نقد ومقالات

الصفات في العربية/ رشيد سكري

هل تحتاج اللغة العربية إلى مركبات اسمية ذات بناء وصفي؟ أم مجرد ذكر التقابلات التعبيرية، في الصرف والوزن، كاف لأن تخلق لذاتها ذلك الانسجام التوزيعي للصفات. تعمل هذه الأخيرة في التركيب، بل تعمل أيضا في توزيعية الإيقاع التعبيري. فمهما حاولنا أن نتخلى عن طبيعة الصفالصفات في العربية/ رشيد سكرية، في اللغة العربية، نجد أنفسنا مجبرين على تمحيص هذه الصور الناتجة عن فك شيفرات التعبير. بمعنى أن كلمات العربية في جوهرها صفات، تدخل في التركيب من أجل إنتاج الدلالة. يرى الباحثون أن موقع الصفات في العربية بعدية؛ أي تأتي بعد الموصوفات، لكن بنيويا الصفات تسبق الموصوفات. هذا ما أقره الفاسي الفهري عندما تحدث عن الرتبة بين الصفة والموصوف. وبما يضمن اتساق الكلام وانسجامه في العربية، فإن البناء السطحي، حسب الفهري، تأتي فيه الصفة بعد الموصوف، أما في الرتبة الأصلية فالعكس هو الصحيح.

ففي قائمة بأسماء اللغات، التي تستعمل النمطين معا، نجد: اللغات الرومانية والفرنسية والإيطالية والإسبانية، باستثناء اللغة الإنكليزية، التي تكون فيها الصفة قبلية ـ أي أنها تسبق موصوفها. علاوة على ذلك، فالتركيبة البعدية للصفات تفرض إيقاعا خاصا على البناء ككل، ولا يغادر البناء العربي البتة التوازن الموسيقي، بهدف حمل اللغة على تركيز المعاني. إننا هنا على حمل التطابق الكلي بين الصفة وموصوفها؛ تذكيرا وتأنيثا وإفرادا وتثنية وجمعا. ففي هذه العلاقة التركيبية السياقية فالكلمة المصدرية، التي تتصدر الكلام تفرض إيقاعها على باقي الكلمات، التي تأتي من بعدها سياقا وترتيبا. وبهذا كان المسعى حثيثا، لنادية العميري، إلى تجديد الوظائف الوصفية، عندما ربطت بين المصدر والهدف. فعندما نقول «وردة حمراء» فالصفة هنا هي الهدف؛ لأنه على غرار الوظيفة التي تقوم بها داخل المنظومة، تولد الكثير من السياقات، خدمة لإطار المصدر. وبهذا التساوق، تكون توليدية نعوم تشومسكي قد حطت رحالها على خط مواز للصفة البعدية في العربية؛ لأن هذه الأخيرة ذات ميسم توليدي ـ انفجاري. إلا أن بُعد التوليدية عند تشومسكي تتمأسس على مبدأين اثنين هما: الكفاءة اللغوية والأداء. فالكفاءة اللغوية، هنا، مرتبطة بسلسلة عميقة من التحويرات في البناء اللغوي، ومن ضمن هذه الشبكات، التي تعنى بتوليد طاقات تجددية للغة، نجد الصفات وعلاقتها بموصوفاتها. ومن هذه الزاوية وجهت التوليدية سهامها وطعناتها للسلوكية والبنيوية، كإطارين سطحيين في تعاملهما مع المعرفة والدلالة.

من هذا الباب كان المقترح، الذي جاء به الفاسي الفهري، بخصوص الصفات في اللغة العربية القبلية منها البعدية، يسعى نحو تفسير التباين الموجود في ترتيب الصفات، وأثره البليغ في إنتاج المعنى وتوليده. فالصفة القبلية غير ملزمة بالمطابقة الفعلية للموصوف، وهذا ما يدفع إلى اختبار دور الإضافة في سياق الوضوح والتجلي. نقول:

«لذيذ المذاق» فالصفة هنا حكمها الرفع، بينما الاسم المضاف حكمه الجر. في هذا التركيب يرى الفاسي الفهري من الواجب الموازنة بين الصفة القبلية والبعدية، من حيث إن هذه الأخيرة تكون بمثابة أسماء مملوكة، تظهر في بداية التركيب.

فـ»مذاق هذا الطعام لذيذ» أو «هذا الطعام مذاقه لذيذ» تبقى الصفة، في كل الحالات، خالية من التعريف، وفي ذلك مسعى لغوي يهدف إلى البحث عن التوازن بين الصفات وتراكيب الملكية. فضلا عن ذلك نطل على توزيعية الصفات حسب متوالياتها، فالتوزيعية، هنا، تقضي ذكر التقييم والحجم والشكل واللون والجنسية أيضا. ففي مثال «الكرة المغربية الصفراء المستديرة الجميلة» نلاحظ مدى ارتباط الرأس الاسمي بكل صفة من الصفات المتوالية. فالرأس الاسمي محمول مع كل صفة، فالكرة المغربية والكرة المستديرة والجميلة.. فتوزيعية الرأس الاسم يتدخل في تراكيب جديدة تغني البناء اللغوي، من هذه الزاوية تدخل توليدية نعوم تشومسكي، وتوزيعية هاريس في متواليات صوتية ورمزية، تسعى نحو تفجير اللغة من الداخل؛ لأن شكلها، حسب تشومسكي، ذو بنية قاعدية، مرتبطة شديدا بالمتواليات التعبيرية.

إلا أن الإشكال، الذي يطفو على السطح، من خلال توزيعية الرأس الاسمي على الصفات، التي تعنى بالشكل واللون وغيرها، متمثل في عدم استكمال دورة المعنى، ليظل هذا الأخير معلقا، ما دفع بالفاسي الفهري إلى أن يرتب بين الاسم والصفة، بيـْد أن المركب الاسمي المعرف، يعتبر من مسوغات الابتداء في العربية. فهل الصفة، في هذا المقام الجلل، قادرة على أن تشغل المحل بالإخبار، وتساهم في رفع ستار اللبس عن المعنى؟ غير أن اختلافا يسود الحد والطرف في علاقة توتر، فالأسماء المؤنثة لفظا تستدعي صفة أو صورة للمذكر. الحد والطرف متنافران. فمعاوية، وطلحة، وعنترة، وحمزة، وعميرة تستدعي صفات للمذكر، كما أن صفات للمذكر لها إحالة على المؤنث؛ حامل وطالق.

أخيرا، تعد الصفة في اللغة العربية مجالا خصبا للتركيب والتأويل، وبذلك تفتح الصفات الباب على مختلف المدارس التي تعنى بالأسلوب اللغوي. فالرأس الاسمي يتحكم في باقي المحمولات الأخرى، لا لشيء إلا من أجل خلق توزيعية تغني التركيب والدلالة، فالدور إذن، للصفة يحظى بالأهمية القصوى في بناء اللغة وتداولها.

كاتب مغربي

القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى