سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعنقد ومقالات

اتحاد الكتّاب العرب.. من القيادة القطرية إلى الأمانة السياسية/ عقبة زيدان

20 أبريل 2025

منذ أيام، وحين صدر قرار بتكليف مجلس جديد لاتحاد الكتاب العرب، وضجّت وسائل التواصل بالخبر، تنبَّهتُ إلى أن الاتحاد لا يزال موجودًا. ولو تم سابقًا إلغاء اتحاد الكتاب العرب في سوريا، لما كنت آسفًا عليه؛ إذ إن تاريخه في الرقابة المشينة على المخطوطات ومنع الكتب وفصل بعض الأعضاء، لا يجعلني أتوقف للحظة للتفكير في مصيره.

لم يخطر ببالي يومًا أن أنتسب إلى اتحاد كتاب عرب تقوده هذه العقلية الإقصائية، بوصفه اتحادًا مغتصَبًا من قبل القيادة القطرية لحزب البعث، وكنت أنظر إليه كمنظمة مرتهنة في قراراتها لمزاجيات أعضاء في القيادة الحزبية، أولئك الذين لم يكونوا على صلة بالثقافة، وانصبّ جلّ اهتمامهم على تعيين من يكون مواليًا لهم، ومواليًا شرسًا للسلطة الحاكمة في تبني قراراتها وتوجهاتها في قمع الأصوات الوطنية النظيفة. وكنت أنظر إلى الاتحاد على أنه فرع من فروع الحزب المنتشرة في المحافظات، أو فروع الشبيبة أو الطلائع.

على مدى حكم الأسدين الفاشيين، كانت مسرحية انتخاب رئيس الاتحاد وأعضاء المكتب التنفيذي مكشوفة تمامًا. ففي زمن ما، تم تخفيض عضوية جلال فاروق الشريف، وهو أحد مؤسسي حزب البعث. وكان سبب هذا التخفيض أنه لم يوافق على تجديد انتخاب رئيس الاتحاد الذي فرضته القيادة الحزبية. وهكذا، فقد استطاع رئيس الاتحاد الأمني بجدارة، أن يعيد الشريف إلى مرتبة حزبية لم يمر بها سابقًا. ثم يأتي من يقول لنا الآن إن “مؤتمرات الاتحاد تميزت بالصراحة في تناول الشؤون العامة” وأن “الاتحاد رفض تدخل حزب البعث في المؤتمر”؛ وكأننا نعيش في كوكب آخر، ولا نعرف ماذا يجري في وطن يُعتقل فيه المرء بسبب مزحة على مواقع التواصل أو بسبب كلمة غير مقصودة على الهاتف.

وأكثر من ذلك، فنحن نعرف أن أي منظمة مهما كانت، يجب أن تكون مهمتها حماية أعضائها. أما اتحاد الكتاب، فكان سباقًا لمعاقبة الكتّاب وفصلهم عندما لا يخضعون لإملاءات رئيسه الخاضع والمنفذ لأوامر قيادته.

ما أكتبه الآن، ليس تعاطفًا مع ما جرى من تغيير في هرم الاتحاد وأعضاء المكتب التنفيذي، وإنما تساؤل عن الكيفية التي تمت بها عملية التغيير. لقد قرأتُ البيان الصادر عن أعضاء الاتحاد، الذي تحدث عن “استقلالية وشفافية” هذه المؤسسة، وعن إيمان الأعضاء الراسخ بأن “التداول الديمقراطي للمناصب والمواقع هو السبيل الأوحد لضمان الشرعية والتمثيل الحقيقي للإرادة الجمعية لأعضائه”. وكل هذا الكلام لم يكن يترجم على أرض الواقع في السابق. ومن ثم فإن بعض الأصوات كانت تؤكد أن الاتحاد كان يتخذ مواقف وطنية بمعزل عن السلطة (وكأن السلطة لم تكن موافقة على ذلك)، ومثال ذلك “عدم الاعتراف بكيان العدو مهما كان الموقف الرسمي من ذلك. وقدم الاتحاد وثيقة الشرف التي تنص على رفض الصهيونية. وخرق حصار العراق بأدوية الأطفال”.

من السخف الرد على هذه العبارات الرنانة، إذ إن الشعب السوري منذ الاستقلال يناهض الصهيونية، وقد نشأ على العداء لإسرائيل. وليس هذا امتيازًا للاتحاد، أو شيئًا يتباهى به، لأنه عُرف سوري عام. ولكن هناك تساؤلات مطروحة: لماذا لم يقم الاتحاد نفسه برفض الحرب على العراق عندما قامت القيادة بإرسال قواتها؟ ولماذا لم يقم الاتحاد بأي دور (كلمة) تدين قصف الأسد للمدن السورية؟ ولماذا لم يقف الاتحاد في مواجهة الاعتقالات التي طالت مفكرين كبارًا؟

ومع ذلك، يحق لأعضاء الاتحاد اتخاذ الموقف الذي يرونه يعبر عن مصالحهم ومصالح منظمتهم، حتى ولو لم أقتنع بكثير من الشعارات التي دبجوا بها بيانهم حول “الشرعية المؤسسية” و”أن إصدار القرار كان دون الرجوع إلى قواعد الانتخاب الأصولية”، ولكنني أحترم حقهم في التعبير عن رأيهم في الآلية المستخدمة في التعامل معهم.

مشروعية القرار

صدر قرار عن الأمانة العامة للشؤون السياسية في وزارة الخارجية السورية، بتشكيل مجلس مؤقت لتسيير أعمال اتحاد الكتاب العرب. ولم يذكر القرار تنحية أو إنهاء عمل المجلس السابق، وكأن لا وجود له. وإذا كانت الإدارة الجديدة لا تعترف بالمجلس السابق، فلماذا تركته يعمل أربعة أشهر؟ وما هو مصير هؤلاء الذين تم التخلي عنهم وهم على رأس عملهم؟

هل يمكن طرح تساؤل حول علاقة وزارة الخارجية باتحاد الكتاب العرب في سوريا، الذي هو جزء من الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب؟ وهل يصبح هذا القرار نافذًا، من دون علم وموافقة الأمانة العامة؟

لقد كان على وزارة الخارجية أن تتخذ قرارها بناء على التشريعات والقوانين المعروفة، إذ إن الاتحاد أسس في سوريا بناء على مرسوم تشريعي عام 1969، ويتطلب تغيير المجلس إلغاء هذا المرسوم، لا أن تقوم الأمانة العامة للشؤون السياسية ــ مع أنها مختصة بالشؤون السياسية وليس الثقافية ــ بتكليف مجلس جديد من دون العودة إلى وزارة الثقافة، كما ينص مرسوم تأسيس الاتحاد.

وبغض النظر عن التداخلات بين الوزارات، التي لا تبدو واضحة إلى الآن، وعن أهلية هذا القرار، فإن جدية ما يمكن أن يقوم به الاتحاد لاحقًا، يستوجب أن تكون هناك خطة واضحة بشأن مدى فاعلية الاتحاد على المستوى الوطني والعربي، ومدى قدرته على أن يكون مستقلًا في قراراته، وليس مرتهنًا للسلطة السياسية، وأن تلغى الرقابة على المخطوطات، وأن يتم الدفاع عن الكتاب والمثقفين؛ وأن يحارب البطش والديكتاتورية وضيق الأفق، التي وصمت عقلية بعض رؤساء الاتحاد سابقًا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى