الهلال الأحمر السوري بعد سقوط الأسد.. هل يتخلص من إرث الفساد ويستعيد نزاهته؟

2025.03.13
دمشق – مصطفى عبد الحق
عمل النظام المخلوع طوال السنوات الماضية على تسخير منظمة الهلال الأحمر العربي السوري لخدمة أجنداته، حيث كانت المنظمة تسهم في دعمه بمليارات الدولارات، كونها كانت البوابة الحصرية للحصول على أموال المساعدات الخارجية.
وعقب سقوط الأسد، بدأ العمل على إعادة هيكلة الهلال الأحمر، الذي حاول التركيز على مساعدة المعتقلين والأسر النازحة، لكنه لم يسلم من بعض الاتهامات بالسرقة والفساد.
وشهدت منظمة الهلال الأحمر حالات فساد إداري ومالي واسعة النطاق، بالإضافة إلى المحسوبيات، فقد تم توظيف معظم العاملين والمتطوعين بناء على علاقاتهم مع شخصيات نافذة في النظام، أو محسوبين على أفراد ذوي نفوذ داخل المنظمة.
“حبوباتي” تاجر المساعدات
لعب الهلال الأحمر دوراً رئيسياً في التواطؤ مع نظام الأسد لسرقة المساعدات، خاصة خلال فترة زلزال شباط 2023، إذ استغلت المؤسسة المساعدات الكبيرة التي وصلت من مختلف الدول لمساعدة منكوبي الزلزال وقامت بسرقتها، بحسب تقارير حقوقية.
في عام 2016، استلم خالد حبوباتي رئاسة الهلال الأحمر، ومنذ ذلك الوقت ارتبطت المنظمة بنظام الأسد بشكل مباشر، في حين فقدت أي مؤشر على استقلالها بعد 2011، عندما جمّدت حكومة النظام السابق انتخابات الهلال الأحمر إلى أجل غير مسمى، وتخلّصت من أعضاء الإدارة المستقلين، وفصلت طاقم العمل المؤهل.
وخلال رئاسة حبوباتي، أسهمت المنظمة في دعم النظام المخلوع بطريقة غير مباشرة، بنحو 30 مليار دولار، دُفعت منها رواتب قواته ومستلزمات أجهزة المخابرات، وذلك عبر تسخير الهلال الأحمر كبوابة حصرية للحصول على أموال المساعدات، إذ اشترط نظام الأسد على جميع وكالات الإغاثة توقيع اتفاق مع الهلال، باعتباره الشريك الحكومي الرسمي.
واخترق عناصر المخابرات، الذين قدموا أنفسهم كمتطوعين، صفوف المنظمة، في حين تعرض طاقم العمل والمتطوعون، الذين خرقوا قواعد السياسة الجديدة، للسجن والتعذيب وحتى القتل، بحسب التقرير.
وفي ظل ضلوع خالد حبوباتي في قضايا فساد، أصدرت الحكومة السورية المؤقتة قراراً بتعيين محمد حازم بقلة مديراً لمنظمة الهلال الأحمر السوري، بدلاً من حبوباتي، الذي كان يحتفظ بمنصبه منذ عام 2016.
سلل إغاثية ناقصة
عقب سقوط نظام الأسد، أعلنت عدة دول إنشاء جسور جوية وبرية لإرسال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وعلى رأسها السعودية وقطر.
ويتولى الهلال الأحمر ملف توزيع المساعدات على الأسر السورية وفق معايير تستهدف الأكثر احتياجاً، لكن كثيراً من العائلات اشتكت من عدم حصولها على مساعدات أو من وجود نقص في السلال الغذائية التي استلمتها.
وقال يحيى خير الله، من سكان بلدة خان أرنبة بريف القنيطرة، إن مساعدات ناقصة جرى توزيعها في شعبة الهلال الأحمر بالقنيطرة، حيث استلم كثيرون سلالاً غذائية معبأة في أكياس سوداء بدلاً من الكراتين الخضراء التي تُرسل فيها المساعدات عادة من السعودية، إضافة إلى أن مكوناتها كانت تختلف عن المكونات الأساسية التي أرسلتها الرياض للشعب السوري.
وأضاف خير الله، لموقع تلفزيون سوريا، أنه استلم سلة غذائية تحتوي على: علب فول (2)، معكرونة (7)، حلاوة (2)، تمر (1)، بطانيات (2)، في حين استلم قريبه قبل شهر سلة غذائية من السعودية معبأة ضمن كرتونة، وتضم: أرز بسمتي (7)، حلاوة (2)، تونة (10)، تمر (2)، زيت (2)، ملح (1)، سكر (3)، حليب معلب (15)، جبنة (10)، فول (10)، زبدة (2).
ولفت خير الله إلى أن بعض حالات الفوضى وقعت في أثناء توزيع المساعدات أمام شعبة الهلال الأحمر في القنيطرة، حيث تدافع بعضهم وسرقوا سلالاً غذائية من دون أن تكون أسماؤهم مدرجة ضمن قوائم المستحقين، ما أدى إلى حرمان كثير من الأسر المحتاجة بسبب نفاد الكميات، مطالباً بوجود جهة أمنية تتولى تنظيم عمليات التوزيع.
أما أحمد لبابيدي، من سكان حي الشعار بحلب، فرفض استلام السلة الغذائية بعدما تفاجأ بأنها تحتوي فقط على كيس طحين وكيس سكر، مضيفاً أن شقيقه سجّل لدى الهلال الأحمر لكنه لم يحصل على أي مساعدات، رغم أن لديه عائلة من خمسة أشخاص ووضعه المادي مزرٍ.
وأشار لبابيدي، لموقع “تلفزيون سوريا”، إلى أن كثيراً من مساعدات الهلال الأحمر تُباع على البسطات في الطرقات، قي حين يُحرم منها العديد من الأسر، مضيفاً أنه “لا أستطيع الجزم بأن متطوعين في الهلال الأحمر سرقوا المساعدات وباعوها للتجار، أو أن بعض العوائل التي استلمت المساعدات ليست بحاجة إليها وقامت ببيعها، لذا يجب التحقيق في الموضوع”.
وأعلن الهلال الأحمر توزيع مساعدات غذائية وغير غذائية لنحو 142 ألف عائلة في المحافظات السورية، خلال شهري كانون الأول والثاني الماضيين، بدعم من شركائه الإنسانيين، وبالتنسيق مع المجتمع المحلي لضمان اختيار العائلات المستحقة والوصول إليها.
الهلال الأحمر يعلّق على سرقة المساعدات
ووفق مبادئ القانون الإنساني، يتوجب على المنظمات الإنسانية المشرفة على الأنشطة الإغاثية حول العالم الالتزام بسبعة مبادئ، وهي: الإنسانية، عدم التحيز، الحياد، الاستقلال، الخدمة التطوعية، الوحدة، والعالمية.
وبحسب دراسة لمركز “جسور للدراسات”، في شباط 2018، بشأن أهلية الهلال الأحمر بعد 2011 وفق هذه المبادئ، تبين انتهاك المنظمة لخمسة منها، والتزامها فقط بمبدئي الخدمة التطوعية، إذ لم يثبت أن سرقة المساعدات من المتطوعين جرت بشكل مؤسسي، ومبدأ العالمية، الذي يرتبط بالحركة الدولية أكثر مما يرتبط بالجمعيات الوطنية.
وتعليقاً على الاتهامات التي طالت الهلال الأحمر بسرقة المساعدات، قال رئيس شعبة الهلال في المنطقة الوسطى بالغوطة الشرقية، عصام مرزوق، لموقع “تلفزيون سوريا”، إن منظمة الهلال الأحمر تشبه أي مؤسسة في الدولة، ولا بد من وجود بعض ضعاف النفوس في مفصل معين ضمن هذه المؤسسات، لكن هذا لا يعني بالضرورة فساد جميع العاملين في المنظمة.
وشدد مرزوق على أنه عقب سقوط نظام الأسد، حصلت بعض التغييرات الإدارية في منظومة الهلال الأحمر، ما انعكس بشكل إيجابي على ضبط المحسوبيات والفساد والرشاوى، ولا سيما بعد زوال الأسد، الذي كان له الدور الأبرز في إغراق جميع المؤسسات بالفساد.
في السياق ذاته، قال المسؤول الإعلامي في الهلال الأحمر، عمر المالكي، إنه كان هناك حوالي 860 ألف عائلة مسجلة لدى الهلال الأحمر قبل سقوط النظام، وجميعها كانت ضمن معايير الاستحقاق. ومع عودة النازحين واللاجئين وخروج المعتقلين، ازدادت أعداد الأسر المحتاجة، إضافة إلى أن النطاق الجغرافي لعمل الهلال الأحمر توسع في سوريا.
وفي حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، أضاف المالكي أنه في ظل هذا الواقع الجديد، فإن المساعدات التي تصل إلى الهلال الأحمر لا تستوعب كل تلك الأسر، وبالتالي يتم توجيه المساعدات نحو الأسر الأكثر احتياجاً، “لكن الكثير من الأسر لا تقدر هذا الأمر، وتظن أننا حرمناها من المساعدات قصداً”.
وأشار المالكي إلى أن اللجان المحلية في القرى والبلدات والأحياء داخل المدن تقوم برفع قوائم بأسماء الأسر المحتاجة إلى فروع الهلال الأحمر، ووفق حجم المساعدات المتوفرة، يطلب الهلال من تلك اللجان اختصار القائمة وانتقاء الأسر الأكثر احتياجاً.
ولفت إلى أن أعضاء اللجان المحلية يرشحون القائمة النهائية، التي قد تحتوي على أسماء عوائل من طرفهم قد لا تكون بأمسّ الحاجة إلى المساعدات، في حين يتم حذف أسماء عوائل محتاجة، ما يتسبب في حرمان كثير من الأسر من المساعدات.
وأكد المسؤول الإعلامي في الهلال الأحمر أن معايير الهلال في توزيع المساعدات ثابتة منذ أيام النظام ولم تتغير، ومن ضمن هذه المعايير وجود (إصابة، مرض مزمن، إعاقة، غياب المعيل، وغيرها)، مع إدخال قوائم جديدة ضمن فئة المستهدفين، كالمعتقلين السابقين.
المعتقلون شريحة جديدة مستحقة
حرم نظام الأسد أهالي المعتقلين والمغيبين قسراً من المساعدات، وعقب سقوطه، خرج كثير من المعتقلين من السجون، وأصبحوا اليوم ضمن الفئات المستهدفة في الإغاثة والدعم من قبل الهلال الأحمر.
وقال عصام مرزوق، رئيس شعبة الهلال في المنطقة الوسطى بالغوطة الشرقية، إن العوائل القادمة من الشمال السوري أو الخارجين من المعتقلات يتم تسجيلهم ضمن شعبة الهلال التي تتبع لها العائلة حسب مكان إقامتها، بشرط تقديم وثيقة سند إقامة، وإثبات أن الأسرة كانت مهجّرة في الشمال السوري أو في بلدان اللجوء.
وأضاف مرزوق أن المعتقلين لديهم كذلك أولوية في الحصول على المساعدات، مشيراً إلى أن كثيراً من السوريين لا يملكون وثيقة تثبت أنهم كانوا معتقلين، لذا تقوم شعب وفروع الهلال الأحمر بالتأكد من ذلك عبر الاستفسار من المخاتير ورؤساء البلديات.
ولفت مرزوق إلى إشكالية تواجه الهلال الأحمر في توزيع المساعدات، تتمثل في أن بعض الأسر التي عادت لتفقد منازلها، سجلت لدى الهلال ثم عادت مجدداً إلى الشمال السوري ريثما تعود الخدمات. وبالتالي، حين تصلها رسالة المساعدات، قد لا تكون موجودة أو لا يتوفر شخص ينوب عنها لاستلام السلة الإغاثية. “لذا نضطر لمنحها لمستحق آخر حتى لا تتكدس المساعدات في المستودعات، لكن المشكلة أنها حين تعود العائلة إلى منطقتها، تصطدم بإشكالية مع موظفي الهلال مطالبة بحصتها”.
ولا تقتصر خدمات الهلال الأحمر للمعتقلين على تقديم السلال الإغاثية، بل أطلق أيضاً خدمات الرعاية النفسية والاجتماعية
، بهدف مساعدة المعتقلين السابقين وعائلاتهم على العودة إلى حياتهم الطبيعية، وتجاوز التجارب السلبية، وتسهيل اندماجهم في المجتمع.
كما أرسل الهلال الأحمر فرقاً تطوعية
إلى بعض منازل الناجين من المعتقلات، لتقييم احتياجاتهم الصحية والمعيشية، وبعد التقييم، وفر المتطوعون للمعتقلين السابقين معاينات طبية، وتحاليل، وصوراً شعاعية، وأدوية لعلاج بعض الأمراض.
وخصص الهلال الأحمر أرقام تواصل مع فروعه في مختلف المحافظات السورية، ليتمكن المعتقلون السابقون من تسجيل طلب الحصول على خدمات الرعاية النفسية والاجتماعية.
وعقب سقوط الأسد، خصص الهلال الأحمر استمارة
لمساعدة المعتقلين السابقين على التواصل مع عائلاتهم والأسر التي تبحث عن أحد أحبائها، بهدف المساهمة في لمّ شمل العائلات.
استجابة لأحداث الساحل
مؤخراً، تسببت أحداث الساحل السوري في سقوط عشرات القتلى والجرحى، ما دفع الهلال الأحمر إلى إطلاق خطة استجابة طارئة لانتشال الجثث وإسعاف الجرحى وتقديم المساعدات الطبية والإغاثية.
وفي تصريحات لموقع “تلفزيون سوريا”، قال رئيس الهلال الأحمر السوري، حازم بقلة، إن الهلال أطلق استجابة طارئة عبر 25 فريقاً يضم 100 متطوع من محافظات طرطوس، واللاذقية، وحماة، وإدلب، وحمص، ودمشق، وتضمنت الاستجابة 25 آلية، بينها سيارات إسعاف، لتقديم الخدمات للأهالي وفق عدة أولويات.
وأضاف بقلة أن فرق الهلال الأحمر عملت على الوصول إلى عدد من الجثامين لتسليمها إلى ذويها، وأجرت تقييماً لأوضاع العائلات التي اضطرت إلى النزوح، ورصدت احتياجاتها.
من جهته، قال المسؤول الإعلامي في الهلال الأحمر، عمر المالكي، إن تصاعد الاشتباكات في الساحل السوري أعاق عمل الهلال الأحمر وأسهم في تأخير استجابته في بعض المناطق، مشيراً إلى أن فرق الهلال حصلت على موافقات من الحكومة السورية للدخول إلى مناطق الساحل والقيام بعمليات الاستجابة.
خدمات متنوعة
عقب سقوط الأسد، أعاد الهلال الأحمر افتتاح فروع وشُعب له في المناطق التي كانت خارج سيطرة النظام، وعلى رأسها مدينة إدلب، وبدأ العمل على توسيع نطاق خدماته.
وتشمل خدمات الهلال الأحمر العديد من الأنشطة، أبرزها: الخدمات المجتمعية، الرعاية الصحية والنفسية، الاستجابة للكوارث، تأمين المياه وإعادة التأهيل، التوعية بالمخاطر، الدعم الإنساني، وبرامج سبل العيش.
يشار إلى أن منظمة الهلال الأحمر السوري تأسست عام 1942، وهي منظمة معترف بها من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف، ويقع مقرها الرئيسي في دمشق، ولها 14 فرعاً موزعاً في جميع المحافظات، إضافة إلى 75 شعبة تابعة للفروع.
تلفزيون سوريا