإقليم، قبل أن تنقضّ على الاتفاق حالما ترى الأوضاع في صالحها.
يستند المشككون الكرد على إرث من الفشل في التوصّل إلى اتفاق مع تركيا، مصحوباً بنزعة تركية لمحاصرة أية تطلّعات كردية داخل تركيا وخارجها. من هذه الزاوية، يتّفق الشارع الكردي في تركيا، على ضرورة حماية التجربة الكردية الناشئة في سوريا، وضمان أن يحصل الكرد هناك، على نوع من الإدارة الذاتية، وهو مُنجز غير قابل للتحقيق حالياً في تركيا. يرى الكرد في تركيا في كفاح الكرد السوريين ضد “داعش”، وتأسيس إدارات ذاتية، وانتهاج سياسة لغوية جعلت من اللغة الكردية لغة تعلّم وتعليم إلى جانب اللغات المحلية الأخرى، مُنجزاً يخصّهم أيضاً، ورافعة يمكن الاستناد عليها في الحصول على وضع أفضل في تركيا. كذلك يُجمعون على ألا تكون تبعات نزع السلاح في تركيا، قاسية على “قوات سوريا الديمقراطية/ قسد”.
نظرت تركيا دائماً بحذر شديد إلى ما يجري على الجانب الآخر من الحدود لدى كرد سوريا، ويُرجّح الكثيرون أن نجاح المقاتلين الكرد في سوريا في التصدّي لـ”داعش”، وتأسيس الإدارات الذاتية، والتحوّل إلى شريك قوي للتحالف الدولي لمحاربة “داعش”، كان السبب الجوهري أمام فشل عملية السلام بين تركيا وحزب “العمال الكردستاني” في عام ٢٠١٥.
تنظر تركيا الآن أيضاً إلى “قوات سوريا الديمقراطية”، كفرع لحزب “العمال”، وتقول إن نداء نزع السلاح يشمل هذه القوات أيضاً. وصف مظلوم عبدي، قائد “قوات سوريا الديمقراطية” نداء عبد الله أوجلان “بالتاريخي”، مع تأكيده على أن “قسد” قوات سورية، وغير معنية بهذا النداء، ولن تُلقي سلاحها، بل ستسعى للاندماج في الجيش السوري، ضمن صيغة يتمّ الاتفاق عليها مع دمشق.
وفي الحقيقة فإن “قسد” جيش كبير موجود على الأرض، ويسيطر على مساحات واسعة من سورية، وليس مجموعة من “الكريلا” المتمركزين في الجبال، كما هو الحال لدى حزب “العمال”. كذلك فإن الحالة السورية، تسمح لـ “قسد” بالوصول إلى اتفاق مع دمشق، ينظّم عملية اندماجها في الجيش السوري الجديد كفيلق أو فرقة.
لكن، ومع الاختلاف في الوضع العسكري لحزب “العمال” و”قسد”، يظهر أن “قسد” تتبنّى الجوهر السياسي لنداء عبد الله أوجلان، وهو الاندماج في الدول القائمة، والولوج في حقلها السياسي، وتركيز الجهود على التغيير الديمقراطي في هذه البلدان.
يرى الكرد في سوريا أن اندماج “قسد”، وكذلك اندماج الكرد ممكن في سوريا. ليس كما هو الأمر عليه في تركيا بنزع السلاح، بل بالاندماج المنظّم للقوة العسكرية (قسد) والاعتراف بإدارة لا مركزية للكرد، تسهّل اندماجهم الأوسع في الحياة السياسية في سوريا، وتفسح المجال أمامهم ليكونوا مؤثّرين في رحلة السوريين نحو الديمقراطية والمساواة.
ربما تشعر تركيا الآن بنوع من الانتصار، وهي ترى نفسها أمام مشهد إنهاء تمرّد مسلّح مستمر منذ أربعين عاماً. لكن ما ينبغي أن تعيه تركيا، هو أن هذا التحوّل لا يمثّل المطالب التي انطلق من أجلها التمرّد المسلّح، بل مراجعة عقلانية بيّنت أن السياسة توصل إلى الهدف بتكلفة أقل، وعبر طرق تخلق أقل قدر من الشروخ بين الشعوب.
سترى تركيا نفسها أمام كفاح سياسي، ينخرط فيه عدد أكبر من الذين انخرطوا في العمل العسكري. فقد نجح الكرد في السنوات الماضية؛ وحتى مع استمرار ضغط تهمة الإرهاب، في خلق تيار سياسي يجمع الكثير من الفئات في تركيا. الآن، إذا اقتنصت تركيا هذه اللحظة التاريخية، ولم تعرقل الحراك السياسي الكردي، سيصبح الكرد عبر السياسة، أكثر قدرة على مساعدة أنفسهم ومساعدة تركيا أيضاً، في أن تصبح مكاناً أفضل لكل سكانها.
درج
————————————
سوريا رقم لا يقبل القسمة/ علي قاسم
رغم ما حدث خلال الأيام الماضية في منطقة الساحل السوري لن تجد بين أبناء الطائفة العلوية من يتحدث عن دولة علوية مستقلة ويصرون على رؤية أنفسهم جزءا لا يتجزأ من الكيان السوري.
الأربعاء 2025/03/12
مشاهد تثلج الصدر
قبل الكتابة عن أحداث الساحل السوري وعن توقيع الاتفاق مع الأكراد لدمج مؤسسات الإدارة الذاتية في إطار الدولة السورية، لي طلب بسيط أوجهه للرئيس أحمد الشرع، أن يعمل على إصدار قرار يحدث تبدلا كبيرا في الطريقة التي ينظر فيها العالم إلى الحكومة السورية الجديدة.
القرار هو رفع اللثام الذي يضعه عناصر من الجيش السوري والأمن العام على وجوههم خلال تنقلاتهم، لأن هذا اللثام يدفع إلى الربط بينهم وبين المقاتلين من الفصائل.
شخصيا، ليست لي مشكلة مع اللثام ورمزيته، ولكن أفضل ويفضل السوريون رؤية وجوههم والاستبشار بها، وأكاد أجزم أنهم شباب وُسَماء يمكننا أن نباهي بوجوههم الأمم.
تكفي الملابس العسكرية الرسمية لتمييزهم. إنهم نجوم سوريا، ومن حقهم أن يتباهوا وينالوا الشهرة التي يستحقونها.
أكتفي بهذا، لأتحدث عن مفاجأة لا تقل بوقعها عن مفاجأة انهيار نظام الأسد وهروبه خارج سوريا، وهي توقيع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الاثنين على اتفاق يقضي بدمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية.
حتى الدقائق الأخيرة، كان رهان الجميع على التقسيم، خاصة مع الأحداث الدامية التي شهدتها منطقة الساحل السوري. الرئيس الشرع نفسه تحدث عن الأضرار التي ألحقتها هذه التجاوزات بما تحقق من إنجازات على صعيد علاقة الحكومة السورية الجديدة مع دول العالم ومنظماته، مضيفا أن العمل على ترميم هذه الأضرار سيحتاج إلى وقت طويل.
بالنسبة إليّ، الحدث لم يكن مفاجأة، لأنني لم أراهن يوما على تقسيم سوريا. فسوريا رقم لا يقبل القسمة.
قبل ساعات من الإعلان عن الاتفاق، كتبت مقالا تحت عنوان “سوريا: الحل بالتسامح وتجاوز ثقافة الانتقام”، عرضت في المقال ما جاء على لسان ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق، من أن سوريا لا تبدو متجهة نحو نظام فيدرالي، بل نحو دولة مركزية موحدة، ويتعين على قوات سوريا الديمقراطية أن تصبح جزءا من الجيش التابع للحكومة السورية في دمشق، وتعمل تحت قيادتها.
واليوم يؤكد مظلوم عبدي بعد توقيع الاتفاق أن الإدارة الأميركية نصحت قيادة قسد بالتوصل إلى اتفاق مع الإدارة السورية الجديدة.
إنها مسألة أيام قليلة قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق ينظم العلاقة مع منطقة الجنوب السوري، ينهي التدخل الإسرائيلي ويضع حدا للإشاعات حول رغبة أبناء الجنوب في الانفصال عن سوريا، وهي إشاعات لا تؤيدها أي حقائق على الأرض. أبناء الجنوب يعتزون بانتمائهم إلى سوريا، ووطنيتهم لا يشك فيها. إنهم أحفاد سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى التي اندلعت عام 1925 وساهمت في إخراج الاستعمار الفرنسي من سوريا.
رغم ما حدث خلال الأيام الماضية في منطقة الساحل السوري، لن تجد بين أبناء الطائفة العلوية من يتحدث عن دولة علوية مستقلة، ويصرون على رؤية أنفسهم جزءا لا يتجزأ من الكيان السوري.
من منكم لم يشاهد صور ومشاهد الاحتفالات التي نقلتها الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي لآلاف السوريين الذين خرجوا في المدن السورية كلها، من الحسكة إلى القامشلي إلى دير الزور والرقة وحلب ودمشق وحمص وطرطوس واللاذقية، قبل أن يجف الحبر الذي استخدم للتوقيع على القرار.
إنها مشاهد تثلج الصدر، وتخفف من الألم الذي تسببت به صور القتلى المدنيين الأبرياء، وعبور الآلاف من سكان مدن وقرى ريف الساحل نهر الكبير الشمالي إلى لبنان هربا من القتل.
السؤال الآن يتركز على ما المطلوب عمله لإعادة الثقة وبث الطمأنينة في نفوس أبناء الطائفة العلوية، وأنهم ليسوا مطاردين ومدانين إلى أن تثبت براءتهم؟
هناك حل واحد، هو أن تبادر الحكومة لإعداد قائمة بأسماء كبار المطلوبين والمتهمين بتعذيب وقتل السوريين خلال حكم الأسد، حتى لا يشعر كل فرد عمل يوما ضمن سلك الجيش والأمن أنه مطلوب ومستهدف.
أبناء الطائفة العلوية ليسوا هم الوحيدون الذين عملوا مع النظام البائد، هناك أسماء يعرفها الجميع، من بين كل الطوائف والأقليات، عملت مع النظام، أياديها ملطخة بدماء السوريين.
بعد التوقيع على الاتفاق مباشرة، قفز سعر الليرة السورية 20 في المئة أمام الدولار. إنها علامة ثقة، تفسيرها الوحيد أن سوريا سائرة على طريق الاستقرار، وأن الاستقرار هو كل ما يحتاجه السوريون لينهضوا ببلدهم من جديد. وهم يستحقون الفرصة التي هيئت لهم.
كاتب سوري مقيم في تونس
العرب
——————————
سوريا الواقع والافتراض/ طارق الحميد
تحديث 12 أذار 2025
أحسن الرئيس أحمد الشرع في الخطوات التي اتخذها من أجل نزع فتيل أزمة خطرة، تهددت سوريا في بضعة أيام بشكل لافت ودراماتيكي، لأن مستصغر الشرر بأحداث الساحل وقفت خلفه رياح عاتية من التحريض والتضليل.
ولا يمكن الاستخفاف بالدم والقتل والأعمال الانتقامية، ولو وقعت بحق إنسان واحد، وليس مائة، أو مئات، فحقن الدماء مقدم على كل شيء، وأياً كانت الدماء سواء لمواطنين أو رجال أمن، كما أن نبذ الطائفية أمر واجب في الدولة، أي دولة.
نزع الرئيس الشرع فتيل الأزمة، واتخذ إجراءات مهمة فاقت تصور داعميه من السوريين، وهي إجراءات عقلانية لخَّصها بقوله إن المخطئ سيُحاسب ولو كان قريباً منه، وتوَّج جهوده تلك بحكمة نتج عنها إبرام اتفاق مع «قسد».
وهو ما يعني أن الشرع، وبكل حكمة، استعاد جغرافياً ثلث الدولة، وبتوقيت مهم، ورغم أن أصواتاً كثراً كانت تطالبه بمواجهة الأكراد، فإنه فضَّل الحكمة والمفاوضات. والإشكالية أن كل ذلك لا يعني أن سوريا قد تجنبت الأزمات.
والسبب أن هناك واقعاً بسوريا، وأن هناك عالماً افتراضياً يؤطر الأحداث فيها. والقصة ليست قصة وسائل التواصل، أو الإعلام، بل أكبر. فمنذ اندلاع أحداث الساحل السوري أجد سؤالاً واحداً على لسان كل مَن ألتقيه أو أتواصل معه.
والسؤال هو: «ما حقيقة ما يحدث بسوريا»؟ وعندما تشرح تأتي الإجابة أيضاً واحدة: «الآن فهمت». وهو سؤال السعودي، والسوري، واللبناني، والمصري، والغربيين. وقد يقول القارئ: ومَن يقول إنك تملك الإجابة الصحيحة؟
وهذا سؤال مهم، والسبب أن التضليل على سوريا كبير، وهو استمرار لما شهدناه من تضليل فيما عُرف زوراً بـ«الربيع العربي»، بل وتطور في آليات التضليل. فمنذ «الربيع العربي»، وبقيادة الرئيس الأميركي الأسبق أوباما، بدأ التضليل حول سوريا حين سمّاها «الحرب الأهلية».
ورغم أن السوريين لم يرفعوا السلاح، وإنما كانت مطالبهم مشروعة، إلى أن بدأ «القمع الأسدي»، ثم التدخل الإيراني و«حزب الله» وكذلك التدخل الروسي، وباقي القصة معروف. ومن حينها لم يتوقف التضليل تجاه سوريا.
واختلطت الأوراق عندما اعتقد البعض أن هناك «كتالوج» موحد للمنطقة، وكل ما له علاقة بالإسلام السياسي، والدليل أن أحداً لم يلحظ كيف صمت الإسلاميون حول التدخلات الإسرائيلية بسوريا، بينما هَبُّوا بقصة تهجير غزة!
وعليه، هناك واقع في سوريا اليوم يتم تجاهله، وهناك عالم افتراضي يتم تداوله، والأمثلة كثيرة، فرغم كل ما قدمت سوريا الجديدة من خطوات إيجابية، وفي ظرف 3 أشهر، فإننا نجد تشكيكاً ممنهجاً.
يخرج فلول الأسد بالسلاح، وبمساعدة من «حزب الله» وإيران، وبالأشكال كافة، ومنها الإعلامي، فتجد صوتاً عالياً يحدثك عن «مجزرة» و«طائفية»، وتنتشر الصور المزيفة بوسائل التواصل، وتنطلق المطالبات بتدخل خارجي.
ومطالبات بإطالة أمد العقوبات، وزيادتها، ومن أشخاص طالما أشغلونا بالمواطنة، واستعادة الدولة، ووقفنا معهم سابقاً، وتحديداً في العراق ولبنان، لكن اتضح أنهم ينطلقون من منطلقات طائفية، وتحت غطاء «حماية الأقلية».
وعليه، فخير ما يمكن فعله لسوريا اليوم هو دعمها، بحمايتها من تدخل بعض دول الجوار. وهذا يتطلب موقفاً حقيقياً من أصدقاء سوريا الجديدة.
الشرق الأوسط
————————
اتفاق تاريخي بين أكراد سوريا وحكومتها.. هل يطفئ نيران التاريخ؟/ عبد الوهاب المرسي
11/3/2025
في 27 ديسمبر/كانون الأول، وبعد أقل من 20 يوما على هروب بشار الأسد وسقوط نظامه، أعرب قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، عن استعداد قواته للاندماج في مؤسسات الحكومة السورية الجديدة بشروط.
اشترط عبدي آنذاك أن يكون ذلك من خلال عملية تفاوضية مع سلطة دمشق، لحسم العديد من النقاط الخلافية، وعلى رأسها رغبته في احتفاظ قواته بهيكل خاص داخل وزارة الدفاع السورية، الأمر الذي يتطلب نمطا من الحكم اللامركزي في سوريا الجديدة يحافظ على قدر من الإدارة الذاتية داخل الشمال الشرقي لسوريا، وهو ما بادر وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة برفضه رفضا باتا.
وفي مساء العاشر من مارس/آذار 2025، وبعد قرابة شهرين من المفاوضات بين الجانبين، أعلنت الرئاسة السورية أخيرا توقيع اتفاق يقضي باندماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الدولة، وأوضحت الرئاسة أن الاتفاق ينص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما في ذلك المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، مع وقف إطلاق النار فوق كافة الأراضي السورية.
يقودنا ذلك لتساؤلات مهمة: كيف تُوجت مسيرة شهرين من المفاوضات بين قسد والإدارة السورية الجديدة بتوقيع الاتفاق؟ وما دور السياقات الإقليمية والدولية في تحفيز هذا التوافق الصعب والتاريخي؟ وهل يمكن اعتباره حلا نهائيا للمسألة الكردية المعقدة في سوريا والتي يعود تاريخها إلى قرابة 8 عقود على الأقل؟
أكراد سوريا.. قيود الجغرافيا والتاريخ
تضرب جذور المسألة الكردية السورية بعمقها في الجغرافيا والتاريخ كليهما. تاريخيا، تنتمي المناطق الكردية في سوريا الحديثة تحديدا إلى ما كان يعرف باسم “بلاد ما بين النهرين العليا” والمعروفة أيضًا باسم “الجزيرة”، وهي المنطقة الواقعة بين نهري الفرات ودجلة من منابعهما حتى بغداد، وتضم أيضا أجزاء من جنوب شرق تركيا وشمال غرب العراق الحاليين، وفي أعقاب توقيع اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، ضمها المهندسون الأنجلو فرنسيون للنظام الإقليمي الجديد إلى سوريا.
جغرافيًا تمتد حدود المعضلة الكردية اليوم إلى أبعد من سوريا بكثير، حيث يتوزع الأكراد اليوم بين سوريا وإيران وتركيا والعراق، وقد توافقت هذه الدول ضمنيا على منع قيام كيان سياسي مستقل للأكراد لأن ذلك كان يعني السماح بتحركات انفصالية على أراضيها. نشأ هذا التوافق بعد أن بدأ الأكراد في التحرك لتحقيق طموحاتهم الانفصالية، وقد وقعت إحدى أبرز هذه التحركات بين عامي 1927- 1930 بغية تأسيس ما سُميت “جمهورية أرارات” الكردية شرقي تركيا بقيادة إحسان نوري الباشا.
وعلى إثر ذلك، وقّعت العراق والجمهورية التركية التي تشكلت حديثا، إلى جانب إيران وأفغانستان معاهدة سعد آباد في عام 1937، وهي معاهدة عدم اعتداء أكدت على التزامها بمنع الأكراد من “زعزعة استقرار النظام الإقليمي الجديد” ومنعهم من إقامة دولة مستقلة.
وبالفعل لم يتمكن الأكراد من تحقيق حلم الانفصال طويل الأمد، سوى في تجربة “جمهورية مهاباد” التي أسسها الأكراد الإيرانيون بدعم من الاتحاد السوفياتي في عام 1946، ولكن الاتحاد سرعان ما انسحب من شمال غرب إيران بعد 11 شهرا، تاركا الجمهورية الوليدة فريسة للجيش الإيراني الذي اقتحمها وشنق قائدها قاضي محمد بتهمة الخيانة، قاضيا على الحلم الانفصالي الكردي في مهده.
في سوريا، كان الأكراد أكثر انسجاما في النسيج المجتمعي للبلاد، وحسبما يرصد تقرير لمؤسسة “جيوبوليتيكال فيوتشرز”، فقد برز إبراهيم هنانو، الكردي من قرية كفر تخاريم التابعة لمحافظة إدلب الحالية، مدافعا قويا عن استقلال سوريا أثناء الانتداب الفرنسي، وجرى الاعتراف به رمزا وطنيا. كما كان لسوريا 3 رؤساء من أصل كردي بين عامي 1949 و 1954 هُم: حسني الزعيم، وفوزي سلو، وأديب الشيشكلي.
ولكن بعد صعود نجم الرئيس المصري جمال عبد الناصر بوصفه زعيما قوميا عربيا في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وتحمس العديد من السوريين للاندماج مع مصر تحت قيادته، عارض الأكراد تلك الوحدة، وفي عام 1957 طالب الحزب الديمقراطي الكردي الذي تشكل حديثا في سوريا بالاعتراف بالهوية الوطنية الكردية، وبعد تشكيل الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا في عام 1958، حظر عبدالناصر الحزب.
ومع أن الجمهورية العربية المتحدة قد جرى حلها في عام 1961، فإن هذا لم يخفف من مخاوف الأكراد بشأن القومية العربية. وتبنى القادة الجدد في دمشق الجمهورية العربية السورية اسما رسميا للبلاد تأكيدا على توجهها العربي رغم فض الوحدة مع مصر، وفي العام التالي، أجرت الحكومة تعدادا طارئا في محافظة الحسكة ذات الأغلبية الكردية، وألغت جنسية 120 ألف كردي في سوريا، بزعم أنهم دخلوا البلاد بشكل غير قانوني من العراق وتركيا.
أدى الانقلاب الذي وقع في دمشق عام 1963 والذي أسس الحكم البعثي القومي إلى تفاقم معضلة الأكراد السوريين، وخاصة بعد اكتشاف النفط في نفس العام في شمال شرق البلاد، ورغم أن معظم الاكتشافات النفطية كانت في مناطق عربية فإن قربها من مناطق الوجود الكردي عزز مخاوف القادة السوريين من تمرد محتمل، فأرسل الحكام الجدد لسوريا قوات لمساعدة الجيش العراقي في سحق التمرد الكردي في شمال العراق ومنع انتشاره إلى منطقة الجزيرة.
وفي عام 1980، قرر الرئيس السوري السابق حافظ الأسد إنشاء حزام أمني بطول 375 كيلومترًا على طول الحدود السورية مع العراق وتركيا، واستخدم قانون الإصلاح الزراعي لتهجير 140 ألف كردي من منطقة الحدود وتوطين أبناء القبائل العربية مكانهم.
تسببت هذه الممارسات في وأد أي طموحات استقلالية للأكراد ليس في سوريا وحدها، ولكن في المنطقة بأسرها. استمر الحال كذلك حتى عام 1992، حين تشكلت حكومة إقليم كردستان العراق -في ظروف استثنائية- في أعقاب تطورات حرب الخليج الأولى وضعف السلطة السياسية والعسكرية في بغداد، مما منح القوميين الأكراد في سوريا وتركيا دفعة كبرى لإحياء طموحاتهم القومية الانفصالية.
وتعززت المشاعر الانفصالية بصفة خاصة بعد الحملة العسكرية التي قادها النظام السوري ضد الأكراد بعد أحداث شغب انطلقت في القامشلي عام 2004، والتي بدأت بعد أن تحولت مباراة كرة قدم بين فريقين كردي وعربي إلى أعمال عنف، وهي اللحظة التي يرجح عدد من المراقبين أنها شهدت تأسيس النواة الأولى لوحدات حماية الشعب بشكل سري.
الأكراد في زمان الثورة
أعطت سنوات الثورة السورية، وانسحاب القوات الحكومية من الشمال الشرقي، دفعات إضافية من الأمل للحركات الانفصالية الكردية، وبحلول عام 2012 أُعلن عن تأسيس وحدات حماية الشعب (YPG) رسميا، بوصفها الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ذي التوجهات اليسارية.
وفي مطلع عام 2015، أحرزت المجموعة انتصارًا بارزا على تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة عين العرب (كوباني)، حيث بدأت المجموعة بتلقي الدعم الجوي والبري من الولايات المتحدة وغيرها من دول التحالف الدولي للحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، قامت المجموعة بتأسيس قوات سوريا الديمقراطية التي جرى الترويج لها بوصفها مجموعة وطنية جامعة يمكن أن يندمج خلالها العرب والأقليات على نحو أفضل في جهود الحرب ضد الإرهاب، لكن في الحقيقة هيمن المكون الكردي بأغلبية كبيرة على تركيبة القوة، رغم مشاركة بعض العشائر العربية والآشورية/السريانية والتركمانية فيها.
لاحقا، في مارس/آذار عام 2016 أعلنت قوى كردية في سوريا تأسيس نظام فدرالي في مناطق سيطرتهم شمال شرق البلاد، تحت اسم “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، ويميل القوميون الأكراد إلى تسمية هذه المنطقة من محافظات الحسكة والرقة ودير الزور باسم “روج آفا” وتعني بالكردية “غرب كردستان”.
خلال هذه المسيرة، استفادت الوحدات الكردية من الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية. وبفضل هذا الدعم، باتت قوات سوريا الديمقراطية تسيطر فعليا على ربع الأراضي السورية.
وفي حين لا توجد أرقام دقيقة عن أعداد قوات قسد، فإن متحدثا باسم وحدات حماية الشعب قال لرويترز في أغسطس/آب 2015 إن وحدات حماية الشعب لديها ما يقرب من 40 ألف مقاتل، وقبلها ذكرت شبكة إن بي سي نيوز في عام 2014 أن وحدات حماية الشعب لديها أيضا قوات نسائية (وحدات حماية المرأة – YPJ) تضم نحو 7 آلاف مقاتلة.
وقالت “مجموعة الأزمات الدولية” إن وحدات حماية الشعب تدفع رواتب شهرية تبلغ نحو 150 دولارا لما بين 25 و30 ألف مقاتل، وإنهم يتلقون 3 أشهر من التدريبات في واحدة من تسع أكاديميات عسكرية تتوزع على المناطق الكردية الثلاث في سوريا.
لكن رغم هذا التزايد الكبير في قوتها، أثبتت التطورات أن ثمة قيودا كبيرة حدّت طموحات قسد الانفصالية في مقدمتها المخاوف الإقليمية من تغذية التحركات الانفصالية الكردية في بلدان مجاورة أهمها تركيا التي شعرت بقلق كبير من ارتباط وحدات حماية الشعب الكردية وقوات قسد بحزب العمال الكردستاني الذي كان خاض “تمردا” انفصاليا طويلا ضد الحكومة التركية.
لذلك، ومنذ اللحظات الأولى لنجاح وحدات حماية الشعب من إخراج تنظيم الدولة من عين العرب (كوباني) في عام 2015، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه لن يتسامح مع حكومة إقليمية كردية في سوريا مماثلة لحكومة إقليم كردستان في العراق.
على إثر ذلك شنت تركيا 3 عمليات عسكرية حاسمة في شمال سوريا بدأت في عام 2016، ووقعت ثانيتها في عام 2018 تحت اسم “غصن الزيتون” وأسفرت عن خسارة الأكراد لعفرين، وهي بلدة حدودية إستراتيجية في طريقهم للوصول إلى البحر المتوسط.
وبعد أن أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بانسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا في أكتوبر/تشرين الأول 2019، شنت تركيا هجومًا آخر، باسم عملية “نبع السلام”، مما أدى إلى خسائر واسعة لوحدات حماية الشعب وسيطرة تركيا على مساحة تبلغ 115 كيلومترًا بين تل أبيض ورأس العين.
خلال هذه العمليات كان الدعم الذي قدمته واشنطن لقسد أقل ما يكون، وهو ما كشف النقاب عن حدود العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأكراد. لقد بدا واضحا قبل سقوط الأسد بسنوات أن مسألة دعم انفصال الأكراد السوريين لا تقع ضمن أولويات الأجندة الأميركية في الشرق الأوسط، وأن العلاقة الحميمة بين الطرفين لم تكن تتجاوز رغبة الأميركان في إيجاد شريك محلي في الحرب على تنظيم الدولة، ثم لاحقا في إدارة السجون ومخيمات الاحتجاز التي تضم عشرات الآلاف من أسرى مقاتلي التنظيم الذين تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية، منهم ما يقرب من 50 ألفا في مخيم الهول بمحافظة الحسكة السورية.
وإذا توصلت الولايات المتحدة لتسوية مع أي طرف آخر لضمان عدم هروب هؤلاء المحتجزين فليس ثمة مصلحة إستراتيجية أخرى في الاحتفاظ بدعم قوات قسد على ما يبدو.
الانصياع لسلطة دمشق.. مجددا
يخبرنا هذا الاستعراض التاريخي بحقيقة واضحة وهي أن الطموحات الانفصالية الكردية غالبا ما ووجهت برفض شديد من قبل الجيران، بلغ حد التدخل العسكري لتقويضها في مهدها. الحقيقة الثانية التي يبدو أن القيادات الكردية بدأت تدركها هي أن التحولات الإقليمية لا تصب في صالحهم ما يعني أن عليهم إظهار مرونة أكبر بخصوص مطالبهم وهو ما عكسته البنود الثمانية المعلنة للاتفاق، والتي تشي -رغم عموميتها وعدم وضوحها- بقبول قسد بالانضواء بشكل كامل تحت السلطة السياسية والعسكرية الجديدة في دمشق.
أول هذه المتغيرات هي طبيعة السلطات الجديدة في دمشق نفسها، والدعم الواضح التي تحظى به من تركيا، المعارض الشرس للطموحات الانفصالية التركية. أما ثانيها فهو الدعوة التاريخية التي أطلقها زعيم حزب العمال الكردستاني المحتجز في تركيا عبد الله أوجلان لأعضاء حزبه مطالبا إياهم بإلقاء السلاح، ووقف مسيرة العمل المسلح ضد الحكومة التركية والمستمرة منذ أكثر من 5 عقود، حيث يُعتقد على نطاق كبير أنّ حزب العمال الكردستاني قدم دعما واسعا عبر التسليح والتدريب لمقاتلي وحدات حماية الشعب.
ورغم أن مظلوم عبدي كان قد سارع بعد بيان أوجلان مباشرة بالقول إن دعوته موجهة لأعضاء حزبه في تركيا فقط ولا شأن لقسد بها، فإنه من المؤكد أن هذا المتغير التاريخي أثر معنويا وماديا على قسد وأحبط كثيرا من تطلعاتها الانفصالية.
علاوة على ذلك، لا يزال مستقبل الوجود العسكري للولايات المتحدة في سوريا غير واضح في عهد الرئيس دونالد ترامب. حاليًا، لدى الولايات المتحدة نحو ألفي جندي منتشرين في شمال سوريا تحت دعوى منع عودة ظهور تنظيم الدولة، وقالت وكالة رويترز -نقلا عن مسؤولين في البنتاغون- إن وزارة الدفاع الأميركية تعد خططا مدتها 30 يوما و60 يوما و90 يوما لسحب جميع القوات من سوريا، رغم أن قوات سوريا الديمقراطية تزعم أنها لم تُبلَّغ رسميا بانسحاب الولايات المتحدة.
ومن جانب آخر، أدى تجميد إدارة ترامب للمساعدات الخارجية لمدة 90 يوما إلى توقف بعض الدعم الإداري والأمني الذي تقدمه وزارة الخارجية الأميركية للمقاتلين الأكراد الذين يعملون في حراسة سجون ومخيمات احتجاز مقاتلي وعائلات تنظيم داعش في سوريا.
ويعني ذلك، وفقا لمركز ستراتفور، أن إعطاء تركيا الأولوية القصوى لاستكمال إنهاء التهديد الانفصالي الكردي داخل وخارج حدودها، تزامن مع احتمالية تقليص الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية وهو ما أضعف موقف الحركة بشدة في المفاوضات مع سلطة دمشق.
ففي فترة ولاية ترامب الأولى في عام 2019، عندما أعلن عن خطط لسحب القوات الأميركية من مواقع في شمال شرق سوريا، بادرت تركيا على الفور بشن هجوم عسكري في المنطقة، وقد يكون حدث ذلك بتفاهم بين الجانبين.
ومن ثم إذا انسحبت الولايات المتحدة مجددا من مواقع إضافية في سوريا خلال فترة ولاية ترامب الحالية، فمن المرجح أن تقوم تركيا رفقة الجيش السوري الجديد بعملية عسكرية أكثر ضراوة ضد قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما يدفع الأخيرة لاستباق هذه الخطوة بالتفاهم مع سلطة دمشق لضمان موقفها في النظام السياسي الجديد والتحوط ضد احتمالات خوض مواجهة منفردة مع تركيا، دون غطاء أميركي.
على الجهة المقابلة، من المرجح أن تجني الحكومة السورية بعض الفوائد من هذا الاتفاق. فمن ناحية، يوفر الاتفاق مع قسد في هذه اللحظة الحرجة من عمر الانتقال السوري، فرصة لتفرغ قوات الجيش المحدودة لمواجهة التحديات الأمنية شديدة الخطورة، حيث تواجه الإدارة تمردا لبقايا نظام الأسد كاد أن يستقل بمحافظات الساحل حيث تقطن الأقلية العلوية بكثافة، كما تواجه أيضا تحديات أمنية مركبة في السويداء والقنيطرة ودرعا جنوبا، من جانب بعض دعاة الإدارة الذاتية من الدروز، فضلا عن التوغل الإسرائيلي المستمر، والفصائل المنفلتة.
كما أن الاتفاق يخفف من حدة انتقادات دولية جرى توجيهها لقوات السلطة الجديدة بارتكاب جرائم جماعية بحق مدنيين أثناء محاولتها السيطرة على التمرد، وفي وقت تحوم فيه الأنباء حول عقد مجلس الأمن لعقد جلسة علنية بشأن تطورات الساحل السوري بعد عقده جلسة مغلقة شهدت إجماعا نادرا في السنوات الأخيرة على إدانة أحداث الساحل، يعيد الاتفاق مع قسد في هذه الساعات الحساسة التوازن لصورة الإدارة السورية الجديدة، ويظهرها بمظهر الحريص على السلم الأهلي، والقادر على إدارة التنوع في سوريا سلميا.
فضلا عن أن تفاهم حكومة دمشق مع قسد سيتيح لها الاستفادة من عوائد حقول النفط والغاز التي تسيطر عليها بشكل أفضل، خاصة في حال تخفيف العقوبات الغربية على القطاع النفطي والمالي في البلاد.
وعلى هذا النحو، فقد تكون الحكومة السورية أيضا قد أبدت استعدادا لتقديم بعض التنازلات السياسية والثقافية لقوات سوريا الديمقراطية، مثل الاحتفاظ ببعض المناصب البلدية أو المناصب التشريعية للتمثيل الكردي بالإضافة إلى الحفاظ على بعض حقوق اللغة الكردية والاعتراف بها لغة ثانية للبلاد، في مقابل تلبية مطالب دمشق العسكرية والأمنية.
وعلى أية حال، ما زال هناك متسع من الوقت قبل أن تتكشف التفاصيل الفنية الدقيقة للاتفاق، الذي من المقرر أن يجري تنفيذه على مراحل خلال عام 2025، وخاصة النقاط شديدة الإشكال مثل المسؤولية عن حماية سجون ومخيمات تنظيم الدولة، ومصير المقاتلين الأجانب المطلوبين لتركيا، وغير ذلك مما سيحدد مدى صلابة الاتفاق أو هشاشته، وما إذا كان خطوة حقيقية نحو حل القضية الكردية في سوريا أم مجرد تحرك تكتيكي مؤقت فرضته الظروف الراهنة، فيما لا تزال النيران مشتعلة تحت الرماد.
المصدر : الجزيرة
——————————–
كيف تنظر أنقرة إلى اتفاق دمشق وقوات قسد؟/ زيد اسليم
12/3/2025
أنقرة- أثار الاتفاق الذي وقعته دمشق لدمج قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في مؤسسات الدولة نقاشا واسعا في تركيا، فبينما كان يُنظر إلى القوات الكردية كتهديد مباشر للأمن القومي التركي، فإن إعادة دمجها تحت سلطة دولة باتت حليفة لأنقرة يفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة قد تؤثر على موازين القوى في المنطقة.
وتتباين المواقف في أنقرة بين من يرى في الاتفاق فرصة لتقليص النفوذ الأميركي شرق الفرات دون تدخل عسكري، وبين من يحذر من تحديات محتملة، أبرزها استمرار الدعم الإسرائيلي لقسد والتدخلات الخارجية، كما يظل السؤال مطروحا حول ما إذا كانت تركيا ستقبل بالاتفاق دون ضمانات واضحة تمنع “قسد” من إعادة تشكيل نفوذها داخل مؤسسات الدولة السورية.
الموقف التركي
لم تعلّق أنقرة رسميا حتى الآن على الاتفاق بين الحكومة السورية وقسد، لكن وكالة رويترز نقلت عن مسؤول تركي قوله إن أنقرة تشعر بتفاؤل حذر تجاه الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، لكنها تريد رؤية آلية تنفيذه قبل إصدار موقف نهائي.
وأضاف أن الاتفاق لا يغيّر من التزام تركيا بمكافحة الإرهاب أو تمسكها بحل وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني.
ويرى الباحث في الشأن التركي علي أسمر أن الصمت التركي تجاه الاتفاق قد يكون إشارة إلى الرضا أو تحفظ حذر، لكنه يرجّح أن أنقرة كانت على علم بالمفاوضات بين دمشق وقسد وواشنطن، إلا أنها فضلت البقاء في موقع المراقب، منتظرة كيفية تنفيذ الاتفاق قبل تحديد موقفها النهائي.
ويستبعد أسمر أن يكون تزامن الاتفاق مع دعوة عبد الله أوجلان مجرد مصادفة، معتبرا أن هذه التطورات تعكس تحولات في موازين القوى شمال سوريا، خاصة في ظل الحديث عن انسحاب أميركي وشيك.
ويضيف -في حديث للجزيرة نت- أن الهدف قد يكون إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية وفرض وقائع جديدة، للحد من سيناريوهات التقسيم التي كانت مطروحة سابقا.
وعلى الرغم من أن بنود الاتفاق شددت على وحدة الأراضي السورية ومكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما قد يخدم المصالح التركية، إلا أن الإشكالية -وفقا لأسمر- تكمن في عدم وضوح آلية دمج “قسد” في مؤسسات الدولة.
ويحذر من أن دمج “قسد” دون تفكيكها قد يؤدي إلى وجود “جيش داخل جيش” شبيه بالحشد الشعبي في العراق، مما قد يهدد أمن سوريا واستقرارها، وينعكس سلبا على تركيا التي قد تجد نفسها مضطرة إلى اتخاذ إجراءات لحماية أمنها، مثل إقامة منطقة عازلة على حدودها.
مكاسب مشتركة
يرى الباحث في مركز سيتا للأبحاث كوتلوهان قورجو أن الاتفاق بين دمشق وقسد يحمل دلالات سياسية مهمة، حيث لم يُرفع خلال مراسم التوقيع سوى العلم السوري، ولم يُلقب قائد قسد مظلوم عبدي بـ”جنرال” بل تمت الإشارة إليه فقط بـ”السيد مظلوم عبدي” وهو ما يعتبره إشارة إلى تراجع رمزية “قسد” ككيان مستقل وإعادة تأطيرها ضمن النظام السوري.
كما أن غياب أي إشارة إلى الحكم الذاتي أو الفدرالية في بنود الاتفاق يُعد مكسبا سياسيا لكل من دمشق وأنقرة، ويعكس تغيرا في خطاب “قسد” السياسي.
ويؤكد قورجو -في حديث للجزيرة نت- أن الاتفاق لم يكن مفاجئا لأنقرة، إذ كانت على دراية بالمفاوضات عبر قنوات دبلوماسية غير معلنة مع دمشق، لكنها لم تكن طرفا مباشرًا في المحادثات.
ويقول الباحث السياسي إن الاتفاق أضعف النفوذ الإسرائيلي شمال سوريا، إذ كانت إسرائيل تسعى لاستخدام قسد والطائفة الدرزية كأوراق ضغط ضد دمشق، لكن الأطراف المحلية اختارت المصالحة مع الحكومة السورية بدلا من التوجه نحو إسرائيل، حيث يرى أن هذا التحول قد يعزز استقرار شمال سوريا، لكنه قد يدفع إسرائيل للبحث عن أدوات جديدة لتعزيز نفوذها الإقليمي.
أما فيما يتعلق بالمخاوف الأمنية، فيحذر قورجو من أن عدم خروج العناصر المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، أو استمرار أي تهديد أمني، قد يدفع أنقرة إلى إعادة النظر في موقفها، مؤكدا أن الخيار العسكري سيظل حاضرا إذا لم يتحقق الهدف الرئيسي من الاتفاق، وهو تفكيك البنية العسكرية للقوات الكردية، مشيرا إلى أن تركيا عززت وجودها العسكري على حدودها استعدادا لأي تطورات قد تهدد أمنها القومي.
أبرز التحديات
ورغم أن الاتفاق بين دمشق و”قسد” يمثل تحولا مهما في المشهد السوري، إلا أن نجاحه ليس مضمونا في ظل التعقيدات الأمنية والسياسية المحيطة به.
وفي هذا السياق، يرى المحلل الأمني مراد أصلان أن الاتفاق بين دمشق و”قسد” يمثل خطوة إيجابية لسوريا والسوريين، مؤكدا أن البنود المعلنة تصب بشكل واضح في مصلحة الحكومة السورية، حيث تمنحها سيطرة أكبر على الشمال الشرقي وتساهم في إعادة دمج المكونات العسكرية والإدارية تحت مظلتها.
ومع ذلك، يشير أصلان -في حديث للجزيرة نت- إلى أن التحديات أمام تنفيذ الاتفاق لا تزال قائمة، وأبرزها استمرار الدعم الإسرائيلي لقسد، والذي قد يشكل عامل إعاقة رئيسي في حال لم تكن أسس الاتفاق قوية بما يكفي لمواجهة الضغوط الخارجية.
وبرأيه، فإن نجاح الاتفاق يعتمد على قدرة دمشق وحلفائها، وعلى رأسهم أنقرة، على تحصينه ضد أي تدخل خارجي، مشددا على أهمية منع أي محاولة إسرائيلية أو دولية للتأثير على مسار الاتفاق، سواء عبر الضغط السياسي أو محاولات تأجيج الانقسامات داخل قسد نفسها.
المصدر : الجزيرة
—————————
لوموند عن اتفاق الشرع- عبدي: يشكل بادرة حسن نية لترامب ويكبح مساعي إسرائيل وإيران وطموحات تركيا
تحديث 12 أذار 2025
اعتبرت صحيفة لوموند أن الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع كان بحاجة إلى تنفيذ ضربة سياسية لبث حياة جديدة في رئاسته بعد عمليات قتل المدنيين العلويين على أيدي قوات الأمن، وقد أعطاه قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات الأغلبية الكردية، مظلوم عبدي، انتصاراً يطالب به، من خلال مجيئه إلى دمشق يوم الاثنين 10 مارس/ آذار، لتوقيع اتفاق اعتبر تاريخياً ينص على دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا ضمن الدولة.
الصحيفة أضافت أن هذا الاتفاق الذي تم توقيعه بوساطة الولايات المتحدة، يُعدّ إشارة قوية للوحدة في أعقاب محاولة غير مسبوقة لزعزعة استقرار السلطات في دمشق من قبل أنصار الرئيس المخلوع بشار الأسد. فهو (الاتفاق) يرفض “الدعوات إلى الانقسام” في الوقت الذي يُكافح فيه النظام السوري الجديد، المُنبثق من الفصائل الإسلامية التي أطاحت بالأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، يُكافح من أجل فرض سلطته في جميع أنحاء البلاد.
كما أن الاتفاق يتعارض مع الضغوط التي تمارس، ولا سيما من جانب إسرائيل وإيران، بهدف تعميق الانقسامات الداخلية، توضح الصحيفة، مشيرة إلى استهداف غارات إسرائيلية، مساء الاثنين، مواقع عسكرية شمال محافظة درعا جنوبي سوريا، تزامناً مع الإعلان عن توقيع هذا الاتفاق.
عدم ثقة ترامب
وتابعت لوموند أن هذا الاتفاق هو بادرة حسن نية موجهة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ما يزال يزال يبدي شيئا من عدم الثقة تجاه السلطات الجديدة في دمشق، ولم يعلن حتى الآن تأييده لرفع العقوبات التي تخنق الاقتصاد السوري وتمنع أحمد الشرع من الشروع في إعادة إعمار البلاد. كما يمكن لترامب أن يقرر بسرعة سحبا -أو على الأقل- تقليص عدد القوات الأمريكية البالغ 2000 جندي، الموجودين إلى جانب القوات الكردية، مما سيترك هذه الأخيرة دون حماية في مواجهة تهديدات الهجوم التركي.
وأوضحت الصحيفة أن الإدارة الأمريكية مارست ضغوطا شديدة على السيد مظلوم عبدي للتوصل إلى اتفاق مع الرئيس السوري الانتقالي. وكذلك فعلت فرنسا، بحكم قربها الكبير من القوات الكردية، التي دعمتها مع الأمريكيين في إطار التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، دون انتظار صدور القرار النهائي بشأن الانسحاب الأمريكي.
يدعو الاتفاق إلى وقف لإطلاق النار يُنظر إليه، من الجانب الكردي، على أنه وعدٌ بإنهاء العمليات العسكرية لتركيا، التي شنت الفصائل السورية المدعومة من قبلها، بعد سقوط بشار الأسد، هجوما جديدا ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تتهمها أنقرة بالارتباط بحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنّفه كمنظمة إرهابية.
كبح الطموحات التركية
مضت صحيفة لوموند موضحة أنه في حين تتركز المعارك حول سد تشرين، تم كبح الطموحات التركية تحت ضغط واشنطن وإصرار أحمد الشرع على التوصل إلى حل سياسي. من جهته، صرّح مظلوم عبدي بالتزامه بمغادرة الأعضاء الأجانب في حزب العمال الكردستاني من سوريا في حال تم التوصل إلى هدنة. وقد منحه نداء زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، في 27 فبراير/ شباط لحلّ الحزب والتخلي عن الكفاح المسلح، حرية التحرك.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن مظلوم عبدي، الذي تم نقله بواسطة مروحية تابعة للجيش الأمريكي من الحسكة إلى دمشق، استبدل زيه العسكري ببدلة رسمية، ليوقع مع الرئيس السوري المؤقت على خطاب نوايا يضم ثمانية بنود، سيتم تحديد آليات تنفيذها بحلول نهاية العام الجاري 2025 داخل لجان تنفيذية. وقد تكون العملية صعبة فيما يتعلق ببعض القضايا الأساسية التي ستحدد ملامح مستقبل الدولة السورية، تشدد صحيفة لوموند.
يؤكد خطاب النوايا الموقّع عليه أن الأكراد تخلّوا عن مطالبهم الأولية بالحكم الذاتي الإداري والعسكري. فبفضل الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2011، أقامت القوات الكردية إدارةً ذاتية على الأراضي الشاسعة التي تسيطر عليها في شمال شرق سوريا، الغنية بالقمح والنفط والغاز، والتي تضم سكانا من الأكراد والعرب، مع مؤسسات تعليمية واجتماعية وعسكرية خاصة بها، تُذكّر الصحيفة الفرنسية.
وخلال لقائه الأول مع مظلوم عبدي في ديسمبر/ كانون الأول 2024، رفض أحمد الشرع طلب قائد قسد بإقامة نظام فيدرالي على غرار إقليم كردستان العراق. وينص الاتفاق على “دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية مع العراق وتركيا، ومطار القامشلي، وحقول النفط والغاز”.
وتابعت لوموند بالإشارة إلى أن النص لا يوضح ما إذا كان سيتم النظر في شكل من أشكال اللامركزية الإدارية، ولا كيف سيتم دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري الجديد؛ مع العلم أن مظلوم عبدي كان قد دافع عن دمج قوات قسد على أساس جماعي، وهو ما رفضه الشرع.
كما يستبعد الاتفاق أيضا إنشاء حصص عرقية وطائفية في توزيع المناصب داخل الدولة السورية، إذ ستتولى قوات الأمن السورية تأمين السجون التي يُحتجز فيها أكثر من 9500 عضو مشتبه بانتمائهم إلى تنظيم ”داعش”، بالإضافة إلى المخيمات التي تستقبل أكثر من 55 ألف سوري وأجنبي من عائلات مرتبطة بالتنظيم الجهادي. وأوضح المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، فرهاد شامي، أن انتشارهم لم يكن مخططا له في هذه المرحلة، باستثناء الانتشار في المعابر الحدودية، ولم يطرأ أي تغيير حتى الآن على ملفات النفط، أو تأمين السجون، أو مكافحة تنظيم “داعش”.
ضمان حقوق المواطنة للأكراد
أشارت لوموند إلى أن المسؤولين الأكراد شعروا بالإساءة لهم بعد إقصائهم من مؤتمر الحوار الوطني الذي تم تحت إشراف أحمد الشرع في 25 من فبراير/ شباط لرسم معالم سوريا الجديدة. واليوم، يضع الاتفاق الجديد الأسس للعلاقات المستقبلية بين دمشق و المجتمع الكردي، الذي يُنظر إليه على أنه “مكوّن أساسي من مكوّنات الدولة السورية”، يُضمن له الحق في المواطنة وكامل حقوقه الدستورية، ولا سيما الحقوق الثقافية واللغوية، التي حُرم منها في ظل حكم عائلة الأسد.
كما ينص الاتفاق على عودة الأكراد الذين تم تهجيرهم خلال الحرب، ولا سيما الذين طُردوا من عفرين على يد الفصائل السورية المدعومة من تركيا في عام 2018.
القدس العربي
——————————–
“العربي الجديد” يرصد آراء الشارع الكردي في سورية باتفاق الشرع وعبدي/ سلام حسن
12 مارس 2025
لاقى الاتفاق الذي جرى بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، ردود فعل واسعة محلياً وإقليمياً وعالمياً، حيث تباينت الآراء في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” شمال شرقي سورية، ولا سيما في المناطق ذات الغالبية الكردية، والتي تعتبر الحاضنة الشعبية لتلك القوات، وحاول “العربي الجديد” استطلاع مجموعة آراء للعاملين في الشأن العام من حقوقيين وصحافيين ومثقفين وكتاب ومهتمين بالشأن السياسي.
وقال الباحث الاجتماعي في الحسكة أحمد البرو لـ”العربي الجديد”، إن الاتفاق من حيث المبدأ إيجابي ويؤسس لحالة من الاستقرار السياسي والأمني والمجتمعي ويمنح الكرد السوريين اعترافاً بوجودهم كمكون أصيل في سورية باعتراف أعلى مستويات القيادة في الدولة، وهو ما كان متعذراً قبل ذلك. وأردف بالقول: “صحيح أن الاتفاق ما زال غير واضح في بعض نقاطه، ولكنه اتفاق جيد ويحقق الكثير من تطلعات الأكراد السوريين، وما زال على القيادات الكردية خوض مفاوضات جادة وشاقة مع السوريين للاعتراف الكامل بحقوقهم الثقافية والسياسية والدستورية وإزالة كل المعوقات القانونية والثقافية التي كانت تحول دون ممارسة الشعب الكردي دوره في بناء سورية سياسياً وأمنياً وعسكرياً”.
بينما قال الصحافي عمر كوجري لـ”العربي الجديد” إن الاتفاق مبدئي، وليس اتفاقاً منجزاً ككل، بمعنى أنه ثمة لجان ستتشكل لتطبيقه خلال مدة ليست قريبة، ولا مأمولة، وربما ثمّة اتفاقات وتفاهمات متممة للنقاط الثماني التي صدرت على الإعلام. وأضاف: “السوريون، وكأنهم كانوا جاهزين لإعلان الاتفاق فبمجرد ما أُعلن عنه، حتى سارعت الجماهير في العديد من المحافظات السورية للخروج إلى الشوارع والاحتفال وإطلاق الرصاص بغزارة، بما فيها المناطق الكُردية التي شهدت مسيرات بالسيارات عارمة، ولاقى الاتفاق ارتياحاً من الأوساط السياسية الكردية، ومن شخص رئيس إقليم كردستان السيد نيجيرفان بارزاني”.
واستدرك بالقول: “لكن هل بنود الاتفاق تلبي طموحات الأكراد؟ أعتقد لا، وباعتقادي أن السيد مظلوم عبدي قائد قوات قسد، غير مخوّل لتوقيع اتفاق في طياته يبدو سياسياً وكذلك عسكرياً، وهناك أحزاب كُردية من المتوجب أن يكون لها دورها الواضح في تفسير هذه البنود التي تحتاج إلى توضيح وتفسير، وكانت هناك جهود لتشكيل وفد كردي موحد يذهب إلى دمشق، ويتفاوض على حقوق الأكراد في سورية الجديدة، بمعنى ربما هذا الاتفاق يسهم في نسف تشكيل الوفد الذي للآن لم يتشكل”. ورأى أن الاتفاق كما يبدو لا يتحدث عن أية خصوصية كُردية، وربما لم يستطع عبدي المجاهرة في هذا البعد، كون “قسد” يحوي العرب والسريان والتركمان وغيرهم، وهو تنظيم عسكري لا سياسي.
بدوره، رأى الناشط الإعلامي جان علي في حديث لـ”العربي الجديد” أن الاتفاقية هي “لإطالة عمر السلطتين اللتين هما سلطتا أمر واقع”، واعتبر أن ما جرى في دمشق قبل أيام في مؤتمر الحوار الوطني “كان من لون وشكل واحد، وما يجري في دمشق يماثله في شمال وشرق سورية وما تقوم به الإدارة الذاتية وقسد وجناحها السياسي مسد”.
وأضاف: “بالنسبة لمضمون الاتفاقية فهو مقبول وخاصة في ما يتعلق بإيقاف الحرب وإيقاف أي عملية اشتباك في سورية بشكل عام وخاصة في المناطق التي يوجد فيها الأكراد في شمال وشرق سورية. ومن الجانب الآخر هناك ملاحظات خاصة في ما يتعلق بمصطلح المجتمع الكردي فنحن شعب ولسنا مجتمعا، فالشعب الكردي هو شعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية منذ آلاف السنين، فمصطلح المجتمع عليه تحفظات من المكون الكردي في سورية (…) نجد أنفسنا سوريين كما نرى أنفسنا شعبا يعيش على أرضه ومن حقنا المشاركة في سورية المستقبل لأننا كنا محرومين من جميع الحقوق وفي مقدمتها الجنسية السورية”.
في حين اعتبرت المترجمة بهار مراد من القامشلي أن الاتفاق هو “تعويم لأحمد الشرع بعد أيام من ارتكاب الفصائل المنضوية في وزارة الدفاع السورية مجازر بحق أحد المكونات السورية في الساحل”، مؤكدةً أنها “لا تثق بالحكومة المركزية لأنها في الثلاثة أشهر السابقة بعد سقوط النظام السابق تفردت بالحكم سياسياً وعسكرياً، وفي مؤتمر النصر انضمت فصائل قادتها ملطخة أيديهم بدم الشعب الكردي”.
وأكدت أنه في ما يتعلق ببنود الاتفاق “هناك نقاط يتحفظ عليها الشعب السوري كاعتماد مصطلح المجتمع الكردي بدلاً من الشعب الكردي، وأيضاً ليس هناك أي إشارة إلى صيغة الدولة السورية الجديدة. هل ستكون نظام حكم مركزي أو إدارة محلية أو فدرالية أو لامركزية. وأخيراً عندما وقع أحمد الشرع على الاتفاق كتب رئيس الجمهورية العربية السورية هذا يعني أنه ليس هناك غير العرب في سورية وهو تجاهل لباقي مكونات الشعب السوري”.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي وقعا يوم الاثنين اتفاقاً نص على ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة، ودمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن الدولة، ودعم الدولة السورية في مكافحة فلول نظام بشار الأسد المخلوع والتهديدات الأخرى، ورفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة.
العربي الجديد
——————————–
توحيد جهود دمشق والأكراد ضد تنظيم «الدولة»… ونتائج التحقيق بأحداث الساحل خلال شهر
هبة محمد
خلال شهر ستعلن لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها دمشق للتحقيق بأحداث الساحل السوري، نتائج عملها، فيما أنهت بالفعل اللجنة المكلفة بكتابة مسودة الإعلان الدستوري مهمتها، وذلك في وقت انعكس الاتفاق بين السلطة الجديدة و”قوات سوريا الديمقراطية”، والذي أشادت به تركيا، بعمليات مشتركة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. ووسط هذا المشهد تواصل إسرائيل تهديداتها وتدخلاتها في الشأن السوري.
وقال المتحدث الرسمي باسم لجنة تقصي الحقائق المحامي ياسر الفرحان في لقاء مع “القدس العربي” إن اللجنة وضعت سياساتها ورسمت استراتيجيتها، وباشرت بعملها فعلا للتقصي والوقوف على الانتهاكات، متعهداً بعدم إفلات الجناة وبأن “لن يكون أحد فوق القانون”.
وتابع: بدأت اللجنة بإجراء اللقاءات الرسمية اللازمة التي تؤمن وتسهل عملها من ناحية وتضمن استقلاليتها من ناحية ثانية، ضمن خطوات سبقت المؤتمر الصحافي الذي شهدته العاصمة دمشق، حيث بنت اللجنة من خلال هذه اللقاءات منهجية العمل وحضّرت جميع اللوائح والقوائم سواء للضحايا أو الشهود أو المتهمين.
وحول الخطوة المقبلة قال: سوف تنتقل لجنة تقصي الحقائق إلى مسرح الجريمة في مدن الساحل، وذلك بعد جدولة الاستماع للشهود والبحث في تأمين الأماكن الأنسب لذلك، وآلية وطرق الحفاظ على خصوصية الشهود.
وذكرت اللجنة خلال مؤتمر صحافي أن التحقيقات، التي ستنتهي خلال 30 يوما، تشمل الأحداث التي وقعت أيام 6 و7 و8 من الشهر الجاري.
جاء ذلك في وقت تحدثت فيه مصادر عن الانتهاء من كتابة مسودة الإعلان الدستوري من قبل اللجنة المكلفة، وسيتم تقديمها إلى رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع اليوم الأربعاء.
وفيما يخص الاتفاق بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الذي تم برعاية أمريكية، فيبدو أنه سينعكس تعاوناً بما يخص مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية”، إذ أن مصدرا كرديا قال لـ”فرانس برس” إن عمليات مشتركة ستنطلق في الأيام المقبلة في البادية السورية لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، موضحاً أن الاتفاق تم توقيعه برعاية أمريكية.
فيما صرح مسؤول في أحد أحزاب “الإدارة الذاتية” لـ” القدس العربي”، بأن الاتفاق حظي بدعم عربي، وأنه “ما كان ليتم من دون علم تركيا”.
——————————
ما هي حقول النفط التي ستنتقل إدارتها من قسد إلى الدولة السورية؟
11 مارس 2025
كانت حقول النفط والغاز بنداً أساسياً في الاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، الاثنين، والذي يقضي بدمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية. ونشرت الرئاسة السورية بياناً وقعه الشرع وعبدي جاء فيه أنه جرى الاتفاق على “دمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”. فما هي الحقول التي كانت تسيطر عليها قسد؟ وما حجم إنتاجها؟
في عام 2015، تأسست “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وعمودها الفقري وحدات حماية الشعب الكردية، وضمنها فصائل عربية وسريانية مسيحية، وباتت تعد اليوم بمثابة الجناح العسكري للإدارة الذاتية. وتعد “قسد” التي شكّلت رأس حربة في القتال ضد “داعش”، ثاني قوة عسكرية تمسك بالأرض بعد جيش النظام السوري. وتسيطر على نحو ربع مساحة البلاد، حيث يقيم نحو ثلاثة ملايين شخص، أكثر من ثلثهم من الأكراد.
حقول النفط تحت سيطرة قسد
وتشمل مناطق سيطرة تلك القوات اليوم محافظة الحسكة (شمال شرق) حيث توجد قوات النظام في بضعة أحياء عبر مؤسسات في مدينتي القامشلي والحسكة. كما تسيطر على غالبية محافظة الرقة بما فيها المدينة التي شكلت لسنوات معقلاً لتنظيم “داعش”. كما تسيطر على نصف محافظة دير الزور وعلى أحياء في شمال مدينة حلب ومناطق محدودة في المحافظة.
وتقع تحت سيطرة “قسد” أبرز حقول النفط السورية وبينها العمر، وهو الأكبر في البلاد، والتنك وجفرا في دير الزور، فضلاً عن حقول أصغر في الحسكة والرقة. وكذلك حقلا كونيكو للغاز في دير الزور والسويدية في الحسكة.
وتنتشر قوات أميركية ضمن التحالف الدولي بقواعد عدة في مناطق سيطرة الأكراد. كما تنتشر جنوبي سورية في قاعدة التنف التي أنشئت عام 2016، وتقع بالقرب من الحدود الأردنية العراقية، وتتمتع بأهمية استراتيجية كونها تقع على طريق بغداد دمشق.
تفاصيل حقول النفط التابعة لقسد
ووفق وثيقة لقوات سورية الديمقراطية، اطلعت عليها “العربي الجديد” سابقاً حول توزع الآبار جغرافياً والإنتاج في فترة ما قبل الثورة وحالياً، كانت حقول محافظة دير الزور تنتج في الماضي حوالي 130 ألف برميل يومياً، مما شكل ثلث الإنتاج النفطي السوري حينذاك، بينما يُقدر إنتاج الحقول الواقعة في المحافظة تحت سيطرة “قسد” حوالي 15 ألف برميل يومياً، أما الحقول التي كانت تحت سيطرة النظام في المحافظة ذاتها، فيُقدر إنتاجها بحوالي سبعة آلاف برميل يومياً.
أهم هذه الحقول حقل العمر النفطي: يقع على بعد 10 كيلومترات شرق مدينة الميادين. ويُعد من أكبر الحقول النفطية في سورية، وبلغ إنتاجه حوالي 80 ألف برميل يومياً في التسعينيات، بينما حالياً يُقدر إنتاجه بحوالي 20 ألف برميل يومياً ويقع تحت سيطرة “قسد”.
يليه حقل “كونيكو” الواقع شرق مدينة دير الزور وتسيطر عليه “قسد” وكان يُستخدم في السابق لإنتاج الغاز الطبيعي بمعدل 13 مليون متر مكعب يومياً، لكنه حالياً متوقف عن الإنتاج.
حقل الجفرة ويقع شرقي مدينة دير الزور أيضاً، وهو حقل ذو إنتاج قليل، وكان قبل الثورة ينتج نحو ألفي برميل يومياً، واليوم نحو ألف برميل، ويقع تحت سيطرة “قسد”.
أما آبار ومواقع إنتاج النفط في محافظة الحسكة، فتكشف وثيقة “قسد” أن حقول الرميلان التي تقع في أقصى شمال شرق سورية، تأتي أولاً. وهي تضم حوالي 1322 بئراً نفطية و25 بئر غاز في حقول السويدية المجاورة، كان إنتاجها نحو 90 ألف برميل، بينما تراجع إنتاجها مجتمعة إلى نحو 9 آلاف برميل يومياً، في حين ينتج معمل غاز السويدية 13 ألف أسطوانة غاز يومياً، و500 ألف متر مكعب تغذي محطات توليد الكهرباء.
كما تضم محافظة الحسكة حقول الجبسة التي كان إنتاجها السابق بنحو 2500 برميل نفط يومياً، تراجع اليوم إلى نحو ألفي برميل، إلى جانب معمل الغاز المتوقف. ووفق الوثيقة فإن كافة الحقول في محافظة الحسكة، تحت سيطرة “قسد”.
وتتوزع مواقع النفط في محافظة الرقة (شمال وسط سورية)، على حقل الثورة النفطي، الواقع جنوب غربي محافظة الرقة، وحقول الوهاب والفهد ودبيسان والقصير وأبو القطط وأبو قطاش، جنوب غربي الرقة، قرب بلدة الرصافة، وهي آبار ذات إنتاج قليل بالماضي ويقدر إنتاجها حالياً مجتمعة بنحو ألفي برميل يومياً.
الإنتاج النفطي
تقول مصادر غير رسمية أن إنتاج سورية من النفط، أكثر بكثير مما كان يعلنه النظام البائد، بيد أنه في البيانات الرسمية قبل الثورة عام 2011 ونقلاً عن وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة الأسد، وقتذاك، سفيان العلاو: بلغ إنتاج سورية خلال عام 2010 ما يقارب 141 مليون برميل من النفط، بمعدل يومي يصل إلى 386 ألف برميل، وبزيادة قدرها 9407 براميل يومياً مقارنة مع عام 2009.
وتحتل سورية المرتبة الـ31 عالميًا في احتياطيات النفط، وتمثّل 0.2% من إجمالي احتياطي النفط العالمي البالغ 1.6 تريليون برميل، بحسب أرقام رصدتها منصة الطاقة في سورية، لكن تسليم نظام بشار الأسد المخلوع حقول النفط بعد الثورة للتنظيمات الكردية، والصراع على تلك المنطقة وتهديم بنى الحقول، تسبب في تراجع الإنتاج.
وقُدّر إنتاج حقول النفط في سورية لعام 2021 بنحو 31.4 مليون برميل، بمتوسط إنتاج يومي 85.9 ألف برميل، يصل منها 16 ألف برميل إلى المصافي، بحسب بيانات وزارة النفط السورية.
وتبدلت خريطة مواقع النفط، بعد أن كانت جميع مواقع وآبار النفط والغاز تتبع لنظام الأسد المخلوع، فمنذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس عام 2011، سيطرت الفصائل على مناطق إنتاج النفط، بعد انسحاب قوات بشار الأسد عام 2012 من مناطق شمال شرق سورية، ليسيطر تنظيم “داعش” أواسط عام 2013 على مناطق إنتاج الطاقة، ويتقاسم لاحقاً السيطرة والإنتاج مع الجماعات الكردية المسلحة حتى سبتمبر 2017 وقت سيطرت “قوات سورية الديمقراطية” على مدن الحسكة والرقة بالكامل وشرقي دير الزور، التي تضم أكبر 11 حقلاً للنفط في سورية.
وتعاني سورية، منذ سنوات، من أزمتي شحّ القمح والنفط، فيما تسيطر “قسد” على أكثر من 90% من آبار النفط وعلى معظم أراضي إنتاج الحبوب في مدن الحسكة والرقة ودير الزور.
العربي الجديد
——————————-
“قسد” تحاول اعتقال مقاتلين من الجيش السوري رغم الاتفاق مع دمشق/ محمد كركص
12 مارس 2025
شنت “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، حملة مداهمات في ريف دير الزور الشرقي، استهدفت منازل عدد من الشبان المنضمين إلى صفوف الجيش السوري، وذلك رغم الاتفاق الموقع بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، لدمج القوى الكردية في مؤسسات الدولة.
وقال الناشط في دير الزور وسام العكيدي، لـ”العربي الجديد”، إن اشتباكات اندلعت بين الأهالي وأفراد دورية تابعة لـ”قسد” عقب مداهمتهم منازل مقاتلين من الجيش السوري دخلوا من (بادية الشامية) التي تُسيطر عليها قوات الحكومة السورية، إلى مناطق سيطرة الأكراد (بادية الجزيرة) عبر ضفاف نهر الفرات، دون تنسيق مسبق مع القوات الكردية.
وأشار العكيدي إلى أن المداهمات استهدفت منازل خالد حسين الحردان، وعويد حسين الحردان، وحمود الحسين الحردان، ورياض العواد في بلدة الكشكية، إضافة إلى منازل طريف الفرج وجمعة الفرج في بلدة أبو حمام بريف دير الزور الشرقي. ولم تتوفر معلومات عن تمكن “قسد” من اعتقال هؤلاء الأشخاص، ما يُشير إلى فشلها في تحقيق هدفها خلال العملية.
وتأتي هذه المداهمات بعد أيام قليلة من توقيع اتفاق الاندماج بين الحكومة السورية في دمشق، و”قسد” في شرق وأجزاء من شمال سورية. وشهدت مدن دير الزور والرقة والحسكة احتفالات شعبية ابتهاجاً بهذا الاتفاق، ما دفع “قسد” إلى شن حملة مداهمات جديدة استهدفت المشاركين في هذه الاحتفالات.
يُشار إلى أن “قسد” كانت قد شنت، قُبيل توقيع الاتفاق، حملات اعتقال واسعة وممنهجة في أرياف دير الزور والرقة والحسكة بتهم تتعلق بالتخابر لصالح الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، بالإضافة إلى اتهامات كيدية بالتعامل مع تنظيم “داعش”، ما يثير مخاوف من استمرار “قسد” في توظيف الاعتقالات كأداة لتعزيز نفوذها الأمني والسياسي في المناطق التي تُسيطر عليها.
وكان الشرع وعبدي قد وقّعا يوم الاثنين الفائت اتفاقاً تاريخياً يقضي باندماج القوات الكردية ضمن مؤسسات الجمهورية العربية السورية. وأكد الاتفاق على تعزيز وحدة الأراضي السورية ورفض محاولات التقسيم. وقد لاقى الاتفاق ترحيباً من عدد من الدول العربية والخليجية التي أعربت عن دعمها لهذه الخطوة لتعزيز الأمن والاستقرار وبناء دولة المؤسسات والقانون في سورية.
وشهدت عدة محافظات سورية، منها دمشق وحمص وحماة وإدلب والرقة ودير الزور والحسكة، احتفالات واسعة وسط نزول الأهالي إلى الشوارع فرحاً بالاتفاق، معتبرين أنه يمثل مرحلة جديدة من الوحدة الوطنية تحت قيادة واحدة تشمل كافة الأراضي السورية وشعوبها وطوائفها وقومياتها.
العربي الجديد
————————————
الاتفاق بين السلطات السورية والأكراد: أي مصالح يحققها الطرفان
بموجب الاتفاق ستبسط دمشق نفوذها على منطقة جغرافية واسعة غنية بالنفط والقمح، فيما يمنح الأكراد اعترافا بدورهم وهويتهم.
الأربعاء 2025/03/12
مبادرة لاقت ترحيبا في انتظار تنزيلها
دمشق – يحقق اتفاق وقعته الرئاسة السورية والقيادة الكردية الاثنين، ويقضي بدمج مؤسسات الإدارة الذاتية في إطار الدولة السورية، مصالح يحتاجها الطرفان في مرحلة حساسة من تاريخ البلاد.
وينصّ أبرز بنود الاتفاق الذي وقعه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في دمشق على “دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز.”
ولم يتحدث الاتفاق عن حل قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية المدعومة أميركيا، أو تسليم سلاحها، بخلاف ما كانت السلطة السورية قد اشترطته للانضواء تحت مظلة الجيش الجديد.
ويتضمن الاتفاق الاعتراف بالمكون الكردي الذي عانى طيلة عقود خلال حكم آل الأسد من تهميش وإقصاء، بوصفه “مجتمعا أصيلا في الدولة السورية.” وينص على “ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في الحياة السياسية وكافة مؤسسات الدولة،” في موازاة “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية.” والاتفاق المؤلف من ثمانية بنود، هو بمثابة خريطة طريق يُّفترض أن تعمل لجان مشتركة على نقاشها ووضع آليات تنفيذها بمهلة لا تتجاوز نهاية العام.
ووصف عبدي الاتفاق بأنه “فرصة تاريخية” لبناء سوريا جديدة، بينما عمّت احتفالات شوارع مدن عدة في أنحاء البلاد. ويتعهد الأكراد بموجب الاتفاق “دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد وكافة التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها” في إشارة ضمنية الى أعمال العنف في الساحل السوري.
وجاء توقيع الاتفاق على وقع أعمال عنف شهدتها المنطقة الساحلية في غرب سوريا، راح ضحيتها أكثر من ألف قتيل مدني، غالبيتهم الساحقة من العلويين، على أيدي قوات الأمن ومجموعات رديفة لها، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان.
وشكّل التصعيد اختبارا مبكرا للشرع الساعي الى ترسيخ سلطته على كامل التراب السوري، بعدما كان تعهد مرارا بالحفاظ على السلم الأهلي وإشراك كافة المكونات السورية، بمن فيها الأقليات، في إدارة المرحلة الانتقالية.
ويرى الباحث في الشأن الكردي موتلو جيفير أوغلو أن الشرع الذي يواجه ضغوطا دولية كبرى خصوصا بعد أعمال القتل بحق العلويين، “يدرك ضرورة الانخراط مع الأكراد لتقوية موقفه،” إذ يمكّنه ذلك من “تقديم نفسه كقائد ملتزم بضمان تمثيل جميع الهويات في مستقبل سوريا” ومن “تخفيف الضغوط” عنه.
وتحقق دمشق أهدافا أخرى عبر الاتفاق، أبرزها بسط شرعية الدولة على منطقة جغرافية واسعة غنية بالنفط والقمح، وتحتاج السلطات مواردها بشدة على وقع انهيار اقتصادي يعصف بالبلاد بعد 13 عاما من نزاع مدمر.
وتقع تسعون في المئة من حقول النفط في مناطق سيطرة الأكراد، وفق الباحث في الشأن السوري فابريس بالاش الذي يؤكد أنهم يستحوذون كذلك على حصة أساسية من سلة القمح الغذائية. ويكسب الجيش عبر الاتفاق قوة كردية عسكرية منظمة ومدربة، يمكنه التنسيق معها في مواجهة أي تحديات أمنية.
وأشار مصدر من قوات سوريا الديمقراطية الى عمليات مشتركة ستنطلق في الأيام المقبلة في البادية السورية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي حذرت خمس دول الأحد، بينها سوريا وتركيا، من خطر عودته وتعهدت العمل معا لمواجهته.
اقرأ أيضا:
سلوك لجنة تقصي الحقائق يختبر آفاق الانتقال في سوريا
ولم يتضح مصير إدارة السجون التي يتولاها الأكراد وتضم الآلاف من مقاتلي التنظيم، والتي قال عبدي الشهر الماضي إن سلطات دمشق تريدهم تحت مسؤوليتها. ومنذ وصول السلطة الجديدة الى دمشق، أبدى الأكراد انفتاحا تجاهها، فرفعوا علم الاستقلال ذي النجوم الثلاث فوق مقراتهم، وأعربوا عن استعدادهم الانضمام إلى الجيش، دون حل قواتهم.
لكن السلطة الجديدة استبعدتهم من المشاركة في العملية السياسية وفي مؤتمر حوار وطني عقد الشهر الماضي في دمشق وحدد عناوين المرحلة الانتقالية، بذريعة أنهم لم يلبّوا دعوة الشرع للتخلي عن سلاحهم وحل قواتهم، على غرار ما فعلته فصائل مسلحة أخرى.
ويبدو أن الأكراد نجحوا في الحفاظ على تنظيمهم العسكري، وهو شرط رئيسي تمسكوا به خلال محادثاتهم مع دمشق. ويقول بالانش “لن تندمج قوات سوريا الديموقراطية بالطبع مع هيئة تحرير الشام” الفصيل الذي تزعمه الشرع وقاد الهجوم الذي أطاح الأسد، لكنها “ستحاول التنسيق معها ضد تنظيم الدولة الإسلامية على سبيل المثال ومنع أي قتال بين الطرفين.”
والاتفاق الذي تم توقيعه برعاية أميركية وفق ما قال مصدر كردي، يمنح الأكراد، الأقلية العرقية الأكبر في البلاد والأكثر تنظيما عسكريا وسياسيا، اعترافا بدورهم وهويتهم. ويوضح جيفير أوغلو أنه بعد توقيع الاتفاق “لم يعد ممكنا تهميش الأكراد في صياغة مستقبل سوريا.”
ونما نفوذ الأكراد بعد اندلاع النزاع عام 2011، وإنشائهم إدارة ذاتية، سرعان ما توسّعت مساحتها بعدما شكلوا بدعم أميركي قوة رئيسية في دحر تنظيم الدولة الإسلامية من مناطق واسعة في شمال وشرق البلاد. لكن توسعهم قرب الحدود مع تركيا جعلهم عرضة لهجمات دامية شنتها أنقرة مع فصائل سورية موالية لها منذ 2016 لإبعادهم عن حدودها، ما أحدث موجات نزوح واسعة.
ويأمل المسؤولون الأكراد إعادة سكان عفرين ومناطق أخرى إلى بلداتهم، بموجب الاتفاق. ويأملون أيضا أن يجنبهم المزيد من هجمات تركيا، التي لطالما اعتبرتهم امتدادا لحزب العمال الكردستاني. وجاء توقيع الاتفاق على وقع المحادثات بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، الذي أعلن زعيمه عبدالله أوجلان الشهر الماضي، وقف النار مع تركيا وحل الحزب.
——————————
عقبات على الطريق.. ماذا بعد اتفاق قسد والشرع؟/ محمد الصباغ
11 مارس 2025
ثمانية بنود كانت عنوان الاتفاق الموقع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة السورية الجديدة، الذي يقضي بدمج القوات الكردية التي تسيطر على مناطق واسعة شمال شرقي سوريا، ضمن مؤسسات الدولة.
جاء التوقيع في اجتماع بين رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وقائد قوات “قسد” مظلوم عبدي، وتضمن الاتفاق ضرورة وقف إطلاق النار في كافة الأراضي السورية، ودعم “قسد” لإدارة المرحلة الانتقالية في مواجهتها لما سمتها “فلول الأسد”.
وكان أول بنود الاتفاق “ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولية بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية”.
هذا الاتفاق وفق محللين، بمثابة لحظة سياسية جديدة وفرصة لتجنيب البلاد خطر الانزلاق نحو موجة عنف جديدة، لكنه يواجه عددا من التحديات التي قد تعيق تنفيذه.
وأكد عبدي على حسابه بمنصة “إكس”، بعد التوقيع، التزامه بالعمل على تحقيق مرحلة انتقالية تعكس تطلعات الشعب السوري نحو العدالة والاستقرار.
وقال إن “الاتفاق الذي تم التوصل إليه يشكل فرصة حقيقية لبناء سوريا جديدة تحتضن جميع مكوناتها، وتضمن حسن الجوار”.
ويرى المحلل السوري فاضل خانجي، أن الاتفاق “فرصة حقيقية لتجنيب سوريا خطر حدوث موجات عنف جديدة”، مضيفا في حديثه لموقع الحرة أنه “يأتي في ظل مساعي لتشكيل آلية اقليمية بين دول جوار سوريا مع دمشق لمكافحة خطر داعش، وإدارة معضلة السجون ذات الصلة، وهو ما اتضح جليا البارحة في قمة عمان”.
واستضافت العاصمة الأردنية عمّان، الأحد، اجتماعا لمسؤولين من سوريا ودول الجوار الأردن والعراق ولبنان وتركيا، حذّر المشاركون في ختامه من خطر عودة تنظيم الدولة الإسلامية، وأكدوا اتفاقهم على التعاون والتنسيق للتصدي للتنظيم المتطرف.
مدير قسم تحليل السياسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد الله، قال في حديث لموقع الحرة، إنه “منذ سقوط نظام الأسد، بدأت المفاوضات بين قسد والحكومة الجديدة في دمشق بوساطة أميركية وفرنسية، وكان سقف الطلبات من جانب الطرفين عاليا جدا، لذلك لم يتم التوصل لاتفاق”.
وتابع العبد الله: “لكن مع وصول (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب للسلطة، ووعده بالانسحاب من سوريا، شكل ذلك قلقاً وعامل ضغط على قسد للقبول بشروط الحكومة الجديدة”.
ولم يستبعد أيضا أن “الوساطة الغربية والدعم العربي والإقليمي للحكومة الجديدة ساهما في إنضاج الاتفاق”.
تحديات ومخاوف
أصدر مجلس سوريا الديمقراطية، الجناح السياسي لـ(قسد) بيانا، الاثنين، اعتبر فيه أن الاتفاق “كخطوة نحو الحلّ السياسي، نجاحه مرهون بمدى التزام جميع الأطراف بروح التغيير الحقيقي، والعمل على بناء دولة ديمقراطية حديثة تحترم إرادة شعبها، وتحقق طموحاته، وتكون جزءًا من العالم الحر الذي يؤمن بالعدالة وحقوق الإنسان”.
خانجي أشار إلى أن الاتفاق يمثل “حدثا مفصليا ومهما على المستوى السياسي، لكن لا شك أنه سوف يواجه العديد من التحديات”.
الشرع وعبدي بعد توقيع الاتفاق
تشمل “مكافحة فلول الأسد”.. الشرع و”قسد” يوقعان اتفاق اندماج من 8 بنود
أعلنت رئاسة المرحلة الانتقالية في سوريا، الاثنين، توقيع اتفاق يقضي باندماج “قوات سوريا الديمقراطية” ضمن مؤسسات الدولة.
وأوضح أن أبرزها تتمثل في “مقاومة الكوادر الأجانب لحزب العمال الكردستاني لتنفيذ الاتفاق، بجانب التفاصيل التقنية المتعلقة بشكل دمج قسد ومؤسساتها المدنية بالحكومة السورية، ككتلة واحدة أو بإعادة هيكلة أو بشكل هجين”.
من جانبه قال العبد الله، إن الاتفاق “بخطوطه العامة جيد، ويلبي طلبات الطرفين، لكن المشكلة أن بنوده خطوط عامة، ولم يتم الإعلان عن التفاصيل بعد، أو عن الآليات التي يتم من خلالها الاندماج وعودة الحكومة السورية لمنطقة الجزيرة السورية”.
ونصت بنود الاتفاق على أن “المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية”.
وإلى جانب وقف إطلاق النار، ينص على “ضمان عودة كافة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية”.
وبموجب الاتفاق، تدعم “قسد” إدارة المرحلة الانتقالية في مواجهتها لما سمتها “فلول الأسد” و”كافة التهديدات التي تهدد أمنها (الدولة) ووحدتها”.
وينص الاتفاق أيضا على “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري”.
وأسند البند الأخير للاتفاق مهمة تطبيقه في أجل لا يتجاوز نهاية العام الحالي.
الموقف الأميركي حاسم
كشف تقرير الشهر الماضي، أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تعمل على وضع خطط لسحب القوات الأميركية من سوريا.
وقال مسؤولان في وزارة الدفاع لشبكة “إن بي سي” الأميركية، إن الرئيس دونالد ترامب ومسؤولين مقربين منه أعربوا مؤخرا عن اهتمامهم بسحب القوات الأميركية من سوريا، مما دفع مسؤولي البنتاغون إلى البدء في إعداد خطط للانسحاب الكامل خلال 30 أو 60 أو 90 يوما.
والشهر الماضي، قال ترامب خلال مؤتمر صحفي، إن واشنطن ستتخذ قررا بشأن سوريا فيما يتعلق ببقاء القوات الأميركية هناك، من دون أن يفصح عن مزيد من التفاصيل.
وأكد أن الولايات المتحدة ليست منخرطة في سوريا، قائلا إن “لديها مشاكلها الخاصة وما يكفي من الفوضى، وأن لا حاجة إلى تدخل بلاده هناك”.
يرى العبد الله أن الموقف الأميركي سيلعب دورا كبيرا في دفع الأمور نحو تنفيذ الاتفاق بين قسد والإدارة السورية.
وقال إن الاتفاق يواجه “مجموعة من التحديات على رأسها مواقف بعض المعارضين للاتفاق وعلى رأسهم بعض القيادات القنديلية (من حزب العمال الكردستاني) المتواجدة مع قسد، وكذلك إيران وبعض الدول الراغبة في إثارة المشكلات للحكومة الجديدة، بجانب آليات التطبيق وتشابك الملفات وتعقيدها”.
لكنه لفت إلى أن “تجاوز هذه التحديات متوقف على الموقف الأميركي ومدى رغبته بإنجاح هذا الاتفاق، والتنسيق مع تركيا اللاعب المهم بهذا الملف”.
أما خانجي فاعتبر أن قسد لا تمتلك “خيارا أفضل، في ظل تنامي الشرعية الدولية للحكومة السورية، والانسحاب المحتمل للقوات الأميركية”.
وفي ديسمبر، أعلن البنتاغون أن حوالي ألفي جندي أميركي ينتشرون في سوريا، وهو أكثر من ضعف العدد المعلن لسنوات، الذي كان حوالي 900 جندي.
ووصف متحدث باسم البنتاغون القوات الإضافية البالغ عددها 1100 جندي في ذلك الوقت بأنها “قوات دورية مؤقتة” لفترات تتراوح بين 30 و90 يوما، في حين أن الـ900 جندي الآخرين كانوا “قوات أساسية” يتم نشرهم هناك لمدة تصل إلى عام تقريبا.
ويؤكد البنتاغون أن المهمة العسكرية الأميركية في سوريا تهدف إلى إضعاف تنظيم داعش ودعم الشركاء المحليين هناك، وأبرزهم قوات سوريا الديمقراطية.
محمد الصباغ
الحرة
————————————
لحظة سورية تاريخية وفارقة/ رامي الخليفة العلي
12 مارس ,2025
في لحظة تاريخية حاسمة، أظهرت سوريا للعالم بأسره، أن وحدتها الوطنية هي السد المنيع أمام كل المؤامرات ومحاولات التقسيم. حين سعت قوى الظلام سواء فلول نظام الأسد أو الميليشيات المنتشرة في المنطقة وكذا دول المنطقة التي لا تخفي رغبتها في إعادة سوريا إلى حالة الفوضى وإلى تمزيق النسيج الاجتماعي عبر إذكاء نيران الفتنة الطائفية، ارتفعت سوريا فوق الجراح، وصمدت بشموخ بفضل دماء أبنائها التي روت أرضها الطاهرة. تلك الدماء لم تكن مجرد تضحيات، بل كانت نداءً صارخًا لكل السوريين كي يلتفوا حول وطنهم، بعيدًا عن الانقسامات المصطنعة والولاءات الضيقة. إن القوى الأمنية والعسكرية التي واجهت قوى الغدر والانقلاب لم تكن مجرد أدوات للقتال، بل جسدت رمز السيادة وحامي الأرض والشعب. في المقابل، فإن الفصائل التي خرجت عن السيطرة وساهمت في إشعال نار الفوضى، وسواء بشكل واعٍ أو بشكل غير واعٍ، فإنها لم تكن إلا أذرعًا لأجندات خارجية تلاقت مع الفلول، حيث يعمل هؤلاء من أجل تفكيك البلاد. لذلك، فإن إعادة بناء جيش وطني موحد، يضم كل الطاقات تحت رايته، بات ضرورة ملحة. وهذا ما عكسه الاتفاق الأخير الذي أفضى إلى دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن صفوف الجيش، ليؤكد أن السلاح يجب أن يُوجَّه إلى العدو الحقيقي، لا إلى صدور أبناء الوطن. لقد حاول البعض استغلال التنوع السوري لإشعال الفتن، لكنه أثبت أي هذا التنوع في النهاية أنه أحد أعظم نقاط القوة في البلاد. الكردي والعربي، السرياني والآشوري، العلوي والدرزي، وكل مكونات الشعب السوري، أثبتوا أنهم ليسوا إلا خيوطًا متماسكة في نسيج الوطن الواحد. فالضحايا الذين سقطوا دفاعًا عن وحدة البلاد لم تذهب دماؤهم هدرًا، بل كانوا الشعلة التي أنارت الطريق نحو مستقبل أكثر تلاحمًا. إرادة الحياة التي تسري في عروق سوريا كانت وستظل أقوى من كل المؤامرات. رغم المحاولات المستميتة لإغراقها في مستنقع الفوضى، استطاعت سوريا أن تنهض مجددًا، لترسم ملامح فصل جديد من الصمود والعزة. القيادة المسؤولة التي أظهرها الرئيس أحمد الشرع والقائد عبدي مظلوم في لحظة الأزمة جسّدت نموذجًا فريدًا في الحنكة السياسية، حيث اختارا نهج الحوار والتفاهم بدلاً من التصعيد، وأثبتا أن القرارات المصيرية تحتاج إلى قادة بحجم الوطن. الاتفاق الذي جمع بين الشرع مظلوم عبدي لم يكن مجرد خطوة سياسية، بل رسالة واضحة للعالم أجمع: سوريا لن تنكسر. أبناؤها قادرون على تجاوز خلافاتهم وحل مشاكلهم بأنفسهم، بعيدًا عن أي تدخل خارجي يهدف إلى تفتيت البلاد. غير أن هذا الاتفاق ليس نهاية الطريق، بل بداية جديدة تمهد لمستقبل أكثر إشراقًا. إنه مستقبل تُبنى فيه دولة قوية عادلة، تحتضن جميع أبنائها دون استثناء، وتعوضهم عن سنوات الحرب والدمار، لتعود شامخة من جديد، رمزًا للصمود والوحدة في وجه كل التحديات.
* نقلا عن “عكاظ”
—————————
هذا ما يقسم سوريا/ رستم محمود
الحاكمون الجدد لا يُظهرون سلوكيات ذات قطيعة جذرية مع سوريا التي كانت
آخر تحديث 12 مارس 2025
نعم سوريا دولة قابلة للتقسيم، سواء بشكل “شرعي” ناجز، أو عملي على أرض الواقع. فمثل كل الكيانات الأخرى، يُمكن لسوريا أن تفقد مقوماتها كدولة موحدة، كما حدث في مرات لا تُعد عبر التاريخ. أو قد تكون عُرضة لأشكال من التطلعات والاستراتيجيات الأجنبية، الإقليمية والدولية، التي قد تحرض وتدفع لحدوث ذلك، تبعا لمصالحها ورؤاها.
لكن إمكانية حدوث ذلك الأمر موضوعيا ومنطقيا بشكل مجرد شيء، وتحققه وتحوله إلى حقيقة سياسية وجغرافية على أرض الواقع، شيء آخر تماما.
بين الأمرين ثمة العامل المحلي، المتكون من مجموع الساسة ونُخب العمل العام وقادة الرأي، لكن أولا ثنائية القائمين على السلطة الحاكمة والسيادة العامة، وإلى جانبهم مؤسسات وأجهزة الدولة.
فإذا كانت كل دول العالم قابلة للتقسيم من حيث المبدأ، وثمة دون شك من يُحرض ويدفع لذلك، فإن حدوث الأمر وتحققه نادرا ما يجري على أرض الواقع، بين مرحلة تاريخية وأخرى، هو نتيجة العمل الدؤوب والفعال الذي يقوم به الفاعلون الداخليون، من خلال إنتاج شبكة لا متناهية من المصالح المادية والأواصر الرمزية بين أبناء شعب هذه الدولة أو تلك، ليصيروا حسبها ممتلئين بحس الأمان المتبادل ووحدة الحال وحتمية المصير المشترك، ويستشعرون خوفا مضمرا من إمكانية تفكك تلك الروابط عبر تقسيم بلادهم المشتركة.
في سوريا اليوم، لا يبدو ذلك الفاعل الداخلي بأحسن أحواله قط. بل على العكس تماما، يبدو أقرب لإتمام دائرة العوامل المحرضة والمتطلعة للإطاحة بالكيان السوري.
فإذا كانت أطراف إقليمية ودولية، لا تُحصى لكثرتها، تريد الاستثمار في الهشاشة السياسية والجغرافية والأمنية السورية الراهنة، لأن سوريا دولة بموقع جيوسياسي عُقدي استثنائي، وجامعة لعدد كبير من الحساسيات السياسية والجماعات الأهلية، وواقعة في هذا الظرف التاريخي الخاص، تُغوي كل الطامحين لمراكمة أدوات النفوذ وأعتدة السيطرة عليها، فإن القائمين على سلطاتها الحاكمة وسيادتها العامة اليوم، يبدون وكأنهم يفعلون كل شيء لأن تتحول تلك التطلعات الخارجية إلى أمر واقع على الأرض، وربما حقائق سياسية وشرعية في المستقبل المنظور.
فالحاكمون الجدد الذين صعدوا إلى السلطة في البلاد بعد ستة عقود من الاستبداد السياسي والشمولية الأمنية، لا يُظهرون سلوكيات وتطلعات وخطابات ذات قطيعة جذرية مع سوريا التي كانت. وتاليا يثبتون مجموعة الحقائق والوقائع التي أنتجتها وأفرزتها حقبة الاستبداد الأسدي، من تفرد بالسلطة وتأميم للسياسة ومركزية في الحكم وواحدية في الرؤية الأيديولوجية، التي استولدت متضامنة كل هذه القابلية السورية للتفتت.
فما معنى أشياء مثل أن “يُنتخب” رأس هرم السلطة الجديدة من مجموعة قادة الفصائل المسلحة، الذين اختارهم هو بنفسه ودعاهم لانتخابه؟ أو رفض السلطة الجديدة محادثة أو محاورة أي من القوى السياسية في البلاد، حتى التي قضت جُل سيرتها السياسية في مقارعة ومعارضة النظام السوري، والإصرار على أن العمل السياسي بالنسبة لها هو مجرد نقاش بين السلطة ومجموعة من الأفراد فحسب. أو عدم اعتدادها بهواجس أبناء الجماعات الأهلية الأقل عددا. أو الذهاب بعيدا في الولاء والارتباط مع طرف إقليمي جامح في تطلعاته للسيطرة على سوريا. وإلى جانبها أشياء من مثل: الهيمنة التامة على كل مؤسسات الحكم التنفيذية والتشريعية والقضائية، واحتكار تفسير الثورة السورية والاستحواذ على ثروات البلاد المادية وتركتها الرمزية، والتهرب المستدام من أي التزام قانوني تجاه المؤسسات الدولية، تحديدا الأمم المتحدة، وفيض من العسكرة في أشكال الحياة العامة، وحوار وطني شكلي، ولجنة وإعلان دستوري مطابق لما كانت عليه مواثيق الأسد… إلخ.
موضوعيا، هل يفعل مجموع تلك التوجهات والممارسات شيئا غير زيادة “الهشاشة الوطنية” وتفتيت أواصر الثقة المتبادلة بين السوريين ومؤسسات دولتهم ومستقبل عيشهم المشترك؛ وتاليا تقزيم قدرتهم على المناعة الذاتية تجاه كل تطلع أو محاولة أجنبية.
ولأن الكيان السوري حسب ذلك، يكون كيانا مملوكا ومحكوما من جماعة أهلية سورية واحدة فحسب- وعمليا من فئة صغيرة من أبناء تلك الجماعة- وفقير الخيال والقدرة على الاستيعاب، ومتخما بروح العسكرة والقسر، وغير قابل لأن يُعيد ترتيب نفسه في مواجهة التحديات.
في خمسينات القرن المنصرم، شهدت سوريا مرحلة هشاشة داخلية طويلة، جرت خلالها انقلابات عسكرية متتالية، مع نفوذ واضح لكل من مصر والعراق على الحزبين الرئيسين في البلاد، إلى جانب صراع طائفي ومناطقي مستتر على حُكم البلاد. مع كل ذلك، بقيت الوحدة الكيانية لسوريا مصانة تماما. حدث ذلك بفضل قوة مؤسسات الدولة وسعة صدر النخبة الحاكمة ورحابة الحياة العامة في البلاد.
بعد سنوات قليلة، حوّلت الأسدية سوريا إلى كتلة صماء، مغلقة على نفسها تماما، واحدية الرؤية وشديدة العسكرة والمركزية، فصنعت كل أسباب التفتت السوري.
————————–
ضربة معلّم: الشرع يصوّب على التقاطع الإسرائيلي الإيراني/ ابراهيم ريحان
2025-03-12
تسعى إسرائيل إلى فرض شروطٍ سياسيّة وأمنيّة على القيادة السّوريّة الجديدة. تدخلُ هذه الشّروط في إطار “تغيير الشّرق الأوسط” الذي أعلنَه قبل أيّام قليلة رئيس…
news
الكاظمي في العراق: هل وصل الطّوفان إلى بغداد؟
ماذا وراء عودة رئيس الوزراء العراقيّ السّابق مصطفى الكاظمي إلى بغداد؟ هل يحملُ مشروعاً سياسيّاً؟ وهل لعودته ارتباطٌ بوصولِ “زلزال الشّرق الأوسط” الذي ضربَ لبنان…
news
إسرائيل في جنوب سوريا.. بداية “حلف دويلات الأقلّيّات؟”
ماذا تُريد إسرائيل من جنوب سوريا؟ ولماذا أعلن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو تقديم “الحماية” للأقلّيّة الدّرزيّة هناك مُطالباً بعدم دخول قوّات الجيش الجديد المنطقة؟ …
كيف وجّه الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع ضربةً لتقاطع مصالح إسرائيل وإيران في سوريا؟ وما هي الأسباب التي أدّت إلى الاتّفاق بينه وبين قائد قوّات سوريا الدّيمقراطيّة مظلوم عبدي؟
ضربَ الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع مُخطّط تقسيم بلاده بحجر الاتّفاق مع قوّات سوريا الدّيمقراطيّة. جاءَت الصّورة التي جمَعَت الشّرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي عقبَ توقيع اتّفاقٍ تاريخيّ يقضي بدمج قوّات “قسد” بالجيش السّوريّ ورفضِ التّقسيم بشكلٍ واضح، في توقيت يصلُحُ فيه أن تصحّ تسمية الاتّفاق بـ”ضربة معلّم”.
قبل توقيع الاتّفاق بين الشّرع وعبدي، كانَت الأحداث في جنوب سوريا وشمالها الشّرقيّ وساحلها تشير إلى أنّ تقسيم البلاد التي مزّقتها سنوات الصّراع مع حكم آل الأسد آتٍ لا محالة.
يقول مصدرٌ في الإدارة السّوريّة لـ”أساس” إنّ بصمات إيران كانت واضحة في أحداث السّاحل السّوريّ، وإنّ ما حصلَ في السّاحل من محاولةٍ انقلابيّة لإنشاء دويلة علويّة هناك كانَ بدعمٍ من الحرس الثّوريّ الإيرانيّ. كذلكَ رصدَت الإدارة السّوريّة وتركيا محاولات إيرانيّة لاستغلال الملفّ الكرديّ في شمال شرق سوريا لتحريك جماعات مرتبطة بحزب العمّال الكُردستانيّ.
يكشف المصدر أنّ ما جرى في السّاحل كانَ مخطّطاً له أن يبدأ في منتصف الأسبوع الجاري، لكنّ انكشاف خليّةٍ لفلول النّظام السّابق في منطقة جبلة أدّى إلى تحرّك بقيّة الخلايا في مناطق السّاحل في طرطوس واللاذقيّة وبانياس.
ضربَ الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع مُخطّط تقسيم بلاده بحجر الاتّفاق مع قوّات سوريا الدّيمقراطيّة
تتقاطع إيران مع إسرائيل في مُخطّط التقسيم في سوريا على الآتي:
تطمحُ إسرائيل إلى إنشاء دويلة درزيّة في جنوب سوريا تكون منطقةً عازلةً عن حدود الجولان السّوريّ المُحتلّ، وصورةً مُكبّرةً عمّا كانَ عليه جيش “لبنان الجنوبي” بقيادة أنطوان لحد في جنوب لبنان.
إيران بدورها تُحاول إنشاء دويلة للعلويّين لسببَيْن:
الأوّل: جغرافيا السّاحل السّوريّ عند البحر الأبيضِ المُتوسّط، وهو ما تراهُ طهران بديلاً عن الخطّ البرّيّ (طهران – بغداد – دمشق – بيروت) بعد انقطاعهِ بسقوط بشّار الأسد. ولذلك تكونُ شواطئ السّاحل السّوريّ معبراً جديداً لنفوذ إيران نحوَ ساحل المُتوسّط وتمرير السّلاح والأموال إلى سوريا ولبنان.
الثّاني: استخدام الدّويلة العلويّة مبرّراً لتدخّلها في سوريا تحت عنوان “حماية الأقليّة الشّيعيّة” بجميع مُتفرّعاتها (الاثني عشريّة، العلويّة، والإسماعيليّة).
تتقاطع طهران وتل أبيب على دعمِ الانفصال الكُرديّ. إذ تريدُ إسرائيل بذلك تبرير تدخّلها في سوريا تحت عنوان “حماية الأقليّتَيْن الكُرديّة والدّرزيّة”، وترى إيران في الانفصال الكُرديّ عنواناً مُناسباً لدعم الانفصال العلويّ في السّاحل السّوريّ.
الأهمّ أنّ إسرائيل كانت تطمح إلى أن يكونَ نفوذها في “الدّويلة الكُرديّة” عند حدود تركيا التي باتَ نفوذها على حدود إسرائيل في دمشق. وترى إيران في دعمِ الانفصاليين الأكراد في سوريا ردّاً على دور أنقرة في الإطاحة بنظام بشّار الأسد وما تلاه من ضربِ نفوذها على الجغرافيا السّوريّة وضربِ الحجر الأساسِ في “الهلال الشّيعيّ” الذي عمِلَت إيران على تحقيقه منذ سقوط نظام صدّام حسين في العراق في ربيع عام 2003.
إسرائيل كانت تطمح إلى أن يكونَ نفوذها في “الدّويلة الكُرديّة” عند حدود تركيا التي باتَ نفوذها على حدود إسرائيل في دمشق
كيف ضُرِبَ التّقاطع الإيرانيّ – الإسرائيليّ؟
أوّل ضربةٍ لأطماع تل أبيب وطهران كانت عبر النّداء الذي أصدره زعيم حزب العمّال الكُردستاني عبدالله أوجلان لإلقاء السّلاح واللجوء إلى الحلّ السّياسيّ للقضيّة الكُرديّة. فأوجلان الكُرديّ كانَ مُتحالفاً طوال سنوات تمرّده ضدّ تركيا مع نظام حافظِ الأسد حتّى توقيع اتّفاق أضنة بين دمشق وأنقرة الذي أخرجه من سوريا. كانَ أوجلان يعملُ تحت إشراف جميل الأسد وبالشّراكة مع زعيم ميليشيا “المقاومة السّوريّة في لواء إسكندرون” علي كيّالي (معراج أورال)، وهو كُرديّ – علويّ.
هذا يعني أنّ بيان أوجلان لم يُشكّل ضربةً فقط في شمال شرق سوريا، بل حتّى لفلول النّظام الذين كانوا يُراهنون على انضمام الانفصاليين الأكراد في معركتهم ضدّ الإدارة السّوريّة.
الضّربة الثّانية كانَت وأد المحاولة الانفصاليّة في السّاحل السّوريّ. وعلى الرّغم من وقوع تجاوزات طالَت العديد من أبناء الطّائفة العلويّة، إلّا أنّه يُسجّل لأحمد الشّرع اعترافه بوقوع هذه التجاوزات، وتعهّده بشكلٍ شخصيّ بإجراء تحقيقات ومحاسبة المُرتكبين.
الضّربة الثّالثة جاءَت في اتّفاق الشّرع – عبدي. وهي ضربة قاسية لمشاريع التقسيم في سوريا، إذ يقطع هذا الاتّفاق الطّريق على نوايا طهران وتل أبيب لزعزعة استقرار سوريا وإنشاء “دويلات” على أرضها.
في هذا الإطار، علم “أساس” أنّ القيادة السّوريّة تعملُ على إبرام اتّفاقٍ مع الفاعليّات الدّرزيّة في جنوب سوريا يضمنُ عدم التّعرّض للدّروز واندماجهم في الدّولة، مع إمكانيّة الأخذ في الاعتبار إنشاء نظام ضريبيّ لامركزيّ. ولا تنفي المصادر إمكانيّة أن تتّخذ الإدارة السّوريّة خطوات من شأنها إعادة الاستقرار إلى السّاحل السّوريّ وطمأنة المواطنين العلويّين.
أوّل ضربةٍ لأطماع تل أبيب وطهران كانت عبر النّداء الذي أصدره زعيم حزب العمّال الكُردستاني عبدالله أوجلان لإلقاء السّلاح واللجوء إلى الحلّ السّياسيّ للقضيّة الكُرديّة
ما هي الأسباب التي أدّت إلى إبرام الاتّفاق بين الشّرع وعبدي؟
لعبت المُتغيّرات الإقليميّة والدولية دوراً مركزيّاً في تسريع إبرام الاتّفاق بين الإدارة السّوريّة و”قسد”، وأبرزها:
شكّلَ وصول دونالد ترامب إلى السّلطة في الولايات المُتّحدة دافعاً أساسيّاً في إبرام الاتّفاق. إذ إنّ الرّئيس الأميركيّ، على عكس سلفهِ جو بايدن، تجمعه علاقة متينة بالرّئيس التّركيّ رجب طيّب إردوغان، الذي كان يُلوّح بعمليّة عسكريّة ضدّ “قسد” منذ ما قبل سقوط بشّار الأسد.
التّصريحات التي أطلقها الرّئيس ترامب أكثر من مرّة، والتي تؤكّد عدم إيلائه اهتماماً بالملفّ السّوريّ. وهذا من شأنِه أن يرفع منسوب القلق لدى الأكراد من أن يشنّ إردوغان عمليّة عسكريّة من دون ردعٍ أميركيّ.
الجهودُ التي بذلها زعيم الحزب الدّيمقراطي الكردستانيّ مسعود البارزاني بين أنقرة ومظلوم عبدي لتجنّب العمليّة العسكريّة التّركيّة.
الدّور غير المُعلَن للاستخبارات البريطانيّة MI6، إذ تطمحُ لندن أن تكونَ مناطق شمال شرق سوريا مُستقرّة، نظراً لاهتمامات لندن بإعادة عمل الشّركات البريطانيّة في حقول النّفط السّوريّة في الحسكة ودير الزّور. وهنا تجدرُ الإشارة إلى العلاقة المتينة للاستخبارات البريطانيّة مع الطّرفيْن الأساسيَّيْن في الصّراع في شمال شرق سوريا، أنقرة و”قسد”.
أساس ميديا
——————————
سوريا أمام تحدٍ: الوحدة أو صراع بين السلطة والأقليات!/ جورج حايك
2025-03-12
تمر سوريا في مرحلة مصيريّة ستحدّد هويتها المستقبليّة ما بين خيارين: الوحدة أو الصراع بين السلطة الجديدة التي يمثّلها الرئيس أحمد الشرع واستمرار الفوضى وحالة عدم الاستقرار، ولعل الأحداث في الأيام القليلة الماضية بين الجيش السوري وفلول نظام بشار الأسد المنتمين إلى الطائفة العلوية في الساحل السوري، دقّت ناقوس الخطر، بصرف النظر عن ارتباط هذه الفلول بإيران و”حزب الله” من جهة، والمجازر التي ارتكبت بحق المدنيين من جهة أخرى.
منذ سقوط نظام الأسد، كان الهاجس الأول للأقليات العلوية والمسيحية والكردية والدرزية والشيعية، مدى قدرة السلطة الجديدة على استيعاب هذا التنوّع وحمايته، وكان هذا أيضاً الهمّ الأول لدى المجتمع الدولي.
للوهلة الأولى قدّم الشرع خطاباً ايجابياً مطمئناً لهذه الأقليات التي كانت لها تجربة غير موفّقة مع “هيئة تحرير الشام” التي تزعّمها الشرع، بسبب الانتهاكات التي ارتكبتها الفصائل في شمال غرب سوريا قبل أن تغيّر سلوكها في الأعوام الأخيرة.
لا شك في أن حكومة الشرع المؤقتة تمثّل الأغلبية السنية في سوريا لأول مرة منذ أكثر من 45 عاماً من الحكم الذي هيمنت عليه الأغلبية العلوية التي كان ينتمي إليها حافظ الأسد، وربما الثغرة الأساسية في السلطة الجديدة هي عدم ضبطها للأرض جيداً، بحيث ينتشر بعض الفصائل المتطرفة الذي ينشر خطاب الكراهية، ليتبيّن أنه بين كلام الشرع الايجابي وبعض الممارسات الشاذة هوة كبيرة، والمؤسف أن بعض الدول الاقليمية والدولية تتسلل للإستثمار في هذا الموضوع الحسّاس، مستغلّة حالة “المظلومية” لدى بعض الأقليات لإثارة المشكلات وخصوصاً إيران التي لم تهضم بعد خسارتها للورقة السورية.
واللافت أن ايران ليست الجهة الوحيدة التي ترى مصلحة لها في إضعاف السلطة الجديدة وبقاء سوريا في حالة عدم استقرار، بل إن اسرائيل التي استغلت منذ فترة المواجهات بين سلطة الشرع والدروز في السويداء، يهمّها أن تجد تبريرات لوجودها في سوريا وقد أبدت استعدادها أخيراً لحماية الدروز في أي مواجهة مع الجيش السوري الجديد.
ويرى الصحافي السوري مازن البدوي المقيم في الخارج أن سوريا يتنازعها تياران اليوم: الأول يتمثّل في بعض الأقليات الذي يريد الخروج عن إطار الدولة الحديثة والتوجّه نحو الدويلات الطائفية والعرقية أي نوع من الفيدرالية أو حتى التقسيم. والثاني الذي يتمثّل في الشرع وحكومته اللذين يريدان سوريا موحّدة في إطار دولة قانون ومؤسسات حديثة وديموقراطية.
لا شك في أن تدخلات ايران وتركيا واسرائيل وتذرّعها بحماية الأقليات في سوريا، تُلحق الضرر بالمجموعات الطائفية والعرقية، بدلاً من مساعدة السوريين في بناء دولة تقوم على المواطنة المتساوية. وهدف هذه الدول أولاً وأخيراً التدخل السياسي والاقتصادي وتفتيت البلد وشعبه، وفق البدوي.
ما حصل منذ أيام من معارك في الساحل يؤكّد أن بعض الأطراف الخارجية كإيران ضالع فيه، وهذا خطأ من الفئة المسلّحة العلوية التابعة للأسد، أما السلطة فارتكبت خطأ لا يقل خطورة عندما خرج بعض العناصر عن انضباطه وتسبب في مقتل ما لا يقل عن 1300 شخص، ثلاثة أرباعهم من المدنيين.
ووفقاً لـ “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، تبيّن أن المجازر ارتكبت من كلا الجانبين، وكان من بين الضحايا رجال ونساء وأطفال وكبار السن، ومن بين القتلى عائلات بأكملها.
وقد اعترف الشرع بالأخطاء التي ارتكبت وكلّف لجنة استقصاء حقائق لمعرفة المعتدين، ولم ينفِ أن هذه المعارك أخّرت مسيرة بناء الدولة الجديدة، وأفقدت الثقة بالشرع نفسه، بحيث أصبحت طمأنته للأقليات غير موثوقة، وباتت الثقة الآن في أدنى مستوياتها، وأنظار المجتمع الدولي تتجه إلى طريقة تعامل الشرع مع أنصاره المتطرفين وإنزاله أقصى العقوبات في حقّهم.
ويشير البدوي إلى أن سوريا تحتاج إلى مؤتمر حوار وطني، يتم فيه اختيار ممثلين عن جميع القوى السياسية والأحزاب والمثقفين، بما في ذلك المتدينين، ما سيمهّد الطريق لعملية الانتقال وتشكيل لجان لصياغة دستور جديد للبلاد ومناقشة العديد من القضايا الملحة.
لكن الرئيس الشرع أقدم على خطوة استراتيجية ذكية بعد الأحداث المؤسفة التي سبّبت امتعاضاً دولياً، وهي توقيعه اتفاقاً مشتركاً مع قائد “قوات سوريا الديموقراطية” أي الأكراد مفاده اندماج قوات “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية وضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة السياسية ومؤسسات الدولة كافة بناءً على الكفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.
نص الاتفاق على الاعتراف بالمجتمع الكُردي كجزء أصيل في الدولة السورية، وضمان حقوقه الدستورية والمواطنة الكاملة، ووقف إطلاق النار في الأراضي السورية كافة، ودمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.
من جهة أخرى، يوضح الصحافي البدوي أن الشرع قد يُقدم على اتفاقيات أخرى في المستقبل القريب مع الدروز والمسيحيين والعلويين. وهذا ما سيسمح له بالعمل بهدوء خلال المرحلة الانتقالية التي يتوقّف نجاحها على مبدأ التشاركية، بحيث ينبغي إشراك جميع مكونات المجتمع السوري، والافادة من الكفاءات الوطنية في إدارة البلاد. ومن هذا المنطلق، فإن تشكيل هيئة استشارية واسعة، تضم شخصيات من مختلف الأطياف والخلفيات، سيكون خطوة ضرورية لضمان عملية انتقالية أكثر توازناً.
كل ذلك، لن يجنّب سوريا بعض المشكلات، لأن جزءاً من الأزمة يتعلّق بالتدخلات الأجنبية، وفق البدوي، فهناك إسرائيل المجاورة، التي استهدفت الجيش السوري مباشرة بعد سقوط الأسد، واتخذت مواقع إضافية في مرتفعات الجولان، وتقدم نفسها كمدافع عن الأقليات السورية. تنظر إسرائيل إلى النفوذ التركي المتزايد في دمشق بريبة، وخصوصاً بعد موقف أنقرة القوي بشأن غزة. ولا تزال روسيا تتفاوض على مصير قواعدها البحرية والجوية في سوريا، وتحديداً في المنطقة التي اندلعت فيها الاضطرابات. والمفارقة أن إسرائيل تفضل وجود روسيا على حدودها بدلاً من تركيا.
ولا بد من الاعتراف بأن “القلّة بتولّد النقار”، والوضع الاقتصادي في سوريا ليس على ما يُرام، ولن يتحسّن إلا بعد رفع العقوبات الأميركية والدولية عنه، وهذه الخطوة لن تحصل إلا بعدما تُثبت السلطة مصداقيتها في المحافظة على الشعب السوري بكامل أطيافه.
—————————-
اتفاقية آذار – سوريا/ صلاح علمداري
تحديث 12 أذار 2025
في العاشر من آذار عام 2025 أُبرِمت بالخطوط العريضة و في عرف بروتوكولي رسمي اتفاقية تاريخية بين إدارة شمال شرق سوريا و الحكومة المؤقتة في دمشق , وقع عليها كل من الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع و قائد قوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي , و قد تم ذلك بحضور شهود و وسطاء دوليين …..
هكذا سيسجل في كتب التاريخ .
الاتفاق – من وجهة نظري – هو مبدئي و بالخطوط العريضة , بنوده هي خلاصة النقاشات التي تمت في أكثر من لقاء ستتحول الى تفاصيل من خلال لجان متخصصة محكومة بسقف زمني مذكور في الاتفاق نفسه .
قد تسير الأمور بسلاسة و قد تتعثر في التفاصيل لكنها في جميع الأحوال وثيقة مهمة جداً بمعناها و طابعها البروتوكولي الرسمي بين طرفين نِدّين مع تسجيل ملاحظة سالبة هنا هي : تزامن التوقيع مع مجازر الساحل السوري التي هي محل سخط و إدانة رغم أن الاتفاق جاهز منذ شهر على الأقل كما تقول التسريبات .
لا أخفي سعادتي ككردي و كسوري من رؤية الأطراف السورية تُغلِّب لغة الحوار و التفاوض على لغة التصعيد و العنف, تتفاوض و تتصافح .. بغض النظر عن ملاحظاتي على هذا و ذاك ,عن خطاب و سلوكيات هذا الطرف أو ذاك .
على الصعيد الوطني , يشكل الاتفاق (اذا صدقت النوايا ) علامة فارقة و محطة تاريخية في حياة السوريين , إذ سيوثّق عُرى الشراكة و يعزز مفهوم الوطنية , سيسرع من وتيرة النهوض , سيضع حدا للشكوك بنوايا “الكرد” و “قسد” و سيُحرج المحرضين و تجار الكلام , العنصريين و المتطرفين , سيخفف من لهجة العداء المستشرية بين المكونات السورية و يعزز لغة الحوار و يضخ في الشارع الوطني دفأ و أملا بعد عقد ونصف من الدمار و الانكسار…
على الصعيد الكردي : يعد هذا الاتفاق أول وثيقة رسمية مزيّلة بتوقيع رئيس للجمهورية , تُقرّ بخصوصية الكرد السوريين و تضمن كامل حقوقهم الدستورية , فهي من حيث المردود السياسي ترتقي إلى سوية إتفاق الحكم الذاتي لكردستان العراق الموقع بين صدام حسين و الملا مصطفى البارزاني عام 1970 و الصدفة أنه كان في 11آذار , يدعو الاتفاق أيضاً إلى تيسير و ضمان إعادة المهجرين الكرد إلى مدنهم و قراهم و هذا يعني إفشال جزئي على الأقل لمشروع التغيير الديمغرافي الذي دأبت تركيا خلال السنوات الماضية على تنفيذه , تعزيز شعور الانتماء السوري لدى الكردي و إعادة الاعتبار لشخصيته التي تعرضت للطعن و الإساءة على مدار عقود في الخطاب الرسمي كما في فضاءات نخبوية خارج السلطة…. ناهيكم عن أن الاتفاق سيغلق باب الحروب و يضع حداً للتهديدات التركية بالاجتياح مع تسجيل ملاحظة هنا هي أن الجنرال مظلوم يخوض معركة تقرير المصير بمفرده أيضاً , أو بمعية دائرته الضيقة , كأية معركة عسكرية , ربما يبلي فيها حسناً أيضاً , لكن دقة المرحلة كانت تقتضي الاستفادة من استشارات سياسية و قانونية ضمن الدائرة الكردية الأوسع بل و مرجعية يعود إليها.
على صعيد الحكومة الانتقالية في دمشق , يعد الاتفاق انتصاراً لعقلية الدولة على عقلية العصبيات و الفصائلية , يضمن عودة ثلث مساحة سوريا و سلة غذاء السوريين للالتحام مع الكل , إلى التابعية للمركز بأقل الخسائر ( و هذا يسجل للفريق الحاكم ) بعد انقطاع دام أكثر من عقد من السنين , الاتفاق مع قسد و الكرد سيسهل مفاوضات دمشق مع أهلنا في السويداء و الجنوب و لاحقا مع أهل الساحل إضافة إلى أن التوقيع على هذا الاتفاق و في هذا التوقيت قد يخفف السهام الموجهة من دول العالم و المنظمات الإنسانية للرئيس الشرع نفسه و لأركان حكمه بعد مغامرتهم غير المحسوبة في الساحل و الجرائم التي ارتكبتها حشودهم غير المنضبطة ضد المدنيين منذ ايام .
نعتقد أن جميع الأطراف مستفيدة من الاتفاق رغم وجود ثغرة هنا و عبارة مبهمة هناك و أن الشهور القادمة كفيلة برسم التفاصيل التي نتمنى ألا تكون مخيبة .
————————
الاتفاق بين السلطات السورية والأكراد: أي مصالح يحققها الطرفان؟
يتضمن الاعتراف بالمكون الكردي الذي عانى طيلة عقود خلال حكم آل الأسد من تهميش وإقصاء
أ ف ب
الأربعاء 12 مارس 2025
الاتفاق المؤلف من 8 بنود بمثابة خريطة طريق يفترض أن تعمل لجان مشتركة على نقاشها ووضع آليات تنفيذها بمهلة لا تتجاوز نهاية العام.
يحقق اتفاق وقعته الرئاسة السورية والقيادة الكردية، أول من أمس الإثنين، ويقضي بدمج مؤسسات الإدارة الذاتية في إطار الدولة السورية، مصالح يحتاجها الطرفان في مرحلة حساسة من تاريخ البلاد.
فما أبرز بنود الاتفاق، وما المكاسب التي يجنيها الطرفان في حال تطبيقه بحلول نهاية العام؟
ينص أبرز بنود الاتفاق الذي وقعه الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في دمشق على “دمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”.
ولم يتحدث الاتفاق عن حل قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية المدعومة أميركياً، أو تسليم سلاحها، بخلاف ما كانت السلطة السورية قد اشترطته للانضواء تحت مظلة الجيش الجديد.
ويتضمن الاتفاق الاعتراف بالمكون الكردي الذي عانى طيلة عقود خلال حكم آل الأسد من تهميش وإقصاء، بوصفه “مجتمعاً أصيلاً في الدولة السورية”.
وينص على “ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في الحياة السياسية وكل مؤسسات الدولة”، في موازاة “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية”.
والاتفاق المؤلف من ثمانية بنود، بمثابة خريطة طريق يفترض أن تعمل لجان مشتركة على نقاشها ووضع آليات تنفيذها في مهلة لا تتجاوز نهاية العام. ووصف عبدي الاتفاق بأنه “فرصة تاريخية” لبناء سوريا جديدة، بينما عمت احتفالات شوارع مدن عدة في أنحاء البلاد.
ويتعهد الأكراد بموجب الاتفاق “دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد وكل التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها” في إشارة ضمنية إلى أعمال العنف في الساحل السوري.
جاء توقيع الاتفاق على وقع أعمال عنف شهدتها المنطقة الساحلية في غرب سوريا، راح ضحيتها أكثر من 1000 قتيل مدني، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
بسط شرعية الدولة
يرى الباحث في الشأن الكردي موتلو جيفيرأوغلو أن الشرع “يدرك ضرورة الانخراط مع الأكراد لتقوية موقفه”، إذ يمكنه ذلك من “تقديم نفسه كقائد ملتزم بضمان تمثيل جميع الهويات في مستقبل سوريا”.
وتحقق دمشق أهدافاً أخرى عبر الاتفاق، أبرزها بسط شرعية الدولة على منطقة جغرافية واسعة غنية بالنفط والقمح، وتحتاج السلطات مواردها بشدة على وقع انهيار اقتصادي يعصف بالبلاد بعد 13 عاماً من نزاع مدمر.
وتقع 90 في المئة من حقول النفط في مناطق سيطرة الأكراد، وفق الباحث في الشأن السوري فابريس بالاش الذي يؤكد أنهم يستحوذون كذلك على حصة أساسية من سلة القمح الغذائية.
ويكسب الجيش عبر الاتفاق قوة كردية عسكرية منظمة ومدربة، يمكنه التنسيق معها في مواجهة أي تحديات أمنية.
وأشار مصدر من قوات سوريا الديمقراطية إلى عمليات مشتركة ستنطلق في الأيام المقبلة في البادية السورية لمحاربة تنظيم “داعش” الذي حذرت خمس دول، الأحد الماضي، بينها سوريا وتركيا، من خطر عودته وتعهدت العمل معاً لمواجهته.
ولم يتضح مصير إدارة السجون التي يتولاها الأكراد وتضم الآلاف من مقاتلي التنظيم، والتي قال عبدي الشهر الماضي، إن سلطات دمشق تريدهم تحت مسؤوليتها.
اعتراف بدور الأكراد وهويتهم
منذ وصول السلطة الجديدة إلى دمشق، أبدى الأكراد انفتاحاً تجاهها، فرفعوا علم الاستقلال ذا النجوم الثلاث فوق مقراتهم، وأعربوا عن استعدادهم الانضمام إلى الجيش، من دون حل قواتهم.
لكن السلطة الجديدة استبعدتهم من المشاركة في العملية السياسية وفي مؤتمر حوار وطني عقد الشهر الماضي في دمشق وحدد عناوين المرحلة الانتقالية، بذريعة أنهم لم يلبوا دعوة الشرع للتخلي عن سلاحهم وحل قواتهم، على غرار ما فعلته فصائل مسلحة أخرى.
ويبدو أن الأكراد نجحوا في الحفاظ على تنظيمهم العسكري، وهو شرط رئيس تمسكوا به خلال محادثاتهم مع دمشق.
والاتفاق الذي تم توقيعه برعاية أميركية وفق ما قال مصدر كردي، يمنح الأكراد، الأقلية العرقية الأكبر في البلاد والأكثر تنظيماً عسكرياً وسياسياً، اعترافاً بدورهم وهويتهم.
ويوضح جيفيرأوغلو أنه بعد توقيع الاتفاق “لم يعد ممكناً تهميش الأكراد في صياغة مستقبل سوريا”.
هجمات تركية
نما نفوذ الأكراد بعد اندلاع النزاع عام 2011، وإنشائهم إدارة ذاتية، سرعان ما توسعت مساحتها بعدما شكلوا بدعم أميركي قوة رئيسة في دحر تنظيم “داعش” من مناطق واسعة في شمال وشرق البلاد.
لكن توسعهم قرب الحدود مع تركيا جعلهم عرضة لهجمات دامية شنتها أنقرة مع فصائل سورية موالية لها منذ 2016 لإبعادهم عن حدودها، مما أحدث موجات نزوح واسعة.
ويأمل المسؤولون الأكراد إعادة سكان عفرين ومناطق أخرى إلى بلداتهم، بموجب الاتفاق. ويأملون أيضاً أن يجنبهم مزيداً من هجمات تركيا، التي لطالما عدتهم امتداداً لحزب “العمال الكردستاني”.
وجاء توقيع الاتفاق على وقع المحادثات بين تركيا وحزب “العمال الكردستاني”، الذي أعلن زعيمه عبدالله أوجلان الشهر الماضي، وقف النار مع تركيا وحل الحزب.
—————————–
========================
إحاطة بملفّ النفط السوريّ مقابلة مع الباحث والخبير الاقتصادي كرم الشعار
سليمان عبدالله
كان ملف النفط السوري مادةً للشائعات والمبالغات طوال عقود، وخاصة خلال فترة الحرب. وعادت الشائعات للانتشار بعد سقوط النظام، في إطار الحديث عن إعادة إعمار البلاد، ودور النفط والغاز فيها، وكيفية تقاسمها. للإضاءة على الحقائق المتعلقة بهذا الملف، طرحنا مجموعةً من الأسئلة على الباحث والخبير الاقتصادي كرم الشعار، في مقابلةٍ معه في شهر فبراير/شباط المنقضي.
11 آذار 2025
نص البند الرابع من الاتفاق الأوليّ بين رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع ورئيس قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، المعلن يوم أمس الإثنين، عن دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما في ذلك النفط والغاز. المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، فرهاد شامي، أبلغ صحفيين/ات في إحاطةٍ باللغة الكوردية لاحقاً، أنّ لجاناً مشتركة متخصصة ستتولى العمل على هذه الملفات، التي من بينها ملف البترول، نافياً بشكل غير مباشر ما أشيع عن سيطرة الحكومة المركزية المؤقتة فوريّاً على إدارتها.
كان ملف النفط السوري مادةً للشائعات والمبالغات طوال عقود، وخاصة خلال فترة الحرب. وعادت الشائعات للانتشار بعد سقوط النظام، في إطار الحديث عن إعادة إعمار البلاد، ودور النفط والغاز فيها، وكيفية تقاسمها.
للإضاءة على الحقائق المتعلقة بهذا الملف، طرحتُ مجموعةً من الأسئلة على الباحث والخبير الاقتصادي كرم الشعار، في مقابلةٍ معه في شهر فبراير/شباط المنقضي. وقد حُررّت النسخة المكتوبة بقصد الاختصار والتوضيح.
١ :هل تُعتبر سوريا، أو كانت يوماً، دولة نفطية (ذات صلة بسوق النفط العالمي) من ناحية الإنتاج والمخزون؟
هذا سؤالٌ مطاط إن صحّ التعبير، إذ أنه ليس هناك تعريفٌ للدولة النفطية، لكن النفط لعب دوراً محورياً للغاية في سوريا، دورٌ كان محلّ تشويشٍ لدى الكثيرين، ذلك أنه إن قارنتَ الكمية المنتجَة فيها قياساً بالدول المنتِجة للنفط، ستجدها كميةً صغيرة جداً. وبالتالي، فسوريا لا تعدّ لاعباً مهماً في أسواق النفط العالمية. سابقاً، كانت سوريا تنتج ما بين ٣٥٠ ألف برميل و٤٠٠ ألف برميل في اليوم، تصدّر منه حوالي ١٠٠ ألف برميل يومياً، ويُستهلَك الباقي في الداخل. وكانت هناك مشكلة تصفية في سوريا، تُصدّر كميةٌ من هذا النفط كنفطٍ خام ويُعاد استيرادها كمواد مصفاة. وفي المحصّلة، كانت سوريا دولةَ مُصدّرة، إنما هل يمكن مقارنتها بدول مثل العراق وفنزويلا ودول الخليج، أو حتى سنغافورة أو ماليزيا؟ كلا، فقد كانت الأرقام المصدرة من سوريا صغيرةً للغاية، لكن النفط لعب دوراً بالغ الأهميّة، لأن حجم الاقتصاد نفسه كان صغيراً للغاية. فبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، كانت إيرادات النفط تشكّل ربع إيرادات الدولة السورية تقريباً، (قرابة ١٨٪ من الناتج المحليّ الإجماليّ).
٢ :هل كان مدخول النفط جزءاً من الموازنة العامة يوماً، أم لا كما كان يُشاع على الدوام؟
هذا من الأسئلة المذهلة بالنسبة إليّ، نظراً لتكراره، كشأن الزعم بأن (ابن خال بشار الأسد) رامي مخلوف كان يسيطر على ٥٠٪ من الاقتصاد السوري، أو الزعم بأن ٨٠٪ أو ٩٠٪ من موازنة سوريا كانت مخصّصةً لوزارة الدفاع. كل هذه مزاعم خاطئة، ولا تمتّ إلى الصحة بصلة، إطلاقاً. ولا أدري كيف سمعها أحدهم مرة واعتبرها حقيقةً وواقعاً في ذاكرتنا الجمعية في سوريا. قد دخل النفط في الموازنة العامة في سوريا، وكانت أرقام إنتاج الشركات الأجنبية واضحةً وشفّافةً للغاية، وموجودةً في تقارير الشركات نفسها.
٣ : كم يبلغ الإنتاج الحالي، والمدخول السنوي المتوقع منه، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ عمليات الإنتاج تضرّرتْ أكثر نتيجة القصف المتكرر خلال سنوات الحرب؟
ما زالت هناك نسبةٌ من الإنتاج في مناطق سيطرة الحكومة السورية. قبل سقوط النظام، كان الإنتاج يصل إلى ما يقارب ٢٥ ألف برميل يومياً. المناطق التي ليس هناك معلومات (مؤكدة) عنها، هي الواقعة شمال شرق سوريا. وفق تقديراتي، يصل الإنتاج هناك إلى ١٢٠ ألف برميل، حتى ١٣٠ ألف برميل يومياً ،كحدٍّ أقصى. فإن جمعنا الرقمين السابقين، نتحدث هنا عن انخفاضٍ نسبته ٥٠٪ من إنتاج سوريا خلال فترة الحرب، (مقارنةً مع ٣٥٠ ألف برميل و٤٠٠ ألف برميل في اليوم قبلها).
من الصعب جداً احتساب عوائد النفط، لأننا لا نستطيع التفكير فيها ضمن سياقها العادي، ونسأل كم يبلغ سعر البرميل، لأن هناك كمية تباع بشكل مدعوم وكميات من دون دعم. هناك نسبة من النفط تُهرب إلى الخارج. ينطبق ذلك على نفط شمال شرق سوريا، الذي يُهرّب جزء منه إلى كردستان العراق. لا نعرف تلك النسبة إلى اليوم، لكنني أقدرها بخمسين ألف برميل في اليوم، وهي أحد موارد قوات سوريا الديمقراطية، المرتبطة بحزب العمال الكوردستاني. وكانت نسبةٌ منه تباع إلى شمال غرب سوريا أيضاً، بعد تصفيته بما يسمى “الحراقات” البدائية، ونسبةٌ أخرى إلى النظام السوري عبر تجارةٍ داخلية، من خلال أشخاص موجودين على طرفيّ مناطق السيطرة. هناك شخص يدعى أبو دلو، من طرف قوات سوريا الديمقراطية، تقابله عائلة القاطرجي التي كانت تستلم هذه التجارة من طرف النظام.
٤ :لماذا يستحوذ النفط على هذه الأهمية الكبرى في مستقبل سوريا، وخاصة في مرحلة إعادة الإعمار، وما هو مستقبل القطاع النفطيّ في البلاد؟
قد يكون القطاع النفطيّ، بكل تأكيد، رافعةَ التعافي الاقتصادي في سوريا، لأن إصلاحه ليس مكلفاً كثيراً، هذا في حال حدثت تسويةٌ مع شمال شرق سوريا، تسمح باستفادة الجميع من النفط، وإعادة تأهيل هذا القطاع. فالمبالغ التي يحقّقها تفوق أضعاف المبالغ التي تحصل عليها الحكومة السورية حالياً من كلّ مصادرها مجتمعة. لكن هناك عدّة معوقات.
يعاني القطاع النفطي في سوريا من مشكلةٍ مركبة، تكمن في أنه، هل ستستطيع حقول النفط إنتاج كميات ما قبل الحرب؟ برأيي، الكميات التي يمكن استخراجها انخفضت بشكل عام، لأسباب كالقصف الذي استهدف الآبار، والإنتاج بطرق غير سليمة، كعدم سد البئر كما يجب. كذلك قد يتسبب القصف بتحركات جيولوجية، ويؤدي إلى تسرّب النفط إلى طبقات لا يمكن الاستخراج منها. وقد يحدث العكس أحياناً، تصبح الكميات التي يمكن استخراجها أكبر. إنما بشكلٍ عام، تصبح الكمية أقل.
المعوق الآخر قانوني، وهو أمرٌ سنتناوله في نشرتنا المقبلة “سوريا بالأرقام” في شركتنا الاستشارية، الشعار للاستشارات، وهو أن هناك شركات توقفت عن العمل وما زالت تطالب بالعودة إلى رقعتها (بلوك) النفطية، كشأن شركة “غولف ساندز بتروليم”، في الرقعة ٢٦. من وجهة نظرهم، ما يتم استخراجه حالياً من رقعتهم غير مشروع، ومن حقهم العودة إليها. لكن هناك شركات أخرى، ذات موقفٍ مختلف ربما، يقولون إنها غادرتْ بداعي الحرب ولا تريد العودة.
وقد تكون المشكلة القانونية مركّبةً أكثر، بمعنى، هناك رقع قد تريد شركاتٌ أجنبية العودة إليها، لكن النظام السوري (سابقاً) وعد بها جهاتٍ أخرى، بالدرجة الأولى روسيّة. لكن حتى الإيرانية، على سبيل المثال، الرقعة رقم ١٢ في البوكمال، أو شركات روسية مثل بيلادا وميركوري، التي وُعدت برقع نفطية، كانت شركات أخرى تستخرج منها قبل ٢٠١١.
هناك معوق آخر أيضاً، هو العقوبات. هناك عقوباتٌ قطاعية على النفط، بمعنى، إن كان هناك شركة راغبة في العمل في سوريا، بصرف النظر عما إذا كانت معاقبة أم لا، أو تعمل مع طرف معاقب أم لا، فلن تستطيع العمل في هذا القطاع، بسبب العقوبات المفروضة على القطاع بأكمله، سواء أكان من قبل الاتحاد الأوروبي أو أمريكا. (جمد الاتحاد الأوربي بعد إجراء هذه المقابلة العقوبات القطاعية في مجال الطاقة)
٥: هناك حديثٌ عن نقاشٍ بين هيئة تحرير الشام وقوات سورية الديمقراطية التي تسيطر على مناطق إنتاج النفط، حول تقاسم الإنتاج. ما هي في رأيك القسمة العادلة بين المركز وبين الإدارة الحالية، أو أيّة إدارة قادمة للمنطقة الشرقية، التي يشكو سكانها من إهمالها على مدار عقود؟
أتوقع أن يكون شكل تسوية الحكومة المؤقتة مع قسد: لا مركزية خفيفة جداً، وقد لا تُسمى بذلك حتى. لكنني استبعد للغاية أن يتم الرضوخ لمطالب قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، التي تطالب بالحصول على ٥٠٪، على رغم أنّ حوالي ثلاثة ملايين شخص مقيمون في مناطقهم، مقارنةً بأكثر من ثمانية عشر مليوناً في المناطق الأخرى من سوريا. استبعد حصولهم على هكذا تنازلات، وأتوقع أن تكون تلك التنازلات شكلية.
٦ :في عام 2005، توقع صندوق النقد الدوليّ أن ينفد مخزون سوريا من النفط بين ٢٠٢٠ و٢٠٣٠. في استقراءٍ حديث ، تتوقع نضوب مخزون النفط في البلاد بحلول العام ٢٠٥٨، على ماذا اعتمدتم في استقرائكم؟
هناك عدة تنبؤات، تقوم منهجيتها على أمرين؛ الاحتياطيات المتوفرة حالياً (وقدرها ٢.٥ مليار برميل، حسب آخر تقييمٍ في عام 2010) وكمية الاستخراج، ما يعني: كم عدد السنوات التي نحتاجها، وفق مدى استخراجٍ محدد، حتى ينضب النفط بشكل كامل.
ما اعتمدنا عليه في تنبؤنا، هو حقيقة أن الإنتاج انخفض للغاية مؤخراً، وبذلك سيكون النضوب في مرحلةٍ زمنيةٍ أبعد، وتحديداً في العقد الآتي بعد عام ٢٠٥٠. لكن هناك نقطةً لم نستطع أخذها بعين الاعتبار، لأنها لا تزال غير معروفة، وهي: من المتوقع أن يكون الاحتياطيّ النفطيّ في سوريا قد انخفض بسبب القصف الذي حدث على الآبار النفطية (١.٨ مليار برميل في ٢٠٢٤).
سليمان عبدالله
صحافي سوري مقيم في ألمانيا، يكتب في مواضيع الهجرة والنقاش العامة المرتبطة بالهوية والعنصرية والفن.
كرم الشعار، باحث سوري-نيوزيلندي، يحمل شهادة الدكتوراة في الاقتصاد، يعمل كاستشاري مستقل، وكباحث خبير غير مقيم في معهد نيولاينز، وكشريك مؤسس في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية. عمل سابقاً كباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، وكمحلل خبير في وزارة الخزانة النيوزلندية، وكمحاضر عن السياسة في الشرق الأوسط.
حكاية ما انحكت
——————————–
الوضع الراهن: قراءةٌ استراتيجية (واشنطن)
وائل ميرزا
كمية الشماتة والتشفي البائسة الصادرة عن بعض (السوريين)، مع خبر احتمال (لايزال احتمالاً) عقد جلسة لمجلس الأمن، مخزية، فضلاً عن كونها طفولة ًسياسية.
سوريا، في وضعها الجديد، محميّةٌ بتوازن رعب استراتيجي لايسهلُ لأحد اختراقه بشكل ٍ كبير. لماذا؟ لانه ليس من صناعة لا أحمد الشرع ولا السوريين الثوار، وإنما هو واقع ٌجيوبوليتيكي تكوّن بأثر التغيرات الجذرية التي حصلت في المنطقة خلال السنوات الماضية، وبلغت ذروتها مع الشهور القليلة السابقة.
كل الضغوط الممكنة على سوريا مؤقتة، وتهدف لشراء الوقت بغرض صياغة الترتيبات الإقليمية الكبيرة، وترتيب أدوار وأوزان اللاعبين فيها.
مؤقتة ببساطة لأن أي تطويلٍ فيها سيؤدي لانفجارات إقليمية لاقِبَل لأحد في المنطقة على تحمُّل تَبِعاتها. وهذا أمرٌ محسومٌ في كل مراكز الأبحاث والدراسات العالمية الرصينة، هنا في واشنطن، وفي عواصم أخرى مؤثرة.
أولاً: أيُّ (زعزعةٍ) في المنطقة هي في صالح عودة الدور الإيراني الباحث بلهفة عن انتقامٍ شرسٍ من جملة قوى إقليمية وعالمية، يخلط كل الأوراق التي شاركت تلك القوى في ترتيبها بشكلٍ منهِك.
ثانياً: لم يكن للتغيير في سوريا أن يحصل في توقيتٍ أفضل بالنسبة للسعودية. وحجم الأعباء الهائلة السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية التي رفعها التغيير السوري عنها لايدرك أبعاده سوى قلائل. خاصةً في ظل سعي السعودية لملء دورها الإقليمي الكبير القادم.. وهذا ماقد يفسر للبعض الاهتمام السعودي الكبير بسوريا، بل والتحالف الاستراتيجي القادم معها.
ثالثاً: تدرك أوروبا، أكثر من غيرها، معنى الانفجار في سوريا، وماحولها (أزمة اللاجئين مثالاً فقط). وفي ظل إعلان المستشار القادم لألمانيا عن البدء بسياسة (الاستغناء عن أميركا)، يبدو واضحاً أن آخر همٍ تبحث عنه أوروبا حالياً هو الغرق في مثل تلك الأزمات.
رابعاً: كل الدول العربية الرئيسة، ومعها تركيا، تدرك مستتبعات تفجير سوريا. وصدور بياناتها لتأييد الوضع الجديد فيها، لاينبع حصراً من (العلاقات الأخوية)، ولكن عن إدراك عميق لحجم التحديات التي ستعانيها جميعاً في حال حصول ذلك.وأدوار قطر وتركيا تحديداً ، ستكون في غاية القوة، سيما لجهة استغلال علاقاتها الخاصة مع الولايات المتحدة.
خامساً: تدرك إسرائيل كل تلك الصورة بأبعادها المعقّدة. وتدرك أكثر أن الخطر الوجودي عليها سيكون أكثر جديةً مما رأته من أهوالٍ في الصراع مع ح.م.اس المحاصرة من العالم بأسره. بل وتدرك إمكانية انقلاب معادلات الخصومات والتحالفات، حتى بين السوريين وإيران، في حال يقين السوريين بانهيار حلمهم الراهن.
ثمة عناصر أخرى في هذه المعادلة المعقدة للغاية يطول الحديث فيها.. لكنها بمجملها تشكل عقدةً سياسية استراتيجية من الغباء السياسي التفكير بحلها من خلال ضغطٍ على سوريا يؤدي لانفجارها.
والمذهل في الموضوع أن بعض السوريين يتعاملون مع الوضع في بلادهم غافلين كلياً عن تلك الصورة، وكأنما سوريا جزيرة معزولة في أحد المحيطات البعيدة.
وهم غافلون أكثر ، تحت ضغط الأيديولوجيا وخصوماتها الصبيانية، وغرقِهم فيما هو آني وعاجل، عن حجم الأوراق المتوفرة لدى القيادة السورية، وفسحة الخيارات والسيناريوهات المتوفرة لديها مع تطورات الأوضاع خلال الأسابيع والشهور القادمة.
الفيس بوك
———————————–
Ahmad Nazir Atass
ادوات الحرب في مواجهة ادوات الدولة
اولا- فخ الموقف
يطلب مني الناس ان اتخذ موقفا. ويظنون ان كتاباتي هي عبارة عن مواقف بخصوص هذا الحدث او ذاك وبخصوص هذا الشخص او ذاك. من يدخل عالم السياسة ويعتقد ان وظيفته هي اصدار مواقف فانصحه ان يعيد الحسابات، ما يعتقد انه سياسة هي مجرد علاقات عامة. الذي عنده علاقات عامة وتهمه صورته فقط هو الذي يتخذ مواقف ويصدر بيانات شجب وتأييد مثل الاحزاب السورية، التي تعتقد انها تشتغل بالسياسة كما يقولون. الانسان المحدود بمواقفه هو انسان متناقض. فالحياة ليست ابيض واسود، او كما يقولون الحلال بيّن والحرام بين. لا يوجد هناك اي شيء واضح. الواضح الوحيد هو هدف الانسان او المجموعة او المؤسسة. وهؤلاء اذا اضطروا الى اتخاذ مواقف فستكون مواقفهم حسب مشروعهم وليس حسب اخلاقهم او مبادئهم. لا يوجد في السياسة اسوأ من الموقف المبدئي، انه فخ لا يخرج منه الانسان. انظروا مثلا الى مؤثري وسائل التواصل. لقد بدؤوا منذ ثلاثة ايام بمواقف واضحة اما تحريضا على العلويين او تحريضا مع العلويين. وبعد يوم وجدوا انفسهم وسط مجزرة وهم اطراف فيها. اصبح الاستمرار على نفس الموقف مستحيلا لانهم لو فعلوا فسيصبحون مشاركين في المجزرة. مباشرة غيروا الاهتمام ووجدوا شغلة اخرى يتخذون معها او ضدها مواقف مثل قتلى الامن العام او قتلى المدنيين او الفلول او غيرهم من الشخصيات العامة، والان انقذهم الاحتفال بالاتفاق الغامض بين الجولاني وعبدي.
ثانيا- المشروع اولا واخيرا
الى من يعتقد انه مع مشروع الدولة، لا تخلط بين الدولة وبين الاشخاص. لا تطبل للجولاني او لجماعته. فهؤلاء يريدون مصلحتهم وموقعهم على رأس شيء يشبه الدولة يجعلهم متماهين مع الدولة. الدولة هي مجموعة من المؤسسات وليست مجموعة من زعماء المؤسسات. التطبيل لشخص يستلم المؤسسة لا يعني ابدا تقوية المؤسسة. وانما تكون تقوية المؤسسة بوضوح مهامها وصلاحياتها، بوضوح ادواتها وبروتوكولاتها، وبوضوح اهدافها ورؤيتها. اذا كنت مع الجيش مثلا فاطلب منه ان يكون كجيش وان يتصرف كجيش وقيّمه على هذا الاساس. يعني اذا الجيش لا يزال ينقل جنوده على بيك أبات بيضاء تويوتا فهو ليس جيشا، انه فصيل. واذا كان الجيش ليس لديه قيادة موحدة وتنسيق بين ارتاله فهو غرفة عمليات للفصائل وليس جيشا. واذا كان الجيش يعتمد على صحفيين هواة يأخذهم معه ليتحدثوا عن الفتح العظيم على الكفار فهو ليس جيشا وانما شبكة علاقات عسكرية مرتبطة مع شبكة علاقات اعلامية. واذا كان الجيش يعتمد على المشايخ من اجل التجييش لفزعة طائفية فهو ليس جيشا وانما فصيل جهادي اسلامي شعبوي.
ليس لدي موقف من عملية عسكرية كبيرة فيها جنود ومدنيين وتحارب ضد جنود ومدنيين. هذه مأساة قيد الوقوع. لو قلت لا تقتلوا المدنيين فسيقفز جماعة التطبيل للجولاني ليقولوا ان القتلى من الفلول. ولو قلت لا تستخدموا الطائفية للتجييش فسيقفز جماعة التطبيل للسنة ليقولوا وهل امتنع جيش الاسد العلوي عن استخدامها. ولو قلت ان تفعيل المشايخ وشبكاتهم سيؤدي الى مجزرة فان جماعة الانفصال العلوي سيأخذون كلامي على انه دليل على حقد السنة المتأصل. عندما اكتب بوست عن فشل الجولاني كدولة في التعامل مع تحدي الساحل، اتلقى مائة طلب صداقة من علويين (كثير منهم يتكلمون بشكل طائفي) يعتقدون اني السني الوحيد المعارض لطائفته ومائة شتيمة من سنة (طائفيين ايضا) يقولون باني امثل الاجندة الايرانية. ونفس الشيء يحصل مع بوست يمس الدروز او المسيحيين. والحقيقة اني تحدثت عن الدولة وليس عن الجولاني كشخص او عن العلويين كأشخاص.
ثالثا – ادوات الحرب وادوات السلم والدولة
ليس من اختراعي لكنه مفهوم عميق، لكل مرحلة خطابها وادواتها واهدافها وديناميكيتها واقتصادها وحتى اشخاصها. الحرب لها تحويجتها، والسلم له تحويجته. وفي الحقيقة فان الحرب في سوريا اصبحت منظومة متكاملة قائمة بذاتها. والكلمة صادمة، لكن يمكننا التحدث بسهولة عن فلول النظام وفلول الثورة، وكلاهما من تحويجة الحرب ويجب التخلص منهم. النظام سقط لانه تحول بالكامل الى ماكينة حرب وفقد بنيته وهرميته واقتصاده. وعندما قرر المجتمع الدولي التخلص منه طرحت تركيا فكرة الجولاني وهيئته كبديل زاعمين انه مرن اكثر من الاسد ويستطيع التأقلم مع متطلبات المرحلة (الاسد راح لانه كان غير مرن). لكن التحدي الاخير اثبت بالنسبة لي ان الجولاني من تحويجة الحرب وليس من تحويجة السلم. وتقييمي مبني على الملاحظات التالية:
ـ انه يريد احتكار السلاح على كافة الاراضي السورية دون اعطاء ضمانات كافية ودون التصرف كدولة.
-ان قواته محشوة بالعقيدة الطائفية التي نفعتها اثناء الحرب واصبحت عائقا لها اليوم لانها لا تفهم معنى المواطنة المتساوية (حتى الجولاني تكلم عن المسامحة وكأنه يهبها للناس بينما الجميع طالب بمؤسسة عدالة).
– عندما خاف على حكمه استخدم اداة الفزعة والجهاد وهي اداة حرب عند الفصائل وليست اداة دولة. حتى الاسد استخدمها اثناء الحرب وكانت وبالا عليه. واليوم سببت مجازر كما كانت تفعل اثناء الحرب.
– تحدي الساحل كشف التركيبة الفصائلية لما يسمونه الامن والجيش. فكانوا ارتالا غير منضبطة ولا تنسيق بينها. وتستخدم سلاح الدوشكا على التويوتا القميء. تبدأ كل معركة بغطاء من طلقات الدوشكا التي تخرم الجدران وتخيف الناس.
– كدولة، فشل الجولاني في قراءة توجهات منطقة جغرافية كاملة وبالتالي التعاون معها وحمايتها (ضعف في بناء علاقات وتشارك). والامر الذي سينقذه ربما هو ان العلويين اثبتوا فعلا انهم لا يريدون عودة الاسد، الا فئة من انصار النظام البائد قادت التمرد.
– فشل في اشراك الاخرين (خاصة الخبراء) في عملية بناء الدولة والمؤتمر الوطني واقتصر على هيئته (لا بل طلب بكل عدم خبرة قبول الطرائق كما قبلتم التحرير) معتبرا ان المرحلة تقتضي الانسجام، وهو مطلب حربي.
– ليس عنده اية رؤية لاصلاح مؤسسات الدولة غير الخصخصة غير المنضبطة وطرد الموظفين عشوائيا. وهذه تماما تكتيكات الفصائل حين استلموا حوكمة المناطق.
– حوّل البنك المركزي الى مؤسسة صرافة ومضاربة بالعملة.
– فريقه الديبلوماسي صغير جدا ومحدود الخبرة والعلاقات، وهو بالاساس فريق امني.
– يحكم بقرارات من الاعلى وليس عنده اي اطار دستوري او قانوني. تماما مثل امير الحرب. واصبحت اعتقد انه لا يفقه فيهما شيئا. بدأت التناقضات القانونية تطفوا على السطح وهذا سيعرقل اي تقدم اقتصادي وسياسي.
—————————-
في الطائفية.. أين هي مصالحنا؟/ ماهر سليمان العيسى
الطائفية عرفها ابن خلدون قبل حوالي 800 عام باعتبارها (عصبية) أو عصبة، عادة ما تتشكل كوحدة اجتماعية متمايزة، ومن شروط تكوينها أن تكون محدودة (أقلية) تواصلية ترابطية، تضامنية، أو جماعة صغيرة تتمتع بنمط، أو هوية خاصة، أو كيان صغير داخل النسيج الاجتماعي الوطني، تتكون تحت يافطة الأعراف أو الدين أو العقيدة أو المذهب أو الإرث المشترك، وهذا شكل أو طبيعي ومقبول في المجتمعات الوطنية عامة، ولكن غالباً تربط مصالحها وامتيازاتها بما تضمّ إليه الأطراف النافذة داخل هذه الجماعة، لتجعل من هذه الجماعة أداة دفاع عن هذه المصالح والامتيازات، وهذا ما يتيح أن تتغول هذه الأطراف النافذة داخل هذه الجماعة الطائفية أولاً، وإن استطاعت على باقي النسيج الاجتماعي الوطني. محتمية ومغلفة مصالحها وما تفعله باعتبارها مصلحة الجماعة الطائفية ذاتها، فتدفعها للانكماش والتكور حول هذه المصالح وكأنها رمز لقوة الطائفة أو رصيدها. وهذا ما يتبدى بشكل خاص حين تكون هذه الجماعة الطائفية معزولة، أو هامشية، اقتصادياً، وسياسياً، وثقافياً، في النسيج الاجتماعي الوطني العام.
وعلى وجه العموم، يمكن القول إن (الطائفية ليست موقفاً دينياً أو عقدياً محضاً) ويمكن أن تحمل معانٍ أخرى حسب حاجة وفعالية الأطراف النافذة في الجماعة الطائفية وواقع هذه الجماعة الموضوعي ضمن النسيج الاجتماعي الوطني العام.
وفي واقعنا السوري كي لا نستمر بالحديث نظرياً، فهو مجال للتحليلات والرؤى المختلفة، هناك مجموعة ملاحظات تقترب من كونها حقائق أساسية لفهم الظاهرة وما يؤثر فيها أهمها:
1- السنة ليسوا طائفة في سورية، ولا يمتلكون مواصفات الطائفة الأقلوية وشروط تكوينها، لأنهم الغالبية العظمى والعمود الفقري للمجتمع السوري وللدولة الوطنية السورية، ويتوزعون على أشكال انتظام أخرى أكثر تأثيراً في نسيجهم لتحقيق التضامن والترابط والتأثير المشترك والمتبادل … الخ، مثل الانتظام المديني (المناطقي)، أو القبلي، أو الأيديولوجي السياسي …الخ
2- سورية دولة محيطية المدن والتجمعات السكانية (كل المحافظات السورية محافظات حدودية باستثناء حماة ومحافظة مدينة دمشق) وهذا يعني، حجم التأثير المتبادل بين المحافظات الحدودية وما يحدها من دول يصل أحياناً إلى أن يكون أكبر من تأثير المدن والمجتمعات السورية على بعضها مثال(درعا والأردن) ، (دير الزور والعراق)، (ريف دمشق ولبنان)، …. الخ وهذا ما يُمَكّن من الاختراقات والتأثير غير المتحكم به وغير المرصود غالباً.
3- الطوائف السورية (الأقليات) هي تاريخياً جماعات سكانية ريفية، ما يعني دمج وتركيب التمايز الطائفي على الصراع الاعتيادي بين الريف والمدينة بكل ما يجره هذا الصراع من مشاكل حتى في المجتمعات المتمدنة جداً (في أوربا)، وهي وضعية كثيراً ما ضاعفت حجم الانكماش أو التناقض، وساهمت مساهمة مهمة في بناء سردية المظلومية.
4- في الطوائف الدينية السورية الأكبر هي طائفة العلويين، يمكن القول إنه دينياً هناك علويين وليس هناك علويات، لماذا؟ لأن هذا المذهب الطائفي الباطني لا يعتبر المرأة مكلفة بالدين، ولا تُعلّم المرأة أسرار الدين (الباطنية). وهذا ما كثف جرعة الذكورية في هذه الطائفة من جهة، وحرر المرأة من تبعات الالتزام الديني من جهة أخرى، ولكنه من جهة أهم كثف مفهوم (العصبة) أو العصبية التضامنية لملئ الفراغ والتعويض على ما هو عقدي وديني بين أبناء هذه الطائفة ذكوراً وإناث.
5- العلويين هم أضعف الطوائف الإسلامية وأكثرها شحاً في الرصيد الفقهي والديني، حيث كان ينقل التعليم الديني مشافهة دون كتب أو مرجعية علمية، بل يمكن القول أن الغالبية الساحقة مما يعرف بمشايخ العلويين أقرب للأميين. وبالتالي ليس هناك موروث فكري يمكن أن يقارع أو يناظر.
6- عندما كنا نتحدث عن النظام السابق فالنظام السابق وحتى العام الأول من الثورة السورية (بعد هذا العام تحول إلى مجرد برغي في الماكينة الإيرانية والروسية) كان يتشكل بالتحديد من (مؤسسة الرئاسة “الرئيس وحاشيته وعائلته” + قيادات أجهزة الأمن الرئيسة + مراكز القوى والقيادات العليا داخل الجيش).. هذا المزيج القاتل هو النظام السوري السابق، وهو حصراً من كان يتحكم بكل أشكال القرارات السيادية في البلاد ” سياسية، أو أمنية، أو عسكرية، أو اقتصادية، بل وحتى الإدارية” وهذا المزيج القاتل كان علويا وطائفيا بامتياز، أما البقية من جهاز حكومي أو أطراف رديفة، فهي مجرد لوازم تنفيذية لا بد منها مهما كانت انتماءاتها الطائفية، ولكن : هذا لا يعني أن هذا المزيج الطائفي كان ممثلاً للطائفة العلوية أو أنه كان ينفذ برنامجاً سياسياً أو أجندة لخدمة مصالح الطائفة العلوية، بل على عكس ذلك هي من كانت في خدمته، و كان يعتبرها الخزان البشري الأهم الذي يستطيع أن يستخدمه ويضحي بأفراده حين اللزوم لإنجاز المهمة الوحيدة التي كانت تهمه، وهي بقاءه واستمراه.
7- منذ اليوم الأول وخلال أيام الثورة السورية، أطلق (المزيج القاتل) سياستين موجهتين الأولى: إلى عموم فرق الشبيحة الرديفة له في مختلف المناطق، ولأوساط الطائفة العلوية بشكل خاص لتوريطها وغمسها وتلويثها أكثر في عملية الصراع وبالتالي الدفاع عنه، فكانت مجموعة من الإعفاءات والتجاوزات والامتيازات التي وصلت إلى أن يحق لمن يقاتل دفاعاً عن النظام استباحة كل ما تصل إليه يده، مادامت هذه الاستباحة تخدم الهدف الرئيس وهو الدفاع عن النظام، وهذا أصل ظهور ظاهرة “التعفيش” و” أسواق السنة” التي شهدها السوريون جميعاً. أما السياسة الثانية فكانت الماكينة الدعائية ” على رأسها ما عرف بالجيش الإلكتروني ليشكل أكبر سحابة ضبابية طائفية باتجاهين، الأول ليخلق حالة الرعب والخوف لدى (الخزان البشري) العلوي، والاتجاه الثاني ليثير أكبر استفزاز ممكن لدى الطرف الثاني ويجعله ينزلق إلى أدنى مستوى من الخطاب الطائفي المتشنج، خصوصاً بعد أن لاحظ غياب القيادة الموحدة سياسياً وإعلامياً في أوساط الثورة. وهذ ما خلق كرة ثلج تضخمت تدريجياً، حتى أضحى الخطاب الطائفي وإعلان البعض عن طائفيتهم بصيغتها الحاقدة والعنصرية دون فهم أو وعي مجالاً للمنافسة والتباهي بعد أن كان كما يجب أن يكون لدى البشر الطبيعيين “عار يجب ستره “.
8- لابد من الإقرار بأن نظام الشبيحة الطائفي قد أدار معركته كما أراد، بل وتحكم بردود أفعال أطراف من أهل الثورة وتوجيهها، بما يخلق الأجواء التي يحتاجها، وبشكل خاص في أوساط العلويين، ولولا التوافق الدولي على إقصائه، والحاجة لتغييره لما كان أحد منا في دمشق اليوم. وستكون ثالثة الأثافي اليوم أن يستمر بعد أن سقط وهرب في توجيه سلوكنا لما هو مناقض لمصالحنا الوطنية وأن ننساق إلى ما يريد وكأننا بلا عقول، ولا إدراك.
9- السؤال الأهم اليوم، لماذا فعل الفلول ما فعلوه، ولماذا اختاروا هذا التوقيت؟.
مهم أن نفهم أنه من غير المتوقع أن يحاول هؤلاء (الفلول) استعادة النظام السابق ولا يمكن أن يكونوا بمثل الغباء الذي يعجز عن قراءة حجم التغير الذي حصل في سورية، ولكن ما جرى يشير إلى أننا الآن في “المرحلة الأولى” من خطة الرد الإيرانية لإعادة بناء ميزان القوى الذي أسقط مشروعها بكامله، والتي تشير إلى تحالف الفلول بمن فيهم عموم فلول (إيران) في سورية فمن نواجههم اليوم ليسوا فلول نظام آل الأسد فقط، الواضح أنهم سيحاولون خوض حرب عصابات طويلة الأمد – فيها كر وفر – للأهداف التالية:
الأول – إثارة القلاقل والتوتر لأطول فترة ممكنة لتشويش صورة النظام الجديد وإسقاط صفة (النظام القوي) عنه، فهذا أصلاً ما يبحث عنه الغرب للسيطرة وضبط الوضع في سورية، وإظهاره كنظام طائفي وضعيف وعاجز. ما سيكون هناك تردد في دعمه وتسهيل إدارته دولياً.
الثاني – استعراض قوة لشد عصب وإعادة تجييش بشكل خاص من كانوا منخرطين في (الدفاع الوطني) كمصدر رزق، وعموم الحاضنة الاجتماعية (الطائفية) التي انفضت عنهم بعد أن شعرت بالهزيمة والخذلان من نظام آل الأسد الذي ضحت من أجل بقائه بالكثير ظناً منها أنه حصراً من يحميها. وإعادة تشكيل أسطورة مظلوميتها التي يعاد إحيائها، بوضعها كدرئية بشرية، وبالاستفادة مما فرضه وضع حل الجيش والأجهزة الأمنية ومنظومات الشبيحة والموظفين الوهميين (أي الوضع الذي كان يشكل مصدر رزق رئيس لشريحة وازنه منهم). فهؤلاء لم يتبخروا، وما زالوا قابلين للتجييش.
الثالث – القناعة لدى هؤلاء أن استمرار هذا الوضع طويلاً، وضمن عملية تقسيم عامة، ستسوق باعتبارها الحل الوحيد المتاح، قد يساعد في نهش جزء من الجسد السوري، على شكل دويلة مستقلة، أو كانتون، أو حتى إقليم فيدرالي. أو أ ن يفرضوا العفو عنهم والتسوية لأوضاعهم بأسوأ الاحتمالات. وهذا هو الهدف الإيراني الرئيس. الذي يتلاقى مع الهدف الإسرائيلي الرئيس.
هذه الأهداف المرحلية من الخطة (الإيرانية) والتي تتقاطع (للمفارقة) مع مصالح استراتيجية إسرائيلية، بل وتساهم فيها إسرائيل على طريقتها وعبر أدواتها.. لقناعتها بأن محصلة (التقسيم الذي سيتم !!) سيضمن لها ما تريد.. ولهذا حتى ولو أخمد هذا التمرد للفلول، فلن تنتهي القضية، وسيكون لديهم كرة أخرى، وأخرى، فهم يريدون استثمار هذه الفترة العصيبة التي تمر بها بلادنا، فهل نعين عدونا على أنفسنا؟! باستخدامنا لخطاب طائفي متشنج وموتور؟؟..
الآن، أين هي مصالحنا كسوريين، وكيف يمكن أن نعمل عليها، وماذا يجب أن يكون عليه موقفنا كسوريين تجاه هذه الظاهرة، وكيف يمكن أن نتعامل معها؟ هذا السؤال الذي يجب أن تجيب عليه عقولنا وليس غرائزنا.
الفيس بوك
—————————————
ملاحظات
حازم السيد
اليوم يبكي علويون أهلهم ومدنهم وقراهم بعد المجزرة والدم الذي سال من عروقهم ليسري في مستقبلنا. يبكي آخرون، من الشمال السوري، أبناءهم، شباب الأمن العام، اليافعين ممن لم يعرف من سوريا الجديدة إلا رصاص أيتام الأسد وكمائنهم. يسيل الدم ليبكي هؤلاء ويعود شبح السنوات الماضية ويذكّر الملايين، أغلبيتهم الساحقة من السوريين السنة، بتلك الدمعات التي ذرفوها بصمت وباختناق السنوات المديد، وبأنه لا بد من البكاء بل والعويل.
يبكي بعضنا، من أبناء الوطنية السورية، تلك الفرصة الضائعة التي خلقها سحر انهيار النظام وتلك الطاقة الهائلة للانتماء إلى مقولة سوريا كوطن لجميع السوريين، والتي أهدرتها سلطة، لا أستطيع حتى اليوم أن أجزم إن كانت جدتها وقلة كفاءتها أم (…) سينيكيتها أم مزيج من كل ذلك هو ما دفعها لإدارة اللحظة بهذه الطريقة السوداء. رغم كل محاولات سلطة اليوم لاستدراك ما قامت به، أعتقد بأننا قد بددنا أغلب طاقة الانتماء السحرية هذه وأننا اليوم على عتبة مسار جديد عديم السحرية وأكثر قسوة، ولا يمتلك إلا حسنة إظهار الواقع، الذي خلقته سنوات الثورة والحرب الأهلية، كما هو، مجرد فرصة جديدة يجب أن تشق فيها “القلة” الباقية من أبناء الوطنية السورية طريقها لبناء وطن من رمل الركام.
آخرون، من غير المسيسين والعاطفيين، ممن مسهم سحر الأيام الماضية، يبكون سوريا وذلك القدر الذي ربطهم بها، وهم محقون، فلا شيء يقول بأننا نستحق بلادا بهذه القسوة وانتماء لا يشبه إلا المتاهة والسراب. بالمقابل، يجب أن لا ننسى بأن هذه اللحظة مسكونة بنخب نزقة، وبمثقفين وإثنيات وطوائف، من السنة والأقليات، ممن يحولون لحظة البكاء هذه إلى لحظة للاستثمار في مشاريع الطوائف، كما الحال مع بعض نخب الثورة، ممن باتوا يستحقون لقب طليعة سوريا الأموية والسنية السياسية، ومن مثقفي التنوير العسكري، الذين يبدو حزنهم مطعماً بالبهجة لانتصار مقولاتهم الهزيلة، الرثة والجاهلة، عن الكيان المعطوب والملعون أو عن الجوهر الفاسد .
بكل الأحوال، لا بد من البكاء، ومن البكاء طويلا، قبل معاودة النظر في ذلك الخراب المديد، كي نبدأ سنوات من الكلام ومن الحوار ومن التواصل، على أمل أن نستعيد بعض عزمنا وأن نجتمع يوماً ما كأنداد على طاولة، نتفاوض لكتابة عقد اجتماعي والتأسيس لدولة تسمح بإطلاق مسار تحويلنا إلى شعب سوري واحد
——————————