د. برهان غليون يتحدث عن التحديات الداخلية وسبل مواجهتها

2025.04.08
قال المفكر والأكاديمي السوري الدكتور برهان غليون لا خلاص لسوريا من دون مصالحة وطنية وعدالة انتقالية وشراكة شعبية حقيقية، وذلك في أول ظهور إعلامي له من داخل العاصمة السورية دمشق منذ أكثر من عقد.
وأعرب غليون، في لقاء خاص في برنامج “سوريا اليوم” عبر شاشة “تلفزيون سوريا”، اليوم الثلاثاء، عن تفاؤله بمستقبل سوريا، رغم حجم التحديات التي تواجهها البلاد، مشددًا على أن الشعب السوري، بكرمه وأخلاقه وتاريخه في التعايش، هو رأس المال الحقيقي لبناء وطن موحد ودولة ديمقراطية عادلة.
وقال المفكر السوري، إن الحكومة السورية الجديدة، بتشكيلتها التكنوقراطية، أمام إرث ثقيل من الفساد والدمار والانقسام والعقوبات الدولية.
ووفقاً لغليون، فإن تجاوز هذا الوضع يتطلب رؤية شاملة تشمل العمل على ضبط الأمن، وإعادة الإعمار، وإنهاء الفصائلية، وتحقيق المصالحة الوطنية، وتفعيل مؤسسات الدولة ومكافحة الفساد.
عدالة انتقالية حقيقية
اعتبر المفكر والأكاديمي السوري، أن أولى خطوات النهوض تبدأ بإطلاق عملية عدالة انتقالية حقيقية، تميز بين الأبرياء والمجرمين، وتحمي المواطنين من الانتقام الطائفي أو الشخصي.
وأضاف أن إعادة اللحمة الوطنية تتطلب حوارًا وطنيًا مفتوحًا تشارك فيه كل الأطياف، بعيدًا عن الهيمنة الرسمية، داعيًا إلى تأسيس ملتقى وطني مستقل يضم رجال الدين والمثقفين ورجال الأعمال والسياسيين، ويناقش هموم الناس وشكاواهم السياسية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية.
وأكد غليون، أن السوريين خرجوا من “محنة وطنية تشبه الموت”، وهم مثقلون بالجراح النفسية والمادية، لكنهم قادرون على النهوض من جديد إذا توفر لهم من يستمع إليهم ويقودهم بروح وطنية.
“الشعب السوري لا يزال يحتفظ بكرمه وقيمه”
وعن مشاهداته خلال زيارته إلى مدينته حمص، أشار غليون إلى حجم الدمار الهائل والانقسامات المجتمعية، لكنه أبدى تأثره العميق بالكرم والنبالة التي لمسها في تعامل الناس معه، قائلاً: “الشعب السوري لا يزال يحتفظ بأخلاقه وكرمه، ليس بالمادة فقط بل بالمحبة والتقدير المتبادل، وهذا من أهم مقومات تعافيه”.
وأوضح أن المشكلة في حمص وغيرها ليست فقط اقتصادية، بل نفسية ومجتمعية ناتجة عن غياب المبادرات الجدية للحوار والمصالحة، مؤكدًا أن معالجة الانقسامات تتطلب جهدًا جماعيًا من الدولة والمجتمع والنخب.
النخب السورية مقصرة.. والحل يبدأ من المجتمع
انتقد غليون أداء النخب السورية، السياسية والثقافية والاقتصادية، قائلاً إنها انشغلت بالصراع على السلطة وابتعدت عن الشعب، بدل أن تقوم بدورها في توجيهه وتضميد جراحه وإشراكه في مشروع وطني جامع.
وأكد أن هناك مبادرات اجتماعية تستحق التشجيع، مثل ما شاهده في حمص من جهود شعبية لجمع التبرعات وتوزيعها على المحتاجين، مشيرًا إلى أن العمل الاجتماعي هو جوهر الحل وليس الانتظار من الدولة فقط.
النهوض الاقتصادي ذاتياً
في الشأن الاقتصادي، دعا المفكر والأكاديمي السوري إلى كسر الرهان على رفع العقوبات الدولية، موضحًا أن الدول التي تفرضها لن ترفعها بلا ثمن، وأن على السوريين أن يتصرفوا كما لو أن العقوبات دائمة، وأن يعتمدوا على مواردهم الذاتية، وفي مقدمتها الشباب والطاقات المحلية والمشاريع الصغيرة.
وانتقد غليون الفكرة السائدة التي تقول إن الاستثمار لن يبدأ إلا بعد رفع العقوبات، مؤكدًا أن “التعطيل الذاتي” بحجة العقوبات يخدم مبررات استمرارها، وأن الحل هو إطلاق مشاريع تنموية تعيد تحريك العجلة الاقتصادية من الزراعة إلى الحرف، وتوفير بيئة تشريعية وأمنية جاذبة للاستثمار.
“رجال الأعمال مستعدون”
وحول دور رجال الأعمال، أوضح غليون أن بعضهم مستعد للاستثمار، لكن رأس المال بطبيعته “جبان”، ولا يُغامر في بيئة غير آمنة أو مضطربة. لذلك، فإن تحقيق الأمن وتوفير تشريعات واضحة وضمانات قانونية هو السبيل لجذبهم. كما حذر من المراهنة على رجال الأعمال من دون تحضير البيئة المناسبة.
دولة المواطنة
على المستوى السياسي، شدد غليون على ضرورة إطلاق عملية انتقال ديمقراطي فعلية تبدأ من القاعدة، عبر انتخابات محلية ومجالس نقابية منتخبة ديمقراطيًا، وتنظيم الحياة الحزبية والثقافية، وإشراك الناس في صنع القرار.
وأشار إلى أن إعادة بناء ثقة الناس بالدولة تتطلب خطابًا رسميًا شفافًا ومتكرّرًا يؤكد المساواة بين جميع السوريين، بعيدًا عن الطائفية والانقسامات. وقال: “سوريا ليست دولة طائفة، بل دولة مشتركة لجميع السوريين، ويجب أن يشعر كل مواطن أنه شريك فيها”.
كما حذّر من الاستقطابات الفكرية والدينية التي قد تتحول إلى غطاء للتجييش الطائفي، داعيًا إلى تجاوز ثنائيات “علماني/إسلامي” والانطلاق نحو حوار وطني واسع يعالج مشكلات المجتمع ويعزز القيم الديمقراطية.
العدالة أساس بناء الدولة
اعتبر غليون أن حكم القانون وعدالة الدولة هما البديل الوحيد عن العصبيات الطائفية أو القومية، مؤكدًا أن غياب العدالة يدفع الناس للولاء للهويات الضيقة التي لا يمكن أن تنتج دولة حديثة. وقال إن الدولة التي لا تحمي مواطنيها تفقد شرعيتها.
العلاقات الدولية تبدأ من الداخل
في السياسة الخارجية، دعا غليون إلى بناء علاقات جيدة ومتوازنة مع كل الدول الإقليمية والدولية، باستثناء من يعادي سوريا، معتبراً أن توحيد الداخل هو الأساس لتقوية الموقف السوري في الخارج. وأوضح أن الدول العربية تنظر إلى ما إذا كانت الحكومة قادرة على تجاوز الانقسامات وإنتاج سلطة تحظى بثقة كل أطياف المجتمع، قبل الانخراط الجدي معها.
كما شدد على أن مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية يجب أن تبدأ من بناء الداخل، مؤكدًا أن هذه الهجمات تهدف إلى ابتزاز الحكومة الجديدة ودفعها إلى التطبيع، وقال: “الرد ليس عسكريًا فقط، بل ببناء مجتمع متماسك وموحد قادر على فرض حضوره الإقليمي”.
سوريا والعالم: بين العقوبات والفرص
وفيما يخص العلاقات مع أوروبا والغرب، رأى غليون أن الدول الأوروبية أكثر استعدادًا من الأميركيين للتعاون، بشرط أن ترى تقدمًا حقيقيًا في الداخل السوري. وأشار إلى أن الاستقرار في سوريا مصلحة أوروبية مباشرة، خاصة لمنع موجات لجوء جديدة وتقليص النفوذ الإيراني.
ورأى أن الصراع الغربي ـ الغربي، خصوصًا بين الولايات المتحدة وأوروبا على خلفية أوكرانيا ومصالح النفوذ، يتيح هامشًا أوسع لسوريا لتوطيد علاقتها مع أوروبا، داعيًا إلى استثمار هذا الظرف الدولي.
تفاؤل راسخ وانتصار مؤجل
وعن رؤيته الشخصية، أكد غليون أنه لم يفقد يومًا إيمانه بانتصار الثورة السورية، رغم الهزائم والتدخلات التي أحبطتها، وعلى رأسها التدخل الروسي والإيراني. وقال: “الثورة كانت منتصرة، وما كان ليس سقوطها بل احتواؤها بتحالف دولي كبير”.
وختم بالقول إن انتصار الثورة سيأتي متأخرًا لكنه حتمي، إذا ما عمل السوريون على إعادة بناء وطنهم بمشاركة الجميع، من دون إقصاء، وبإطلاق حوار شامل يعيد للمواطن السوري موقعه وكرامته.
لقاء خاص مع الأكاديمي والمفكر السوري برهان غليون | سوريا اليوم
تلفزيون سوريا