الحكومة السورية الانتقالية: المهام، السير الذاتية للوزراء، مقالات وتحليلات تحديث 06 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
————————————
في “اختراع سوريا” الجديدة/ إياد الجعفري
الأحد 2025/04/06
أطلق وزير الاقتصاد والصناعة في الحكومة السورية الجديدة، نضال الشعار، مصطلحاً جديداً ملفتاً، في مقابلة أجراها قبل أيام مع قناة “الشرق”: “اختراع سوريا”. مفضّلاً إياه على مصطلحات من قبيل “إعادة إعمار سوريا”، التي يفهمها بوصفها “إعادة إنتاج” لسوريا السابقة، مرة أخرى. فهو يقصد سوريا أخرى، مختلفة عن تلك التي عرفها السوريون، على الأقل، طوال العقود الستة الفائتة. سوريا غير ذلك الكيان “المُتعَب” و”المُرهَق”، الذي كان. ويحدّد الوزير سمات “سوريا الجديدة” التي يأمل “اختراعها”. فهي “مسالمة متطورة تكنولوجية”، “تزهو بأبنائها وبخبرات أبنائها”.
يُعد نضال الشعار واحداً من أكثر القامات الخبيرة إثارةً للإجماع، في التشكيلة الحكومية التي أعلنتها إدارة الرئيس أحمد الشرع، قبل أسبوع. فهو يملك خبرة أكاديمية ومهنية، محلية وإقليمية ودولية. ناهيك عن خبرته السابقة بالعمل الحكومي. إلى جانب خبرته الخاصة التي يمكن الإفادة منها، على صعيد العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، بحكم دراسته وتدريسه للاقتصاد وعمله في أميركا، سابقاً.
ورغم كل ما سبق، جاءت طروحات الوزير في المقابلة المشار إليها، واقعية ومتواضعة ولا رهانات كبرى على الخارج فيها. إلا أنه يمكن استنباط رهان داخلي تقوم عليه طروحاته. وإن لم يشر إليه الشعار مباشرةً. وهي أن طبيعة النظام الحاكم تغيرت. وهو رهان، إن لم يكن دقيقاً، فلا قيمة لأيٍّ من الطروحات التي قدّمها الرجل.
ما الذي تغيّر في طبيعة النظام الحاكم بسوريا، مقارنة بالذي سبقه؟ إن كان رهان الشعار دقيقاً، فإن ثلاث سمات لن تكون موجودة في طبيعة النظام الحاكم اليوم، بسوريا. الأولى، الارتكاز إلى أيديولوجية دوغمائية بوصفها سردية خاصة بالحكم، يستند إليها لإخضاع المحكومين، ولتبرير الإجراءات الاستثنائية التي يصدرها. نظام الأسد كان يستند إلى أيديولوجية مقاومة وممانعة للغرب وربيبتهم، إسرائيل. وهي الركيزة النفسية والإعلامية التي بنى عليها استبداده، إلى جانب الركيزة القسرية (الجيش وأجهزة الأمن). أما السمة الثانية، فكانت خلق طبقة من قطاع الأعمال عميلة للنواة الضيقة للنظام (آل الأسد)، تحتكر الاقتصاد، بكل مفاصله، وتُفصَّل كل القرارات الاقتصادية على قياسها، ولصالحها. أما السمة الثالثة، فكانت تفضيل حالة العزلة الاقتصادية عن الخارج، والاصطراع السياسي مع الإقليم، لصالح حصرية السيطرة السياسية والاقتصادية المطلقة في الداخل، حتى لو كان ذلك يعني، الاتجاه نحو توفير غطاء سلطوي لشبكات الجريمة المنظّمة، والاقتصاد اللاشرعي.
فهل يخلو النظام الحاكم اليوم في سوريا، من هذه السمات الثلاث؟ أو بتعبير أكثر دقة، هل هو باتجاه عدم استنساخها مجدداً؟ يبدو رهان الوزير نضال الشعار، وفق ما يمكن فهمه من حديثه، أنه يرى أن طبيعة النظام الجديد، مختلفة عن الذي قبله. من جانبنا نأمل أن يكون هذا الرهان في مكانه، رغم مؤشرات أولية مقلقة توحي بأن السمتين الأولى والثانية، على الأقل، قد تكونا مطروحتين في أجندة الحكّام الجدد بدمشق. ونأمل بشدة، أن نكون مخطئين في هذا التوجس.
يبني الشعار كل طروحاته على هذا الرهان. رهان تغيّر طبيعة النظام. وبالتالي، إمكانية خلق سوريا جديدة. فقد تحدث عن استقطاب الخبرات السورية واستنهاضها. تلك الخبرات التي لم يكن من المتاح لها الظهور سابقاً، حتى في الداخل، بحكم طبيعة النظام السابق، من دون أن يشير الشعار لذلك، بصورة مباشرة. كذلك تحدث عن نيته التشاور مع كل أصحاب المصلحة، من قطاع خاص وصناعيين وتجار وموظفي قطاع عام، بكل فئاتهم، قبل إصدار أي قرار. بمعنى، أن القرارات لن تكون مفصّلة على قياس فئة ذات حظوة خاصة، كما كان الأمر سابقاً. كما وتحدث عن “سوريا المسالمة”، في مواجهة تهديدات المحاور الإقليمية، في مؤشرٍ إلى رهانه على عدم “أدلجة” توجهات السلطة الجديدة، خدمةً لإحكام السيطرة.
أما الملفت في حديث الشعار، فهو حجم الطرح المتواضع الذي قدّمه بعيداً عن الوعود البرّاقة بنهضة استثنائية سريعة مستندة إلى االاستثمار الخارجي. فقد تحدث عن تيسير إعادة إطلاق عجلة الإنتاج المحلية. وبدا رهانه على ذلك، أكبر بكثير من أي رهان آخر. موجهاً نداءً للسوريين بأن يبدأوا بالإنتاج، على أن يكون دور الحكومة، التيسير. أي تيسير النشاط الإنتاجي وإزالة أية عوائق تقف في وجهه. ومن المعلوم، أن النظام السابق كان قد عرقل عجلة الإنتاج المحلي بالضرائب والرسوم الجمركية الباهظة، وبإتاوات الحواجز الأمنية، وبالارتهان لثلة من ممثلي مصالح نخبة النظام في قطاع الأعمال. هذه العوائق لن تكون قائمة في مقبل الأيام، وفق ما يمكن استنباطه من حديث الشعار.
أما عن العقوبات ودور الخارج، فبدا الشعار متفائلاً بانفراجة قريبة بهذا الصدد، من دون أن يضع كل رهاناته على هكذا تطور. فالتاجر والصناعي السوري، حسب الشعار، تعلّم التكيّف مع العقوبات وإيجاد مخارج “شرعية” من قيودها، منذ العام 1979. كذلك، بدا الشعار متفائلاً حيال استعادة وحدة الكيان السوري، والتفاهم بين الأفرقاء السوريين، قريباً. مشيراً إلى جهود حثيثة من السلطة في دمشق، بهذا الاتجاه.
تفاؤل الشعار، وبصورة خاصة، رهانه على تغيّر طبيعة النظام، تثير الارتياح والأمل. وهو ما تحدث عنه، بوصفه أمراً ملموساً في الشارع السوري، حسب مشاهداته على الأرض. ليبقى هذا الارتياح والأمل، برسم الممسكين بزمام الحكم في دمشق. فالارتداد إلى أساس أيديولوجي أو تحالفات ارتزاقية مع أشخاص محددين في قطاع الأعمال، لن يعني، إلا الارتداد إلى نسخة أخرى من النظام السابق. بحلة جديدة، لا أكثر.
المدن
————————-
الحكومة السورية الجديدة وتحديات صناعة القرار الإداري/ عبد الناصر الجاسم
2025.04.06
مما لا شك فيه أن الحكومة السورية حديثة التشكيل تتحضر لتحمل مسؤوليات جسيمة استجابة لحجم ونوع الاحتياج المعقد لدى المجتمع السوري، وفي ظل توقيت محلي وجيوسياسي شديد الحساسية، وتضم هذه الحكومة من الأشخاص ذوي التجربة والخبرة في الشأن السوري بما يكفي لمعرفة أن إعادة البناء والإصلاح الجذري ليس جملة من الشعارات تطرحها القيادة السياسية أو تفرضها إرادة مجموعة من الأفراد على المجتمع، بل هي عملية متعددة المسارات تقوم على تحقيق شروط معينة وموضوعية على أرض الواقع، وفي مقدمتها تبني ثقافة سياسية تسمح بإسهام القوى الاجتماعية جميعها في عمليات البناء التعليمي والإداري والاقتصادي والسياسي، واحترام القانون وخلق بيئة تساعد في بناء مؤسسات الدولة وتتيح بناء مؤسسات المجتمع المدني وهذا مالم يكن يسمح به النظام السياسي السابق في سوريا.
وتستند هذه العملية إلى ثلاثة أبعاد أساسية، وهي البعد السياسي والبعد الاجتماعي والبعد الإداري، حيث يشير البعد السياسي إلى أن الإصلاح والتطوير الإداري عملية سياسية تعيد صياغة العلاقة بين السلطة الإدارية وباقي عناصر المجتمع من جديد، وهذا يشير ضمناً أن مشكلات الجهاز الإداري تنبع من السياسة وتأتي من قمة الهرم السياسي. وأما البعد الاجتماعي فيشير إلى أهمية الوسط الاجتماعي، وضرورة أخذه بعين الاعتبار عند القيام بالتخطيط والتنفيذ لعمليات الإصلاح والبناء، فهذا الوسط هو الذي يكسبه الشرعية، وأما بالنسبة للبعد الإداري فهو يشير إلى الجهد المصمم لإحداث التغيير في أنظمة الإدارة العامة في المواقع التي تعاني خللاً ما وذلك لجعلها قادرة على القيام بعملها بفاعلية للتكيف مع المتغيرات البيئية المحيطة، ولاسيما أن هناك دمج وزارات وماله من تبعات هيكلية وتنظيمية، وكذلك هناك إحداث وزارات جديدة تتطلب البناء من نقطة الصفر، و ربما هنا المهمة تكون أسهل من الدمج و التضمين.
ويعد التحدي الإداري هو الأبرز من بين التحديات التي تواجه الحكومة السورية الوليدة، ويتمثل في عملية صنع القرارات والعوامل المؤثرة في هذه العملية،
والتي تمثل جوهر العملية الإدارية الديناميكية في جميع المستويات التنظيمية في الأجهزة الحكومية من الإدارة العليا، المتمثلة بالرئيس الإداري الأعلى، ومن ثم الوزراء والمديرين العامين، ومديري الفروع والمديريات، وصولا إلى الإدارة التنفيذية المباشرة، وتمثل هذه القرارات بمضمونها ترجمة للأهداف والسياسات التي تعتمدها الدولة.
تشير كثير من الأدلة والدراسات في علم الإدارة إلى أن عملية صنع القرارات تمثل المسؤولية الكبرى بالنسبة إلى القائد الإداري، ولا سيما في مجال الإدارة العامة والحكومية التي ُيبنى عليها سير العمل في الدولة بصورة عامة نحو تحقيق أهدافها في تنمية البلاد والموارد، وفي مقدمتها المورد البشري.
ويشير مفهوم القرار الى عملية اختيار بديل من بين عدة بدائل مدروسة ومتاحة لمواجهة موقف ما أو لحل مشكلة ما، ومن أجل سلامة ورشاد القرار وحتى لا يفقد فاعليته لابد من أن تتوفر فيه ثلاثة جوانب وهي توفير البدائل وتطوير الحلول، ثم إتاحة حرية اختيار البديل الأمثل من بين هذه البدائل، وكذلك لابد من وجود الهدف حيث لا مبرر لاتخاذ قرار لا هدف مرجو من اتخاذه.
تتأثر عملية صنع قرارات الإدارة العامة (الحكومية) في سوريا بجملة المتغيرات الموجودة في بيئة العمل العام، ويمكن تصنيفها بحسب الآتي:
المتغير السياسي: تؤثر القيود السياسية وتوجهات نظام الحكم في حرية صانع القرار ومتخذه كي ينسجم القرار مع فلسفة إدارة الدولة ومع رؤيتها السياسية، فهل الرؤية السياسية للدولة واضحة في أذهان القادة الإداريين الأعلى وهم الوزراء، وهل هذه الرؤية تدعم استقلالية صنع القرار الإداري واتخاذه؟
المتغير الاجتماعي: ويتمثل بالبيئة الاجتماعية التي يصنع فيها القرار الإداري الحكومي، وهي تؤثر في عملية صنع القرارات، وتتأثر بها من خلال علاقات العمل الرسمية وفق الهياكل التنظيمية، وعبر علاقات العمل غير الرسمية التي تنشأ ضمن بيئة العمل، وكذلك منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية والمهنية، والجماعات الدينية والقبلية وجماعات الضغط المختلفة وكل ما يمثل الطيف الاجتماعي السوري، هل سنلاحظ خطط عمل الوزارات و نتائجها منسجمة مع احتياجات ومتطلبات المجتمع السوري في ظرفه الراهن، وهل ستكون العلاقة تفاعلية بين الطرفين ؟
المتغير التنظيمي: تعد أبعاد المتغير التنظيمي عاملا مؤثرا في اتخاذ القرار الإداري الحكومي وتتضمن نمط السلطة وآليات ممارستها، والمعلومات ومدى توافرها، وانسياب تدفقها، ومدى كفايتها، والهيكل التنظيمي ومدى مرونته، وتأثير العلاقات غير الرسمية في صناعة القرار، ومعايير الكفاءة والفاعلية ومدى الالتزام بها، والولاء للمنظمة العامة، هل ستعتمد الوزارات في تحقيق أهدافها على مشاركة طاقات المتخصصين والخبراء والفنيين ومراكز البحوث والدراسات والخبرات المهاجرة من الراغبين والقادرين على العمل؟
متغير الفساد الإداري: إن ظاهرة الفساد ظاهرة متعددة الجوانب، لا تظهر فقط في القطاع العام وإنما تبرز في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمالية وغيرها من المجالات، إلا أننا نشير هنا إلى الفساد في القطاع العام بصيغة سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مكاسب شخصية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أكثر من نصف قرن من الاستبداد المتوحش من ضمنها أربعة عشر عاماً من الحرب الدائرة في سوريا و على السوريين، رسخت حالة من الفساد الإداري والمالي والذي أدى إلى تدمير ممنهج في جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وهناك أسباب كثيرة لانتشار الفساد الحكومي، وأبرز هذه الأسباب غياب المحاسبة بمختلف أشكالها، وانطلاقاً من تبعية الإدارة العامة لنظام سياسي فوق المساءلة والمحاسبة، هل ستولي الحكومة الجديدة الأهمية الكافية لقضية المساءلة والمحاسبة من خلال تفعيل دور الرقابة الوقائي والعلاجي في آن واحد وضمن خطط متكاملة؟
المتغير الاقتصادي: وبعد تحديد رؤية الدولة حول هوية الاقتصاد في سوريا الجديدة، وماهي الخيارات المطروحة؟ كيف سيكون دور الدولة في النشاط الاقتصادي؟ وإذا كان التوجه نحو اقتصاد السوق الحر – على سبيل المثال – هل هناك خطة للتعامل مع الارتدادات الاجتماعية؟ لاسيما في ظل هذا الواقع المتراجع على الصعد كلها، وعلى وجه الخصوص الوضع المعاشي الهش للمواطن؟ ماهي الفلسفة الاقتصادية التي سوف تتبناها الدولة والتي ستشكل المرجعية للاستراتيجيات والسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية في المرحلة المقبلة. بعد الإجابة على الأسئلة التي تتعلق بفلسفة الاقتصاد في المرحلة القادمة ووفق النماذج العالمية والمختبرة في حالات ما بعد النزاعات والحروب، يتم نقل الكرة إلى ملعب القادة الإداريين في الحكومة الجديدة وعلى رأسهم الوزير نفسه بوصفه القائد الإداري الأعلى في وزارته – وهذه هي نقطة التركيز في هذا المقال – ليباشروا إدارة “مشروع التعافي والتحول” من خلال تشخيص المشكلات القطاعية ضمن كل وزارة، وصناعة القرارات اللازمة، وابتكار الحلول، ورسم خارطة التحديات والمخاطر، واعتماد معيار الكفاءة والفاعلية.
لاشك أن إعادة الإعمار و التعافي الاقتصادي في سوريا يتطلبان تعاوناً دولياً وعربياً ومحلياً، لكن تقع المسؤولية الأساسية في إدارة هذا التعافي على عاتق الإدارة الجديدة في سوريا وبالتحديد الحكومة التي تم تشكيلها مؤخراً، حيث ينبغي عليها أن تتعامل مع إدارة الانتقال والتحول وفق منهجية علمية واضحة وصارمة لا تقبل التجريب أو الارتجال، لأنها أمام تحديات كبيرة تتطلب امتلاك العقلية المرنة التي تستطيع التخطيط والتنظيم والتنفيذ و المراقبة، لاسيما في هذه المرحلة الحساسة حيث تعديل الاتجاه وإعادة رسم الطريق من جديد.
إن رفع كفاءة الجهاز الإداري للدولة وتطوير السياسات العامة المتعلقة بإدارة الموارد والقطاعات الاقتصادية المختلفة من خلال القيام بإصلاحات إدارية جذرية لا يتحقق إلا بتوافر متطلبات الإدارة وارتباطها بالسياسة، وذلك من خلال إعادة ابتكار الحكومة سياسياً من حيث الوسائل والأهداف، وتكون النتائج السياسية واضحة في الإصلاحات الإدارية، واتفق معظم الباحثون في حقل الإدارة على أن التنمية وإصلاح المنظومة الإدارية هما قضيتان سياسيتان أصلاً.
إذاً على الحكومة السورية الجديدة أن تبذل جهداً سياسياً وإدارياً واجتماعياً هادفاً، ومع وجود التحديات ونقاط الضعف، توجد هناك فرص واعدة ونقاط قوة بارزة على خارطة عمل الحكومة، ومن الواجب التوجه نحو الفرص واستثمار نقاط القوة والعمل بالتوازي على تقوية نقاط الضعف والتعامل مع التحديات وفق استراتيجيات تخطي ملائمة.
تلفزيون سوريا
————————————
رسالة إلى وزير الثقافة/ نهى سويد
2025.04.06
إنَّ بناءَ نهجٍ ثقافيٍّ راسخٍ يتطلَّبُ، بلا رَيْبٍ، توازُنًا دقيقًا بينَ الحريَّةِ التي تفتحُ أمامَنا آفاقَ الفكرِ، والمسؤوليَّةِ التي تفرضُها ضرورةُ الحفاظِ على الذاكرةِ. وهو مسارٌ طويلٌ، محفوفٌ بالتحدياتِ، يحتاجُ إلى حكمةٍ فذَّةٍ للحفاظِ على الهويةِ الثقافيةِ المتجذِّرةِ في أعماقِنا، مع الانفتاحِ المدروسِ على مقتضياتِ العصرِ. فهل نحن مستعدُّون للانخراطِ في هذا المسارِ المُلحِّ والشاقِّ، الذي يتطلَّبُ منا التوازنَ بينَ التجديدِ والتمسُّكِ بالثوابتِ؟ المستقبلُ ساحةٌ مفتوحةٌ لمن يجرؤُ على طرحِ الأسئلةِ التي تمسُّ صميمَ هويتِنا، ولمن يمتلكُ الشجاعةَ للإجابةِ عليها.
إنَّ تساؤلاتِي هي محاولةٌ صادِقةٌ للفهمِ، وحديثِي لا يرمي للتملُّقِ والمداهنةِ، كما أنَّه ليس تجنِّيًا أو هجومًا أو حُكمًا مسبَقًا. أنا مواطنةٌ نالَ منها الخذلانُ وأثقلَتْها عقودٌ من التزييفِ الثقافيِّ، فمنذ زمنٍ، تبلَّدتْ مشاعِري أمامَ الحماسةِ اللغويةِ، وصِرتُ أبحثُ عمَّا وراءَها عن معنىً لا يتكئُ على الزخرفةِ، ولا يختبئُ خلفَ الجملِ الموزونةِ. لم يعد يؤثِّرُ فيَّ أن يُتقنَ المسؤولُ فنَّ الخطابةِ، وأصبحتُ أسألُ: ما هي مصادرُ ثقافتِه؟ ماذا قرأ؟ كيف تشكَّلَ وعيُه؟ هل انفتحَ على علومِ الأممِ، وحضاراتِ الشعوبِ، أم ظلَّ أسيرًا لتيَّاراتٍ مغلقةٍ يُعيدُ تدويرَ أفكارِه؟ أيُّ كتبٍ حفَرَتْ في عقلِه؟ هل اختبرَ اختلافَ الثقافاتِ، ومارسَ حرِّيَّةَ الفكرِ، أم كان سجينًا لأطرٍ ضيِّقةٍ؟
اليومَ لا نكتفي بنوعيَّةِ الثقافةِ ومصدرِها، فالأهمُّ هو كيف تُترجمُ تلكَ الثقافةُ إلى سلوكٍ حيٍّ وواقعٍ ملموسٍ، فكم من مسؤولٍ تجمَّلَ بشهاداتٍ رفيعةٍ من أعرقِ الجامعاتِ، وتوشَّحَ بأوسمةِ الفكرِ، فاندفعنا خلفَ الحماسةِ، وخُيِّلَ إلينا أنَّ الغدَ يبشِّرُ بأملٍ جديدٍ، فإذا بأفعاله تتناقضُ مع أقوالِه وتكشفُ اختلافَ نواياه.
المشهدُ الثقافيُّ السوريُّ تحوَّلَ منذ عقودٍ إلى ساحةٍ للخُطبِ أكثرَ منه ورشةً للفكرِ. ميدانًا لبياناتٍ تلوكُ ذاتَ الكلماتِ، نحنُ شعوبٌ تهوى الإنشاءَ، نتقنُ زخرفةَ العباراتِ، وتُعيدُ تدويرَ المفرداتِ المُترفةِ. لم نتخلَّصْ من إرثِ الخطابةِ منذ الجاهليةِ، بل أعدَّنا إنتاجَها بطرقٍ أكثرَ إبهارًا وأكثرَ قدرةً على دغدغةِ المشاعرِ. ما زلنا نفتتنُ بالكلامِ المُرتَّبِ، بالنبرةِ الواثقةِ، بالخطبةِ التي تشبهُ الطلقةَ أو الموشَّحَ. نهتزُّ مع رنَّةِ الصوتِ العاليةِ، ونصفِّقُ للجملِ الموزونةِ.
عندما سمعتُ قولك (أن نفتتَّ ونبتعد عن كلِّ المنظومةِ الثقافيةِ التي كان يتبناها الوضيعُ البائدُ الهاربُ)، رحتُ أتساءلُ: هل هو إعلانٌ عن فصلٍ حقيقيٍّ مع حقبةٍ ثقافيةٍ فرضت معاييرَها القسريةَ على العقلِ السوريِّ وأفقرت الفكرَ الإبداعيَّ حيث قدمت الولاءَ على الإبداعِ ولم ينجُ من هذه المهزلةِ إلا من رحمَ ربّي؟ إنَّ هذا الفصلَ، الذي نبحثُ عنه اليوم، هو في الحقيقةِ ضرورةٌ تقتضي الارتباطَ بجوهرِ التغييرِ الذي يعصفُ بالمشهدِ الثقافيِّ. فالحداثةُ والانفتاحُ، التي بقيت حبرًا على ورقٍ، كانت مؤشِّراتٍ على التناقضِ الواضحِ بينَ ما يعلنه النظامُ وبينَ ما يمارسه فعليًّا. حيثُ سيطرَ أزلامُ البعثِ على المناصبِ الحيويةِ في المؤسساتِ الثقافيةِ، مستبعدين المثقفينَ الحقيقيينَ الذين يُفترضُ بهم أن يكونوا محركي هذا الانفتاحِ الفكريِّ. وبذلك، تمَّ تسييرُ هذه المؤسساتِ وفقَ ما يخدمُ مصالحَ النظامِ، بينما تمَّ إقصاءُ وتهميشُ أولئك الذين حاولوا تقديمَ خطابٍ ثقافيٍّ مستقلٍّ أو نقديٍّ.
ولكن كيف ستوازنون بينَ ضرورةِ الحفاظِ على الهويةِ الثقافيةِ الوطنيةِ الحقيقيةِ، التي تعكسُ تطلعاتِ الشعبِ السوريِّ، وبينَ التأثيراتِ السياسيةِ والاجتماعيةِ التي قد تفرضُها السلطةُ في كلِّ مرحلةٍ؟ وكيف يمكنُ تجاوزُ هيمنةِ السلطةِ على المشهدِ الثقافيِّ بحيثُ يتمُّ تمكينُ المفكرينَ والمبدعينَ الحقيقيينَ من التعبيرِ بحريةٍ بعيدًا عن التوجيهاتِ الرسميةِ؟ لا أخفيكَ بأنني كنتُ أنتظرُ منكَ تقديمَ رؤيتك حولَ ما قلتهُ، لكنك اختصرتَ القولَ بجملتينِ خطابيتينِ، جوهرُ فعلهما إثارةُ التصفيقِ.
لفتني تصريحُك لإحدى القنواتِ عن حريةِ الفنونِ (بأننا نحنُ من رفعنا سقفَ الحرّيةِ ولن نفرضَ أيَّ شكلٍ من الوصايا على الفنونِ ولن نمارسَ الضبطَ إلا على ما يستحقُّ الضبطَ). لا أريدُ أن أسألك: من نحنُ؟ فقد أوضحتَ المقصودَ، رغمَ تحفُّظي على هذه الصيغةِ لما تتضمنه من فخرٍ واستعلاءٍ قد يكونانِ في غيرِ محلِّهما ولا يتناسبانِ الآن مع طبيعةِ هذا المشهدِ المعقَّدِ. اعذرني، لقد أُصبنا بحساسيةٍ مفرطةٍ تجاهَ المفرداتِ وتعبنا من التحليلِ والتأويلِ، لذلك أدعوكَ لأن يكونَ كلامُك واضحًا صريحًا متسمًا بالشفافيةِ ومحمَّلًا برؤيةِ النهوضِ. وإنَّما سؤالي: من ذا الذي يملكُ حقَّ الضبطِ، وبأيِّ معيارٍ يُرسمُ حدُّه؟ أهو ميزانُ الفنِّ الخالصِ، حيث لا صوتَ يعلو فوقَ إتقانِ الصنعةِ ورسوخِ الإبداعِ، أم هي عصا الأيديولوجيا والموروثِ، التي طالما كبَّلت الفنونَ تحت ذريعةِ الأخلاقِ وحراسةِ القيمِ؟
وإن كان الضبطُ درعًا لحمايةِ المجتمعِ من خطاباتِ الكراهيةِ والتحريضِ، فهل هو ضرورةٌ تفرضُها المسؤوليةُ الأخلاقيةُ أم قيدٌ يُحاكُ لإخراسِ الأصواتِ الخارجةِ عن النسقِ؟ أهو تقويمٌ للفنِّ أم تطويعٌ له ليغدو بوقًا ناطقًا برؤيةِ السلطةِ؟
إنَّ قيدَ الإبداعِ – إذا استحكمَ – قد ينحرفُ من كونه ضمانةً لجودةِ الفنِّ إلى أداةٍ تسوّغُ الوصايةَ، تُهيمنُ بها السلطةُ على فضاءِ التعبيرِ، فيغدو الفنُّ مُسيَّجًا بمنظومةٍ رقابيةٍ تفرغه من جوهرهِ، بدلًا أن يكونَ ميدانًا رحبًا للتجريبِ والمجاوزةِ. ومع ذلك، فالفنُّ ليس طليقًا في فراغٍ بلا ضفافٍ، بل هو جدليةٌ محتدمةٌ بينَ الحريةِ والمسؤوليةِ. فكيف يتحققُ الاتزانُ بينهما من دونَ أن ينحرفَ الضبطُ إلى القمعِ، ومن دونَ أن تنقلبَ الحريةُ إلى فوضى تُجهزُ على روحِ الإبداعِ؟
أوافقُك الرأيَ بأنّه قد آنَ الأوانُ لضبطِ إيقاعِ سوريا على نبضِ العالمِ، ويا لهُ من تعبيرٍ يوحي بالتفاؤلِ، لاسيما أنّك تعلّمتَ وعشتَ في بريطانيا، مما يشي بانفتاحٍ على ثقافةٍ ترسّخت فيها حريةُ التعبيرِ كقاعدةٍ لا كاستثناءٍ. وهذا ما يدفعني للتساؤلِ: هل تأمّلتَ مسيرةَ ألفريد هيتشكوك، ذلك المخرج البريطاني الذي أسّسَ لجمالياتِ الرعبِ النفسيِّ وسحرَ العالمِ برؤاه السينمائية؟ هل شاهدتَ The Crown، العملَ الدراميَّ الذي عرّى المؤسسةَ الملكيةَ البريطانيةِ، وسلّطَ الضوءَ على تعقيداتها السياسيةِ والاجتماعيةِ، في حين كانت الملكةُ إليزابت الثانيةُ لا تزالُ على العرش؟ هل مررتَ على مسلسل “The Tudors”، الذي غاصَ في دهاليزِ حكمِ الملكِ هنري الثامنِ وعرّى الصراعاتِ الدينيةِ في أوروبا، بكلِّ ما فيها من وحشيةٍ ومجازرِ حتى تلك التي أسهم فيها رأسُ الدولةِ نفسه؟ أو ربّما “The Last Kingdom”، الذي استعرضَ مخاضَ نشأةِ بريطانيا بكلِّ قسوةٍ لا تعرفُ التجميلَ ولا المداراة؟ أو مسرحُ شكسبير العابرُ للزمنِ والحدودِ، ذلك الفضاءُ الذي خاطبَ كلَّ ذاتٍ إنسانيةٍ، فاخترقَ المسكوتَ عنه، وفكّكَ الأنساقَ الحاكمةَ.
هذا هو إيقاعُ العالمِ، حريتُه في طرحِ قضاياهِ، جرأته في مقاربةِ تاريخهِ، وفنيّتُه العاليةُ التي لا ترضخُ لوصايةٍ أو تكميمٍ. فهل ستكونُ حجرَ الأساسِ في نهضةٍ ثقافيةٍ تمكّنُ الفنَّ السوريَّ من الخروجِ من عزلتهِ ليحاكي هذا الإيقاعَ، أم أنَّ الضبطَ الذي تحدّثتَ عنهُ قد يصبحُ قيدًا لا بوابةً للانطلاقِ؟
اعذرني يا سيادةَ الوزير، أجدُّ نفسي في مقامِ السؤالِ الذي لا يحتملُ المواربةَ: كيف يُعادُ ترميمُ المشهدِ الثقافيِّ السوريِّ على أسسٍ متينةٍ بعد أن تهدمتْ أركانُه، ليكونَ رافعةً فكريةً تحرّضُ على التساؤلِ، وتفتحُ أفقًا جديدًا للنقدِ والتأملِ، بعيدًا عن الانقيادِ الأعمى للأيديولوجياتِ التي جمدتْ الفكرَ وقيّدتْ الإبداعَ؟
سوريا اليومَ بحاجةٍ لتأسيس نهجٍ ثقافيٍّ جديدٍ يرمّمُ خرابَ العقولِ، ويعيدُ بناءَ الوعيِ الجمعيِّ بعد أن أصابهُ التصحّرُ، بحاجةٍ إلى سياسةٍ ثقافيةٍ تتجاوزُ التلقينَ وتقتحمُ أفقَ التحررِ الفكريِّ. تُعيدُ للناسِ قدرتهم على التفكيرِ النقديِّ وتفتحُ أمامهم أفقًا جديدًا بعيدًا عن التحكمِ والسيطرةِ.
الثقافةُ، فعلٌ يوميٌّ يتغلغلُ في السلوكِ العامِّ، في طريقةِ التفكيرِ، في قدرةِ الإنسانِ على التحليلِ، في إدراكهِ لذاتهِ وللآخرين.. فأيُّ مشروعٍ ثقافيٍّ لا ينبثقُ من عمقِ الحياةِ اليوميةِ، حيثُ تصبحُ الثقافةُ ممارسةً متجذرةً في الوعيِ والسلوكِ، قادرةً على المساءلةِ والنقدِ والخلقِ، سيظلُّ حبيسًا للنخبِ، منقطعًا عن النسيجِ المجتمعيِّ، عاجزًا عن إحداثِ تحولٍ حقيقيٍّ. وهنا يبرزُ السؤالُ الأهمُّ: هل لدى المؤسساتِ الثقافيةِ رؤيةٌ واضحةٌ للتنسيقِ مع المنظومةِ التعليميةِ، بحيثُ تصبحُ المدارسُ والجامعاتُ مختبراتٍ للخيالِ والإبداعِ، تحرّرُ العقولَ من أنماطٍ ذهنيةٍ متكررةٍ، وتبني جيلًا يمتلكُ أدواتِ التفكيرِ النقديِّ عوضًا عن التلقينِ؟
ثمَّ ماذا عن المثقفين السوريين في المنافي، أولئك الذين لم ينفصلوا يومًا عن قضاياهم رغم قسوةِ الشتاتِ؟ هل ستُمدُّ إليهم الجسورُ، ليكونوا جزءًا فاعلًا في إعادةِ تشكيلِ المشهدِ الثقافيِّ، أم ستظلُّ الثقافةُ السوريةُ منكفئةً على ذاتِها، متوجِّسةً من كلِّ من لم يبقَ في دائرتِها الضيقةِ؟
إنَّ البعدَ الدوليَّ لا يقلُّ أهميةً عن غيره، بل ربَّما يكون ركيزةً أساسيةً في إعادةِ تموضعِ الثقافةِ السوريةِ عالميًّا. فعقودٌ من العزلةِ جعلت المشهدَ الثقافيَّ السوريَّ رهينًا للخطابِ الرسميِّ، ومعادلاتٍ سياسيةٍ ضيقةٍ. فكيف ستتجاوزُ وزارةُ الثقافةِ هذا الإرثَ المثقلَ بالقيودِ، لتنخرطَ في شراكاتٍ حقيقيةٍ مع المؤسساتِ الثقافيةِ العالميةِ، بعيدًا عن عقليةِ الارتهانِ السياسيِّ؟
في ظلِّ هذه التحدياتِ، تظلُّ إرادةُ التغييرِ قادرةً على إعادةِ ربطِ الماضي بالحاضر، وتأسيسِ هويةٍ ثقافيةٍ أصيلةٍ تنبضُ بروحِ الشعبِ السوريِّ وتطلعاتهِ المستقبليةِ، فهل تمتلكونها؟
تلفزيون سوريا
—————————–
وزارة تشبه سوريا/ محمد الرميحي
5 أبريل 2025 م
خابرني صديق سوري في الشتات معلقاً على التشكيل الوزاري الجديد في سوريا بقوله: «إنها وزارة تشبهنا، لقد تحولنا من رعايا إلى مواطنين، نبرته كانت تحمل الصدق والأمل، فهو واحد من ملايين حملوا آلامهم إلى بقاع الدنيا».
مرحلة التحول في سوريا ليست بأي معنى سهلة، فقد ترك النظام السابق أشلاء دولة، وجمع تلك الأشلاء من جديد، ربما يحتاج إلى معجزة، وهذا ما تحاول الإدارة الجديدة أن تفعل، إلا أن الصعاب والتحديات كثيرة.
قبل القسم كل وزير في الوزارة الجديدة قدم موجزاً سريعاً لما يريد أن يقوم به، وتلك حسنة جديدة، الوزارة رشيقة بعددها، ويرأسها رئيس الجمهورية طلباً لتقليل البيروقراطية وسرعة التنفيذ، كما أن بها تمثيلاً واسعاً لأطياف المجتمع السوري.
الإيجاز الذي قدمه الوزراء في مجمله أنها وزارة تريد أن تنقل سوريا إلى دولة وطنية مدنية حديثة، ظهر ذلك في مفردات الوزراء، عدد من الوزراء عمل في دول أجنبية وخليجية، أي تعرض مباشرة لعوامل التنمية الحديثة، كما أن معظم الوزراء خبراء في مجالهم، وعلى مستوى عال من التعليم.
هذا لا يعني أن الوزراء في تاريخ سوريا ليسوا بخبراء، كان فيهم ذلك العنصر في الزمن الماضي، ولكن كان يحد من حركتهم عاملان، الأول ضيق مساحة التفويض، وحتى رئيس الوزراء في السابق لم يكن مفوضاً، والعامل الثاني تدخل الأجهزة الأمنية والعسكرية ورجال ونساء القصر في أعمالهم، مما أشاع الفساد والزبائنية، وركب بعد فترة تقديم الولاء على الكفاءة كقاعدة التكليف.
واضح مما قيل في الإيجاز أن الكفاءة عادت للصدارة، والتفويض أصبح كاملاً، وكل يتحمل مسؤوليته، وقد تحدث بعض الوزراء عن أهمية الاستقلال عن الضغوط السياسية في مجال عملهم مثل التعليم.
هذه الحكومة السورية تاريخية، وسُمت بحكومة الإنجاز على أمل أن تفعل ذلك، إلا أن أي منصف يقرأ الساحة السورية، يعرف أن المهمة صعبة وهي مثل صعود الجبل.
التحديات كثيرة داخلية وخارجية، منها الوضع الاقتصادي الصعب، ومنها الوضع الأمني، ومنها تفكيك العزلة الخارجية القاتلة، كما ترك النظام السياسي السابق علاقة مشوهة بين السلطة والمجتمع، وإعادة الثقة عملية تحتاج إلى عقول منفتحة، وخطط سريعة في مخاطبة الجمهور، ونجاحات على الأرض.
ربما أمام الوزارة الجديدة أولاً تحديد الأولويات المركزية، على رأسها العمل على تحقيق الاستقرار وتغيير ثقافة العنف التي استمرت طويلاً بثقافة الإقناع، والتوجه خارجياً إلى محور الاعتدال العربي، والمعادلة بين صيانة الأمن و الحريات، في بلد عاني من الاستبداد الوحشي، تلك عملية تحتاج إلى عقول، دون الانزلاق إلى تضخيم الأشخاص أو رسم الصور البراقة، بل مخاطبة الجمهور بالحقائق كما هي.
إلا أن المعضلة الكبرى هي نقل التنافس الطبيعي بين مكونات المجتمع من الساحة العسكرية والعنف إلى الساحة السياسية، وربما ذلك يتطلب إنشاء لجنة وزارية مختصة، تطعم بعدد من المتخصصين، لكتابة المعالم الرئيسية للدستور الدائم، وقد تأخذ وقتاً في عملها، إنما الإعلان عنها في وقت قريب يرسل رسالة اطمئنان للداخل والخارج، بأن مشكلات اليوم لا تشغلنا كلياً عن النظر إلى المستقبل.
التحديات الصغرى هي فلول النظام السابق، وتنظيم «داعش» الظلامي، وتهريب الأسلحة على الحدود والمواد المخدرة، ومعالجة البطالة، وهي خزان تستطيع القوى السابقة أن تستفيد منه، فقد كان الفشل الاقتصادي أحد الأسباب المهمة في سقوط النظام السابق.
أما التحديات الكبرى فمثل الحديث عن (حكم ذاتي) أو (بقاء سلاح خارج الدولة) وتعظيم مظلومية القوى السياسية ذات البعد الطائفي، هذا الملف هو التحدي الأكبر، وعلاجه أو جزء من علاجه هو استدعاؤه إلى السطح ومناقشته وبيان مخاطره.
بعض الطوائف يتبنون ذلك التوجه، وهي سكة خطرة، تبنى على تضخيم الخوف، والاستفادة من الظرف السياسي، ولكن ذلك يجعل من التعايش صعباً، الأفضل انتظار إكمال أركان الدولة وتحويل السياسة من الصراع على الدولة إلى صراع من أجل خير الجميع، في إطار ديمقراطي مستقبلي هو الطريق الأفضل، ولم يدخل مجتمع في تاريخنا المعاصر إلى حروب أهلية إلا وهدم المعبد على رؤوس الجميع.
أحد العناصر التي لم يسلط الضوء عليها، تفعيل القوة الناعمة السورية، منها الإنتاج الفني والثقافي، الذي تزخر سوريا بعناصره المتميزة، تلك القوة الناعمة يتوجب تفعيلها، دون مبالغة في التزلف وأيضاً دون مبالغة في رفع السقف، لكن على قاعدة النقد البناء والإيجابي.
معظم إيجاز الوزراء تحدث عن استقطاب رأس المال البشري في الداخل، وتجويد مخرجات رأس المال البشري في الداخل، وذلك أمر له إضافة إيجابية للمشروع الجديد.
آخر الكلام: تركيبة الوزارة السورية الجديدة بعيدة عن مراكز القوى، وهو أمر حتمي في هذه المرحلة، حتى يأتي وقت الانتخابات العامة فيقرر السوريون ما يرغبون.
الشرق الأوسط
—————————————
======================