منوعات

المرأة السورية في الدراما.. معارك الصمود خلف الشاشة أيضاً/ جولي بيطار

2025.04.17

تعدّ الدراما السورية مرآة للمجتمع، حيث يعكس من خلالها القضايا الاجتماعية والتاريخية والسياسية التي يعيشها الشعب السوري. واحدة من أهم القضايا التي تناولتها هذه الدراما هي دور المرأة، وكيف تطوّر تمثيلها عبر السنوات. في البداية، كان تقديم المرأة في الدراما السورية محصورًا في أدوار نمطية تقليدية، تقتصر غالبًا على شخصيات الأم الحنونة، الزوجة المخلصة، أو الفتاة الضحية. ومع مرور الوقت، بدأنا نشهد تغييرات ملحوظة في صورة المرأة على الشاشة، خاصة في الآونة الأخيرة.

الدراما السورية وصورة المرأة: بين الحكايات النمطية والتغييرات البطيئة

عندما نتحدث عن تطور المرأة في الدراما السورية، لا يمكننا إغفال التغيرات الجذرية التي شهدتها هذه الصورة مع مرور الزمن. في البداية، كانت أدوار النساء محدودة للغاية، لكن مع الوقت، حاولت بعض الأعمال الفنية تقديم صورة أكثر تعقيدًا للمرأة، وأصبح دورها في الدراما يتنوع بين الصراع والتمكين، وإن كان ذلك ببطء.

حيث نرى كيف تطورت أدوار النساء لتشمل الشخصيات المعقدة التي تتراوح بين القوة والضعف. ففي فترات أقدم بقليل، كانت الصورة التقليدية للمرأة تسيطر على الأعمال الدرامية، حيث كانت الأدوار التي تُعرض على الفنانات تتسم بالاعتمادية. إلا أن الوضع بدأ في التحسن مؤخرًا، حيث ظهرت أدوار أكثر تحديًا للنساء، أدوارٌ تجمع بين القوة والقلق، وتعكس التغيرات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها سوريا. في شهادة خاصة لـيارا صبري، إحدى أبرز الممثلات في الدراما السورية، تقول لموقع تلفزيون سوريا:: “إن هذه الأدوار لم تخرج تمامًا عن القالب التقليدي؛ حيث ما زالت المرأة تأخذ الدور المساند في أغلب الأحيان، وتظل الصورة التقليدية هي الغالبة في بعض الأعمال، لكن اليوم توجد أدوار أقوى للنساء، لا يمكن أن نقول أن الحال تمامًا كما نرغب أو كما نريد، ولكن أفضل من ذي قبل. مع أنني أفضل أن يكون البطل في العمل الدرامي هو الحكاية، وليس امرأة أو رجل “.

خلفية تاريخية سريعة: تطور تمثيل المرأة في الدراما السورية

بدأت الدراما السورية في ستينيات القرن الماضي من خلال أفلام ومسلسلات تلخص الواقع الاجتماعي السائد في تلك الفترة، وقد كانت المرأة تظهر دائمًا في أدوار تقليدية مثل الأم الحنون أو الزوجة المتفانية، لتصبح الصورة النمطية التي تُرسّخ في الأذهان. وفي السنوات التالية، استمرّت الدراما في تقديم المرأة ضمن هذه الأدوار النمطية، إلا أنه مع بداية السبعينات والثمانينات بدأنا نرى محاولات للخروج عن هذا الإطار الضيق، خصوصًا في الأعمال التي تناولت قضايا اجتماعية وسياسية، حيث بدأ ظهور بعض الشخصيات النسائية الأكثر تعقيدًا.

وفي فترة التسعينات، تطوّرت المسلسلات السورية لتركّز على قضايا المجتمع المأزوم، مثل العنف الأسري، قضايا النساء في المجتمع السوري مثل التحديات التي تواجهها المرأة في عالم العمل والتعليم. ولكن ذلك لم يكن كافيًا لتغيير الصورة التقليدية؛ فقد كانت الشخصيات النسائية في معظم هذه الأعمال ما تزال تفتقر إلى العمق الكافي.

ومع اندلاع الأزمة السورية في 2011، بدأت الدراما السورية تأخذ منحى جديدًا، حيث أصبحت المرأة السورية تظهر أكثر في أدوار مقاومة وصمود، وأصبحت جزءًا من الحكاية الوطنية لا مجرد خلفية درامية، فمسلسل قلم حمرة الذي كانت بطلته الممثلة سلافة معمار, طرح قضايا ما كانت مطروحة من قبل عن جزء صغير من معاناة النساء في الاعتقال فيما يخص دورتهن الشهرية مثلاً، فكان نقلة نوعية للوجود النسائي في الأعمال الدرامية، وكذلك عرض المسلسل جوانب مختلفة من شخصية البطلة، الأمومة والبنوة والثقافة والقوة والحب والضعف والمرض.. لقد تناول المسلسل حقيقة النساء كما هي، دون تزوير أو محدودية حيث أبرز إمكانية أن تكون المرأة قوية وعاطفية في آن معًا.

 ورغم هذا التقدم، لا تزال كثير من الأعمال تواجه صعوبة في تقديم صورة حقيقية وعميقة للمرأة، بل تسعى لتقديم صورة مُجتزأة تقليدية. لذا تظل الصورة النهائية للمرأة السورية في الدراما بحاجة إلى إعادة تفكير متعمق.

المرأة في الدراما السورية: الصورة التقليدية مقابل التحولات الاجتماعية

وضحت الفنانة يارا صبري عند سؤالها عن أدوارها النسائية المهمة التي لعبتها:”غالبًا ما كانت الأدوار التي تُعرض عليّ تتسم بتعدد الجوانب بين الصراع والقوة والقلق، وهذا يعبّر عن واقعنا كأشخاص، حيث لا توجد شخصيات أحادية البُعد في الحياة، بل نحن جميعًا نعيش بتناقضات متعددة، وأما عن أهم الأدوار النسائية فشخصية سميرة في مسلسل الانتظار كانت شخصية معقدة مليئة بالصراعات وكذلك شخصية خلود في مسلسل عصي الدمع”.

وفي سياق موازٍ، تبرز شهادة الناشطة النسوية والحقوقية نور سلام التي تقدّم وجهة نظر مهمة في هذا السياق: “لقد ابتعدت مؤخرًا عن متابعة الدراما السورية، لكن في الماضي كنت أجد فيها بعض التمثيل الإيجابي للمرأة السورية. أعجبتني الطريقة التي جُسِّدت بها شخصيات نسائية قوية في عدد من الأعمال، والتي لم تقتصر على دور المرأة الضعيفة كما هو شائع. على سبيل المثال، الشخصية التي أدّتها الراحلة نبيلة النابلسي في مسلسل الفصول الأربعة كانت تمثل امرأة قوية، حنونة، صاحبة قرار، ومتعاطفة في الوقت نفسه. كذلك، الدور الذي قدّمته سلافة معمار في مسلسل زمن العار كان عميقًا ومعقّدًا. ورغم أن تصرفات الشخصية لم تكن مقبولة اجتماعيًا، فإن طريقة تقديم الدور منحتها مساحة إنسانية جعلت الجمهور يتعاطف معها بدلاً من الحكم عليها أو كراهيتها.

هناك بالفعل صنّاع دراما مهمون في سوريا، وأتمنى أن يستمروا في الغوص أكثر في أعماق النساء، وتسليط الضوء على قضاياهن، خاصة بعد سنوات النزاع. فالدراما ليست مجرد ترفيه، بل هي مرآة للمجتمع، ولها القدرة على تحريك الرأي العام أو على الأقل المساهمة في بناء وعي جديد لدى الأجيال القادمة.”

الدور البطيء للتحولات الاجتماعية في الدراما السورية

في عالم الفن، لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي تلعبه الدراما في التأثير على المجتمع وإحداث التغيير، رغم أن ذلك يتم بشكل تدريجي بطيء وغير مباشر. يتجلى هذا التأثير في قدرة الفنانين على نقل رسائل قوية، تسهم في توجيه الوعي الجماعي حول قضايا مختلفة. من هذا المنطلق، تعبر الفنانة يارا صبري عن وجهة نظرها في دور الفن والدراما بشكل خاص في إحداث التحولات الاجتماعية.

وتقول: “الفن هو أثر الفراشة في المجتمع حيث لا يمكنه أن يغير وجهة نظر المجتمع بحدة ومباشرة لكن تظل الدراما هي وسيلة مؤثرة جداً ويتجلى دورنا في جعل هذا التأثير ايجابي، كثير من المسلسلات والأفلام تحدثت عن مشكلات حقيقية في القوانين مثل مسلسل فسحة سماوية وأسهمت بزيادة الوعي بمثل هذه القضايا المهمة…”.

بدورها ميس 27 سنة تقول: “من أوائل المسلسلات التي تناولت قضايا المراهقات كان مسلسل أشواك ناعمة الذي ترك لدي تساؤلات كثيرة، كنت صغيرة عندما شاهدته لأول مرة لكنه ترك في رأسي صورًا وحكايا لا يمكن نسيانها، فشخصية رزان مثلاً التي تقوم بأدائها الفنانة نادين تحسين بك، الفتاة التي تضحك كثيرًا ثم نكتشف أنها مكبوتة إلى حد كبير في منزلها جعلتني أفكر أكثر في الفرق بين ما يظهر للناس وما نخفيه في نفوسنا، هذا المسلسل من أحداثه إلى شارته الغنائية غيّر كثيرًا في مفاهيمي وطوّرها”.

هل تتحقق الصورة الحقيقية للمرأة السورية في الدراما؟

في بداية مرحلة جديدة من التفكير في دور الفن، يصبح صوت الفنانات محورياً في إعادة تشكيل السرديات الدرامية حول النساء. وفي هذا السياق، تأتي كلمات يارا صبري بمنزلة دعوة واضحة وملحّة: “أما ما أطمح لتمثيله بالمرحلة المقبلة فهو دور المرأة السورية في السنوات الأربعة عشر الماضية، ليس فقط النساء الثوريات، بل نضال جميع النساء السوريات اللواتي كانت حياتهن مليئة بالعمق والقوة. أطمح لتمثيل قصصهن”.

هذه الرؤية تختصر الحلم الذي يسعى إليه كثير من الفنانين والكتّاب والناشطين: دراما صادقة، عميقة، تعكس واقع النساء، وتمنحهن صوتًا وسردية تعبّر عنهن بحق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى