منوعات

ورق الحمام والنظافة الشخصية والاقتصاد الأميركي/ عمّار فراس

14 ابريل 2025

أفردت صحيفة “ذا واشنطن بوست” مقالاً تدعو فيه الأميركيين إلى عدم التسرع وصرف نقودهم على ورق الحمام بل العمل على إنقاذ مدخراتهم واتخاذ خطوات احترازية لحمايتها. تقدم المقالة تفسيرات اقتصاديّة، موضحة أنه على الأميركيين ألا يسارعوا إلى تخزين ورق الحمام، كونه لا يمكن سد الديون به، وتخزينه قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

تحول ورق الحمام في الولايات المتحدة إلى مجاز للفزع الاقتصادي، الأمر الذي حدث أثناء وباء كوفيد-19، إذ كدس الناس أكواماً كبيرة من لفافات ورق الحمام خوفاً من انقطاعها من السوق، بل وصل الأمر إلى انتشار فيديوهات الشجارات في المحلات الكبرى للحصول على أكبر كمية ممكنة.

نتناول هذا الموضوع كونه لم يعد نكتة، بل تتناوله كبرى الصحف، في محاولة للحد من الهستيريا الخاصة بانقطاعه، إذ قبل ذلك لم يكن يذكر إلا في حالات تخريب المنازل باستخدامه، أو السؤال الشعبي المتكرر على الإنترنت حول كيفية وضع ورق الحمام في مكانه: الطرف الحر للخارج أم مقابل الجدار؟

يكشف هذا الهلع المتكرر في ما يخص ورق الحمام، في كل أزمة اقتصادية تواجهها الولايات المتحدة، عطباً أساسياً في النظام الرأسمالي المتوحش، وهو أن الأزمة لا تصيب فقط الأغنياء، بل الجميع، وتهدّد أصغر متطلبات الحياة، تلك التي قد تجد السطلة نفسها عاجزة عن تأمينها. نعم قد يكون الأمر مبالغة، لكن السعي إلى التخزين والشراء يعني غياب الثقة بالإنتاج المحليّ، وأن أي أزمة قادرة أن تهدد “كلّ شيء”.

اللافت أيضاً أن التعرفة الجمركيّة التي يفرضها ترامب على “العالم”، تلك التي أوقفها لمدة 90 يوماً، وتلك المفروضة على الصين، ستهدد صورته هو، المنتجات المتعددة التي يتاجر بها ويبيعها، أغلبها مصدره الصين، أي إن “الكيتش” الوطني الذي يراهن عليه ترامب ويربح منه ليس صناعة محلية. بصورة ما، سلاح ترامب للترويج لنفسه ليس أصيلاً.

السخرية التي تعرض لها الأميركيون بسبب السعي إلى شراء ورق الحمام، رافقتها سخرية أعمق مارستها الصين، تتمثل بفيديو منتج عبر الذكاء الاصطناعي لورشة عمل يدويّة، تشبه تلك التي تتهم الصين بإنشائها ضمن نظام العمالة الرخيصة، لكن في الفيديو يظهر عمال يبدو عليهم أنهم أميركيون، والسخرية هنا تبدو عميقة، رأسمال الصين الأهم هو التعداد السكاني. وهنا المفارقة، يظهر الفيديو أن الأميركيين مضطرون إلى العمل في تلك المهن والمشاغل التي عادة ما تنشأ خارجاً، لتوفير رواتب العمالة، لكن كم أميركياً سيعمل بهذه المهن، خصوصاً أن النكتة هناك أنها مهن المهاجرين وليس “البيض”؟

مسارعة سكان العالم الجديد نحو ورق الحمام، تحرك دائماً السخرية المتكررة في العديد من الدول الإسلامية التي تستخدم خرطوم المياه عوضاً عن ورق الحمام. موضوع قد يبدو مبتذلاً ولا يستحق النقاش هنا. لكن، إن كانت “ذا واشنطن بوست” أفردت مقالاً تحذر فيه الأميركيين من تكديس ورق الحمام، ألا يصح أيضاً نصحهم باستخدام الخرطوم، والتخلص من الهوس بورق الحمام الذي يصل حد الشجار؟ المفارقة، أن الخراطيم نفسها ربما تكون مصنوعة في الصين أيضاً.

التعرفات الجمركية التي يفرضها ترامب، تحوي في ظاهرها شكلاً من أشكال الاستقلال الاقتصادي وأسلوب ترامب أو ما سماه أنصاره “فن الصفقة”، نسبة إلى الكتاب الذي ألفه محاولة لكي تعود أميركا عظيمة مرة أخرى. لكن، لنفكر فعلاً: هل علامات عظمة أميركا تتمثّل في هرع الناس إلى المتاجر لشراء ورق الحمام؟ هرع وخوف يصل حد الشجار من أجل الحفاظ على النظافة الشخصية، التي أصبحت (من وجهة نظرهم) مهددة؟

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى