التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةتحقيقاتسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

شروط “غير مجحفة” وطمأنة إسرائيل أولوية، واشنطن- دمشق.. انفتاح محتمل/ حسن إبراهيم | هاني كرزي | عمر علاء الدين

شروط “غير مجحفة” وطمأنة إسرائيل أولوية/ حسن إبراهيم | هاني كرزي | عمر علاء الدين

 واشنطن- دمشق.. انفتاح محتمل

تحديث 15 نيسان 2025

لم تعد الشروط الأمريكية المطلوب تنفيذها من الإدارة السورية الجديدة حبيسة القنوات الدبلوماسية، فالمعلَنة منها والمسربة تدور في فلك أربعة مطالب، يصفها محللون سياسيون بأنها “غير مجحفة”، وهي تدمير أي مخازن متبقية من الأسلحة الكيماوية، والتعاون في مكافحة الإرهاب، وإبعاد المقاتلين الأجانب من مناصب حكومية عليا، وتعيين ضابط اتصال للمساعدة في الجهود الأمريكية للعثور على الصحفي الأمريكي المفقود في سوريا أوستن تايس.

هذه الشروط مقابل تخفيف واشنطن بعض العقوبات المفروضة على سوريا، لكنها تمهد لانفتاح العلاقات بين واشنطن ودمشق، وتؤسس لطي صفحة سوداء وشائكة بدأت منذ فرضت الولايات المتحدة أولى عقوباتها على سوريا، في كانون الأول 1979، عندما أدرجتها على قائمة الدول الراعية للإرهاب.

في المقابل، تبدو ملامح التزام ببعض الشروط من قبل الحكومة السورية الجديدة وعلى رأسها أحمد الشرع، منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 من كانون الأول 2024، مع إبداء المرونة والاستعداد للعمل على بعضها الآخر، بينما تبقى التحديات أمام شرط المقاتلين الأجانب وتكثيف جهود البحث عن الصحفي تايس، مع حذر بتبادل الخطوات مع واشنطن التي لا تزال مترددة ومتحفظة في التعامل مع دمشق.

الأمر ليس بهذه السهولة، وفق دبلوماسيين وسياسيين وخبراء، فالمشهد السوري معقد ومتشابك خاصة مع وجود قوات إقليمية ودولية تتقاطع وتتعارض مصالحها في البلد، لا سيما ملف إسرائيل ذات العلاقة المتينة مع أمريكا، والتي توغلت قواتها في الجنوب السوري، وخلقت ملامح مواجهة مع تركيا على الأراضي السورية.

في هذا الملف، تسلط عنب بلدي الضوء على الموقف الأمريكي تجاه سوريا ما بعد الأسد، والشروط والمطالب التي وضعتها، وتناقش مع دبلوماسيين وخبراء إمكانية تنفيذها، ومدى تأسيسها لمسار انفتاح بين الطرفين، وتأثير إسرائيل في هذا الموقف ومآلات العلاقة معها، ومستقبل العلاقة بين دمشق وواشنطن.

خطوات أمريكية بطيئة نحو دمشق

بدت الخطوات الأمريكية بطيئة تجاه سوريا، فمن حيث التوقيت تزامن سقوط النظام السوري مع تولي دونالد ترامب سدة الحكم في واشنطن، كما أبدى الأخير عدم الاهتمام بما يحصل في سوريا، إذ قال في أول تعليق له قبل هروب الأسد بيوم، إن الولايات المتحدة يجب ألا تتدخل في الصراع في سوريا، مضيفًا، “يبدو أن المعارضة السورية تتحرك بشكل كبير للإطاحة بالأسد”.

وذكر ترامب أن سوريا في حالة من الفوضى، “لكنها ليست صديقتنا ويجب ألا يكون للولايات المتحدة أي علاقة بها. هذه ليست معركتنا.. دعها تستمر.. لا تتدخلوا!”.

عقب ساعات على إعلان هروب الأسد من سوريا، أكدت الولايات المتحدة الأمريكية دعمها الكامل لعملية انتقال سياسي بقيادة وملكية سورية، ونشرت وزارة خارجيتها عدة بنود على عملية الانتقال والحكومة السورية الجديدة أن تلتزم بها وهي:

    حكم موثوق وشامل وغير طائفي يفي بالمعايير الدولية للشفافية والمساءلة، ويتفق مع مبادئ قرار “2254”، واحترام حقوق الأقليات بشكل كامل.

    تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى كل المحتاجين.

    منع استخدام سوريا كـ”قاعدة للإرهاب أو تشكيل تهديد لجيرانها”.

    ضمان تأمين أي مخزونات من الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية وتدميرها بشكل آمن.

في 20 من كانون الأول 2024، كانت أول محادثات رسمية أمريكا وأحمد الشرع، وأول زيارة لدبلوماسيين أمريكيين إلى دمشق منذ عام 2012، وبعد اللقاء بساعات، أوقفت الولايات الأمريكية رصد مكافأة مالية قيمتها 10 ملايين دولار أمريكي لمن يدلي بمعلومات حول أحمد الشرع.

في 6 من كانون الثاني الماضي، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية الترخيص رقم “24” الذي يشمل إعفاءات تهدف لتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وضمان عدم إعاقة العقوبات للخدمات الأساسية، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي، لمدة ستة أشهر، مع مراقبة ما يحصل على الأراضي السورية.

وفي 15 من كانون الثاني، اتخذت الولايات المتحدة إجراءات إضافية لتخفيف العقوبات، فيما يتعلق بالأمر التنفيذي “رقم 13894” الصادر في 14 من تشرين الأول 2019، حول “حظر الممتلكات وتعليق دخول بعض الأشخاص الذين يساهمون بالوضع في سوريا”.

    أبرز الخطوات بعد سقوط الأسد

        بسطت فصائل سورية سيطرتها على دمشق بعد السيطرة على مدن أخرى، وأنهت 53 عامًا من حكم عائلة الأسد.

        أعلنت الإدارة السورية أحمد الشرع رئيسًا للبلاد بالمرحلة الانتقالية، وإلغاء العمل بالدستور، وحل الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية ومجلس الشعب وحزب “البعث”.

        تشكيل لجنة تقصي الحقائق ولجنة لتعزيز السلم الأهلي بعد مواجهات دامية في الساحل السوري.

        توقيع اتفاق بين أحمد الشرع، وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، نص على دمج “قسد” في مؤسسات الدولة السورية، وضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية.

        توقيع إعلان دستوري يحدد المرحلة الانتقالية في البلاد بمدة خمس سنوات.

        تشكيل حكومة جديدة حلت مكان حكومة تصريف الأعمال، وضمت 23 وزيرًا.

    اعتبرت واشنطن تشكيل الحكومة السورية الجديدة “خطوة إيجابية” وشاملة من أجل سوريا شاملة وممثلة، مع التشديد على عدم تخفيف العقوبات قبل تحقيق تقدم في مجموعة أولويات، وهي نفس الشروط المطروحة يضاف إليها منع إيران ووكلائها من استغلال الأراضي السورية، وضمان أمن وحريات الأقليات الدينية والعرقية في سوريا.

جدل تأشيرات أعضاء البعثة السورية

في نيسان الحالي، خفّضت السلطات الأمريكية تأشيرات أعضاء البعثة السورية من “جي 1” المخصصة للدبلوماسيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة إلى “جي 3” الممنوحة لمواطنين أجانب يمثلون في الأمم المتحدة حكومة لا تعترف بها الولايات المتحدة، في خطوة فتحت الباب أمام الجدل حول الهدف منها، ومدى ارتباطها بموقف أمريكا من سوريا، أو حملها لرسائل سياسية.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة قدمت توجيهات إلى البعثة السورية لدى الأمم المتحدة بشأن تعديل وضع تأشيرات أعضاء بعثتها في نيويورك، مضيفًا أن الإجراء اتخذ بقرار إداري بناء على سياسة الاعتراف الأمريكية الحالية، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة لا تعترف في الوقت الحالي بأي كيان كحكومة لسوريا.

وأوضح المتحدث أنه لم يطرأ أي تغيير على امتيازات أو حصانات الأعضاء المعتمدين في البعثة السورية الدائمة لدى الأمم المتحدة.

مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية، أوضح أن الإجراء هو تقني وإداري بحت، يرتبط بالبعثة السابقة، ولا يعكس أي تغيير في الموقف من الحكومة السورية الجديدة، وقال إن وزارة الخارجية على تواصل مستمر مع الجهات المعنية لمعالجة هذه المسألة وتوضيح السياق الكامل لها، بما يضمن عدم حدوث أي التباس في المواقف السياسية أو القانونية ذات الصلة.

وفي هذا السياق، أكد المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن وضع سوريا في الأمم المتحدة لم يتغير جراء قرار تغيير تأشيرات أعضاء البعثة السورية، وأن سوريا لا تزال عضوًا بالمنظمة.

وذكر دوجاريك أن مسألة العضوية تخضع لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، لافتًا إلى أن قرار الدولة المضيفة بتغيير تأشيرات أعضاء البعثة لا يؤثر على وضع سوريا في المنظمة، كما لا يؤثر على مشاركة أعضاء البعثة الدائمين في أعمال الأمم المتحدة.

السياسي السوري المقيم في واشنطن محمد علاء غانم، قال لعنب بلدي، إن الحكومة الأمريكية لا تعترف بالإدارة السورية الجديدة منذ سقوط نظام الأسد، في 8 من كانون الأول 2024، مضيفًا أن تخفيض التأشيرات جاء تماشيًا مع اللوائح الناظمة لإصدارها.

ويرى غانم أن الأمر ليس “عقابًا” على أي شيء وغير مرتبط بأي حدث سياسي جرى مؤخرًا، مشيرًا إلى محاولات اصطياد بالماء العكر، لكن التوضيحات الرسمية حاضرة سواء من الخارجية الأمريكية أو السورية أو الأمم المتحدة.

لا ينفي غانم إمكانية وجود رسائل سياسية من هذه الخطوة، لكنه يؤكد أن ما حدث هو إجراء إداري نابع عن موقف سياسي ليس بجديد.

الإعلامي والسياسي السوري- الأمريكي أيمن عبد النور، قال لعنب بلدي، إن عدم اعتراف أمريكا بالحكومة السورية الحالية، ناجم عن طابع قانوني وليس سياسيًا، فالقانون يقول إن هذه الحكومة امتداد لـ”هيئة تحرير الشام” المصنفة “إرهابية”، وبالتالي لا يمكن الاعتراف بأي جسم تابع لها.

شروط ليست مجحفة.. لكنها قاسية

تعددت الرسائل التي تلقتها الإدارة السورية الجديدة بهذه الشروط، بدءًا بما قاله رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، جيم ريش، مرورًا بما نقلته وكالة “رويترز” عن تسليم مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، ناتاشا فرانشيسكي، قائمة شروط لتخفيف العقوبات، لوزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، على هامش مؤتمر “بروكسل”، وصولًا إلى ما قالته المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، تامي بروس، في 1 من نيسان الحالي.

بما يتعلق بشرط تدمير مخازن الأسلحة الكيماوية، قال وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في 5 من آذار الماضي، إن بلاده ملتزمة بالتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لتدمير بقايا برنامج الأسلحة الكيماوية لنظام الأسد.

وشدد الشيباني على أن التزامات سوريا في هذه المرحلة التاريخية هي تدمير بقايا برنامج الأسلحة الكيماوية الذي تم تطويره في عهد نظام الأسد، ووضع حد لهذا الإرث المؤلم، وتحقيق العدالة للضحايا، وضمان الامتثال للقانون الدولي بشكل قوي، كما شاركت سوريا، في آذار، للمرة الأولى في تاريخها، باجتماع المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية في لاهاي.

بالنسبة لشرط مكافحة “الإرهاب”، فهناك خصومة وعداء وقتال تاريخي بين تنظيم “الدولة الإسلامية” والفصائل وأبرزها “هيئة تحرير الشام”، كما كشف مسؤولون أمريكيون أن الولايات المتحدة شاركت معلومات استخباراتية مع الإدارة السورية الجديدة، أدت إلى إحباط مخطط لتنظيم “الدولة” لتفجير مقام السيدة زينب.

وفي 9 من آذار الماضي، اتفقت سوريا مع الأردن والعراق وتركيا ولبنان على إدانة الإرهاب بكل أشكاله، والتعاون في مكافحته عسكريًا وأمنيًا وفكريًا، وإطلاق مركز عمليات مشترك للتنسيق والتعاون في مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”، ودعم الجهود ومنابر العمل الإقليمية والدولية القائمة، للقضاء على التنظيم وما يمثله من خطر على أمن سوريا والمنطقة والعالم، والتعامل مع سجون عناصره.

الباحث ومدير وحدة المعلومات في مركز “جسور للدراسات”، وائل علوان، يرى أن الشروط الأمريكية في هذا التوقيت التي تحتاج فيها سوريا لرفع العقوبات بشكل أسرع، هي شروط قاسية لكنها ليست مجحفة، وأن ما تطلبه الولايات المتحدة هو جزء من أهداف الشعب السوري وما تسعى الحكومة السورية لتحقيقه.

وتتسم السياسة الأمريكية الحالية تجاه سوريا بالحذر والتجريبية، وفق الدبلوماسي السوري السابق بشار الحاج علي، إذ لم تعترف الولايات المتحدة بعد بشكل كامل بالحكومة السورية الجديدة، رغم تغيّر المعطيات على الأرض.

وقال الحاج علي لعنب بلدي، إن الأشهر الماضية شهدت تحركات سورية في ملفات حساسة مثل الأسلحة الكيماوية، وتقليص النفوذ الإيراني، والانخراط في جهود مكافحة الإرهاب، غير أن الولايات المتحدة، ورغم ترحيبها الحذر ببعض هذه الخطوات، ربطت الانفتاح السياسي بالمعالجة الجدية لملفي الصحفي الأمريكي أوستن تايس، والمقاتلين الأجانب.

ويرى الدبلوماسي السوري أن هذين الملفين في الظاهر لا يبدوان بنفس الثقل الاستراتيجي للملفات الإقليمية الكبرى، إلا أنهما يحملان رمزية سياسية وأخلاقية عالية في الوعي الأمريكي الرسمي والعام، فأوستن تايس، الضابط السابق في سلاح البحرية والمفقود منذ عام 2012، تحوّل إلى رمز لمعركة طويلة تخوضها واشنطن من أجل مواطنيها المفقودين، وترتبط قضيته بحسابات داخلية يصعب تجاهلها في أي مفاوضات.

المقاتلون الأجانب.. ملف قابل للاحتواء

يعد ملف المقاتلين الأجانب من القضايا التي لا تزال شائكة في سوريا، إذ تحدث أحمد الشرع أن منح الجنسية للمقاتلين الأجانب ليس مستحيلًا، ويمكن دمجهم في المجتمع السوري، إذا كانوا يحملون نفس أيديولوجيا وقيم السوريين، وجرى منح بعضهم رتبًا عسكرية، وذهبت ست وظائف عسكرية على الأقل في وزارة الدفاع السورية لأجانب، من أصل 50 أُعلن عنها.

الدبلوماسي بشار الحاج علي يرى أن ملف المقاتلين الأجانب متجذّر في الذاكرة الأمنية الأمريكية، التي لا تزال تتعامل بحذر مع أي مؤشر على إعادة إنتاج ظواهر العبور الجهادي عبر الحدود السورية.

ورجّح الباحث وجود احتمالية كبيرة بأن تتجاوب الإدارة السورية الجديدة مع هذا الملف، خاصة مع تزايد الضغوط الدولية عليه، مع التأكيد أن التعاطي مع ملف المقاتلين الأجانب في إطار شراكة معلوماتية، يعكس التزام دمشق بمحاربة التهديدات العابرة للحدود، لا سيما في المناطق التي لا تزال تشهد نشاطًا لعناصر متطرفة غير سورية.

الباحث وائل علوان، فرّق بين “النص” و”روح النص”، فالأول هو “المقاتلون الأجانب”، أما الثاني فهو “الجهاديون الأجانب”، لافتًا إلى أن الحكومة الجديدة بناء على تجربتها السابقة في إدلب لديها خبرة كافية لإدارة ملف الجهاديين الأجانب عبر من جزءًا من الاستقرار بدل جعلهم جزءًا من المخاطر والتحديات.

وقسم الباحث المقاتلين الأجانب إلى قسمين، الأول مجموعة من الجهاديين الذين يلتحقون بالتنظيمات الجهادية والتنظيمات المتطرفة، وهؤلاء الذين يشكلون قلقًا، يمكن أن يعادوا إلى بلادهم أو ينقلوا إلى مكان آخر، أو العمل على ضبط سلوكهم.

القسم الثاني هم الأجانب خارج معادلة التنظيمات الجهادية والفكر الراديكالي، وهم ليسوا مشكلة، فجميع الدول تعتمد على نخب وأجانب فيها طيف واسع ومتنوع من الجنسيات، وفق علوان.

ماذا عن أوستن تايس؟

بالنسبة لقضية الصحفي الأمريكي المفقود أوستن تايس، التقى أحمد الشرع مع والدة الصحفي، في 19 من كانون الثاني الماضي، وقالت إن “الإدارة السورية الجديدة تعرف ما نمر به وهي تحاول تصحيح الأمور بالنسبة لأشخاص مثلنا”.

يرى الباحث وائل علوان أن قضية تايس فرصة أمام الحكومة وليست تحديًا، معتبرًا أن الحكومة لديها قدرة وفرص للبحث عن معلومات مؤكدة حول الصحفي الأمريكي وغيره، عبر التحقيقات مع فلول النظام وتتبع المعلومات التي يمكن أن تفضي إلى تعاون أمني كبير بين الحكومة السورية والأمريكية.

الدبلوماسي بشار الحاج علي، يقترح على الإدارة السورية فتح تحقيق مستقل وشفاف مع إشراك طرف ثالث دولي حول مصير أوستن تايس، يفضي إلى تقديم رواية دقيقة، سواء أثبت وجوده على قيد الحياة أو لا، مع الاحترام الكامل للمعايير القانونية والإنسانية.

ولفت الحاج علي إلى ضرورة صدور إعلان رسمي بأن دمشق لا تحتجز حاليًا أي مواطن أمريكي، مع فتح قناة تواصل أمنية سواء مباشرة أو غير مباشرة عبر وسيط لتأكيد الجدية في التعامل مع واشنطن على قاعدة المصالح المتبادلة.

إسرائيل عامل مؤثر.. ضوء أخضر أمريكي للتصعيد

برزت إسرائيل كطرف مؤثر في مسار العلاقات بين أمريكا وسوريا، خاصة مع شن إسرائيل حملة قصف مكثفة ضد مواقع عسكرية سورية وتدميرها منذ الإطاحة بالأسد، وتوغلت في الجنوب السوري، وبرز توتر تركي- إسرائيلي إثر الحديث عن انتشار تركي متوقع في قواعد عسكرية داخل سوريا.

إسرائيل التي تواصل إطلاق تصريحات عدائية تجاه السلطات الجديدة في سوريا، تمارس ضغوطًا على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا “ضعيفة ولامركزية”، إذ أبلغ مسؤولون إسرائيليون واشنطن أن “الحكام الإسلاميين الجدد” في سوريا الذين تدعمهم أنقرة يشكلون تهديدًا لحدود إسرائيل، وفق ما نقلته وكالة “رويترز” عن مصادر مطلعة.

الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن عامر السبايلة، قال لعنب بلدي، لا شك أن إسرائيل حصلت على ضوء أخضر أمريكي للتصعيد في سوريا، منذ زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للبيت الأبيض وتزويده بالسلاح الأمريكي، لافتًا إلى ملاحظة أن الولايات المتحدة هي التي تبادر لتهديد إيران، وبدأت باستهداف أدواتها المتمثلة بالحوثي في اليمن، وضرب أي تهديد ضد حليفتها إسرائيل.

وقالت الخبيرة السياسية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط إيفا كولوريوتيس، لعنب بلدي، إن تحركات إسرائيل في سوريا تخضع لتوافق أمريكي- إسرائيلي تجاه سوريا.

وأضافت كولوريوتيس أنه رغم الدعم الأمريكي لإسرائيل في سوريا من حيث “حماية أمنها”، تبقى السياسة الأمريكية منفصلة عن السياسة الإسرائيلية في سوريا، وتجلى ذلك في دعم واشنطن للاتفاق بين “قسد” والإدارة السورية الجديدة، وهو أمر لم ترغب فيه إسرائيل.

بدوره، قال الإعلامي والسياسي السوري- الأمريكي أيمن عبد النور، لعنب بلدي، إن سوريا ليس لها وزن كبير ضمن أولويات الإدارة الأمريكية، لذلك فإن واشنطن لن تعمل من أجل وقف طموحات أي من الدول المجاورة لسوريا سواء إسرائيل أو تركيا أو الدول العربية، طالما أن ذلك لا يؤثر على الأمن القومي الأمريكي.

في السياق ذاته، قال الناشط السياسي السوري في أمريكا محمد علاء غانم، لعنب بلدي، إنه لا يبدو أن هناك أي حركة جدية أمريكية لكبح جماح تنامي النفوذ الإسرائيلي في سوريا، بل على العكس، قال سيباستيان غوركا، رئيس قسم مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض مؤخرًا، إن أمريكا ممتنة لإسرائيل لدورها في إنهاء النفوذ الإيراني في سوريا.

هل تدفع أمريكا نحو سلام بين دمشق وتل أبيب؟

في 25 من شباط الماضي، قال مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إن سوريا يمكن أن تلحق بقطار التطبيع مع إسرائيل خلال الفترة المقبلة، معتقدًا وجود إمكانية لانضمام سوريا ولبنان إلى اتفاقيات “أبراهام” للسلام والتطبيع مع إسرائيل.

اتفاقيات “أبراهام” سلسلة من اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية التي توسط فيها ترامب خلال ولايته الأولى، والتي أسفرت عن تطبيع كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب مع إسرائيل برعاية أمريكية.

وفي 16 من كانون الثاني الماضي، قالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، إن من المتوقع التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وسوريا خلال السنوات المقبلة.

الإدارة الجديدة في سوريا لم تبدِ موقفها بشأن التطبيع مع إسرائيل، لكنها أكدت رغبتها في ألا تمثل سوريا تهديدًا لدول الجوار، كما قال الشرع، إنه لا ينوي خوض صراع مسلح مع إسرائيل، معتبرًا أنها ليست المعركة التي سيخوضها.

ويرى محمد علاء غانم، أن سوريا ليست مهمة بالنسبة لواشنطن، ولكن بما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هو مهندس “الاتفاقات الإبراهيمية”، فبالتالي لو رشحت دوائر السلطة في أمريكا سوريا لتكون هدفًا جديدًا للانضمام لقطار التطبيع مع إسرائيل، فإن ذلك سيستدعي الاهتمام من ترامب بالقضية السورية.

وأضاف غانم أن المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، تحدث بشكل إيجابي عن الرئيس أحمد الشرع، وقال إن شخصيته وأفكاره ربما تغيرت عن الماضي، وبنفس الوقت قام ويتكوف بترشيح سوريا ولبنان كدولتين قد تنضمان أو تعقدان اتفاقيات سلام مع إسرائيل، ولكن هذا لا يعني أن ترامب كشخص مكترث بإنجاز اتفاق السلام الآن، ولكن ربما لاحقًا يضغط في سبيل إنجازه.

من جهته، قال أيمن عبد النور، إن أمريكا تضع عبر مبعوثها للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ونائبته مورغان أورتاغوس، خطة لإنجاز عملية التطبيع بين دمشق وتل أبيب، حيث تعتقد واشنطن أن توقيع مثل هذا الاتفاق سيزيد بشكل كبير عدد الدول العربية التي ستنضم لاتفاقيات “أبراهام”.

وأضاف عبد النور أن توقيع إسرائيل اتفاق سلام مع الحكومة السورية الحالية التي تعبّر عن المسلمين السنة المحافظين، يجعل الاتفاق أقوى مما لو تم توقيعه مع النظام السابق الذي هو علوي أقلوي، لكن إسرائيل لا تريد التوقيع مع الحكومة الحالية، لأنها ترى أن حكومة الشرع لا تمثل السوريين.

مساعٍ لحل التوتر التركي- الإسرائيلي في سوريا

بعد بروز ملامح تصعيد إسرائيلي- تركي في سوريا، تتجه الأمور نحو “الحلحلة” والاتفاق، عقب تصريحات من الطرفين، وتعهد من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بحل التوتر بينهما في سوريا، وذلك خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض.

يرى أيمن عبد النور أن الرئيس ترامب اخترع مدرسة تقوم على مبدأ الحديث عن نقاط معينة تثير زوبعة، من أجل أن تكون هناك اقتراحات مبتكرة جديدة تفتح أفاقًا جديدة للعمل، وبالتالي ليس كل ما يقوله ترامب يكون مقتنعًا به أو أنه سيقوم بتنفيذه، بل يقوله من أجل إثارة المياه الراكدة السابقة لطرح حلول جديدة، وهذا ما فعله عند حديثه عن حل التوتر التركي- الإسرائيلي.

وأضاف عبد النور أن ترامب لديه مصلحة في تخفيف العداء التركي- الإسرائيلي، ويمكن أن يسهم بحل الخلاف عن طريق لقاءات مع مسؤولي أنقرة وتل أبيب، وتقريب وجهات النظر بينهما، لكنه لن يبذل جهدًا كبيرًا بشأن إنجاز ذلك.

محمد علاء غانم، قال لعنب بلدي، إن الرئيس ترامب لديه علاقة جيدة جدًا مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وهذا الأمر أيضًا أكده مبعوثه الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي قال إن ترامب وأردوغان أجريا محادثة “رائعة”، وإن “أشياء إيجابية قادمة”، فلذلك الرئيس ترامب عرض أن يلعب دور الوسيط ما بين إسرائيل وتركيا في سوريا من أجل منع الاصطدام وحل الخلاف بينهما.

وقالت نائبة المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إن الولايات المتحدة “اتخذت بعض الخطوات البطيئة، وتقيم الوضع بصبر في صياغة سياستها تجاه سوريا”.

وأوضحت أورتاغوس أن الولايات المتحدة “كانت واضحة حيال توقعاتها من إدارة أحمد الشرع”، مضيفة أن “للولايات المتحدة مصلحة واضحة في ضمان عدم عودة إيران إلى سوريا، وفي ضمان عدم قدرة تنظيم (الدولة) على إعادة تشكيل نفسه وتهديد أمريكا أو أوروبا أو أي جهة أخرى في الشرق الأوسط”.

وذكرت المسؤولة الأمريكية أن “لدينا مصلحة هناك، لدينا صديقان عزيزان، لدينا حليفتنا في (الناتو) تركيا، ولدينا حليفتنا الأخرى، إسرائيل، وبالطبع، لدينا شراكتنا الوثيقة مع المملكة العربية السعودية، جميع هذه الدول، بما في ذلك لبنان، لديها مصلحة كبيرة لرؤية نتيجة في سوريا”.

هل يتغير الموقف الأمريكي من سوريا؟

يرى أيمن عبد النور أن الحل الوحيد للاعتراف الأمريكي بالحكومة الحالية مستقبلًا، أن يكون هذا الجسم مستقلًا وقويًا وشريكًا في السلطة وليس تابعًا لـ”هيئة تحرير الشام”، عندها ستعترف به الولايات المتحدة، لذا يجب أن يتم تغيير التقييم والوضع القانوني قبل أن يتم تغيير التقييم السياسي من قبل واشنطن.

وأضاف عبد النور أنه في حال أصبح هناك حوار وطني أوسع تنتج عنه صلاحيات أكبر للوزراء، أو اختيار وزراء لا يكون بينهم أشخاص مصنفون على قائمة “الإرهاب” أو قائمة العقوبات الأمريكية للوزراء أو لهم ممارسات سلبية سابقة، حينها تتغير الطبيعة القانونية للحكومة الجديدة، وبالتالي يتم تغيير الواقع والقرار السياسي والاعتراف بها من قبل أمريكا.

ويرى مدير قسم تحليل الدراسات في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، سمير العبد الله، أن واشنطن تراقب سلوك الإدارة السورية الجديدة، وتهدف من خلال سياستها تجاه دمشق لضمان عدم تحول سوريا إلى تهديد لإسرائيل، ومعالجة ملف “قسد” عبر حلول سلمية وتفاوضية، بالإضافة إلى ضمان حماية الأقليات.

وفي حال التزمت الإدارة السورية بهذه الشروط، فمن المرجح أن تُبادر واشنطن إلى تخفيف العقوبات تدريجيًا، وفتح قنوات تواصل جديدة، بما يفضي إلى إعادة تشكيل العلاقات بين الطرفين، لكن ذلك يظل مرهونًا بقدرة الإدارة السورية على التحول من عقلية الجماعات الجهادية إلى عقلية إدارة دولة.

ويعتقد الباحث وائل علوان بإمكانية حدوث تعاون أمريكي- سوري يكون إطاره المبدئي أمنيًا ثم قد يتطور في وقت لاحق إلى أطر أخرى، أما العقوبات والعلاقة السياسية فستبقى ورقة ضغط بيد الإدارة الأمريكية لفترة ليست قليلة لضمان الاستجابة الكاملة من الحكومة السورية الجديدة.

ويرى الدبلوماسي السابق بشار الحاج علي، أنه في حال أرادت الإدارة السورية الجديدة تحويل مقاربتها إلى مسار حوار حقيقي فعلًا، لا بد لها من التعامل مع ملفي “المقاتلين الأجانب وأوستن تايس” كاختبار حتمي لحسن النيات، لا كعبء يمكن تأجيله أو المناورة به.

وقال الحاج علي، إن الإفصاح عن حسن النيات في الشروط، وخاصة في هذين الملفين، لم يعد خيارًا سياسيًا، بل صار شرطًا ضروريًا لأي نقاش مستقبلي مع واشنطن، وربما يجد صانع القرار في دمشق، في هذه اللحظة الدقيقة، فرصة نادرة لتحويل ملف شائك إلى ورقة اعتماد، ومقدمة لتثبيت موقع جديد على الخريطة الدولية.

ويبقى مستقبل العلاقة شائكًا ورهن مسار طويل قائم على الاستجابة والمرونة، فالولايات الأمريكية كانت وما زالت لاعبًا مهمًا ومؤثرًا في سوريا، خاصة خلال الـ14 عامًا الماضية، حيث أسهمت بتغيير معالم السيطرة، سواء عبر دعمها فصائل بالأسلحة وتخليها عنها لاحقًا، أو عبر وجود عسكري، أو توافق مصالحها مع قوى ثانية، أو منح الضوء الأخضر لعمليات وضربات لجهات أخرى، أو امتلاك عصا العقوبات.

عنب بلدي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى