التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 18 أذار 2025

———————————————-

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

——————————

في خطر تقسيم سورية/ غازي العريضي

18 مارس 2025

المعلومات الواردة من إسرائيل عن سورية أن وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس يقول: “هاجمنا أربعين هدفاً عسكرياً في جنوب سورية لتطبيق السياسة التي أعلنّا عنها لإحباط التهديدات ضدّ إسرائيل، وسندافع عن سلامة الدروز في المنطقة، وعندما يفتح (الجولاني) عينيه كلّ صباح سيرى الجيش الإسرائيلي يراقبه من جبل الشيخ، وسيتذكّر أننا هنا. سنحافظ على (المنطقة الآمنة) وعلى جبل الشيخ، وسنضمن أن تكون هذه المنطقة في جنوب سورية منزوعة السلاح، وسنوثّق العلاقة مع سكّان المنطقة، وسنبدأ يوم 16 آذار بالسماح للعمّال السوريين بالعمل في المناطق الجديدة التي سيطرنا عليها برواتب ومخصّصات خيالية” (هذا الكلام ردّ واضح على تحذير وليد جنبلاط من خطر المشروع الإسرائيلي التفتيتي، ودعوته إلى الحفاظ على وحدة سورية، رافضاً أن تسوّق إسرائيل نفسها حاميةً للدروز هناك، مع الإشارة إلى أن 16 مارس/ آذار هي ذكرى اغتيال القائد كمال جنبلاط).

وتقول القناة 12 الإسرائيلية: “هدف التقسيم المناطقي في سورية منع سيطرة النظام الجديد، وضمان القدرة على التحكّم في عدّة مستويات من الحدود حتى دمشق. المؤسّسة الأمنية ترى أن تحرّكها في سورية من الدروس المستفادة من هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول 2023)، عبر التحرّك بشكل استباقي”. وتضيف: “40 ألف مدني سوري يوجدون الآن في المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل في سورية. وتقديرات الأجهزة الأمنية تشير إلى أن خلايا أمنية كثيرة فيها. كلّ منزل سوري يحوي أسلحةً، والجيش مستعدّ لاحتمال وقوع عمليات أمنية مفاجئة، ونحن نمتلك سيطرةً ناريةً وقدرةً على المراقبة حتى العاصمة دمشق”.

أمّّا ما يقال في دوائر القرار الإسرائيلي، الأمنية والسياسية؛ “الشرع غير قادر على ضبط الوضع. نحن نتعاطف مع العلويين والمسيحيين، لكنّ للدروز وضعاً خاصّاً، وهم كوّنوا (لوبي) مؤثّراً ضاغطاً في مراكز صنع القرار. ولذلك قرّرنا تقديم دعم بقيمة مليار دولار لمناطقهم في الشمال (والشمال هنا بات يمتدّ من الجليل الأعلى إلى الجولان والأراضي السورية الجديدة المحتلّة، وتلك المحيطة بها؛ السويداء مروراً بلبنان)، وينبغي العمل على تفكيك النفوذ الإقليمي لوليد جنبلاط “؛ “ما جرى في الساحل السوري حماقة”؛ “لجنة التحقيق في الأحداث، والإعلان الدستوري، يدلان على الاستئثار”؛ “الاتفاق مع الأكراد ليس ثابتاً”؛ “لن نقبل التمدّد التركي في سورية ونحن نراقب بدقّة التحرّكات التركية هناك”؛ “نحن على تواصلٍ مع المسؤولين الأميركيين ومراكز الدراسات والأبحاث لشرح مخاطر ما جرى وما يجري في سورية، ولإطلاعهم على العمليات العسكرية التي نفّذناها وسننفّذها، وأهدافها وأبعادها”.

ماذا تعني هذه العناوين والتوجّهات السياسة الإسرائيلية في سورية؟ … بوضوح، لا تريد إسرائيل رؤية سورية موحّدةً أو مستقرّةً أمنياً وسياسياً، وتقول علناً وتنفّذ يومياً أقوالها، بضرب مقوّمات الدولة كلّها لمنع النظام من السيطرة، ولتنفيذ المشروع التقسيمي. بطبيعة الحال، ستتأثّر دول الجوار بهذه السياسات والأهداف. ولذلك هي معنية بمواجهتها. لن يقف تقسيم سورية عند حدودها. تسعير الصراعات المذهبية والطائفية ستكون له تداعيات على لبنان خاصّة، وعلى بقية الدول، بهدف إضعافها وتفكيكها، وهذا يستوجب، أولاً، إدراك السلطة الجديدة في سورية هذه المخاطر كلّها، والعمل المباشر لتفكيك ألغامها، بدءاً بحوار جدّي مفتوح مع المكوّنات كلّها، وتعزيز شراكة حقيقية على مستوى الحكم وإدارته، ومعالجة آثار ما جرى في الساحل لتبديد مخاوف المقيمين هناك، وغيرهم في مناطق أخرى، والتعامل بدراية وواقعية مع الحساسيات المذهبية والطائفية، فكيف إذا كان المشروع الإسرائيلي واضحاً، ويعلنه أركان دولة الاحتلال بوضوح؟

ثانياً، إدراك العرب، كلّ العرب، أنهم معنيون بمواجهة هذا الخطر، لا سيّما الذين أيّدوا الإدارة الجديدة في سورية، والمبادرة إلى تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي والإعلامي والمالي والاقتصادي لها بسرعة، لتتمكّن من مواجهة التحدّيات المذكورة، والمحافظة فعلياً على وحدة الأرض والمؤسّسات. وثالثاً، استيعاب تركيا لضرورات الاتفاق مع الأكراد وتعزيز دور الإدارة الجديدة، والتأكيد على خصوصيات الأكراد وترسيخ انتمائهم إلى الدولة السورية على قاعدة الاتفاق الذي تمّ معهم.

ويجب (رابعاً) أن تبادر الدول الأوروبية وأميركا إلى إعطاء فرصة للإدارة الجديدة، رغم ملاحظاتٍ أبداها أعضاء في مجلس الأمن حول ما جرى في الساحل السوري، ولو كان من باب ردّة الفعل على ما فعلته أدوات النظام السابق في محاولة انقلابية واضحة. أمّا خامساً، فيجب إدراك أن ما جرى في جنوبي سورية، وتلاعب إسرائيل بمسألة الأقلّيات، وادّعاء حماية الدروز، واستهداف دور وليد جنبلاط الذي يواجه ذلك، لا تقع مسؤولية التصدي له على عاتق هذا الرجل وحده. فلا بدّ من احتضان عربي لموقفه، حمايةً لموقف الموحّدين الدروز في تلك المنطقة، الرافضين استخدام إسرائيل لهم، ولحماية وحدة سورية، ووحدة البلاد العربية كلّها، المستهدفة إسرائيلياً بمواقف معلنة وواضحة، يطلقها المسؤولون في حكومة نتنياهو.

العربي الجديد

—————————-

مَن يرفع العلم الأخير؟: السويداء ودمشق بين الفصائل والتوازنات الهشّة/ تمام صيموعة

17-03-2025

        منذ سقوط نظام الأسد، توالت زيارات الوفود من السويداء إلى دمشق، حيث شهِد قصرُ الشعب لقاءات متكررة بين ممثلين عن المحافظة والقيادة الجديدة في العاصمة. التصريحات الصادرة عقب هذه الاجتماعات كانت تؤكد دائماً على تعزيز التنسيق بين الجانبين، والسعي إلى رسم إطار جديد للعلاقة بين دمشق والسويداء في ظل المتغيرات الإقليمية والتطورات الداخلية التي تشهدها البلاد.

        كانت الزيارة الأولى لوفد من السويداء إلى دمشق بعد تسعة أيام من سقوط الأسد، حيث التقى ممثلون عن القيادات المحلية بقائد إدارة العمليات العسكرية آنذاك، أحمد الشرع، قبل توليه منصب الرئاسة. ضمّ الوفد شخصيات عدة، من بينها سلمان الهجري، نجلُ الشيخ حكمت الهجري، وكانت هذه المرة الأولى والأخيرة التي يحضر فيها نجل الشيخ ضمن هذه اللقاءات في دمشق.

        خلال الفترة الأولى ما بعد التحرير، كثّفت دمشق من حضورها في السويداء عبر سلسلة زيارات قام بها ممثلها والقائم بأعمال المحافظة مصطفى بكور إلى فعاليات محلية ودينية. تبادلُ الوفود بين المدينتين كان نشطاً، لكن وفق مصادر خاصة للجمهورية.نت، لم تكن تلك اللقاءات بروتوكولية فقط، بل نوقشت فيها فيها ملفات أمنية وعسكرية، إذ وضعت دمشق الملف العسكري في السويداء كأولوية، ما جعلها تكثّف من تواصلاتها مع الفصائل المسلحة المؤثرة، مثل حركة رجال الكرامة، ولواء الجبل، وليث البلعوس. وفي المقابل، بدا موقفها أقل حماسة تجاه الشيخ حكمت الهجري، الذي لا يمتلك جسماً عسكرياً خاصاً به، ما جعله خارج دائرة اللاعبين المفضلين لديها.

        وفي الوقت الذي سعت فيه دمشق إلى ترتيب أوراقها في السويداء عبر الفصائل فقط، بقي الموقف من سلطاتها متحفظاً لدى القوى المدنية المحلية، خاصة في ظل تضييق دائرة احتكار السلطة وغياب أي بوادر فعلية لنهجٍ مختلف في المسار السياسي.

        *****

        في 24 شباط (فبراير) عاد مشهدُ الوفود بين السويداء ودمشق يتكرّر، ولكن في سياق مختلف. حرّك تصريحٌ لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول استعداد بلاده «لحماية الدروز» التساؤلاتَ حول ملف السويداء وعلاقتها مع دمشق، وظهر بعد ساعات قليلة من التصريح وفد من السويداء في دمشق مجتمعاً مع الرئيس أحمد الشرع، شملَ عدداً من ممثلي الفصائل، وعلى رأسها ممثلي حركة رجال الكرامة ولواء الجبل، أكبر فصيلين عسكريين داخل المحافظة، إضافة إلى الشيخ سليمان عبد الباقي وليث البلعوس.

        كرم منذر، أحد أعضاء الوفد، أكد للجمهورية.نت أن اللقاء لم يكن ردّاً مباشراً على التصريحات الإسرائيلية، بل جاء امتداداً لسلسلة اجتماعات سابقة مع مسؤولين في وزارة الدفاع، وعلى رأسهم «أبو البراء»، المسؤول في وزارة الدفاع بحسب منذر، بالإضافة لوزير الدفاع مرهف أبو قصرة. لكن رغم ذلك، لم تغب التصريحات الإسرائيلية عن الجلسة، وإن لم تكن عنوانها الرئيسي.

        في حديثه، أشار منذر إلى أن جميع الحاضرين اتفقوا على رفض الطرح الإسرائيلي وأي مشاريع تقسيم، بل إن النقاشات ذهبت أبعد من ذلك؛ إذ سأل منذر الرئيسَ الشرع عن الموقف الدولي حيال الجنوب، وعن ما إذا كانت سلطة دمشق قد أبرمت أي اتفاق سري بخصوص ذلك، وكان الرد حاسماً: «التمدد الإسرائيلي مرفوض ولا يوجد أي اتفاق أو تواصلات بشأنه، والأجواء العربية والأوروبية غير متحمسة له». وأنهى منذر حديثه بالقول: «حتى لو كانت هناك اتفاقيات دولية للتقسيم، نحن لن نقبل بها».

        وبحسب منذر، حَمل موفد حركة رجال الكرامة مطلباً رئيسياً لهذا اللقاء، وهو فتحُ معبر تجاري مع الأردن، والردُّ على هذا الطلب لم يكن مباشراً، إذ لم يرفض الشرع الفكرة بشكل صريح، لكنه قدّم بديلاً عنها وهو سوق تجارية حرة داخل السويداء بدلاً من إقامة معبر: «الكلمات كانت دبلوماسية، لكن الرسالة كانت واضحة: المعبر ليس خياراً مطروحاً الآن». وانتهى الاجتماع مع إدراك الحاضرين أن ملف العلاقة بين دمشق والسويداء ما زال في طور التشكّل.

        كانت التداولات مطمئنة إذاً، لكن خلفها خطوات أعمق يجري العمل عليها، أبرزها ما تسعى إليه السلطة بالتعاون مع وزارة الدفاع: إعادة هيكلة الفصائل، ورسم ملامح جديدة لما سيبدو عليه المشهد الأمني والعسكري في الجنوب.

        في اليوم نفسه الذي أطلق فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصريحه حول «حماية الدروز»، انتشر في السويداء خبر آخر، أكثر محلية، لكنه لا يقل أهمية: إعلان تشكيل «المجلس العسكري في السويداء». في الفيديو التأسيسي، ظهر مجموعة من الضباط المنشقين، وعساكر سابقين في جيش النظام، إلى جانب مدنيين مسلحين، يعلنون تأسيس المجلس، ويحملون أعلاماً زرقاء عليها خريطة سوريا، تتشابه بالشكل مع علم قوات قسد شمال شرق الفرات.

        لم يتأخر الأمر طويلاً حتى بدأت مقاطع فيديو أخرى لمجموعات مسلحة من قرى مختلفة بالظهور معلنة ولاءها للمجلس الجديد، في مشهد أعاد إلى الأذهان بدايات التشكيلات العسكرية خلال السنوات الأولى من الحرب، في حين أن المجلس، الذي أعلن أن العقيد المنشق طارق الشوفي هو قائده، لم يقدّم تفاصيل واضحة حول هيكليته العسكرية أو اختصاصاته، لكنه كان واضحاً بأنه غير راضٍ عن الصيغة التي تحاول دمشق رسمها لعلاقتها بالمحافظة الجنوبية.

        الجمهورية.نت حاولت التواصل مع الشوفي مباشرة، لكن لم تتلق رد، كما أرسلنا أسئلة إلى الصفحة الإعلامية للمجلس لكنها بقيت دون إجابة. وبعد محاولات عدة، نجحنا أخيراً في تحديد موعد للقاء ممثل عن المجلس شرط عدم الكشف عن اسمه، وذلك لمحاولة فهم أهداف تأسيس المجلس وخططه للفترة القادمة.

        *****

        في الثالث من الشهر الجاري توجهنا إلى السويداء لإتمام اللقاء، وعند دخول المدينة شاهدنا إحدى سيارات الأمن العام تتجول في شوارعها، في مشهد بات اعتيادياً في دمشق لكنه غير مسبوق هنا، حيث لم يُعلن رسمياً عن أي اتفاق يَسمح بوجودها، ولم يسبق أن سُمح للأمن العام بالتحرك بحرية داخل المحافظة منذ سقوط  نظام الأسد.

        وعند لقاء ممثل المجلس العسكري بدا القلق واضحاً في صوته. لم يُخفِ غضبه مما اعتبره خطوة غير منسقة، مؤكداً أن دخول هذه السيارات إلى السويداء «لم يكن محل تفاهم مسبق»، ومع مرور الدقائق بدأت الأخبار الواردة تجعل الأجواء مشحونة؛ السيارات وعددها سبع، لم تأتِ مباشرة من دمشق إلى السويداء عموماً، بل قُدّمت عبر اتفاق مع حركة رجال الكرامة خلال اجتماعهم الأخير مع دمشق، على أن تُستخدم لتعزيز الضابطة الشرطية والأمن الجنائي، ويكون عناصرها وسائقوها من أبناء السويداء. لكن بالنسبة لمسؤول المجلس العسكري، لم يكن الأمر بهذه البساطة: «هذه ليست هدية للمحافظة… هل السويداء بحاجة إلى هذه السيارات؟ هذه محاولة من دمشق للدخول إلى المدينة بشكل غير مباشر. هذه ليست سوى هدية فتنة»، مضيفاً أنه لو كانت السلطة صادقة في نواياها، لأعطت هذه السيارات للمؤسسات الرسمية، لا إلى فصيل بعينه. لم يطل اللقاء، إذ فضّل تأجيله مع تصاعد التوتر حول هذه القضية.

        بعد ساعات، لم يُبقِ المعترضون الأمر في نطاق التصريحات. تحركت مجموعات مسلحة لاعتراض السيارات، ونجحت في احتجاز اثنتين منها، في خطوة بدت كرسالة مباشرة لحركة رجال الكرامة: الاتفاق لن يمر بسهولة.

        استقدام سيارات الأمن العام دون إعلان مسبق، وفي ظل الأخبار الدموية القادمة من الساحل، بدا وكأنه استفزاز للقسم المتوجّس من شكل الحكومة في دمشق، إذ عزز هذا التزامن المخاوف من أن خطوات إعادة العلاقة إلى طبيعتها مع دمشق تجري وفق إيقاع لا يراعي حساسيات المرحلة، بل يفرض واقعاً جديداً دون نقاش. وبحسب مصادر خاصة تحدثت إلى الجمهورية.نت، فإن اجتماعاً لم يُعلن عنه انعقد في دارة الشيخ حكمت الهجري ببلدة قنوات، بهدف احتواء التوتر الذي تصاعد بعد اعتراض السيارات، وسط مخاوف من أن يتحول الأمر إلى صدام أوسع بين الفصائل، وحضره كل من شيخ العقل يوسف جربوع، الممثل الديني لعائلات مدينة السويداء، وشيخ العقل حمود الحناوي، الممثل الديني لعائلات الجنوب.

        المصادر ذاتها أكدت أن الاجتماع ركّز على كيفية تجنب أي خطوة قد تُفسّر كإملاء سياسي من دمشق على السويداء، خاصة مع حساسية الأوضاع بعد اللقاءات الأخيرة في العاصمة. وفي نهاية الاجتماع، تم التوصل إلى اتفاق مؤقت غير معلن يقضي ببقاء السيارات لدى حركة رجال الكرامة، ولكن دون تشغيلها أو السماح لها بالتجول داخل المدينة، حتى يتم التوصل إلى تفاهم رسمي بين جميع الأطراف المعنية.

        وفي بيان نشرته حركة رجال الكرامة بعد الحدث، حمّلت الحركة جهات لم تسمّها مسؤولية إثارة الفوضى، مؤكدة أنها اتفقت مع «مضافة الكرامة» و«تجمع أحرار جبل العرب» من جهة، ووزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة من جهة أخرى، على تفعيل الأمن العام في السويداء بكوادر محلية، بدعم وإمداد لوجستي من الوزارة. لكن ما بدا لافتاً في البيان هو الإشارة إلى أن التنسيق اقتصر على أطراف محددة، مثل سليمان عبد الباقي وحركة «رجال الكرامة»، متجاهلاً قوى أخرى فاعلة في المشهد على رأسها الشيخ حكمت الهجري، وهو ما اعتبره البعض خطوة استفزازية، خاصة في ظل حساسية التوازنات داخل المحافظة.

        *****

        استمرّت الحياة في السويداء كالمعتاد، مع ازدحام الأسواق وحركة المرور اليومية، كانت النقاشات تتصاعد في الدوائر المغلقة، وتتراوح بين الغضب والاستنكار والقلق مما يجري. في المقاهي وأماكن اللقاء، كان الجدل مستمراً حول حادثة السيارات وما تمثله.

        كثير من ناشطي المجتمع المدني عبّروا خلال أحاديثهم عن رفضهم لإيقاف السيارات، معتبرين أنها تعزز عزلة السويداء وتقطع أي إمكانية لتنظيم العلاقة مع دمشق وفق أسس واضحة، ورأوا في ذلك خطوة غير محسوبة، قد تزيد من تعقيد المشهد في المحافظة، خاصة أن العديد منهم، رغم اعتراضهم على سياسات السلطة الرسمية، لا يرفضون بالمطلق أي تواصل من شأنه أن يضمن استقرار المنطقة. لكن وسط كل هذا النقاش، كان هناك إجماع غير معلن: لا يوجّه أحد انتقاداً علنياً للشيخ حكمت الهجري، معتبرين أن أي انقسام داخلي قد يكون أخطر على السويداء من أي قرارات خارجية.

        بينما تستمرُّ النقاشات داخل الأوساط المدنية في السويداء حول العلاقة مع دمشق، يبرز تيار واضح يرفض القطيعة الكاملة مع السلطة المركزية، لكنه يتحفظ على سياساتها ويخشى من محاولاتها فرض الهيمنة.

        بشار سريوي، عضو مكتب التنسيق في الحركة السياسية الشبابية، رغم حضوره مؤتمر الحوار الوطني في دمشق ومشاركته في عدد من الجلسات داخل العاصمة، لا يُطلق على السلطات الرسمية هناك اسم «سلطة»، بل يصفها بأنها «إدارة مؤقتة» تفتقر إلى الأطر الدستورية التي تمنحها الشرعية الكاملة. لكنه في المقابل لا يرى في هذا سبباً لقطع العلاقة مع دمشق، بل يعتبر أن أي محاولة لتعطيل هذه العلاقة هي جزء من مشاريع تهدف إلى إضعاف الجنوب وعزله.

        يرى سريوي أن القوى داخل السويداء تنقسم إلى ثلاثة تيارات: الأول يؤمن بالمركزية ويدفع نحو تعزيز الارتباط مع دمشق، والثاني يدعو إلى الفيدرالية كخيار وسط، بينما يدعو الثالث إلى الانفصال الكامل.

        وبينما تواصل دمشق إعادة هيكلة الفصائل بالتعاون مع بعض القوى المحلية، فإن هناك أطرافاً تحاول عرقلة هذا المسار تحت شعارات مختلفة، وهو ما يراه سريوي محاولة لإبقاء الجنوب في حالة اضطراب دائمة. ويؤكد سريوي أن الموقف من دمشق تحكمه التحفظات، لا القطيعة، فهو يعارض ما يصفه بنهج «المنتصر والمهزوم» الذي تتبعه السلطة الحالية، لكنه يرى أن تعطيل العلاقة معها، أو البحث عن بدائل غير واقعية، لا يخدم مصلحة السويداء، لذلك، يعارض أي مشاريع تسعى لاستغلال الأوضاع الداخلية لإضعاف موقف المحافظة أكثر، سواء عبر ربطها بأجندات خارجية أو دفعها نحو مواجهات غير محسوبة.

        *****

        في اليوم التالي، عند الساعة الحادية عشرة صباحاً، كان موعدنا الجديد مع ممثل المجلس العسكري. اختار المصدر أن يتم اللقاء في مبنى رسمي قديم وسط مدينة السويداء، وعند الدخول، لم يكن المشهد متوافقاً مع الصورة التي يسعى المجلس العسكري إلى ترسيخها في بياناته؛ مكاتب متفرقة وأوراق متناثرة لا توحي بنظام واضح. بدا المكان وكأنه ما زال في طور التجهيز، ولا يعكس صورة الكيان العسكري المنظم الذي يسعى المجلس إلى تقديمها في بياناته.

        قال المصدر إن المجلس العسكري يضم 16 سرية، مع تزايد مستمر في العدد، ويعمل على توحيد الفصائل تحت مظلة عسكرية واحدة. لكن حين طُرحت الأسئلة حول حجم السيطرة الفعلية، بدت الإجابات أكثر عمومية؛ «المسائل اللوجستية ليست للنشر الإعلامي»، قال هذا مكتفياً بتأكيد فضفاض على وجود المجلس في أكثر من 20 نقطة عسكرية موزعة في أنحاء المحافظة.

        لم يكن حجم السيطرة وحده موضع الجدل، بل أيضاً بعض الوجوه التي ظهرت خلال إعلان المجلس. أحد الضباط السابقين في جيش النظام، والذي خدم في منطقة القطيفة بريف دمشق، حيث كانت تُطلق الصواريخ الباليستية باتجاه الشمال خلال السنوات الماضية، كان حاضراً في الاجتماع التأسيسي، وفتح حضوره باب التكهنات حول طبيعة الأدوار التي قد يلعبها مستقبلاً داخل المجلس، لكن المصدر نفى أي علاقة رسمية لهذا الضابط بالمجلس، موضحاً أنه حضر بصفته الشخصية، وأن الباب لم يكن مغلقاً أمام أي طرف لحضور الاجتماع. نفيه كان مباشراً، لكنه لم يحمل ما يكفي من الحزم لإغلاق باب الشكوك، خاصة أن هذا الظهور لم يكن الأول لشخصيات ذات خلفيات مشابهة في الجنوب السوري. وعن الجدل المرتبط براية المجلس العسكري، أقرّ المصدر بوجود تشابه بصري بينها وبين راية قوات سوريا الديمقراطية، لكنه رأى أن المسألة محصورة في البعد السوري: «نحن عرب سوريون»، قال، قبل أن يضيف أن إسرائيل، إن كانت لديها مشاريع فعلية في المنطقة، فهي ليست بحاجة إلى مغازلات أو تفاهمات، بل تستطيع فرضها على الأرض دون الحاجة إلى هذا الجدل.

        تشكل علاقة المجلس العسكري بالشيخ حكمت الهجري النقطة الأكثر غموضاً، حيث نفى الشيخ الهجري خلال لقائه الوفود الزائرة أي ارتباط رسمي بالمجلس، لكنه، بالنسبة للمصدر في المجلس العسكري، هو الأب الروحي للمجلس، وصاحب تأثير حقيقي: «إذا قرر حل المجلس، سينتهي». كل هذا يجعل من المجلس العسكري وكأنه كيان يتشكل في الهواء، هشٌّ أكثر بكثير مما يظهر في خطاباته المصورة.

        في اليوم التالي لإيقاف سيارات الأمن العام، دخلت مجموعات مؤيدة للشيخ حكمت الهجري إلى مبنى محافظة السويداء عند الساعة الثانية عشرة ظهراً، في خطوة بدت كأنها رفضٌ للتطبيع وردٌّ على وصول سيارات الأمن العام إلى المدينة دون إعلان مسبق. تزامن ذلك مع إنزال العلم السوري ورفع علم الدروز فوق المبنى، في إشارة واضحة إلى موقف مناهض للإجراءات المرتبطة بدمشق، كشف عمقَ التباينات داخل المدينة حول العلاقة مع دمشق، وأعاد طرح السؤال القديم الجديد: كيف ترى السويداء مستقبلها في ظل المعادلات الحالية؟

        في هذا السياق، يرى الناشط فادي الحلبي أن تبسيط الموقف تجاه دمشق إلى ثنائية «مع أو ضد» هو اختزال مخلّ بالواقع. بالنسبة للبعض، لا يمكن للمدينة أن تخرج من حالة الفوضى دون تعاون مع الحكومة، خاصة بعد عقد من الاضطرابات التي أنتجت كيانات مسلحة خارج أي إطار مؤسساتي. لكن في المقابل، يرفض آخرون هذا الطرح، معتبرين أن العودة إلى أحضان دمشق في ظل شكل السلطة الحالية تعني إعادة إنتاج المشكلات نفسها.

        بالنسبة للحلبي، المشكلة ليست فقط في الخيارات المطروحة، بل في الطريقة التي يُفرض فيها النقاش، حيث يتم تصوير أي موقف مستقل على أنه خيانة أو انحياز لمحور معين، وهو ما يعرقل أي محاولة للوصول إلى حل حقيقي، ويرى الحلبي أن ظهور المجلس لا يعكس حاجة ملحّة بقدر ما يعكس تدفقاً في التمويل، مشيراً إلى أن التشكيلات العسكرية التي سبقته لم تستطع فرض واقع جديد في المحافظة.

        يرفض الحلبي التصور الذي يقدّمه البعض على أن المجلس العسكري بات طرفاً حاسماً، معتبراً أن الحديث عن سيطرته على المحافظة «ادعاء مبالغ فيه»، إذ أن معظم المواقع التي يزعم السيطرة عليها كانت مقرات مهجورة لعناصر النظام. مضيفاً أن هذا النوع من الخطاب التضخيمي لا يعكس بالضرورة قوة فعلية، بقدر ما يعكس محاولة لفرض صورة ذهنية عن نفوذ غير مكتمل.

        أما عن المشهد الداخلي، فيرى الحلبي أن التوتر في السويداء لا ينبع فقط من الصراع مع دمشق، بل أيضاً من تعقيدات العلاقات بين القوى المحلية. أمراء الحرب، كما يسميهم، بنوا نفوذهم خلال السنوات الماضية، وأي محاولة لإعادة ترتيب المشهد تعني المساس بمصالح راسخة، وهو ما يجعل احتمال التصادم الداخلي أكثر قرباً مما يظن البعض. ويضيف أن التخوين المتبادل، إلى جانب البعد الديني الذي بدأ يتسلل إلى الخطاب، يزيد من خطورة أي صراع قادم، مشيراً إلى أن تاريخ السويداء مليء بالاقتتال الداخلي، والرهان على استثناء هذه المرحلة منه قد يكون وهماً خطيراً.

        *****

        في 11 من الشهر الحالي تكررت مشاهد إنزال ورفع الأعلام فوق مبنى محافظة السويداء دون حدوث أي تصادم، في تعبير واضح عن الانقسام حول العلاقة مع دمشق. فبعد إعادة رفع العلم السوري على المبنى، سرعان ما أُنزل مجدداً ليُرفع علم الدروز مكانه، وكأن المشهد بات مرآة للواقع السياسي في المحافظة، حيث لا يحسم أي طرف السيطرة بشكل نهائي.

        تزامن ذلك مع توقيع السلطات الرسمية وثيقة تفاهم مع قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، ما دفع ناشطي السويداء الذين يصرون على التواصل مع دمشق إلى تصوير فيديو وهم يرفعون العلم الأخضر فوق المبنى، في خطوة بدت محاولة لإيجاد طريق سياسي أكثر وضوحاً نحو دمشق، ورداً على ذلك رفع مناهضون لإعادة العلاقة مع دمشق علم الدروز أمام المبنى الذي يحمل العلم السوري، ليكون مبنى المحافظة عليه العلم السوري وأمامه السارية التي تحمل علم الدروز.

        في اليوم نفسه أعلنت بعض الفصائل التي أجرت محادثات مع دمشق أنها توصلت إلى اتفاق مع السلطات هناك، في حين انسحب ممثلو الشيخ حكمت الهجري من المحادثات وفق ما أكده الناطق الرسمي لحركة رجال الكرامة. بدا موقف الشيخ حكمت الهجري مهزوزاً بعد إعلان ممثل حركة رجال الكرامة انسحاب ممثليه من الاجتماع مع السلطات الرسمية في دمشق، لكن سرعان ما اتخذ المشهد منحى آخر، فظهرت في اليوم التالي، 12 آذار (مارس)، وثيقة اتفاق بين الإدارة الجديدة وممثلين عن الشيخ الهجري، وتضمنّت، وفق ما جاء فيها، التزام السلطات الرسمية في دمشق بتنفيذ مشاريع خدمية في السويداء.

        نشرُ الوثيقة بدا وكأنه محاولة لتسوية الخلافات وإظهار الهجري على أنه خضع لشروط دمشق، إلا أن الشيخ لم يمنح موافقة صريحة، بل تراجع خطوة إلى الوراء، في موقف بدا أشبه بالتريث، وسارعت الرئاسة الروحية إلى إصدار توضيح بأن ما جرى كان مجرد اجتماع، وأنها غير ملزمة بأي من القرارات التي خرجت عنه.

        تراجعُ الشيخ الهجري عن موقفه أثار موجة انتقادات للهجري تضمّنت إعادة نشر فيديوهات تشير إلى علاقاته مع بشار الأسد في السنوات الأولى للثورة، واتهامه بالعمالة لإسرائيل. لم يخرج الهجري لإجراء أي مقابلات تلفزيونية، بل خرج كل من يوسف جربوع شيخ عقل مدينة السويداء، وحمود الحناوي شيخ عقل القسم الجنوبي من المحافظة حمود الحناوي، بمقابلات تلفزيونية، اعتبروا خلالها أن التباين في موقف السويداء جاء نتيجة سلوك السلطات الرسمية في دمشق، وسيطرة أعضاء من هيئة تحرير الشام المصنفة إرهابية على مفاصل الدولة، وعزز هذا الظهور لشيخي العقل موقف الهجري بالتريُّث في التوصل إلى اتفاق مع دمشق، باعتباره موقف المحافظة الذي جاء على لسان الطبقة الدينية التقليدية فيها.

        وفي 15 آذار (مارس) اندلعت جولة جديدة من حرب الأعلام في السويداء، بدأت مع ظهور قائد المجلس العسكري في تسجيل مصوّر أعلن خلاله عن تنسيق سياسي مع «تيار سوريا الفيدرالي»، وهو تيار يحمل طرحاً قريباً من توجهات قوات سوريا الديمقراطية، وبعد ساعات من الإعلان اقتحم محتجون موالون للشيخ حكمت الهجري مبنى المحافظة، وأزالوا العلم السوري ورفعوا راية الدروز، وكأنهم يردّون على تصريحات المجلس بخطوة مباشرة تعيد رسم حدود السيطرة الرمزية في المدينة.

        في اليوم التالي، وأثناء وقفة لإحياء ذكرى الثورة في ساحة الكرامة، ساد اتفاق على عدم رفع أي علم، في محاولة لخلق مساحة محايدة وسط الانقسام المتصاعد، لكن الاتفاق لم يصمد طويلاً، إذ رفع أنصار المجلس العسكري أعلامهم، ما أشعل عراكاً بينهم وبين المحتجين الآخرين، وكأن الأعلام تحوّلت إلى أدوات للصراع.

        *****

        يبدو أن حرب رفع الأعلام وإنزالها في السويداء ليست مجرد مشهد رمزي، بل اختصار مكثف لحالة المحافظة ككل، حيث لا يحسم شيء بالكامل. ورغم أن الحياة اليومية تمضي بإيقاعها المعتاد، إلا أن الصراع على رفع العلم  يكشف أن السويداء لم تختر موقفاً موحداً، بل اختارت أن تظل في حالة إعادة تموضع دائمة، تُعيد فيها ترتيب أوراقها وفق المتغيرات، دون أن تحرق جسورها.

        هذا التذبذب، وإن بدا علامة ضعف، يمنحها في الواقع قدرة على المناورة وتجنب قرارات قد يصعب التراجع عنها لاحقاً. الخروج بموقف واحد من السويداء ليس خياراً مطروحاً الآن، وربما لن يكون كذلك في المستقبل القريب. ستظل المحافظة تتحدث بعدة أصوات، تتعارض أحياناً، لكنها تتقاطع عند الضرورة. وحتى في علاقتها بدمشق، لا يكمن التحدي في مجرد التوصل إلى اتفاق، بل في القدرة على جعله صامداً حين ينتقل من الورق إلى الواقع، حيث يصير الالتزام أصعب من التوقيع، وحيث لا يكفي رفع علم أو إسقاط آخر لحسم المواقف.

موقع الجمهورية

————————

سيناريو جنوب لبنان يتكرر على الحدود السورية: هل تنشأ منطقة عازلة؟/ طوني بولس

دمشق أبلغت جهات أمنية في بيروت أن الأمن القومي السوري يمتد إلى عمق 50 كيلومتراً داخل الأراضي اللبنانية

الثلاثاء 18 مارس 2025

تصاعدت حدة الاشتباكات على الحدود اللبنانية – السورية متجاوزة الحوادث الأمنية المعتادة، لتكشف عن صراعات إقليمية أعمق، إذ تتهم سوريا “حزب الله” بحماية معارضين للنظام، بينما يعتبر الحزب مناطق حدودية سورية امتداداً حيوياً له، فيما تطالب دمشق بمنطقة عازلة بعمق 50 كيلومتراً داخل الأراضي اللبنانية خالية من أي وجود لـ “حزب الله” أو معارضين سوريين للحكم الجديد.

شهدت الحدود اللبنانية – السورية اشتباكات خطرة اندلعت عقب مقتل ثلاثة عناصر تابعين لوزارة الدفاع السورية على الأراضي اللبنانية، وجرى اتصال بين وزير الدفاع اللبناني ميشال منسى ونظيره السوري مرهف أبو قصرة لمحاولة احتواء الوضع والتوصل إلى تهدئة. وجرى الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين على أن يستمر التواصل بين مديرية المخابرات في الجيش اللبناني والمخابرات السورية للحؤول دون  تدهور الأوضاع على الحدود بين البلدين تجنباً لسقوط ضحايا مدنيين أبرياء.

لكن القضية أعمق من مجرد حوادث أمنية متفرقة، إذ تحمل جذوراً تمتد إلى الصراعات الإقليمية الكبرى التي تعيد تشكيل المشهد الحدودي والنفوذ الإقليمي، فمن ناحية لا يزال “حزب الله” ينظر إلى بعض المناطق الحدودية السورية كامتداد حيوي له، خصوصاً في بعض المناطق السورية التي يقطنها لبنانيون من الطائفة الشيعية مثل الحوش وحاويك وزينتا والقرى الأخرى الواقعة في العمق السوري ضمن منطقة القصير في ريف حمص والقلمون الغربي، وفي المقابل تتهم الحكومة السورية “حزب الله” بحماية فلول النظام السوري السابق في مناطق بعلبك والهرمل والقرى الحدودية اللبنانية، مما يثير قلق القيادة السورية التي تعتبر أن هذا التمدد يشكل خطراً على استقرارها الداخلي.

كذلك تتهم جهات سورية “حزب الله” بالإسهام في إعادة تنظيم مجموعات مسلحة موالية للنظام السابق، إذ تؤكد أن مؤامرة محاولة الانقلاب في الساحل السوري أديرت من منطقة جبل محسن في طرابلس بشمال لبنان، وفي المقابل نفى الحزب هذه الاتهامات معتبراً أنها تأتي في سياق محاولات تضليل الرأي العام وتبرير الاعتداءات السورية على لبنان، واصفاً ما يجري على الحدود بأنه “تطور أمني يحتاج إلى معالجة سياسية وأمنية بين البلدين”.

    رئيس الجمهورية اتصل بوزير الخارجية يوسف رجي، الموجود في بروكسل، وطلب منه التواصل مع الوفد السوري المُشارك في “المؤتمر التاسع لدعم مستقبل سوريا”، للعمل على معالجة المشكلة القائمة بأسرع وقت ممكن، بما يضمن سيادة الدولتين ويحول دون تدهور الأوضاع

    — Lebanese Presidency (@LBpresidency) March 17, 2025

المنطقة العازلة

ومع تصاعد التوتر يبدو أن القيادة السورية باتت تنظر إلى لبنان بصيغته الحالية كمصدر تهديد للأمن القومي السوري، إذ أكد مصدر عسكري في دمشق أنهم أبلغوا جهات أمنية في بيروت أن الأمن الإستراتيجي السوري يمتد إلى عمق 50 كيلومتراً داخل الأراضي اللبنانية، مما يعني أن الحكومة السورية تطالب بمنطقة عازلة على امتداد الحدود مع لبنان خالية من أي وجود لـ “حزب الله” أو أي عناصر تابعة للنظام السابق داخل هذا النطاق.

وبحسب المعلومات فإن السلطات السورية أرسلت تحذيرات مباشرة إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، مؤكدة أنها لن تتسامح مع أي تهديد ينطلق من لبنان لزعزعة استقرارها الداخلي، ولا سيما في ظل المخاوف من إدارة عمليات مشابهة لتلك التي شهدتها السهول السورية من داخل لبنان.

وتؤكد مصادر دبلوماسية وجود نقاش حول إمكان توسيع صلاحيات القرار الدولي رقم (1701) ونشر قوات حفظ سلام دولية على جانبي الحدود اللبنانية – السورية، مشيرة إلى أن ذلك يتطلب موافقة من الدولتين وصدور قرار عن مجلس الأمن الدولي.

سيناريو الجنوب

وفي ظل هذه المعطيات يلوح في الأفق إمكان إنشاء منطقة عازلة على الحدود اللبنانية – السورية، على غرار ما حدث في جنوب لبنان مع إسرائيل حينما دمرت الأخيرة الأنفاق والبنية التحتية التابعة لـ “حزب الله” وطردت مقاتليه من القرى الحدودية خلال الحرب الأخيرة، والآن يبدو أن هناك مسعى مماثل إلى ضبط الحدود الشرقية والشمالية للبنان، إذ تدفع القيادة السورية باتجاه إزالة أي وجود عسكري للحزب من المناطق الحدودية، وتطلب من الجيش اللبناني تنفيذ هذه المهمة من جانبه.

غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل يملك الجيش اللبناني القدرة على ضبط الوضع؟ وإذا فشل في ذلك فهل ستلجأ دمشق إلى تدخل عسكري مباشر لفرض الأمر الواقع بالقوة؟

تحركات دبلوماسية

في بيروت أعلنت السلطات اللبنانية تواصلها مع الحكومة السورية لاحتواء الأزمة، إذ أفاد بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية أن الرئيس جوزاف عون وجّه وزير الخارجية يوسف رجي بالتواصل مع القيادة السورية بهدف “ضمان سيادة البلدين وتجنب أي تصعيد إضافي”، كما أكد البيان أن الجيش اللبناني تلقى توجيهات “بالرد على مصادر النيران”، مشدداً على أن ما يجري على الحدود الشرقية والشمالية الشرقية “لا يمكن أن يستمر”.

بين التهريب والسياسة

الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية جوني خلف اعتبر أن الاشتباكات التي حصلت عند الحدود السورية اللبنانية أخذت طابع عمليات عسكرية بين الجانبين و”حزب الله” تدخل في هذه العمليات مباشرة على رغم نفيه وقد شارك فيها بقوة، كاشفاً أن هذه العمليات والاشتباكات التي حصلت في منطقة حدودية برية بين سوريا ولبنان وتحديداً المناطق التي تتضمن معابر غير شرعية هي نتيجة عمليات التهريب في المنطقة التي هي على الأرجح سبب اندلاع هذه الاشتباكات.

يرى الباحث العسكري أن الجيش اللبناني قام بدوره كاملاً في هذه الأحداث، فهو عزز حضوره بشكل كبير واتخذ تدابير استثنائية ورد على مصادر النيران التي أطلقت من الجانب السوري، ما أعطى نوعاً من الطمأنينة للمواطنين الذين يقطنون في القرى الحدودية وبخاصة تلك المتداخلة بين البلدين، فيما نتج عن الاتصالات السياسية والأمنية تهدئة أوصلت إلى وقف إطلاق النار الذي أعلن.

ويتابع أن هذه الاشتباكات ستفتح من دون شك ملف “حزب الله” في كل المناطق اللبنانية وليس فقط جنوب الليطاني وكذلك انتشار السلاح غير الشرعي بين اللبنانيين وغير اللبنانيين، وسط مطالبات متزايدة بضرورة حصرية هذا السلاح بين الدولة اللبنانية فقط من دون استثناء.

إضافة، يرى خلف أن هذه التطورات تسلط الضوء بقوة على مسألة تفلت الحدود بين سوريا ولبنان، التي لا بد أن تشهد ترسيم حدود واضحة بين البلدين، بخاصة في ظل وجود عدد من البلدات اللبنانية المتداخلة في العمق السوري ويقطنها لبنانيون، ومثال عليها بلدة القصر التي شهدت في الساعات الماضية قصفاً عنيفاً.

ويرى الخبراء العسكريون أن الصراع على الحدود يتجاوز مجرد اشتباكات مسلحة، إذ يرتبط بملفات أمنية واقتصادية وسياسية معقدة، وأشار الباحث العسكري العميد المتقاعد خالد حمادة إلى أن “هذه المواجهات ليست وليدة اللحظة بل تعود لصراعات قديمة على النفوذ والتهريب”، مشيراً إلى أن “المنطقة كانت خاضعة لسيطرة ‘حزب الله’ والفرقة الرابعة السورية والحرس الثوري الإيراني قبل انهيار النظام السوري”، مضيفاً أنه “مع تحول المشهد لمصلحة الجيش السوري فإن بعض الأطراف تسعى إلى إعادة ترتيب الأوراق، سواء عبر إعادة فتح ممرات تهريب أو تثبيت معادلات عسكرية جديدة، لكن الخطر الحقيقي يكمن في تحول الصراع إلى مواجهات ذات طابع طائفي، وهو ما قد يدفع المنطقة إلى مزيد من الفوضى”.

توظيف الأزمة

وفي ظل الضغوط الدولية المتزايدة لنزع سلاح “حزب الله”، يرى مراقبون أن الحزب قد يستغل هذه المواجهات لإثبات أن “سلاحه ضروري لحماية لبنان”، بخاصة في مواجهة خصومه السياسيين الذين يطالبون بتطبيق القرار الدولي رقم (1701)، إذ يستفيد من هذه الأوضاع لتقديم نفسه كمدافع عن لبنان وبخاصة في ظل الحديث عن تهديدات خارجية، واليوم قد يحاول الحزب توظيف هذه الأزمة لإظهار أن “التهديد لا يزال قائماً، وبالتالي فلا يمكن التخلي عن السلاح”.

ويلفت حمادة إلى أن “الحل الحقيقي لا يكون عبر المواجهات العسكرية فقط بل من خلال قرارات سياسية جريئة بين بيروت ودمشق، ويجب ضبط الحدود بصورة قانونية ومنع أية جهة غير حكومية من فرض سيطرتها عليها، وإذا لم يجر احتواء هذا التوتر سريعاً فقد نشهد تصعيداً أوسع سيؤثر في الاستقرار الإقليمي بشكل عام”.

القرار رقم (1680)

من ناحيته رأى العميد المتقاعد يعرب صخر أن ما يحدث ليس مستغرباً بل كان متوقعاً، وحذر من تكراره مشيراً إلى أن هذا التصعيد قد وقع بالفعل منذ 40 يوماً تحت ذريعة التوترات العشائرية وتداخل السكان على الحدود بين لبنان وسوريا، وقال صخر إن “المشكلة تكمن في استمرار وجود طرق ومعابر تهريب، حيث يتسلل منها مسلحون ومشتبه بهم من الطرفين، إضافة إلى أن بعض الفلول السورية التي هربت من النظام السابق لا تزال تملك جيوباً في لبنان وسوريا، مما يزيد تعقيد الوضع”.

وأشار إلى أن “الأوضاع في المنطقة الحدودية الشرقية والشمالية الشرقية بين البلدين لا تزال غير مستقرة مما يشكل مصدر قلق دائم، بخاصة في ظل غياب الحسم الكامل من الجانب السوري”، مضيفاً أن “الجيش اللبناني بوجوده في تلك المنطقة نجح في منع تصعيد الموقف بصورة أكبر، لكنه لا يزال يواجه تحديات كبيرة في ضبط الحدود”.

وأردف أن التصعيد الحالي مرتبط جزئياً بما حدث الشهر الماضي بين العشائر السورية والمسلحين التابعين لـ “حزب الله”، مشيراً إلى أن “الحزب يُلقي باللوم على العشائر ويحاول تبرئة نفسه من التورط المباشر”، ولفت إلى أن الحزب قد يتخذ من هذه العشائر غطاء مستدلاً على ذلك بتكرار هذه الحجة في كثير من المواقف السابقة.

وفي السياق عينه شدد صخر على أن “هذه العشائر ليست سوى جزء من المنظومة التابعة للحزب ولا يمكن أن تتحرك من دون دعم وتخطيط منه”، متابعاً أن “منطقة الهرمل والقاع، وهما من أكثر المناطق التي يوجد فيها ‘حزب الله’ قرب الحدود السورية، تمثلان نقطة تلاق لهذه الجيوب العشائرية التي لا تزال تشكل تهديداً مستمراً للأمن والاستقرار في المنطقة”.

وأكد صخر ضرورة التطبيق العاجل للقرار الدولي رقم (1680) الذي يفرض على لبنان ضبط حدوده بصورة كاملة، وأوضح أن لبنان لا يمكنه الاستمرار في التلكؤ في تنفيذ هذا القرار، إذ إن الضغط الدولي سيجبره على التنفيذ، تماماً كما حدث في تطبيق القرار (1701) مع المبعوث الأميركي السابق آموس هوكشتاين، والذي ينص على تفكيك بنية “حزب الله” العسكرية ونزع سلاح الميليشيات.

الـ “كوريدور” الإيراني

بدوره لفت أستاذ القانون والسياسات الخارجية في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا محيي الدين الشحيمي إلى أن “هناك محاولات وألاعيب عدة ليست مخفية، تقوم بها عناصر وأذرع ‘حزب الله’ رغم نفيه المسؤولية، وأن ذلك يحدث بقرار محوري إيراني يقضي بالاستمرار في نشر الفوضى في مناطق محور الممانعة، وبخاصة في الجغرافيتين اللبنانية والسورية”.

وقال “لم تستوعب إيران بعد خسارتها للأرض السورية والـ ‘كوريدور’ الذي يربط طهران بالعاصمة اللبنانية، ولا يناسبها كذلك إقامة علاقة ندية مع الدولة اللبنانية أو تأسيسها على أسس جديدة مع الدولة السورية، ولذلك تسعى إلى إنتاج نزاع جديد على الحدود مع سوريا، إضافة إلى الصراع القائم وحال الحرب مع العدو الإسرائيلي”، مضيفاً أن هذه الاشتباكات تتعلق بعملية محاصرة الدولة اللبنانية والعهد الجديد بأمر من طهران، وعبر تنفيذ مباشر من الحزب على الأراضي اللبنانية، إضافة إلى بعض فلول النظام السوري السابق والناقمين السوريين على الحال السورية الجديدة”.

واعتبر الشحيمي أن “هذا المشهد يمثل سيناريو من الفوضى والاشتباكات والعلاقات غير المتوازنة حيث يجد لبنان نفسه بين فكّي كماشة، الأول عدو والثاني في علاقة مترنحة، مما يخدم سردية السلاح ويؤكد أن السلاح شمال الليطاني وداخل لبنان لا يزال أولوية في هذه المشهديات”، مشيراً إلى أن “ما ينبغي التنبه إليه هو عملية النكران المستمرة من قبل ‘حزب الله’، إذ ينفي علاقته الدائمة بهذه الأحداث ويحاول حصرها في قضايا الاشتباك مع عصابات التهريب وتجارة المخدرات مثل الكبتاغون، على رغم أنه هو نفسه من يستخدم هذه العصابات كواجهة”.

وأوضح الشحيمي أنه “في الوقت الذي تسجل الدولة اللبنانية والعهد الجديد جهداً كبيراً ومشهوداً يومياً لوضع حد لهذه الاشتباكات والتنسيق مع الجانب السوري والمضي قدماً في تنفيذ القرارات الدولية، ولا سيما القرارين (1701) و(1680)، فإن الحزب يخشى هذه التطورات لأن تنفيذ القرار الدولي (1680) لا يصب في مصلحته أبداً”، مشيراً إلى أن “هذا القرار يحرمه الأراضي السورية التي يقطنها لبنانيون والتي بقيت تحت سيطرته لعقود، حيث كانت العشائر اللبنانية تتمتع بحرية تامة في التنقل عبرها من دون أي ضوابط أمنية، في ظل غياب المراكز الأمنية السورية التي تضبط المعابر غير الشرعية”.

مشروع إسرائيلي

في المقابل أشار النائب في كتلة “حزب الله” حسين الحاج حسن إلى أن ما يحدث منذ فترة على الحدود اللبنانية – السورية، وبخاصة في منطقة الهرمل، هو اعتداء مسلحين من الجانب السوري على الأراضي اللبنانية، حيث يقومون بقصف القرى اللبنانية، كاشفاً عن أن “عدداً من المسلحين دخلوا إلى الأراضي اللبنانية واشتبكوا مع مواطنين لبنانيين مما أدى إلى مقتل عدد منهم، والجيش اللبناني سلم الجثث إلى الجانب السوري، والجثث كانت في الجانب اللبناني خلافاً لما ادعى الجانب السوري بأن بعض المسلحين دخلوا من لبنان إلى سوريا”.

وأشار الحاج حسن إلى أن “حزب الله” أصدر بياناً واضحاً يؤكد فيه ألا علاقة له بما جرى ويجري، وأن الإصرار على إقحام الحزب في الموضوع هو لأهداف سياسية مبيتة، مطالباً “الدولة اللبنانية والجيش اللبناني بالقيام بواجباتهم، وهم يقومون بواجباتهم ويجب أن يستمروا في مواجهة الاعتداءات التي أدت إلى مقتل مواطنين لبنانيين ونزوح من بلدة القصر الحدودية، وأن تقوم بواجباتها على المستوى السياسي والدبلوماسي والدفاع عن الأراضي اللبنانية”.

وبرأي النائب عن الحزب فإن المشروع الأميركي – الإسرائيلي أخذ المنطقة إلى التطبيع وتصفية القضية الفلسطينية وانشاء إسرائيل العظمى، والتوتر والصراع في المنطقة يستهدف تقسيمها وتفتيتها خدمة لهذا المشروع”.

—————————-

الوحدة أم التقسيم: إلى أين تبدو سوريا أقرب اليوم؟/ طارق علي

الأكراد والدروز والعلويون يصطدمون بتفرد السلطات الجديدة في الإدارة

الاثنين 17 مارس 2025

انبثق عن وصول “تحرير الشام” إلى الحكم تعيين أحمد الشرع رئيساً للجمهورية وولادة سريعة لحكومة تسيير أعمال ارتكبت أخطاء كارثية (أ ب)

ملخص

بعد مرور 100 يوم على سقوط الأسد، برزت مطالبات بالفيدرالية والتقسيم والتدخل الدولي، في ظل ضغوط داخلية وخارجية تواجهها الإدارة السورية، فإلى أي جانب تميل؟ وكيف تعاملت سلطات دمشق مع الملفات الشائكة داخلياً؟

مرت 100 يوم على سقوط نظام الأسد بعد حكم استطال 54 عاماً لعائلته، قبل أن يبزغ فجر غرفة عمليات “ردع العدوان” التي تمثل هيئة “تحرير الشام” عصبها الرئيس، بزعامة أبو محمد الجولاني، الذي بات الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع بعد الوصول إلى السلطة وسدّة الحكم بعد معارك الأيام العشرة التي تهاوى فيها جيش الأسد ومنظومته كأحجار الدومينو في واحدة من أسرع عمليات قلب حكم متجذر في التاريخ الحديث.

ما بعد السقوط

انبثق عن وصول “تحرير الشام” إلى الحكم تعيين أحمد الشرع رئيساً للجمهورية العربية السورية، وولادة سريعة دونما مخاض لحكومة تسيير أعمال ارتكبت هفوات وأخطاء ترقى إلى مرحلة الكوارث أكثر مما تمكنت من توفير ظروف إيجابية لبيئة الحكم المستجد، فالحكومة التي تجاوزت دورها القانوني والدستوري أقدمت على ممارسات تحتاج إلى حكومة دستورية توافقية حقيقية يحق لها التدخل في كل مفاصل البلد من أزمة المناهج وصولاً إلى صرف 400 ألف موظف حكومي بشكل تعسفي مروراً بعشرات القرارات التي تركت أثراً سلبياً ليس على رأسها استبعاد الخبرات والكفاءات والاستعانة بالولاءات من غير المتخصصين ولا قضية منح رتب عسكرية عليا لمتشددين أجانب، وصولاً إلى ما يراه مراقبون محاولة تعميم تجربة الحكم في إدلب بالقوة على كامل الجغرافيا السورية على مختلف مشارب وانتماءات سكانها وتنوعهم الإثني والديني والمذهبي.

حوار وطني وإعلان دستوري

كل ذلك كان قبل عقد مؤتمر حوار وطني “سُلِقَ” على عجل فجاءت مخرجاته وكأنه ما جرى، من ناحية الانتقائية في الدعوات والاستعجال في التحضير والبيان الختامي الجاهز مسبقاً، لتقود كل تلك الأمور نحو الوصول إلى الإعلان الدستوري الذي كرّس حالة الضياع الجمهوري للعهد الجديد.

الإعلان الذي طُبخ على عجالة أيضاً لاقى استهجاناً مرتبطاً بحال من الرفض لدى شريحة واسعة من السوريين الذين عبروا عن آرائهم في الملتقيات والمنتديات وحساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إن ذلك الإعلان حمل في تفاصيله وشكله ومضمونه التهيئة لإنتاج نظام حكم شمولي – ديكتاتوري جديد يفصل السلطات عن بعضها شكلاً ويجمعها مضموناً في يد الرئيس الذي سيتولى معظم المهمات الدستورية العليا، لا سيما تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، ورئاسة مجلس القومي، ورئاسة الحكومة والدولة وغير ذلك من سلطات يمكن أن تُحصَر في يده.

التفاف على التفاهم الكردي

ساء حظاً للسوريين أن الإعلان الدستوري جاء بعد يومين على توقيع مذكرة تفاهم في دمشق بين الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية (قسد)، مظلوم عبدي، التي حملت بريق أمل بدمج القوات الكردية في مؤسسات الدولة السورية إثر وثيقة تفاهم من بنود عدة ليأتي الإعلان الدستوري ضارباً بذلك التفاهم عرض الحائط.

“لدى ‘قسد’ قيادات علمانية راديكالية، وحين التعامل معها يجب توخي الحذر”، يقول الباحث الكردي هايل أحمد، موضحاً أن “الاتفاق الذي وقعه القائدان سقط مع الإعلان الدستوري الجديد الذي بدا أنه كمن يلتف على المبادئ الكردية ذات المطالب الواضحة في سياق تفعيل وضع التضامن والعيش المشترك تحت مظلة دولة لا دولتين، جيش لا جيشين، حقوق وواجبات مشتركة، تعايش سلمي تام الأركان والمقومات والمفاهيم، مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية والمجتمعية واللغوية”.

تفاصيل الاتفاق

ويضيف الباحث “جاء في البيان الموقع، ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكل مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية، والتشديد على أن المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية التي تضمن حقه في المواطنة وكل حقوقه الدستورية، ووقف إطلاق النار على كل الأراضي السورية”، وتابع “كما جرى الاتفاق على دمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، وضمان عودة كل المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية، ودعم الدولة السورية في مكافحتها فلول الأسد وكل التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها”.

ولفت أحمد “لكن الإعلان الدستوري أصر على دين رئيس الجمهورية ومصدر التشريع وأن اللغة العربية وحدها الرسمية، وما تبقى من بنود معظمها لا يتماشى مع الاتفاق الموقع مسبقاً، وهو ما شكّل صدمة لدى قيادة ‘قسد’، والأمر ذاته استدعى خروج تظاهرات في شرق سوريا ترفض الدستور الجديد وتعتبره نقضاً لاتفاق الشرع – عبدي وخنجراً من شأنه استمرار النزيف، وهو ما عبرت عنه القوات الكردية في بيان العالي اللهجة”.

البيان الكردي

ورداً على الإعلان الدستوري أصدرت قيادة منطقة شمال وشرق سوريا الكردية بياناً اتهمت فيه الإعلان الدستوري بأنه “نمطي وتقليدي” يتشابه مع المعايير والمقاييس التي كانت متّبعة من قبل حكومة البعث، وأكد البيان أن “هذا الإجراء يتنافى مع طبيعة وحقيقة وحالة التنوع الموجود في سوريا، كما أنه تزوير فعلي لهوية سوريا الوطنية والمجتمعية، إذ يخلو الإعلان من بصمة وروح أبناء البلد، ومكوناتها المختلفة، من كرد وعرب وسريان وآشور وغيرهم من بقية المكونات”.

وأكدت الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا أن “سوريا اليوم تحتاج إلى تكاتف أبنائها ووحدتهم على تقرير مستقبلهم الديمقراطي والمشاركة الوطنية السورية التي تعزز الشراكة في الوطن”.

كذلك أشارت قيادة الإقليم إلى أن “هذا الإعلان يفتقر إلى مقاييس التنوع الوطني السوري، ويخلو من حالة المشاركة الفعلية لمكونات سوريا الوطنية، ومن ثم يعبر هذا الإعلان من جديد عن العقلية الفردية التي تعد امتداداً للحالة السابقة التي وجدت في سوريا وانتفض الشعب ضدها”، وأضاف البيان الكردي أن “هذا الإعلان لا يمثل تطلعات شعبنا ولا يدرك حقيقة هويته الأصيلة في سوريا وهو بمثابة شكل وإطار يقوض جهود تحقيق الديمقراطية الحقيقية في سوريا وبنوده البعيدة عن سوريا وآمال شعبها”.

وترى القيادة الكردية أن الدستور الحقيقي هو الذي تتشارك فيه كل المكونات وتتفق حوله كونه المسار الديمقراطي المستدام لمستقبل سوريا ومستقبل أجيالها القادمة، مضيفة “نأمل في ألا تعود بنا بعض الممارسات والأفكار الضيقة إلى مربع الصفر، لأن ذلك سيجعل الجرح السوري ينزف من جديد”.

مجازر العلويين

تزامناً كانت قرى وبلدات ومدن الساحل السوري تشهد مجازر جماعية أسفرت عن مقتل وجرح آلاف المدنيين العزل، إثر حملة أمنية – عسكرية ضخمة استهدفت “فلول النظام” الذين نصبوا مكامن لقوات الأمن العام في أكثر من منطقة ما بين السادس والعاشر من مارس (آذار) الجاري، وقُتل قرابة 1500 مدني في 56 مجزرة وثقها المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يديره رامي عبدالرحمن من لندن، والذي وصف لجنة التحقيق التي شكلتها الرئاسة للنظر بما جرى في قرى الساحل بأنها “غير جدية”، إذ تجاهلت توصيف ما حدث بالمجازر والكارثة ومالت نحو توصيف ما حصل بـ”الحالات الفردية”.

أيام الرعب التي عاشها الساحل السوري أفضت أيضاً لآلاف المهجّرين، فمئات العائلات وجدت طريقها للعبور نحو لبنان من خلال النهر الشمالي باتجاه محافظة عكار، فيما لجأ على الأقل 9 آلاف شخص للاحتماء بقاعدة حميميم الجوية العسكرية الروسية في محيط قرية جبلة بمحافظة اللاذقية رافضين حتى الآن مغادرتها.

ولهول ما حدث، تعالت أصوات في الشارع السوري تطالب بالتقسيم أو الفيدرالية أو التدخل الدولي على أقل تقدير لحماية الأقليات بعدما كانوا تماهوا مع السلطات الجديدة وسلموا كل أسلحتهم إبان سقوط النظام.

أحد المحتمين في “حميميم” تحدث إلى “اندبندنت عربية” مفضلاً عدم كشف اسمه، عن محاولات السلطات الجديدة ممثلة بالقوى الأمنية ومحافظ اللاذقية إعادتهم إلى قراهم لكن قراراً شبه جماعي كان بالرفض، وقال “ما رأيناه وعشناه لن يُمحى من ذاكرتنا مهما حيينا، لا يزال ثمة آلاف العلويين مختبئين بالأحراش، كانت الأمور تسير بخير مع السلطة، لكن (الفزعات) الطائفية التي جاءت وقتلت نساءنا وأطفالنا وشيوخنا أوضحت أن ميثاق التعايش المشترك أصبح مستحيلاً، لذا نحن متمسكون بمطالبنا بالحماية الدولية لنا كأقلية، 1500 قتيل في 72 ساعة ليس رقماً عادياً، هذا رقم تنهار لأجله أمم، ولم يفكر مسؤول كبير أن يزورنا ليطيّب جراحنا، من يضمن ألا نُقتل بعد خروجنا من القاعدة”.

كمال عيسى أحد الناجين من مجزرة القصور في بانياس على الساحل السوري قال بدوره “كنا نعتقد أن طلب الحماية الدولية يندرج تحت بند الخيانة، وطلب التقسيم هو خيانة مضاعفة، الآن لا أحد يختفي وراء إصبعه، هذه سلطة عاجزة عن الوقوف في وجه متشدديها ومنعهم عنا، لم يتركوا لنا خياراً آخر، وها قد وقّعوا مع ’قسد‘ على ظهورنا ثم غدروا بهم، لننظر إلى حال الدروز، هل يتجرأ أحد من الاقتراب منهم، لماذا؟ لأن لديهم سنداً، أما نحن فبلا مرجعية أو قوة أو ظهر أو سند، ثم يقولون عنا فلول الأسد وإيران وروسيا وعملاء إسرائيل، هل الأطفال الذين قُتلوا في المجزرة وهم بعمر الأشهر فلول أيضاً؟”.

الموقف الدرزي

شكلت زيارة وفد من 100 شيخ درزي سوري لإسرائيل صدمة في الشارع السوري، حيث ما زالت مواقف الدروز متباينة من التصريحات الإسرائيلية في شأن حمايتهم ومنع أحد من الاقتراب منهم وفرض نزع السلاح في الجنوب السوري.

وفي الإطار برز أمس الأحد حديث مهم لشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز ومرجعها الأكبر في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، خلال لقاء مع أعيان من الجنوب في دارة الطائفة في بلدة قنوات بالسويداء وصف فيه حكومة دمشق بالمتطرفة وغير الشرعية والمطلوبة للعدالة الدولية وقال بأنه لا تعايش معها.

تلك التصريحات ربما تعكس المزاج العام، وهو المزاج ذاته الذي ينطلق من الخشية الدرزية – الكردية من إلقاء السلاح وملاقاة ذات مصير العلويين في الساحل، وعلى رغم خروج تظاهرات في السويداء ترفض التدخل الإسرائيلي فإن ذلك لا يعني الموافقة على سلوكيات سلطة دمشق، بحسب ما قاله بعض الدروز في حديثهم مع “اندبندنت عربية”.

طريف أبو جبل أحد سكان السويداء عبر عن موقفه بالقول “لن نضع يدنا في يد إسرائيل ولكن ذلك لا يعني قبولنا بسلطة الأمر الواقع القمعية في دمشق، ما حصل في الساحل السوري درس لكل أبناء الوطن عن ضرورة حمل السلاح وعدم تسليمه إلا في حال الركون لعقد اجتماعي توافقي مع سلطة تكتسب كل صفات الشرعية المحلية والخارجية”.

يوسف الهايل طبيب من السويداء قال “هي لعبة تدوير زوايا، بماذا تختلف ’جبهة النصرة‘ عن ’تحرير الشام‘ عن الحكم الحالي؟ مجرد أسماء تغيرت فقط، الحل الذي ننشده جميعنا هو الفيدرالية وتركنا لندير أمور محافظتنا بعيداً من الشحن الطائفي والحالة الفصائلية المتطرفة، ألم يتم حل ’هيئة تحرير الشام‘، لننظر في كل المجالس من الأمن القومي إلى الحوار الوطني إلى لجنة الدستور، جميعها تقوم على أفراد من الهيئة، وأهل الجنوب منفتحون وعلمانيون ولا يمكن لهم التعايش مع الملثمين ومجرمي الحرب، وما خرجنا لإسقاط بشار الأسد لنجيء بسلطة شمولية أكثر، الحل يقرره كبارنا وتشترك في إقراره الدول الخارجية، لسنا نشجع التقسيم، فلم نشهد ما شهده الساحل، لذلك حتى اللحظة نتمسك بالفيدرالية فقط”.

الوحدة أم التقسيم؟ خيارات قائمة

صار الآن من المشروع السؤال إلى أين تتجه سوريا، نحو الوحدة الجامعة أم التقسيم؟ وهو سؤال يحاول الإجابة عنه الدكتور في القانون أحمد الصفدي بالقول إنه “كانت هناك مطالب متنامية على الدوام بتطبيق الفيدرالية في سوريا بعد سقوط النظام، لكن بعدما حصل في الساحل السوري بدأت تطفو على السطح مطالب بالتقسيم، وإن كانت هذه المطالب لا تتسق بين العلويين أنفسهم، فعلويو اللاذقية وحمص وحماة مثلاً لا يزالون يرون في الفيدرالية حلاً، بخلاف بقية الساحل السوري، والقسم الكبير منه رزح تحت المجازر ورأى بأم عينه كيف يكون التطهير العرقي”، ويضيف “الآن توقفت الإبادة في الساحل، لكن حواجز كثيرة في مناطق مختلفة ما زالت تسأل المارة عن دينهم، وما زالت الحالات الفردية مستمرة، ففي اليومين الماضيين فقط ست حالات خطف وقتل على طريق صافيتا – طرطوس في الساحل، وكل ذلك سيُختزن بالوعي الجمعي لدى الناس ويدفعهم إلى طلب الحماية بأي طريقة، وهو الدرس الأكبر للدروز في السويداء جنوباً وجرمانا في ريف دمشق بعدم إلقاء السلاح خصوصاً بعد وصف زعيمهم الروحي الهجري الإعلان الدستوري بغير المنطقي، فضلاً عن الالتفاف من قبل دمشق على الأكراد الذين أكدوا بعيد بيان عبدالله أوجلان واتفاقهم مع الشرع أنهم لا يسعون إلى دويلة داخل دولة ولا تقسيم جديد ولا كردستان عراق أخرى، ولكن البيان الدستوري عاجلهم ليحطم أحلامهم، مما يعني العودة إلى نقطة الصفر”.

ويتابع “القيادة السورية في موضع مربك للغاية، أمامها ملفات متشابكة ومعقدة للغاية داخلياً وخارجياً، والأسابيع والأشهر المقبلة ستكون حاسمة لشكل البلد. الوقت ليس في صالحها في ظل الضغط الدولي، لكنها حتى الآن لم تعرف كيف تتعامل مع الملفات الكبرى بجدية مطلقة، من جهتي أرى كل الخيارات مطروحة على الطاولة، والذكي يكسب في النهاية، القرار الآن بيد القيادة الجديدة لتسير بالبلد نحو وحدة متكاملة أو تتركه فتاتاً مقسّماً، وهو ما يستدعي تحركات جد عاجلة لا تحتمل التأجيل لحظة واحدة، وإعادة النظر بأشهرها الثلاثة الأولى بالسرعة القصوى وتلافي مكامن الخلل وإرسال الرسائل في كل الاتجاهات ولكل المكونات بأن هذا البلد يتسع للجميع، وإلا فسنرى أنفسنا أمام سيناريو تقسيم مر على سوريا قبل زهو قرن من الزمن”.

————————————-

 قائد حركة رجال الكرامة في السويداء: من يرفض مشروع التقسيم ليس خائناً

2025.03.17

أكد القائد العام لحركة “رجال الكرامة” في السويداء يحيى الحجار، أن من يرفض مشروع تقسيم سوريا ليس خائناً، لافتا إلى أنّ الهدف هو بناء سوريا موحدة تحت مرجعية وطنية جامعة.

وشدد الحجار في كلمة ألقاها بين مجموعة من وجهاء المحافظة، على وحدة الصف وأن اختلاف الرأي لا يعني انقساما، ورفض مشاريع التقسيم التي تحاول العبث بوحدة الأراضي السورية.

وأكد أن من يسعى لبناء دولته ليس خارجاً عن القانون، ومن يرفض مشاريع التقسيم ليس خائناً، داعياً إلى التكاتف من أجل مستقبل سوريا الموحدة.

وأعرب قائد “رجال الكرامة” عن احترامه العميق لمرجعية سماحة الشيخ حكمت الهجري وكافة مشايخ العقل، مشدداً على أن السلاح يجب أن يظل موجّهاً فقط ضد من يعتدي على الجبل وأهله، وليس إلى الداخل.

كما أكد أن طريق دمشق هو الشريان الحيوي، وأن الهدف هو بناء سوريا موحدة تحت مرجعية وطنية جامعة.

زيارة درزية إلى إسرائيل تثير الجدل

في تطور لافت، قام وفد من رجال الدين الدروز السوريين بزيارة إلى إسرائيل، الجمعة الماضية، في حدث هو الأول من نوعه منذ عقود.

وكان الهدف من الزيارة زيارة مقام “النبي شعيب” في الجليل الأسفل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. واستُقبل الوفد هناك بأنشودة “طلع البدر علينا”، ما أثار موجة من التفاعل وردود الفعل المتباينة.

الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، وصف الزيارة بأنها “عيد تاريخي للطائفة الدرزية بأكملها”، مشيراً إلى أن هذه الزيارة تأتي بعد عقود طويلة من الانقطاع.

رفض لبناني وتحذيرات من مشيخة العقل

قوبلت الزيارة بانتقادات حادة في لبنان، حيث حذّرت “مشيخة العقل” للطائفة الدرزية من تداعياتها، مهددةً برفع الغطاء الديني عن كل من يشارك في دخول الأراضي المحتلة.

كما أكدت أن هناك مسؤولية قانونية ودينية تقع على كل من يقوم بهذه الزيارة، معتبرةً أنها تتعارض مع المبادئ الثابتة للطائفة.

أما الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، فقد حذّر من استغلال بعض أبناء الطائفة كأداة لإحداث انقسامات داخل سوريا، مشدداً على أن “الزيارات الدينية وغير الدينية لا تلغي واقع الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين والجولان”.

محاولات إسرائيلية لاستقطاب دروز الجولان والداخل السوري

في سياق متصل، كشفت مصادر عن مساعٍ إسرائيلية لترتيب زيارة لرجال دين دروز من قرية حضر السورية المحتلة إلى إسرائيل، وسط تقارير تفيد بتقديم تل أبيب إغراءات لسكان المناطق الدرزية في الجولان وسوريا، بما في ذلك توفير فرص عمل وبنية تحتية، بهدف كسب تأييدهم.

في المقابل، تعمل المرجعيات الوطنية والدينية في السويداء والجولان ولبنان على التصدي لهذه المحاولات ومنع تنفيذها.

تأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه السويداء حالة من الحراك الشعبي والسياسي، حيث يؤكد أبناؤها تمسكهم بوحدة سوريا ورفضهم لأي مخططات تهدف إلى تفتيتها.

————————

الأخطار التي تهدد سوريا داخليا وخارجيا/ رياض معسعس

تحديث 18 اذار 2025

«عليك يا سوريا السلام ونعم البلد هذا للعدو» قالها هرقل وهو يغادر سوريا بعد هزيمته النكراء أمام جيش المسلمين الذي انتصر على الروم في معركة اليرموك في العام 636 م.

وبقيت سوريا نعم البلد لكل الأعداء الذين حاولوا غزوها، لأنها كانت دائما الأرض التي تطلعت كل القوى بالسيطرة عليها لخيراتها، وموقعها الذي يضم مقدسات الأديان التوحيدية، ولكونها بلدا حضاريا وذا ثقافات متعددة، ومكونات اجتماعية مختلفة. فهي عرفت الفرس، والرومان، واليونانيين، والعرب، والبيزنطيين، والصليبيين، والمغول، والتتار، والمماليك، والعثمانيين، والفرنسيين، ولكن اليوم وبعد تقطيع أوصالها وسلخ فلسطين، ولبنان، والأردن منها تقع فريسة قوى متعددة تبحث جميعها السيطرة عليها، أو احتلال أراضيها، أو تجزئتها. والأخطار التي تتهدد سوريا اليوم تأتي من الداخل أيضا وربما كانت أشد خطرا من الخارج.

تتمثل الأخطار الداخلية بمجموعة عوامل تجعل الوضع الداخلي السوري على صفيح ساخن، خاصة وأن النظام المخلوع خلف وراءه مجموعة كبيرة من الألغام الاجتماعية، والطائفية، والعرقية القابلة للانفجار، وزج البلاد في أتون حرب أهلية. فهناك مجموعة كبيرة من فلول النظام لا تزال تمتلك الأسلحة وتقوم بهجمات ضد قوات الأمن للنظام الحالي، عدا عن مجموعات كانت تعمل لصالح النظام ويستخدمها في تنفيذ أعمال مختلفة من قتل، وتهريب أسلحة ومخدرات، وترهيب الناس، كميليشيا محسن الهيمد التي واجهت قوات حفظ الأمن في مدينة الصنمين في منطقة حوران. كما أن هناك اللواء الخامس بقيادة أحمد العودة في نفس المنطقة الذي دخل في مفاوضات مع الحكومة الحالية، وهناك بعض فلول النظام في منطقة الساحل التي تقوم بهجمات متكررة على قوات حفظ الأمن، وهناك من يطالب بالانفصال عن الدولة الأم، وفي منطقة دير الزور التي تضم أيضا بعض الجماعات المسلحة التي ترفض تسليم اسلحتها وتهاجم قوات الأمن. لكن الخطر الأكبر يكمن في منطقة جبل العرب في الجنوب، وفي منطقة شرق الفرات في الشمال، في الجنوب في منطقة جبل العرب تسعى إسرائيل لفصله عن سلطة دمشق عبر ضخ أموال ( وعدت بضخ مليار دولار لتحسين أوضاع المنطقة ككل) من ناحية، والسماح للسكان بالعمل في إسرائيل مقابل أن يقوم الدروز بالمطالبة بحكم فيدرالي وحكم ذاتي، وقد قام رئيس وزراء دولة الاحتلال بتهديد السلطة الحالية وحذرها من إرسال قوات إلى الجنوب، وقد قامت مجموعة من الضباط بتشكيل مجلس عسكري برئاسة طارق الشوفي لحماية جبل العرب، وقد شهدت مدينة جرمانا ذات الأكثرية الدرزية مواجهات مسلحة مع قوات الأمن أسفرت عن قتلى وجرحى.

لم تتقبل فلول النظام من عساكر وضباط المنتمين معظمهم للطائفة العلوية الهزيمة التي منيت بها في أقل من أسبوع بسقوط نظام استمر زهاء نصف قرن ونيف بني على الطائفية، ودولة المخابرات، والفساد، والمحسوبيات، والاغتيالات السياسية، والمجازر الجماعية، واضطهاد الأكثرية السنية واستخدام كل الأسلحة بما فيها الأسلحة الكيميائية لقتل أكبر عدد منها، وتهجير الملايين إلى خارج تراب الوطن، ونزوح ملايين آخرين هدمت بيوتهم بالبراميل المتفجرة ليسكنوا مخيمات لسنين طويلة. بعد السقوط المدوي للنظام لجأ معظم هؤلاء للعراق، ولبنان وقاموا بالتخطيط بقيادة ضباط الفرقة الرابعة التي كان يترأسها ماهر الأسد بالهجوم على قوات الأمن في مناطق متعددة من الساحل السوري معقل الطائفة العلوية ممولين ومسلحين من إيران، ومن ميليشيات عراقية، وبدعم من قوات سوريا الديمقراطية الكردية بهدف الانقلاب على الثورة، والنظام الجديد، وشق صف الشعب السوري، والانفصال عن الدولة المركزية، وحسب مصادر متعددة بأن هذه العملية تمت باتفاق مشترك بين أكثر من جهة إيرانية، وروسية وربما عربية من الخارج. ورغم فشل المحاولة ومقتل عدد كبير من عناصرها إلا أن الأخطار كامنة.

منذ بداية الثورة في العام 2011 قام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بقيادة صالح مسلم بالنأي بنفسه عن الثورة (المجلس الوطني الكردستاني الذي تأسس في العام 2011 التحق بالثورة وبالمجلس الوطني السوري في بداية الثورة) وقام بالتنسيق مع النظام بالاستيلاء على مساحات واسعة من شرق الفرات بعد أن انسحبت قوات النظام منها طوعيا، وتم تشكيل ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية «قسد» التي ومع الهجوم السريع «لداعش» واحتلال مساحات واسعة من سوريا تدخلت قوات أمريكية وبنت قواعد في المناطق المسيطر عليها من «قسد» ودعمتها لمحاربة «داعش» وتمكنت مع قوات التحالف من هزيمة «داعش» والسيطرة على ربع مساحة سوريا الواقعة شرق الفرات والتي تضم معظم آبار النفط والغاز، والأراضي الزراعية الخصبة، وأعلنت الاستقلال الذاتي.

الأخطار الخارجية تكمن أولا في دولة الاحتلال التي تسعى علانية لتغيير الشرق الأوسط حتى لو لزم ذلك بالحرب كما صرح المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي، وقد قام جيش الاحتلال بخرق اتفاقية فصل القوات الموقعة في العام 1974 واحتل عدة مناطق في منطقة القنيطرة، وقمة جبل الشيخ، وتتمركز في أكثر من نقطة على الأراضي السورية، كما قامت بتدمير المنشآت العسكرية البرية والبحرية في عدة مراكز على الأرض السورية دون وازع، وقامت الإدارة الحالية بتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة بهذه الانتهاكات الصارخة على الرغم من تصريحات الإدارة السورية بأنها لا ترغب في الدخول بأي مواجهة عسكرية مع أحد. وتأتي كل هذه الانتهاكات في ظل حكم الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب التي لم تظهر أي اعتراض على الاعتداءات الإسرائيلية وكأنها توافق ضمنيا على هذه الانتهاكات، خاصة وأن ترامب كرر ضرورة توسيع الرقعة الجغرافية لدولة الاحتلال التي يرى بأنها صغيرة مقارنة بمساحة العالم العربي. في الدرجة الثانية تأتي أمريكا التي بنت قواعد عسكرية في سوريا وتدعم قوات سوريا الديمقراطية «قسد» التي تحتل حوالي ربع مساحة سوريا، كما تحتل في الجنوب السوري في منطقة التنف التي بنت فيها قاعدة عسكرية أخرى. ولا تزال القوات التركية التي تدعم الإدارة الحالية في سوريا تتواجد في أكثر من نقطة في شمال غرب سوريا.

وتبقى إيران الخاسر الأكبر من جراء سقوط النظام السوري الذي كان يؤمن خطوط الإمداد لحزب الله في لبنان، ولم تعترف حتى الآن بالوضع السوري الجديد، وتسعى بطرق مختلفة لقلب النظام في دمشق لعودة نفوذها إلى سوريا بدعم فلول النظام البائد.

كاتب سوري

القدس العربي

———————————-

إيران وإسرائيل في المشهد السوري: صراع نفوذ أم صدفة؟/ د. مثنى عبدالله

تحديث 18 اذار 2025

ألقت الأحداث الأخيرة التي شهدتها سوريا، حزمة ضوء كبيرة على التحديات الأمنية التي يواجهها النظام السياسي الجديد. وهي واحدة من الرهانات الكبيرة التي تقف بوجهه، وربما تحول دون بسط نفوذه على كامل التراب السوري. فالتصعيد الأمني الأخير هو الأعنف منذ الإطاحة بنظام الأسد في الثامن من شهر ديسمبر/ كانون الأول 2024. فقد حصلت اشتباكات بين قوات الأمن والفصائل المسلحة الموالية لها، وبعض ممن يوصفون بأنهم موالون للنظام السابق في المنطقة الساحلية في غرب البلاد. ويقينا أن ما حدث لا يمكن حصر أسبابه بأسباب داخلية فقط، بل يعود أيضا إلى ما يحدث في الإقليم بشكل عام.

بداية لا بد من القول إن الحدث لم يكن وليد اللحظة، أو رفسة أخيرة لمن ينازع الموت، بل كان تحركا عسكريا مُنظما يبدو أنه يُقاد من غرفة عمليات واحدة، أدارت المجموعات المسلحة التي استهدفت قوات الأمن العام، وحاصرت الكثير من مقراته.

على الجهة المقابلة كانت ردة الفعل كبيرة للغاية من قبل الفصائل المتحالفة مع هيئة تحرير الشام. ومن راقب طبيعة العمل العسكري لهذه الفصائل على مدى السنوات الماضية، فإنه كان يقوم على مسألة النفير العام عند وقوع حدث ما، والتوجه بشكل جماعي إلى منطقة الحدث، ثم التعامل مع الحالة، وفق اجتهاد كل فصيل على حدة. وهذه هي طبيعة العمل في كل الفصائل المسلحة، حيث من الصعب حصرها تحت توجيهات غرفة عمل موحدة. وقد انعكس هذا الأمر بشكل واضح في المواجهة الأخيرة، حيث حدثت انتهاكات من قبل الميليشيات المسلحة التي استهدفت قوات الأمن العام، وكذلك المواطنين المدنيين على الطرق العامة، وقابلتها انتهاكات من الطرف الآخر أيضا. فكانت ساعات عصيبة وقاسية جدا واجهها المدنيون السوريون، بحيث غاب الحدث الأساسي الأول وهو الحدث الأمني، وحظر في التفكير حصيلة المواجهة وهم مئات القتلى، ومنهم من الطائفة العلوية. إذن نحن أمام مشهد توقعه الكثير من التحليلات السابقة، التي قالت إن هناك تنسيقا كبيرا بين مجموعات مؤيدة للنظام المخلوع، تعد العُدة للقيام بعمليات أمنية ضد النظام الجديد. ويبدو أن ذلك لم يكن غائبا عن تفكير القيادة السورية الجديدة، فالرئيس أحمد الشرع قالها علنا إن (ما يحصل في البلد هو تحديات متوقعة، لكن يجب أن نحافظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي قدر المُستطاع). والحقيقة أن هذه التحديات هي نتاج منظومة سابقة استمرت في سوريا ستة عقود، منها 54 عاما لمنظومة آل الأسد، مُورس فيها العديد من المجازر بشكل مُنظم، سواء مجازر حماه في عام 1982 وصولا إلى كل ما شهدته سوريا منذ عام 2011 حتى سقوط النظام. وهذا أنتج مجتمعا سوريا مُدمّرا، وشخصية وطنية تعرضت لكل أنواع الانقسام. وهنا لا بد من الإشارة إلى حقيقة أساسية وهي أنه كان من المنتظر أن تكون مقاومة النظام السابق في منطقة الساحل السوري، ومع الانهيار الكبير في الجيش السوري، وتساقط المدن بيد هيئة تحرير الشام، بالفعل انسحبت فلول النظام السابق الى هذه المنطقة، وبدأت تعيد تنظيم صفوفها. وبمرور الوقت بدا تأثير التحركات الإقليمية واضحا على ما يجري في غرب سوريا، حيث تم الحديث عن اجتماعات في محافظة النجف العراقية بين مستشارين إيرانيين وميليشيات عراقية وغير عراقية، نتج عنها تشكيل ما يسمى المقاومة الإسلامية في سوريا، حسبما أشارت إليه بعض الوكالات الإخبارية الإيرانية.

إن مشاريع إيران في المنطقة وفي سوريا على وجه التحديد بعد سقوط نظام الأسد واضحة جدا، وقد تحدث بها كبار المسؤولين الإيرانيين. كما أن هنالك علاقة تاريخية تجمع ما بين إيران وكبار الضباط في النظام السوري السابق، وهذا يعطيها ميزة التواصل المباشر معهم وتحريكهم. كذلك تتوفر إمكانية جيدة لإيصال السلاح لهم، لذلك كان التحرك الأول لقوات الأمن في النظام الجديد هو تمشيط الحدود العراقية السورية، لكن المشكلة أن هناك جزءا خارج سيطرة هذه القوات، وهي المنطقة التي تسيطر عليها قوات قسد، وهناك اتهامات بأن السلاح يأتي من إيران عبر هذه المنطقة. ولا شك أن إيران لديها مصلحة بحالة عدم الاستقرار التي يمكن أن تحدث في سوريا، وحالة نشوء ما يسمى مقاومة كالتي تم الحديث عنها آنفا، لأنها خسرت كثيرا مع سقوط النظام السابق. لذلك العبث الإيراني بات يتلاقى مع الأطماع الإسرائيلية وتعززها حالة سيولة الدولة التي تشهدها سوريا. وكل هذه الأمور هي وصفة سيئة للغاية. كما إن مشاريع إسرائيل موجودة أيضا فهي لحد الآن تضغط وبشكل كبير على النظام الجديد في سوريا، سواء عبر التوسع والسيطرة وقضم المزيد من الأراضي السورية، أو عبر إثارة حالة من الطائفية، كما جاء على لسان رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، من أن إسرائيل تحمي الدروز. وهذا يشير الى أن هنالك أيادي إسرائيلية في الجنوب. كما أن هنالك تواصلا مباشرا جرى بين قادة قسد وإسرائيل.

إن حالة الفوضى التي ظهرت خلال أيام الأحداث الدامية تتطلب تحديدا واضحا للمسؤوليات، رغم أن هذا الأمر في غاية الصعوبة. نعم إن مهاجمة المراكز الأمنية وحصارها من قبل الفلول، أدت إلى حالة الفوضى التي رأيناها. لكن عملية النفير العام للفصائل ودخول الكثير من الأطراف غير المنضبطة، لفك الحصار أدت الى الانتهاكات التي حصلت. وعليه فالانتهاكات كانت من جميع الأطراف والسلطة الحالية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عما حدث، ولن يستطيع أحد أن يقول إن كل ممارسات الأجهزة الأمنية الجديدة كانت ممارسات سليمة. كما لا يستطيع أحد أن يقول ليست هنالك أياد خارجية تُحرّك، وليست هنالك عصابات في كل المناطق السورية كانت مستفيدة من الكبتاغون ومن تهريب الآثار، باتت عاطلة عن العمل فأظهرت نقمتها في الحادث الأخير. لكن التحرك بشكل سريع لتقديم كل المنتهكين إلى العدالة ضرورة مُلحة أمام العهد الجديد.

يقينا أن ما حصل مؤخرا، كان أمرا مؤسفا للغاية، خاصة أنه كان من أهم شعارات الثورة السورية هو تحريم الدم المدني السوري. لكن إرث 54 عاما يبدو أنه ظهر اليوم في الحادث الأخير. وأن عكس هذه الحالة يتطلب المزيد من الوقت والعمل، وليس بإمكان الرئيس أحمد الشرع أن يصنع المعجزات في زمن قصير. لكن عليه أن يكون صارما أكثر كي لا يؤثر هذا الأمر على شرعية الإدارة السورية الجديدة، وفي مقدمتها الرئيس نفسه، خاصة أن هذا كان شرطا من شروط المجتمع الدولي للاعتراف بالسلطة الجديدة.

كاتب عراقي

————————-

دروز سوريا في إسرائيل… الذاكرة المعلّقة/ نديم قطيش

تحديث 18 اذار 2025

زيارة المشايخ الدروز السوريين لإسرائيل، في ظاهرها الديني والثقافي، وباطنها بوصفها مناورة سياسية بالغة التعقيد، لا تُحَدُّ بتقديمها الإعلامي البسيط، أو تُختصر في حدثٍ شعائريٍّ بحت. تندرج الزيارة، الحاصلة في ظل النظام الدمشقي الجديد، والذي يَعِدُ سوريا بدستورٍ يتراوح بين ضفّتي الصدارة الإسلامية السُّنية والتوازن الطائفي القلق، في سياق تاريخ مديد من التحولات السياسية الخطيرة التي حُفَّت بتاريخ الجماعة ووجودها وهويتها.

فالدروز خبِروا عبر تاريخهم الطويل الممتدّ من الدعوة في كنف الحاكم بأمر الله الفاطمي (996-1021م) حتى أيامنا هذه، معنى الانقلابات في موازين القوّة. وهم يستذكرون أنّ توسّع حضورهم في سوريا لم ينفصل يوماً عن دماءٍ غزيرةٍ سالت، في حروب مع آخرين كثر؛ صليبيين وعثمانيين ومسيحيين وفرنسيين، كما في حروبٍ بينية، مثال الدم الناتج عن الشقاق الداخليّ الأعنف بين شطرَي الطائفة؛ القيسيّ واليمنيّ، في معركة عين دارة (1711م).

تغذَّت كثرة دروز سوريا، رغم قلّتها النسبيّة، على مأساة عين دارة اللبنانيّة المحليّة، التي رسمت حدوداً اجتماعيّةً وسياسيّةً جديدةً في جبل لبنان، وعقدت الحاكميّة لآل جنبلاط القيسيّين، على أنقاض انهيار الإمارة المعنيّة. دُفع المهزومون من الشطر الدرزي اليمنيّ إلى جبل حوران وأطرافه السوريّة، وأسسوا في تلك السهول والتلال هويّةً درزيّةً سوريّةً متمايزةً، بتركيبها الديني والاجتماعي والسياسي، كما بحساباتها الوجوديّة.

ما لبثت أن زادت الثورة السورية الكبرى (1925-1927م)، بقيادة الزعيم الدرزي التاريخي سلطان باشا الأطرش، طبقةً فوق طبقات هوية الدروز السياسيّة. ولئن انطلقت الثورة تمرّداً أهليّاً، فإنها سرعان ما جاوزت حدود جبل حوران، لتنفتح على الوطنية السوريّة الأعرض، ملقيةً على الدروز عبءَ التوفيقِ الدائم بين انغلاق خصوصيتهم المذهبيّة وصدارتهم المشهد الوطني السوري الجامع في لحظات رجراجة من تاريخ سوريا ولبنان والمنطقة. مذَّاك، تترجح الهوية الدرزية بين حدَّي الصَّفاء الأهليّ النسبيّ والبعد الوطني المُدخِل مصير الجماعة الأهلية مع مصير سوريا كلّها، مُثقَلةً بحسابات العلاقة المركّبة، والقلقة دائماً، مع دمشق ومراكز الحكم فيها. على هذا النحو استتبَّ تاريخ الجماعة، تاريخاً من التفاوض المستمرّ، والمتوتر أحياناً، بين موقع الدروز في الجبل وموقعهم في الوطن السوري الأوسع.

إلى هذا التاريخ المديد من القلق، والتشكُّل الدمويّ للاجتماع والهوية الدرزيين، ينتسب الإعلانُ المضمَر، عبر زيارة مشايخ من جبل الشيخ لإسرائيل، عن استعدادٍ لخياراتٍ جذريّة، متى استشعروا في التراكيب السوريّة الناشئة ما قد يكون على الضدِّ من مصالحهم وحقوقهم.

والحقّ أن هذه الزيارة، على رمزيتها المقلقة للنظام الجديد في دمشق، تُعيد التذكير بمنطقٍ سياسي مألوف لدى الدروز، لا يرى ضيراً في التواصل مع «ضامن خارجي»، حين تكون القضية قضية وجود، على مثال تحالفات فخر الدين المعني الثاني مع دوقية توسكانا الإيطالية، حين استشعر أن خطراً وجودياً يُهدّد جماعته!

أما القول بالانفصاليّة الدرزية فمُبالَغٌ فيه، اليوم كما في الأمس، على ما تشي به تجربة الأمير فخر الدين المعني، بوصفها دفاعاً عن اجتماعٍ لبنانيّ تعدّديّ، جمَعَ الدروز إلى غيرهم، في جبلٍ، لم يكن يوماً ذا لونٍ واحدٍ أو مذهبٍ نقيّ.

والحال أن تخيّل كيانٍ درزيّ جاهزٍ للولادة اليوم بين الشطرين السوريّ والإسرائيليّ ينطوي على إغفالٍ كبيرٍ، لتباعد الشطرين على طرفَي حيزٍ جغرافي، يمتدّ عميقاً إلى ما يزيد على مائة كيلومتر، تتوسّطه كثافةُ نحو مليونَي سنّي في الجنوب السوري، ما يكسر أوهام «النقاء» الدرزيّ المزعوم خارج السويداء نفسها.

فلا اتصالٌ جغرافيّ واضح، ولا صفاءٌ سكّانيّ مُدَّعًى، يتيحان استيلاداً آلياً لكيان درزي مزعوم.

بيد أن دروز سوريا اليوم، وعلى جري فخر الدين، الذي سعى إلى تأمين استقرارٍ هشٍّ لتعدّدٍ طائفيّ في جبل لبنان أُسندَ إلى الدروز دور محوره وضمانته، يُفعِّلون اتصالاتهم بجوارهم السُّنّيّ الجنوبيّ، سعياً إلى تركيب مشتركاتٍ سياسيّةٍ تفاوضية إزاء النظام الجديد.

وعلى محملٍ آخر، فإن الخيارات البراغماتية الحادّة لدى الدروز، والأقلياتِ عموماً، واتصالها الدائم بآليات الحماية الخارجيّة، صحِبَتها في بعض الأحايين عواقبُ دمويّة ثقيلة، لعلّ أبرز أمثلتها مقتلة المسيحيين في دمشق عام 1860، حين تذرّعت فرنسا بحمايتهم، لتتدخّل في الشأن السوري، جاعلةً من النزاع الداخلي الأهليّ، مسألة دولية مفتوحة.

المفارقة الأشد أنّ الدمَ الغزير الذي أسالته المقتلة، تناسَلَ من «تنظيمات» أرادتها الدولة العثمانية إحقاقاً للمساواة الأهليّة بين الطوائف الإسلامية والمسيحية، فانقلبت إلى سببٍ في تعميق الشروخ الجماعيّة، وتفجير صراعاتٍ دمويّةٍ كانت أوروبا مستعدّةً تماماً لاستغلالها، كما هي إسرائيلُ اليوم.

يتضح إذن أن الدروز دفعوا، تباعاً، أثماناً ثقيلةً ومتضاربة؛ مرةً ثمن محاولات الدولة العثمانية إنصافَهم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وثمن اصطدامهم بالسلطنة، في حِقَب أبكر. ودفعوا، على نحوٍ أشدّ مفارقةً، ثمن توظيف بعض العثمانيين لهم في معاركهم مع المسيحيّين، التي كانت في جوهرها، الوجه الأهلي للصراع الأوسع بين الدولة العثمانية والغرب.

هكذا، فإن زيارة مشايخ الدروز السوريين لإسرائيل، على ظاهرها الرعويّ، إنما تَحملُ في باطنها خوفاً أهلياً موروثاً، وخبرةً تاريخيّةً ثقيلةً، كثيراً ما دفعت الدروز إلى خياراتٍ حادّةٍ وقاسية. وهي بهذا المعنى، لا تكتفي بإعادة تذكيرِ دمشقَ الجديدة بأنَّ للجماعةِ حقوقاً في الميزان السوريّ العام، بل تعيدُ إدراجَ الأقلّيّاتِ مرّةً أخرى في صُلب النزاعات الكبرى، بصفتها طرفاً يتوسّلُ ماضيه ويُشهرُ هواجسَه، مفاوِضاً أو مناوراً، حيال نظامٍ تتأرجحُ وعودُهُ بين احتكارِ السلطة، وإغراءِ التوازن الطائفي القلق.

الشرق الأوسط

——————————————–

المعضلة السورية والخروج الآمن/ د. حسن أبو طالب

 18 مارس 2025 م

لا ينكر أي متابع لما يجري في سوريا، أكان عالماً بدهاليز السياسة أو شخصاً عادياً، أن سوريا تعيش الآن مرحلة مخاض مملوء بالاضطرابات والإشارات المتضاربة. فأبعاد المعضلة السورية تتكشف بين لحظة وأخرى، وما يوصف بأنه خطوة إيجابية مبشرة سرعان ما تتكشف تفاصيله، بأنه إما فاقد لآليات التطبيق، كما هي الحال في الاتفاق بين الرئيس أحمد الشرع والأكراد السوريين، ممثلين في زعيم «قسد» مظلوم عبدي، وإما يتجاوز طموحات قطاعات عريضة جداً من السوريين الآملين في العيش تحت سقف قانون عادل ومنصف، يرسخ المساواة بين كل السوريين، ومساحة من الحريات للجميع، أياً كانت طائفتهم أو دينهم أو منطقتهم الجغرافية.

فكثير من قرارات السلطة الجديدة وإن غُلِّفت بنيَّات حسنة، فإن أسلوب تطبيقها لا يوفر أساساً لمصالحة سورية عامة، ولا يعطي مؤشراً قوياً على أن المستقبل القريب يستند إلى آليات حكم غير التي كانت قبل اختفاء بشار الأسد وانهيار نظامه. والأمثلة كثيرة، فالمنهج الذي صيغت به الوثيقة الدستورية الموصوفة بأنها انتقالية، تشتمل على 53 بنداً، تماثل من حيث الشكل العام الدساتير الدائمة التي تصدرها الدول المستقرة، وفق إجراءات شفافة ومشاركة واسعة، وتخضع لحوار مجتمعي حقيقي؛ إذ لم يحدث شيء من هذا. فلجنة الدستور شُكِّلت بقرار رئاسي، ولم تتواصل مع مكونات الشعب السوري، وفي خلال أسبوع واحد وضعت وثيقة دستورية لخمس سنوات انتقالية مرة واحدة، تماثل من حيث الشكل أيضاً مدة رئاسية كاملة في كثير من الدول التي تعتمد أسلوب الانتخاب لاختيار الحاكم.

ولا أدري؛ لماذا لم تُشكل طاولة حوار مجتمعي موسعة تستمر شهراً أو شهرين، تشارك فيها رموز من مختلف المكونات السورية، وتُقر مبادئ لمرحلة انتقالية لفترة زمنية محدودة لا تزيد على عامين، وبعدها انتخابات حرة لبدء حياة سياسية مستقرة تعلن بها عن سوريا جديدة لكل مواطنيها؟

إن التسرع في إصدار وثيقة دستورية مفصَّلة توفر للرئيس سلطات واسعة -وإن قيل إن ظروف سوريا تتطلب يداً حازمة قادرة على التعامل الحازم مع التحديات- اتضح معه أن ردود الفعل من مكونات سورية كثيرة ترى الأمور عكس ما استُهدف، مما يضع أعباء على الرئيس وحكومته، في الداخل كما في الخارج. فهناك من يرى أن سوريا الجديدة لا تحمي كل مواطنيها، وبخاصة أصحاب العقائد ذات الخصوصية، ومن ثَم يبررون لأنفسهم تقديم مظلة حماية لهؤلاء المتضررين، ويستشهدون بما ورد في الوثيقة الدستورية وطريقة إصدارها.

داخلياً، «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية (قسد)، رأت أن الدستور الانتقالي يتناقض مع المبادئ الواردة في الاتفاق الموقع مع الرئيس أحمد الشرع. ومواقف فئات علوية ودرزية -وإن اختلطت فيها التحفظات والرفض والصمت- تعد إشارات ذات دلالة، وفي الخلفية من ينذر باللجوء إلى السلاح؛ سواء مَن يوصَفون بالفلول، أو بالمتشككين في النظام الجديد، ومن ثم فالأمر يتطلب معالجة رشيدة، بدلاً من أن تتفاقم الأمور، على النحو الذي تنذر به زيارات بعض رجال الدين الدروز السوريين إلى داخل الجولان المحتل، مع مراعاة أن من بين الدروز السوريين من انتقد الزيارة؛ رغم محاولات صبغها دينياً، ونفي دلالاتها السياسية.

وثائق الدستور في المراحل الانتقالية ليست وثائق مقدسة، فإن فرضَت التجربة العملية التغيير في بنيتها كلياً أو جزئياً، فمن الحصافة والحكمة لمن يملك القرار أن يتجاوب مع تلك التحفظات، وأن يوسع مساحة المشاركة، وأن يثبت وعوده في احتواء الجميع من دون استثناء.

معضلة الدستور الانتقالي تمتد إلى كثير من القرارات التي لم تضع في اعتبارها أن انهيار النظم لا يعني بالضرورة التخلص من كل مؤسساتها بجرة قلم، وبالأخص: الجيش، والشرطة، والاستخبارات، والخارجية، والتعليم، والاقتصاد. ففي تلك المؤسسات فئتان: الأولى هي العليا التي تماهت مع النظام السابق، ويُفترض التخلص منها ومحاسبة المخطئين بالقانون على تجاوزاتهم في حق الناس، والثانية الغالبية من التقنيين والإداريين، ولا يعدُّون مسؤولين كالفئة الأولى، وتظل لديهم معرفة معقولة بإدارة كثير من الملفات، والتي يحتاج إليها أي نظام جديد، وبقليل من الترشيد يظل هؤلاء عنصراً مهماً في بناء النظام الجديد.

والثابت أن نتيجة التضحية بالفئتين معاً والبدء من الصفر -كما يحلو للبعض وهم في حالة نشوة ثورية زائفة- تكون بلداً بلا جيش ولا أمن، ولا فئة تكنوقراطية، ولا خبراء ولا علماء، وبالتالي يضع النظام الجديد نفسه في دوامة لا نهاية لها، فضلاً عن أطماع خارجية شرسة.

وقد يجد البعض من صانعي النظام الجديد غضاضة في احتواء قطاعات من العاملين في تلك المؤسسات كأساس تقني يُعتمَد عليه، خوفاً من عدم الولاء للنظام الجديد، وهو أمر تغيب عنه التداعيات الخطرة التي يتضمنها لفظ آلاف من الموظفين والعمال، وتركهم وأُسَرهم بلا عمل ولا مورد رزق، ما يدفع كثيرين منهم إلى الانزلاق إلى أعمال عدائية؛ سواء فردية أو جماعية.

وفي التجارب التي شهدت تحولات ثورية عميقة، واعتمدت مبادئ العدالة الانتقالية منهجاً لإعادة البناء، انتقلت البلاد من الفوضى إلى الارتقاء، وشهد لها الجميع بالرشادة السياسية، وهنا يبرز كل من تجربتَي: رواندا في عهد بول كاغامي بعد المذابح الأهلية 1994 بين الهوتو والتوتسو، والتحول إلى بلد مستقر يحقق تنمية مشهودة، بعد اعتماد سياسة المصالحة الوطنية، ونبذ العنف والتعددية السياسية، وتجربة جنوب أفريقيا الشهيرة بعد سقوط النظام العنصري فيها 1990. قد تأخذ بعض تلك الإجراءات وقتاً لتصبح منهجاً مجتمعياً متكاملاً، ولكنها تستحق التطبيق.

الشرق الأوسط

———————————-

سوريا بين مطالب الخارج وتحديات الداخل/ أحمد محمود عجاج

رحل بشار الأسد وترك سوريا خربة؛ باقتصاد منهار، ونازحين بالملايين، ووضع داخلي مشتعل، وعقوبات دولية. حكومة الرئيس أحمد الشرع تبدأ من الصفر، وفوق ذلك عليها مواجهة أطماع إسرائيل، ومؤامرات إيران، ومطالب دولية جارحة للسيادة. فالشرع في ورطة: لا هو قادر على الحسم العسكري، ولا مستعد لقبول إملاءات الخارج؛ وهذا يستلزم منه براعة وصبرًا لاستيعاب التناقضات الدولية والإقليمية، والنفاذ منها للحفاظ على الكيان السوري، وإلا فإن التَّفتت وارد جداً أمام مطالب الدروز، والعلويين، وانفصال الأكراد.

إن رفض بعض زعماء الدروز الانضمام لسلطة الحكومة المركزية نابع من الدعم الإسرائيلي الفاضح، وشعورهم بأن الفرصة مواتية للفيدرالية؛ فالفيدرالية تُضعف سلطة الحكومة المركزية، وتقوِّي الأقليات على حساب الأكثرية، وهذا يمنح إسرائيل وإيران وغيرهما أوراقاً في الداخل السوري. هذا الكسب الفيدرالي يمثل خسارة كبرى لتركيا والعرب؛ الأولى تجد في الفيدرالية خطراً على أمنها. والعرب على أمنهم القومي، ووحدة تراب سوريا؛ لذلك شاهدنا اندفاعة دبلوماسية سعودية لتسويق الاعتراف الدولي بالحكومة الجديدة، واحتضاناً تركياً لتوفير حماية أمنية لها. وتجلى ذلك بدعم الحكومة السعودية السريع للسلطة السورية في أثناء تمرد الساحل، وبتحرك تركيا عسكرياً؛ وهذا لقي قبولاً من الإدارة الأميركية.

هذا التناغم دفع الأكراد للمسارعة إلى مصالحة السلطة في دمشق، وتوقيع اتفاق مبدئي معها، يعزز السلطة المركزية؛ وهذا سببه خوف الأكراد من سحب ترمب قواته من مناطقهم، وغياب روسيا بوصفها قوة رديفة. وبالفعل أكدت صحيفة «وول ستريت جورنال» دور أميركا في هذا الاتفاق مع دمشق. وهذا حشر الدروز في زاوية صعبة، لكونهم يشكلون اثنين في المائة من سكان سوريا، وليس منطقياً أن يُمنحوا هذا الامتياز الفيدرالي. كذلك الرئيس ترمب قد لا يسمح لإسرائيل بأن توسع تدخلها في سوريا؛ لأن ذلك قد يضر برؤيته المتمثلة في الانسحاب من المنطقة، وتسليمها إلى حلفائه لحفظ مصالح أميركا، مثل محاربة «داعش»، ونقل مساجينها إلى رعاية الدولة السورية بضمانة تركية؛ فترمب -رغم دعمه لنتنياهو- تفاوض فوق رأسه مع «حماس»، وأجبره على قبول اتفاق وقف إطلاق النار، وسيرغمه على تجنب أي مواجهة محتملة مع الأتراك؛ لأن ذلك قد يدفع الحكومة السورية إلى الارتماء أكثر في حضن أنقرة، علاوة على أن ذلك يبعد فكرة السلام في المنطقة، والتي من خلالها يريد ترمب أن يكون صانع سلام تاريخياً.

ومن حسن حظ الحكومة السورية أن أوروبا وروسيا منشغلتان بالحرب الأوكرانية، ولا ترغبان في تعقيدات بالشرق الأوسط، وبالذات أوروبا التي تخشى موجات مهاجرين، والتي تتطلع لإعادة السوريين إلى بلادهم. كما أن مسارعة الحكومة السورية لمعالجة التجاوزات في الساحل السوري، وتشكيل لجنة تقصٍّ، وتعويض المتضررين، قابله ارتياح أوروبي تمثَّل بدعوة المفوضية الأوروبية للرئيس الشرع لحضور مؤتمر المانحين لسوريا المنعقد أمس في 17 مارس (آذار) في بروكسل. فالخوف من تصدُّع سوريا هاجس أميركي وأوروبي، ولذلك أقنع الأميركيون فصائل التنف بالانضمام للدولة، وسمحوا لقطر بإمداد سوريا بالغاز.

وتدرك روسيا بالمقابل وضعها المتأزم مع الشعب السوري، وكل همها الآن إبقاء قاعدتها البحرية في طرطوس؛ لأنها المنفذ الحيوي للقارة الأفريقية؛ هذه المصلحة الروسية تجعلها على تضاد مع أي زعزعة إيرانية لسوريا.

هذه المعطيات الدولية ليست ثابتة، وعلى حكومة الشرع فهم تحولاتها وتقلباتها، لبناء الدولة القوية؛ فاللحظة مناسبة لتقديم مصالح شعب سوريا على مطالب الخارج، وبالذات رفض مخاوف الخارج المزيفة على الأقليات؛ فالمطالبة بتمييع الأكثرية -كما يقول وزير خارجية الهند جايشانكار- أصبح «مع الأسف موضة سياسية تجبر الأكثرية على إخفاء دينها». فسوريا الجديدة لن يكون فيها خوف على أقليات، ما دامت حكومتها تلتزم بالدستور، وحكم القانون، وتكافؤ الفرص، واحترام حقوق الإنسان، وما دامت تحظى بتأييد شعبها، وما دامت تحرص على التوافق السعودي- التركي الذي تحتاجه لسنوات طويلة.

سوريا اليوم ليس كتلك التي تركها الأسد؛ بل دولة يحميها الشعب، ويحضنها إخوتها العرب، ونموذج واعد للتعايش.

الشرق الأوسط

—————————–

 عناصر “المجلس العسكري” في السويداء يهاجمون مشاركين في احتفالية ذكرى الثورة

2025.03.18

اعتدى عناصر من المجلس العسكري في السويداء على مشاركين في احتفالية الذكرى السنوية للثورة السورية، التي أقيمت في ساحة الكرامة وسط المدينة، اليوم الثلاثاء، بعد محاولتهم رفع علم خاص بهم، ما أدى إلى وقوع مشادات كلامية وتدافع مع المتظاهرين.

وأفاد مراسل تلفزيون سوريا بأن شبان الساحة تصدوا لمحاولة عناصر المجلس العسكري رفع العلم، ما تسبب في مشاحنات وتبادل للشتائم، قبل أن يتطور الأمر إلى اعتداءات طالت بعض الصحفيين الذين كانوا يوثقون الحدث، حيث حاول عناصر المجلس منعهم من التصوير.

وأكد المراسل أن الأهالي تدخلوا وأجبروا عناصر المجلس العسكري على مغادرة الساحة، لتستمر الفعالية من دون وقوع مزيد من التوترات.

وشارك في الاحتفالية العشرات، وهتفوا مؤكدين على وحدة الأراضي السورية ووقوفهم إلى جانب درعا التي تعرضت لقصف إسرائيلي ما أدى إلى سقوط 22 ضحية من المدنيين.

“المجلس العسكري” في السويداء

أفادت “السويداء 24” بأن المجلس العسكري تأسس عقب يوم من سقوط نظام الأسد، وأصدر بياناً مصوراً بعد ثلاثة أيام من ذلك، دعا فيه كل من يحمل السلاح إلى الانضمام إليه والتنسيق معه بهدف “حماية المؤسسات وتنظيم السلاح”.

ووفقاً للشبكة، فإن “المجلس العسكري” ينشط في بعض مناطق ريف السويداء الجنوبي، من دون أن يكون له امتداد في جميع أرجاء المحافظة. ويقود المجلس طارق الشوفي، وهو ضابط منشق سبق أن عمل مع تجمعات سياسية تطالب بنظام حكم لا مركزي في سوريا.

وأكدت الشبكة أن دعوات المجلس لم تلقَ استجابة من كبرى الفصائل العسكرية في السويداء، التي شكلت بدورها تجمعات تحت اسم “غرف العمليات”. كما أعلنت، إلى جانب عدد من المرجعيات الدينية، من بينهم الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي للطائفة، أن المجلس العسكري المذكور لا يمثل أهالي المحافظة.

النص الآن أكثر وضوحاً وسلاسة، مع الحفاظ على معناه الكامل.

——————————-

استثمار “الانفجار الطائفي” في سوريا/ خالد الجرعتلي  |حسن إبراهيم | علي درويش

خبراء يناقشون الدوافع الداخلية والخارجية

18 أذار 2025

شهدت سوريا خلال الأيام الماضية إحدى أسوأ موجات العنف منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 من كانون الأول 2024، بدأت شرارتها بكمين من مسلحين موالين للنظام المخلوع في الساحل السوري أو من تصفهم الحكومة السورية بـ”فلول النظام”، استهدف عناصر الأمن في حكومة دمشق المؤقتة.

تحولت الأحداث سريعًا إلى مواجهات عنيفة دامية، ارتُكبت خلالها انتهاكات طالت مدنيين من أبناء الساحل السوري، واتّسم معظمها بطابع انتقامي وطائفي، وتضمنت عمليات قتل خارج نطاق القانون، شملت إعدامات ميدانية وعمليات قتل جماعي ممنهجة بدوافع انتقامية وطائفية، وفق ما وثقته تقارير حقوقية.

التوترات التي أعقبت الأحداث، وما رافقها من شعارات وأبعاد طائفية، بدأت في 6 من آذار الحالي، وأدت إلى مقتل 803 أشخاص خارج نطاق القانون، قوبلت بتنديد شعبي ورسمي محلي ودولي واسع.

وتزامنًا مع موجة العنف التي ضربت المنطقة، علت الأصوات السورية لنبذ النزعات الطائفية، وضرورة مكافحتها، والحفاظ على السلم الأهلي وعلى سوريا واحدة بجميع مكوناتها، وعدم جر البلاد نحو السمّ الطائفي، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف تداعيات الأحداث التي شهدها الساحل السوري، وسبل الوصول إلى حلول تخفف من وطأة النزعة الطائفية بين فئات من السوريين، ودور الحكومة فيها.

مبادرات وأصوات رافضة للطائفية

بالتزامن مع عملية “ردع العدوان” التي أدت إلى سقوط نظام الأسد، وهروب بشار إلى روسيا، بدا التأكيد واضحًا على تجنب ومنع إثارة النعرات الطائفية في سوريا وتصاعد لاحقًا، وحملت المعركة رسائل منع الاستهداف على أساس عرقي أو مذهبي أو طائفي، وما تبعها من اجتماعات وخطابات وتشكيل لجان، فكان نبذ الطائفية والمحاصصة ومنع تطييف المجتمع ومراعاة التنوع حاضرًا على لسان المسؤولين، بدءًا من رأس الهرم، أحمد الشرع، رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية، وصولًا لمسؤولين في الحكومة.

وبالتزامن مع توترات الساحل السوري، قال الشرع، إن بعض الأطراف التي خسرت من الواقع الجديد في سوريا، تحاول أن تعيد نفسها إلى الساحة السياسية عبر إثارة النعرات الطائفية في سوريا، وإن احتمالات اندلاع حرب أهلية كانت كبيرة وقريبة.

لجان لتدارك الموقف

أصدر الشرع قرارين بتشكيل لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي في سوريا، مؤلفة من المكلف بتسيير أعمال محافظة اللاذقية حسن صوفان، والدكتور أنس عيروط، والدكتور خالد الأحمد، ولجنة تقصي حقائق مكونة من خمسة قضاة وضابط ومحامٍ، للتحقيق بعد الأحداث الدامية في مدن الساحل غربي سوريا.

عضو لجنة السلم الأهلي، الدكتور أنس عيروط، قال لعنب بلدي، إن الهدف الأساسي من عمل اللجنة هو تقديم الدعم المعنوي من خلال توطيد الأمن بين أفراد المجتمع بمختلف طوائفه وأديانه، وتقديم الدعم المادي من خلال الإغاثة لسد حاجة المحتاجين، وقد أشار إليهما باقتباس من القرآن الكريم: “الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”.

وأضاف أن أدوات السلم الأهلي كثيرة، ومن أهمها بث قنوات ومنصات التواصل الاجتماعي بين مختلف شرائح المجتمع، وفتح باب الحوار من خلال عمل ندوات أو مجالس اجتماعية، وتكثيف اللقاءات، فهي بدورها كفيلة بقطع الألسن وتقريب وجهات النظر وإصلاح سوء التفاهم وإزالة الفجوة.

ومن أدوات السلم الأهلي، تشكيل مجلس إصلاحي من أهل العقل والرأي وتفعيله ليقوم بدوره في تحمل المسؤولية، ويكون صلة الوصل بين الأهالي والجهات الرسمية، وفق عيروط.

رجال دين ينظمون وقفة احتجاجية لمحاسبة مرتكبي الاعتداءات والتضامن مع الأمن العام والجيش السوري – 11 آذار 2025 (محافظة حلب/ تلجرام)

رجال دين ينظمون وقفة احتجاجية لمحاسبة مرتكبي الاعتداءات والتضامن مع الأمن العام والجيش السوري – 11 آذار 2025 (محافظة حلب/ تلجرام)

أبرز أعمال لجنة السلم الأهلي في الساحل السوري:

    الاجتماع بالأهالي وممثلي الطوائف من أجل الحوار وطرح الحلول للوصول إلى السلم الأهلي.

    تفعيل دور المخاتير واللجان الشعبية والتواصل معهم.

    الدعوة لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات والاعتداءات من أي جهة كانت.

    التوجيه لنبذ الخطاب الطائفي عن طريق الأئمة والخطباء.

    التنسيق مع جهاز الأمن من أجل وضع الحواجز على مداخل البلدات والأحياء السكنية حماية لها.

    دعم فكرة سحب السلاح من كل المدنيين وتسليمه لجهاز الأمن.

عيروط: نرفض الخطاب الطائفي

أكد عيروط أن العناصر العسكريين تلقوا توجيهات وتعليمات بعدم الاعتداء على المدنيين والأبرياء، وقد رأى العالم كيف دخلوا دمشق والساحل بـ”الأهازيج والأفراح” ودون قطرة دم واحدة، واستمروا على ذلك أكثر من ثلاثة أشهر، في منتهى التعايش والتلاحم، في سيطرة تامة على هذا الأمر من قبل الدولة وأهل الرأي والعقل، وجرت الحيلولة بينهم وبين الانتقام الذي كان متوقعًا في الغالب نتيجة المجازر التي ارتكبتها “العصابة الأسدية” باسم الطائفية.

وأضاف خلال حديثه لعنب بلدي أن ما حصل هو “تحريض الفلول أو عصابات الأسد البائدة”، والتجييش مع “الاعتداء السافر” على قوى الأمن والجيش ومحاصرة المستشفيات والمساجد، بالتنسيق مع بعض الميليشيات الإيرانية و”حزب الله” وغيرهم، فكان ما كان من الجرائم والتنكيل بعناصر قوى الأمن والشرطة والجيش والمدنيين من جميع الطوائف الأبرياء، التي “راح ضحيتها أكثر من 300 شهيد فضلًا عن الجرحى”، وهنا كان لزامًا على الدولة التدخل بقوة وحزم حفاظًا على أمن الدولة والسلم الأهلي.

عيروط ذكر أن أرتال القوات الحكومية فكت الحصار عن مستشفى اللاذقية، وعملت على تطهير البلد من عصابات الفلول، وكل ما حصل من تجاوزات كان عقب دخول الأرتال، حيث دخل بعض الأفراد هنا وهناك من خارج المنطقة، وربما من أهل من جُرح ونُكب على أيدي الفلول وغيرهم، فأصبحت هناك عمليات انتقام فردية غير منضبطة.

لجنة السلم الأهلي أسهمت بتهدئة الوضع وتأمين الأهالي في بيوتهم، وعملت على اللقاء بأهالي القرى، وزارت قرى الطائفة العلوية مرارًا من أجل دعم أهلها وتأمينهم وتهدئتهم في قراهم وبيوتهم والعمل على صيانة شبكات الكهرباء والماء لعودة الحياة، ورد بعض المسروقات إلى أصحابها.

وقال عيروط، إنه يرفض الخطاب الطائفي جملة وتفصيلًا، خاصة أنه ليس من الدين، مع تأكيده على أن غرفة العمليات ومن بعدها الحكومة دعت العناصر إلى الانضباط بضوابط الدين والقانون والأخلاق.

وذكر عضو لجنة السلم الأهلي أن اللجنة أسهمت بتهدئة الوضع وتأمين الأهالي في بيوتهم، وعملت على اللقاء بأهالي القرى، وزارت قرى الطائفة العلوية مرارًا من أجل دعم أهلها وتأمينهم وتهدئتهم في قراهم وبيوتهم والعمل على صيانة شبكات الكهرباء والماء لعودة الحياة، ورد بعض المسروقات إلى أصحابها.

لا لتفكيك النسيج الاجتماعي

خرجت أصوات وبيانات ومبادرات مجتمعية رافضة للطائفية، ونددت بالانتهاكات وأكدت على التمسك بالوحدة الوطنية، والعمل المشترك لإعادة بناء سوريا وفق أحلام ورؤى أبنائها، منها بيان صادر عن كافة مكونات مدينة سلمية وريفها التي يقطنها مزيج من مكونات تنتمي لطوائف مختلفة.

    بنود بيان صادر عن جميع مكونات مدينة سلمية وريفها:

        التمسك المطلق بالسلم الأهلي ورفض أي محاولات لزعزعة الاستقرار أو العبث بالأمن العام.

        الإدانة الشديدة للاعتداءات التي قامت بها فلول النظام السابق.

        الإدانة الشديدة للاعتداءات الإجرامية التي تعرض لها الأهالي في مدنهم وقراهم على يد الأطراف الخارجة على القانون، والدعوة للعمل بشكل حازم على وقف نزيف الدم السوري.

        الوقوف الكامل إلى جانب الدولة السورية ومؤسساتها الأمنية والمدنية في جهودها الرامية إلى حماية المواطنين وتعزيز الأمن والاستقرار.

        تثمين عالٍ لقيام الدولة بتشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة.

        حصر السلاح بيد الدولة.

        دعوة جميع القوى الوطنية والمجتمعية إلى التحلي بأعلى درجات المسؤولية والوعي، ونبذ كل أشكال التحريض والفتنة.

        دعم الدولة في مسيرتها نحو إعادة بناء دولة القانون والمواطنة وفق مبدأ التشاركية في صنع القرارات، والتأكيد على أهمية تطبيق العدالة الانتقالية.

        التأكيد على وحدة التراب السوري ورفض أي محاولة للتقسيم، ورفض التدخلات الخارجية.

        الترحيب بالاتفاق الذي جرى بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والحكومة السورية.

جامعة “قرطبة” الخاصة بمدينة حلب، نظّمت من جانبها وقفة للطلاب والكادر التدريسي والإداري، حملوا فيها الورود والمشاعل، ودعوا إلى وحدة أراضي سوريا وشعبها ودعم الجهود الحكومية في هذا الخصوص، مع نبذ خطاب التحريض والكراهية والطائفية.

رئيسة جامعة “قرطبة” الخاصة في حلب، الدكتورة لارا قديد، قالت لعنب بلدي، إن الخطاب التحريضي القائم على أساس طائفي يحدث شرخًا عميقًا بين مكونات الشعب السوري، ويعزز الانقسامات ويؤجج مشاعر الكراهية والعداء.

واعتبرت قديد أن هذا النوع من الخطاب يسهم في تفكيك النسيج الاجتماعي، ويزيد من حدة التوترات بين الطوائف المختلفة، وهذا بدوره يؤدي إلى تفشي العنف والنزاع.

وتابعت أن استمرار هذا الخطاب يفاقم الصراعات الداخلية ويزيد في الانقسامات المجتمعية، ما يشكل عائقًا أمام تحقيق السلام والاستقرار في البلاد.

ولفتت قديد إلى أهمية المبادرات السِلمية، ومنها الوقفة التضامنية في جامعة “قرطبة”، معتبرة أنها “خطوة مهمة نحو تعزيز التسامح والتفاهم بين مختلف مكونات المجتمع السوري”، لأنها تسهم في بناء جسور التواصل وتعزيز الحوار بين الطوائف المختلفة، والتأكيد على الالتزام بالسلم الأهلي وضرورة التسلح بالوعي الكافي بما يساعد على تقليل التوترات الطائفية.

في مدينة الباب بريف حلب، أثار تسجيل مصور نشره فريق “عبق التطوعي” غضبًا واسعًا في مواقع التواصل الاجتماعي (حُذف لاحقًا)، لأنه أظهر توزيع التمر على الصائمين في رمضان مع عبارات تحريضية ذات صبغة طائفية.

بعد موجة الغضب، أصدر الفريق بيان اعتذارًا لجميع السوريين وخصوصًا أبناء الطائفة العلوية، أكد فيه تحمله المسؤولية عن هذا الخطأ، وشدد على أن نيته لم تكن إثارة الفتنة أو التحريض.

لقيت الحادثة تفاعلًا أهليًا، فصدرت عدة بيانات استنكرت الأمر، منها بيان من المجلس المحلي في مدينة الباب، الذي رفض هذه السلوكيات، وتوعد باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للتحقيق في ملابسات الحادثة، وإحالة المسؤولين عنها للمحاسبة وفق القوانين، لافتًا إلى أن الفريق غير مرخص لديه.

عضو اللجنة السياسية في السويداء المحامي صالح علم الدين، انتقد خطوات اتخذها أحمد الشرع وحكومة دمشق المؤقتة، معتبرًا أنها خلقت نوعًا من الارتباك الطائفي والتفرقة بين مكونات الشعب السوري.

ويرى علم الدين أن إجراءات الحكومة والشرع كانت مخالفة لبناء الدولة الجديدة، ومنحت شكل الدولة لونًا واحدًا (من حل الدستور بالكامل، وزج مقاتلين أجانب في بنية الجيش)، وهذا ما أثار نعرات طائفية، وما يجري من انتهاكات في الساحل السوري، يحمل بعدًا طائفيًا وخلافًا وجوديًا، ولا بد من تفادي هذه الحالة ومراجعة الإجراءات والخطوات.

لماذا تصطف مكونات خلف اعتقاداتها

ربما لم تُطرح مسألة الأقليات والأكثرية في أي حقبة من تاريخ سوريا كما يشار إليها خلال الفترة الماضية، في وقت تقف فيه فئات من المجتمع السوري متحصنة بانتمائها الطائفي أمام مجموعات أخرى تنتمي لطوائف أخرى، لكنها تتخذ الموقف نفسه.

قرأ أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز “دراسات الشرق المعاصر” في جامعة “السوربون” الفرنسية، برهان غليون، مصطلح الأقليات في الظروف الحالية بأنه ذو معنى لا يتطابق مع شكله المعروف في كل مكان، وعلى مر العصور.

وفي كتابه “المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات” قال غليون، إن معنى الأقلية يُستلهم دائمًا من الظرف التاريخي السياسي الذي يعطيه شحنة تخلية، وأبعادًا اجتماعية، يمكن أن تتراوح بين المطالبة بالمساواة والدعوة إلى الاستقلال وتكوين دولة منفصلة.

وأضاف أن الأمم جمعيها مكونة من أقليات، أي جماعات متعددة ومتميزة كل واحدة عن الأخرى، سواء كانت جماعات اجتماعية أو مهنية أو جغرافية أو قومية، ولا تكون هذه الجماعات دائمًا على المستوى نفسه من القوة أو النفوذ إلى السلطة.

مسألة ذات ارتباطات تاريخية

يحتل الموضوع الطائفي مساحة واسعة ضمن الأدوات التي استخدمت على مر السنوات في الحرب السورية، واستُغل هذا الواقع من قبل أطراف عديدة محلية ودولية، وفسّر الباحث علاء الدين الخطيب، في بحث نشره مركز “تواصل لمناهضة خطاب الكراهية“، خطورة هذا الخطاب بكون الإشكال الطائفي أزمة مستمرة تاريخيًا في العالم والمنطقة وفي سوريا، وهي جزء من حركة ارتداد أصولي عالمي وإقليمي نحو الهويات الضيقة، والأهم أن خطاب التحريض الطائفي يتيح للخطاب الشعبوي الكثير من الأدوات التي تخاطب العواطف الغاضبة أو المحبطة للجماهير.

الدكتور في علم الاجتماع صفوان قسام، قال لعنب بلدي، إن الإشكالية الطائفية في سوريا تعود جذورها لفترات زمنية أقدم مما يُنظر إليه اليوم، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال النظر إلى أماكن إقامة الأقليات الدينية في سوريا بالمناطق الجبلية التي يسهل الدفاع عنها.

وأضاف أن حالات الاضطهاد التي عانت منها الأقليات في سوريا على مر التاريخ، خصوصًا مع التغيرات السياسية التي مرت بها البلاد، ومنها “فتاوى ابن تيمية بقتل الأقليات”، شكّلت عقلًا جمعيًا عند الأقليات الدينية يخوّفها من الأكثرية في سوريا، وهو ما استثمر فيه النظام السوري السابق، بحسب قسام.

قسام قال أيضًا إن الانتهاكات التي تُهدد بها الأقليات، وحصلت في مناطق متفرقة خلال السنوات، منها بلدة قلب لوزة في إدلب التي تقطنها غالبية درزية، أسهمت في تشكيل حالة من عدم الاندماج بالمجتمع المحيط للفئة التي تعرضت للانتهاك.

ولفت إلى أن التحريض الذي لم يتوقف على مدار الأسابيع الماضية، دون رادع، أدى إلى أحداث الساحل السوري، وأسفر عن سقوط ضحايا من أبناء الطائفتين السنية والعلوية.

 الإشكالية الطائفية في سوريا تعود جذورها لفترات زمنية أقدم مما يُنظر إليه اليوم، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال النظر إلى أماكن إقامة الأقليات الدينية في سوريا بالمناطق الجبلية التي يسهل الدفاع عنها.

خلافات في النسق الطائفي استغلها الأسد

يستند الخطاب المبني على الكراهية بشكل عام أو على الكراهية في النسق الطائفي في سوريا، بالتمايز في الهويات الدينية والمذهبية المتجذرة بالمجتمعات المحلية السورية، إلى تصورات نمطية وإلى حد ما عدائية تجاه الآخر، بناء على الهوية الطائفية وفق ما يراه الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” طلال المصطفى.

المصطفى، وهو دكتور في علم الاجتماع، قال لعنب بلدي، إن الخطاب المبني على الكراهية يتغذى على مشاعر التهميش والخوف التي عادة يضخمها السياسيون، أي أن الفاعل السياسي هو الذي يضخم الحالة، إلى جانب الدور الذي تلعبه القيادات المذهبية أو الدينية في تضخيم هذا الخطاب أيضًا.

وأضاف أن الكراهية تؤدي بطبيعة الحال إلى المزيد من العنف الانتقامي، خصوصًا عند تحميل فئة أو جماعة مسؤولية تهديدات أو صعوبات تواجهها جماعة أخرى، بمعنى أن “نسق الطائفة هو بيئة خصبة لتصعيد العنف وتصعيد الكراهية”.

ولفت الباحث إلى أن النظام السوري عمل بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 على تأجيج خطاب الكراهية، ومع مرور الوقت صار حديث الشارع يركز على حرب غير معلنة طائفية ما بين السنة والعلويين، سواء عن وعي، أو دونه، وهو ما صب عليه نظام الأسد المخلوع جهده.

وأرجع الباحث جذور الخلاف الطائفي في سوريا إلى ما قبل عام 2011، لافتًا إلى أنها مرتبطة بالنسق السلطوي للنظام، وليست من مفرزات الثورة كما كان يحاول النظام المخلوع تصويره سابقًا.

من جانبه، قسّم الدكتور في علم الاجتماع صفوان قسام، نظرة الغالبية السنية للأحداث الطائفية في سوريا إلى تيارات متعددة، أبرزها التيار الذي عاش في شمال غربي سوريا الذي يفكر بعض أفراده من منطلق حالة انتقامية، نظرًا إلى أن أفراده هم من عاشوا في الخيام وتحت البراميل وعانوا من النزوح والقتل.

ولفت إلى أن الحالة المتناقضة جدًا في سوريا مفهومة حاليًا، على اعتبار أن العمليات الانتقامية تقاس كرد فعل من مجموعة لأخرى، الأولى كانت تتعرض لأقسى أنواع الاضطهاد، والثانية كانت تتشفى بجراحها.

وأشار إلى وجود تيار آخر في الغالبية السنية السورية، يؤمن بجوهر الإنسان، وجوهر المجتمع نفسه، وجوهر العلاقات الاجتماعية الطيبة بين الأفراد.

قسام قال أيضًا إن التيار الثالث هو التيار السياسي، وهو الذي يتصدر المشهد الإعلامي غالبًا، ويعتبر المحرك أيضًا للفئة الأولى، ويتيح له واقع الحال استخدام الخطاب الطائفي لتجييش الفئة الأولى بمعركته ضد الأقليات الدينية.

ولفت إلى أن استمرار هذا الخطاب لن يؤدي إلى استقرار، إنما سيعكس انتهاكات للحقوق على أساس طائفي ستعود للواجهة دائمًا.

الطائفية.. مخاطر وحلول

يعتبر التحزب والتخندق الطائفي أحد أسباب التدخلات الخارجية بالدول خاصة خلال القرنين الأخيرين، فالدول الغربية وتحت مسمى حماية الأقليات وجدت ذريعة للتدخل في شؤون العديد من دول المنطقة، ودعم مكونات دينية أو قومية على حساب أخرى، منذ زمن الدولة العثمانية.

في سوريا اليوم، تتعالى أصوات تحريض طائفي أو مطالبة بتدخل وحماية دولية، وهو ما يمكن أن يدفع سوريا إلى عواقب لا يحمد عقباها، وفق ما يراه مراقبون، فالأمثلة على ذلك متعددة.

مخاطر الوصاية الخارجية

دعا الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، خلال كلمة مصورة، في 9 من آذار الحالي، تعليقًا على أحداث الساحل السوري، دول الإقليم والعالم للوقوف إلى جانب سوريا وتأكيد احترامهم الكامل لوحدتها وسيادتها.

وشدد الشرع على أن “سوريا ستظل صامدة ولن نسمح لأي قوى خارجية أو أطراف محلية أن تجرها إلى الفوضى أو الحرب الأهلية، ونحن على العهد ماضون مصممون على المضي قدمًا نحو المستقبل الذي يليق بشعبنا العظيم”.

وقال وزير الدفاع في حكومة دمشق المؤقتة، مرهف أبو قصرة، إن “أكبر إنجاز بعد سقوط نظام بشار الأسد هو عدم اندلاع حرب أهلية”.

وذكر أبو قصرة خلال اجتماع في العاصمة دمشق حضرته عنب بلدي، في 22 من كانون الثاني الماضي، أنه “بوعي السوريين استطعنا تجاوز مرحلة الحرب الأهلية”.

بالمقابل، تظهر عدة أصوات في الساحل أو السويداء، أو حتى شمال شرقي سوريا، تطالب بتدخل دول خارجية، تزامنًا مع عملية إعادة بناء الدولة السورية بعد سقوط نظام الأسد.

وحول مخاطر الطائفية على وحدة سوريا، قال مدير قسم تحليل السياسات في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، الدكتور سمير العبد الله، إن للطائفية العديد من المخاطر، فبالإضافة إلى حالة الانقسام التي يعيشها المجتمع، وأعمال العنف في حال تطور الأمر، فهي تعزز من تدخل الدول الخارجية بالشأن الداخلي للبلد.

وتعمد بعض الدول لدعم أطراف ضد غيرها، ما يطيل أمد الصراع أو الخلاف، ويعرقل الاقتصاد والمشاريع، ويستنزف موارد الدولة، ويُنتج نخبًا ممثلة لطوائفها، بدل أن تكون نخبًا وطنية تمثل مصالح كل الشعب، وفق العبد الله.

وأضاف العبد الله لعنب بلدي أنه بالنسبة لسوريا “تجاوزت هذه المرحلة”، خاصة أن هناك رغبة دولية بنجاح الحكومة الجديدة، ودعمها لضبط الأوضاع، لكن إيران ستستمر بتحريك الطائفية، وروسيا ستراقب المشهد دون التدخل بشكل مباشر.

أبرز أخطار الوصاية الخارجية هو أن تتحول المصالح الوطنية إلى رهينة مباشرة لمصالح القوى الخارجية، بحسب ما قاله الباحث المتخصص في الشأن السياسي نادر الخليل، ففي الظروف الطبيعية، تسعى السلطة الحاكمة في أي بلد، مثل سوريا، إلى تحقيق توازن بين مصالح الأطراف الخارجية من خلال المساومات ومبدأ المصالح المتبادلة.

وأوضح الخليل لعنب بلدي، أنه في حالة الخضوع لوصاية خارجية، تصبح السلطة المحلية مقيدة بشكل قسري ومباشر بمصالح القوى الخارجية، ما يحدّ من قدرتها على المناورة.

 تسعى أي سلطة حاكمة إلى تحقيق توازن بين مصالح الأطراف الخارجية من خلال المساومات ومبدأ المصالح المتبادلة، لكن في حالة الخضوع لوصاية خارجية، تصبح السلطة المحلية مقيدة بشكل قسري ومباشر بمصالح القوى الخارجية، ما يحدّ من قدرتها على المناورة.

ولفت إلى أن هذا الوضع غالبًا ما ينعكس سلبًا على مصالح المواطنين، إذ تُهمّش احتياجاتهم لمصلحة أجندات خارجية.

ومع ذلك، في بعض الحالات، قد تخدم الوصاية الخارجية مصالح المكونات المهمّشة أو المضطهدة، وهذا لا يحدث إلا في حالات تكون فيها السلطة المحلية منحازة بشكل كبير لمصلحة مكون معين على حساب باقي المكونات الأخرى، وفق الخليل.

واعتبر أن هذه الحالة المصلحية تؤدي إلى هشاشة الانتماء الوطني، وتجعل البلد المعني ضعيفًا وقابلًا للاختراق، وعُرضة للتدخلات المتكررة ويكون كيانه السياسي “هشًا للغاية”.

ما الحلول؟

صعّدت أحداث الساحل السوري من حدة الخطاب الطائفي في سوريا، نتيجة مقتل مدنيين على يد فلول النظام السابق، أو مدنيين من الطائفة العلوية من قبل فصائل عسكرية غير منضبطة.

ولم تقتصر حالة مخاطر المرحلة على الأحداث التي شهدتها المدن الساحلية في سوريا، إذ لا يزال الخطاب الطائفي يهيمن على وسائل التواصل الاجتماعي بين السوريين، في وقت تعمل فيه الحكومة للتخفيف من وطأة الأحداث.

الباحث نادر الخليل، يرى في تعزيز سيادة القانون وتجريم تمجيد “الأسدية” أحد مداخل الحل، عبر القوننة ومحاسبة المحرضين والمجرمين بحق الشعب السوري في عهد النظام الساقط، ومحاسبة المجموعات المنفلتة ومعاقبة المتورطين في الانتهاكات، والبدء بتطبيق العدالة الانتقالية، وتجريم التحريض على الكراهية.

وأضاف أن إصلاح النظام السياسي والتمثيل الشامل في الحكم، عبر تبني نظام سياسي يضمن التمثيل العادل لجميع الطوائف والمكونات، وتعزيز اللامركزية الإدارية لتقليل التوترات بين المناطق المختلفة، وتشكيل حكومة انتقالية تضم كفاءات من مختلف الانتماءات، بما يعكس تمثيلًا حقيقيًا لجميع السوريين، تعتبر خطوة ذات أهمية في هذا السياق.

ولفت الباحث إلى ضرورة إدخال مناهج تعليمية تركز على الهوية الوطنية الجامعة وتعزز قيم التعايش والتسامح واحترام الآخر، إلى جانب محاربة الخطاب الطائفي والتحريض، من خلال وسائل الإعلام ومنابر الخطاب العام، وتجريم الكراهية.

الخليل قال أيضًا إن تفعيل دور المجتمع المدني لدعم المبادرات التي تعزز الوحدة الوطنية ونبذ التعصب، ولعب رجال الدين دورًا في التوعية بخطورة الطائفية وتجريم الدعوات التحريضية ذات الطابع الطائفي، يمهد للوصول إلى حل للأزمة القائمة.

ونوّه الباحث إلى ضرورة إشراك المكونات والأطراف في الحوار الوطني، وإطلاق حوارات شاملة بين مختلف المكونات للوصول إلى عقد اجتماعي جديد يعزز الوحدة الوطنية، إلى جانب إعادة بناء الثقة، من خلال جلسات مصارحة وطنية، خاصة في المناطق المختلطة، لتعزيز التفاهم بين المكونات المختلفة.

واعتبر الباحث أن إقرار المسؤولية التاريخية وتشجيع قيادات الطائفة العلوية على الاعتراف بالجرائم المرتكبة في عهد النظام السابق، يعتبر خطوة مهمة وضرورية نحو المصالحة الوطنية.

من جانبه أوصى الدكتور في علم الاجتماع صفوان قسام بثلاث خطوات للوصول إلى حلول في تهدئة النزعة الطائفية على الساحة السورية، أولاها اتباع أسلوب تشاركي في إدارة الدولة، إلى جانب ضرورة أن يكون الإعلام السوري ذا أجندة واضحة وتوفير مصدر واحد للمعلومات، بعيدًا عن مجموعات المؤثرين في منصة “تيك توك” و”يوتيوب” وغيرهما.

ويرى قسام أن إقالة وزير العدل، شادي الويسي، تعتبر عاملًا ضروريًا في هذا الإطار، نظرًا للطريقة التي يُنظر إليه فيها، على اعتباره مسؤولًا عن انتهاكات موثقة سابقًا، واتباع خطوات عملية باتجاه الإصلاح القضائي والقانوني، لأن عدم تفعيل هذا الجسم كلّف السوريين الكثير من الانتهاكات، نظرًا إلى أنه عرقل المسار نحو العدالة الانتقالية.

ويرى الباحث في مركز “حرمون” طلال المصطفى، أن علاج الأزمة القائمة بحاجة لخطاب سياسي وطني شامل، وهذا من مهمة الدولة، والفاعلين السياسيين، الذين يجب أن يتبنوا خطابًا يطمئن الجميع، ويتجاوز التصنيفات الطائفية، وهو ما لم يظهر حتى الآن، نظرًا إلى أن إعلام الإدارة الجديدة لم يبرز بعد.

وأكد ضرورة مسألة إصلاح المؤسسات، خاصة القانونية منها، بهدف تحقيق عدالة شاملة، وتمثيل عادل لمكونات المجتمع بمؤسسات الدولة أيضًا.

ولفت إلى أن الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في تضخيم الخطاب الطائفي، كما يمكن أن يكون له دور بتفكيك السرديات الطائفية، وتعزيز قيم التعايش عبر برامج إعلامية تعليمية.

المصطفى قال أيضًا، إن المبادرات المحلية تلعب دورًا جذريًا لبناء الثقة، مثل لجان مصالحة على مستوى البلدات أو الأحياء، وتنظيم حوار بين مكونات المجتمع، لافتًا إلى أن التوعية تحتاج إلى إرادة سياسية جديدة ورؤى سياسية بعيدة المدى تتجاوز هذه الموضوعات الضيقة ذات الطابع الطائفي.

 الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في تضخيم الخطاب الطائفي، كما يمكن أن يكون له دور بتفكيك السرديات الطائفية، وتعزيز قيم التعايش عبر برامج إعلامية تعليمية.

رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع خلال لقائه مع وفد من الطائفة المسيحية في مدينة دمشق – 31 كانون الأول 2024 (رئاسة الجمهورية)

رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع خلال لقائه مع وفد من الطائفة المسيحية في مدينة دمشق – 31 كانون الأول 2024 (رئاسة الجمهورية)

الصراع السياسي والانفجار الطائفي

السبب في تحويل الانتماء الديني إلى ورقة سياسية هو استخدامه من قبل الدول الاستعمارية لتوسيع دائرة نفوذها أو التدخل مباشرة سياسيًا وعسكريًا في الدول الجديدة الناشئة.

وفي مرحلة ثانية، توظيفه من قبل الأطراف السياسية المتنازعة على السلطة في هذه الدول ذاتها بالصراع على السلطة، بمعنى آخر، ليس الاختلاف الديني هو الذي يفسر الانفجارات الطائفية وإنما الصراع السياسي.

ولا توجد حروب أو صراعات دينية كبرى إلا في سياق هذا الصراع الخارجي الاستعماري أو الداخلي.

وقد تدفع الدول الأجنبية إلى هذا الصراع بهدف التدخل في شؤون الدول الصغيرة، وفرض الوصاية هو أحد أشكال هذا التدخل أو غايته لجعله تدخلًا دائمًا وبنيويًا يضمن مصالح الدولة المتدخلة بعيدة المدى.

وأخطار الوصاية هي ببساطة تقويض الدول الجديدة، وانتزاع أكثر ما يمكن من المصالح فيها، وحرمانها من أن تتكون كدول مستقلة، تعمل لخدمة شعبها لا لخدمة المصالح الأجنبية.

وإذا أرادت الدول الأجنبية المهتمة بالفعل أن تفرض الوصاية، فأسهل طريق هو أن تشعل الصراع الطائفي، وربما تشارك في إشعاله مباشرة وتزويده بالإمكانيات كي يتحول إلى حرب أهلية.

وما نشهده في سوريا اليوم من انفجار هو ثمرة مزيج من التدخل للقوى الأجنبية التي فقدت مواقعها ونفوذها في البلاد بعد 8 من كانون الأول 2024، وكذلك من رد فعل قوى النظام السابق لخسارتها مواقعها السياسية والاقتصادية.

أما فرص نجاحها فهي محدودة جدًا، لأن هناك إرادة دولية وإقليمية واضحة لتحجيم دور طهران ومنعها من استعادة مواقعها في المشرق ولبنان وسوريا خاصة، وكذلك بسبب فقدان نظام الأسد والقوى المرتبطة به لأي تعاطف أو قبول من قبل الجميع (السوريين والأجانب) نتيجة ما ظهر من جرائمه المنقطعة النظير بعد سقوطه، والتي جعلت قادته ملاحقين من قبل العدالة المحلية والدولية.

أما الحلول لتجنب ذلك فهي تكمن في وسيلتين، الأولى بالبدء بتطبيق مبدأ العدالة الانتقالية الذي يضع حدًا لأوهام الانقلابيين الذين يريدون استعادة السلطة، كما يطمئن الناس من جميع الطوائف المتوجسة من بعضها البعض على احترام حقوقها الأساسية، وقصر العقاب على مرتكبي الجرائم الكبرى، وفتح الحوار والمصالحة بين الجمهور الواسع وإنهاء الخوف المتبادل لجميع الأطراف.

وفي سوريا يمكن لتشكيل حكومة اتحاد وطني شاملة أن يخفف أيضًا من الاحتقان والخوف على المستقبل.

وعلى المستوى الخارجي، من المفيد تنشيط العمل الدبلوماسي والسياسي لتهدئة غُلو (اندفاع وحماسة) الدول المتدخلة الخاسرة، وربما إيجاد حل دبلوماسي معها للتقليل من هذه الخسارة أو الشعور بها. وهذا ما يبدو لي أن الإدارة السورية تعمل عليه مع موسكو.

عنب بلدي

———————————-

سياسة ترامب تجاه سوريا: التحول نحو الاحتواء الاستراتيجي/ لين خطيب

18 مارس 2025

يتبنى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ولايته الثانية، نهجًا مختلفًا تجاه سوريا يقوم على “التقليل الاستراتيجي”، حيث يتم تقليل التدخل المباشر للولايات المتحدة مع الحفاظ على وجود يخدم المصالح الإقليمية الأميركية. أربعة عناوين تلخص سياسة ترامب تجاه سوريا بعد انهيار نظام الأسد: فك الارتباط العسكري، والتحالف مع تركيا، واحتواء إيران، وخدمة المصالح الإسرائيلية.

الانسحاب العسكري مع الاحتفاظ بالنفوذ الاستراتيجي

أحد أهم التطورات في ظل قيادة ترامب المتجددة هو نيته الواضحة في تقليص وجود القوات الأميركية في سوريا. وقد أدى ذلك إلى محاولة مساعدة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والحكومة السورية الجديدة على التوصل إلى اتفاق يهدف إلى دمج “قسد”، التي يقودها الأكراد، ضمن الحكومة السورية المؤقتة بقيادة أحمد الشرع. وإذا تحقق هذا الاتفاق بالكامل، فسيشكل خطوة نحو استقرار شمال سوريا، مع السماح بانسحاب أميركي يتم بطريقة تمنع حدوث فراغ أمني.

ومع ذلك، فإن الانسحاب الأميركي ليس خاليًا من التعقيدات. فقد استخدمت الولايات المتحدة تاريخيًا وجودها العسكري في شمال شرق سوريا لمواجهة تنظيم “داعش”، ودعم حلفائها من الأكراد، وموازنة النفوذ الإيراني. وقد يؤدي الانسحاب المتسرع إلى ترك فراغ يمكن للاعبين إقليميين استغلاله.

ومن منظور سوري، يُنظر إلى خروج القوات الأميركية على أنه خطوة ضرورية لاستعادة السيادة الكاملة، رغم المخاوف من القوة التي قد تملأ هذا الفراغ. وفي الوقت الراهن، يبدو أن استراتيجية ترامب لن تكون انسحابًا كليًا بل إعادة تموضع تُقلل من البصمة الأميركية مع الحفاظ على النفوذ من خلال تحالفات مع إسرائيل وتركيا.

دور تركيا والمساومات الجيوسياسية

بالفعل، تُعد كل من تركيا وإسرائيل من اللاعبين الرئيسيين في تشكيل سياسة ترامب تجاه سوريا. فيما يتعلق بتركيا، فقد سلطت تصريحات ترامب، التي جاءت فور الإطاحة بنظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، الضوء على الدور المحدود للولايات المتحدة في سوريا، مع الإقرار بالدور الكبير لتركيا في البلاد، وأشارت التصريحات إلى أن تركيا خرجت كالمُنتصر الوحيد في سوريا وتتمتع بجميع المزايا الاستراتيجية فيها.

ومن منظور سوري، يُنظر إلى النفوذ التركي على أنه معقد؛ فبالرغم من معارضة كثير من السوريين لأي تدخل أجنبي، إلا أن الدور التركي يُعتبر في كثير من الأحيان أفضل من التدخل الإسرائيلي أو الأميركي، نظرًا للعلاقات التاريخية لأنقرة مع المنطقة ومعارضتها لنظام الأسد.

وتكمن المصلحة الأساسية لأنقرة في منع إقامة كيان كردي مستقل على حدودها، والذي تعتبره تهديدًا للأمن القومي. وإذا انسحبت القوات الأميركية، فمن المرجح أن تسعى تركيا إلى زيادة نفوذها في شمال سوريا، خاصةً في المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. وستكون مهمة ترامب هي تحقيق توازن بين هذا الطلب التركي والحفاظ على مصداقيته لدى القوات الكردية، التي كانت حليف الولايات المتحدة الرئيس في مكافحة داعش وتأمين حقول النفط والغاز. كما تتوقع إسرائيل من ترامب أن يضمن تحقيق تحول جيوسياسي أوسع يقوي موقعها الإقليمي على حساب تركيا، ما يثير قلق الأتراك والسوريين على حد سواء.

ويعتبر موقف تركيا من اتفاقيات أبراهام أمرًا حاسمًا معقدًا للأمور، إذ تجادل أنقرة بأن هذه الاتفاقيات تقوض القضية والحقوق الفلسطينية ولا تعالج سياسات الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة بأسرها، وترى أنها جزء من الاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية لتعزيز موقع إسرائيل الإقليمي مع تهميش اللاعبين الرئيسيين الآخرين، بما في ذلك تركيا نفسها.

احتواء إيران وسياسة العقوبات

ليست تركيا اللاعب الوحيد الذي تهتم به سياسة ترامب في سوريا. ففي الواقع، ترتبط استراتيجية ترامب في سوريا ارتباطًا وثيقًا بسياساته الأوسع في الشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلق بإيران. يُعد من أهداف ترامب الرئيسية الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، ولا سيما في سوريا والعراق واليمن.

وعلى عكس جو بايدن الذي انتهج نهجًا غير واضح تجاه إيران، من المتوقع أن يواصل ترامب سياسته المتشددة، وربما يكثف التدخلات الأميركية ضد طهران. ففي اليوم الذي تولى فيه ترامب منصبه، أعاد تصنيف المتمردين الحوثيين في اليمن، المتحالفين مع إيران، كمنظمة إرهابية أجنبية. وكان فريقه قد بدأ بالتعامل مع الملف العراقي حتى قبل توليه رسميًا سدة الرئاسة، حيث وجه عدة رسائل إلى الحكومة العراقية طالبًا دمج قوات الحشد الشعبي (PMF) في الجيش الوطني لكبح حرية تحرك إيران في العراق.

ومع ذلك، تُعتبر هذه الجهود الأميركية للحد من النفوذ الإيراني في سوريا كخدمة للمصالح الإسرائيلية بدلًا من أن تخدم استقرار سوريا.

العامل الإسرائيلي وإعادة الترتيبات الإقليمية

يمكن القول إن سياسة ترامب تجاه سوريا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بإعطاء الأولوية لأمن إسرائيل. ومن ثم، فإن أحد العناصر الرئيسية في سياسة ترامب هو تقاطعها مع المصالح الإسرائيلية. ففي إدارته السابقة، اتخذ ترامب إجراءات كانت في مصلحة إسرائيل وعلى حساب حقوق السوريين، مثل الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة. وفي ولايته الثانية، يُتوقع أن يحافظ على مسار مماثل من خلال ضمان ألا تتحول سوريا إلى منصة لنشاط عسكري معاد لإسرائيل.

ومن منظور وطني سوري، فإن أي سياسة تعزز موقع إسرائيل على حساب سيادة سوريا غير مقبولة. لا يزال السوريون متمسكين بمعارضتهم لاحتلال إسرائيل لهضبة الجولان، ويعتبرون السياسات الأميركية التي تضع أمن إسرائيل فوق استقرار سوريا وأمن شعبها بمثابة إجراء غير مقبول. وستلعب إعادة ترتيب التحالفات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، بما في ذلك الاتفاقيات المحتملة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، دورًا في تشكيل موقف ترامب تجاه سوريا.

التحديات والتوقعات المستقبلية

على الرغم من ميل ترامب إلى تقليل التدخل العسكري، فإن عدة عوامل قد تعقد استراتيجيته في سوريا، مثل احتمال عودة نشاط داعش، والتوترات بين تركيا والقوات الكردية، والمناورات الروسية. علاوة على ذلك، ورغم تفضيل ترامب لتقليل التدخل المباشر، فإن إدارته ستظل مضطرة للتعامل مع تعقيدات السياسة الإقليمية. وفيما يتعلق بتعامل إدارة ترامب مع الحكام الجدد في دمشق، فمن المحتمل أن تستجيب الإدارة للمبادرات الإقليمية التي تقودها تركيا وقطر والسعودية لاستقرار سوريا.

ومن منظور سوري، فإن السيناريو المثالي هو انسحاب أميركي لا يترك سوريا عرضة لمزيد من التدخلات الأجنبية. قد يكون أحد السيناريوهات المحتملة هو التحول نحو نوع من المشاركة غير المباشرة، حيث تعتمد الولايات المتحدة على شركاء إقليميين مثل تركيا وقطر بدلًا من التدخل المباشر. وهذا يتماشى مع نهج ترامب “أميركا أولًا” الذي يركز على الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية بدلًا من الالتزامات العسكرية المطولة.

الترا سوريا

——————————-

==========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى