13 مليون سوري تحت خط الجوع/ رنيم غسان خلوف

08 ابريل 2025
تقرّ الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، أنه يحق لكل فرد الحصول على الغذاء بشكل منتظم ودائم وحر، بصورة مباشرة أو بواسطة مشتريات نقدية، ليحصل على غذاء وافٍ وكافٍ من الناحيتين الكمّية والنوعية، بما يتوافق مع التقاليد الثقافية للشعب الذي ينتمي إليه المستهلك ويكفل له حياة بدنية ونفسية، وفردية وجماعية، مُرضية وكريمة وبمنأىً عن الخوف”.
هذا الحق يُخرق في سورية من كل جوانبه المتمثلة “بالكافي، والوافي، والمنتظم والحرّ، والكم والنوع” وذلك منذ 14 عاماً، وذلك حسب التعريفات الأكاديمية للأمن الغذائي التي تتمثل بتوافر الغذاء والنفاذ إليه واستخدامه البيولوجي، كما ذكرت إحصائيات صادرة نهاية عام 2024 عن برنامج الغذاء العالمي (WFP)، أنه يعاني نحو 13 مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان، من انعدام الأمن الغذائي، بما في ذلك 3.1 مليون شخص يعانون بحدّة انعدام الأمن الغذائي. كما وصلت معدّلات سوء التغذية لدى الأمهات وسوء التغذية الحاد لدى الأطفال دون سن الخامسة إلى مستويات طوارئ عالمية، حيث تضاعفت تكاليف المعيشة في سوريا ثلاث مرات خلال الثلاث السنوات الماضية، أيام حكم النظام السابق، حيث لا يشتري الحد الأدنى للأجور سوى خُمس احتياجات الأسرة الأساسية، وماتزال كذلك، حيث تراجع مستوى النفاذ إلى الغذاء في سوريا إلى 48% حتى عام 2018.
وخلال استبيان الكتروني (أعد لهذا المقال) على 100 مفردة لعينة عشوائية من السوريين والسوريات، أظهرت النتائج أن 56.9% يعيشون بأقل من 400 ألف ليرة سورية، فعن ماذا استغنى السوريون إذاً؟ وهل سعراتهم الحرارية الله حاميها فقط!، بالرغم من تدهور أمنهم الغذائي!
ب30 دولار يعيش السوريون!
منذ تفاقم الوضع في سوريا أواخر عام 2024، قدّم برنامج الأغذية العالمي وشركاؤه الدعم لنحو لأكثر من 340 ألف شخص في جميع أنحاء سوريا، من خلال توزيع حصص غذائية جاهزة للأكل، بالإضافة إلى وجبات ساخنة وطازجة، بينما تحتاج الأسرة السورية المكونة من أربعة أشخاص إلى 700 دولار لتعيش بالحد الأدنى، حسب التعريفات الأكاديمية للأمن الغذائي، يوضح الدكتور في الاقتصاد علي محمد لـ “سورية الجديدة” احتياجات المعيشة للسوريين، منوّهاً إلى أنه لا يمكن لأحد أن يكون دقيقاً جداً، ويقول: “بعض الناس تحسب احتياجات المعيشة ليتحقق الأمن الغذائي السليم للفرد على أساس السعرات الحرارية، حيث يحتاج الفرد 1200 سعرة حرارية يومياً، تتضمن لحوم وخضار وفواكه”، لكن يفصل الخبير ربط الموضوع بطريقة بعيدة عن السعرات الحرارية، فكل شخص موجود ليس فقط ليأكل ويبقى على قيد الحياة، بل يجب أن ينتج خلال عمله، وهذا الإنتاج يرتبط بالأمن الغذائي، فنحسب التالي:
في الحالة المثالية للحياة، تحتاج عائلة مكونة من أربعة أفراد، وسطياً إلى لحوم حمراء، وبيضاء، بمقدار 12 كيلو شهرياً، ( مليون ومئتي ألف ليرة سورية، ما يقارب 90 دولارا حسب سعر مصرف سورية المركزي)، و( 40 ألف ليرة سورية، 13دولار) خضار وفواكه يومياً بعيداً عن الاستوائية منها، وحوالي 20 لتر من زيت الزيتون والزيت النباتي، بحوالي( 600 ألف ليرة سورية، 45 دولار)، عدا عن الأدوية لأنها أساسية للأمن الغذائي، ليكون الإجمالي (ثلاثة ملايين ونصف إلى أربعة ملايين ليرة سورية، أي 300 دولار على الأقل لأسرة مكونة من أربعة أشخاص). وقبل 2011، كان الأسرة تعيش بأمن غذائي وتلبي طلباتها بـ 35 ألف أي 700 دولار، واليوم بعد 8 ديسمبر (2024) تحتاج 700 دولارا، فكيف يعيش السوريين إذاً؟
توضح نتائج الاستبيان الذي تم توزيعه على عينة عشوائية من 100 شخص، أن 87% منهم ينتمون لأسر عدد أفرادها بين (أربعة وسبعة) أشخاص، (78.4%) منهم يعملون بالحكومة، و(74.5%) لا دخل إضافياً لديهم، و(56.9%) دخولهم أقل من 400 ألف، أي حوالي 30 دولارا، وهو راتب موظف الحكومة.
ونتيجة ارتفاع الأسعار الذي طال السلع والمواد الغذائية، والفجوة بين الرواتب والأجور والقوة الشرائية للمواطن السوري، يبتعد السوريون أكثر فأكثر عن الأمن الغذائي، حيث بات 74.5% ممن وزع عليهم الاستبيان يستغنون عن سلعٍ غذائيةٍ كثيرة في حياتهم اليومية، منها الخضار والفواكه، اللحوم، التدفئة والملابس التي باتت تعتبر رفاهيات.
وهذه السلع التي باتت رفاهية، والتي استغنى عنها السوريين حتى لحظة إعداد هذا التقرير، ربما تزيد النسب إلى حين نشر التقرير.
الزراعة حزام الأمن الغذائي
” ازرع تأكل وتوزع لمن لا يملك”، ” ومن يملك بقرة لا يجوع”، هذه الأمثال الشعبية التي كانت كلمات الأجداد للأحفاد والأبناء، للإشارة إلى أن أمن الأسرة الغذائي هو بالزراعة وتربية الماشية وخصوصاً في الأرياف، ليعيش الناس عيشاً كريماً، اندثرت هذه المقولات ما قبل عام 2010، وتزايد اندثارها بعد انطلاق الثورة عام 2011 والحرب التي تبعتها لعوامل ترتبط بتهجير الفلاحين من قراهم، وهجرة الكثير منهم للزراعة طوعاً وانتقالهم لحياة المدن، إضافة إلى جملة التغيرات المناخية الخارجة عن إدارة الفلاحين، دون التصدّي لها، ما هدد أمنهم الغذائي، حيث خسر قطاع الزراعة في سورية 16 مليار دولارا أميركيا، حسب مؤسسة “كارينغي للسلام”، منها 3 مليار دولار، لحقت بالأصول الزراعية ووسائل الإنتاج من معدات ومزارع وعيادات بيطرية وحظائر الحيوانات والبيوت البلاستيكية وأنظمة الري، وخسرت المحاصيل ما يقارب 6.3 مليار دولار، وقطاع الماشية 5.5 مليار دولار، و80 مليون خسائر قطاع الأسماك، وتقاطعاً مع هذا الطرح، زاد مستوى انهيار الأمن الغذائي، حيث أصبح يحتاج أكثر من 16.7 مليون سوري المساعدات.
ويوضح الخبير الاقتصادي علي محمد أن الزراعة تعدّ أحد التصنيفات التي يقاس على أساسها، استقرار الأمن الغذائي للمواطن السوري، الذي أصبح يعيش تحت خط الفقر المدقع، الذي حدّده البنك الدولي بأي دخل يقل عن 2.15 دولار، وبالتالي كل سوري يبلغ دخله 30 دولار شهرياً، تكون يوميته دولاراً، أي 13500 ليرة سورية حسب المصرف المركزي، وعشرة آلاف ليرة حسب السوق السوداء، فهو بحالة فقر مدقع. حيث يعدّ خط الفقر أيضاً ضمن التصنيفات التي يقاس بها الأمن الغذائي، والذي يتبين أنه معدوم عند السوريين حسب الخبير، حيث تعد التنمية الزراعية من أقوى أدوات القضاء على الفقر المدقع والجوع، وتوفير الغذاء والرخاء لحوالي عشرة مليارات نسمة عام 2050، في حال جرى تطبيق أهداف التنمية المستدامة، والهدف الثاني تحديداً، الذي يؤكد على تعزيز الزراعة المستدامة، وتمكين صغار المزارعين، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وإنهاء الفقر في الريف، وضمان أنماط حياة صحية، ومعالجة تغير المناخ.
الاقتصاد خاصرة الأمن الغذائي للسوريين
يسير ملف الأمن الغذائي للمواطن في دائرة متشابكة، كل نقطة في قطر هذه الدائرة تؤثر بالنقطة التي تليها، فلتحقيق أمن غذائي مستقر للأفراد في الدول والمجتمعات، لابد من استقرار الإنتاج الزراعي، وخفض الاستيراد، وعودة عجلة الإنتاج أيضاً الاقتصادي الحكومي والفردي، و إضافة إلى تأمين الرعاية الصحية، الذي يوضح الخبير أنها نقطة مهمة في محيط الدائرة، تتجاهلها حكوماتٌ ومجتمعاتٌ كثيرة، وفي تقرير صادر عن الأمم المتحدة، أشار مدير البرنامج الإنمائي أخيم شتاينر”، إلى أن تعافي سوريا غذائياً واقتصادياً يتطلب استثماراً طويل الأجل في التنمية، وهذا ما تحدّث عنه الخبير الاقتصادي علي محمد قائلاً إن الاحصائيات الأممية تذكر أن خسارة الناتج المحلي في سورية 800 مليار دولاراً 14 عاماً، وثلاثة من كل أربعة أشخاص باتوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية في البلاد، منوهاً أيضاً أنه خسر الكثير من المواطنين السوريين دخولهم أخيراً، سواء بالقطاعيْن العام والخاص، ورغم أن الجميع يعرف أن القطاع العام يعاني من بطالة مقنّعة وفائض كبير في الأعداد والرواتب، لكن ستضاف هذه الأعداد على قائمة الناس التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي حسب الخبير الاقتصادي، الذي طرح حلولاً تتمثّل في زيادة عجلة الإنتاج، من خلال توفير القواعد السليمة وتطويرها، وعودة دعم القطاع الزراعي والمزارعين، بزراعات مستدامة، وهذه النقطة جوهرية أكد عليها برنامج العذاء العالمي، إضافة لوضع خطط حكومية قابلة للقياس والتقييم يتم من خلال تحديد التطور الاستراتيجي على صعيد الإنتاج والزراعة بعد البدء بها، مع دعم المنظمّات الدولية، كل هذه الإجراءات تخفض على المدى الطويل الاستيراد، وينخفض الفقر إلى الربع بعد ست سنوات.
ذاق السوريون كل أنواع العذاب، حزامهم رخو، وخاصرتهم رخوة، وتلون أمنهم بالأحمر القاني، بين الحرب، والغذاء، والصحة، لتكون كل الاحتمالات أمامهم مفتوحة في المرحلة المقبلة من تاريخ البلاد.
العربي الجديد