الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

صناعة المناهج التعليمية للأطفال في سوريا الجديدة/ ميساء حسين

2025.04.20

تلعب المناهج التعليمية دوراً محورياً في تشكيل شخصية الطفل وتوجيه سلوكه، كما تسهم في بناء معارفه ومهاراته وقيمه منذ السنوات الأولى من عمره. وفي سوريا، التي خرجت من حرب قاسية امتدت لسنوات طويلة، تزداد أهمية إعادة التفكير في كيفية صناعة المناهج التعليمية للأطفال، خاصة بعد أن تسببت الحرب في تدمير نحو 60 بالمئة من المدارس وانقطاع عدد كبير من الأطفال عن التعليم، فضلاً عن تراكم آثار نفسية واجتماعية عميقة.

ومن التحديات التاريخية التي واجهها التعليم السوري، أن المناهج كانت تُستخدم لأغراض حزبية ضيقة وتكريس مفاهيم دكتاتورية، الأمر الذي يدفعنا اليوم لصياغة منهج جديد يؤمن بالحرية والتعددية ويركز على بناء إنسان حر وفاعل.

أولاً: ما هو المنهج التعليمي؟

 المنهج التعليمي لم يعد مجرد كتاب مدرسي أو مجموعة من الدروس المقررة، بل هو منظومة متكاملة تشمل كل ما يتعلمه الطفل داخل المدرسة وخارجها. يشمل ذلك المحتوى الدراسي، أساليب التدريس، الأنشطة المرافقة، والتقويم، وحتى القيم والاتجاهات التي يُراد غرسها. وفقاً للمنظور الحديث، يُنظر إلى المنهج على أنه عملية ديناميكية تهدف إلى تطوير الطفل في جميع جوانب شخصيته.

ثانياً: المصادر التي تُبنى عليها صناعة المنهج

 تعتمد صناعة المنهج التعليمي على عدة مصادر رئيسية، يمكن تلخيصها فيما يلي:

    خصائص النمو لدى الأطفال

يأخذ المنهج الجيد بعين الاعتبار المراحل العمرية المختلفة وخصائص كل مرحلة، سواء كانت جسدية أو معرفية أو اجتماعية أو نفسية. فالطفل في سن الثالثة لا يتعلم بنفس طريقة طفل في العاشرة، ولهذا يجب أن تكون المناهج مرنة ومناسبة لنمو الطفل.

    الثقافة والبيئة الاجتماعية

 في السياق السوري، ينبغي أن يعكس المنهج التعدّد الثقافي والديني، ويعيد الاعتبار لمفهوم المواطنة الجامعة. كما يجب أن يكون حساساً للواقع الاجتماعي والنفسي للأطفال الذين عاشوا في بيئات الحرب والنزوح والحرمان.

    الأهداف التربوية

 تشكل الأهداف القاعدة التي يُبنى عليها المنهج، وهي تحدد الغاية النهائية منه. في الحالة السورية، ينبغي أن تهدف هذه المناهج إلى إعادة بناء الثقة بالمدرسة، دعم التماسك الاجتماعي، وتمكين الأطفال من التعبير عن أنفسهم بحرية وتنمية تفكيرهم النقدي.

    المعارف والعلوم الحديثة

 تتغير المعارف باستمرار، ولهذا يجب أن يكون المنهج مواكباً لأحدث ما توصلت إليه العلوم المختلفة، مع التركيز على بناء المهارات الحياتية والتقنية التي تُعدّ الأطفال للاندماج في عالم معقد ومتشابك.

    التجارب والخبرات السابقة

 تُستفاد من النماذج الناجحة محلياً وعالمياً في صناعة المناهج، كمنهج منتسوري، ريجيو إيميليا، والدورف، وغيرها. ويجب مراجعة التجربة السورية السابقة بوعي نقدي، للتخلّص من التلقين الإيديولوجي وتعزيز التفكير المستقل.

    الوسائل والتكنولوجيا

نظراً للدمار الذي طال البنية التحتية في سوريا، يمكن أن تساهم الوسائل التكنولوجية والمنصات الرقمية في تعويض النقص، إذا ما تم استخدامها بذكاء لتوفير التعليم عن بُعد وتقديم محتوى تفاعلي وجاذب.

ثالثاً: خطوات تصميم المنهج

عملية تصميم المنهج ليست عشوائية، بل تمر بعدة مراحل مترابطة

    تحليل خصائص الفئة المستهدفة: فهم قدرات الأطفال، خلفياتهم الاجتماعية والثقافية، وظروفهم النفسية بعد الحرب.

    تحديد الأهداف: وضع أهداف عامة وأخرى خاصة تتوافق مع احتياجات إعادة الإعمار الاجتماعي والنفسي، وتعزز قيم التعايش والمواطنة وحقوق الإنسان.

    اختيار المحتوى: ينبغي أن يكون المحتوى مناسباً للعمر، متدرجاً، ومتصلاً بالحياة الواقعية، ويُعيد ربط الطفل ببيئته وهويته دون حشو أو شعارات فارغة.

    تنظيم المحتوى: يُنظم المحتوى بشكل هرمي من البسيط إلى المعقد، ومن المعلوم إلى المجهول، مع مراعاة التكامل بين المواد المختلفة وتجاوز الفصل الجامد بينها.

    اختيار طرق التدريس: يُفضل استخدام الأساليب النشطة والتفاعلية، مثل التعلم من خلال اللعب، المشاريع، التعلم التعاوني، والحكاية، وهي أدوات فعّالة في معالجة صدمات ما بعد الحرب.

    التقويم: لا يقتصر على الاختبارات، بل يشمل ملاحظات المعلم، ملفات الإنجاز، التقييم الذاتي، والتقييم التكويني المستمر، مع التركيز على تقدم الطفل لا على مقارنته بغيره.

رابعاً: مناهج تعليمية رائدة على مستوى العالم

من المفيد الاطلاع على بعض النماذج العالمية التي أثبتت فعاليتها في تعليم الأطفال:

    منهج منتسوري: يركز على استقلالية الطفل، ويمنحه حرية اختيار الأنشطة في بيئة معدّة جيداً ومحفّزة.

    منهج والدورف: يعتمد على الدمج بين العقل، اليد، والقلب، ويركز على الفنون والخيال واللعب الإبداعي.

    ريجيو إيميليا: منهج يقوم على احترام قدرات الطفل ويشجعه على التعبير الحر، ويؤمن بأن كل طفل له مئة لغة للتعبير.

خامساً: التحديات الراهنة في صناعة المناهج

في سوريا رغم التطور في الفكر التربوي، لا تزال صناعة المناهج في سوريا تواجه تحديات عدّة، منها:

    الإرث السياسي للمناهج: التحرر من المناهج السابقة التي كرّست فكراً أحادياً وديكتاتورياً مهمة أساسية لإعادة بناء تعليم حر ومنفتح.

    ضعف البنية التحتية: تدمير عدد كبير من المدارس ونقص الكوادر المؤهلة يعقّد مهمة تطبيق أي منهج جديد.

    المركزية الزائدة: تصميم المناهج من جهات مركزية دون إشراك المعلمين أو الميدان التربوي يفقدها المرونة والواقعية.

    غياب الدعم النفسي: لا بد من دمج الدعم النفسي ضمن المنهج، لا كمادة منفصلة بل كأسلوب تفكير وأسلوب تدريس يعيد التوازن للأطفال المتضررين.

إن صناعة المنهج التعليمي للأطفال في سوريا ما بعد الحرب ليست مجرد عملية تقنية، بل هي مشروع وطني وإنساني يتطلب رؤية تربوية جديدة تنطلق من واقع الطفل السوري واحتياجاته الحقيقية. المناهج اليوم يجب أن تكون أكثر من مجرد أدوات تعليمية، بل جسراً نحو التعافي، والمصالحة، وبناء مستقبل قائم على الحرية، الإبداع، والانتماء. إن نجاح هذا المشروع مرهون بإرادة حقيقية لتجاوز الماضي والانفتاح على المستقبل، وإشراك كل الفاعلين التربويين في هذه المهمة النبيلة.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى