منوعات

لماذا نبني علاقات مع كوريا الجنوبية؟.. “كوريا الشمالية شريك غير قابل للامتحان”/ عبد الناصر القادري

2025.04.11

من قال هذه الجملة الواثقة يا تُرى؟ إنه السفير السوري المستدعى من روسيا إلى دمشق مؤخراً بشار الجعفري، أحد أبرز الأصوات الدبلوماسية التي دافعت عن نظام الأسد (المخلوع) في كل المنابر التي اعتلاها.

وحدد بشار الجعفري عندما كان نائباً لوزير خارجية النظام طبيعة العلاقة مع كوريا الشمالية بقوله إنها: “علاقات شراكة غير قابلة للامتحان”.

وأضاف في مقر سفارة كوريا الشمالية بدمشق في 13 نيسان 2022: “هناك تماثل في التحليل السياسي والجيوبولتيكي لمعظم الأحداث في العالم آخرها تصويت الدولتين بنفس الطريقة على مشروع القرار الغربي ضد روسيا”.

سؤال.. ما هي السيارات الأكثر انتشاراً في سوريا؟

إذا عدنا بالتاريخ قليلاً إلى الوراء، باحثين عن جواب لسؤال بسيط؟ ما هي أكثر السيارات انتشاراً في سوريا؟ ستجد سيارات هونداي وكيا بشكل أساس المصنوعة في كوريا الجنوبية، وستجد منتجات سامسونج وإل جي التقنية من هواتف محمولة وأدوات منزلية وما إلى ذلك من منتجات تغزو الأسواق السورية، خصوصاً بعد مجيء الرئيس المخلوع بشار الأسد إلى السلطة.

الغريب رغم كل ما نحصل عليه من كوريا الجنوبية أنه لم تربطنا بتلك الدولة الآسيوية المتطورة أي علاقات دبلوماسية مباشرة، على أهمية ما نستورده من أراضيهم، فالسيارات الكورية الجنوبية أرخص سعراً من الألمانية والأميركية واليابانية وأثبتت كفاءتها على مدى سنوات طويلة وتحوز ثقة المستهلك.

في السياسة، من المهم أن تبني علاقات جيدة مع الدول التي تصدر إليك حاجيات مهمة، مثل النفط والغاز وقطاع النقل والتكنولوجيا والزراعة، في “سوريا الأسد” كان التفكير عكسياً دائماً، علاقات سيئة مع الدول التي من الممكن أن نحصل منها على تخفيض في الرسوم الجمركية أو ضرائب الاستيراد أو تحسين التبادل التجاري لخلق نوع من التوازن أمام الميزان التجاري الخاسر أصلاً.

متى بدأت العلاقات السورية مع كوريا الشمالية؟

الشائع أن حافظ الأسد زار بعد انقلابه على أصدقاء الدرب عام 1970 كوريا الشمالية بأول زيارة خارجية، وهو غير صحيح، أول زيارة كانت إلى ليبيا عام 1971 وزار عدة دول بعدها (الكويت، مصر، الاتحاد السوفييتي، لبنان، باكستان، يوغسلافيا، رومانيا)، ثم في عام 1974 زار كوريا الشمالية فعلاً، في زيارة قد لا تعد غرائبية بالنسبة لنظام اشتراكي حليف للاتحاد السوفييتي ومحسوب على المعسكر الشرقي، ومصنف على أنه معادٍ للغرب!

وفي الحقيقة، بدأت العلاقة الديلوماسية بين كوريا الشمالية وسوريا في عام 1966، بعد وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963، إثر انقلاب الثامن من آذار.

وفي حرب تشرين عام 1973 التي خاضتها سوريا ومصر ضد الاحتلال الإسرائيلي، حصل حافظ الأسد على أسلحة من كوريا الشمالية، وفي الغالب كانت تلك الشحنات بإيعاز من الاتحاد السوفييتي حينئذ المؤثر الأبرز في سياسات كوريا الشمالية.

عمل حافظ الأسد على استيراد ما يعرف بـ استراتيجية “الولاء المفرط”، وكان لديه إعجاب بنموذج حكم كيم جونغ إيل سونغ الجد، هذه الاستراتيجية تقوم على ضرورة تقديم كل مكونات الدولة الولاء المبالغ فيه لشخص القائد، من دون استثناء جهة أو شخص مهما كان.

وتقديم المكافأة إلى أولئك الذين يبدعون في إنتاج أشكال جديدة من الولاء، وعقاب أولئك الذين لا يقدمون الولاء بما يكفي من الخضوع.

تتبع حافظ الأسد الخطوات ونقل كثيراً منها إلى سوريا، مع وضع “إبداعاته” الشخصية على التجربة الكورية، وجعلها نموذجاً فريداً بالحكم في سوريا.

ومن الشائع أن حافظ الأسد أسس طلائع البعث (تلاميذ المدارس) وشبيبة الثورة (طلاب الثانويات) واتحاد طلبة سوريا (طلاب الجامعات) من كوريا الشمالية واستفاد من خبرة مؤسس كوريا الشمالية كيم جونع إل (1948 -1994) الشديدة.

ومن بين أشهر الألقاب التي اتخذها كيم جونغ لنفسه كانت “الأب الحاكم” و”الزعيم العظيم” و”الرجل السماوي” وكان اسمه يطبع بلون الدم في كل المنشورات، لتكون متميزة عن أية طبعات أخرى. إضافة إلى ذلك، فكل المؤسسات الكورية الشمالية وقوانين العمال والأراضي والدستور والكتب التعليمية تم تأليفها بوساطة كيم.

وهي ما يظهر استنساخ حافظ الأسد للتجربة الكورية الشمالية بشكل كبير وبناء التماثيل والأصنام أسوة بحليفه الكوري الشمالي، حيث كان من ألقابه “القائد الضروري” و”القائد الخالد”، و”القائد المؤسس” وبويع للأبد كما بويع كيم الجد.

اشتهر جونغ إل بأنه كان من أوائل من سن سنة توريث الحكم الجمهوري إلى ابنه فيما يعرف بين دارسي الحقل السياسي باسم “جملوكية” أو “جملكية” هو مصطلح مستحدث يمزج بين كلمتي الجمهورية والملكية. يستخدم عادة بطريقة ساخرة لوصف أنظمة تدعي أنها جمهورية ولكن ممالك سياسية، وخاصة في قضية توريث الحكم، وإن كانت تكتب في دساتيرها أنها جمهوريات ديمقراطية وتجري انتخابات دورية للرئاسة والبرلمان والبلديات أيضاً.

في عام 1994، ورث حكم كوريا الشمالية، الابن الأكبر كيم جونغ إل، الذي حاز لقب “القائد العزيز”، ثم ورث الحكم لابنه عام 2011، كيم جونغ أون الذي كان على صلة وثيقة بالمخلوع بشار الأسد.

كوريا الشمالية اسمها الرسمي هو “جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية”، والمثير للانتباه أن كوريا الشمالية ليس فيها أي من دلالات الحكم الجمهوري الذي تحدث عنه أفلاطون، وبالطبع ليست ديمقراطية وفقاً للتعريف المعتمد للديمقراطية “حكم الشعب”، وكل انتخاباتها شبيهة بالتي كانت تجري في سوريا من ناحية النسب شبه المئوية التي يفوز بها الحزب الحاكم دوماً.

بشار الأسد وكوريا الشمالية

بعد 9 أشهر من انطلاق الثورة السورية ضد بشار الأسد، تولى كيم جون يون الحكم في 17 كانون الأول 2011، وكان نظامه يساند النظام السوري في حربه ضد السوريين.

وفي سياق ذلك، أفاد تقرير لمحققين في الأمم المتحدة، في 27 شباط 2018، أن كوريا الشمالية أرسلت المواد الكيماوية إلى سوريا، منها بلاط مقاوم للأحمضة، وصمامات، وأجهزة لقياس الحرارة.

وتأتي هذه المواد ضمن 40 شحنة لم يعلن عنها أرسلت من كوريا الشمالية إلى سوريا بين عامي 2012 و2017، تتضمن أجزاء صواريخ باليستية وغيرها من المواد المحظورة.

كما لوحظ عمل تقنيين خاصين بنظام الصواريخ الباليستية الكوري الشمالي، وهم يوجدون في منشآت لإنتاج أسلحة كيماوية وصواريخ في سوريا، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.

في عام 2014، وقع الجانبان سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، التي تغطي مجالات مثل الصناعة والبنوك والنفط والطيران والسياحة، رغم أن الميزان التجاري ينحاز تلقائياً لكوريا الجنوبية.

في عام 2018، أخبر بشار الأسد السفير الكوري الشمالي في دمشق بأنه يعتزم زيارة كوريا الشمالية ولقاء كيم جونع أون ولكن ذلك لم يحصل، في الوقت الذي كان جونغ أون يحضر للقائه الشهير مع دونالد ترامب.

بحسب موقع أخبار كوريا الشمالية “NK NEWS” الأميركي المتخصص بتحليل وسائل الإعلام الكورية والحصول على بيانات منها، فإن الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أونغ، وبشار الأسد تبادلا المراسلات 12 مرة خلال عام 2021.

وبين عامي 2019 و2022، أبرز النظام وكوريا الشمالية اتفاقيات شملت مجالات الإعمار والاستثمار العقاري والنقل الجوي. وتضمنت الاتفاقات تسهيلات للطيران المدني مثل تعيين شركات تشغيل، والإعفاء الجمركي، وتبادل الخبرات والمعلومات.

وتبع ذلك في 16 حزيران 2022 توقيع وزارة الإعلام في حكومة الأسد، مع اللجنة الإعلامية في كوريا الشمالية، اتفاقية تعاون في المجال الإعلامي.

كل ذلك كان مع دولة تعد الأكثر انغلاقاً في العالم، وليس لديها علاقات تجارية أو اقتصادية أو سياسية مع معظم الدول الأعضاء بالأمم المتحدة.

وتشمل الصناعات الكورية الشمالية، المنتجات العسكرية، والآلات، والطاقة الكهربائية، والكيماويات، والتعدين والمنتجات المعدنية، والمنسوجات، والغذائيات والسياحة.

وكان النظام السوري يعتمد على سلوك الاقتصاد الكوري الشمالي في تخطيه للعقوبات الغربية المفروضة عليه منذ عقود، ومع ذلك لم يفلح.

كوريا الجنوبية وسوريا.. هل نتجنب كوارث الماضي؟

ومع بدء انفتاح معظم دول العالم على الحكومة الجديدة في سوريا بعد سقوط النظام، كانت كوريا الجنوبية من الدول المبادرة، خصوصاً أن لديها طموحات اقتصادية تبادلية مع سوريا، كما أن نظامها المخلوع على صلة بكوريا الشمالية الخصم التقليدي.

في شباط 2025، كانت أول زيارة من قبل مسؤول دبلوماسي كوري جنوبي إلى دمشق منذ 22 عاماً، وفي 10 نيسان الجاري وقّع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، مع نظيره الكوري الجنوبي، تشو تاي يول، اتفاقية رسمية لإقامة علاقات دبلوماسية بين سوريا وكوريا الجنوبية، وعقب الاتفاق التقى الرئيس أحمد الشرع مع وزير الخارجية الكوري الجنوبي في قصر الشعب.

    سوريا توقع اتفاقية إقامة علاقات دبلوماسية مع #كوريا_الجنوبية

pic.twitter.com/51W5bs1CKE — وزارة الخارجية والمغتربين السورية (@syrianmofaex)

April 10, 2025

أعرب تشو خلال المحادثات عن استعداد سيول لدعم جهود إعادة إعمار سوريا بعد الحرب، وهي عملية قال إنها قد تشمل في نهاية المطاف مجيء شركات كورية جنوبية، ولتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية.

ورحب الشيباني باحتمالية مساهمة كوريا الجنوبية في إعادة إعمار سوريا، وأعرب عن أمله في دعم سيول في تخفيف العقوبات الدولية على دمشق.

المثير للدهشة أن سوريا (وكوريا الشمالية) فقط بين كل دول العالم البالغ عددها 191 دولة، كانت لا تقيم علاقات دبلوماسية مع كوريا الجنوبية، رغم أنها تستورد منها منتجات بعشرات ملايين الدولارات سنوياً.

بالعودة إلى بداية التقرير، وما له علاقة بأهمية وجود علاقات وشراكة اقتصادية متينة مع الدول التي تستورد منها أبرز الاحتياجات في قطاعي النقل والتكنولوجيا.

في الدول التي تتمتع بسياسات عقلانية ومبنية على المصالح القومية، تُبنى العلاقات الدولية انطلاقاً من الاقتصاد لا الأيديولوجيا مع أهمية التموضع السياسي الثابت عندما تدعو الحاجة. لكن ما كان يحصل في سوريا، هو العكس تماماً.

كانت دمشق تستورد بكثافة من كوريا الجنوبية، ومع ذلك، لم يتم حتى فتح قنوات دبلوماسية مباشرة أو توقيع اتفاقيات تسهّل التجارة، كالإعفاء الجمركي أو فتح خطوط شحن مباشرة أو مناطق تجارة حرة.

هذا النوع من الانفصال بين ما نستهلكه وبين من نعاديه سياسياً يشير إلى أن القرار السياسي لم يكن مرجعه مصلحة المواطن أو التاجر أو الاقتصاد الوطني، بل كان محكوماً باعتبارات أيديولوجية وتاريخية وتحالفات إقليمية، أحياناً عفا عليها الزمن.

كما أن هناك الكثير من الفرص التي ضاعت سواء مع كوريا الجنوبية أو دول شبيهة لديها تجارب مشابهة، فكوريا الجنوبية مثلاً، نجحت خلال خمسين عاماً في أن تتحول من دولة فقيرة تعتمد على المعونات إلى واحدة من أكثر الاقتصادات تقدماً في العالم.

ومستقبلاً يمكن الاستفادة منها في: “نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة، شراكات تعليمية وصحية، تطوير البنية التحتية، من قطارات إلى طاقة نظيفة واتصالات، وفرص تدريب للشباب السوري في الصناعات المتقدمة”.

ويظهر من الخطوة الأخيرة أهمية تحرير السياسة الخارجية من أسر الأيديولوجيا والانحيازات القديمة التي كان النظام المخلوع يغرق سوريا فيها، والعمل على بناء علاقات متوازنة مع “شركاء حقيقيين غير قابلين للامتحان في المنافع المتبادلة”.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى