الضابط السوري سهيل الحسن “عميد البراميل المتفجرة”/ علي حافظ

17/4/2025
في رسالة حملت علامات الذعر من قرب انهيار نظام الرئيس بشار الأسد، وجه رامي مخلوف (قريبه وأكبر المنتفعين من نظام آل الأسد) رسالة مسجلة في 5 ديسمبر/كانون الأول 2024 -على صفحته على فيسبوك- إلى السوريين، حثهم فيها على “تنحية خلافاتهم” والتعاون مع “أخي وصديقي وحامل سري العميد سهيل الحسن.. هذا الشخص المغوار الذي كان له العديد من الانتصارات للجيش والقوات المسلحة بقيادته للقوات الرديفة” واختتم ابن خال بشار مناشدته بإعلان تخصيصه 50 مليار ليرة سورية (33 مليون دولار) للقوات العسكرية الموجودة في الأماكن التي تواجه المسلحين بمناطق ريف حماة، لتوزع بمعرفة “الضابط المتميز العميد سهيل الحسن”.
لم يتح تسارع الأحداث فرصة لاختبار قدرة الضابط المتمتع بثقة مخلوف على الوفاء بأماني الأخير. فنظام الأسدين انهار بسرعة قياسية، وفرّ بشار إلى موسكو فجر 8 ديسمبر/كانون الأول، مفسحا المجال لوصول هيئة تحرير الشام وحلفائها إلى دمشق بدون قتال.
وأضاعت جلبة الانتصار المدوي أصداء شهادة الوجه الاقتصادي والمالي الأقوى في سوريا (قبل تنحيته لصالح أسماء زوجة بشار) بالعميد الذي اقترن اسمه في ذاكرة السوريين، باجتراحه أكثر أدوات الحرب تدميرا وفتكا: البراميل المتفجرة.
غير أن الأحداث التي استجدت بعد 3 أشهر في الساحل السوري أعادت إلى الواجهة اسم هذا الضابط، مع أسماء ثلة من أشباهه. فمن مسقط رأسه في قرية بيت عانا بريف اللاذقية انطلقت شرارة المواجهات بين فلول النظام المنهار، وبين إدارة الأمن العام في 6 مارس/آذار. فبعد أن أوقع الكمين الذي نصبته الفلول 15 قتيلا من الجهة الأخيرة، اتسعت دائرة المواجهات، وشملت قتلا عشوائيا طال مدنيين، وتجري دمشق حاليا تحقيقا في ملابساته وحصيلته.
في مقابلة بثتها قناة المشهد في 9 أبريل/نيسان أقر رجل الأعمال السوري المقيم في موسكو محمد جابر بتمويل الإضرابات على مدى الأيام الثلاثة التالية. وبرر جابر وقوفه وراء العملية التي استهدفت قوى الأمن العام في الساحل السوري بارتكابها انتهاكات بحق المدنيين من أبناء الطائفة العلوية، التي ينحدر منها. علما بأن جابر نفسه كان زمن بشار يقود مليشيا محلية (شبيحة) تدعى “صقور الصحراء” وقاد شقيقه كذلك مليشيا حملت اسم “مغاوير البحر”. وعقب خلافات مع الأسد الابن عام 2016 لم تتضح ملابساتها، غادر محمد جابر سوريا، واستقر في موسكو، وتم حل مليشيا الصقور، وهو ما حصل أيضا لشبيحة “مغاوير البحر”.
وبديهي أن المساهمات في أحداث الساحل، قتالية كانت أو لوجستية، لم تقتصر على جابر. فقد أشير أيضا إلى دور جماعة مسلحة تدعى المجلس برئاسة ضابط سابق بالجيش السوري يدعى غياث دلة، وإلى دور بسام حسان الدين الضابط السابق الناشط في المليشيات التي قادها سابقا سهيل الحسن نفسه. أما دور الأخير فلم تتحد مفاصله بدقة، وإن كانت في الواقع امتدادا للملف الميداني والحقوقي الذي بناه الحسن على مدى أحداث الثورة السورية الـ14.
فالإشارة التي طاولته وردت في اليوم الثالث لأحداث الساحل حيث نقلت وكالة الأنباء السورية “سانا” عن مدير أمن محافظة اللاذقية مصطفى كنيفاني قوله إن “المجموعات المسلحة التي تشتبك معها قواتنا الأمنية في ريف اللاذقية تتبع لمجرم الحرب سهيل الحسن”. وسبقتها إشارة مماثلة مصدرها المرصد السوري لحقوق الإنسان في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2024 قيل فيها “فارق الحياة 14 عنصرا من قوى الأمن العام، نتيجة اشتباكات مع مسلحين من أتباع سهيل الحسن، واللواء محمد كنجو حسن أحد سفاحي سجن “صيدنايا”، في قرية خربة المعزة بريف طرطوس الجنوبي”.
في معايير الغرب، ينظر إلى العميد الحسن المولود عام 1970 كمجرم حرب، وهو الوصف الذي وصفته به صراحة مجلة “دير شبيغل” الألمانية في أحد تقاريرها. ووصف الصحفي والكاتب البريطاني روبرت فيسك الحسن -الذي التقاه في يونيو/حزيران 2014- بأنه من أكثر الرجال إثارة للخوف ممن التقاهم على مدى حياته. وأضاف الكاتب أن “النمر” -الذي استقبله في مقره شمالي حلب- يعتبر جنديا قاسيا جدا وعديم الرحمة، وذلك بالرغم من أنه يقرض الشعر.
وأما حقوقيا، فهو مصنف في الخانة رقم 100 من قائمة الاتحاد الأوروبي الصادرة في 30 مايو/أيار 2017 للشخصيات والكيانات السورية المستهدفة بالعقوبات وفي مقدمها الرئيس بشار. وإلى جانب اسمه الوارد بالقائمة التي تضم 233 شخصية وكيانا، ورد توصيف “قائد الفرقة الخامسة” وإلى جانبه سجلت قرينة “إعطائه أمرا لقواته بإطلاق النار على المحتجين في درعا يوم 23 يناير/كانون الثاني 2012”.
أما منظمة هيومن رايتس ووتش فنقل تقريرها الصادر في 15 ديسمبر/كانون الأول 2012 تحت عنوان “بأي طريقة.. مسؤولية الأفراد والقيادة عن الجرائم ضد الإنسانية في سوريا” -عن أحد المقاتلين المنشقين من فرع العمليات الخاصة بالمخابرات الجوية- قوله إن العقيد سهيل حسن أعطى أوامر بإطلاق النار مباشرة على المتظاهرين في 15 أبريل/نيسان 2011 أثناء مظاهرة في حي المعضمية بدمشق.
في المعيار الروسي، ينظر إلى الحسن كبطل. ففي 19 أغسطس/آب 2017، استقبله رئيس هيئة الأركان الروسي فاليري غيراسيموف في قاعدة حميميم، وسلمه رسالة تقدير من وزير الدفاع سيرغي شويغو، ثم أهداه سيفا بعد الإعراب عن “شكره للعسكريين السوريين على بطولاتهم وشجاعتهم التي يبدونها خلال العمليات المشتركة المستمرة بالتعاون مع القوات الجوية الفضائية الروسية في مكافحة تنظيم داعش (الدولة الإسلامية) الإرهابي”. وشكر غيراسيموف الحسن كذلك على “العمليات الناجحة التي يقودها، ودوره في تحرير بلدة السخنة الإستراتيجية، وإشرافه على الإنزال التكتيكي الذي نظمه، وانتهى بتحرير عدد من القرى والبلدات في حوض الفرات”.
وفي 12 ديسمبر/كانون الأول 2017 وخلال أول زيارة يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى قاعدة حميميم، كان الحسن الضباط الوحيد الذي اصطحبه معه الرئيس بشار إلى القاعدة الروسية. وفي حديث بثَّته “روسيا اليوم” وجه بوتين كلامه للحسن قائلا “زملاؤك الروس قالوا لي إنك ورجالك تحاربون بحزم وبشجاعة، وبطريقة موجهة نحو النتائج. أرجو أن يسمح لنا هذا التعاون بتحقيق المزيد من النجاح للمضي قدماً”. ووضع الحسن -الذي كان جالساً على الجانب الآخر من بوتين- يده على قلبه، وأومأ برأسه ممتناً.
ويرتبط موقف السوريين من الحسن بموقفهم من النظام ورموزه. فبينما ينظر له أمثال مخلوف بالبطل ويلقبونه بـ”النمر” يعتبره السوريون الآخرون رمزا للوحشية. ويشير موقع “مع العدالة” إلى سجله بالقول إنه “لم يتورع عن ارتكاب المجازر المروعة ضد المدنيين في أحياء: الإخلاص، الشيخ سعد، المزة، الميدان، الزاهرة، مخيم اليرموك. وكذلك في: دوما، حرستا، جديدة الفضل، قطنا، الزبداني، مضايا، معضمية الشام، داريا بمحافظة ريف دمشق. كما أمعن في تنفيذ عمليات الاعتقال والتوقيف العشوائي، والتعذيب وتكسير الأطراف في الشوارع العامة بحق المتظاهرين”.
واعتبر موقع “مع العدالة” الحسنَ “أبرز المسؤولين عن الانتهاكات التي وقعت بحلب الشرقية والتي راح ضحيتها نحو 1370 قتيلا في صفوف المدنيين. يضاف إلى ذلك سجله الدموي في إلقاء البراميل المتفجرة، والتي أودت بحياة الآلاف من المدنيين”. ويورد الموقع -في ختام سجل توثيقي للعميد الحسن- قائمة بـ10 مجازر ارتكبتها قواته أولها في حماة يوم 24 أبريل/نيسان 2012 وآخرها في الغوطة الشرقية بريف دمشق بين مارس/آذار وأبريل/نيسان 2018، واستخدمت فيها “جميع الأسلحة المحرمة بما فيها السلاح الكيميائي”.
وخلال ممارساته لأبشع فظائع عرفها السوريون خلال أعوام الثورة، كان الحسن مقتصدا في الكلام والتصريح وتسجيل المواقف. وإذا ظهر أي منها فإنه كان مقتصرا على إسداء المواعظ أو تبجيل الرئيس كقوله “اتبعوا أركان الإيمان وهي أربعة أولها الصدق وآخرها الجهاد في سبيل الله”!. ثم قوله في تسجيل يعود للعام 2015 “كنت أرى صورة قائدي وسيدي المجاهد الأول بشار حافظ الأسد ترتسم على جبين الشمس، أما الآن فأنا أراه كالقمر الساطع”.
الجزيرة